فصل في النفقة
كتاب فتح المعين في الفقه الشافعي
محتويات
فصل في النفقة
من الإنفاق وهو الإخراج
يجب المد الآتي وما عطف عليه لزوجة أو أمة ومريضة مكنت من الاستمتاع بها ومن نقلها إلى حيث شاء عند أمن الطريق والمقصد ولو بركوب بحر غلبت فيه السلامة فلا تجب بالعقد خلافا للقديم وإنما تجب بالتمكين يوما فيوما ويصدق هو بيمينه في عدم التمكين وهي في عدم النشوز والإنفاق عليها.
وإذا مكنت من يمكن التمتع بها ولو من بعض الوجوه وجبت مؤنها1 ولو كان الزوج طفلا لا يمكن جماعه: إذ لا منع من جهتها وإن عجزت عن وطئ بسبب غير الصغر كرتق أو مرض أو جنون لا إن عجزت بالصغر بأن كانت طفلة لا تحتمل الوطء فلا نفقة لها وإن سلمها الولي إلى الزوج إذ لا يمكن التمتع بها كالناشزة بخلاف من تحتمله ويثبت ذلك بإقراره وبشهادة البينة به أو بأنها في غيبته باذلة للطاعة ملازمة للمسكن ونحو ذلك ولها مطالبته بها إن أراد سفرا طويلا.
ولو رجعية وإن كانت حائلا أي يجب لها ما ذكر ما عدا آلة التنظيف لبقاء حبسه لها وقدرته على التمتع بها بالرجعة ولامتناعه عنها لم يجب لها آلة التنظيف.
ويسقط مؤنتها ما يسقط مؤنة الزوجة كالنشوز
وتصدق في قدر أقرائها بيمين إن كذبها وإلا فلا يمين.
----
.1 في نسخة مؤنتها.
----
وتجب النفقة أيضا لمطلقة حامل بائن بالطلاق الثلاث أو الخلع أو الفسخ بغير مقارن وإن مات الزوج قبل الوضع ما لم تنشز.
ولو أنفق بظنه فبان عدمه رجع عليها أما إذا بانت الحامل بموته فلا نفقة وكذا لا نفقة لزوجة تلبست بعدة شبهة بأن وطئت بشبهة وإن لم تحبل لانتفاء التمكين إذ يحال بينه وبينها إلى انقضاء العدة.
ثم الواجب لنحو زوجة ممن مر مد طعام1 من غالب قوت محل إقامتها لا إقامته ويكفي دفعه من غير إيجاب وقبول كالدين في الذمة.
قال شيخنا: ومنه يؤخذ أن الواجب هنا عدم الصارف لا قصد الأداء خلافا لابن المقري ومن تبعه.
على معسر ولو بقوله ما لم يتحقق له مال وهو من لا يملك ما يخرجه عن المسكنة ولو مكتسبا وإن قدر على كسب واسع.
وعلى رقيق ولو مكاتبا وإن كثر ماله.
ومدان على موسر وهو من لا يرجع بتكليفه مدين معسرا.
ومد ونصف على متوسط وهو من يرجع بذلك معسرا
----
.1 المد: هو مكعب طول ضلعه 2 ,9 تسعة سانتي مترات واثنين بالعشرة.
----
وإنما تجب النفقة وقت طلوع فجر كل يوم فيوم إن لم تؤاكله على العادة برضاها وهي رشيدة فلو أكلت معه دون الكفاية وجب لها تمام الكفاية على الأوجه.
وتصدق هي في قدر ما أكلته.
ولو كلفها مؤاكلته من غير رضاها أو واكلته غير رشيدة بلا إذن ولي فلا تسقط نفقتها به وحينئذ هو متطوع فلا رجوع له بما أكلته خلافا للبلقيني ومن تبعه.
ولو زعمت أنه متطوع وزعم أنه مؤد عن النفقة صدق بيمينه على الأوجه.
وفي شرح المنهاج: لو أضافها رجل إكراما له سقطت نفقتها ويكلف من أراد سفرا طويلا طلاقها وتوكيل من ينفق عليها من مال حاضر.
ويجب ما ذكر بأدم أي مع أدم اعتيد وإن لم تأكله كسمن وزيت وتمر ولو تنازعا فيه أو في اللحم الآتي قدره قاض باجتهاده مفاوتا في قدر ذلك بين الموسر وغيره وتقدير الحاوي كالنص بأوقية1 زيت أو سمن تقريب. ويجب أيضا لحم اعتيد قدرا ووقتا بحسب يساره وإعساره وإن لم تأكله أيضا فإن اعتيد مر في الأسبوع فالأولى كونه يوم الجمعة أو
مرتين فالجمعة والثلاثاء والنص أيضا رطل1 لحم في الأسبوع على المعسر ورطلان على الموسر محمول على قلة اللحم في أيامه بمصر فيزاد بقدر الحاجة بحسب عادة المحل.
----
1 الأوقية: أربعون درهما والدرهم يعادل 8 ,2 غراما فتكون الأوقية 112 غراما.
----
والأوجه أنه لا أدم يوم اللحم إن كفاها غذاء وعشاء وإلا وجب ومع ملح وحطب وماء شرب لتوقف الحياة عليه.
ومع مؤنة كأجرة طحن وعجن وخبز وطبخ ما لم تكن من قوم اعتادوا ذلك بأنفسهم كما جزم به ابن الرفعة والأذرعي وجزم غيرهما بأنه لا فرق.
ومع آلة لطبخ وأكل وشرب كقصعة وكوز وجرة وقدر ومغرفة وإبريق من خشب أو خزف أو حجر.
ولا يجب من نحاس وصيني وإن كانت شريفة.
ويجب لها على الزوج ولو معسرا أول كل ستة أشهر كسوة تكفيها طولا وضخامة.
فالواجب قميص ما لم تكن ممن اعتدن الإزار والرداء فيجبان دونه على الأوجه.
وإزار وسراويل وخمار أي مقنعة ولو لأمة ومكعب أي:
ما يلبس في رجلها ويعتبر في نوعه عرف بلدها نعم قال الماوردي إن كانت ممن يعتدن أن لا يلبسن في أرجلهن شيئا في البيوت لا يجب لأرجلها شيء.
ويجب ذلك لها مع لحاف للشتاء يعني وقت البرد ولو في غير الشتاء ويزيد في الشتاء جبة محشوة.
أما في غير وقت البرد ولو في وقت الشتاء في البلاد الحارة فيجب لها رداء أو نحوه إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء غير لباسهم أو ينامون عرايا كما هو السنة.
فإن لم يعتادوا لنومهم غطاء لم يجب ذلك ولو اعتادوا ثوبا للنوم وجب كما جزم به بعضهم.
ويختلف جودة الكسوة وضدها بيساره وضده.
ويجب عليه توابع ذلك من نحو تكة سراويل وزر نحو قميص وخيط وأجرة خياط وعليه فراش لنومها ومخدة ولو اعتادوا على السرير وجب.
فرع: يجب تجديد الكسوة التي لا تدوم سنة بأن تعطاها كل ستة أشهر من كل سنة ولو تلفت أثناء الفصل ولو بلا تقصير لم يجب تجديدها ويجب كونها جديدة.
ولها عليه آلة تنظف لبدنها وثوبها وإن غاب عنها لاحتياجها إليه كالأدم فمنها سدر ونحوه كمشط وسواك وخلال وعليه دهن
لرأسها وكذا لبدنها إن اعتيد من شيرج أو سمن فيجب الدهن كل أسبوع مرة فأكثر بحسب العادة وكذا دهن لسراجها وليس لحامل بائن ومن زوجها غائب إلا ما يزيل الشعث والوسخ على المذهب.
ويجب عليه الماء للغسل الواجب بسببه كغسل جماع ونفاس لا حيض واحتلام وغسل نجس ولا ماء وضوء إلا إذا نقضه بلمسه.
لا عليه طيب إلا لقطع ريح كريه ولا كحل ودواء لمرضها وأجرة طبيب ولها طعام أيام المرض وأدمها وكسوتها وآلة تنظفها وتصرفه للدواء وغيره.
تنبيه: يجب لها في جميع ما ذكر من الطعام والأدم وآلة ذلك والكسوة والفرش وآلة التنظيف أن يكون تمليكا بالدفع دون إيجاب وقبول وتملكه هي بالقبض فلا يجوز أخذه منها إلا برضاها.
أما المسكن فيكون إمتاعا حتى يسقط بمضي الزمان لأنه لمجرد الانتفاع كالخادم وما جعل تمليكا يصير دينا بمضي الزمان ويعتاض عنه ولا يسقط بموت أثناء الفصل.
ولها عليه مسكن تأمن فيه لو خرج عنها على نفسها ومالها وإن قل للحاجة بل للضرورة إليه.
يليق بها عادة وإن كانت ممن لا يعتادون السكنى.
ولو معارا ومكترى ولو سكن معها في منزلها بإذنها أو لامتناعها من النقلة معه أو في منزل منحو أبيها بإذنها لم يلزمه أجرة لان الإذن العرى عن ذكر العوض ينزل على الإعارة والإباحة.
وعليه ولو معسرا خلافا لجمع أو قنا إخدام حرة بواحدة لا أكثر لأنه من المعاشرة بالمعروف بخلاف الأمة وإن كان جميلة.
تخدم أي يخدم مثلها عادة عند أهلها فلا عبرة بترفهها في بيت زوجها وإنما يجب عليه الإخدام ولو بحرة صحبتها أو مستأجرة أو بمحرم أو مملوك لها ولو عبدا أو بصبي غير مراهق فالواجب للخادم الذي عينه الزوج مد وثلث على موسر ومد على معسر ومتوسط مع كسوة أمثال الخادم من قيمص وإزار ومقنعة ويراد للخادمة خف وملحفة إذا كانت تخرج وإن كانت قنة اعتادت كشف الرأس وإنما لم يجب الخف والملحفة للمخدومة على المعتمد لان له منعها من الخروج والاحتياج إليه لنحو الحمام نادر.
تنبيه: ليس على خادمها إلا ما يخصها وتحتاج إليه كحمل الماء للمستحم والشرب وصبه على بدنها
وغسل خرق الحيض والطبخ لأكلها أما ما لا يخصها كالطبخ لأكله وغسل ثيابه فلا يجب على واحد منهما بل هو على الزوج فيوفيه بنفسه أو بغيره.
----
1 الرطل مائة وثمانية وعشرون درهما والدرهم يعادل 8 ,2 غراما فيكون الرطل 4 ,358 غراما وعند الرافعي أن الرطل البغدادي مئة وثلاثون درهما أي: 364 غراما أو أن الرطل يعادل ثلاثة أرباع المد كما ورد في الصفحة: 235.
----
مهمات: من شرح المنهاج لشيخنا: لو اشترى حليا أو ديباجا لزوجته وزينها به لا يصير ملكا لها بذلك ولو اختلفت هي والزوج في الإهداء والعارية صدق ومثله وارثه.
ولو جهز بنته بجهاز لم تملكه إلا بإيجاب وقبول والقول قوله في أنه لم يملكها.
ويؤخذ مما تقرر أن ما يعطيه الزوج صلحة أو صباحية كما اعتيد ببعض البلاد لا تملكه إلا بلفظ أو قصد إهداء خلافا لما مر عن فتاوى الحناطي1 وإفتاء غير واحد بأنه لو أعطاها مصروفا للعرس ودفعا وصباحية فنشزت استرد الجميع غير صحيح إذ التقييد بالنشوز لا يتأتى في الصباحية لما قررته فيها [في الصفحة: 392] أنها كالصلحة لأنه إن تلفط بإهداء أو قصده ملكته من غير جهة الزوجية وإلا فهو ملكه وأما مصروف العرس فليس بواجب فإذا صرفته بإذنه ضاع عليه.
وأما الدفع أي المهر فإن كان قبل الدخول استرده وإلا فلا لتقرره به فلا يسترد بالنشوز.
وتسقط المؤن كلها بنشوز منها إجماعا: أي بخروج عن طاعة
الزوج وإن لم تأثم كصغيرة ومجنونة ومكرهة ولو ساعة أو ولو لحظة فتسقط نفقة ذلك اليوم وكسوة ذلك الفصل ولا توزع على زماني الطاعة والنشوز.
ولو جهل سقوطها بالنشوز فأنفق رجع عليها إن كان ممن يخفى عليه ذلك وإنما لم يرجع من أنفق في نكاح أو شراء فاسد وإن جهل ذلك لأنه شرع في عقدهما على أن يضمن المؤن بوضع اليد ولا كذلك ههنا وكذا من وقع عليه طلاق باطنا ولم يعلم به فأنفق مدة ثم علم فلا يرجع بما أنفقه على الأوجه.
ويحصل النشوز بمنع الزوجة الزوج من تمتع ولو بنحو لمس أو بموضع عينه لا إن منعته عنه لعذر ككبر آلته بحيث لا تحتمله ومرض بها يضر معه الوطء وقرح في فرجها وكنحو حيض.
ويثبت كبر آلته بإقراره أو برجلين من رجال الختان ويحتالان لانتشار ذكره بأي حيلة غير إيلاج ذكره في فرج محرم أو دبر أو بأربع نسوة فإن لم يمكن معرفته إلا بنظرهن إليهما مكشوفي الفرجين حال انتشار عضوه جاز ليشهدن.
فرع: لها منع التمتع لقبض الصداق الحال أصالة قبل الوطء بالغة مختارة إذ لها الامتناع حينئذ فلا يحصل النشوز.
ولا تسقط النفقة بذلك فإن منعت لقبض الصداق المؤجل أو
بعد الوطء طائعة فتسقط.
فلو منعته لذلك بعد وطئها مكرهة أو صغيرة ولو بتسليم الولي فلا.
ولو ادعى وطأها بتمكينها وطلب تسليمها إليه فأنكرته وامتنعت من التسليم صدقت.
ومنها إذا خافت على نفسها أو مالها من فاسق أو سارق.
ومنها إذا خرجت إلى القاضي لطلب حقها منه.
ومنها خروجها لتعلم العلوم العينية أو للاستفتاء حيث لم يغنها الزوج الثقة أو نحو محرمها فيما استظهره شيخنا.
ومنها إذا خرجت لاكتساب نفقة بتجارة أو سؤال أو كسب إذا أعسر الزوج.
ومنها إذا خرجت على غير وجه النشوز في غيبة الزوج عن البلد بلا إذنه لزيارة أو عيادة قريب لا أجنبي أو أجنبية على الأوجه لان الخروج لذلك لا يعد نشوزا عرفا.
قال شيخنا: وظاهر أن محل ذلك إن لم يمنعها من الخروج أو يرسل إليها بالمنع.
وبسفرها أي بخروجها وحدها إلى محل يجوز القصر منه للمسافر ولو لزيارة أبويها أو للحج.
بلا إذن منه ولو لغرضه ما لم تضطر كأن جلا جميع أهل البلد وبقي من لا تأمن معه.
أو بإذنه ولكن لغرضها أو لغرض أجنبي فتسقط المؤن على الأظهر لعدم التمكين.
ولو سافرت بإذنه لغرضهما معا فمقتضى المرجح في الإيمان فيما إذا قال لزوجته إن خرجت لغير
الحمام فأنت طالق فخرجت لها ولغيرها أنها لا تطلق عدم السقوط هنا لكن نص الأم والمختصر يقتضي السقوط.
لا بسفرها معه أي الزوج بإذنه ولو في حاجتها ولا بسفرها بإذنه لحاجته ولو مع حاجة غيره فلا تسقط المؤن لأنها ممكنة وهو المفوت لحقه في الثانية.
وفي الجواهر وغيرها عن الماوردي وغيره لو امتنعت من النقلة معه لم تجب النفقة إلا إن كان يتمتع بها في زمن الامتناع فتجب ويصير تمتعه بها عفوا عن النقلة حينئذ انتهى.
قال شيخنا: وقضيته جريان ذلك في سائر صور النشوز وهو محتمل.
وتسقط المؤن أيضا بإغلاقها الباب في وجهه وبدعواها طلاقا بائنا كذبا.
وليس من النشوز شتمه وإيذاؤه باللسان وإن استحقت التأديب.
مهمة: لو تزوجت زوجة المفقود غيره قبل الحكم بموته سقطت نفقتها ولا تعود إلا بعلمه عودها إلى طاعته بعد التفريق بينهما.
فائدة: يجوز للزوج منعها من الخروج من المنزل ولو لموت أحد أبويها أو شهود جنازته ومن أن تمكن من دخول غير خادمة واحدة لمنزله ولو أبويها أو ابنها من غيره لكن يكره منع أبويها حيث لا عذر فإن كان المسكن ملكها لم يمنع شيئا من ذلك إلا عند الريبة.
تتمة [في بيان بعض أحكام تتعلق بالنشوز الجلي والنشوز الخفي] لو نشزت بالخروج من المنزل فغاب وأطاعت في غيبته بنحو عودها للمنزل لم تجب مؤنها ما دام غائبا في الأصح لخروجها عن قبضته فلا بد من تجديد تسليم وتسلم ولا يحصلان مع الغيبة فالطريق في عود الاستحقاق أن
يكتب الحاكم إلى قاضي بلده ليثبت عودها للطاعة عنده فإذا علم وعاد أو أرسل من يتسلمها له أو ترك ذلك لغير عذر عاد الاستحقاق.
وقضية قول الشافعي في القديم أن النفقة تعود عند عودها للطاعة لان الموجب في القديم العقد لا التمكين.
وبه قال مالك.
وصرحوا أن نشوزها بالردة يزول بإسلامها مطلقا لزوال المسقط.
وأخذ منه الأذرعي أنها لو نشزت في المنزل ولم تخرج منه كأن منعته نفسها فغاب عنها ثم عادت للطاعة عادت نفقتها من غير قاض وهو كذلك على الأصح.
ولو التمست زوجة غائب من القاضي أن يفرض لها فرضا عليه
اشترط ثبوت النكاح وإقامتها في مسكنه وحلفها على استحقاق النفقة وأنها لم تقبض منه نفقة مدة مستقبلة فحينئذ يفرض لها عليه نفقة المعسر إلا إن ثبت يساره.
----
1 قال الشيخ السيد البكري رحمه الله: أي: في باب الهبة أهـ والذي مر هناك نقل ابن زياد رحمه الله عن فتاوى ابن الخياط وهنا عن فتاوى الحناطي وقال السيد الشيخ البكري رحمه الله ثم إن قوله هنا الحناطي وهناك ابن الخياط يعلم أنه وقع تحريف في النسخ ولم يعلم الأصح منهما أهـ. راجع صفحة 392 وكذلك صفحة: 463.
----