السنة الحادية عشرة من الهجرة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للخضري
محتويات
- السنة الحادية عشرة
- سرية
- مرض الرسول صلى الله عليه وسلم
- صلاة أبي بكر بالناس
- وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
- العودة الي الصفحة الرئيسية من كتاب نور اليقين
السَّنَة الحادية عشرة
سرية
لأربع بقينَ من صفر، جهز عليه الصلاة والسلام جيشاً برياسة أُسامةبن زيد إلى أُبْنى حيث قتل زيدبن حارثة، والد أُسامة، وقال له: «سر إلى موضع قتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتك هذا الجيش، فأَغِرْ صباحاً على أهل أُبْنى، وحرِّق عليهم، وأسرع السير لتسبق الأخبار، فإن أظفرك الله فأقلَّ اللبث فيهم، وخذ الأدلاَّء، وقدِّم العيون والطلائع معك». وكان مع أُسامة في هذا الجيش كبار المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسعد.
ثم عقد عليه الصلاة والسلام لأُسامة اللواء، وقال له: «اغزُ باسم الله، في سبيل الله، وقاتل من كفر بالله.
وقد انتقد جماعة على تأمير أُسامة وهو شاب لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره على جيش فيه كبار المهاجرين، فأُبلغ الرسول هذه المقالة فغضب غضباً شديداً، وخرج، فقال: «أما بعد، أيّها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أُسامة؟ ولئن طعنتم في تأميري أُسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وايمُ الله إنه كان لخليقاً بالإِمارة، وان ابنه من بعده لخليقٌ بها، وإن كان لمن أحبّ الناس إليَّ، وإنهما لمظنّة لكل خير، فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم».
ولم يتم لهذا الجيش الخروج في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم لأن المرض بدأة فاختاره الله للرفيق الأعلى. وسيرى القارىء إن شاء الله خروج هذا الجيش متمّماً في كتابنا «إتمام الوفاء بسيرة الخلفاء».
مرض الرسول صلى الله عليه وسلم
لما تمّم عليه الصلاة والسلام ما كُلِّفَ به، وأدى ما اؤتمن عليه، وهدى الله به أمته، اختاره الله للرفيق الأعلى، فجلس على المنبر مرة، وكان فيما قال: «إن عبداً خيَّره الله بين أَنْ يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده». فبكى أبو بكر، وقال: يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن أمَنَّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، لو كنتُ متخذاً خليلاً لاتخذتُ أبا بكر، ولكن أُخوة الإسلام، لا يبقى في المسجد خَوخة إلا سُدَّت إلا خَوْخة أبي بكر».
وقد بدأه عليه الصلاة والسلام مرضُه في أواخر صَفَر من السنة الحادية عشرة من الهجرة في بيت ميمونة، واستمر مريضاً ثلاثة عشر يوماً، كان في خلالها ينتقل إلى بيوت أزواجه، ولما اشتد عليه المرض استأذن منهنّ أن يُمَرَّضَ في بيت عائشة الصدّيقة فأَذِنَّ له، ولما دخل بيتها واشتد عليه وجعه، قال: «هَريقوا علي من سبع قِرَب لم تُحْلَلْ أوكيتُهُنّ لعلّي أعهد إلى الناس». فأُجلس في مِخضَب، وصبّ عليه الماء حتى أشار بيده أن قد فعلتن، وكان هذا الماء لتخفيف حرارة الحمى التي كانت تصيب مَن يضع يده فوق ثيابه.
صلاة أبي بكر بالناس
ولما تعذَّر عليه الخروج إلى الصلاة قال: «مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس» فرضيه عليه الصلاة والسلام خليفةً له في حياته. ولما رأت الأنصارُ اشتدادَ وجع الرسول طافوا بالمسجد، فدخلَ العباس، وأعلمه بمكانهم وإشفاقهم، فخرج صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عليّ والفضل، وتقدم العباس أمامهم والنبي معصوبُ الرأس يَخُطُّ برجليه، حتى جلس في أسفل مِرقاة المنبر، وثار الناس إليه فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيّكم، هل خلد نبي قبلي فيمن بعث الله فَأُخلَّد فيكم؟ ألا إني لاحق بربي، وإنكم لاحقون بي، فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيراً، وأوصي المهاجرين فيما بينهم، فإن الله تعالى يقول: وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ(2) إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ(3) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الاْرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ(22)
وبينما المسلمون في صلاة الفجر، من يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول، وأبو بكر يصلي بهم، إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف سِجْفَ حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر رضي الله عنه على عقبه ليصلَ الصَّفَّ، وظن أن رسول الله يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً برسول الله، فأشار إليهم بيده: أن أتّموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.
وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم تأت ضحوة هذا اليوم حتى فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم دنياه، ولحق بمولاه، وكان ذلك في يوم الاثنين 13 ربيع أول سنة 11 (8 يونيو سنة 633) فيكون عمره عليه الصلاة والسلام 63 سنة قمرية كاملة، وثلاثة أيام، وإحدى وستين شمسية، وأربعة وثمانين يوماً، وكان أبو بكر غائباً بالسُّنْح ــــ وهي منازل بني الحارثبن الخزرج ــــ عند زوجه حبيبة بنت خارجةبن زيد، فسلَّ عمر سيفه، وتوعَّد مَنْ يقول: مات رسول الله، وقال: إنما أرسل إليه كما أرسل إلى موسى، فلبثَ عن قومه أربعين ليلة، والله إني لأرجو أن يُقَطِّع أيدي رجالٍ وأرجلَهم.
فلما أقبل أبو بكر وأُخبر الخبر دخل بيت عائشة، وكشف عن وجه رسول الله، فجثا يُقَبِّلُه، ويبكي، ويقول: توفي والذي نفسي بيده صلوات الله عليك يا رسول الله ما أطيبك حيّاً وميتاً، بأبي أنت وأمي لا يجمع الله عليك موتتين. ثم خرج فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا من كان يعبدُ محمداً، فإنّ محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، وتلا قوله تعالى: إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ(30) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ(144)
ثم مكث عليه الصلاة والسلام في بيته بقية يوم الاثنين، وليلة الثلاثاء ويومه وليلة الأربعاء، حتى انتهى المسلمون من إقامة خليفة عليهم، فَغُسِّلَ ودُفِنَ، وكان الذي يغسله عليُّبن أبي طالب، ويساعده العباسُ، وابناه الفضل وَقُثَم، وأُسامةبن زيد، وشُقْران مولى رسول الله، وكُفِّنَ في ثلاثة أثواب بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة. ولما فرغوا من تجهيزه وُضع على سريره في بيته، ودخل الناس عليه أرسالاً متتابعين يُصَلُّون عليه، ولم يؤمّهم أحد، ثم حُفِرَ له لحد في حجرة عائشة حيث توفي، وأنزله القبرَ عليّ والعباس وولداه الفضل وَقُثَم، وَرَشَّ قبره بلال بالماء، ورُفع قبره عن الأرض قدر شبر. توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك للمسلمين ما إن اتبعوه لم يضرّهم شيء: كتابَ الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وترك أصحابه البررة الكِرام، يوضِّحون الدين، ويتمّمون فتح البلاد، ويُظهرون في الدنيا شمس الدين الإسلامي القويم، حتى يتمّم الله كلمته، ويحقّ وعده، وقد فعل، فنسأل الله أن يقدّرنا على أداء شكره على هذه المنّة العظمى، والنعمة الكبرى.