فصل في العدة
كتاب فتح المعين في الفقه الشافعي
محتويات
فصل في العدة
هي مأخوذة من العدد لاشتمالها على عدد أقراء وأشهر غالبا وهي شرعا مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها من الحمل أو للتعبد وهو اصطلاحا: ما لا يعقل معناه عبادة كان أو غيرها ولتفجعها على زوج مات.
وشرعت أصالة صونا للنسب عن الاختلاط.
تجب عدة لفرقة زوج حي بطلاق أو فسخ نكاح حاضر أو غائب مدة طويلة.
وطئ في قبل أو دبر بخلاف ما إذا لم يكن وطئ وإن وجدت خلوة.
وإن تيقن براءة رحم كما في صغيرة وصغير.
ولوطئ حصل مع شبهة في حله كما في نكاح فاسد وهو كل ما لم يوجب حدا على الواطئ.
فرع: لا يستمتع بموطوءة بشبهة مطلقا ما دامت في عدة شبهة حملا كانت أو غيره حتى تنقضي بوضع أو غيره لاختلال النكاح بتعلق حق الغير.
قال شيخنا: ومنه يؤخذ أنه يحرم عليه نظرها ولو بلا شهوة والخلوة بها.
وإنما يجب لما ذكر عدة بثلاثة قروء والقرء هنا طهريين دمي حيضتين أو حيض ونفاس فلو طلق من لم تحض
أولا ثم حاضت لم يحسب الزمن الذي طلق فيه قرءا: إذ لم يكن بين دمين بل لا بد من ثلاثة أطهار بعد الحيضة المتصلة بالطلاق ويحسب بقية الطهر طهرا في غيرها.
وتجب العدة بثلاثة أقراء على حرة تحيض لقوله تعالى:
{والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [2 سورة البقرة الآية: 228] .
فمن طلقت طاهرا وقد بقي من الطهر لحظة انقضت عدتها بالطعن في الحيضة الثالثة لإطلاق القرء على أقل لحظة من الطهر وإن وطئ فيه أو حائضا وإن لم يبق من زمن الحيض إلا لحظة فتنقضي عدتها بالطعن في الحيضة الرابعة.
وزمن الطعن في الحيضة ليس من العدة بل يتبين به انقضاؤها.
وتجب عدة بثلاثة أشهر هلالية ما لم تطلق أثناء شهر وإلا تمم المنكسر ثلاثين إن لم تحض أي الحرة أصلا أو حاضت أولا ثم انقطع ويئست من الحيض ببلوغها إلى سن تيأس فيه النساء من الحيض غالبا وهو اثنتان وستون سنة وقيل خمسون.
ولو حاضت من لم تحض قط في أثناء العدة بالأشهر اعتدت بالأطهار أو بعدها أو تستأنف العدة بالأطهار بخلاف الآيسة.
ومن انقطع حيضها بعد أن كانت تحيض بلا علة تعرف لم تتزوج حتى تحيض أو تيأس ثم تعتد بالأقراء أو الأشهر.
وفي القديم وهو مذهب مالك وأحمد أنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر ليعرف فراغ الدم: إذ هي غالب مدة الحمل.
وانتصر له الشافعي بأن عمر رضي الله عنه قضى به بين المهاجرين والأنصار ولم ينكر عليه ومن ثم أفتى به سلطان العلماء عز الدين ابن
عبد السلام والبارزي والريمي وإسماعيل الحضرمي واختاره البلقيني وشيخنا ابن زياد رحمهم الله تعالى.
أما من انقطع حيضها بعلة تعرف كرضاع ومرض فلا تتزوج اتفاقا حتى تحيض أو تيأس وإن طالت المدة.
وتجب العدة لوفاة زوج حتى على حرة رجعية وغير موطوءة لصغر أو غيره وإن كانت ذات أقراء بأربعة أشهر وعشرة أيام ولياليها للكتاب والسنة.
وتجب على المتوفى عنها زوجها العدة بما ذكر مع إحداد يعني يجب الإحداد عليها أيضا بأي صفة كانت للخبر المتفق عليه: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا أي فإنه يحل لها الإحداد عليه هذه المدة: أي يجب لان ما جاز بعد امتناعه واجب وللإجماع على إرادته إلا ما حكي عن الحسن البصري وذكر الإيمان للغالب أو لأنه أبعث على الامتثال وإلا فمن لها أمان يلزمها ذلك أيضا ويلزم الولي أمر موليته به.
تنبيه [في بيان معنى الإحداد اصطلاحا] الإحداد الواجب على المتوفى عنها زوجها ولو صغيرة ترك لبس مصبوع لزينة وإن خشن.
ويباح إبريسم لم يصبغ وترك التطيب ولو ليلا والتحلي نهارا بحلي ذهب أو فضة.
ولو نحو خاتم أو قرط أو تحت الثياب للنهي عنه.
ومنه مموه بأحدهما ولؤلؤ ونحوه من الجواهر التي تتحلى بها.
ومنها العقيق وكذا نحو نحاس وعاج إن كانت من قوم يتحلون بهما.
وترك الاكتحال بإثمد إلا لحاجة وإن كانت سوداء ودهن شعر رأسها لا سائر البدن.
وحل تنظف بغسل وإزالة وسخ وأكل تنبل.
وندب إحداد البائن بخلع أو فسخ أو طلاق ثلاث لئلا يفضي تزيينها لفسادها وكذا الرجعية إن لم ترج عودة بالتزين فيندب.
وتجب على المعتدة بالوفاة وبطلاق بائن أو فسخ ملازمة مسكن كانت فيه عند الموت أو الفرقة إلى انقضاء عدة ولها الخروج نهارا لشراء نحو طعام وبيع غزل ولنحو احتطاب لا ليلا ولو أوله خلافا لبعضهم لكن لها خروج ليلا إلى دار جاره الملاصق لغزل وحديث ونحوهما لكن بشرط أن يكون ذلك بقدر العادة وأن لا يكون عندها من يحدثها ويؤنسها على الأوجه وأن ترجع وتبيت في بيتها.
أما الرجعية فلا تخرج إلا بإذنه أو لضرورة لان عليه القيام بجميع مؤنها كالزوجة ومثلها بائن حامل.
وتنتقل من المسكن لخوف على نفسها أو ولدها أو على المال ولو
لغيرها كوديعة وإن قل وخوف هدم أو حرق أو سارق أو تأذت بالجيران أذى شديدا.
وعلى الزوج سكنى المفارقة ولو بأجرة ما لم تكن ناشزة وليس له مساكنتها ولا دخول محل هي فيه مع انتفاء نحو المحرم فيحرم عليه ذلك ولو أعمى وإن كان الطلاق رجعيا لان ذلك يجر إلى الخلوة المحرمة بها ومن ثم لزمها منعه إن قدرت عليه.
وكما تعتد حرة بما ذكر تعتد غيرها أي غير الحرة بنصف من عدة الحرة لأنها على النصف في كثير من الأحكام وكمل الطهر الثاني إذ لا يظهر نصفه إلا بظهور كله فلا بد من الانتظار إلى أن يعود الدم.
وتعتدان أي الحرة والأمة لوفاة أو غيرها وإن كانتا تحيضان بوضع حمل حملتا لصاحب العدة ولو مضغة تتصور لو بقيت لا بوضع علقة.
فرع: يلحق ذا العدة الولد إلى أربع سنين موقت طلاقه لا إن أتت به بعد نكاح لغير ذي العدة وإمكان
لان يكون منه بأن أتت به لستة أشهر بعد نكاحه.
وتصدق المرأة في دعوى انقضاء عدة بغير أشهر إن أمكن
انقضاؤها وإن خالفت عدتها أو كذبها الزوج إذ يعسر عليها إقامة البينة بذلك ولأنها مؤتمنة على ما في رحمها وإمكان الانقضاء بالولادة ستة أشهر ولحظتان وبالأقراء لحرة طلقت في طهر اثنان وثلاثون يوما ولحظتان وفي حيض سبعة وأربعون يوما ولحظة.
فائدة: ينبغي تحليف المرأة على انقضاء العدة.
ولا يقبل دعواها أي المرأة.
عدم انقضائها أي العدة.
بعد تزوج الآخر لان رضاها بالنكاح يتضمن الاعتراف بانقضاء العدة فلو ادعت بعد الطلاق الدخول فأنكر
صدق بيمينه لان الأصل عدمه وعليها العدة مؤاخذة لها بإقرارها وإن رجعت وكذبت نفسها في دعوى الدخول لان الإنكار بعد الإقرار غير مقبول.
فرع: لو انقضت عدة الرجعية ثم نكحت آخر فادعى مطلقها عليها أو على الزوج الثاني الرجعية قبل انقضاء العدة فأثبت ذلك ببينة أو لم يثبت لكن أقرا: أي الزوجة والثاني له به أخذها لأنه قد ثبت بالبينة أو الإقرار ما يستلزم فساد النكاح ولها عليه بالوطء مهر المثل.
فلو أنكر الثاني الرجعة صدق بيمينه في إنكارها لان النكاح وقع صحيحا والأصل عدم الرجعة.
أو أقرت هي دون الثاني فلا يأخذها لتعلق حق الثاني حتى تبين من الثاني إذ لا يقبل إقرارها عليه بالرجعة ما دامت في عصمته لتعلق حقه بها.
أما إذا بانت منه فتسلم للأول بلا عقد وأعطت وجوبا الأول قبل بينونتها مهر المثل للحيلولة الصادرة منها بينه وبين حقه بالنكاح الثاني حتى لو زال أخذت المهر لارتفاع الحيلولة.
ولو تزوجت امرأة كانت في حيالة زوج بأن ثبت ذلك ولو بإقرارها به قبل نكاح الثاني فادعى عليها الأول بقاء نكاحه وأنه لم يطلقها وهي تدعي أنه طلقها وانقضت عدتها منه قبل أن تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف أنه لم يطلقها أخذها من الثاني لأنها أقرت له بالزوجية وهو إقرار صحيح إذ لم يتفقا على الطلاق. وتنقطع عدة بغير حمل بمخالطة مفارق لمفارقة رجعية فيها لا بائن ولو بخلع كمخالطة الزوج زوجته بأن كان يختلي بها ويتمكن عليها ولو في الزمن اليسير سواء أحصل وطئ أم لا فلا تنقضي العدة.
لكن إذا زالت المعاشرة بأن نوى أنه لا يعود إليها كملت على ما مضى وذلك لشبهة الفراش كما لو نكحها حائلا في العدة فلا
يحسب زمن استفراشه عنها بل تنقطع من حين الخلوة ولا يبطل بها ما مضى فتبني عليه إذا زالت ولا يحسب الأوقات المتخللة بين الخلوات.
ولكن لا رجعة له عليها بعدها أي بعد العدة بالأقراء أو الأشهر على المعتمد وإن لم تنقض عدتها لكن يلحقها الطلاق إلى انقضائها والذي رجحه البلقيني أنه لا مؤنة لها بعدها وجزم به غيره فقال: لا توارث بينهما ولا يحد بوطئها.
تتمة [في بيان تداخل العدتين] : لو اجتمع عدتا شخص على امرأة بأن وطئ مطلقته الرجعية مطلقا أو البائن بشبهة تكفي عدة أخيرة منهما فتعتد هي من فراغ الوطء وتندرج فيها بقية الأولى فإن كرر الوطء استأنفت أيضا لكن لا رجعة حيث لم يبق من الأولى بقية.
فرع: في حكم الاستبراء.
وهو شرعا تربص بمن فيها رق عند وجود سبب مما يأتي للعلم ببراءة رحمها أو للتعبد.
يجب استبراء لحل تمتع أو تزويج بملك أمة ولو معتدة بشراء أو إرث أو وصية أو هبة مع قبض أو
سبي بشرطه من القسمة أو اختيار تملك.
وإن تيقن براءة رحم كصغيرة وبكر وسواء أملكها من صبي أم امرأة أم من بائع استبرأها قبل البيع فيجب فيما ذكر بالنسبة لحل التمتع.
وبزوال فراش له عن أمة موطوءة غير مستولدة أو مستولدة بعتقها: أي بإعتاق السيد كل واحدة منهما أو موته لا إن استبرأ قبيل إعتاق غير مستولدة ممن زال عنها الفراش فلا يجب بل تتزوج حالا إذ لا تشبه هذه منكوحة بخلاف المستولدة.
ويحرم بل لا يصح تزويج موطوءته أي المالك قبل مضي إستبراء حذر من اختلاط الماءين أما غير موطوءته فإن كانت غير موطوءة لأحد فله تزويجها مطلقا أو موطوءة غيره فله تزويجها ممن الماء منه وكذا من غيره إن كان الماء غير محترم أو مضت مدة الاستبراء منه.
ولو أعتق موطوءته فله نكاحها بلا استبراء.
وهو أي الاستبراء لذات أقراء حيضة كاملة فلا تكفي بقيتها الموجودة حالة وجوب الاستبراء ولو وطئها في الحيض فحبلت منه فإن كان قبل مضي أقل الحيض انقطع الاستبراء وبقي التحريم إلى الوضع كما حبلت من وطئه وهي طاهرة.
وإن حبلت بعد مضي أقله كفى في الاستبراء لمضي حيض كامل لها قبل الحمل.
ولذات أشهر من صغيرة أو آيسة شهر ولحامل لا تعتد بالوضع أي بوضع الحمل وهي التي حملها من الزنا أو المسبية الحامل أو التي هي حامل من السيد وزال عنها فراشه بعتق سواء الحامل المستولدة وغيرها وضعه أي الحمل.
فرع: لو اشترى نحو وثنية أو مرتدة فحاضت ثم بعد فراغ الحيض أو في أثنائه ومثله الشهر في ذات الأشهر أسلمت لم يكف حيضها أو نحوه في الاستبراء لأنه لا يستعقب حل التمتع الذي هو القصد في الاستبراء. وتصدق المملوكة بلا يمين في قولها حضت لأنه لا يعلم إلا
منها وحرم في غير مسبية تمتع ولو بنحو نظر بشهوة ومس قبل تمام استبراء لأدائه إلى الوطء المحرم ولاحتمال أنها حامل بحر فلا يصح نحو بيعها نعم تحل له الخلوة بها.
أما في المسبية فيحرم الوطء لا الاستمتاع بغيره من تقبيل ومس لأنه ص لم يحرم منها غيره مع غلبة امتداد الأعين والأيدي إلى مس الإماء سيما الحسان ولان ابن عمر رضي الله عنه قبل أمة وقعت في سهمه من سبايا أوطاس.
وألحق الماوردي وغيره بالمسبية في حل الاستمتاع بغير الوطء كل من لا يمكن حملها كصبية وآيسة وحامل من زنا.
فرع: لا تصير أمة فراشا لسيدها إلا بوطء منه في قبلها ويعلم ذلك بإقراره به أو ببينة فإذا ولدت للإمكان
من وطئه ولدا لحقه وإن لم يعترف به.