فصل في حكم المبيع قبل القبض وغيرها من المعاملات
كتاب فتح المعين في الفقه الشافعي
محتويات
فصل في حكم المبيع قبل القبض
المبيع قبل قبضه من ضمان بائع بمعنى انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف بائع وثبوت الخيار بتعيبه أو تعييب بائع أو أجنبي وبإتلاف أجنبي فلو تلف بآفة أو أتلفه البائع: انفسخ البيع.
وإتلاف مشتر قبض وإن جهل أنه للبيع.
ويبطل تصرف ولو مع بائع بنحو بيع كهبة وصدقة وإجارة ورهن وإقراض: فيما لم يقبض لا بنحو إعتاق وتزويج ووقف: لتشوف الشارع إلى العتق ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاق الآبق ويكون به المشتري قابضا ولا يكون قابضا بالتزويج.
وقبض غير منقول من أرض ودار وشجر بتخلية لمشتر بأن يمكنه منه البائع مع تسليمه المفتاح وإفراغه من أمتعة غير المشتري.
وقبض منقول من سفينة أو حيوان بنقله من محله إلى محل آخر مع تفريغ السفينة.
ويحصل القبض أيضا بوضع البائع للمنقول بين يدي المشتري بحيث لو مد إليه يده لناله وإن قال: لا أريده.
وشرط في غائب عن محل العقد مع إذن البائع في القبض مضى زمن يمكن فيه المضي إليه عادة ويجوز لمشتر استقلال بقبض للمبيع إن كان الثمن مؤجلا أو سلم الحال.
وجاز استبدال في غير ربوي بيع بمثله من جنسه.
عن ثمن نقد أو غيره: لخبر ابن عمر رضي الله عنه: كنت أبيع الإبل بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال: "لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء" [الترمذي رقم: 1242, النسائي رقم: 4582, 4583, 4589, أبو داود رقم: 3354, ابن ماجه رقم: 2262, مسند أحمد رقم: 4868, 5530, 5839, 6203, 6391, الدارمي رقم: 2581] .
وعن دين قرض وأجرة وصداق لا عن مسلم فيه لعدم استقراره ولو استبدل موافقا في علة الربا كدرهم عن دينار اشترط قبض البدل في المجلس حذرا من الربا لا إن استبدل ما لا يوافقه في العلة كطعام عن درهم.
ولا يبدل نوع أسلم فيه أو مبيع في الذمة عقد بغير لفظ السلم بنوع آخر ولو من جنسه: كحنظة سمراء عن بيضاء لان المبيع مع تعينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع كونه في الذمة أولى. نعم يجوز إبداله بنوعه الأجود وكذا الأردأ بالتراضي.
فصل في بيع الأصول والثمار
يدخل في بيع أرض وهبتها ووقفها والوصية بها مطلقا لا في رهنها والإقرار بها ما فيها من بناء وشجر رطب وثمره الذي لم يظهر عند البيع وأصول بقل تجز مرة بعد أخرى كقثاء وبطيخ لا ما يؤخذ دفعة كبر وفجل لأنه ليس للدوام والثبات فهو كالمنقولات في الدار.
ويدخل في بيع بستان وقرية أرض وشجر وبناء فيهما لا مزارع حولهما لأنها ليست منهما.
وفي بيع دار هذه الثلاثة أي الأرض المملوكة للبائع بحملتها حتى تخومها إلى الأرض السابعة والشجر المغروس فيها وإن كثر والبناء فيها بأنواعه وأبواب منصوبة وأغلاقها المثبتة لا الأبواب المقلوعة والسرر والحجارة المدفونة بلا بناء.
لا في بيع قن ذكر أو غيره حلقة بأذنه أو خاتم أو نعل وكذا ثوب عليه خلافا للحاوي كالمحرر وإن كان ساتر عورته.
وفي بيع شجر رطب بلا أرض عند الإطلاق عرق ولو يابسا إن لم يشرط قطع الشجر بأن شرط إبقاؤه أو أطلق لوجوب بقاء الشجر الرطب ويلزم المشتري قلع اليابس عند الإطلاق للعادة فإن شرط قطعه أو قلعه: عمل به أو إبقاؤه: بطل البيع ولا ينتفع المشتري بمغرسها وغصن رطب لا يابس والشجر رطب لان العادة قطعه وكذا ورق رطب لا ورق حناء على الأوجه.
لا يدخل في بيع الشجر مغرسه فلا يتبعه في بيعه لان اسم الشجر لا يتناوله.
ولا ثمر ظهر: كطلع نخل بتشقق وثمر نحو عنب: ببروز وجوز: بانعقاد فما ظهر منه: للبائع وما لم يظهر: للمشتري ولو شرط الثمر لأحدهما: فهو له عملا بالشرط: سواء أظهر الثمر أم لا.
ويبقيان أي الثمر الظاهر والشجر عند الإطلاق فيستحق البائع تبقية الثمر إلى أوان الجداد فيأخذه دفعة لا تدريجا وللمشتري تبقية الشجر ما دام حيا فإن انقلع فله غرسه إن نفع لا بد له.
ويدخل في بيع دابة حملها المملوك لمالكها فإن لم يكن مملوكا لمالكها لم يصح البيع كبيعها دون حملها وكذا عكسه.
فصل في اختلاف المتعاقدين
ولو اختلف متعاقدان ولو وكيلين أو وارثين في صفة عقد معاوضة كبيع وسلم وقراض وإجارة وصداق.
والحال أنه قد صح العقد باتفاقهما أو يمين البائع: كقدر عوض من نحو مبيع أو ثمن أو جنسه أو صفته أو أجل أو قدره ولا بينة لأحدهما بما ادعاه أو كان لكل منهما بينة ولكن قد تعارضتا بأن أطلقتا أو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى أو أرختا بتاريخ واحد وإلا حكم بمقدمة التاريخ.
حلف كل منهما يمينا واحدة تجمع نفيا لقول صاحبه وإثباتا لقوله فيقول البائع مثلا: ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا ويقول المشتري: ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا لان كلا: من المدعي والمدعى عليه.
والأوجه: عدم الاكتفاء بما بعت إلا بكذا لان النفي فيه: صريح والإثبات: مفهوم.
فإن رضي أحدهما بدون ما ادعاه أو سمح للآخر بما ادعاه لزم العقد ولا رجوع.
فإن أصرا على الاختلاف: فلكل منهما أو للحاكم فسخه أي:
العقد وإن لم يسألاه قطعا للنزاع ولا تجب الفورية هنا.
ثم بعد الفسخ: يرد المبيع بزيادته المتصلة فإن تلف حسا أو شرعا كأن وقفه أو باعه رد مثله إن كان مثليا أو قيمته إن كان متقوما ويرد على البائع قيمة آبق فسخ العقد وهو آبق من عند المشتري والظاهر اعتبارها بيوم الهرب.
ولو ادعى أحدهما بيعا والآخر رهنا أو هبة: كأن قال أحدهما بعتكه بألف فقال الآخر: بل رهنتنيه أو وهبتنيه فلا تخالف إذا لم يتفقا على عقد واحد بل حلف كل منهما للآخر نفيا أي يمينا نافية لدعوى الآخر لأن الأصل: عدمه ثم يرد مدعى البيع الألف لأنه مقر بها ويسترد العين بزوائدها المتصلة والمنفصلة.
وإذا اختلف العاقدان: فادعى أحدهما اشتمال العقد على مفسد من إخلال ركن أو شرط كأن ادعى أحدهما رؤيته وأنكرها الآخر:
وحلف مدعي صحة العقد غالبا تقديما للظاهر من حال المكلف وهو اجتنابه للفاسد على أصل عدمها لتشوف الشارع إلى إمضاء العقود وقد يصدق مدعي الفساد كأن قال البائع: لم أكن بالغا حين البيع وأنكر المشتري واحتمل ما قاله البائع: صدق بيمينه لأن الأصل: عدم البلوغ.
وإن اختلفا: هل وقع الصلح على الإنكار أو الاعتراف؟ فيصدق مدعي الإنكار: لأنه الغالب.
ومن وهب في مرضه شيئا فادعت ورثته غيبة عقله حال الهبة: لم يقبلوا إلا إن علم له غيبة قبل الهبة وادعوا استمرارها إليها.
ويصدق منكر أصل نحو البيع.
فروع لورد المشتري مبيعا معينا معيبا فأنكر البائع أنه المبيع فيصدق بيمينه لأن الأصل مضي العقد على السلامة.
ولو أتى المشتري بما فيه فأرة وقال قبضته كذلك فأنكر المقبض صدق بيمينه.
ولو أفرغه في ظرف المشتري فظهرت فيه فأرة فادعى كل أنها من عند الآخر: صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه لأنه مدع للصحة ولأن الأصل في كل حادث: تقديره بأقرب زمن والأصل براءة البائع.
وإن دفع لدائنه دينه فرده بعيب فقال الدافع ليس هو الذي دفعته: صدق الدائن لأن الأصل: بقاء الذمة.
ويصدق غاصب رد عينا وقال هي المغصوبة وكذا وديع.
فصل في القرض والرهن
الإقراض وهو تمليك شيء على أن يرد مثله.
سنة لأن فيه إعانة على كشف كربة فهو من السنن الأكيدة للأحاديث الشهيرة كخبر مسلم [رقم: 2699] : من نفس على أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه وصح خبر "من أقرض الله مرتين: كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به" [كنز العمال رقم: 15386] .
والصدقة أفضل منه خلافا لبعضهم ومحل ندبه: إن لم يكن المقترض مضطرا وإلا وجب ويحرم الاقتراض على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال وعند الحلول في المؤجل كالإقراض عند العلم أو الظن من آخذه أنه ينفقه في معصية.
ويحصل بإيجاب: كأقرضتك هذا أو ملكتكه على أن ترد مثله أو خذه ورد بدله أو اصرفه في حوائجك ورد بدله.
فإن حذف ورد بدله: فكناية وخذه فقط: لغو إلا إن سبقه أقرضني هذا فيكون قرضا أو أعطني فيكون هبة.
ولو اقتصر على ملكتكه ولم ينو البدل: فهبة وإلا فكناية.
ولو اختلفا في نية البدل: صدق الدافع لأنه أعرف بقصده أو في ذكر البدل: صدق الآخذ في عدم الذكر لأنه الأصل والصيغة ظاهرة فيما ادعاه.
ولو قال لمضطر أطعمتك بعوض فأنكر صدق المطعم حملا للناس على هذه المكرمة.
ولو قال وهبتك بعوض فقال مجانا: صدق المتهب.
ولو قال اشتر لي بدرهمك خبز فاشتري له: كان الدرهم قرضا لا هبة على المعتمد.
وقبول متصل به: كأقرضته وقبلت قرضه نعم: القرض الحكمي كالإنفاق على اللقيط المحتاج وإطعام الجائع وكسوة العاري لا يفتقر إلى إيجاب وقبول.
ومنه أمر غيره بإعطاء ماله غرض فيه: كإعطاء شاعر أو ظالم أو إطعام فقير أو فداء أسير وعمر داري.
وقال جمع: لا يشترط في القرض: الإيجاب والقبول واختاره الأذرعي وقال قياس جواز المعاطاة في البيع: جوازها هنا وإنما يجوز القرض من أهل تبرع: فيما يسلم فيه من حيوان وغيره ولو نقدا مغشوشا.
نعم يجوز قرض الخبز والعجين والخمير الحامض لا الروية على الأوجه وهي خميرة لبن حامض تلقى على اللبن ليروب لاختلاف حموضتها المقصودة.
ولو قال أقرضني عشرة فقال خذها من فلان فإن كانت له تحت يده: جاز وإلا فهو وكيل في قبضها فلا بد من تجديد قرضها.
ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة نعم: يجوز للقاضي
إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة لكثرة أشغاله إن كان المقترض أمينا موسرا.
وملك مقترض بقبض بإذن مقرض وإن لم يتصرف فيه كالموهوب.
قال شيخنا: والأوجه في النقوط المعتاد في الأفراح أنه هبة لا قرض وإن اعتيد رد مثله.
ولو أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت: لا يرجع به على الأوجه.
وجاز لمقرض استرداد حيث بقي ذلك المقترض وإن زال عن ملكه ثم عاد على الأوجه بخلاف ما لو تعلق به حق لازم كرهن وكتابة فلا يرجع فيه حينئذ نعم: لو آجره رجع فيه.
ويجب على المقترض رد المثل في المثلى وهو النقد والحبوب ولو نقدا أبطله السلطان لأنه أقرب إلى حقه.
ورد المثل صورة في المتقوم وهو الحيوان والثياب والجواهر.
ولا يجب قبول الرديء عن الجيد ولا قبول المثل في غير محل الإقراض إن كان له غرض صحيح كأن كان لنقله مؤنة ولم يتحملها المقترض أو كان الموضع مخوفا.
ولا يلزم المقترض الدفع في غير محل الإقراض إلا إذا لم يكن لحملة مؤنة أو له مؤنة وتحملها المقرض لكن له مطالبة في غير محل
الإقراض بقيمة بمحل الإقراض وقت المطالبة فيما لنقله مؤنة ولم يتحملها المقرض لجوزا الاعتياض عنه.
وجاز لمقرض نفع يصل له من مقترض كرد الزائد قدرا أو صفة والأجود في الرديء بلا شرط في العقد بل يسن ذلك لمقترض لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن خياركم: أحسنكم قضاء" [البخاري رقم: 2305, مسلم رقم: 1601] , ولا يكره للمقرض أخذه كقبول هديته ولو في الربوي.
والأوجه أن المقرض يملك الزائد من غير لفظ لأنه وقع تبعا وأيضا فهو يشبه الهدية وأن المقترض إذا دفع أكثر مما عليه وادعى أنه إنما دفع ذلك ظنا أنه الذي عليه: حلف ورجع فيه.
وأما القرض بشرط جر نفع لمقرض ففاسد لخبر: "كل قرض جر منفعة فهو ربا" [رواه الحارث ابن أبي أسامة في مسنده عن علي كرم الله وجهه الجامع الصغير رقم: 6336] وجبر ضعفه: مجيء معناه عن جمع من الصحابة.
ومنه القرض لمن يستأجر ملكه أي مثلا بأكثر من قيمته لأجل القرض إن وقع ذلك شرطا إذ هو حينئذ حرام إجماعا وإلا كره عندنا وحرام عند كثير من العلماء قاله السبكي.
ويجوز الإقراض بشرط الرهن أو الكفيل.
ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن فأقرضه المائة أو بعضها
كان ضامنا على الأوجه للحاجة: كألق متاعك في البحر وعلي ضمانه.
وقال البغوي: لو ادعى المالك القرض والآخذ الوديعة: صدق الآخذ لأن الأصل: عدم الضمان خلافا للأنوار.
ويصح رهن وهو جعل عين يجوز بيعها وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه فلا يصح رهن وقف
وأم ولد.
بإيجاب وقبول كرهنت وأرتهنت ويشترط ما مر في البيع من اتصال اللفظين وتوافقهما معنى ويأتي هنا خلاف المعاطاة من أهل تبرع فلا يرهن ولي أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما مال صبي ومجنون كما لا يرتهن لهما إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة فيجوز له الرهن والارتهان كأن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة ليوفي مما ينتظر من الغلة أو حلول الدين وكأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه للزوم الارتهان حينئذ.
ولو كان العين المرهونة جزءا مشاعا أو عارية وإن لم يصرح بلفظها كأن قال له مالكها: ارهنها بدينك لحصول التوثق بها.
ويصح إعارة النقد لذلك على الأوجه وإن منعنا إعارته لغير ذلك فيصح رهن معار بإذن مالك بشرط معرفته المرتهن وجنس الدين وقدره نعم في الجواهر لو قال له ارهن عبدي بما شئت: صح أن يرهنه بأكثر من قيمته.
انتهى.
ولو عين قدرا فرهن بدونه: جاز.
ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن العارية فلو تلف في يد الراهن ضمن لأنه مستعير الآن اتفاقا أو في يد المرتهن: فلا ضمان عليهما إذ المرتهن أمين ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن نعم: إن رهن فاسدا: ضمن بالتسليم على ما قاله غير واحد.
ويباع المعار بمراجعة مالكه عند حلول الدين ثم يرجع المالك على الراهن بثمنه الذي بيع به.
لا يصح بشرط ما يضر الراهن أو المرتهن: كأن لا يباع أي المرهون عند المحل أي وقت حلول الدين أو إلا بأكثر من ثمن المثل وكشرط منفعته أي المرهون لمرتهن كأن يشرطا1 أن الزوائد الحادثة كثمر الشجر مرهونة فيبطل الرهن في الصور الثلاثة.
ولا يلزم الرهن كالهبة إلا بقبض بما مر في قبض المبيع بإذن من راهن يصح تبرعه.
ويحصل الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك كالهبة والرهن لآخر ولا بوطء وتزويج وموت عاقد وهرب مرهون
واليد في المرهون لمرتهن بعد لزوم الرهن غالبا وهي على الرهن أمانة أي يد أمانة ولو بعد البراءة من الدين فلا يضمنه المرتهن إلا بالتعدي: كأن امتنع من الرد بعد سقوط الدين.
وصدق أي المرتهن كالمستأجر في دعوى تلف بيمينه لا في رد لأنهما قبضا لغرض أنفسهما فكانا كالمستعير بخلاف الوديع والوكيل.
ولا يسقط بتلفه شيء من الدين ولو غفل عن نحو كتاب فأكلته الأرضة أو جعله في محل هو مظنتها ضمنه لتفريطه.
قاعدة [في بيان أن فاسد العقود كصحيحها] : وحكم فساد العقود إذا صدر من رشيد حكم صحيحها في الضمان وعدمه لان صحيح العقد إذا اقتضى الضمان بعد القبض كالبيع والقرض ففاسدة أولى أو عدمه كالمرهون والمستأجر والموهوب ففاسدة كذلك.
فرع لو رهن شيئا وجعله مبيعا من المرتهن بعد شهر أو عارية له بعده بأن شرطا في عقد الرهن ثم قبضه المرتهن: لم يضمنه قبل مضي الشهر وإن علم فساده على المعتمد وضمنه بعده لأنه يصير بيعا أو عارية فاسدين لتعليقهما بانقضاء الشهر فإن قال رهنتك فإن لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك: فسد البيع لا الرهن على
الأوجه لأنه لم يشترط فيه شيئا.
وله أي للمرتهن طلب بيعه أي المرهون أو طلب قضاء دينه إن لم يبع.
ولا يلزم الراهن البيع بخصوصه بل إنما يطلب المرتهن أحد الأمرين إن حل دين وإنما يبيع الراهن بإذن المرتهن عند الحاجة لان له فيه حقا ويقدم المرتهن بثمنه على سائر الغرماء فإن أبى المرتهن الإذن قال له الحاكم ائذن في بيعه أو أبرئه من الدين.
ويجبر راهن أي يجبره الحاكم على أحد الأمرين إذا امتنع بالحبس وغيره فإن أصر على الامتناع أو كان غائبا وليس له ما يوفى منه غير الرهن باعه عليه قاض بعد ثبوت الدين وملك الراهن والرهن وكونه بمحل ولايته وقضى الدين من ثمنه دفعا لضرر المرتهن.
ويجوز للمرتهن بيعه في دين حال بإذن الراهن وحضرته بخلافه في غيبته نعم إن قدر له الثمن: صح مطلقا لانتفاء التهمة ولو شرطا أن يبيعه ثالث عند المحل: جاز بيعه بثمن مثل حال.
ولا يشترط مراجعة الراهن في البيع لأن الأصل بقاء إذنه بل المرتهن لأنه قد يمهل أو يبرئ.
وعلى مالكه من راهن أو معير له: مؤنة للمرهون كنفقة رقيق وكسوته
وعلف دابة وأجرة رد آبق ومكان حفظ وإعادة ما يهدم إجماعا خلافا لما شذ به الحسن فإن غاب أو أعسر.
راجع المرتهن الحاكم وله الإنفاق بإذنه ليكون رهنا بالنفقة أيضا فإن تعذر استئذانه وأشهد بالإنفاق ليرجع رجع وإلا فلا.
وليس له أي للمالك بعد لزوم الرهن: بيع ووقف ورهن لآخر لئلا يزاحم المرتهن.
ووطء للمرهونة بلا إذنه وإن لم تحبل حسما للباب بخلاف سائر التمتعات فتحل إن أمن الوطء.
وتزويج الأمة مرهونة لنقصه القيمة لا إن كان التزويج منه: أي المرتهن أو بإذنه فلا يمتنع على الراهن.
وكذا لا تجوز الإجارة لغير المرتهن بلا إذن إن جاوزت مدتها المحل.
ويجوز له الانتفاع بالركوب والسكنى لا بالبناء والغرس نعم لو كان الدين مؤجلا وقال: أنا أقلع عند الأجل فله ذلك.
وأما وطء المرتهن الجارية المرهونة ولو بإذن المالك فزنا حيث علم التحريم فعليه الحد ويلزمه المهر ما لم تطاوعه عالمة بالتحريم وما نسب إلى عطاء من تجويزه الوطء بإذن المالك ضعيف جدا بل قيل إنه مكذوب عليه.
وسئل القاضي الطيب الناشري عن الحكم فيما اعتاده النساء من
ارتهان الحلي مع الإذن في لبسها فأجاب لا ضمان على المرتهنة مع اللبس لان ذلك في حكم إجارة فاسدة معللا ذلك: بأن المقرضة لا تقرض مالها إلا لأجل الارتهان واللبس فجعل ذلك عوضا فاسدا في مقابلة اللبس.
ولو اختلفا أي الراهن والمرتهن في أصل رهن كأن قال رهنتني كذا فأنكر الآخر أو في قدره: أي المرهون كرهنتني الأرض مع شجرها فقال: بل وحدها أو قدر المرهون به: كبألفين فقال بل بألف: صدق راهن بيمينه وإن كان المرهون بيد المرتهن لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن ولو ادعى مرتهن هو بيده أنه قبضه بالإذن وأنكره الراهن وقال بل غصبته أو أعرتكه أو آجرتكه: صدق في جحده بيمينه.
فرع من عليه ألفان بأحدهما رهن أو كفيل فأدي ألفا وقال أديته عن ألف الرهن: صدق بيمينه لان المؤدي أعرف بقصده وكيفيته ومن ثم لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه وقع عنه وإن ظنه الدائن هدية
كذا قالوه ثم إن لم ينو الدافع شيئا حالة الدفع: جعله عما شاء منهما لان التعيين إليه.
تتمة [في بيان حكم المفلس] المفلس من عليه دين لآدمي حال زائد على ماله: يحجر عليه بطلبه الحجر على نفسه أو طلب غرمائه.
وبالحجر: يتعلق حق الغرماء بماله فلا يصح تصرفه فيه بما يضرهم كوقف وهبة ولا بيعه ولو لغرمائه بدينهم بغير إذن القاضي ويصح إقراره بعين أو دين أسند وجوبه لما قبل الحجر.
ويبادر قاض يبيع ماله ولو مسكنه وخادمه بحضرته مع غرمائه وقسم ثمنه بين غرمائه كبيع مال ممتنع عن أداء حق وجب عليه أداوه.
ولقاض إكراه ممتنع من الأداء بالحبس وغيره من أنواع التعزير ويحبس مدين مكلف عهد له المال لا أصل وإن علا من جهة أب أو أم بدين فرعه خلافا للحاوي كالغزالي.
وإذا ثبت إعسار مدين: لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل حتى يوسر.
وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره ما لم يختر المدين الحبس فيجاب إليه وأجرة الحبس وكذا الملازم على المدين وللحاكم منع المحبوس: الاستئناس بالمحادثة وحضور الجمعة وعمل الصنعة إن رأى المصلحة فيه.
ولا يجوز للدائن تجويع المدين بمنع الطعام كما أفتى به شيخنا الزمزمي رحمه الله تعالى.
ويجوز لغريم المفلس المحجور عليه أو الميت: الرجوع فورا إلى
متاعه إن وجد في ملكه ولم يتعلق به حق لازم والعوض حال وإن تفرخ البيض المبيع ونبث البذر واشتد حب الزرع لأنها حدثت من عين ماله ويحصل الرجوع من البائع ولو بلا قاض بنحو فسخت ورجعت في المبيع لا بنحو بيع وعتق فيه.
----
.1 في نسخة كأن يشترطا.
----