فصل فى الورع فى حالة التعلم
كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم للزرنوجي
محتويات
- فصل فى الإستفادة واقتباس الأدب
- فصل فى الورع فى حالة التعلم
- فصل فيما يورث الحفظ وفيما يورث النسيان
- فصل فيما يجلب الرزق وفيما يمنع وما يزيد فى العمر وما ينقص
- العودة إلي الصفحة الرئيسية من كتاب تعليم المتعلم
فصل فى الإستفادة واقتباس الأدب
وينبغى أن يكون طالب العلم مستفيدا فى كل وقت حتى يحصل له الفضل والكمال فى العلم. وطريق الإستفادة أن يكون معه فى كل وقت محبرة حتى يكتب ما يسمع من الفوائدالعلمية. قيل: من حفظ فر ومن كتب قر[1]. وقيل: العلم ما يؤخذ من أفواه الرجال، لأنهم يحفظون أحسن ما يسمعون، ويقولون أحسن ما يحفظون.
وسمعت عن شيخ الإمام الأديب الأستاذ زين الإسلام المعروف بالأديب المختار يقول: قال هلال [بن زيد] بن يسار[2]: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه شيئا من العلم والحكمة، فقلت يا رسول الله أعد لى ما قلت لهم، فقال لى: هل معك محبرة؟ فقلت: ما معى محبرة[3]، فقال النبى عليه السلام: ياهلال لا تفارق المحبرة لأن الخير فيها وفى أهلها إلى يوم القيامة[4].
ووصى الصدر الشهيد حسام الدين إبنه شمس الدين[5] أن يحفظ كل يوم شيئا من العلم والحكمة فإنه يسير، وعن قريب يكون كثيرا. واشترى عصام بن يوسف[6] قلما بدينار ليكتب ما يسمعه فى الحال، فالعمر قصير والعلم كثير. فينبغى أن لا يضيع طالب العلم الأوقات والساعات ويغتنم الليالى والخلوات. يحكى عن يحيى بن معاذ[7] الرازى [أنه قال] الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والنهار مضيئ فلا تكدره بآثامك.
وينبغى أن يغتنم الشيوخ ويستفيد منهم، وليس كل ما فات يدرك، كما قال أستاذنا[8] شيخ الإسلام فى مشيخته[9]: كم من شيخ كبير أدركته وما استخبرته. وأقول على هذا الفوت منشئا هذا البيت: لهفا على فوت التلاقى لهفا ما كل ما فات ويفنى يلفى[10] قال على رضى الله عنه: إذا كنت فى أمر فكن فيه[11]، وكفى بالإعراض عن علم الله خزيا وخسارا واستعذ بالله منه ليلا ونهارا.
ولا بد لطالب العلم من تحمل المشقة والمذلة فى طلب العلم، والتملق مذموم إلا فى طلب العلم فإنه لا بد له من التملق للأستاذ والشريك وغيرهم للإستفادة منهم[12]. قيل: العلم عز لا ذل فيه، لا يدرك إلا بذل لا عز فيه. وقال القائل: أرى لك نفسا تشتهى أن تعزها فلست تنال العز حــتى تذلها
فصل فى الورع فى حالة التعلم
روى بعضهم حديثا فى هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من لم يتورع فى تعلمه ابتلاه الله تعالى بأحد ثلاثة أشياء: إما أن يميته فى شبابه، أو يوقعه فى الرساتيق، أو يبتليه بخدمة السلطان[1]؛ فكلما كان طالب العلم أورع كان علمه أنفع، والتعلم له أيسر وفوائده أكثر.
ومن الورع [الكامل] أن يتحرز عن الشبع وكثرة النوم وكثرة الكلام فيما لا ينفع، وأن يتحرز عن أكل طعام السوق إن أمكن، لأن طعام السوق أقرب إلى النجاسة والخباثة، وأبعد عن ذكر الله وأقرب إلى الغفلة، ولأن أبصار الفقراء تقع عليه ولا يقدرون على الشراء منه، فيتأذون بذلك فتذهب بركته.
وحكي أن الإمام الشيخ الجليل محمد بن الفضل[2] كان فى حال تعلمه لايأكل من طعام السوق، وكان أبوه يسكن فى الرساتيق ويهيئ طعامه ويدخل أليه يوم الجمعة، فرأى فى بيت ابنه خبز السوق يوما فلم يكلمه ساخطا على ابنه فاعتذر ابنه، فقال: ما اشتريت أنا ولم أرض به ولكن أحضره شريكى، فقال أبوه: لو كنت تحتاط وتتورع عن مثله لم يجرؤ شريكك على ذلك.
وهكذا كانوا يتورعون فلذلك وفقوا للعلم والنشر حتى بقى اسمهم إلى يوم القيامة. ووصى فقيه من زهاد الفقهاء طالب العلم أن يتحرز عن الغيبة وعن مجالسة المكثار، وقال: من يكثر الكلام يسرق عمرك ويضيع أوقاتك. ومن الورع أن يجتنب من أهل الفساد والمعاصى والتعطيل، [ويجاور الصلحاء] فإن المجاورة مؤثرة، وأن يجلس مستقبل القبلة ويكون مستنا[3] بسنة النبى عليه الصلاة والسلام، ويغتنم دعوة أهل الخير، ويتحرز عن دعوة المظلومين.
وحكي أن رجلين خرجا فى طلب العلم للغربة وكانا شريكين فرجعا بعد سنين إلى بلدهما وقد فقه أحدهما ولم يفقه الآخر، فتأمل فقهاء البلاد وسئلوا عن حالهما وتكرارهما وجلوسهما فأخبروا أن جلوس الذى تفقه فى حال التكرار كان مستقبل القبلة والمصر[4] الذى [حصل العلم فيه] والآخر كان مستدبرا القبلة ووجهه إلى غير المصر. فاتفق العلماء والفقهاء أن الفقيه فقه ببركة استقبال القبلة إذ هو السنة فى الجلوس إلا عند الضرورة، وببركة دعاء المسلمين فإن المصر لا يخلو من العباد وأهل الخير والزهد، فالظاهر أن عابدا دعا له فى الليل.
فينبغى لطالب العلم أن لؤا يتهاون بالآداب والسنن، ومن تهاون بالأدب حرم السنن، ومن تهاون بالسنن حرم الفرائض، ومن تهاون بالفرائض حرم الآخرة. وبعضهم قالوا بهذا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[5]. وينبغى أن يكثر الصلاة، ويصلى صلاة الخاشعين، فإن ذلك عون له على التحصيل والتعلم. وأنشدت للشيخ الإمام الجليل الزاهد الحجاج نجم الدين عمر بن محمد النسفى[6] شعرا:
كـــــــــــن للأوامر والنواهى حافظا وعلى الصلاة مواظبا ومحافظا
واطلب علوم الشرع واجهد واستعن بالطيبات تصر فقيها حافــــــظا
واسئل إلهك حفـــــــظ حفظك راغبا مــــــــن فضله فالله خير حافظا[7]
كــــــــــن للأوامر والنواهى حافـظا وعلى الصلاة مواظبا ومحافظا
واطلب علوم الشرع واجهد واستعن بالطيبات تصر فقيها حافــــــظا
واسئل إلهك حفـــــــظ حفظك راغبا مــــــــن فضله فالله خير حافظا
وقال رحمة الله عليه:
أطيعوا وجدوا ولا تكسلوا وأنتم إلــى ربكم ترجعون ولا تهجعوا فخيار الورى قليلا من الليل ما يهجعون[8] وينبغى أن يستصحب دفترا على كل حال ليطالعه. وقيل: من لم يكن الدفتر فى كمه[9] لم تثبت الحكمة فى قلبه. وينبغى أن يكون فى الدفتر بياض ويستصحب المحبرة ليكتب ما يسمع من العلماء. وقد ذكرنا حديث هلال بن يسار.
فصل فيما يورث الحفظ وفيما يورث النسيان
وأقوى أسباب الحفظ: الجد والمواظبة، وتقليل الغذاء، وصلاة الليل، وقراءة القرآن من أسباب الحفظ. قيل: ليس شيئ أزيد للحفظ من قراءة القرأن نظرا[1]، والقراءة نظرا أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: أعظم أعمال أمتى قراءة القرآن نظرا[2]. ورأى شداد بن حكيم[3] بعض إخوانه فى المنام، فقال لأخيه: أى شيئ وجدته أنفع؟ قراءة القرآن نظرا.
ويقول عند رفع الكتاب: بسم الله وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله اكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم العزيز العليم، عدد كل حرف كتب ويكتب أبد الآبدين ودهر الداهرين[4]. ويقول بعد كل مكتوبة: آمنت بالله الواحد الأحد الحق، وحده لا شريك له، وكفرت بما سواه[5]. ويكثر الصلاة على النبى عليه السلام فإن ذكره رحمة للعالمين. قال الشافعى رضى الله عنه[6]:]
شكوت إلى وكيع سوء حفظى فأرشدنى] إلى ترك المعاصى[7]
فإن الحفظ فضل مــــــــن الله وفضل الله لا يعطى لعاصـــــى[8].
والسواك وشرب العسل[9] وأكل الكندر مع السكر[10] وأكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء[11] كل يوم على الريق يورث الحفظ ويشفى من كثير من الأمراض والأسقام، وكل ما يقلل البلغم والرطوبات يزيد فى الحفظ[12]، وكل ما يزيد فى البلغم يورث النسيان.
وأما ما يورث النسيان فهو: المعاصى وكثرة الذنوب والهموم والأحزان فى أمور الدنيا، وكثرة الإشتغال والعلائق، وقد ذكرنا أنه لا ينبغى للعاقل أن يهتم لأمر الدنيا لأنه يضر ولا ينفع، وهموم الدنيا لا تخلو عن الظلمة فى القلب، وهموم الآخرة لا تخلو عن النور فى القلب، ويظهر أثره فى الصلاة، فهم الدنيا يمنعه من الخيرات، وهم الآخرة يحمله عليه، والإشتغال بالصلاة على الخشوع وتحصيل العلم ينفى الهم والحزن، كما قال الشيخ نصر بن الحسن المرغينانى فى قصيدة له:
استعن نصر بن الحسن فــــــــى كل علم يحتـزن
ذاك الذى ينفى الحــزن وما سواه باطل لا يؤتمن
والشيخ الإمام الأجل نجم الدين عمر بن محمد[13] النسفى قال فى أم ولد له:
سلام على مـــــــــن تيمتنى بظرفـها ولمعة خــــــــدها ولمحة طرفها
سبتنى وأصبتنى فـــــــــــــتاة مليحة تحيرت الأوهام فى كـنه وصفها
فقلت: ذرينى واعذرينــــــــى فإننـى شغفت بتحصيل العلوم وكــشفها
ولى فى طلاب الفضل والعلم والتقى غنى عن غناء الغانيات وعرفها
وأما أسباب نسيان العلم: فأكل الكزبرة الرطبة، والتفاح الحامض، والنظر إلى المصلوب، وقراءة الخط المكتوب على حجارة القبور، والمرور بين قطار الجمال[14]، وإلقاء القمل الحي على الأرض، والحجامة على نقرة القفا، كلها يورث النسيان
فصل فيما يجلب الرزق وفيما يمنع وما يزيد فى العمر وما ينقص
ثم لابد لطالب العلم من القوة ومعرفة ما يزيد فيه وما يزيد فى العمر والصحة ليتفرغ فى طلب العلم، وفى كل ذلك صنفوا كتبا، فأوردت بعضها هنا على سبيل الإختصار.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القدر إلا بالدعاء، ولا يزيد فى العمر إلا البر، فإن الرجل ليحرم من الرزق بذنب يصيبه[1].
ثبت بهذا الحديث أن إرتكاب الذنب سبب حرمان الرزق خصوصا الكذب فإنه يورث الفقر, وقد ورد فيه حديث خاص[2], وكذا نوم الصبحة يمنع الرزق, وكثرة النوم تورث الفقر, وفقر العلم أيضا. قال القائل شعرا:
سرور الناس فى لبس اللباس وجمع العلم فـى ترك النعاس
وقال:
أليس مــــــن الحزن أن لياليا تمر بلا نفع وتخسر من عمر
وقال أيضا:
قـــــم الليل يا هذا لعلك ترشد إلى كم تنام الليل والعمر ينفد
والنوم عريانا, والبول عرينا، والأكل جنبا, والأكل متكئا على جنب, والتهاون بسقوط المائدة, وحرق قشر البصل والثوم, وكنس البيت فى الليل بالمنديل, وترك القمامة فى البيت, والمشي قدام المشايخ, ونداء الوالدين باسمهما, والخلال بكل خشبة[3], وغسل اليدين بالطين والتراب, والجلوس على العتبة, والاتكاء على أحد زوجي الباب, والتوضؤ فى المبرز[4], وخياطة الثوب على بدنه, وتجفيف الوجه بالثوب, وترك العنكبوت فى البيت, والتهاون فى الصلاة, وإسراع الخروج من المسجد بعد صلاة الفجر, والإبتكار بالذهاب إلى السوق, والابطاء فى الرجوع منه, وشراء كسرات الخبز من الفقراء, والسؤال, ودعاء الشر على الوالد, وترك تخمير[5] الأوانى وإطفاء السراج بالنفس: كل ذلك يورث الفقر, عرف ذلك بالآثار[6].
وكذا الكتابة بالقلم المعقود، والامتشاط بالمشط المنكسر، وترك الدعاء للوالدين، والتعمم قاعدا، والتسرول قائما، والبخل والتقتير، والإسراف، والكسل والتوانى والتهاؤن فى الأمور. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استنزلوا الرزق بالصدقة[7]؛ والبكور مبارك يزيد فى جميع النعم خصوصا فى الرزق[8]. وحسن الحظ من مفاتيح الرزق وبسط الوجه وطيب الكلام يزيد فى الحفظ والرزق. وعن الحسن بن على[9]: كنس الفناء وغسل الإناء مجلبة للغنى.
وأقوى الأسباب الجاذبة للرزق إقامة الصلاة بالتعظيم والخشوع، وتعديل الأركان وسائر واجباتها وسننها وآدابها، وصلاة الضحى فى ذلك معروفة، وقراءة سورة الواقعة خصوصا فى الليل وقت النوم[10]، وقراءة الملك، والمزمل، والليل إذا يغشى وألم نشرح لك، وحضور المسجد قبل الأذان، والمداومة على الطهارة، وأداء سنة الفجر والوتر فى البيت. وأن لا يتكلم بكلام الدنيا بعد الوتر ولا يكثر مجالسة النساء إلا عند الحاجة، وأن لا يتكلم بكلام لغو.
وقيل: من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه. قال بزرجمهر[11]: إذا رأيت الرجل يكثر الكلام فاستيقن بجنونه. وقال على رضى الله عنه: إذا تم العقل نقص الكلام[12]. قال المصنف رحمه الله: واتفق لى فى هذا المعنى شعرا:
إذا تم عقل المرء قل كلامـــه وأيقن بحمق المرء إن كان مكثرا
النطق زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكون مكــــــــــثرا
ما ندمت على سكوت مــــرة ولقد ندمت على الكلام مــــــرارا
وأما ما يزيد فى الرزق: أن يقول كل يوم بعد انشقاق الفجر إلى وقت الصلاة: سبحان الله العظيم وبحمده، سبحان الله العظيم وبحمده، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه[13] مائة مرة، وأن يقول: لا إله إلا الله الملك الحق المبين كل يوم صباحا ومساء مائة مرة.
وأن يقول بعد صلاة الفجر كل يوم: الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، ثلاثا وثلاثين مرة، وبعد صلاة المغرب أيضا، ويستغفر الله تعالى سبعين مرة بعد صلاة الفجر، ويكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم[14]. ويقول يوم الجمعة سبعين مرة : اللهم أغننى بحلالك عن حرامك واكفنى بفضلك عمن سواك[15].
ويقول هذا الثناء كل يوم وليلة : أنت الله العزيز الحكيم, أنت الله الملك القدوس, أنت الله الحكيم الكريم, انت الله خالق الخير والشر, أنت الله خالق الجنة والنار, أنت الله عالم الغيب والشهادة, أنت الله عالم السروأخفى, أنت الله الكبير المتعال, أنت الله خالق كل شيئ واليه يعود كل شيئ, أنت الله ديان يوم الدين, لم تزل ولا تزال, أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد, لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد[16], أنت الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبرلا إله إلا أنت الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم.
وأما ما يزيد في العمر: البر[17], وترك الأذى, وتوقير الشيوح, وصلة الرحم[18], وأن يقول حين يصبح ويمسى كل يوم ثلاث مرات : سبحان الله ملء الميزان, ومنتهى العلم, ومبلغ الرضا, وزنة العرش. ولا إله إلا الله ملء الميزان, ومنتهى العلم وزنة العرش. والله أكبر, ملء الميزان, ومنتهى العلم, ومبلغ الرضا, وزنة العرش[19].
وأن يتحرز عن قطع الأشجار الرطبة إلا عند الضرورة, وإسباغ الوضوء والصلاة بالتعظيم, والقرآن[20] بين الحج والعمرة, وحفظ الصحة, ولا بد أن يتعلم شيئا من الطب, ويتبرك بالآثار الواردة فى الطب التى جمعها الإمام أبو العباس المستغفري في كتابه المسمى : بطب النبى عليه السلام[21], يجده من يطلبه (فهو كتاب مشهور)[22].
]والحمد لله على التمام, وصلى الله على سيدنا محمد أفضل الرسل الكرام, وآله وصحبه الأئمة الاعلام, على ممر الدهور وتعاقب الأيام, آمين