فصل في بيان حجر المجنون والصبي والسفيه والحوالة
كتاب فتح المعين في الفقه الشافعي
محتويات
فصل في بيان حجر المجنون والصبي والسفيه
يحجز بجنون إلى إفاقة وصبا إلى بلوغ بكمال خمس عشرة سنة قمرية تحديدا بشهادة عدلين خبيرين أو خروج مني أو حيض وإمكانهما كمال تسع سنين ويصدق مدعي بلوغ: بإمناء أو حيض ولو في خصومة بلا يمين إذ لا يعرف إلا منه.
ونبت العانة الخشنة بحيث تحتاج إلى الحلق في حق كافر: ذكر أو أنثى أمارة على بلوغه بالسن أو الاحتلام.
ومثله: ولد من جهل إسلامه لا من عدم من يعرف سنه: على الأوجه وقيل يكون علامة في حق المسلم أيضا.
وألحقوا بالعانة: الشعر الخشن في الإبط.
وإذا بلغ الصبي رشيدا: أعطى ماله.
والرشد: صلاح الدين والمال بأن لا يفعل محرما يبطل عدالة: من ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة مع عدم غلبة طاعاته معاصيه وبأن لا يبذر بتضييع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة وإنفاقه ولو فلسا في محرم وأما صرفه في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس والهدايا التي لا تليق به فليس بتبذير.
وبعد إفاقة المجنون وبلوغ الصبي ولو بلا رشد يصح الإسلام والطلاق والخلع وكذا التصرف المالي بعد الرشد.
وولي الصبي: أب عدل فأبوه وإن علا فوصي فقاضي بلد المولى إن كان عدلا أمينا فإن كان ماله ببلد آخر: فولي ماله قاضي بلد المال في حفظه وبيعه وإجارته عند خوف هلاكه فصلحاء بلده.
ويتصرف الولي بالمصلحة ويلزمه حفظ ماله واستنماؤه قدر النفقة والزكاة والمؤن إن أمكنه وله السفر به في طريق آمن لمقصد آمن برا لا بحرا وشراء عقار يكفيه غلته أولى من التجارة ولا يبيع عقاره إلا لحاجة أو غبطة ظاهرة.
وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح على بعض دين المولي إذا تعين ذلك طريقا لتخليص ذلك البعض كما أن له بل يلزمه دفع بعض ماله لسلامة باقية انتهى.
وله بيع ماله نسيئة لمصلحة وعليه أن يرتهن بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا.
ولولي إقراض مال محجور لضرورة.
ولقاض ذلك مطلقا بشرط كون المقترض مليئا أمينا.
ولا ولاية لام على الأصح ومن أدلى بها ولا لعصبة نعم لهم الإنفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه لأنه قليل فسومح به عند فقد الولي الخاص.
ويصدق أب أو جد في أنه تصرف لمصلحة بيمينه وقاض بلا يمين إن كان ثقة عدلا مشهور العفة وحسن السيرة لا وصي وقيم وحاكم وفاسق بل المصدق بيمينه هو المحجور حيث لا بينة لأنهم قد يتهمون.
ومن ثم: لو كانت الأم وصية كانت كالأولين وكذا آباؤها.
فرع ليس لولي أخذ شيء من مال موليه إن كان غنيا مطلقا فإن كان فقيرا وانقطع بسببه عن كسبه: أخذ قدر نفقته وإذا أيسر: لم يلزمه بدل ما أخذه.
قال الأسنوي: هذا في وصي وأمين أما أب أو جد فيأخذ قدر كفايته اتفاقا سواء الصحيح وغيره1.
وقيس بولي اليتيم فيما ذكر: من جمع مالا لفك أسير أي مثلا فله إن كان فقيرا الأكل منه.
وللأب والجد: استخدام محجورة فيما لا يقابل بأجرة ولا يضربه على ذلك خلافا لمن جزم بأن له ضربه عليه.
وأفتى النووي بأنه لو استخدم ابن ابنته: لزمه أجرته إلى بلوغه ورشد وإن لم يكرهه ولا يجب أجرة الرشيد إلا إن أكره ويجري هذا في غير الجد للام.
وقال الجلال البلقيني: لو كان للصبي مال غائب فأنفق وليه عليه من مال نفسه بنية الرجوع إذا حضر ماله رجع إن كان أبا أو جدا لأنه يتولى الطرفين بخلاف غيرهما: أي حتى الحاكم بل يأذن لمن ينفق ثم يوفيه. وأفتى جمع فيمن ثبت له على أبيه دين فادعى إنفاقه عليه: بأنه يصدق هو أو وارثه باليمين.
----
1 قال الشيخ السيد البكري رحمه الله في بعض نسخ الخط سواء الموسر الصحيح وغيره انتهى.
----
فصل في الحوالة
تصح حوالة بصيغة وهي إيجاب من المحيل: كأحلتك على فلان بالدين الذي لك علي أو نقلت حقك إلى فلان أو جعلت مالي
عليه لك وقبول من المحتال بلا تعليق ويصح بأحلني وبرضا محيل ومحتال ولا يشترط رضا المحال عليه.
ويلزم بها أي الحوالة دين محتال محالا عليه فيبرأ المحيل بالحوالة عن دين المحتال والمحال عليه عن دين المحيل ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه إجماعا.
فإن تعذر أخذه منه بفلس حصل للمحال عليه وإن قارن الفلس الحوالة.
أو جحد أي إنكار منه للحوالة أو دين المحيل وحلف عليه أو بغير ذلك: كتعزز المحال عليه وموت شهود الحوالة:
لم يرجع المحتال على محيل بشيء وإن جهل ذلك ولا يتخير لو بان المحال عليه معسرا وإن شرط يساره.
ولو طلب المحتال المحال عليه فقال أبرأني المحيل قبل الحوالة وأقام بذلك بينة: سمعت وإن كان المحيل في البلد.
ثم المتجه أن للمتحال: الرجوع بدينه على المحيل إلا إذا استمر على تكذيب المحال عليه.
ولو باع عبدا وأحال بثمنه ثم اتفق المتبايعان على حريته وقت البيع أو ثبتت حريته حينئذ ببينة شهدت حسبة أو أقامها العبد: لم
تصح الحوالة وإن كذبهما المحتال في الحرية ولا بينة فلكل منهما تحليفه على نفي العلم بها وبقيت الحوالة.
ولو اختلفا أي الدائن والمدين في أنه هل وكل أو أحال؟ بأن قال المدين: وكلتك لتقبض لي فقال الدائن: بل أحلتني وقال المدين: أحلتك فقال الدائن: بل وكلتني صدق منكر حوالة بيمينه فيصدق المدين في الأولى والدائن في الأخيرة لأن الأصل بقاء الحق في ذمة المستحق عليه.
تتمة [في بيان أحكام الضمان وأحكام الصلح] يصح من مكلف رشيد: ضمان بدين واجب سواء استقر في ذمة المضمون له1: كنفقة اليوم وما قبله للزوجة أو لم يستقر كثمن مبيع لم يقبض وصداق قبل وطئ لا بما سيجب كدين قرض ونفقة غد للزوجة ولا بنفقة القريب مطلقا ولا يشترط رضا الدائن والمدين.
وصح ضمان الرقيق بإذن سيده وتصح منه كفالة بعين مضمونة كمغصوبة ومستعارة وببدن من يستحق حضوره مجلس حكم بإذنه.
ويبرأ الكفيل بإحضار مكفول شخصا كان أو عينا إلى المكفول له وإن لم يطالبه وبحضوره عن جهة الكفيل بلا حائل: كمتغلب بالمكان
الذي شرط في الكفالة الإحضار إليه وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه فإن غاب لزمه إحضاره إن عرف محله وأمن الطريق وإلا فلا ولا يطالب كفيل بمال وإن فات التسليم بموت أو غيره فلو شرط أنه يغرم المال ولو مع قوله إن فات التسليم للمكفول لم تصح.
وصيغة الالتزام فيهما: كضمنت دينك على فلان أو تحملته أو تكفلت ببدنه أو أنا بالمال أو بإحضار الشخص ضامن أو كفيل ولو قال أؤدي المال أو أحضر الشخص فهو وعد بالتزام كما هو صريح الصيغة نعم: إن حفت به قرينة تصرفه إلى الإنشاء: انعقد به كما بحثه ابن الرفعة واعتمده السبكي ولا يصحان بشرط براءة أصيل ولا بتعلق وتوقيت وللمستحق مطالبة الضامن والأصيل ولو برئ: برئ الضامن.
ولا عكس في الإبراء دون الأداء.
ولو مات أحدهما والدين مؤجل: حل عليه.
ولضامن رجوع على أصيل إن غرم ولو صالح عن الدين بما دونه: لم يرجع إلا بما غرم ولو أدى دين غيره بإذن: رجع وإن لم يشرط له الرجوع لا إن أداه بقصد التبرع.
فرع أفتى جمع محققون بأنه لو قال رجلان لآخر: ضمنا مالك على فلان: طالب كلا بجميع الدين.
وقال جمع متقدمون: طالب كلا بنصف الدين ومال إليه الأذرعي.
قال شيخنا: إنما تقسط الضمان في: متاعك في البحر وأنا
وركاب السفينة ضامنون لأنه ليس ضمانا حقيقة بل استدعاء إتلاف مال لمصلحة فاقتضت التوزيع لئلا ينفر الناس عنها.
واعلم أن الصلح جائز مع الإقرار وهو على شيء غير المدعي معاوضة كما لو قال: صالحتك عما
تدعيه على هذا الثوب فله حكم البيع وعلى بعض المدعى إبراء إن كان دينا فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك: لم يضر ويلغى الصلح حيث لا حجة للمدعي مع الإنكار أو السكوت من المدعى عليه فلا يصح
الصلح على الإنكار وإن فرض صدق المدعي خلافا للائمة الثلاثة نعم يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل له في الصلح على الإنكار ثم إن وقع بغير مدعى به كان ظافرا وسيأتي حكم الظفر.
فرع [في بيان الحقوق المشتركة ومنع التزاحم عليها] يحرم على كل أحد غرس شجر في شارع ولو لعموم النفع للمسلمين كبناء دكة وإن لم يضر فيه ولو لذلك أيضا وإن انتفى الضرر حالا أو كانت الدكة بفناء داره ويحل الغرس بالمسجد للمسلمين أو ليصرف ريعه بل يكره.
----
1 قال الشيخ السيد البكري رحمه الله صوابه: المضمون عنه انتهى.
----