فصل في مبطلات الصلاة
فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين علي مذهب الشافعي
تبطل الصلاة فرضها ونفلها لا صوم واعتكاف بنية قطعها وتعليقه بحصول شيء ولو محالا عاديا.
وتردد فيه أي القطع ولا مؤاخذة بوسواس قهري في الصلاة كالإيمان وغيره.
وبفعل كثير يقينا من غير جنس أفعالها إن صدر ممن علم تحريمه أو جهله ولم يعذر
حال كونه ولاء عرفا في غير شدة الخوف ونفل السفر بخلاف القليل كخطوتين وإن اتسعتا حيث لا وثبة والضربتين نعم لو قصد ثلاثا متوالية ثم فعل واحدة أو شرع فيها بطلت صلاته والكثير المتفرق بحيث يعد كل منقطعا عما قبله.
وحد البغوي بأن يكون بينهما قدر ركعة ضعيف كما في المجموع ولو كان الفعل الكثير سهوا والكثير كثلاث مضغات.
وخطوات توالت وإن كانت بقدر خطوة مغتفرة وكتحريك رأسه ويديه ولو معا والخطوة بفتح الخاء المرة وهي هنا نقل رجل الإمام أو غيره فإن نقل معها الأخرى ولو بلا تعاقب فخطوتان كما اعتمده شيخنا في شرح المنهاج لكن الذي جزم به في شرح الإرشاد وغيره أن نقل رجل مع نقل الأخرى إلى محاذاتها ولاء خطوة فقط فإن نقل كلا على التعاقب فخطوتان بلا نزاع.
ولو شك في فعل أقليل أو كثير فلا بطلان.
وتبطل بالوثبة وإن لم تتعدد.
لا تبطل بحركات خفيفة وإن كثرت وتوالت بل تكره كتحريك أصبع أو أصابع في حك أو سبحة مع قرار كفه أو جفن أو شفة أو ذكر أو
لسان لأنها تابعة لمحالها المستقرة كالأصابع ولذلك بحث أن حركة اللسان إن كانت مع تحويله عن محله أبطل ثلاث منها.
قال شيخنا: وهو محتمل.
وخرج بالأصابع الكف فتحريكها ثلاثا ولاء مبطل إلا أن يكون به جرب لا يصبر معه عادة على عدم الحك فلا تبطل للضرورة.
قال شيخنا: ويؤخذ منه أن من ابتلي بحركة اضطرارية ينشأ عنها عمل كثير سومح فيه.
وإمرار اليد وردها على التوالي بالحك مرة واحدة وكذا رفعها عن صدره ووضعها على موضع الحك مرة واحدة أي إن اتصل أحدهما بالآخر وإلا فكل مرة على ما استظهره شيخنا.
وبنطق عمدا ولو بإكراه بحرفين إن تواليا كما استظهره شيخنا من غير قرآن وذكر أو دعاء لم يقصد بها مجرد التفهيم كقوله لمن استأذنوه في الدخول: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [15 سورة الحجر الآية: 46] فإن قصد القراءة أو الذكر وحده أو مع التنبيه لم تبطل وكذا إن أطلق على ما قاله جمع متقدمون.
لكن الذي في التحقيق والدقائق البطلان وهو المعتمد.
وتأتي هذه الصور الأربعة في الفتح على الإمام بالقرآن أو الذكر وفي الجهر بتكبير الانتقال من الإمام والمبلغ.
وتبطل بحرفين ولو ظهرا في تنحنح لغير تعذر قراءة واجبة كفاتحة
ومثلها كل واجب قولي كتشهد أخير وصلاة فيه فلا تبطل بظهور حرفين في تنحنح لتعذر ركن قولي أو ظهرا في نحوه كسعال وبكاء وعطاس وضحك.
وخرج بقولي لغير تعذر قراءة واجبة ما إذا ظهر حرفان في تنحنح لتعذر قراءة مسنونة كالسورة أو القنوت أو الجهر بالفاتحة فتبطل.
وبحث الزركشي جواز التنحنح للصائم لإخراج نخامة تبطل صومه.
قال شيخنا: ويتجه جوازه للمفطر أيضا لإخراج نخامة تبطل صومه.
قال شيخنا: ويتجه جوازه للمفطر أيضا لإخراج نخامة تبطل صلاته بأن نزلت لحد الظاهر ولم يمكنه إخراجها إلا به.
ولو تنحنح إمامه فبان منه حرفان لم يجب مفارقته لان الظاهر تحرزه عن المبطل نعم إن دلت قرينة حاله على عدم عذره وجبت مفارقته كما بحثه السبكي.
ولو ابتلي شخص بنحو سعال دائم بحيث لم يخل زمن من الوقت يسع الصلاة بلا سعال مبطل.
قال شيخنا: الذي يظهر العفو عنه ولا قضاء عليه لو شفي.
أو بنطق بحرف مفهم ك: ف وع وف أو بحرف ممدود لان الممدود في الحقيقة حرفان.
ولا تبطل الصلاة بتلفظه بالعربية بقربة توقفت على اللفظ كنذر وعتق كأن قال: نذرت لزيد بألف أو أعتقت فلانا وليس مثله
التلفظ بنية صوم أو اعتكاف لأنها لا تتوقف على اللفظ فلم تحتج إليه ولا بدعاء جائز ولو لغيره بلا تعليق ولا خطاب لمخلوق فيهما فتبطل بهما عند التعليق كإن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة أو اللهم اغفر لي إن شئت وكذا عند خطاب مخلوق غير النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو عند سماعه لذكره على الأوجه نحو نذرت لك بكذا أو رحمك الله ولو لميت.
ويسن لمصل سلم عليه الرد بالإشارة باليد أو الرأس ولو ناطقا ثم بعد الفراغ منها باللفظ.
ويجوز الرد بقوله: عليه السلام كالتشميت برحمة الله.
ولغير مصل رد سلام تحلل مصل.
ولمن عطس فيها أن يحمد ويسمع نفسه.
لا تبطل بيسير نحو تنحنح عرفا لغلبة عليه.
ولا بيسير كلام عرفا كالكلمتين والثلاث.
قال شيخنا: ويظهر ضبط الكلمة هنا بالعرف.
بسهو أي: مع سهوه عن كونه في الصلاة بأن نسي أنه فيها لأنه صلى الله عليه وسلم لما سلم من ركعتين تكلم بقليل معتقدا الفراغ وأجابوه به مجوزين النسخ ثم بنى هو وهم عليها ولو ظن بطلانه بكلامه القليل سهوا فتكلم كثيرا لم يعذر.
وخرج بيسير تنحنح لغلبة وكلام بسهو كثيرهما فتبطل بكثرتهما ولو مع غلبة وسهو وغيره.
أو مع سبق لسان إليه أو مع جهل تحريمه أي الكلام فيها.
لقرب إسلام وإن كان بين المسلمين.
أو بعد عن العلماء أي عمن يعرف ذلك.
ولو سلم ناسيا ثم تكلم عامدا أي يسيرا أو جهل تحريم ما أتى به مع علمه بتحريم جنس الكلام أو كون التنحنح مبطلا مع علمه بتحريم الكلام لم تبطل لخفاء ذلك على العوام.
وتبطل بمفطر وصل لجوفه وإن قل وأكل كثير سهوا وإن لم يبطل به الصوم فلو ابتلع نخامة نزلت من رأسه لحد الظاهر من فمه أو ريقا متنجسا بنحو دم لثته وإن ابيض أو متغيرا بحمرة نحو تنبل1 بطلت.
أما الأكل القليل عرفا ولا يتقيد بنحو سمسمة من ناس أو جاهل معذور ومن مغلوب كأن نزلت نخامته لحد الظاهر وعجز عن مجها وجرى ريقه بطعام بين أسنانه وقد عجز عن تمييزه ومجه فلا يضر للعذر.
----
1 التنبل أو التانبول: ورق نبات يقطيني ينبسط على الأرض هندي المنشأ والاسم قال عنه داود الأنطاكي: يقوم مقام الخمر في كل مالها من الأفعال النفسية والبدنية يخزنه متعاطيه في فمه فيحمر الفم والشفة واللسان وكذلك الريق.
----
وتبطل بزيادة ركن فعلي عمدا لغير متابعة كزيادة ركوع أو سجود وإن لم يطمئن فيه.
ومنه كما قال شيخنا: أن ينحني الجالس إلى أن تحاذي جبهته ما أمام ركبتيه ولو لتحصيل توركه أو افتراشه المندوب لان المبطل لا يغتفر للمندوب.
ويغتفر القعود اليسير بقدر جلسة الاستراحة قبل السجود وبعد سجد التلاوة وبعد سلام إمام مسبوق في غير محل تشهده.
أما وقوع الزيادة سهوا أو جهلا عذر به فلا يضر كزيادة سنة نحو رفع اليدين في غير محله أو ركن قولي كالفاتحة أو فعلي للمتابعة كأن ركع أو سجد قبل إمامه ثم عاد إليه.
وتبطل باعتقاد أو ظن فرض معين من فروضها نفلا لتلاعبه لا إن اعتقد العامي نفلا من أفعالها فرضا أو علم أن فيها فرضا ونفلا ولم يميز بينهما ولا قصد بفرض معين النفلية ولا إن اعتقد أن الكل فروض.
تنبيه: ومن المبطل أيضا حدث ولو بلا قصد واتصال نجس لا يعفى عنه إلا إن دفعه حالا وانكشاف عورة إلا إن كشفها ريح فستر حالا وترك ركن عمدا وشك في نية التحرم أو شرط لها مع مضي ركن قولي أو فعلي أو طول زمن وبعض القولي ككله مع طول زمن شك أو مع قصره ولم يعد ما قرأه فيه.
فرع لو أخبره عدل رواية بنحو نجس أو كشف عورة مبطل لزمه قبوله أو بنحو كلام مبطل فلا.
وندب لمنفرد رأى جماعة مشروعة أن يقلب فرضه الحاضر لا الفائت نفلا مطلقا ويسلم من ركعتين إذا لم يقم لثالثة ثم يدخل في الجماعة.
نعم إن خشي فوت الجماعة إن تمم ركعتين استحب له قطع الصلاة واستئنافها جماعة ذكره في المجموع.
وبحث البلقيني أنه يسلم ولو من ركعة أما إذا قام لثالثة أتمها ندبا إن لم يخش فوت الجماعة ثم يدخل في الجماعة.