المحتويات
- بابُ القُنوتِ في الصُّبح
- بابُ التشهّدِ في الصَّلاة
- فصل: في ألفاظ التشهد
- فصل:مايقال في التشهد
- فصل:الترتيب في التشهد مستحب
- فصل: السنّة في التشهد الإِسرار
- بابُ الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم بعد التشهّد
- بابُ الدُّعَاء بعدَ التشهّدِ الأخير
- بابُ السَّلام لِلتحلُّل من الصَّلاة
- بابُ ما يقولُه الرجلُ إذا كلَّمه إنسانٌ وهو في الصَّلاة
- بابُ الأذكارِ بعدَ الصَّلاة
- بابُ الحثِّ على ذكرِ اللَّه تعالى بعدَ صَلاةِ الصُّبح
- االعودة إلي كتاب الأذكار للنووي
بابُ القُنوتِ في الصُّبح
اعلم أن القنوتَ في صلاة الصبح سنّة للحديث الصحيح فيه:
1/130 عن أنس رضي اللّه عنه:
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا. رواه الحاكم أبو عبد اللّه في كتاب الأربعين، وقال: حديث صحيح.
واعلم أن القنوت مشروع عندنا في الصبح وهو سنّة متأكدة، لو تركه لم تبطل صلاته لكن يسجد للسهو سواء تركه عمداً أو سهواً. وأما غير الصبح من الصلوات الخمس فهل يقنت فيها؟ فيه ثلاثة أقوال للشافعي رحمه اللّه تعالى: الأصحُّ المشهورُ منها أنه إن نزل بالمسلمين نازلة قنتوا، وإلا فلا. والثاني: يقنتون مطلقاً. والثالث: لا يقنتو مطلقاً، واللّه أعلم.
ويستحبُّ القنوت عندنا في النصف الأخير من شهر رمضان في الركعة الأخيرة من الوتر، ولنا وجه أن يقنت فيها في جميع شهر رمضان، ووجه ثالث في جميع السنة وهو مذهبُ أبي حنيفة، والمعروف من مذهبنا هو الأوّل، واللّه أعلم. (14)
فصل: محل القنوت
فصل: اعلم أن محل القنوت عندنا في الصبح بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية. وقال مالك رحمه اللّه: يقنت قبل الركوع. قال أصحابنا: فلو قنت شافعي قبل الركوع لم يُحسبْ له على الأصحّ، ولنا وجه أن يحسب، وعلى الأصحّ يعيده بعد الركوع ويسجد للسهو، وقيل لا يسجد،
قنوت النبي
وأما لفظه فالاختيار أن يقول فيه: 2/131 ما رويناه في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرها بالإِسناد الصحيح، عن الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما قال:
علّمني رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلماتٍ أقولُهُنَّ في الوتر: "اللَّهُمَّ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وعَافِني فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلّني فِيمَن تَوَلَّيْتَ، وبَارِكْ لِي فِيما أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ ما قَضَيْتَ، فإنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنا وَتَعالَيْتَ". قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: ولا نعرف عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا. وفي رواية ذكرها البيهقي أن محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: إن هذا الدعاء هو الدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته. ويستحبُّ أن يقولَ عقيب هذا الدعاء: اللَّهُمَّ صَلّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلِّم، فقد جاء في رواية النسائي في هذا الحديث بإسناد حسن (15) "وَصَلَى اللَّهُ على النَّبِيّ".
قنوت عمر
قال أصحابنا: وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان حسناً، وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُد، ولَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُد، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجِدَّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ. اللَّهُمَّ عَذّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقاتِلُونَ أوْلِيَاءَكَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ والمُسْلِمِيَ والمُسْلِماتِ، وأصْلِح ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِم الإِيمَانَ وَالحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللّه عليه وسلم، وَأَوْزِعْهُمْ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذي عاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ على عَدُّوَكَ وَعَدُوِّهِمْ إِلهَ الحَقّ وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ (16) وهو موقوف صحيح موصول
واعلم أن المنقول عن عمر رضي اللّه عنه: عذِّب الكفرة أهل الكتاب؛ لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب؛ وأما اليوم فالاختيار أن يقول: "عذّب الكفرة" فإنه أعمّ. وقوله نخلع: أي: نترك، وقوله يفجر: أي: يلحد في صفاتك، وقوله نحفِد بكسر الفاء: أي: نُسارع، وقوله الجِدّ بكسر الجيم: أي: الحق، وقوله مُلْحِق بكسر الحاء على المشهور ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره، وقوله: ذات بينهم، أي: أمورهم ومواصلاتهم، وقوله الحكمة: هي كل ما منع من القبيح، وقوله وأوزعهم: أي: ألهمهم، وقوله واجعلنا منهم: أي: ممّن هذه صفته. قال أصحابنا: يستحبّ الجمع بين قنوت عمر وما سبق، فإن جمع بينهما فالأصحّ تأخير قنوت عمر، وإن اقتصر فليقتصر على الأوّل، وإنما يُستحبّ الجمع بينهما إذا كان منفرداً أو إمامَ محصورين يرضون بالتطويل، واللّه أعلم.
واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأيّ دعاء دعا به حصل القنوت ولو قَنَتَ بآيةٍ أو آياتٍ من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنّة. وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يتعين ولا يجزىء غيره.
واعلم أنه يستحبّ إذا كان المصلِّي إماماً أن يقول: اللَّهمّ اهدِنا بلفظ الجمع وكذلك الباقي، ولو قال اهدني حصل القنوت وكان مكروهاً، لأنه يكره للإِمام تخصيص نفسه بالدعاء.
3/132 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن ثوبان رضي اللّه عنه قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا يَؤُمَّنَّ عَبْدٌ قَوْماً فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فإنْ فَعَلَ فَقَدْ خانَهُمْ" قال الترمذي: حديث حسن. (17)
فصل: حكم رفع اليدين في دعاء القنوت
فصل: اختلف أصحابنا في رفع اليدين في دعاء القنوت ومسح الوجه بهما على ثلاثة أوجه: أصحّها أنه يستحبّ رفعهما ولا يمسح الوجه. والثاني: يرفع ويمسحه. والثالث: لا يمسحُ ولا يرفع. واتفقوا على أنه لا يمسح غير الوجه من الصدر ونحوه، بل قالوا: ذلك مكروه.
وأما الجهر بالقنوت والإِسرار به فقال أصحابنا: إن كان المصلي منفرداً أسرّ به، وإن كان إماماً جهر على المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الأكثرون. والثاني أنه يسرّ كسائر الدعوات في الصلاة. وأما المأموم فإن لم يجهر الإِمام قنت سرّاً كسائر الدعوات، فإنه يوافق فيها الإمام سرّاً. وإن جهر الإِمام بالقنوت فإن كان المأموم يسمعه أمَّن على دعائه وشاركه في الثناء في آخره، وإن كان لا يسمعه قنت سرّاً، وقيل يؤمِّن، وقيل له أن يشاركه مع سماعه، والمختار الأوّل.
وأما غير الصبح إذا قنت فيها حيث نقول به، فإن كانت جهريّة وهي المغرب والعشاء فهي كالصبح على ما تقدّم، وإن كانت ظهراً أو عصراً فقيل يُسرّ فيها بالقنوت، وقيل إنها كالصبح. والحديث الصحيح في قنوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الذين قتلوا القرَّاء ببئر معونة يقتضي ظاهرُه الجهرَ بالقنوت في جميع الصلوات، ففي صحيح البخاري في باب تفسير قول اللّه تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ} آل عمران: 128 عن أبي هريرة: أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم جَهَرَ بالقنوت في قنوت النازلة (18)
بابُ التشهّدِ في الصَّلاة
اعلم أن الصلاة إن كانت ركعتين فحسب كالصبح والنوافل فليس فيها إلا تشهّدٌ واحد، وإن كانت ثلاث ركعات أو أربعاً ففيها تشهّدان: أوّل، وثاننٍ. ويتصوّر في حقّ المسبوق ثلاثة تشهّدات، ويتصور في حقه في صلاة المغرب أربعة تشهّدات، مثل أن يُدركَ الإِمام بعد الركوع في الثانية فيتابعه في التشهّد الأوّل والثاني ولم يحصل له من الصلاة إلا ركعة، فإذا سلَّم الإِمام قام المسبوق ليأتي بالركعتين الباقيتين عليه، فيصلي ركعة ويتشهّد عقبها لأنها ثانيته، ثم يصلِّي الثالثة ويتشهد عقيبها. أما إذا صلَّى نافلة فنوى أكثر من أربع ركعات ولو نوى (19) مئة ركعة، فالاختيار أن يقتصر فيها على تشهّدين، فيصلِّي ما نواه إلا ركعتين ويتشهد، ثم يأتي بالركعتين ويتشهد التشهد الثاني ويسلِّم. قال جماعة من أصحابنا: لا يجوز أن يزيد على تشهدين، ولا يجوز أن يكون بين التشهد الأوّل والثاني أكثر من ركعتين، ويجوز أن يكون بينهما ركعة واحدة، فإن زاد على تشهدين أو كان بينهما أكثر من ركعتين بطلت صلاته. وقال آخرون: يجوز أن يتشهد في كل ركعة، والأصحّ جوازه في كل ركعتين لا في كل ركعة، واللّه أعلم.
واعلم أن التشهد الأخير واجب عند الشافعي وأحمد وأكثر العلماء، وسنّة عند أبي حنيفة ومالك؛ وأما التشهد الأوّل فسنّة عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة والأكثرين، وواجب عند أحمد؛ فلو تركه عند الشافعي صحَّت صلاته، ولكن يسجد للسهو سواء تركه عمداً أو سهواً، واللّه أعلم.
فصل: في ألفاظ التشهد
فصل: وأما لفظ التشهد فثبت فيه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ثلاث تشهدات.
الرواية الأولى في ألفاظ التشهد
1/133 أحدها رواية ابن مسعود رضي اللّه عنه،
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلام عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحين، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. (20)
الرواية الثانية في ألفاظ التشهد
2/134 الثاني رواية ابن عباس رضي اللّه عنهما،
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ المُبارَكاتُ الصَّلَواتُ الطَّيِّباتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللّه الصَّالِحينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ" رواه مسلم في صحيحه. (21)
الرواية الثالثة في ألفاظ التشهد
3/135 الثالث في رواية أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه،
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأنَّ محَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" رواه مسلم في صحيحه. (22)
4/136 وروينا في سنن البيهقي بإسناد جيد، عن القاسم قال: علمتني عائشةُ رضي اللّه عنها قالت:
هذا تشهُّدُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحين، أشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه". وفي هذا فائدة حسنة، وهي أن تشهُّدَه صلى اللّه عليه وسلم بلفظ تشهُّدُّنا. (23)
5/137 وروينا في موطأ مالك وسنن البيهقي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الرحمن بن عمر القاريِّ ـ وهو بتشديد الياء ـ أنه سمع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وهو على المنبر وهو يعلِّم الناس التشهد يقول: قولوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعَلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ. (24)
6/138 وروينا في الموطأ وسنن البيهقي وغيرهما أيضاً بإسناد صحيح عن عائشة رضي اللّه عنها
أنها كانت تقول إذا تشهَّدتْ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَركاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ" وفي رواية عنها في هذه الكتب: "التَّحِيَّاتُ الصَّلَوَاتُ الطَيِّباتُ الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ".(25)
7/139 وروينا في الموطأ وسنن البيهقي أيضاً بالإِسناد الصحيح، عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي اللّه عنهما
أنه كان يتشهد فيقول: بِاسْمِ اللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيات لِلَّهِ، السَّلامُ على النَّبِيّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، شَهِدْتُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، شَهِدْتُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ. واللّه أعلم. (26)
فهذه أنواع من التشهد. قال البيهقي: والثابت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثة أحاديث: حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى. هذا كلام البيهقي. وقال غيره: الثلاثة صحيحة وأصحّها حديث ابن مسعود.
واعلم أنه يجوز التشهّد بأيّ تشهّد شاء من هذه المذكورات، هكذا نصّ عليه إمامنا الشافعي وغيره من العلماء رضي اللّه عنهم. وأفضلُها عند الشافعي حديث ابن عباس للزيادة التي فيه من لفظ المباركات. قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم اللّه: ولكون الأمر فيها على السعة والتخيير اختلفت ألفاظ الرواة، واللّه أعلم.
فصل:مايقال في التشهد
فصل: الاختيار أن يأتي بتشهد من الثلاثة الأُول بكماله، فلو حذفَ بعضَه فهل يجزئه؟ فيه تفصيل، فاعلم أن لفظ المباركات والصلوات والطيبات والزاكيات سنّة ليس بشرط في التشهّد، فلو حذفها كلَّها واقتصر على قوله التحيات للَّه السلام عليك أيُّها النبيّ إلى آخره أجزأه. وهذا لا خلاف فيه عندنا. وأما في الألفاظ من قوله: السلام عليك أيُّها النبيُّ، إلى آخره فواجب لا يجوز حذف شيء منه إلا لفظ ورحمة اللّه وبركاته، ففيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا. أصحها لا يجوز حذف واحدة منهما، وهذا هو الذي يقتضيه الدليل لاتفاق الأحاديث عليهما. والثاني يجوز حذفهما. والثالث يجوز حذف وبركاته دون ورحمة اللّه. وقال أبو العباس بن سُريْج من أصحابنا: يجوز أن يقتصر على قوله: التحيات للَّه، سلام عليك أيّها النبيّ، سلام على عباد اللّه الصالحين، أشهدُ أنْ لا إله إلاّ اللَّه وأنَّ محمداً رسول اللّه. وأما لفظ
السلام فأكثر الروايات: السلام عليك أيُّها النبيّ، وكذا السلام علينا بالألف واللام فيهما، وفي بعض الروايات: سلام بحذفهما فيهما.
قال أصحابنا: كلاهما جائز، ولكن الأفضل: السلام بالألف واللام لكونه الأكثر، ولما فيه من الزيادة والاحتياط.
أما التسمية قبل التحيات فقد روينا حديثاً مرفوعاً في سنن النسائي والبيهقي وغيرهما بإثباتها، وتقدم إثباتها في تشهّد ابن عمر، لكن قال البخاري والنسائي وغيرهما من أئمة الحديث: إن زيادة التسمية غير صحيحة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلهذا قال جمهور أصحابنا: لا يُستحبّ التسمية، وقال بعض أصحابنا: يستحبّ، والمختار أنه لا يأتي بها، لأن جمهور الصحابة الذين رووا التشهّد لم يرووها.
فصل:الترتيب في التشهد مستحب
فصل: اعلم أن الترتيب في التشهد مستحبٌّ ليس بواجب، فلو قدم بعضه على بعض جاز على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الجمهور، ونصَّ عليه الشافعي رحمه اللّه في الأم. وقيل لا يجوز كألفاظ الفاتحة، ويدلّ للجواز تقديم السلام على لفظ الشهادة في بعض الروايات، وتأخيره في بعضها كما قدّمناه. وأما الفاتحة فألفاظها وترتيبها معجز فلا يجوز تغييره، ولا يجوز التشهّد بالعجمية لمن قدر على العربية، ومن لم يقدر يتشهد بلسانه ويتعلم كما ذكرنا في تكبيرة الإِحرام.
فصل: السنّة في التشهد الإِسرار
فصل: السنّة في التشهد الإِسرار لإِجماع المسلمين على ذلك، ويدلُّ عليه من الحديث:
8/140 ما رويناه في سنن أبي داود والترمذي والبيهقي عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالى عنه قال: من السنّة أن يخفي التشهد. قال الترمذي: حديث حسن.
وقال الحاكم: صحيح. وإذا قال الصحابي من السنّة كذا كان بمعنى قوله: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء والمحدّثين وأصحاب الأصول والمتكلمين رحمهم اللّه؛ فلو جهر به كره ولم تبطل صلاته ولا يسجد للسهو(27)
بابُ الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم بعد التشهّد
اعلم أن الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم واجبة عند الشافعي رحمه اللّه بعد التشهّد الأخير، فلو تركها فيه لم تصحّ صلاته، ولا تجب الصلاة على آل النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فيه على المذهب الصحيح المشهور، لكن تستحبُّ. وقال بعض أصحابنا: تجب. والأفضل أن يقول: " اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيّ الأُمِّي وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِه، كما صَلَّيْتَ على إِبْرَاهِيمَ وَعلى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبارِكْ على مُحَمَّدٍ النَّبِيّ الأُمِّيّ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرّيَّتِهِ، كما بارَكْتَ على إِبْرَاهِيمَ وَعَلى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
وروينا هذه الكيفية في صحيح البخاري ومسلم (28) ، عن كعب بن عُجْرَة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا بعضها، فهو صحيح من رواية غير كعب. وسيأتي تفصيله في كتاب الصلاة على محمد صلَّى اللّه عليه وآله وسلم إن شاء اللّه تعالى واللّه أعلم. والواجب منه: اللَّهمّ صلِّ على النبي، وإن شاء قال: صلى اللّه على محمد، وإن شاء قال: صلى اللّه على رسوله، أو صلى اللّه على النبي. ولنا وجه أنه لا يجوز إلا قوله: اللَّهم صلِّ على محمد. ولنا وجه أنه يجوز أن يقول: وصلى اللّه على أحمد. ووجه أنه يقول: صلَّى اللّه عليه، واللّه أعلم.
وأما التشهدُ الأول فلا تجب فيه الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم بلا خلاف، وهل تستحبّ؟ فيه قولان: أصحُّهما تستحبُّ، ولا تستحبُّ الصلاة على الآل على الصحيح، وقيل تستحبُّ، ولا يُستحبّ الدعاء في التشهّد الأول عندنا، بل قال أصحابنا يُكره لأنه مبني على التخفيف، بخلاف التشهد الأخير، واللّه أعلم
بابُ الدُّعَاء بعدَ التشهّدِ الأخير
اعلم أنَّ الدعاء بعد التشهّد الأخير مشروعٌ بلا خلاف.
1/141 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه:
أن النبي صلى اللّه عليه وسلم علّمهم التشهّد ثم قال في آخره: "ثُمَّ يُخَيّرُ منَ الدُّعَاءِ" وفي رواية البخاري: "أعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو" وفي روايات لمسلم "ثُمَّ ليَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ ما شاءَ".(29)
واعلم أن هذا الدعاء مستحبٌّ ليس بواجب، ويستحبُّ تطويلُه، إلا أن يكون إماماً؛ وله أن يدعوَ بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، وله أن يدعوَ بالدعوات المأثورة، وله أن يدعو بدعوات يخترعها والمأثورة أفضل. ثم المأثورة منها ما ورد في هذا الموطن، ومنها ما ورد في غيره، وأفضلُها هنا ما ورد هنا.
وثبت في هذا الموضع أدعية كثيرة منها:
2/142 ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إذَا فَرَغَ أحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الأخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَماتِ، وَمِنْ شَرّ المَسِيحِ الدَّجَّالِ" رواه مسلم من طرق كثيرة. وفي رواية منها: "إِذَا تَشَهَّدَ أحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْياوالمَماتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَة المَسِيحِ الدَّجَّالِ".
(30)
3/143 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي اللّه عنها:
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسيحِ الدَّجَّال، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ من المأثمِ والمَغْرَمِ".(31)
4/144 وروينا في صحيح مسلم، عن عليّ رضي اللّه عنه قال:
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهّد والتسليم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفْتُ وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ".(32)
5/145 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنهم:
أنه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: علّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: "قُلِ اللَّهُمَّ إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً وَ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحمْنِي إنَّك أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيم" هكذا ضبطناه "ظُلْماً كَثِيراً" بالثاء المثلثة في معظم الروايات، وفي بعض روايات مسلم "كَبِيراً" بالباء الموحدة، وكلاهما حسن، فينبغي أن يُجمع بينهما فيُقال: "ظُلْماً كَثِيراً كَبِيراً" وقد احتجّ البخاري في صحيحه والبيهقيّ وغيرهما من الأئمة بهذا الحديث للدعاء في آخر الصلاة وهو استدلال صحيح، فإن قوله في صلاتي يعمّ جميعها، ومن مظانّ الدعاء في (33)
6/146 وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود، عن أبي صالح ذكوان، عن بعض أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال:
قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لرجل: "كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاةِ؟" قال: أتشهَّد وأقول: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، أما إني لا أحسنُ دَنْدَنَتَكَ وَلا دَنْدَنَةَ معاذ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: "حَوْلَهَا دَنْدِنْ".
(34)
الدندنة: كلام لا يُفهم معناه، ومعنى "حولها دَنْدِنْ" أي حول الجنة والنار، أو حول مسألتهما: إحداهما سؤال طلب، والثانية سؤال استعاذة، واللّه أعلم.
ومما يستحبُّ الدعاء به في كل موطن: اللَّهمّ إني أسألُك العفوَ والعافية، اللَّهمّ إني أسألُك الهدى والتقى والعفافَ والغنى، واللّه أعلم.
بابُ السَّلام لِلتحلُّل من الصَّلاة
اعلم أن السلام للتحلّل من الصلاة ركنٌ من أركانها وفرضٌ من فروضها لا تصحُّ إلا به، هذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهيرِ السلف والخلف، والأحاديثُ الصحيحةُ المشهورة مُصرّحة بذلك.
واعلم أن الأكمل في السلام أن يقول عن يمينه "السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ" وَعَنْ يَسارِهِ "السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ" ولا يُستحبّ أن يقول معه: وبركاته، لأنه خلاف المشهور عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإن كان قد جاء في رواية لأبي داود. وقد ذكره جماعة من أصحابنا منهم إمام الحرمين وزاهر السرخسي والرويّاني في الحلية، ولكنه شاذ، والمشهور ما قدّمناه، واللّه أعلم.
وسواء كان المصلّي إماماً أو مأموماً أو منفرداً في جماعة قليلة أو كثيرة في فريضة أو نافلة ففي كل ذلك يُسلِّم تسليمتين كما ذكرنا ويلتفتُ بهما إلى الجانبين، والواجب تسليمة واحدة،
وأما الثانية فسنّة لو تركها لم يضرّه؛ ثم الواجب من لفظ السلام أن يقول: السلام عليكم، ولو قال: سلام عليكم لم يجزئه على الأصح. ولو قال: عليكم السلام أجزأه على الأصح، فلو قال: السلام عليك أو سلامي عليك، أو سلامي عليكم، أو سلام اللّه عليكم، أو سلامُ عليكم بغير تنوين، أو قال: السلام عليهم، لم يجزئه شيء من هذا بلا خلاف، وتبطل صلاته إن قاله عامداً عالماً في كل ذلك، إلا في قوله: السلام عليهم، فإنه لا تبطل صلاته به لأنه دعاء، وإن كان ساهياً لم تبطل ولا يحصلُ التحلّل من الصلاة، بل يحتاج إلى استئناف سلام صحيح، ولو اقتصر الإِمام على تسليمة واحدة أتى المأموم بالتسليمتين. قال القاضي أبو الطيب الطبري من أصحابنا وغيره: إذا سلَّم الإِمام فالمأموم بالخيار إن شاء سلَّم في الحال، وإن شاء استدام الجلوس للدعاء وأطال ما شاء، واللّه أعلم.
بابُ ما يقولُه الرجلُ إذا كلَّمه إنسانٌ وهو في الصَّلاة
1/147 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعد الساعدي رضي اللّه عنه:
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحانَ اللَّهِ" وفي رواية في الصحيح: " إِذَا نَابَكُمْ أمْرٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجالُ، ولْتُصَفِّقِ (35) النِّساءُ" وفي رواية: "التَّسْبِيحُ للرّجالِ وَالتَّصْفِيقُ للنِّساءِ".
بابُ الأذكارِ بعدَ الصَّلاة
أجمع العلماءُ على استحباب الذكر بعد الصلاة، وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة في أنواع منه متعدّدة، فنذكرُ أطرافاً من أهمها:
1/148 روينا في كتاب الترمذي عن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال:
قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أيّ الدعاء أسمع؟ قال: "جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِر، وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ المَكْتوبات" قال الترمذي: حديث حسن. (36)
2/149 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:
كنتُ أعرفُ انقضاء صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالتكبير. وفي رواية مسلم "كنّا" وفي رواية في صحيحيهما عن ابن عباس رضي اللّه عنهما: أن رفعَ الصوت بالذكر حين ينصرفُ النَّاسُ من المكتوبة كانَ على عهدِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال ابن عباس: كنتُ أعلمُ إذا انصرفوا، بذلك، إذا سمعتُه.(37)
3/150 وروينا في صحيح مسلم عن ثوبان رضي اللّه عنه قال:
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبارَكْتَ يا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرامِ" قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث: كيف الاستغفار؟ قال: اسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ. (38)
4/151 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه:
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة وسلّم قال: "لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ".
(39)
5/152 وروينا في صحيح مسلم، عن عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنهما
أنه كان يقول دُبُرَ كلّ صلاة حين يسلم: "لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَة كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللّه، لا إِلهَ إِلاَّ اللّه وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ ولَهُ الفَضْلُ، وَلَهُ الثَّناءُ الحَسَنُ، لا إلهَ إِلاَّ اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ" قال ابن الزبير: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يهلّل بهنّ دُبُرَ كُلِّ صلاة.
(40)
6/153 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه:
أن فقراء المهاجرين أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: ذهبَ أهل الدُّثُور بالدرجات العُلى والنعيم المقيم، يُصَلُّون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدّقون، فقال: "ألا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُـِمْ، وَلاَ يَكُونُ أحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَع مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ؟ قالوا: بلى يارسول اللّه! قال: تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثينَ".
قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة لما سئل عن كيفية ذكره؟ يقول: سبحان اللَّه والحمدُ للَّه واللَّه أكبر، حتى يكون منهنّ كلُّهن ثلاث وثلاثون. الدثور: جمع دَثْر بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة، وهو المال الكثير. (41)
7/154 وروينا في صحيح مسلم، عن كعب بن عُجْرَة رضي اللّه عنه،
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "مُعَقِّباتٌ لاَ يَخِيبُ قائِلُهُنَّ أوْ فاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلاثاً وَثَلاثِينَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاثاً وَثَلاثِينَ تَحْمِيدَةً، وأرْبعاً وَثَلاثِينَ تَكْبِيرةً".
(42)
8/155 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثاً وَثَلاثينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَقالَ تَمامَ المئة: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطاياهُ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ".(43)
9/156 وروينا في صحيح البخاري في أوائل كتاب الجهاد، عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه:
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يتعوّذ دُبُرَ الصلاة بهؤلاء الكلمات: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأعُوذُ بِكَ أنْ أُرَدَّ إلى أَرْذَلِ العمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فتْنَةِ الدُّنْيا، وأعُوذُ بِكَ منْ عَذَابِ القَبْرِ".(44)
10/157 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما،
عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "خَصْلَضتانِ أوْ خَلَّتانِ لا يُحافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ، هُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللَّهُ تَعالى دُبُرَ كُلّ صَلاةٍ عَشْراً، وَيَحْمَدُ عَشْراً، ويُكَبِّر عَشْراً، فَذَلِكَ خَمْسُونَ ومِئَةٌ باللِّسانِ، وألْفٌ وخَمْسُمِئَةٍ في المِيزَاِ. وَيُكَبِّرُ أرْبَعاً وَثَلاثِينَ إذَا أخَذَ مَضْجَعَةُ وَيحْمَدُ ثَلاثاً وَثَلاثينَ، وَيُسَبِّحُ ثَلاثاً وَثَلاثينَ، فَذَلكَ مِئَةٌ باللِّسانِ، وألفٌ بالميزَانِ". قال: فلقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعقدها بيده، قالوا: يارسول اللّه! كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليل؟ قال: "يأتِي أحَدَكُمْ ـ يعني الشيطان ـ في مَنامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أنْ يَقُولَهُ، ويأتِيهِ في صَلاتِهِ فَيُذَكِّرَهُ حاجَةً قَبْلَ أنْ يَقُولَهَا" إسناده صحيح، إلا أن فيه عطاء بن السائب وفيه اختلاف بسبب اختلاطه، وقد أشار أيوبُ السختياني إلى صحة حديثه هذا. (45)
11/158 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم، عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال:
أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أقرأ بالمعوّذتين دُبُرَ كل صلاة. وفي رواية أبي داود "بالمعوّذات" فينبغي أن يقرأ: قل هو اللّه أحد، وقل أعوذ بربّ الفلق، وقل أعوذ بربّ الناس. (46)
12/159 وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود والنسائي، عن معاذ رضي اللّه عنه:
أن رسولَ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ بيده وقال: "يا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنّي لأُحِبُّكَ، فَقالَ: أُوصِيكَ يا مُعاذُ! لا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ".(47)
13/160 وروينا في كتاب ابن السنيّ، عن أنس رضي اللّه عنه قال:
كانَ رسولُ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قَضى صلاتَه مسحَ جبهتَه بيده اليمنى، ثم قال: "أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ أذْهِبْ عَنِّي الهَمَّ والحزنَ".(48)
14/161 وروينا فيه عن أبي أُمامة رضى اللّه عنه قال:
ما دنوتُ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في دُبُر مكتوبة ولا تطوُّع إلا سمعتُه يقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذُنُوبي وَخَطايايَ كُلَّها، اللَّهُمَّ انْعِشْنِي واجْبُرْنِي وَاهْدِنِي لِصَالِح الأعْمالِ وَالأخْلاقِ، إنَّهُ لاَ يَهْدِي لِصَالِحها وَلاَ يَصْرِفُ سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ".(49)
15/162 م وروينا فيه عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه عنه:
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته ـ لا أدري قبل أن يسلِّم أو بعد أن يسلِّم ـ يقول: "سُبْحانَ ربِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ على المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِينَ".(50)
16/162وروينا فيه عن أَنس رضي اللّه عنه قال:
كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول إذا انصرف من الصلاة: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِي آخِرَهُ، وَخَيْرَ عَمَلِي خَواتِمَهُ، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَيَّامي يَوْمَ ألْقاكَ". (51)
17/163 وروينا فيه عن أبي بكرة رضي اللّه عنه:
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في دُبر الصلاة: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالفَقْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ".
(52)
18/164 وروينا فيه بإسناد ضعيف عن فضالة بن عبيد اللّه قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعالى وَالثَّناء عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي على النَّبيّ صلى اللّه عليه وسلم ثُمْ ليَدْعُو بِمَا شَاءَ".(53)
بابُ الحثِّ على ذكرِ اللَّه تعالى بعدَ صَلاةِ الصُّبح
اعلم أن أشرفَ أوقات الذكر في النهار، الذكرُ بعد صلاة الصبح.
1/165 روينا عن أنس رضي اللّه عنه في كتاب الترمذي وغيره قال:
قال رسولُ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الفَجْرِ في جَماعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى حتَّى تَطْلُعَ الشَمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كانَتْ كأجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تامَّةٍ تامةٍ تامةٍ" قال الترمذي: حديث حسن. (1)
2/166 وروينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي ذر رضي اللّه عنه
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ فِي دُبُرِ صَلاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ ثانٍ رِجْلَيهِ قَبْلَ أنْ يَتَكَلَّمَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيي وَيُمِيتُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، ومُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجاتٍ، وكانَ يَوْمَهُ ذلكَ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطانِ ولَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أنْ يُدْرِكَهُ في ذلكَ اليَوْمِ إِلاَّ الشِّرْكَ باللَّهِ تَعالى". قال الترمذي: هذا حديث حسن، وفي بعض النسخ: صحيح. (2)
3/167 وروينا في سنن أبي داود، عن مسلم بن الحارث التميمي الصحابي رضي اللّه عنه،
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه أسرّ إليه فقال: إذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلاةِ المَغْرِبِ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلكَ ثُمَّ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْها، وإذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ كذَلِكَ، فإنَّكَ إنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْها".
(3)
4/168 وروينا في مسند الإِمام أحمد وسنن ابن ماجه وكتاب ابن السنيّ، عن أُمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت:
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا صلى الصبح قال: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ عِلْماً نافِعاً، وعَمَلاً مُتَقَبَّلاً، وَرِزْقاً طَيِّباً".
(4)
5/169 وروينا فيه، عن صُهيب رضي اللّه عنه:
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يحرّك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء، فقلت: يارسول اللّه! ما هذا الذي تقول؟ قال: "اللَّهُمَّ بِكَ أُحاوِلُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَبِكَ أُقاتِلُ" والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة، وسيأتي في الباب الآتي من بيان الأذكار التي تقال في أوّل النهار ما تقرّ به العيون إن شاء اللّه تعالى.
وروينا عن أبي محمد البغوي في شرح السنّة قال: قال علقمة بن قيس: بلغنا أن الأرض تعجّ إلى اللّه تعالى من نومة العالِم بعد صلاة الصبح (5) . واللّه أعلم.
(6)