القسم الأول في الطاعات و آداب الاستيقاظ من النوم و دخول الخلاء والوضوء >> كتاب بداية الهداية
محتويات
القسم الأول في الطاعات توطئة
اعلم أن أوامر الله تعالى فرائض ونوافل؛ فالفرض رأس المال، وهو أصل التجارة وبه تحصل النجاة، والنفل هو الربح وبه الفوز بالدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تبارك وتعالى: (ما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم، ولا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها).
ولن تصل أيها الطالب إلى القيام بأوامر الله تعالى إلا بمراقبة قلبك وجوارحك في لحظاتك وأنفاسك، حين تصبح إلى حين تمسى. فاعلم أن الله تعالى مطلع على ضميرك، ومشرف على ظاهرك وباطنك، ومحيط بجميع لحظاتك، وخطراتك، وخطواتك، وسائر سكناتك وحركاتك؛ وأنك في مخالطتك وخلواتك متردد بين يديه؛ فلا يسكن في الملك والملكوت ساكن، ولا يتحرك متحرك، إلا وجبار السموات والأرض مطلع عليه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم السر وأخفى؛ فتأدب أيها المسكين ظاهرا وباطنا بين يدي الله تعالى تأدب العبد الذليل المذنب في حضرة الملك الجبار القهار، واجتهد ألا يراك مولاك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.
ولن تقدر على ذلك إلا بأن توزع أوقاتك، وترتب أورادك من صباحك إلى مسائك، فاصغ إلى ما يلقى إليك من أوامر الله تعالى عليك من حين تستيقظ من منامك إلى وقت رجوعك إلى مضجعك.
؟؟
فصل في آداب الاستيقاظ من النوم
فإذا استيقظت من النوم، فاجتهد أن تستيقظ قبل طلوع الفجر، وليكن أول ما يجري على قلبك ولسانك ذكر الله تعالى؛ فقل عند ذلك: الحمدلله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور، أصبحنا وأصبح الملك لله، والعظمة والسلطان لله، والعزة والقدرة لله رب العالمين، أصبحنا على فطرة الاسلام، وعلى كلمة الاخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين؛ اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور؛ اللهم إنا نسألك أن تبعثنا في هذا اليوم إلى كل خير، ونعوذ بك أن نجترح فيه سوءا أو نجره إلى مسلم، أو يجره أحد إلينا؛ نسألك خير هذا اليوم وخير مافيه ونعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما فيه.
فإذا لبست ثيابك فانو به امتثال أمر الله تعالى في ستر عورتك، واحذر أن يكون قصدك من لباسك مراءاة الخلق فتخسر.
؟؟
باب آداب دخول الخلاء
فإذا قصدت بيت الماء لقضاء الحاجة، فقدم في الدخول رجلك اليسرى، وفي الخروج رجلك اليمنى، ولا تستصحب شيئا عليه اسم الله تعالى ورسوله. ولا تدخل حاسر الرأس، ولا حافي القدمين.
وقل عند الدخول: باسم الله، أعوذ بالله من الرجس النجس، الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم.
وعند الخروج: غفرانك، الحمدلله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى في ما ينفعني.
وينبغي أن تعدل النبل قبل قضاء الحاجة، والا تستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة، وأن تستبرىء من البول بالتنحنح والنتر ثلاثا، وبإمرار اليد اليسرى على أسفل القضيب.
وإن كنت في الصحراء، فابعد عن عيون الناظرين واستتر بشيء إن وجدته، ولا تكشف عورتك قبل الانتهاء إلى موضع الجلوس.
ولا تستقبل الشمس ولا القمر، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولا تجلس في متحدث الناس، ولا تبل في الماء الراكد وتحت الشجرة المثمرة، ولا في الجحر، واحذر الارض الصلبة ومهب الريح، احترازا من الرشاش لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن عامة الوسواس منه).
واتكىء في جلوسك على الرجل اليسرى، ولا تبل قائما إلا عن ضرورة، واجمع في الاستنجاء بين استعمال الحجر والماء، فإذا أردت الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل، وإذا اقتصرت على الحجر فعليك أن تستعمل ثلاثة أحجار طاهرة منشفه للعين، تمسح القضيب في ثلاثة مواضع من حجر، فإن لم يحصل الإنقاء بثلاثة فتمم خمسة أو سبعة إلى أن ينقى بالإيتار؛ فالإيتار مستحب والانقاء واجب. ولا تستنج إلا باليد اليسرى.
وقل عند الفراغ من الاستنجاء: اللهم طهر قلبى من النفاق وحصن فرجي من الفواحش. وادعك يدك بعد تمام الاستنجاء بالارض أو بحائط ثم اغسلها.
باب آداب الوضوء
فإذا فرغت من الاستنجاء، فلا تترك السواك؛ن فإنه مطهرة للفم، ومرضاة للرب، ومسخطة للشيطان وصلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك. وروي عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك في كل صلاة)، وعنه صلى الله عليه وسلم: (أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي).
ثم اجلس للوضوء مستقبل القبلة على موضع مرتفع كي لا يصيبك الرشاش، وقل بسم الله الرحمن الرحيم، رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب بأن يحضرون.
ثم اغسل يديك ثلاثا قبل أن تدخلهما الإناء، وقل: اللهم إني أسألك اليمن والبركة، وأعوذ بك من الشؤم والهلكة.
ثم انو رفع الحدث واستباحة الصلاة، ولا ينبغي أن تعزب نيتك قبل غسل الوجه، فلا يصح وضؤوك.
ثم خذ غرفة لفمك وتمضمض بها ثلاثا، وبالغ في رد الماء إلى الغلصمة إلا أن تكون صائما فترفق، وقل اللهم أعني على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك، وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ثم خذ غرفة لأنفك واستنشق بها ثلاثا، واستنثر ما في الأنف من رطوبة، وقل في الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة وأنت عني راض، وفي الاستنثار: اللهم إني أعوذ بك من روائح النار وسوء الدار.
ثم خذ غرفة لوجهك، فاغسل بها من مبتدأ تسطيح الجبهة إلى منتهى ما يقبل من الذقن في الطول، ومن الأذن في العرض، وأوصل الماء إلى موضع التجديف، وهو ما يعتاد النساء تنحية الشعر عنه، وهو ما بين رأس الأذن إلى زاوية الجبين، أعني ما يقع منه في جبهة الوجه، وأوصل الماء إلى منابت الشعور الأربعة: الحاجبين، والشاربين، والأهداب، والعذران (وهما ما يوازيان الأذنين، من مبتدأ اللحية)، ويجب إيصال الماء إلى منابت الشعر من اللحية الخفيفة، دون الكثيفة؛ وقل عند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك، ولا تسود وجهي بكلماتك يوم تسود وجوه أعدائك.. ولا تترك تخليل اللحية الكثيفة.
ثم اغسل يدك اليمنى، ثم اليسرى مع المرفقين إلى أنصاف العضدين، فإن الحلية في الجنة تبلغ مواضع الوضوء. وقل عند غسل اليد اليمنى: أعطني كتابي بيميني، وحاسبني حسابا يسيرا، وعند غسل الشمال: اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي أو من وراء ظهري.
ثم استوعب رأسك بالمسح، بأن تبل أيداك وتلصق رؤوس أصابع يدك اليمنى باليسرى، وتضعهما على مقدمة الرأس، وتمررهما إلى القفا، ثم ترددهما إلى المقدمة، فهذه مرة، تفعل ذلك ثلاث مرات، وكذلك في سائر الأعضاء، وقل: اللهم غشني برحمتك، وأنزل على من بركاتك، وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم حرم شعري وبشرى على النار.
ثم امسح أذنيك ظاهرهما وباطنهما بماء جديد، وأدخل مسبحتك في صماخ أذنيك، وأمسح أذنيك ببطن إبهاميك، وقل: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم أسمعني منادى الجنة في الجنة مع الأبرار.
ثم امسح رقبتك، وقل: اللهم فك رقبتي من النار، وأعوذ بك من السلاسل والأغلال.
ثم اغسل رجلك اليمنى ثم اليسرى مع الكعبين، وخلل بخنصر اليسرى أصابع رجلك اليمنى مبتدئا بخنصرها، حتى تختم بخنصر اليسرى، وتدخل الأصابع من أسفل، وقل: اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم مع أقدام عبادك الصالحين.. وكذلك تقول عند غسل اليسرى: اللهم إني أعوذ بك آن تزول قدمي على الصراط في النار يوم تزل أقدام المنافقين والمشركين. وارفع الماء إلى أنصاف الساقين، وراع التكرار ثلاثا في جميع أفعالك.
فإذا فرغت فارفع بصرك إلى السماء، وقل: اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، تسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أنت التواب الرحيم، اللهم اجعلني من التوابين؛ واجعلني من المتطهرين، واجعلني من عبادك الصالحين واجعلني صبورا، شكورا، واجعلني أذكرك ذكرا كثيرا، وأسبحك بكرة وأصيلا.
فمن قرأ هذه الدعوات في وضوئه خرجت خطاياه من جميع أعضائه، وختم على وضوئه بخاتم، ورفع له تحت العرش، فلم يزل يسبح الله تعالى ويقدسه، ويكتب له ثواب ذلك إلى يوم القيامة.
واجتنب في وضوئك سبعا: لاتنفض يديك فترش الماء، ولا تلطم وجهكن ورأسك بالماء لطما، ولا تتكلم في أثناء الوضوء، ولا تزد في الغسل على ثلاث مرات، ولا تثكر صب الماء من غير حاجة بمجرد الوسوسة، فلموسوسين شيطان يضحك بهم يقال له (الولهان) ولا تتوضأ بالماء المشمس ولا من الأواني الصفرية، فهذه السبعة مكروهه في الوضوء.
وفي الخبر أن : (من ذكر الله عند وضوئه طهر الله جسده كله، ومن لم يذكر الله لم يطهر منه إلا ما أصابه الماء).
؟