باب القناعة والعَفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق
رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين للإمام النووي
محتويات
- باب القناعة والعَفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق
- باب جواز الأخذ من غير مسألة وَلاَ تطلع إليه
- باب الحث عَلَى الأكل من عمل يده
- باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير
- باب النهي عن البخل والشح
- باب الإيثار والمواساة
- باب التنافس في أمور الآخرة والاستكثار مما يتبرك بِهِ
- باب فضل الغَنِيّ الشاكر
- باب ذكر الموت وقصر الأمل
- باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر
- بابُ كراهة تمنّي الموت بسبب ضُرّ نزل بِهِ
- باب الورع وترك الشبهات
- باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
- باب فضل الاختلاط بالناس وحضور جُمَعِهم وجماعاتهم
- باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
- باب تحريم الكبر والإعجاب
- باب حسن الخلق
- باب الحلم والأناة والرفق
- باب العفو والإعراض عن الجاهلين
- باب احتمال الأذى
- العودة إلي الصفحة الرئيسية من رياض الصالحين
57- باب القناعة والعَفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة
قَالَ الله تَعَالَى : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا
[ هود : 6 ] ، وقال تَعَالَى : لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا في سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافاً [ البقرة : 273 ] ، وقال تَعَالَى : وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [ الفرقان : 67 ] ، وقال تَعَالَى : وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [ الذاريات : 56-57 ] .
وَأَمَّا الأحاديث ، فتقدم معظمها في البابينِ السابقينِ ، ومما لَمْ يتقدم :
521- عن أَبي هريرة ، عن النبي ، قَالَ : (( لَيْسَ الغِنَى عَن كَثرَةِ العَرَض ، وَلكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( العَرَضُ )) بفتح العين والراءِ : هُوَ المَالُ .
522- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافاً ، وقَنَّعَهُ الله بِمَا آتَاهُ )) رواه مسلم .
523- وعن حكيم بن حزام ، قَالَ : سألتُ رسول الله فَأعْطَانِي ، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي ، ثُمَّ قَالَ : (( يَا حَكِيم ، إنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ ، فَمَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أخَذَهُ بإشرافِ نَفسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ ، وَاليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى )) قَالَ حكيم : فقلتُ : يَا رسول الله ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لاَ أرْزَأُ أحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكيماً لِيُعْطِيَه العَطَاء ، فَيَأبَى أنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً ، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَه فَأَبَى أنْ يَقْبَلَهُ . فقالَ : يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ ، أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكيمٍ أنّي أعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَهُ اللهُ لَهُ في هَذَا الفَيء فَيَأبَى أنْ يَأخُذَهُ . فَلَمْ يَرْزَأْ حَكيمٌ أحَداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النبي حَتَّى تُوُفِّي . متفقٌ عَلَيْهِ .
(( يَرْزَأُ )) بِراءٍ ثُمَّ زايٍ ثُمَّ همزة ؛ أيْ : لَمْ يَأخُذْ مِنْ أحَدٍ شَيْئاً ، وَأصْلُ
الرُّزءِ : النُّقْصَان ، أيْ : لَمْ يَنقُص أحَداً شَيْئاً بالأخذِ مِنْهُ ، وَ(( إشْرَافُ النَّفْسِ )) : تَطَلُّعُهَا وَطَمَعُهَا بالشَّيْء . وَ(( سَخَاوَةُ النَّفْسِ )) : هِيَ عَدَمُ الإشرَاف إِلَى الشَيء ، وَالطَّمَع فِيهِ ، وَالمُبَالاَةِ بِهِ وَالشَّرَهِ .
524- وعن أَبي بردة ، عن أَبي موسى الأشعري ، قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رسول الله في غَزاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ ، فَنقِبَت( ) أقدَامُنَا وَنَقِبَت قَدَمِي ، وسَقَطت أظْفَاري ، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أرْجُلِنا الخِرَقَ ، فَسُمِّيَت غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ عَلَى أرْجُلِنَا مِنَ الخِرَقِ ، قَالَ أَبُو بُردَة : فَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا الحَدِيثِ ، ثُمَّ كَرِه ذَلِكَ ، وقال : مَا كُنْتُ أصْنَعُ بِأنْ أذْكُرَهُ ! قَالَ : كأنَّهُ كَرِهَ أنْ يَكُونَ شَيْئاً مِنْ عَمَلِهِ أفْشَاهُ . متفقٌ عَلَيْهِ .
525- وعن عمرو بن تَغْلِبَ – بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام - : أنَّ رسول الله أُتِي بِمالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَّمَهُ ، فَأعْطَى رِجَالاً ، وَتَرَكَ رِجَالاً ، فَبَلغَهُ أنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا ، فَحَمِدَ اللهَ ، ثُمَّ أثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( أمَّا بعْدُ ، فَواللهِ إنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَأدَعُ الرَّجُلَ ، وَالَّذِي أدَعُ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي ، وَلَكِنِّي إنَّمَا أُعْطِي أقْوَاماً لِمَا أرَى في قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالهَلَعِ ، وَأكِلُ أقْوَاماً إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ في قُلُوبِهم مِنَ الغِنَى وَالخَيْرِ ، مِنْهُمْ عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ )) قَالَ عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ : فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أنَّ لِي بِكَلِمَةِ رسول الله حُمْرَ النَّعَم . رواه البخاري .
(( الهَلَعُ )) : هُوَ أشَدُّ الجَزَعِ ، وقيل : الضَّجَرُ .
526- وعن حكيم بن حزام : أنَّ النَّبيَّ ، قَالَ : (( اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنىً ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّهُ الله ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغنهِ الله )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وهذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم أخصر .
527- وعن أَبي عبد الرحمان معاوية بن أبي سفيان ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( لاَ تُلْحِفُوا في الْمَسْأَلَةِ ، فَوَاللهِ لاَ يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً ، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئاً وَأنَا لَهُ كَارهٌ ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أعْطَيْتُهُ )) رواه مسلم .
528- وعن أَبي عبدِ الرحمان عوف بن مالِك الأَشْجَعِيِّ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رسول الله تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً ، فَقَالَ : (( ألاَ تُبَايِعُونَ رسولَ الله )) وَكُنَّا حَديثِي عَهْدٍ ببَيْعَةٍ ، فَقُلْنَا : قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رسولَ اللهِ ، ثمَّ قالَ : (( ألا تُبَايِعُونَ رسولَ اللهِ )) فَبَسَطْنا أيْدينا ، وقلنا : قدْ بايعناكَ فَعَلامَ نُبَايِعُكَ ؟ قَالَ : (( عَلَى أنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ وَتُطِيعُوا الله )) وأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيفَةً (( وَلاَ تَسْألُوا النَّاسَ شَيْئاً )) فَلَقَدْ رَأيْتُ بَعْضَ أُولئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوطُ أحَدِهِمْ فَمَا يَسأَلُ أحَداً يُنَاوِلُهُ إيّاهُ . رواه مسلم .
529- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ ، قَالَ: (( لاَ تَزَالُ الْمَسْأَلةُ بأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَلَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( المُزْعَةُ )) بضم الميم وإسكان الزايِ وبالعينِ المهملة : القِطْعَةُ .
530- وعنه : أنَّ رسول الله قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ ، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ : (( اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى ، وَاليَدُ العُلْيَا هِيَ المُنْفِقَةُ ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
531- وعن أَبي هريرة ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( مَنْ سَألَ النَّاسَ تَكَثُّراً فإنَّمَا يَسْألُ جَمْراً ؛ فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ )) رواه مسلم .
532- وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدبٍ ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( إنَّ المَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ ، إِلاَّ أنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطاناً أَوْ في أمْرٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(( الكد )) : الْخَدْشُ وَنَحْوُهُ .
533- وعن ابن مسعود ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( مَنْ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأنْزَلَهَا بالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ ، وَمَنْ أنْزَلَهَا باللهِ ، فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(( يُوشِكُ )) بكسر الشين : أيْ يُسْرعُ .
534- وعن ثوبان ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( مَنْ تَكَفَّلَ لِي أنْ لاَ يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً ، وَأتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ )) فقلتُ : أنَا ، فَكَانَ لاَ يَسْأَلُ أحَداً شَيْئاً . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
535- وعن أَبي بِشْرٍ قَبيصَةَ بنِ المُخَارِقِ ، قَالَ : تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأتَيْتُ رسولَ الله أسْأَلُهُ فِيهَا ، فَقَالَ : (( أقِمْ حَتَّى تَأتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأمُرَ لَكَ بِهَا )) ثُمَّ قَالَ : (( يَا قَبيصةُ ، إنَّ المَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثلاثَةٍ : رَجُلٌ تحمَّلَ حَمَالَةً ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَها ، ثُمَّ يُمْسِكُ ، وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قواماً مِنْ عَيش - أَوْ قَالَ : سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ ، حَتَّى يَقُولَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَى مِنْ قَوْمِه : لَقَدْ أصَابَتْ فُلاناً فَاقَةٌ . فَحلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يصيب قواماً من عيش ، أَوْ قَالَ : سداداً من عيشِ ، فما سِوَاهُنَّ مِنَ المسألَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ ، يَأكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتاً )) رواه مسلم .
(( الحَمَالَةُ )) بفتح الحاءِ : أنْ يَقَعَ قِتَالٌ وَنَحْوُهُ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ ، فَيُصْلِحُ إنْسَانٌ بَيْنَهُمْ عَلَى مَالٍ يَتَحَمَّلُهُ وَيَلْتَزِمُهُ عَلَى نَفْسِهِ . وَ(( الجَائحةُ )) الآفَةُ تُصيبُ مَالَ الإنْسَانِ . وَ(( القَوَامُ )) بكسر القاف وفتحهَا : هُوَ مَا يَقُومُ بِهِ أمْرُ الإنسَان مِنْ مَال ونحوِهِ . وَ(( السِّدَادُ )) بكسر السين : مَا يَسُدُّ حَاجَةَ الْمَعْوِزِ وَيَكْفِيهِ ، وَ(( الفَاقَةُ )) : الفَقْرُ . وَ(( الحِجَى )) : العَقْلُ .
536- وعن أَبي هريرة : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( لَيْسَ المسكينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ، وَلكِنَّ المِسكينَ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنىً يُغْنِيهِ ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْألَ النَّاسَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
58- باب جواز الأخذ من غير مسألة وَلاَ تطلع إليه
537- عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عبد الله بن عمر ، عن عمر ، قَالَ : كَانَ رسول الله يُعْطيني العَطَاءَ ، فَأقُولُ : أعطِهِ مَنْ هُوَ أفْقَرُ إِلَيْهِ مِنّي . فَقَالَ : (( خُذْهُ ، إِذَا جَاءكَ مِنْ هَذَا المَال شَيْءٌ وَأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ ، فَخُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ( ) ، فَإنْ شِئْتَ كُلْهُ ، وَإنْ شِئْتَ تَصَدَّقْ بِهِ ، وَمَا لا ، فَلاَ تُتبعهُ نَفْسَكَ )) قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ عَبدُ الله لاَ يَسألُ أحَداً شَيْئاً ، وَلاَ يَرُدُّ شَيْئاً أُعْطِيَه . متفقٌ عَلَيْهِ .
( مُشرف ) : بالشين المعجمة : أيْ متطلع إِلَيْهِ .
59- باب الحث عَلَى الأكل من عمل يده والتعفف به عن السؤال والتعرض للإعطاء
قَالَ الله تَعَالَى : فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله [ الجمعة : 10 ] .
538- وعن أَبي عبد الله الزبير بن العَوَّام ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( لأَنْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ أحبُلَهُ ثُمَّ يَأتِيَ الجَبَلَ ، فَيَأْتِيَ بحُزمَةٍ مِنْ حَطَب عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا ، فَيكُفّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ النَّاسَ ، أعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ )) رواه البخاري .
539- وعن أَبي هريرة ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( لأَنْ يَحْتَطِبَ أحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ أحداً ، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
540- وعنه ، عن النبيِّ ، قَالَ : (( كَانَ دَاوُدُ لا يَأكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ )) رواه البخاري .
541- وعنه : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( كَانَ زَكرِيّا نَجَّاراً )) رواه مسلم .
542- وعن المقدام بنِ مَعْدِ يكرِبَ ، عن النبي ، قَالَ : (( مَا أكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أنْ يَأكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِه ، وَإنَّ نَبيَّ الله دَاوُدَ كَانَ يَأكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ )) رواه البخاري .
60- باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقةً بالله تعالى
قَالَ الله تَعَالَى : وَمَا أنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [ سبأ : 39 ] ، وقال تَعَالَى : وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [ البقرة : 272 ] ، وقال تَعَالَى : وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فإنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ [ البقرة : 273 ] .
543- وعن ابن مسعود ، عن النبيِّ ، قَالَ : (( لا حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا ويُعَلِّمُهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
ومعناه : يَنْبَغي أنْ لاَ يُغبَطَ أحَدٌ إِلاَّ عَلَى إحْدَى هَاتَيْنِ الخَصْلَتَيْنِ .
544- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله : (( أيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أحبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟ )) قالوا : يَا رسول اللهِ ، مَا مِنَّا أحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ : (( فإنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أخَّرَ )) رواه البخاري .
545- وعن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
546- وعن جابرٍ ، قَالَ : مَا سُئِلَ رسول الله شَيْئاً قَطُّ ، فقالَ : لاَ . متفقٌ عَلَيْهِ .
547- وعن أَبي هريرة ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزلانِ ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً ، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
548- وعنه : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( قَالَ الله تَعَالَى : أنفِق يَا ابْنَ آدَمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
549- وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ رَجُلاً سَألَ رسول الله : أيُّ الإسلامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : (( تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
550- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( أرْبَعُونَ خَصْلَةً : أعْلاهَا مَنِيحةُ العَنْزِ ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بخَصْلَةٍ مِنْهَا ؛ رَجَاءَ ثَوَابهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا ، إِلاَّ أدْخَلَهُ الله تَعَالَى بِهَا الجَنَّةَ )) رواه البخاري . وقد سبق بيان هَذَا الحديث في باب بَيَانِ كَثْرَةِ طُرُقِ الخَيْرِ .
551- وعن أَبي أُمَامَة صُدّيِّ بن عَجْلانَ ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( يَا ابْنَ آدَمَ ، إنَّكَ أن تَبْذُلَ الفَضلَ خَيْرٌ لَكَ ، وَأن تُمْسِكَه شَرٌّ لَكَ ، وَلاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَاليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى )) رواه مسلم .
552- وعن أنسٍ ، قَالَ : مَا سُئِلَ رسول الله عَلَى الإسْلاَمِ شَيْئاً إِلاَّ أعْطَاهُ ، وَلَقَدْ جَاءهُ رَجُلٌ ، فَأعْطَاهُ غَنَماً بَيْنَ جَبَلَيْنِ ، فَرجَعَ إِلَى قَوْمِهِ ، فَقَالَ : يَا قَوْمِ ، أسْلِمُوا فإِنَّ مُحَمَّداً يُعطِي عَطَاءَ مَن لا يَخْشَى الفَقْر ، وَإنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُريدُ إِلاَّ الدُّنْيَا ، فَمَا يَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى يَكُونَ الإسْلاَمُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا . رواه مسلم .
553- وعن عمر ، قَالَ : قسم رسول الله قَسْماً ، فَقُلْتُ :
يَا رسولَ الله ، لَغَيْرُ هؤلاَءِ كَانُوا أحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ ؟ فَقَالَ : (( إنَّهُمْ خَيرُونِي أنْ
يَسألُوني بالفُحْشِ ، أَوْ يُبَخِّلُونِي ، وَلَسْتُ بِبَاخِلٍ )) رواه مسلم .
554- وعن جبير بن مطعم ، قَالَ : بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ النَّبيِّ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْن ، فَعَلِقَهُ الأعْرَابُ يَسْألُونَهُ ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَة ، فَخَطِفَت رِدَاءهُ ، فَوَقَفَ النَّبيُّ ، فقال : (( أعْطُوني رِدَائي ، فَلَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هذِهِ العِضَاهِ نَعَماً ، لَقَسَمْتُهُ بَينَكُمْ ، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلاً وَلاَ كَذّاباً وَلاَ جَبَاناً )) رواه البخاري .
(( مَقْفَلَهُ )) أيْ : حَال رُجُوعِه . وَ(( السَّمُرَةُ )) : شَجَرَةٌ . وَ(( العِضَاهُ )) : شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ .
555- وعن أَبي هريرة : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَال ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ، وَمَا تَواضَعَ أحَدٌ لله إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ )) رواه مسلم .
556- وعن أَبي كبشة عمرو بن سعد الأنماري : أنّه سمع رسول الله ، يقول : (( ثَلاَثَةٌ أُقْسمُ عَلَيْهِنَّ ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ، وَلاَ ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا إِلاَّ زَادَهُ اللهُ عِزّاً ، وَلاَ فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسألَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقرٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - وَأُحَدِّثُكُمْ حَديثاً فَاحْفَظُوهُ، قَالَ : (( إنَّمَا الدُّنْيَا لأرْبَعَةِ نَفَرٍ : عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلماً ، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقَّاً ، فَهذا بأفضَلِ المَنَازِلِ . وَعَبْدٍ رَزَقهُ اللهُ عِلْماً، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً ، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ : لَوْ أنَّ لِي مَالاً لَعَمِلتُ بِعَمَلِ فُلانٍ ، فَهُوَ بنيَّتِهِ ، فأجْرُهُمَا سَوَاءٌ . وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً ، وَلَمَ يَرْزُقْهُ عِلْماً ، فَهُوَ يَخبطُ في مَالِهِ بغَيرِ عِلْمٍ ، لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَلاَ يَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقّاً ، فَهذَا بأَخْبَثِ المَنَازِلِ . وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلاَ عِلْماً ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بعَمَلِ فُلاَنٍ ، فَهُوَ بنِيَّتِهِ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
557- وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً ، فَقَالَ النبيُّ : (( مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ )) قالت : مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُها . قَالَ : (( بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرُ كَتِفِهَا )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث صحيح )) .
ومعناه : تَصَدَّقُوا بِهَا إِلاَّ كَتِفَها . فَقَالَ : بَقِيَتْ لَنَا في الآخِرَةِ إِلاَّ كَتِفَهَا .
558- وعن أسماء بنت أَبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهما ، قالت : قَالَ لي رسول الله : (( لاَ تُوكِي فَيُوكى عَلَيْكِ( ) )) .
وفي رواية : (( أنفقي أَوِ انْفَحِي ، أَوْ انْضَحِي ، وَلاَ تُحصي فَيُحْصِي اللهُ عَلَيْكِ ، وَلاَ تُوعي فَيُوعي اللهُ عَلَيْكِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وَ(( انْفَحِي )) بالحاء المهملة ، وَهُوَ بمعنى (( أنفقي )) وكذلك (( انْضحي )) .
559- وعن أَبي هريرة : أنَّه سمع رسول الله ، يَقولُ : (( مَثَل البَخيل وَالمُنْفِقِ ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ( ) مِنْ حَديد مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا ، فَأَمَّا المُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ - أَوْ وَفَرَتْ - عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ ، وَتَعْفُو أثرَهُ ، وأمَّا البَخِيلُ ، فَلاَ يُريدُ أنْ يُنْفِقَ شَيْئاً إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا ، فَهُوَ يُوسِّعُهَا فَلاَ تَتَّسِعُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وَ(( الجُنَّةُ )) : الدِّرْعُ ؛ وَمَعنَاهُ أنَّ المُنْفِقَ كُلَّمَا أنْفَقَ سَبَغَتْ ، وَطَالَتْ حَتَّى تَجُرَّ وَرَاءهُ ، وَتُخْفِيَ رِجْلَيْهِ وَأثَرَ مَشْيِهِ وَخطُوَاتِهِ .
560- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( مَنْ تَصَدَّقَ بعَدلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيبَ ، فَإنَّ اللهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الفَلُوُّ )) بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو ، ويقال أيضاً : بكسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو : وَهُوَ المُهْرُ .
561- وعنه ، عن النبيِّ ، قَالَ : (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ
الأَرْضِ ، فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ ، اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ ، فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ ، فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللهِ، ما اسمُكَ ؟ قال : فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ ، فقال له : يا عبدَ الله ، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَالَ : إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ ، يقولُ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا ، فَقَالَ : أمَا إذ قلتَ هَذَا ، فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً ، وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَهُ )) رواه مسلم .
(( الحَرَّةُ )) الأَرْضُ المُلَبَّسَةُ حجَارَةً سَوْدَاءَ . وَ(( الشَّرْجَةُ )) بفتح الشين المعجمة وإسكان الراءِ وبالجيم : هي مَسِيلُ الماءِ .
61- باب النهي عن البخل والشح
قَالَ الله تَعَالَى : وَأَمَا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [ الليل : 8-11 ] ، وقال تَعَالَى : وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ التغابن : 16 ] .
وأما الأحاديث فتقدمت جملة مِنْهَا في الباب السابق .
562- وعن جابر : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( اتَّقُوا الظُّلْمَ ؛
فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ . وَاتَّقُوا الشُّحَّ ؛ فَإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ ، حَمَلَهُمْ عَلَى أنْ سَفَكُوا دِمَاءهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ )) رواه مسلم .
62- باب الإيثار والمواساة
قَالَ الله تَعَالَى : وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
[ الحشر : 9 ] ، وقال تَعَالَى : وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً [ الدهر : 8 ] .
563- وعن أَبي هريرة ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ ، فَقَالَ : إنِّي مَجْهُودٌ( )، فَأرسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ، فَقالت : وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ، ثُمَّ أرْسَلَ إِلَى أُخْرَى ، فَقَالَتْ مِثلَ ذَلِكَ ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثلَ ذَلِكَ : لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ . فَقَالَ النبي : (( مَنْ يُضيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ ؟ )) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ : أنَا يَا رسولَ الله ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ : أكرِمِي ضَيْفَ رسول الله
وفي روايةٍ قَالَ لامْرَأَتِهِ : هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ فقَالَتْ : لاَ ، إِلاَّ قُوتَ صِبيَانِي . قَالَ: فَعَلِّليهم بِشَيْءٍ وَإذَا أرَادُوا العَشَاءَ فَنَوِّمِيهمْ ، وَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأطْفِئي السِّرَاجَ ، وَأريهِ أنَّا نَأكُلُ . فَقَعَدُوا وَأكَلَ الضَّيْفُ وَبَاتَا طَاوِيَيْنِ ، فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبيِّ ، فَقَالَ : (( لَقَدْ عَجبَ الله مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
564- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأربَعَةِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وفي رواية لمسلمٍ عن جابر ، عن النبي ، قَالَ : (( طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَة يَكْفِي الثَّمَانِية )) .
565- وعن أَبي سعيد الخدري ، قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبيِّ إذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ ، فَجَعَلَ يَصرِفُ بَصَرَهُ يَميناً وَشِمَالاً ، فَقَالَ رسول الله : (( مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَليَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهرَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ )) فَذَكَرَ مِنْ أصْنَافِ المالِ مَا ذكر حَتَّى رَأيْنَا أنَّهُ لاَ حَقَّ لأحَدٍ مِنَّا في فَضْلٍ . رواه مسلم .
566- وعن سهل بن سعدٍ : أنَّ أمْرَأةً جَاءَتْ إِلَى رسول الله بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ ، فَقَالَتْ : نَسَجْتُها بِيَدَيَّ لأَكْسُوكَهَا ، فَأَخَذَهَا النَّبيُّ مُحْتَاجاً إِلَيْهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإنَّهَا إزَارُهُ ، فَقَالَ فُلانٌ : اكْسُنِيهَا مَا أحْسَنَهَا ! فَقَالَ : (( نَعَمْ )) فَجَلَسَ النَّبيُّ في المَجْلِسُ ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَواهَا ، ثُمَّ أرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ : فَقَالَ لَهُ الْقَومُ : مَا أحْسَنْتَ ! لَبِسَهَا النَّبيُّ مُحتَاجَاً إِلَيْهَا ، ثُمَّ سَألْتَهُ وَعَلِمْتَ أنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلاً ، فَقَالَ : إنّي وَاللهِ مَا سَألْتُهُ لألْبِسَهَا ، إنَّمَا سَألْتُهُ لِتَكُونَ كَفنِي . قَالَ سَهْلٌ : فَكَانَتْ كَفَنَهُ . رواه البخاري .
567- وعن أَبي موسى ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إِذَا أرْمَلُوا في الغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بالمَديِنَةِ ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ في إنَاءٍ وَاحدٍ بالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأنَا مِنْهُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( أرْمَلُوا )) : فَرَغَ زَادُهُمْ أَوْ قَارَبَ الفَرَاغَ .
63- باب التنافس في أمور الآخرة والاستكثار مما يتبرك بِهِ
قَالَ الله تَعَالَى : وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [ المطففين : 26 ] .
568- وعن سَهْلِ بن سَعدٍ : أنَّ رسول الله أُتِيَ بِشَرابٍ ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ ، فَقَالَ لِلغُلاَمِ : (( أتَأذَنُ لِي أنْ أُعْطِيَ هؤُلاء ؟ )) فَقَالَ الغُلامُ : لاَ وَاللهِ يَا رسولَ الله ، لا أُوْثِرُ بِنَصِيبـي مِنْكَ أحَداً . فَتَلَّهُ رسولُ الله في يَدِهِ . متفقٌ عَلَيْهِ .
(( تَلَّهُ )) بالتاءِ المثناة فوق : أيْ وَضَعَهُ . وَهذَا الغُلامُ هُوَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما .
569- وعن أَبي هريرة ، عن النبي ، قَالَ : (( بَيْنَا أيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَاناً ، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ ، فَجَعَلَ أيُّوبُ يَحْثِي في ثَوْبِهِ ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ : يَا أيُّوبُ ، ألَمْ أكُنْ أغْنَيتكَ عَمَّا تَرَى ؟! قَالَ : بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لاَ غِنى بي عن بَرَكَتِكَ )) رواه البخاري .
64- باب فضل الغَنِيّ الشاكر وهو من أخذ المال من وجهه وصرفه في وجوهه المأمور بِهَا
قَالَ الله تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسْرَى [ الليل : 5-7 ] ، وقال تَعَالَى : وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى [ الليل : 17-21 ] ، وقال تَعَالَى : إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي وَإنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [ البقرة : 271 ] ، وقال تَعَالَى : لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ [ آل عمران : 92 ] والآيات في فضلِ الإنفاقِ في الطاعاتِ كثيرة معلومة .
570- وعن عبدِ الله بن مسعود ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ . وتقدم شرحه قريباً .
571- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي ، قَالَ : (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ مَالاً ، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الآناء )) : السَّاعاتُ .
572- وعن أَبي هريرة : أنَّ فُقَراءَ المُهَاجِرينَ أتَوْا رسول الله ، فَقَالُوا : ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَى ، وَالنَّعِيم المُقيم ، فَقَالَ : (( وَمَا ذَاك ؟)) فَقَالوا : يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ ، وَيَعْتِقُونَ وَلاَ نَعْتِقُ ، فَقَالَ رسول الله : (( أفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ ، وَلاَ يَكُونُ أحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ؟ )) قالوا : بَلَى يَا رسول الله ، قَالَ : (( تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمِدُونَ ، دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّةً )) فَرَجَعَ فُقَرَاء المُهَاجِرِينَ إِلَى رسول الله ، فقالوا : سَمِعَ إخْوَانُنَا أهلُ الأمْوالِ بِمَا فَعَلْنَا ، فَفَعَلُوا مِثلَهُ ؟ فَقَالَ رسول الله : (( ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وَهَذا لفظ رواية مسلم .
(( الدُّثُور )) : الأمْوَالُ الكَثِيرَةُ ، وَالله أعلم .
65- باب ذكر الموت وقصر الأمل
قَالَ الله تَعَالَى : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ
[ آل عمران : 185 ] ، وقال تَعَالَى : وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدَاً وَمَا تَدْري نَفْسٌ بأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ [ لقمان : 34 ] ، وقال تَعَالَى : فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [ النحل : 61 ] ، وقال تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلاَ أوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولئِكَ هم الْخَاسِرُونَ وَأنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَريبٍ فَأصَّدَّقَ وأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [ المنافقون : 9-11 ] ، وقال تَعَالَى : حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلّي أعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يبْعَثُونَ فَإذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَومَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأولئِكَ الَّذِينَ خَسرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وَجَوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ إِلَى قَوْله تَعَالَى : … كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْئَلِ العَادِّينَ قَالَ إنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُم تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ [ المؤمنون: 99-115 ]، وقال تَعَالَى : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِم الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [ الحديد : 16 ] ، وَالآيات في الباب كَثيرةٌ معلومة .
573- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : أخذ رسول الله بِمِنْكَبي ، فَقَالَ : (( كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )) .
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ، يقول : إِذَا أمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أصْبَحتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ .
رواه البخاري .
574- وعنه : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ ، يَبيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، هَذَا لفظ البخاري .
وفي روايةٍ لمسلمٍ : (( يَبِيتُ ثَلاَثَ لَيَالٍ )) قَالَ ابن عمر : مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رسولَ الله قَالَ ذَلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي .
575- وعن أنس ، قَالَ : خَطَّ النَّبيُّ خُطُوطاً ، فَقَالَ : (( هَذَا الإنْسَانُ ، وَهَذَا أجَلُهُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ جَاءَ الخَطُّ الأَقْرَبُ )) رواه البخاري .
576- وعن ابن مسعود ، قَالَ : خَطَّ النَّبيُّ خَطّاً مُرَبَّعاً ، وَخَطَّ خَطّاً في الوَسَطِ خَارِجَاً مِنْهُ ، وَخَطَّ خُطَطاً صِغَاراً إِلَى هَذَا الَّذِي في الْوَسَطِ مِنْ جَانِبهِ الَّذِي في الوَسَط ، فَقَالَ : (( هَذَا الإنْسَانُ ، وَهذَا أجَلُهُ مُحيطاً بِهِ – أَوْ قَدْ أحَاطَ بِهِ – وَهذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أمَلُهُ ، وَهذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ ، فَإنْ أخْطَأَهُ هَذَا ، نَهَشَهُ هَذَا ، وَإنْ أخْطَأَهُ هَذَا ، نَهَشَهُ هَذَا )) رواه البخاري . وَهذِهِ صُورَتُهُ :
الأجل
الأعراض
577- وعن أَبي هريرة : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( بَادِرُوا بِالأعْمَالِ سَبْعاً ، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلاَّ فَقْراً مُنْسِياً ، أَوْ غِنَىً مُطْغِياً ، أَوْ مَرَضَاً مُفْسداً ، أَوْ هَرَماً مُفَنِّداً ، أَوْ مَوْتَاً مُجْهِزاً ، أَوْ الدَّجّالَ ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أدْهَى وَأمَرُّ ؟! )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
578- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( أكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ )) يَعْنِي : المَوْتَ . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
579- وعن أُبَيِّ بن كعبٍ : كَانَ رسول الله إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ
قَامَ ، فَقَالَ : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، اذْكُرُوا اللهَ ، جَاءتِ الرَّاجِفَةُ ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ )) قُلْتُ : يَا رسول الله ، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ ، فَكَمْ أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي ؟ فَقَالَ : (( مَا شِئْتَ )) قُلْتُ : الرُّبُع ، قَالَ : (( مَا شِئْتَ ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) قُلْتُ : فَالنِّصْف ؟ قَالَ : (( مَا شِئْتَ ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) قُلْتُ : فالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : (( مَا شِئْتَ ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) قُلْتُ : أجعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : (( إذاً تُكْفى هَمَّكَ ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبكَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن
66- باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر
580- عن بُرَيْدَة ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عن زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُوروها )) رواه مسلم .
وفي رواية : (( فَمَنْ أرَادَ أنْ يَزُورَ القُبُورَ فَلْيَزُرْ ؛ فإنَّهَا تُذَكِّرُنَا الآخِرَةَ )) .
581- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسول الله - كلَّما كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رسول الله - يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى البَقِيعِ ، فَيقولُ : (( السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَأتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ ، غَداً مُؤَجَّلْونَ ، وَإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ( ) )) رواه مسلم .
582- وعن بريدة ، قَالَ : كَانَ النبيُّ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى المَقَابِرِ أنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ : (( السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أهلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنينَ وَالمُسلمينَ ، وَإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ للاَحِقونَ ، أسْألُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ )) رواه مسلم .
583- وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : مرَّ رسول الله بِقُبورٍ بالمدِينَةِ فَأقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ : (( السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أهْلَ القُبُورِ ، يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ ، أنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحنُ بالأثَرِ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
67- بابُ كراهة تمنّي الموت بسبب ضُرّ نزل بِهِ وَلاَ بأس بِهِ لخوف الفتنة في الدين
584- عن أَبي هريرة : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( لا يَتَمَنَّ( ) أحَدُكُمُ المَوْتَ ، إمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ البخاري .
وفي رواية لمسلم عن أَبي هريرة ، عن رسول الله ، قَالَ : (( لاَ يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ ، وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِيَهُ ؛ إنَّهُ إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، وَإنَّهُ لاَ يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلاَّ خَيْراً )) .
585- وعن أنسٍ ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله : (( لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ أصَابَهُ ، فَإنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً ، فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أحْيِني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَت الوَفَاةُ خَيراً لي )) متفقٌ عَلَيْهِ .
586- وعن قيسِ بن أَبي حازم ، قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى خَبَّاب بن الأرَتِّ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ ، فَقَالَ : إنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا ، وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا ، وَإنَّا أصَبْنَا مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعاً إِلاَّ التُّرَابَ وَلولا أنَّ النبي نَهَانَا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ . ثُمَّ أتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهُوَ يَبْنِي حَائِطاً لَهُ ، فَقَالَ : إنَّ المُسْلِمَ لَيُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ إِلاَّ فِي شَيْءٍ يَجْعَلُهُ في هَذَا التُّرَابِ . متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ رواية البخاري .
68- باب الورع وترك الشبهات
قَالَ اللهُ تَعَالَى : وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ [ النور : 15 ] ، وقال تَعَالَى : إنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [ الفجر : 14 ] .
587- وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله ، يقول : (( إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ ، وَإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبَهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ، اسْتَبْرَأَ لِدِينهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، ألاَ وَإنَّ لكُلّ مَلِكٍ حِمَىً ، ألاَ وَإنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ ، ألاَ وَإنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، ألاَ وَهِيَ القَلْبُ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وروياه مِنْ طرقٍ بِألفَاظٍ متقاربةٍ .
588- وعن أنسٍ : أنَّ النبيَّ وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ ، فَقَالَ : (( لَوْلاَ أنِّي أخَافُ أنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَة لأَكَلْتُهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
589- وعن النَّواسِ بن سمعان ، عن النبيِّ ، قَالَ : (( البِرُّ : حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ : مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ ، وَكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )) رواه مسلم.
(( حَاكَ )) بِالحاءِ المهملةِ والكافِ : أيْ تَرَدَّدَ فِيهِ .
590- وعن وَابِصَةَ بن مَعبدٍ ، قَالَ: أتَيْتُ رَسُول الله ، فَقَالَ: (( جئتَ تَسْألُ عَنِ البِرِّ ؟ )) قُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : (( اسْتَفْتِ قَلْبَكَ ، البرُّ : مَا اطْمَأنَّت إِلَيْهِ النَّفسُ ، وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ ، وَالإثْمُ : مَا حَاكَ في النَّفْسِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإنْ أفْتَاكَ النَّاسُ وَأفْتُوكَ )) حديث حسن ، رواه أحمد والدَّارمِيُّ في مُسْنَدَيْهِمَا .
591- وعن أَبي سِرْوَعَةَ – بكسر السين المهملة وفتحها – عُقبَةَ بنِ الحارِثِ : أنَّهُ تَزَوَّجَ ابنَةً لأبي إهَابِ بن عزيزٍ ، فَأتَتْهُ امْرَأةٌ ، فَقَالَتْ : إنّي قَدْ أرضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا . فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ : مَا أعْلَمُ أنَّك أرضَعْتِنِي وَلاَ أخْبَرْتِني ، فَرَكِبَ إِلَى رسول الله ِ بِالمَدِينَةِ ، فَسَأَلَهُ : فَقَالَ رسول الله : (( كَيْفَ ؟ وَقَد قِيلَ )) فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجاً غَيْرَهُ . رواه البخاري .
(( إهَابٌ )) بكسر الهمزة وَ(( عَزيزٌ )) بفتح العين وبزاي مكررة .
592- وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما ، قَالَ : حَفِظتُ من رسول الله : (( دَعْ مَا يريبُكَ إِلَى ما لاَ يَرِيبُكَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
معناه : اتْرُكْ مَا تَشُكُّ فِيهِ ، وَخُذْ مَا لاَ تَشُكُّ فِيهِ .
593- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ لأبي بَكر الصديق غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوْماً بِشَيءٍ ، فَأكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهُ الغُلامُ : تَدْرِي مَا هَذَا ؟ فَقَالَ أَبُو بكر : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : كُنْتُ تَكَهَّنْتُ( ) لإنْسَانٍ في الجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الكَهَانَةَ ، إِلاَّ أنّي خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيَنِي ، فَأعْطَانِي لِذلِكَ ، هَذَا الَّذِي أكَلْتَ مِنْهُ ، فَأدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ . رواه البخاري .
(( الخَرَاجُ )) : شَيْءٌ يَجْعَلُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ يُؤدِّيهِ كُلَّ يَومٍ ، وَباقِي كَسْبِهِ يَكُونُ لِلْعَبْدِ .
594- وعن نافِع : أن عُمَرَ بن الخَطّاب كَانَ فَرَضَ لِلمُهَاجِرينَ الأَوَّلِينَ أرْبَعَةَ الآفٍ وَفَرَضَ لابْنِهِ ثَلاَثَة آلافٍ وَخَمْسَمئَةٍ ، فَقيلَ لَهُ : هُوَ مِنَ المُهَاجِرينَ فَلِمَ نَقَصْتَهُ ؟ فَقَالَ : إنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أبُوهُ . يقول : لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ . رواه البخاري .
595- وعن عَطِيَّةَ بن عُروة السَّعْدِيِّ الصحابيِّ ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله : (( لاَ يَبْلُغُ الْعَبدُ أنْ يَكُونَ منَ المُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لاَ بَأسَ بِهِ ، حَذَراً مِمَّا بِهِ بَأسٌ ))
رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
69- باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أَو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها
قَالَ الله تَعَالَى: فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مبِينٌ [ الذاريات: 50 ].
596- وعن سعد بن أَبي وقاص ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله ، يقول : (( إنَّ الله يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الغَنِيّ الْخَفِيَّ )) رواه مسلم .
والمُرَادُ بـ (( الغَنِيّ )) غَنِيُّ النَّفْسِ ، كَمَا سَبَقَ في الحديث الصحيح .
597- وعن أَبي سعيد الخدري ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : أيُّ النَّاسِ أفْضَلُ يَا رسولَ الله ؟ قَالَ : (( مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ في سَبيلِ اللهِ )) قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : (( ثُمَّ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ )) .
وفي رواية : (( يَتَّقِي اللهَ ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
598- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( يُوشِكُ أنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتَّبعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ ، وَمَواقعَ الْقَطْر يَفِرُّ بِدينِهِ مِنَ الفِتَنِ )) رواه البخاري .
و(( شَعَفُ الجِبَالِ )) : أعْلاَهَا .
599- وعن أَبي هريرة ، عن النبي ، قَالَ : (( مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ )) فَقَالَ أصْحَابُهُ : وأنْتَ ؟ قَالَ : (( نَعَمْ ، كُنْتُ أرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ( ) لأَهْلِ مَكَّةَ )) رواه البخاري .
600- وعنه ، عن رسول الله ، أنَّه قَالَ : (( مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لهم رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ في سَبيلِ الله، يَطيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزعَةً ، طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي القَتْلَ ، أَوْ المَوْتَ مَظَانَّه ، أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيمَةٍ في رَأسِ شَعَفَةٍ مِنْ هذِهِ الشَّعَفِ ، أَوْ بَطنِ وَادٍ مِنْ هذِهِ الأَوْدِيَةِ ، يُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وَيُؤتِي الزَّكَاةَ ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يأتِيَهُ اليَقِينُ ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ فِي خَيْرٍ )) رواه مسلم .
(( يَطِيرُ )) : أيْ يُسْرعُ . وَ(( مَتْنُهُ )) : ظَهْرُهُ . وَ(( الهَيْعَةُ )) : الصوتُ للحربِ . وَ(( الفَزعَةُ )) : نحوه . وَ(( مَظَانُّ الشَيْءِ )) : المواضعُ الَّتي يُظَنُّ وجودُهُ فِيهَا . وَ(( الغُنَيْمَة )) بضم الغين : تصغير الغنم . وَ(( الشَّعَفَةُ )) بفتح الشين والعين : هي أعلى الجَبَل .
70- باب فضل الاختلاط بالناس وحضور جُمَعِهم وجماعاتهم ومشاهد الخير ، ومجالس الذكر معهم ، وعيادة مريضهم ، وحضور ،
جنائزهم ، ومواساة محتاجهم ، وإرشاد جاهلهم ، وغير ذلك من
مصالحهم لمن قدر عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقمع
نفسه عن الإيذاء وصبر عَلَى الأذى
اعْلم أنَّ الاختلاط بالنَّاسِ عَلَى الوجهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ المختارُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رسول الله وسائر الأنبياء صلواتُ اللهِ وسلامه عَلَيْهِمْ ، وكذلك الخُلفاءُ الرَّاشدون ، ومن بعدَهُم مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، ومن بَعدَهُم من عُلَماءِ المُسلمين وأَخْيَارِهم ، وَهُوَ مَذْهَبُ أكثَرِ التَّابِعينَ وَمَنْ بَعدَهُمْ ، وبه قَالَ الشافعيُّ وأحمدُ وأكثَرُ الفقهاءِ( ) رضي اللهُ عنهم أجمعين. قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى [ المائدة : 20 ] والآيات في معنى مَا ذكرته كثيرة معلومة .
71- باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
قَالَ الله تَعَالَى : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ [ الشعراء : 215 ] ، وقال تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ [ المائدة : 54 ] ، وقال تَعَالَى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ [ الحجرات : 12 ] ، وقال تَعَالَى : فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [ النجم : 32 ] ، وقال تَعَالَى : وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عنكم جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [ الأعراف : 48-49 ] .
601- وعن عِيَاضِ بنِ حمارٍ ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( إنَّ الله أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ ، وَلاَ يَبْغِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ )) رواه مسلم .
602- وعن أَبي هريرة : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ،وَمَا زادَ اللهُ عَبْداً بعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ )) رواه مسلم.
603- وعن أنس : أنَّهُ مَرَّ عَلَى صبيَانٍ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، وقال : كَانَ النبيُّ يفعله . متفقٌ عَلَيْهِ .
604- وعنه ، قَالَ : إن كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إمَاءِ المَدينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النَّبيِّ ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءتْ . رواه البخاري .
605- وعن الأَسْوَدِ بن يَزيدَ ، قَالَ : سُئِلَتْ عائشةُ رضي الله عنها مَا كَانَ النَّبيُّ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قالت : كَانَ يَكُون في مِهْنَةِ أهْلِهِ – يعني : خِدمَة أهلِه – فإذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ . رواه البخاري .
606- وعن أَبي رِفَاعَةَ تَميم بن أُسَيْدٍ ، قَالَ : انْتَهَيْتُ إِلَى رَسولِ الله وَهُوَ يخطب ، فقلت : يَا رسول الله ، رَجُلٌ غَريبٌ جَاءَ يَسْألُ عن دِينهِ لا يَدْرِي مَا دِينُهُ ؟ فَأقْبَلَ عَليَّ رسولُ اللهِ ، وتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ ، فَأُتِيَ بِكُرْسيٍّ ، فَقَعَدَ عَلَيْهِ ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأتَمَّ آخِرَهَا . رواه مسلم .
607- وعن أنس : أن رسول الله كَانَ إِذَا أكَلَ طَعَاماً ، لَعِقَ أصَابِعَهُ الثَّلاَثَ . قَالَ : وقال : (( إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِط عنها الأَذى ، وليَأكُلْها وَلاَ يَدَعْها لِلشَّيْطان )) وأمرَ أن تُسلَتَ القَصْعَةُ( ) ، قَالَ : (( فإنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَة )) رواه مسلم .
608- وعن أَبي هريرة ، عن النبيِّ ، قَالَ : (( مَا بَعَثَ الله نَبِيّاً إِلاَّ رَعَى الغَنَمَ )) قَالَ أصْحَابُهُ : وَأنْتَ ؟ فَقَالَ : (( نَعَمْ ، كُنْتُ أرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ )) رواه البخاري .
609- وعنه ، عن النبيِّ ، قَالَ : (( لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُراعٍ أَوْ ذِرَاعٍ لأَجَبْتُ ، ولو أُهْدِيَ إِلَيَّ ذراعٌ أَوْ كُراعٌ لَقَبِلْتُ )) رواه البخاري .
610- وعن أنس ، قَالَ : كَانَتْ ناقةُ رسول الله العضْبَاءُ لاَ تُسْبَقُ ، أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ ، فَجَاءَ أعْرَابيٌّ عَلَى قَعودٍ لَهُ ، فَسَبَقَهَا ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ ، فَقَالَ : (( حَقٌّ عَلَى اللهِ أنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ )) رواه البخاري .
72- باب تحريم الكبر والإعجاب
قَالَ الله تَعَالَى : تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [ القصص : 83 ] ، وقال تعالى : وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحا [ الإسراء : 37 ] ، وقال تَعَالَى : وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [ لقمان : 18 ] .
ومعنى (( تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنَّاسِ )) : أيْ تُمِيلُهُ وتُعرِضُ بِهِ عَنِ النَّاسِ تَكَبُّراً عَلَيْهِمْ . وَ(( المَرَحُ )) : التَّبَخْتُرُ . وقال تَعَالَى : إنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ أُولِي القُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الفَرِحِينَ [ القصص : 76 ] ، إِلَى قَوْله تَعَالَى : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ الآيات .
611- وعن عبد الله بن مسعود ، عن النبي ، قَالَ : (( لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّة مِنْ كِبْرٍ ! )) فَقَالَ رَجُلٌ : إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً ، ونَعْلُهُ حَسَنَةً ؟ قَالَ : (( إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ ، الكِبْرُ : بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ )) رواه مسلم .
(( بَطَرُ الحَقِّ )) : دَفْعُهُ وَرَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ ، وَ(( غَمْطُ النَّاسِ )) : احْتِقَارُهُمْ .
612- وعن سلمة بن الأكوع : أنّ رَجُلاً أكَلَ عِنْدَ رسول الله بشمالِهِ ، فَقَالَ : (( كُلْ بيَمِينِكَ )) قَالَ : لاَ أسْتَطِيعُ ! قَالَ : (( لا اسْتَطَعْتَ )) مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الكِبْرُ . قَالَ : فما رفَعها إِلَى فِيهِ . رواه مسلم .
613- وعن حارثة بن وهْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله ، يقول : (( ألا أُخْبِرُكُمْ بأهْلِ النَّار : كلُّ عُتُلٍ جَوّاظٍ مُسْتَكْبرٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وتقدم شرحه في بابِ ضعفةِ المسلمين .
614- وعن أَبي سعيد الخدري ، عن النبي ، قَالَ : (( احْتَجّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَقَالَت النَّارُ : فيَّ الْجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ . وقالتِ الجَنَّةُ : فيَّ ضُعفاءُ الناس ومساكينُهُم ، فقضى اللهُ بَينهُما : إنكِ الجنّةُ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِك مَنْ أشَاءُ ، وَإنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ ، وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا )) رواه مسلم .
615- وعن أَبي هريرة : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( لاَ يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَراً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
616- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَة ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ )) رواه مسلم .
(( العَائِلُ )) : الفَقِيرُ .
617- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( قَالَ الله : العِزُّ إزَاري ، والكبرياءُ رِدائي ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي في وَاحِدٍ منهما فَقَد عَذَّبْتُهُ )) رواه مسلم .
618- وعنه : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ ، مُرَجِّلٌ رَأسَهُ ، يَخْتَالُ فِي مَشْيَتهِ ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( مُرَجِّلٌ رَأسَهُ )) : أيْ مُمَشِّطُهُ، (( يَتَجَلْجَلُ )) بالجيمين : أيْ يَغُوصُ وَيَنْزِلُ.
619- وعن سَلَمةَ بنِ الأكْوَعِ ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ في الجبَّارِين ، فَيُصيبَهُ مَا أصَابَهُمْ )) رواه الترمذي ، وقال: (( حديث حسن )) .
(( يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ )) أيْ : يَرْتَفِعُ وَيَتَكبَّرُ .
73- باب حسن الخلق
قَالَ الله تَعَالَى : وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ ن : 4 ] ، وقال تَعَالَى : وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [ آل عمران : 134 ] الآية .
620- وعن أنس ، قال : كَانَ رسولُ الله أحْسَنَ النَّاس خُلُقاً . متفقٌ عَلَيْهِ .
621- وعنه ، قَالَ : مَا مَسِسْتُ دِيبَاجاً وَلاَ حَرِيراً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ رسولِ اللهِ ، وَلاَ شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رسولِ اللهِ ، وَلَقَدْ خدمتُ رسول اللهِ عَشْرَ سنين ، فما قَالَ لي قَطُّ : أُفٍّ، وَلاَ قَالَ لِشَيءٍ فَعَلْتُهُ : لِمَ فَعَلْتَه ؟ وَلاَ لشَيءٍ لَمْ أفعله : ألاَ فَعَلْتَ كَذا ؟ متفقٌ عَلَيْهِ .
622- وعن الصعب بن جَثَّامَةَ ، قَالَ : أهديتُ رسولَ الله حِمَاراً وَحْشِيّاً ، فَرَدَّهُ عَلَيَّ ، فَلَمَّا رأى مَا في وجهي ، قَالَ : (( إنّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ لأنّا حُرُمٌ ( ) )) متفقٌ عَلَيْهِ .
623- وعن النَّوَاس بنِ سمعان ، قَالَ : سألتُ رسولَ الله عن البِرِّ وَالإثم ، فَقَالَ : (( البِرُّ : حُسنُ الخُلقِ ، والإثمُ : مَا حاك في صدرِك ، وكَرِهْتَ أن يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )) رواه مسلم .
624- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : لَمْ يكن رسولُ الله فَاحِشاً وَلاَ مُتَفَحِّشاً ، وكان يَقُولُ : (( إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاَقاً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
625- وعن أَبي الدرداءِ : أن النبي ، قَالَ : (( مَا مِنْ شَيْءٍ أثْقَلُ في مِيزَانِ العبدِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ ، وَإنَّ الله يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(( البَذِيُّ )) : هُوَ الَّذِي يتكلَّمُ بِالفُحْشِ ورديء الكلامِ .
626- وعن أَبي هريرة ، قَالَ : سُئِلَ رسولُ الله عَنْ أكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : (( تَقْوَى اللهِ وَحُسنُ الخُلُقِ )) ، وَسُئِلَ عَنْ أكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ : (( الفَمُ وَالفَرْجُ )) رواه الترمذي، وقال : (( حديث حسن صحيح )).
627- وعنه، قال: قَالَ رسول الله : (( أكْمَلُ المُؤمنينَ إيمَاناً أحسَنُهُمْ خُلُقاً، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
628- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سَمِعْتُ رسولَ الله ، يقول : (( إنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ ))( ) رواه أَبُو داود .
629- وعن أَبي أُمَامَة الباهِليِّ ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( أنَا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَض الجَنَّةِ( ) لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ ، وَإنْ كَانَ مُحِقّاً ، وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ ، وَإنْ كَانَ مَازِحاً ، وَبِبَيْتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ )) . حديث صحيح ، رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
(( الزَّعِيمُ )) : الضَّامِنُ .
630- وعن جابر : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ ، وَأقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ ، أحَاسِنَكُم أخْلاَقاً ، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيَامَةِ ، الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهقُونَ )) قالوا : يَا رسول الله ، قَدْ عَلِمْنَا (( الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ )) ، فمَا المُتَفَيْهقُونَ ؟ قَالَ : (( المُتَكَبِّرُونَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(( الثَّرْثَارُ )) : هُوَ كَثِيرُ الكَلاَمِ تَكَلُّفاً . وَ(( المُتَشَدِّقُ )) : المُتَطَاوِلُ عَلَى النَّاسِ بِكَلاَمِهِ ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَلءِ فِيهِ تَفَاصُحاً وَتَعْظِيماً لِكَلامِهِ ، وَ(( المُتَفَيْهِقُ )) : أصلُهُ مِنَ الفَهْقِ وَهُوَ الامْتِلاَءُ ، وَهُوَ الَّذِي يَمْلأُ فَمَهُ بِالكَلاَمِ وَيَتَوَسَّعُ فِيهِ ، ويُغْرِبُ بِهِ تَكَبُّراً وَارْتِفَاعاً ، وَإظْهَاراً للفَضيلَةِ عَلَى غَيْرِهِ .
وروى الترمذي( ) عن عبد الله بن المباركِ رحِمه الله في تفسير حُسْنِ الخُلُقِ ، قَالَ : (( هُوَ طَلاَقَةُ الوَجه ، وَبَذْلُ المَعروف ، وَكَفُّ الأذَى )) .
74- باب الحلم والأناة والرفق
قَالَ الله تَعَالَى : وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنينَ [ آل عمران : 134 ] ، وقال تَعَالَى : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأعْرِضْ عَنِ الجَاهِلينَ [ الأعراف : 199 ] ، وقال تَعَالَى : وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [ فصلت : 34-35 ] ، وقال تَعَالَى : وَلَمنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ
[ الشورى : 43 ] .
631- وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله لأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ : (( إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ : الْحِلْمُ وَالأنَاةُ )) رواه مسلم .
632- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَالَ رسول الله : (( إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّه )) متفقٌ عَلَيْهِ .
633- وعنها : أنَّ النبيَّ ، قَالَ : (( إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ، وَيُعْطي عَلَى الرِّفق ، مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ )) رواه مسلم .
634- وعنها : أنَّ النبيَّ ، قَالَ : (( إنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ في شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ )) رواه مسلم .
635- وعن أَبي هريرة ، قَالَ : بَال أعْرَابيٌّ في المسجدِ ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيَقَعُوا فِيهِ ، فَقَالَ النبيُّ : (( دَعُوهُ وَأرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ ، أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ ، فَإنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ )) رواه البخاري .
(( السَّجْلُ )) بفتح السين المهملة وإسكان الجيم : وَهِيَ الدَّلو الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً ، وَكَذلِكَ الذَّنُوبُ .
636- وعن أنس ، عن النبيِّ ، قَالَ : (( يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا ، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
637- وعن جريرِ بنِ عبدِ اللهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ، يقولُ : (( مَنْ يُحْرَمِ الرِفْقَ ، يُحْرَمِ الخَيْرَ كلَّهُ )) رواه مسلم .
638- وعن أَبي هريرة : أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبيِّ : أوْصِني . قَالَ : (( لاَ تَغْضَبْ )) ، فَرَدَّدَ مِرَاراً ، قَالَ : (( لاَ تَغْضَبْ )) رواه البخاري .
639- وعن أَبي يعلى شَدَّاد بن أوسٍ ، عن رسول الله ، قَالَ : (( إنَّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُم فَأحْسِنُوا القِتْلَة ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه ، وَلْيُرِح ذَبِيحَتَهُ )) رواه مسلم .
640- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : مَا خُيِّرَ رسول الله بَيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أيْسَرَهُمَا ، مَا لَمْ يَكُنْ إثماً ، فَإنْ كَانَ إثماً ، كَانَ أبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ . وَمَا انْتَقَمَ رسول الله لِنَفْسِهِ في شَيْءٍ قَطُّ ، إِلاَّ أن تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله ، فَيَنْتَقِمَ للهِ تَعَالَى . متفقٌ عَلَيْهِ .
641- وعن ابن مسعود ، قَالَ : قَالَ رسول الله : (( ألا أخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّار ؟ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّار ؟ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ ، هَيّنٍ ، لَيِّنٍ ، سَهْلٍ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
75- باب العفو والإعراض عن الجاهلين
قَالَ الله تَعَالَى : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلينَ [ الأعراف : 199 ] ، وقال تَعَالَى : فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [ الحجر : 85 ] ، وقال تَعَالَى : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ألاَ تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ [ النور : 22 ] ، وقال تَعَالَى : وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ [ آل عمران : 134 ] ، وقال تَعَالَى : وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [ الشورى : 43 ] والآيات في الباب كثيرة معلومة .
642- وعن عائشة رضي الله عنها : أنها قالت للنبي : هَلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ قَالَ : (( لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أشَدُّ مَا لَقيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيْلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ ، فَلَمْ يُجِبْني إِلَى مَا أرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأنا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي ، فَلَمْ أسْتَفِقْ إِلاَّ وأنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ( ) ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، وَإِذَا أنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبريلُ ، فَنَادَاني ، فَقَالَ : إنَّ الله تَعَالَى قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَد بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بمَا شِئْتَ فِيهِمْ . فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللهَ قَدْ سَمِع قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأنا مَلَكُ الجِبال ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبِّي إلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ ، إنْ شئْتَ أطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ )) . فَقَالَ النبي : (( بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الأخْشَبَان )) : الجَبَلان المُحيطان بمكَّة . وَالأخشبُ : هُوَ الجبل الغليظ .
643- وعنها ، قالت : مَا ضَرَبَ رسولُ الله شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ ، وَلاَ امْرَأةً وَلاَ خَادِماً ، إِلاَّ أنْ يُجَاهِدَ فِي سَبيلِ اللهِ ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ ، إِلاَّ أن يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ تَعَالَى ، فَيَنْتَقِمُ للهِ تَعَالَى . رواه مسلم .
644- وعن أنس ، قَالَ : كُنْتُ أمشي مَعَ رسول الله وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَديدةً ، فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبيِّ ، وَقَدْ أثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مُر لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ . فَالتَفَتَ إِلَيْهِ ، فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ . متفقٌ عَلَيْهِ .
645- وعن ابن مسعود ، قَالَ : كأني أنظر إِلَى رسول الله يَحْكِي نَبِيّاً مِنَ الأنبياءِ ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُه عَلَيْهِمْ ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأدْمَوْهُ ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ، ويقول : (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي ؛ فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
646- وعن أَبي هريرة : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( لَيْسَ الشَّديدُ بِالصُّرَعَةِ ، إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ )) متفقٌ عَلَيْهِ
76- باب احتمال الأذى
قَالَ الله تَعَالَى : وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ والْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ [ آل عمران : 134 ] ، وقال تَعَالَى : وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [ الشورى : 43 ] وفي الباب : الأحاديث السابقة في الباب قبله .
647- وعن أَبي هريرة رضي الله تَعَالَى عنه: أنَّ رَجُلاً ، قَالَ : يَا رسول الله ، إنّ لي قَرَابةً أصِلُهم وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ ، وَأحْلُمُ عَنهم وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ! فَقَالَ : (( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ، فَكأنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ، وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ تَعَالَى ظَهيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ )) رواه مسلم .
وقد سَبَقَ شَرْحُهُ في بَابِ صلة الأرحام .