باب في بيان كثرة طرق الخير و الاقتصاد في العبادة و المحافظة عَلَى الأعمال
رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين للإمام النووي
محتويات
- باب في بيان كثرة طرق الخير
- باب في الاقتصاد في العبادة
- باب في المحافظة عَلَى الأعمال
- باب في الأمر بالمحافظة عَلَى السنة وآدابها
- باب في وجوب الانقياد لحكم الله
- العودة إلي الصفحة الرئيسية من رياض الصالحين
13- باب في بيان كثرة طرق الخير
قَالَ الله تَعَالَى : وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ [ البقرة :215 ]، وَقالَ تَعَالَى : وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله [ البقرة :197] ، وَقالَ تَعَالَى : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [ الزلزلة : 7 ] ، وَقالَ تَعَالَى : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ [ الجاثـية : 15] والآيات في الباب كثيرة .
وأما الأحاديث فكثيرة جداً وهي غيرُ منحصرةٍ فنذكُرُ طرفاً مِنْهَا :
117- الأول: عن أبي ذر جُنْدبِ بنِ جُنَادَةَ ، قَالَ: قُلْتُ : يَا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : (( الإيمانُ باللهِ وَالجِهادُ في سَبيلِهِ )) . قُلْتُ : أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : (( أنْفَسُهَا( ) عِنْدَ أهلِهَا وَأكثَرهَا ثَمَناً )) . قُلْتُ : فإنْ لَمْ أفْعَلْ ؟ قَالَ : (( تُعِينُ صَانِعاً أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ )) . قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، أرأيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ ؟ قَالَ : (( تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ )) مُتَّفَقٌ عليه .
(( الصَّانِعُ )) بالصاد المهملة هَذَا هُوَ المشهور ، وروي (( ضائعاً )) بالمعجمة : أي ذا ضِياع مِنْ فقرٍ أَوْ عيالٍ ونحوَ ذلِكَ ، (( وَالأَخْرَقُ )) : الَّذِي لا يُتقِنُ مَا يُحَاوِل فِعلهُ .
118- الثاني : عن أبي ذر أيضاً : أنَّ رسول الله ، قَالَ : (( يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى منْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ : فَكُلُّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحمِيدةٍ صَدَقَة ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأمْرٌ بِالمعرُوفِ صَدَقةٌ ، ونَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقةٌ ، وَيُجزِىءُ مِنْ ذلِكَ رَكْعَتَانِ يَركَعُهُما مِنَ الضُّحَى )) رواه مسلم .
(( السُّلامَى )) بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم : المفصل .
119- الثالث : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبيُّ : (( عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمَالُ أُمَّتِي
حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أعْمَالِهَا الأذَى يُمَاطُ( ) عَنِ الطَّريقِ ، وَوَجَدْتُ في مَسَاوِىءِ( ) أعمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ في المَسْجِدِ لا تُدْفَنُ )) رواه مسلم .
120- الرابع : عَنْهُ : أنَّ ناساً قالوا : يَا رَسُولَ الله ، ذَهَبَ أهلُ الدُّثُور بالأُجُورِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أمْوَالِهِمْ ، قَالَ : (( أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ : إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقةً ، وَكُلِّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً ، وَأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وفي بُضْعِ( ) أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ )) قالوا : يَا رسولَ اللهِ ، أيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ ؟ قَالَ : (( أرَأيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرامٍ أَكَانَ عَلَيهِ وِزرٌ ؟ فكذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ )) رواه مسلم .
(( الدُّثُورُ )) بالثاء المثلثة : الأموال وَاحِدُهَا : دثْر .
121- الخامس : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ لي النَّبيّ : (( لا تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئاً وَلَوْ أنْ تَلقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَليقٍ )) رواه مسلم .
122- السادس : عن أبي هريرةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ ، كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ : تَعْدِلُ بَينَ الاثْنَينِ صَدَقةٌ ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وبكلِّ خَطْوَةٍ تَمشيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ ، وتُميطُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
ورواه مسلم أيضاً من رواية عائشة رَضي الله عنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول الله : (( إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسان مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وثلاثمئة مفْصَل ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ ، وحَمِدَ الله ، وَهَلَّلَ اللهَ ، وَسَبَّحَ الله ، وَاسْتَغْفَرَ الله ، وَعَزَلَ حَجَراً عَنْ طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ شَوْكَةً ، أَوْ عَظماً عَن طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ أمَرَ بمَعْرُوف ، أَوْ نَهَى عَنْ منكَر ، عَدَدَ السِّتِّينَ والثَّلاثِمئَة فَإنَّهُ يُمْسِي يَومَئِذٍ وقَدْ زَحْزَحَ نَفسَهُ عَنِ النَّارِ )) .
123- السابع : عَنْهُ ، عن النَّبيّ ، قَالَ : (( مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِد أَوْ رَاحَ ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ في الجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( النُّزُلُ )) : القوت والرزق وما يُهيأُ للضيف .
124- الثامن : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ ، لاَ تَحْقِرنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شاةٍ )) ( ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
قَالَ الجوهري : الفرسِن منَ البَعيرِ كالحَافِرِ مِنَ الدَّابَةِ قَالَ : وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ في الشَّاةِ .
125- التاسع : عَنْهُ ، عن النَّبيّ ، قَالَ : (( الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً : فَأفْضَلُهَا قَولُ : لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ ، والحياءُ شُعبَةٌ مِنَ الإيمان )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( البِضْعُ )) من ثلاثة إِلَى تسعة بكسر الباء وقد تفتح. وَ(( الشُّعْبَةُ )) : القطعة.
126- العاشر : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله ، قَالَ : (( بَينَما رَجُلٌ يَمشي بِطَريقٍ اشْتَدَّ عَلَيهِ العَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشربَ ، ثُمَّ خَرَجَ فإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يأكُلُ الثَّرَى( ) مِنَ العَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ حَتَّى رَقِيَ ، فَسَقَى الكَلْبَ ، فَشَكَرَ الله لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ )) قالوا : يَا رَسُول اللهِ ، إنَّ لَنَا في البَهَائِمِ أَجْراً ؟ فقَالَ : (( في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ )) ( ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية للبخاري : (( فَشَكَرَ اللهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ ، فأدْخَلَهُ الجَنَّةَ )) وفي رواية لهما : (( بَيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقتلُهُ العَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ( ) مِنْ بَغَايَا
بَنِي إسْرَائِيل ، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ )) .
(( المُوقُ )) : الخف . وَ(( يُطِيفُ )) : يدور حول (( رَكِيَّةٍ )) : وَهِي البئر .
127- الحادي عشر : عَنْهُ ، عن النَّبيّ ، قَالَ : (( لَقدْ رَأيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَرِيقِ كَانَتْ تُؤذِي المُسْلِمِينَ )) رواه مسلم .
وفي رواية : (( مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهرِ طَرِيقٍ ، فَقَالَ : وَاللهِ لأُنْحِيَنَّ هَذَا عَنِ المُسْلِمينَ لا يُؤذِيهِمْ ، فَأُدخِلَ الجَنَّةَ )) .
وفي رواية لهما : (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشي بِطَريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوكٍ عَلَى الطريقِ فأخَّرَه فَشَكَرَ اللهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ )) .
128- الثاني عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ، ثُمَّ أَتَى الجُمعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا ))( ) رواه مسلم .
129- الثالث عشر : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله ، قَالَ : (( إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ ، أَو المُؤمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينيهِ مَعَ المَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، فَإِذا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَة كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مشتها رِجْلاَهُ مَعَ المَاء أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذُّنُوبِ )) رواه مسلم .
130- الرابع عشر : عَنْهُ ، عن رَسُول الله ، قَالَ : (( الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّراتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ )) رواه مسلم .
131- الخامس عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ )) قَالُوا : بَلَى ، يَا رسولَ اللهِ ، قَالَ : (( إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ( ) ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ )) رواه مسلم .
132- السادس عشر : عن أبي موسى الأشعرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله : (( مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( البَرْدَانِ )) : الصبح والعصر .
133- السابع عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً )) رواه البخاري .
134- الثامن عشر : عن جَابرٍ ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله : (( كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ )) رواه البخاري ، ورواه مسلم مِنْ رواية حُذَيفة .
135- التاسع عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً ، وَمَا سُرِقَ مِنهُ لَهُ صَدَقَةً ، وَلاَ يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً )) رواه مسلم .
وفي رواية لَهُ : (( فَلاَ يَغْرِسُ المُسْلِمُ غَرْساً فَيَأْكُلَ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ طَيْرٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقة إِلَى يَومِ القِيَامةِ )). وفي رواية لَهُ : (( لاَ يَغرِسُ مُسْلِمٌ غَرساً ، وَلاَ يَزرَعُ زَرعاً ، فَيَأكُلَ مِنهُ إنْسَانٌ وَلاَ دَابَةٌ وَلاَ شَيءٌ ، إلاَّ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً )) .
وروياه جميعاً من رواية أنس .
قوله : (( يَرْزَؤُهُ )) أي ينقصه .
136- العشرون : عَنْهُ ، قَالَ : أراد بنو سَلِمَةَ أَن يَنتقِلوا قرب المسجِدِ فبلغ ذلِكَ رسولَ الله ، فَقَالَ لهم : (( إنَّهُ قَدْ بَلَغَني أنَّكُمْ تُرِيدُونَ أنْ تَنتَقِلُوا قُربَ المَسجِد ؟ )) فقالُوا : نَعَمْ ، يَا رَسُول اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلِكَ . فَقَالَ : (( بَنِي سَلِمَةَ ، دِيَارَكُمْ ، تُكْتَبْ آثَارُكُمْ ، ديَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ )) رواه مسلم .
وفي روايةٍ : (( إنَّ بِكُلِّ خَطوَةٍ دَرَجَةً )) رواه مسلم .
رواه البخاري أيضاً بِمَعناه مِنْ رواية أنس .
وَ(( بَنُو سَلِمَةَ )) بكسر اللام : قبيلة معروفة مِنَ الأنصار ، وَ(( آثَارُهُمْ )) : خطاهُم .
137- الحادي والعشرون : عن أبي المنذِر أُبيِّ بنِ كَعْب ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ لا أعْلَمُ رَجلاً أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ ، وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاةٌ ، فَقيلَ لَهُ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ : لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَاراً تَرْكَبُهُ في الظَلْمَاء وفي الرَّمْضَاء ؟ فَقَالَ : مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ إنِّي أريدُ أنْ يُكْتَبَ لِي مَمشَايَ إِلَى المَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهْلِي ، فَقَالَ رَسُول الله : (( قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذلِكَ كُلَّهُ ))( ) رواه مسلم .
وفي رواية : (( إنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ )) .
(( الرَّمْضَاءُ )) : الأرْضُ التي أصابها الحر الشديد .
138- الثاني والعشرون : عن أبي محمد عبدِ اللهِ بنِ عمرو بن العاصِ
رَضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( أرْبَعُونَ خَصْلَةً : أعْلاَهَا مَنيحَةُ العَنْزِ ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَة مِنْهَا ؛ رَجَاءَ ثَوَابِهَا وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا ، إلاَّ أدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الجَنَّةَ )) رواه البخاري .
(( المَنيحَةُ )) : أنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا لِيَأكُلَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ .
139- الثالث والعشرون : عن عَدِي بنِ حَاتمٍ ، قَالَ : سمعت النَّبيّ ، يقول : (( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشقِّ( ) تَمْرَةٍ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لهما عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَينَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرى إلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنظُرُ بَيْنَ يَدَيهِ فَلاَ يَرَى إلاَّ النَّار تِلقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ )) .
140- الرابع والعشرون : عن أنس ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( إنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ ، فَيَحمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا )) ( ) رواه مسلم .
وَ(( الأَكْلَةُ )) بفتح الهمزة : وَهيَ الغَدْوَةُ أَو العَشْوَةُ .
141- الخامس والعشرون : عن أَبي موسى ، عن النَّبيّ ، قَالَ :
(( عَلَى كلّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ )) قَالَ : أرأيتَ إنْ لَمْ يَجِدْ ؟ قَالَ : (( يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ )) قَالَ : أرأيتَ إن لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : (( يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ
المَلْهُوفَ( ) )) قَالَ : أرأيتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ، قَالَ : (( يَأمُرُ بِالمعْرُوفِ أوِ الخَيْرِ ))
قَالَ : أرَأيْتَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ؟ قَالَ : (( يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ )) مُتَّفَقٌ
عَلَيهِ .
14- باب في الاقتصاد في العبادة
قَالَ الله تَعَالَى : طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [ طـه : 1] ، وَقالَ تَعَالَى : يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [ البقرة : 185 ] .
142- وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ النَّبيّ دخل عَلَيْهَا وعِندها امرأةٌ ، قَالَ : (( مَنْ هذِهِ ؟ )) قَالَتْ : هذِهِ فُلاَنَةٌ تَذْكُرُ مِنْ صَلاتِهَا . قَالَ : (( مهْ ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ، فَواللهِ لاَ يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا )) وكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَ(( مهْ )) : كَلِمَةُ نَهْي وَزَجْر . ومَعْنَى (( لاَ يَمَلُّ اللهُ )) : لاَ يَقْطَعُ ثَوَابَهُ عَنْكُمْ وَجَزَاء أَعْمَالِكُمْ ويُعَامِلُكُمْ مُعَامَلةَ المَالِّ حَتَّى تَمَلُّوا فَتَتْرُكُوا ، فَيَنْبَغِي لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مَا تُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيهِ لَيدُومَ ثَوابُهُ لَكُمْ وَفَضْلُهُ عَلَيْكُمْ .
143- وعن أنس ، قَالَ : جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيّ ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبيّ ، فَلَمَّا أُخْبِروا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا وَقَالُوا : أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ وَقدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ . قَالَ أحدُهُم : أمَّا أنا فَأُصَلِّي اللَّيلَ أبداً . وَقالَ الآخَرُ : وَأَنَا أصُومُ الدَّهْرَ أَبَداً وَلا أُفْطِرُ . وَقالَ الآخر : وَأَنا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أتَزَوَّجُ أبَداً . فجاء رسولُ الله إليهم ، فَقَالَ : (( أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا واللهِ إنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أصُومُ وَأُفْطِرُ ، وأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّساءَ ، فَمَنْ رَغِبَ( ) عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
144- وعن ابن مسعود : أنّ النَّبيّ ، قَالَ : (( هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ )) قالها ثَلاثاً . رواه مسلم .
(( المُتَنَطِّعونَ )) : المتعمقون المشددون في غير موضِعِ التشديدِ .
145- عن أَبي هريرةَ ، عن النَّبيّ ، قَالَ : (( إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّيْنُ إلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ )) رواه البخاري .
وفي رواية لَهُ : (( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا وَرُوحُوا ، وَشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ ، القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا )) .
قوله : (( الدِّينُ )) : هُوَ مرفوع عَلَى مَا لَمْ يسم فاعله . وروي منصوباً وروي
(( لن يشادَّ الدينَ أحدٌ )) . وقوله : (( إلا غَلَبَهُ )) : أي غَلَبَهُ الدِّينُ وَعَجَزَ ذلِكَ المُشَادُّ عَنْ مُقَاوَمَةِ الدِّينِ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ . وَ(( الغَدْوَةُ )) : سير أولِ النهارِ . وَ(( الرَّوْحَةُ )) : آخِرُ النهارِ . وَ(( الدُّلْجَةُ )) : آخِرُ اللَّيلِ .
وهذا استعارة وتمثيل ، ومعناه : اسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَةِ اللهِ بِالأَعْمَالِ في وَقْتِ نَشَاطِكُمْ وَفَرَاغِ قُلُوبِكُمْ بِحَيثُ تَسْتَلِذُّونَ العِبَادَةَ ولا تَسْأَمُونَ وتبلُغُونَ مَقْصُودَكُمْ ، كَمَا أنَّ المُسَافِرَ الحَاذِقَ يَسيرُ في هذِهِ الأوْقَاتِ ويستريح هُوَ وَدَابَّتُهُ في غَيرِهَا فَيَصِلُ المَقْصُودَ بِغَيْرِ تَعَب ، واللهُ أعلم .
146- وعن أنس ، قَالَ : دَخَلَ النَّبيُّ المَسْجِدَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ ، فَقَالَ : (( مَا هَذَا الحَبْلُ ؟ )) قالُوا : هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ ، فَإِذَا فَتَرَتْ( ) تَعَلَّقَتْ بِهِ . فَقَالَ النَّبيُّ : (( حُلُّوهُ ، لِيُصلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَرْقُدْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
147- وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ رَسُول الله ، قَالَ : (( إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّومُ ، فإِنَّ أحدكم إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
148- وعن أَبي عبد الله جابر بن سمرة رضي الله عنهما ، قَالَ : كُنْتُ أصَلِّي مَعَ النَّبيِّ الصَّلَوَاتِ ، فَكَانتْ صَلاتُهُ قَصْداً وَخُطْبَتُهُ قَصْداً . رواه مسلم .
قوله : (( قَصْداً )) : أي بين الطولِ والقِصرِ .
149- وعن أبي جُحَيْفَة وَهْب بنِ عبد اللهِ ، قَالَ : آخَى النَّبيُّ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبي الدَّرْداءِ ، فَزارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرداءِ فَرَأى أُمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً( ) ، فَقَالَ : مَا شَأنُكِ ؟ قَالَتْ : أخُوكَ أَبُو الدَّردَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ في الدُّنْيَا ، فَجاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً ، فَقَالَ لَهُ : كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أنا بِآكِلٍ حَتَّى تَأكُلَ فأكل ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّردَاءِ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ : نَمْ ، فنام ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ : نَمْ . فَلَمَّا كَانَ من آخِر اللَّيلِ قَالَ سَلْمَانُ : قُم الآن ، فَصَلَّيَا جَمِيعاً فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، فَأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبيَّ فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبيُّ : (( صَدَقَ سَلْمَانُ )) رواه البخاري .
150- وعن أَبي محمد عبدِ اللهِ بنِ عَمْرو بن العاصِ رضي الله عنهما ، قَالَ : أُخْبرَ النَّبيُّ أنِّي أقُولُ : وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيلَ مَا عِشْتُ . فَقَالَ رسولُ الله : (( أنتَ الَّذِي تَقُولُ ذلِكَ ؟ )) فَقُلْتُ لَهُ : قَدْ قُلْتُهُ بأبي أنْتَ وأمِّي يَا رسولَ الله . قَالَ : (( فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذلِكَ فَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَنَمْ وَقُمْ ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثةَ أيَّامٍ ، فإنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا وَذَلكَ مِثلُ صِيامِ الدَّهْرِ )) قُلْتُ : فَإِنِّي أُطيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : (( فَصُمْ يَوماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ )) قُلْتُ : فَإنِّي أُطِيقُ أفضَلَ مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : (( فَصُمْ يَوماً وَأفْطِرْ يَوماً فَذلِكَ صِيَامُ دَاوُد ، وَهُوَ أعْدَلُ الصيامِ )) .
وفي رواية : (( هُوَ أفْضَلُ الصِّيامِ )) فَقُلْتُ : فَإِنِّي أُطيقُ أفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ رسولُ الله : (( لا أفضَلَ مِنْ ذلِكَ )) ، وَلأنْ أكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيّامِ الَّتي قَالَ رَسُول الله أحَبُّ إليَّ مِنْ أهْلي وَمَالي .
وفي رواية : (( أَلَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وتَقُومُ اللَّيلَ ؟ )) قُلْتُ : بَلَى ، يَا رَسُول الله ، قَالَ : (( فَلاَ تَفْعَلْ : صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَنَمْ وَقُمْ ؛ فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِعَيْنَيكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ( ) عَلَيْكَ حَقّاً ، وَإنَّ بِحَسْبِكَ أنْ تَصُومَ في كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ ، فإنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثَالِهَا ، فَإِنَّ ذلِكَ صِيَامُ الدَّهْر )) فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ ، قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، إنِّي أجِدُ قُوَّةً ، قَالَ : (( صُمْ صِيَامَ نَبيِّ الله دَاوُد وَلاَ تَزد عَلَيهِ )) قُلْتُ : وَمَا كَانَ صِيَامُ دَاوُد ؟ قَالَ : (( نِصْفُ الدَّهْرِ )) فَكَانَ عَبدُ الله يقول بَعدَمَا كَبِرَ : يَا لَيتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَة رَسُول الله .
وفي رواية : (( أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهرَ ، وَتَقْرَأُ القُرآنَ كُلَّ لَيْلَة ؟ )) فقلت : بَلَى ، يَا رَسُول الله ، وَلَمْ أُرِدْ بذلِكَ إلاَّ الخَيرَ ، قَالَ : (( فَصُمْ صَومَ نَبيِّ اللهِ دَاوُد ، فَإنَّهُ كَانَ أعْبَدَ النَّاسِ ، وَاقْرَأ القُرْآنَ في كُلِّ شَهْر )) قُلْتُ : يَا نَبيَّ اللهِ ، إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ؟ قَالَ : (( فاقرأه في كل عشرين )) قُلْتُ : يَا نبي الله ، إني أطيق أفضل من ذلِكَ ؟ قَالَ : (( فَاقْرَأهُ في كُلِّ عَشْر )) قُلْتُ : يَا نبي اللهِ ، إنِّي أُطيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ؟ قَالَ : (( فاقْرَأهُ في كُلِّ سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذلِكَ )) فشدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ وَقالَ لي النَّبيّ : (( إنَّكَ لا تَدرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمُرٌ )) قَالَ : فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ لي النَّبيُّ . فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أنِّي كُنْتُ قَبِلتُ رُخْصَةَ
نَبيِّ الله .
وفي رواية : (( وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً )) .
وفي رواية : (( لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ )) ثلاثاً .
وفي رواية : (( أَحَبُّ الصِيَامِ إِلَى اللهِ تَعَالَى صِيَامُ دَاوُد ، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى صَلاةُ دَاوُدَ : كَانَ ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاقَى )) .
وفي رواية قال : (( أنْكَحَني أَبي امرَأةً ذَاتَ حَسَبٍ وَكَانَ يَتَعَاهَدُ كنَّتَهُ - أي : امْرَأَةَ وَلَدِهِ - فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا . فَتقُولُ لَهُ : نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشاً ، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفاً( ) مُنْذُ أتَيْنَاهُ . فَلَمَّا طَالَ ذلِكَ عَلَيهِ ذَكَرَ ذلك للنَّبيِّ ، فَقَالَ : (( القِنِي بِهِ )) فَلَقيتُهُ بَعد ذلك ، فَقَالَ : (( كَيْفَ تَصُومُ ؟ )) قُلْتُ : كُلَّ يَومٍ ، قَالَ : (( وَكَيْفَ تَخْتِمُ ؟ )) قُلْتُ : كُلَّ لَيْلَةٍ ، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ ، وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أهْلِهِ السُّبُعَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ ، يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ ليَكُونَ أخفّ عَلَيهِ باللَّيلِ ، وَإِذَا أَرَادَ أنْ يَتَقَوَّى أفْطَرَ أيَّاماً وَأحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كرَاهِيَةَ أنْ يَترُكَ شَيئاً فَارَقَ عَلَيهِ النَّبيَّ .
كل هذِهِ الرواياتِ صحيحةٌ ، مُعظمُها في الصحيحين ، وقليل مِنْهَا في أحدِهِما .
151- وعن أبي رِبعِي حنظلة بنِ الربيعِ الأُسَيِّدِيِّ الكاتب أحدِ كتّاب
رَسُول الله ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكر ، فَقَالَ : كَيْفَ أنْتَ يَا حنْظَلَةُ ؟ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ! قَالَ : سُبْحَانَ الله مَا تَقُولُ ؟! قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُول الله يُذَكِّرُنَا بالجَنَّةِ وَالنَّارِ كأنَّا رَأيَ عَيْنٍ( ) فإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُول الله عَافَسْنَا الأَزْواجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسينَا كَثِيراً ، قَالَ أَبُو بكر : فَوَالله إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فانْطَلَقْتُ أَنَا وأبُو بَكْر حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُول الله . فقُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُول اللهِ ! فَقَالَ رَسُول الله : (( وَمَا ذَاكَ ؟ )) قُلْتُ : يَا رَسُول اللهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ والجَنَّةِ كأنَّا رَأيَ العَيْن فإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْواجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسينَا كَثِيراً . فَقَالَ رَسُول الله : (( وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ ، لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونونَ عِنْدِي ، وَفي الذِّكْر ، لصَافَحَتْكُمُ الملائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفي طُرُقِكُمْ ، لَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وسَاعَةً )) ثَلاَثَ مَرَات . رواه مسلم .
قولُهُ : (( رِبْعِيٌّ )) بِكسر الراء . وَ(( الأُسَيِّدِي )) بضم الهمزة وفتح السين وبعدها ياء مكسورة مشددة . وقوله : (( عَافَسْنَا )) هُوَ بِالعينِ والسينِ المهملتين أي : عالجنا ولاعبنا . وَ(( الضَّيْعاتُ )) : المعايش .
152- وعنِ ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : بينما النَّبيُّ يخطب إِذَا هُوَ برجلٍ قائم فسأل عَنْهُ ، فقالوا : أَبُو إسْرَائيلَ نَذَرَ أنْ يَقُومَ في الشَّمْسِ وَلاَ يَقْعُدَ ، وَلاَ يَسْتَظِل ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ ، وَيَصُومَ ، فَقَالَ النَّبيّ : (( مُرُوهُ ، فَلْيَتَكَلَّمْ ، وَلْيَسْتَظِلَّ ، وَلْيَقْعُدْ ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ )) رواه البخاري .
15- باب في المحافظة عَلَى الأعمال
قَالَ الله تَعَالَى : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [ الحديد : 16 ] ، وَقالَ تَعَالَى : وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [ الحديد : 27 ] ، وَقالَ تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً
[ النحل : 92 ] ، وَقالَ تَعَالَى : وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [ الحجر : 99 ] .
وَأَمَّا الأَحاديث فمنها :
حديث عائشة : وَكَانَ أَحَبُّ الدِّين إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ . وَقَدْ سَبَقَ في البَاب قَبْلَهُ ( ) .
153- وعن عمر بن الخطاب ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبهِ( ) مِنَ اللَّيلِ ، أَوْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ ، فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيلِ )) رواه مسلم .
154- وعن عبد الله بن عَمْرو بن العاص رَضِيَ الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( يَا عبدَ اللهِ ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلان ، كَانَ يَقُومُ اللَّيلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
155- وعن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : كَانَ رَسُول الله إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنَ اللَّيلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهارِ ثنْتَيْ عَشرَةَ رَكْعَةً . رواه مسلم .
16- باب في الأمر بالمحافظة عَلَى السنة وآدابها
قَالَ الله تَعَالَى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ الحشر : 7 ] ، وَقالَ تَعَالَى : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى [ النجم :3-4] ، وَقالَ تَعَالَى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [ آل عمران : 31 ] ، وَقالَ تَعَالَى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِر [ الأحزاب :21 ] ، وَقالَ تَعَالَى : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ النساء : 65 ] ، وَقالَ تَعَالَى : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ [ النساء : 59 ] قَالَ العلماء : معناه إِلَى الكتاب والسُنّة ، وَقالَ تَعَالَى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله [ النساء :80 ] ، وَقالَ تَعَالَى : وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ [ الشورى : 52-53 ] ، وَقالَ تَعَالَى : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ النور : 63 ] ، وَقالَ تَعَالَى : وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ [ الأحزاب : 34 ] ، والآيات في الباب كثيرة .
156- وَأَما الأحاديث : فالأول : عن أبي هريرةَ ، عن النَّبيّ ، قَالَ : (( دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤالِهِمْ واخْتِلافُهُمْ عَلَى أنْبيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
157- الثاني : عن أَبي نَجيحٍ العِرباضِ بنِ سَارية ، قَالَ : وَعَظَنَا
رسولُ اللهِ مَوعظةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ ، فَقُلْنَا :
يَا رسولَ اللهِ ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأوْصِنَا ، قَالَ : (( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيراً ، فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن صحيح )) .
(( النَّواجذُ )) بالذال المعجمةِ : الأنيَابُ ، وَقِيلَ : الأضْراسُ .
158- الثَّالثُ : عَنْ أَبي هريرةَ : أنَّ رَسُول الله ، قَالَ : (( كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ أبَى( ) )) . قيلَ : وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : (( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى )) رواه البخاري .
159- الرابع : عن أَبي مسلم ، وقيل : أَبي إياس سَلمة بنِ عمرو بنِ الأكوع : أنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُول الله بِشِمَالِهِ ، فَقَالَ : (( كُلْ بِيَمِينكَ )) قَالَ : لا أسْتَطيعُ . قَالَ : (( لا استَطَعْتَ )) مَا مَنَعَهُ إلاَّ الكِبْرُ فمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ . رواه مسلم .
160- الخامس : عن أَبي عبدِ الله النعمان بن بشير رَضيَ الله عنهما ، قَالَ : سمعت رَسُول الله ، يقول : (( لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لمسلم : كَانَ رَسُول الله يُسَوِّي صُفُوفَنَا حتى كأنَّما يُسَوِّي بِهَا القِدَاحَ( ) حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ . ثُمَّ خَرَجَ يَوماً فقامَ حَتَّى كَادَ أنْ يُكَبِّرَ فرأَى رَجلاً بَادياً صَدْرُهُ ، فَقَالَ : (( عِبَادَ الله ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ )) .
161- السادس : عن أَبي موسى ، قَالَ : احْتَرقَ بَيْتٌ بالمَدِينَةِ عَلَى أهْلِهِ مِنَ اللَّيلِ ، فَلَمَّا حُدِّثَ رسولُ الله بشَأنِهِمْ ، قَالَ : (( إنَّ هذِهِ النَّارَ عَدُوٌّ لَكُمْ ، فَإِذَا نِمْتُمْ ، فَأطْفِئُوهَا عَنْكُمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
162- السابع : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( إنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ
مِنَ الهُدَى والعِلْم كَمَثَلِ غَيثٍ أَصَابَ أرْضاً فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفةٌ طَيِّبَةٌ ، قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ( ) أمسَكَتِ المَاء فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ فَشَربُوا مِنْهَا وَسَقُوا وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَ طَائفةً مِنْهَا أخْرَى إنَّمَا هِيَ قيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ بمَا بَعَثَنِي الله بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأساً وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( فَقُهَ )) بضم القافِ عَلَى المشهور وقيل بكسرِها : أي صار فقيهاً .
163- الثامن : عن جابر ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله : (( مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الجَنَادِبُ والفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا ، وَأَنَا آخذٌ بحُجَزكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأنْتُمْ تَفَلَّتونَ مِنْ يَدَيَّ( ) )) رواه مسلم .
(( الجَنَادِبُ )) : نَحوُ الجرادِ وَالفَرَاشِ ، هَذَا هُوَ المَعْرُوف الَّذِي يَقَعُ في النَّارِ . وَ(( الحُجَزُ )) : جَمْعُ حُجْزَة وَهِيَ مَعْقدُ الإزَار وَالسَّراويل .
164- التاسع : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله أَمَرَ بِلَعْقِ( ) الأَصَابِعِ
وَالصَّحْفَةِ( ) ، وَقَالَ : (( إنَّكُمْ لا تَدْرونَ في أَيِّها البَرَكَةُ )) رواه مسلم .
وفي رواية لَهُ : (( إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأخُذْهَا ، فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً ، وَلْيَأكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيطَانِ ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بالمنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أصَابعَهُ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي في أيِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ )) .
وفي رواية لَهُ : (( إنَّ الشَّيطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأنِهِ ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ ، فَإذَ سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذَىً ، فَلْيَأكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيطَانِ )) .
165- العاشر : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُول الله بِمَوعِظَةٍ ، فَقَالَ : (( يَا أيُّهَا النَّاسُ ، إنَّكُمْ مَحْشُورونَ إِلَى الله تَعَالَى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [ الأنبياء: 103 ] ألا وَإنَّ أَوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسى يَومَ القِيَامَةِ إبراهيمُ ، ألا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرجالٍ مِنْ أُمَّتي فَيُؤخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشَّمالِ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ أصْحَابِي . فَيُقَالُ : إنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ . فَأقُولُ كَما قَالَ العَبدُ الصَّالِحُ : وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ إِلَى قولِهِ : العَزِيزُ الحَكِيمُ [ المائدة : 117 - 118] فَيُقَالُ لِي : إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ ( ) )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( غُرْلاً )) : أي غَيرَ مَخْتُونِينَ .
166- الحادي عشر : عن أَبي سعيد عبد الله بن مُغَفَّلٍ ، قَالَ : نَهَى رَسُول الله عَنِ الخَذْفِ( ) ، وقالَ : (( إنَّهُ لاَ يَقْتُلُ الصَّيْدَ ، وَلاَ يَنْكَأُ( ) العَدُوَّ ، وإنَّهُ يَفْقَأُ( ) العَيْنَ ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية : أنَّ قَريباً لابْنِ مُغَفَّل خَذَفَ فَنَهَاهُ ، وَقالَ : إنَّ رَسُول الله
نَهَى عَن الخَذْفِ ، وَقَالَ : (( إنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيداً )) ثُمَّ عادَ ، فَقَالَ : أُحَدِّثُكَ أنَّ رسولَ الله نَهَى عَنْهُ ، ثُمَّ عُدْتَ تَخذفُ !؟ لا أُكَلِّمُكَ أَبَداً( ) .
167- وعَن عابس بن رَبيعة ، قَالَ : رَأيْتُ عُمَرَ بن الخطاب يُقَبِّلُ الحَجَرَ - يَعْنِي : الأسْوَدَ - وَيَقُولُ : إني أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ مَا تَنْفَعُ وَلاَ تَضُرُّ ، وَلَولا أنِّي رَأيْتُ رسولَ الله يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ( ) . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
17- باب في وجوب الانقياد لحكم الله
وما يقوله من دُعِيَ إِلَى ذلِكَ وأُمِرَ بمعروف أَوْ نُهِيَ عن منكر
قَالَ الله تَعَالَى : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ النساء : 65 ] ، وَقالَ تَعَالَى : إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ النور : 51 ] .
وفيه من الأحاديث : حديث أَبي هريرة المذكور( ) في أول الباب قبله وغيره من الأحاديث فِيهِ .
168- عن أَبي هريرة ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُول الله : للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ الآية[ البقرة : 283 ] اشْتَدَّ ذلِكَ عَلَى أصْحَابِ رَسُول الله ، فَأتَوا رَسُول الله ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ ، فَقَالُوا : أيْ( ) رسولَ الله ، كُلِّفْنَا مِنَ الأَعمَالِ مَا نُطِيقُ : الصَّلاةَ والجِهَادَ
والصِّيامَ والصَّدَقَةَ ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِهِ الآيَةُ وَلا نُطيقُها .قَالَ رَسُول الله : (( أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الكتَابَينِ( ) مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ )) فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا( ) القومُ ، وَذَلَّتْ بِهَا ألْسنَتُهُمْ أنْزَلَ اللهُ تَعَالَى في إثرِهَا : آمَنَ
الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
[ البقرة : 285 ] فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى ، فَأنزَلَ الله : لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [ البقرة : 286 ] قَالَ : نَعَمْ رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قَالَ : نَعَمْ رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِه قَالَ : نَعَمْ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ قَالَ : نَعَمْ . رواه مسلم .