فصل في أبعاض الصلاة ومقتضي سجود السهو
كتاب فتح المعين بشرح قرة العين للمليباري الشافعي
تسن سجدتان قبيل سلام وإن كثر السهو وهما والجلوس بينهما كسجود الصلاة والجلوس بين سجدتيها في واجباتها الثلاثة ومندوباتها السابقة كالذكر فيها وقيل: يقول فيهما: سبحان من لا ينام ولا يسهو.
وهو لائق بالحال.
وتجب نية سجود السهو بأن يقصده عن السهو عند شروعه فيه.
لترك بعض واحد من أبعاض ولو عمدا فإن سجد لترك غير بعض عالما عامدا بطلت صلاته.
وهو تشهد أول أي الواجب منه في التشهد الأخير أو بعضه ولو كلمة.
وقعوده وصورة تركه وحده كقيام القنوت أن لا يحسنهما إذ يسن أن يجلس ويقف بقدرهما.
فإذا ترك أحدهما سجد.
وقنوت راتب أو بعضه وهو قنوت الصبح ووتر نصف رمضان دون قنوت النازلة.
وقيامه ويسجد تارك القنوت تبعا لإمامه الحنفي أو لاقتدائه في صبح بمصلي سنتها على الأوجه فيهما.
وصلاة على النبي ص بعدهما أي بعد التشهد الأول والقنوت وصلاة على آل بعد تشهد أخير وقنوت.
وصورة السجود لترك الصلاة على الآل في التشهد الأخير أن يتيقن ترك إمامه لها بعد أن سلم إمامه وقبل أن يسلم هو أو بعد أن سلم وقرب الفصل.
وسميت هذه السنن أبعاضا لقربها بالجبر بالسجود من الأركان.
ولشك فيه أي في ترك بعض مما مر معين كالقنوت هل فعله؟ لان الأصل عدم فعله.
ولو نسي منفرد أو إمام بعضا كتشهد أول أو قنوت.
وتلبس بفرض من قيام أو سجود لم يجز له العود إليه فإن عاد له بعد انتصاب أو وضع جبهته عامدا عالما بتحريمه بطلت صلاته لقطعه فرضا لنفل لا إن عاد له جاهلا بتحريمه وإن كان مخالطا لنا لان هذا مما يخفى على العوام وكذا ناسيا أنه فيها فلا تبطل لعذره ويلزمه العود عند تعلمه أو تذكره.
لكن يسجد للسهو لزيادة قعود أو اعتدال في غير محله ولا إن عاد
مأموما فلا تبطل صلاته إذا انتصب أو سجد وحده سهوا بل عليه أو على المأموم الناسي عود لوجوب متابعة الإمام فإن لم يعد بطلت صلاته إن لم ينو مفارقته أما إذا تعمد ذلك فلا يلزمه العود بل يسن له.
كما إذا ركع مثلا قبل إمامه ولو لم يعلم الساهي حتى قام إمامه لم يعد.
قال البغوي: ولم يحسب ما قرأه قبل قيامه وتبعه الشيخ زكريا.
قال شيخنا في شرح المنهاج: وبذلك يعلم أن من سجد سهوا أو جهلا وإمامه في القنوت لا يعتد له بما فعله فيلزمه العود للاعتدال.
وإن فارق الإمام أخذا من قولهم: لو ظن سلام الإمام فقام ثم علم في قيامه أنه لم يسلم لزمه القعود ليقوم منه ولا يسقط عنه بنية المفارقة وإن جازت لان قيامه وقع لغوا ومن ثم لو أتم جاهلا لغا ما أتى به فيعيده ويسجد للسهو وفيما إذا لم يفارقه إن تذكر أو علم وإمامه في القنوت فواضح أنه يعود إليه أو وهو في
السجدة الأولى عاد للاعتدال وسجد مع الإمام أو فيما بعدها فالذي يظهر أنه يتابعه ويأتي بركعة بعد سلام الإمام انتهى.
قال القاضي: ومما لا خلاف فيه قولهم: لو رفع رأسه من السجدة الأولى قبل إمامه ظانا أنه رفع وأتى بالثانية ظانا أن الإمام فيها ثم بان أنه في الأولى لم يحسب له جلوسه ولا سجدته الثانية ويتابع الإمام أي فإن لم يعلم بذلك إلا والإمام قائم أو جالس أتى بركعة بعد سلام الإمام.
وخرج بقولي وتلبس بفرض ما إذا لم يتلبس به غير مأموم فيعود الناسي ندبا قبل الانتصاب أو وضع الجبهة ويسجد للسهو إن قارب القيام في صورة ترك التشهد أو بلغ حد الركوع في صورة ترك القنوت.
ولو تعمد غير مأموم تركه فعاد عالما عامدا بطلت صلاته إن قارب أو بلغ ما مر بخلاف المأموم.
ولنقل مطلوب قولي غير مبطل نقله إلى غير محله ولو سهوا ركنا كان كفاتحة وتشهد أو بعض أحدهما أو غير ركن كسورة إلى غير القيام وقنوت إلى ما قبل الركوع أو بعده في الوتر في غير نصف رمضان الثاني فيسجد له.
أما نقل الفعلي فيبطل تعمده.
وخرج بقولي غير مبطل ما يبطل كالسلام وتكبير التحرم بأن كبر بقصده.
ولسهو ما يبطل عمده لا هو أي السهو كتطويل ركن قصير وقليل كلام وأكل وزيادة ركن فعلي لأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا وسجد للسهو وقيس به غيره.
وخرج بما يبطل عمده ما يبطل سهوه أيضا ككلام كثير وما لا يبطل سهوه ولا عمده كالفعل القليل والالتفات فلا يسجد لسهوه ولا لعمده.
ولشك فيما صلاه واحتمل زيادة لأنه إن كان زائدا فالسجود للزيادة وإلا فلتردد الموجب لضعف النية.
فلو شك أصلى ثلاثا أم أربعا مثلا أتى بركعة لان الأصل عدم فعلها ويسجد للسهو وإن زال شكه قبل سلامه بأن تذكر قبله أنها رابعة للتردد في زيادتها ولا يرجع في فعلها إلى ظنه ولا إلى قول غيره أو فعله وإن كانوا جمعا كثيرا ما لم يبلغوا عدد التواتر.
وأما لا يحتمل زيادة كأن شك في ركعة من رباعية أهي ثالثة أم رابعة؟ فتذكر قبل القيام للرابعة أنها ثالثة فلا يسجد لان ما فعله منها مع التردد لا بد منه بكل تقدير فإن تذكر بعد القيام لها سجد لتردده حال القيام إليها في زيادتها.
وسن للمأموم سجدتان لسهو إمام متطهر وإمامه ولو كان سهوه قبل قدوته وإن فارقه أو بطلت صلاة الإمام بعد وقوع السهو منه أو ترك الإمام السجود جبرا للخلل الحاصل في صلاته فيسجد بعد سلام الإمام وعند سجوده يلزم المسبوق والموافق متابعته وإن لم يعرف أنه سها وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد ويعيده المسبوق ندبا آخر صلاة نفسه.
لا لسهوه أي سهو المأموم حال القدوة خلف إمام فيتحمله عند الإمام المتطهر لا المحدث ولا ذو خبث خفي بخلاف سهوه بعد
سلام الإمام فلا يتحمله لانقضاء القدوة.
ولو ظن المأموم سلام الإمام فسلم فبان خلاف ظنه سلم معه ولا سجود لأنه سهو في حال القدوة.
فرع لو تذكر المأموم في تشهده ترك ركن غير نية وتكبيرة أو شك فيه أتى بعد سلام إمامه بركعة ولا يسجد في التذكر لوقوع سهوه حال القدوة.
بخلا ف الشك لفعله بعدها زائدا بتقدير ومن ثم لو شك في إدراك ركوع الإمام أو في أنه أدرك الصلاة معه كاملة أو ناقصة ركعة أتى بركعة وسجد فيها لوجود شكه المقتضي للسجود بعد القدوة أيضا ويفوت سجود السهو إن سلم عمدا وإن قرب الفصل أو سهوا وطال عرفا وإذا سجد صار عائدا إلى الصلاة فيجب أن يعيد السلام وإذا عاد الإمام لزم المأموم الساهي العود وإلا بطلت صلاته إن تعمد وعلم ولو قام المسبوق ليتم فيلزمه العود لمتابعة إمامه إذا عاد.
تنبيه: لو سجد الإمام بعد فراغ المأموم الموافق من أقل التشهد وافقه وجوبا في السجود أو قبل أقله تابعه وجوبا ثم يتم تشهده.
ولو شك بعد سلام في إخلال شرط أو ترك فرض غير نية وتكبير تحرم لم يؤثر وإلا لعسر وشق
ولأن الظاهر مضيها على الصحة.
أما الشك في النية وتكبيرة الإحرام فيؤثر على المعتمد خلافا لمن أطال في عدم الفرق.
وخرج بالشك ما لو تيقن ترك فرض بعد سلام فيجب البناء ما لم يطل الفصل أو يطأ نجسا وإن استدبر القبلة أو تكلم أو مشى قليلا.
قال الشيخ زكريا في شرح الروض: وإن خرج من والمسجد والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف.
وقيل: يعتبر القصر بالقدر الذي نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين [البخاري رقم: 1227, مسلم رقم: 573] , والطول بما زاد عليه والمنقول في الخبر أنه قام ومضى إلى ناحية المسجد وراجع ذا اليدين وسأل الصحابة انتهى.
وحكى الرافعي عن البويطي أن الفصل الطويل ما يزيد على قدر ركعة وبه قال أبو إسحاق وعن أبي هريرة1 أن الطويل قدر الصلاة التي كان فيها.
----
1 قوله: وعن أبي هريرة لعله: ابن أبي هريرة. اهـ. من الأصل في حاشية الشيخ السقاف رحمه الله.
وقال الشيخ السيد البكري رحمه الله في إعانة الطالبين لعله غير الصحابي المشهور فانظره انتهى.
وهو ابن أبي هريرة هو: أبو علي الحسن بن الحسين ابن أبي هريرة البغدادي القاضي 000- 345هـ= 000- 956م انتهت إليه رئاسة الشافعية في العراق.
----
قاعدة: وهي أن ما شك في تغيره عن أصله يرجع به إلى الأصل وجودا كان أو عدما ويطرح الشك فلذا قالوا: كمعدوم مشكوك فيه.
تتمة [في بيان سجود التلاوة] : تسن سجدة التلاوة لقارئ وسامع جميع آية سجدة ويسجد مصل لقراءته إلا مأموما فيسجد هو لسجدة إمامه فإن سجد إمامه وتخلف هو عنه أو سجد هو دونه بطلت صلاته ولو لم يعلم المأموم سجوده بعد رفع رأسه من السجود لم تبطل صلاته ولا يسجد بل ينتظر قائما أو قبله هوى فإذا رفع قبل سجوده رفع معه ولا يسجد.
ويسن للإمام في السرية تأخير السجود إلى فراغه بل بحث ندب تأخيره في الجهرية أيضا في الجوامع العظام لأنه يخلط على المأمومين ولو قرأ آيتها فركع بأن بلغ أقل الركوع ثم بدا له السجود لم يجز لفوات محله.
ولو هوي للسجود فلما بلغ حد الركوع صرفه له لم يكفه عنه.
وفروضها لغير مصل: نية سجود التلاوة وتكبير تحرم وسجود كسجود الصلاة وسلام.
ويقول فيها ندبا: سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين [أبو داود رقم:
1414, الترمذي رقم: 580, النسائي رقم: 1129, مستدرك الحاكم 1/220] .
فائدة: تحرم القراءة بقصد السجود فقط في صلاة أو وقت مكروه وتبطل الصلاة به بخلافها بقصد السجود وغيره مما يتعلق بالقراءة فلا كراهة مطلقا.
ولا يحل التقرب إلى الله تعالى بسجدة بلا سبب ولو بعد الصلاة وسجود الجهلة بين يدي مشايخهم حرام اتفاقا.