الكبائر الثلاثون السرقة الظلم قذف المحصنات المكاس
كتاب الكبائر للذهبي
محتويات
- ا لكبيرة الحادية و العشرون : قذف المحصنات
- الكبيرة الثانية و العشرون : الغلول من الغنيمة
- الكبيرة الثالثة و العشرون : السرقة
- الكبيرة الرابعة و العشرون : قطع الطريق
- الكبيرة الخامسة و العشرون : اليمين الغموس
- الكبيرة السادسة و العشرون : الظلم
- لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء
- خمسة غضب الله عليهمء
- يجيء الظالم يوم القيامة
- من أعظم الظلم المماطلة
- فصل : و من الظلم أن يستأجر أجيرا أو إنسانا في عمل و لا يعطيه أجرته
- لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه
- فصل : في الحذر من الدخول على الظلمة
- موعظة كم أخرج الموت نفسا من دارها لم يدارها
- أين من ملك المغارب و المشارق
- الكبيرة السابعة و العشرون : المكاس
- الكبيرة الثامنة و العشرون : أكل الحرام و تناوله على أي وجه كان
- لكبيرة التاسعة و العشرون : أن يقتل الإنسان نفسه
- الكبيرة الثلاثون : الكذب في غالب أقواله
- االعودة إلي كتاب الكبائر للذهبي
الكبيرة الحادية و العشرون : قذف المحصنات
قال الله تعالى : إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون
و قال الله تعالى : { و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون }
بين الله تعالى في الآية أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن الزنا و الفاحشة إنه ملعون في الدنيا و الآخرة و له عذاب عظيم و عليه في الدنيا الحد ثمانون جلدة و تسقط شهادته و إن كان عدلا و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ اجتنبوا السبع الموبقات ] فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات و القذف أن يقول لامرأة أجنبية حرة عفيفة مسلمة : يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة أو يقول لزوجها : يا زوج القحبة أو يقول لولدها : يا ولد الزانية أو يا ابن القحبة أو يقول لبنتها يا بنت الزانية أو يا بنت القحبة فإن القحبة عبارة عن الزانية فإذا قال ذلك أحد من رجل أو امرأة كمن قال لرجل : يا زاني أو لصبي حر يا علق أو يا منكوح وجب عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم بينة بذلك و البينة كما قال الله : أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك المرأة أو ذاك الرجل فإن لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو إذا طالبه بذلك الذي قذفه و كذلك إذا قذف مملوكه أو جاريته بأن قال لمملوكه : يا زاني أو لجاريته يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال ] و كثير من الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا و الآخرة و لهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها النار أبعد مما بين المشرق و المغرب فقال له معاذ بن جبل يا رسول الله و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ و هل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ؟ ] و في الحديث : [ من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ] و قال الله تبارك و تعالى في كتابه العزيز : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } و قال عقبة بن عامر : يا رسول الله ما النجاة ؟ قال : [ أمسك عليك لسانك و ليسعك بيتك و ابك على خطيئتك و إن أبعد الناس إلى الله القلب القاسي ]
و قال صلى الله عليه و سلم : [ إن أبغض الناس إلى الله الفاحش المبذي الذي يتكلم بالفحش و رديء الكلام ] وقانا الله و إياكم شر ألسنتنا بمنه و كرمه إنه جواد كريم
الكبيرة الثانية و العشرون : الغلول من الغنيمة
و هي من بيت المال و من الزكاة قال الله تعالى :
{ إن الله لا يحب الخائنين } و قال الله تعالى { و ما كان لنبي أن يغل و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة }
و في صحيح مسلم [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه و عظم أمره ثم قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع يخفق فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ] أخرج هذا الحديث مسلم
قوله : على رقبته رقاع تخفق ـ أي ثياب و قماش قوله : على رقبته صامت ـ أي ذهب أو فضة فمن أخذ شيئا من هذه الأنواع المذكورة من الغنيمة قبل أن تقسم بين الغانمين أو من بيت المال بغير إذن الإمام أو من الزكاة التي تجمع للفقراء جاء يوم القيامة حامله على رقبته كما ذكر الله تعالى في القرآن { و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة }
و لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أدوا الخيط و المخيط و إياكم و الغلول بأنه عار على صاحبه يوم القيامة ] و [ لقول النبي صلى الله عليه و سلم لما استعمل ابن اللتيبة على الصدقة و قدم و قال : هذا لكم و هذا أهدي لي فصعد النبي صلى الله عليه و سلم المنبر و حمد الله و أثنى عليه إلى أن قال : و الله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا جاء يوم القيامة يحمله فلا أعرف رجلا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيصر ثم رفع يده صلى الله عليه و سلم فقال : اللهم هل بلغت ؟ ]
و [ عن أبي هريرة قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى خيبر ففتح علينا فلم نغنم ذهبا و لا ورقا غنمنا المتاع ـ الطعام ـ و الثياب ثم انطلقنا إلى الوادي ـ يعني وادي القرى ـ و مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد وهبه له رجل من بني جذام يدعى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه و سلم يحل رحله فرمي بسهم فكان به حتفه فقلنا : هنيئا له بالشهادة يا رسول الله فقال رسول الله : كلا و الذي نفسي بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال : أصبت يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم شراك أو شراكان من نار ] متفق عليه و [ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل يقال له كركرة فمات فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها ] و [ عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا غل في غزوة خيبر فامتنع النبي صلى الله عليه و سلم من الصلاة عليه و قال : إن صاحبكم غل في سبيل الله قال ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوي درهمين ] و قال الإمام أحمد رحمه الله : ما نعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم امتنع من الصلاة على أحد إلا على الغال و قاتل نفسه و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ هدايا العمال غلول ]
و في الباب أحاديث كثيرة و يأتي بعضها في باب الظلم و الظلم على ثلاثة أقسام : أحدهما : أكل المال بالباطل و ثانيها : ظلم العباد بالقتل و الضرب و الكسر و الجراح و ثالثها : ظلم العباد بالشتم و اللعن و السب و القذف و قد خطب النبي صلى الله عليه و سلم بمنى فقال : [ ألا إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ] متفق عليه
و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا يقبل الله صلاة بغير طهور و لا صدقة من غلول ] فنسأل الله التوفيق لما يحب و يرضى أنه جواد كريم
الكبيرة الثالثة و العشرون : السرقة
قال الله تعالى : { السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله و الله عزيز حكيم }
قال ابن شهاب : نكل الله بالقطع في سرقة أموال الناس و الله عزيز في انتقامه من السارق حكيم فيما أوجبه من قطع يده
و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن و لكن التوبة معروضة ]
و [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم ] و [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا و في رواية قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن ] قيل لعائشة رضي الله عنها : و ما ثمن المجن ؟ قالت : ربع دينار و في رواية قال : [ اقطعوا في ربع دينار و لا تقطعوا فيما دون ذلك ] كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم و الدينار اثني عشر درهما
و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لعن الله السارق الذي يسرق البيضة فتقطع يده و يسرق الحبل فتقطع يده ] قال الأعمش كانوا يرون أنه بيض الحديد و الحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي ثمنه ثلاثة دراهم
و [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت مخزومية تستعير المتاع و تجحده فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فيها فكلم النبي صلى الله عليه و سلم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله تعالى ثم قام النبي صلى الله عليه و سلم خطيبا فقال : إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه و إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه و الذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ] فقطع يد المخزومية
و عن عبد الرحمن بن جرير قال : سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه أمن السنة ؟ قال : [ أتي النبي صلى الله عليه و سلم بسارق فقطع يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه ] قال العلماء : و لا تنفع السارق توبته إلا أن يرد ما سرقه فإن كان مفلسا تحلل من صاحب المال و الله أعلم
الكبيرة الرابعة و العشرون : قطع الطريق
قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم }
قال الواحدي رحمه الله : معنى يحاربون الله و رسوله يعصونهما و لا يطيعونهما كل من عصاك فهو محارب لك و يسعون في الأرض فسادا أي بالقتل و السرقة و أخذ الأموال و كل من أخذ السلاح على المؤمنين فهو محارب لله و رسوله و هذا قول مالك و الأوزاعي و الشافعي قوله تعالى : { أن يقتلوا } إلى قوله { أو ينفوا من الأرض } قال الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أو أدخلت للتخير و معناها الإباحة إن شاء الإمام قتل و إن شاء صلب و إن شاء نفى و هذا قول الحسن و سعيد بن المسيب و مجاهد و قال في رواية عطية أو ليست للإباحة إنما هي مرتبة للحكم باختلاف الجنايات فمن قتل و أخذ المال قتل و صلب و من أخذ المال و لم يقتل قطع و من سفك الدماء و كف عن الأموال قتل و من أخاف السبيل و لم يقتل نفي من الأرض و هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه و قال الشافعي أيضا : يحد كل واحد بقدر فعله فمن وجب عليه القتل و الصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه و يصلب ثلاثا ثم ينزل و من وجب عليه القتل دون الصلب قتل و دفع إلى أهله يدفنونه و من وجب عليه القطع دون القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت فإن عاد و سرق ثانية قطعت رجله اليسرى فإن عاد و سرق قطعت يده اليسرى لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال في السارق : [ إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ] و لأنه فعل أبو بكر و عمر رضي الله عنهما و لا مخالف لهما من الصحابة و وجه كونها اليسرى اتفاق من صار إلى قطع الرجل بعد اليد على أنها اليسرى و ذلك معنى قوله تعالى { من خلاف }
و قوله تعالى : { أو ينفوا من الأرض } قال ابن عباس : هو أن يهدر الإمام دمه فيقول من لقيه فليقتله هذا فيمن يقدر عليه فأما من قبض عليه فنفيه من الأرض الحبس و السجن لأنه إذا حبس و منع من التقلب في البلاد فقد نفي منها أنشد ابن قتيبة لبعض المسجونين سعرا :
( خرجنا من الدنيا و نحن من أهلها
... فلسنا من الأحياء فيها و لا الموتى )
( إذا جاءنا السجان يوما لحاجة
... عجبنا و قلنا جاء هذا من الدنيا )
بمجرد قطع الطريق ارتكب الكبيرة
قال : فبمجرد قطع الطريق و إخافة السبيل قد ارتكب الكبيرة فكيف إذا أخذ المال أو جرح أو قتل ؟ فقد فعل عدة كبائر مع ما غالبهم عليه من ترك الصلاة و إنفاق ما يأخذونه في الخمر و الزنا و اللواطة و غير ذلك نسأل الله العافية من كل بلاء و محنة إنه جواد كريم غفور رحيم
الكبيرة الخامسة و العشرون : اليمين الغموس
قال الله تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم }
قال الواحدي : نزلت في رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه و سلم في ضيعة فهم المدعي عليه أن يحلف فأنزل فأنزل الله هذه الآية فنكل المدعي عليه عن اليمين و أقر للمدعي بحقه و عن [ عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حلف على يمين و هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله تعالى و هو عليه غضبان ]
فقال الأشعث : في و الله نزلت كان بيني و بين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ألك بينة ؟ قلت : لا قال لليهودي : احلف قلت يا رسول الله إنه إذن يحلف فيذهب بمالي فأنزل الله تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا } أي عرضا يسيرا من الدنيا و هو ما يحلفون عليه كاذبين { أولئك لا خلاق لهم في الآخرة } أي لا نصيب لهم في الآخرة { و لا يكلمهم الله } أي بكلام يسرهم { و لا ينظر إليهم } نظر ا يسرهم يعني نظر الرحمة { و لا يزكيهم } و لا يزيدهم خيرا و لا يثني عليهم
و [ عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من حلف على مال امرىء مسلم بغير حق لقي الله و هو عليه غضبان ] قال عبد الله ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم تصديقه من كتاب الله { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا } إلى آخر الآية أخرجاه في الصحيحين و [ عن أبي أمامة قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة فقال رجل : و إن كان يسيرا يا رسول الله ؟ قال : و إن كان قضيبا من أراك ] أخرجه مسلم في صحيحه قال حفص بن ميسرة : ما أشد هذا الحديث فقال : أليس في كتاب الله تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا } ؟ الآية و [ عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم فقرأ بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث مرات فقال أبو ذر : خابوا و خسروا يا رسول الله من هم ؟ قال : المسبل و المنان و المنفق سلعته بالحلف الكاذب و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الكبائر الإشراك بالله عقوق الوالدين و قتل النفس و اليمين الغموس ] أخرجه البخاري في صحيحه و الغموس هي التي يتعمد الكذب فيها سميت غموسا لأنها تغمس الحالف في الإثم و قيل تغمسه في النار
الحلف بغير الله من أشد الكبيرة
فصل : و من ذلك الحلف بغير الله عز و جل كالنبي و الكعبة و الملائكة و السماء و الماء و الحياة و الأمانة و هي من أشد ما هنا و الروح و الرأس و حياة السلطان و نعمة السلطان و تربة فلان
[ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن حلف فليحلف بالله أو ليصمت ] و في رواية في الصحيح [ فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت ]
و [ عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تحلفوا بالطواغي و لا بآبائكم ] رواه مسلم الطواغي : جمع طاغية و هي الأصنام و منه الحديث : هذه طاغية دوس أي صنمهم و معبودهم و [ عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حلف بالأمانة فليس منا ] رواه أبو داود و غيره و [ عنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حلف فقال إني بريء من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال و إن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما ]
و [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول : و الكعبة فقال : لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من حلف بغير الله فقد كفر و أشرك ] رواه الترمذي و حسنه ابن حبان في صحيحه و الحاكم و قال صحيح على شرطهم قال : و فسر بعض العلماء قوله [ كفر أو أشرك ] على التغليظ كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الرياء شرك ]
و قال صلى الله عليه و سلم : من حلف فقال في حلفه و اللات و العزى فليقل لا إله إلا الله و قد كان في الصحابة من هو حديث عهد بالحلف بها قبل إسلامه فربما سبق لسانه إلى الحلف بها فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يبادر بقوله : لا إله إلا الله ليكفر بذلك ما سبق إلى لسانه و بالله التوفيق
الكبيرة السادسة و العشرون : الظلم
بأكل أموال الناس و أخذها ظلما و ظلم الناس و الشتم و التعدي و الإستطالة على الضعفاء
قال الله تعالى : { و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء * و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال * و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم و ضربنا لكم الأمثال } و قال الله تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس } و قال الله تعالى : { و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }
و قال صلى الله عليه و سلم : [ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ] ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم : { و كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليم شديد }
و قال صلى الله عليه و سلم : [ من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ]
و قال صلى الله عليه و سلم عن ربه تبارك و تعالى : أنه قال : [ يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أتدرون من المفلس ؟ قالوا : يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام و حج فيأتي و قد شتم هذا و أخذ مال هذا و نبش عن عرض هذا و ضرب هذا و سفك دم هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار ] و هذه الأحاديث كلها في الصحاح و تقدم حديث : [ إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] و تقدم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمين : [ و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب ] و في الصحيح : [ من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة ]
و في بعض الكتب يقول الله تعالى : [ اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له ناصرا غيري ] و أنشد بعضهم :
( لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم يرجع عقباه إلى الندم )
( تنام عيناك و المظلوم منتبه ... يدعو عليك و عين الله لم تنم )
ومن الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها ونفقتها وكسوتها وهو داخل في قوله
لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء
و كان بعض السلف يقول : لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء و قال أبو هريرة رضي الله عنه : إن الحباري لتموت في وكرها هزالا من ظلم الظالم و قيل مكتوب في التوراة : ينادي مناد من وراء الجسر ـ يعني الصراط ـ يا معشر الجبابرة الطغاة و يا معشر المترفين الأشقياء إن الله يحلف بعزته و جلاله أن لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم عن جابر قال : لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟ فقال فتية كانوا منهم : بلى يا رسول الله بينما نحن يوما جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت المرأة على ركبتيها و انكسرت قلتها فلما قامت التفتت إليه ثم قالت : سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي و جمع الله الأولين و الآخرين و تكلمت الأيدي و الأرجل بما كانوا يكسبون سوف تعلم من أمري و أمرك عنده غدا قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم ؟ ]
( إذا ما الظلوم استوطأ مركبا ... و لج عتوا في قبيح اكتسابه )
( فكله إلى صرف الزمان و عدله ... سيبدو له ما لم يكن في حسابه )
خمسة غضب الله عليهمء
و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ خمسة غضب الله عليهم إن شاء أمضى غضبه عليهم في الدنيا و إلا أمر بهم في الآخرة إلى النار : أمير قوم يأخذ حقه من رعيته و لا ينصفهم من نفسه و لا يدفع الظلم عنهم و زعيم قوم يطيعونه و لا يساوي بين القوي و الضعيف و يتكلم بالهوى و رجل لا يأمر أهله و ولده بطاعة الله و لا يعلمهم أمر دينهم و رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل و لم يوفه أجرته و رجل ظلم امرأة صداقها ]
و عن عبد الله بن سلام قال : إن الله تعالى لما خلق الخلق و استووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم إلى السماء و قالوا : يا رب مع من أنت ؟ قال : مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه و عن وهب بن منبه قال : بني جبار من الجبابرة قصرا و شيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخا تأوي إليه فركب الجبار يوما و طاف حول القصر فرأى الكوخ فقال : لمن هذا ؟ فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهدم فجاءت العجوز فرأته مهدوما فقالت : من هدمه ؟ فقيل : الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء و قالت : يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت ؟ قال : فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من كان فيه فقلبه
و قيل لما حبس خالد بن برمك و ولده قال : يا أبتي بعد العز صرنا في القيد و الحبس فقال : يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها و لم يغفل الله عنها و كان يزيد بن حكيم يقول : ما هبت أحدا قط هيبتي رجلا ظلمته و أنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله يقول لي : حسبي الله : الله بيني و بينك
و حبس الرشيد أبا العتاهية الشاعر فكتب إليه من السجن هذين البيتين شعرا :
( أما و الله إن الظلم شوم ... و ما زال المسيء هو المظلوم )
( ستعلم يا ظلوم إذا التقينا ... غدا عند المليك من الملوم )
يجيء الظالم يوم القيامة
و عن أبي أمامة قال : يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم لقيه المظلوم و عرفه ما ظلمه به فما يبرح الذين ظلموا بالذين ظلموا حتى ينزعوا ما بأيديهم من الحسنات فإن لم يجدوا لهم حسنات حملوا عليهم من سيئاتهم مثل ما ظلموهم حتى يردوا إلى الدرك الأسفل من النار
و [ عن عبد الله بن أنيس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة أو أحد من أهل النار أن يدخل النار و عنده مظلمة أن أقصه حتى اللطمة فما فوقها و لا يظلم ربك أحد قلنا يا رسول الله كيف و إنما نأتي حفاة عراة فقال : بالحسنات و السيئات جزاء و لا يظلم ربك أحدا ] و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة ] و مما ذكر أن كسرى اتخذ مؤدبا لولده يعلمه و يؤدبه حتى إذا بلغ الولد الغاية في الفضل و الأدب استحضره المؤدب يوما و ضربه ضربا شديدا من غير جرم و لا سبب فحقد الولد على المعلم إلى أن كبر و مات أبوه فتولى الملك بعده فاستحضر المعلم و قال له : ما حملك على أن ضربتني في يوم كذا و كذا ضريا وجيعا من غير جرم و لا سبب فقال المعلم : اعلم أيها الملك أنك لما بلغت الغاية في الفضل و الأدب علمت أنك تنال الملك بعد أبيك فأردت أن أذيقك ألم الضرب و ألم الظلم حتى لا تظلم أحدا فقال : جزاك الله خيرا ثم أمر له بجائزة و صرفه
و من الظلم أخذ مال اليتيم و تقدم حديث معاذ بن جبل حين قال له رسول الله : واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب
و في رواية أن دعاء المظلوم يرفع فوق الغمام و يقول الرب تبارك و تعالى : و عزتي و جلالي لأنصرنك و لو بعد حين و أنشدوا شعرا :
( توق دعا المظلوم إن دعاءه ... ليرفع فوق السحب ثم يجاب )
( توق دعا من ليس بين دعائه ... و بين إله العالمين حجاب )
( و لا تحسبن الله مطرحا له ... و لا أنه يخفى عليه خطاب )
( فقد صح أن الله قال و عزتي ... لأنصر المظلوم و هو مثاب )
( فمن لك يصدق ذا الحديث فإنه ... جهول و إلا عقله فمصاب )
من أعظم الظلم المماطلة
فصل : و من أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ مطل الغني ظلم ] و في رواية [ لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته ] أي يحل شكايته و حبسه
فصل : و من الظلم أن يظلم المرأة حقها
فصل : و من الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها و نفقتها و كسوتها و هو داخل في قوله صلى الله عليه و سلم [ لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته ]
و عن بن مسعود رضي الله عنه قال : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينادي به على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه قال : فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها ثم قرأ : فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون قال فيغفر الله من حقه ما شاء و لا يغفر من حقوق الناس شيئا فينصب العبد للناس ثم يقول الله تعالى لأصحاب الحقوق : ائتوا إلى حقوقكم قال فيقول الله تعالى للملائكة : خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته فإن كان وليا لله و فضل له مثقال ذرة ضاعفها الله تعالى له حتى يدخله الجنة بها و إن كان عبدا شقيا و لم يفضل له شيء فتقول الملائكة : ربنا فنيت حسناته و بقي طالبوه فيقول الله : خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صك له صكا إلى النار و يؤيد ذلك ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أتدرون من المفلس ؟ فذكر أن المفلس من أمته من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا و أخذ مال هذا فيؤخذ من حسناته و لهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ]
فصل : و من الظلم أن يستأجر أجيرا أو إنسانا في عمل و لا يعطيه أجرته
فصل : و من الظلم أن يستأجر أجيرا أو إنسانا في عمل و لا يعطيه أجرته لما ثبت في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول الله تعالى : [ ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة و من كنت خصمه خصمته : رجل أعطى بي غدر و رجل باع حرا فأكل ثمنه و رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل و لم يعطه أجرته ] و كذلك إذا ظلم يهوديا أو نصرانيا أو نقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فهو داخل في قوله تعالى : أنا حجيجه ـ أو قال أنا خصمه ـ يوم القيامة و من ذلك أن يحلف على دين في ذمته كاذبا فاجرا لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة قيل : يا رسول الله و إن كان شيئا يسيرا ؟ قال و إن قضيبا من أراك ]
( فخف القصاص غدا إذا وفيت ما ... كسبت يداك اليوم بالقسطاس )
( في موقف ما فيه إلا شاخص ... أو مهطع أو مقنع للراس )
( أعضاؤهم فيه الشهود و سجنهم ... نار و حاكمهم شديد البأس )
( أن تمطل اليوم الحقوق مع الغنى ... فغدا تؤديها مع الإفلاس )
لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه
و قد روي أنه لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه خشية أن يطالبه بمظلمة ظلمه بها في الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلل منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته و إن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ثم طرح في النار ] و [ روى عبد الله بن أبي الدنيا بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أول من يختصم يوم القيامة الرجل و امرأته و الله ما يتكلم لسانها و لكن يداها و رجلاها يشهدان عليها بما كانت تعنث لزوجها في الدنيا و يشهد على الرجل يده و رجله بما كان يولي زوجته من خير أو شر ثم يدعى بالرجل و خدمه مثل ذلك فما يؤخذ منهم دوانيق و لا قراريط و لكن حسنات هذا الظالم تدفع إلى هذا المظلوم و سيئات هذا المظلوم تحمل على هذا الظالم ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد فيقال سوقوهم إلى النار ] و كان شريح القاضي يقول : سيعلم الظالمون حتى من انتقصوا أن الظالم ينتظر العقاب و المظلوم ينتظر النصر و الثواب
و روي أنه أراد الله بعبده خيرا سلط عليه من يظلمه و دخل طاوس اليماني على هشام بن عبد الملك فقال له : اتق الله يوم الأذان قال هشام : و ما يوم الأذان ؟ قال : قال الله تعالى : { فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين } فصعق هشام فقال طاوس : هذا ذا الصفة فكيف بذل المعاينة ؟ يا راضيا باسم الظالم كم عليك من المظالم ؟ السجن جهنم و الحق الحاكم !
لفصل : في الحذر من الدخول على الظلمة
فصل : في الحذر من الدخول على الظلمة و مخالطتهم و معونتهم قال الله تعالى { و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } و الركون ههنا السكون إلى الشيء و الميل إليه بالمحبة قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا تميلوا كل الميل في المحبة و لين الكلام و المودة و قال السدي و ابن زيد : لا تداهنوا الظلمة و قال عكرمة : هو أن يطيعهم و يودهم و قال أبو العالية : لا ترضوا بأعمالهم { فتمسكم النار } فيصيبكم لفحها { و ما لكم من دون الله من أولياء } و قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما لكم من مانع يمنعكم من عذاب الله { ثم لا تنصرون } لا تمنعون من عذابه و قال الله تعالى : { احشروا الذين ظلموا و أزواجهم } أي أشباههم و أمثالهم و أتباعهم [ و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سيكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون و يكذبون فمن دخل عليهم و صدقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس مني و لست منه و من لم يدخل عليهم و لم يعنهم على ظلمهم فهو مني و أنا منه ] و [ عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم من أعان ظالما سلط عليه ] و قال سعيد بن المسيب رحمه الله : لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة و قال مكحول الدمشقي : ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة و أعوانهم ؟ فما يبقى أحد مد لهم حبرا أو حبر لهم دواة أو بري لهم قلما فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم و جاء رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال : إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظلمة ؟ فقال سفيان بل أنت من الظلمة أنفسهم و لكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة و الخيوط
و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أول من يدخل النار يوم القيامة السواطون الذين يكون معهم الأسواط يضربون بها الناس بين يدي الظلمة ] و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : الجلاوزة و الشرط كلاب النار يوم القيامة الجلاوزة أعوان الظلمة
و قد روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن مر بني اسرائيل أن لا يتلو من ذكري فإني أذكر من ذكرني و أن ذكري إياهم أن ألعنهم و في رواية فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يقف أحدكم في موقف يضرب فيه رجل مظلوم فإن اللعنة تنزل على من حضر ذلك المكان إذا لم يدفعوا عنه ]
و روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أتى رجل في قبره فقيل له : إنا ضاربوك مائة ضربة فلم يزل يتشفع إليهم حتى صاروا إلى ضربة واحدة فضربوه فالتهب القبر عليه نارا فقال : لم ضربتموني هذه الضربة ؟ فقالوا : إنك صليت صلاة بلا طهور و مررت برجل مظلوم فلم تنصره ] فهذا حال من لم ينصر المظلوم مع القدرة على نصره فكيف حال الظالم ! ؟
و قد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال يا رسول الله : أنصره إذا كان مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟ تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ]
و مما حكي قال بعض العارفين : رأيت في المنام رجلا ممن يخدم الظلمة و المكاسين بعد موته بمدة في حالة قبيحة فقلت له ما أحوالك ؟ قال : شر حال فقلت : إلى أين صرت ؟ قال : إلى عذاب الله قلت : فما حال الظلمة عنده ؟ قال شر حال أما سمعت قول الله عز و جل : { و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } و مما حكي قال بعضهم رأيت رجلا مقطوع اليد من الكتف و هو ينادي من رآني فلا يظلمن أحدا فتقدمت إليه فقلت له : يا أخي ما قصتك ؟ قال : يا أخي قصة عجيبة و ذلك أني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوما صيادا و قد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني فجئت إليه فقلت : أعطني هذه السمكة فقال : لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتا لعيالي فضربته و أخذتها منه قهرا و مضيت بها قال : فبينا أنا أمشي بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية فلما جئت بها إلى بيتي و ألقيتها من يدي ضربت على إبهامي و آلمتني ألما شديدا حتى لم أنم من شدة الوجع و الألم و ورمت يدي فلما أصبحت أتيت الطبيب و شكوت إليه الألم فقال : هذه بدء الآكلة أقطعها و إلا تقطع يدك فقطعت إبهامي ثم ضربت على يدي فلم أطق النوم و لا القرار من شدة الألم فقيل لي : إقطع كفك فقطعته و انتشر الألم إلى الساعد و آلمني ألما شديدا و لم أطق القرار و جعلت أستغيث من شدة الألم : فقيل لي : اقطعها إلى المرفق فقطعتها فانتشر الألم إلى العضد و ضربت على عضدي أشد من الألم الأول فقيل اقطع يدك من كتفك و إلا سرى إلى جسدك كله فقطعتها فقال لي بعض الناس : ما سبب ألمك ؟ فذكرت قصة السمكة فقال لي : لو كنت رجعت في أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة و استحللت منه و أرضيته لما قطعت من أعضائك عضوا فاذهب الآن إليه و اطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك قال : فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته فوقعت على رجليه أقبلها و أبكي و قلت له : يا سيدي سألتك بالله إلا عفوت عني فقال لي : و من أنت ؟ قلت : أنا الذي أخذت منك السمكة غصبا و ذكرت ما جرى و أريته يدي فبكى حين رآها ثم قال : يا أخي قد أحللتك منها لما قد رأيته بك من هذا البلاء فقلت : يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي لما أخذتها ؟ قال : نعم قلت : اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على ما رزقتني ظلما فأرني قدرتك فيه فقلت : يا سيدي قد أراك الله قدرته في و أنا تائب إلى الله عز و جل عما كنت عليه من خدمة الظلمة و لا عدت أقف لهم على باب و لا أكون من أعوانهم ما دمت حيا إن شاء الله و بالله التوفيق
موعظة كم أخرج الموت نفسا من دارها لم يدارها
موعظة : إخواني كم أخرج الموت نفسا من دارها لم يدارها و كم أنزل أجسادا بجارها لم يجارها و كم أجرى العيون كالعيون بعد قرارها ـ شعر :
( يا معرضا بوصال عيش ناغم ... ستصد عنه طائعا أو كارها )
( إن الحوادث تزعج الأحرار عن ... أوطانها و الطير عن أوكارها )
أين من ملك المغارب و المشارق
أين من ملك المغارب و المشارق و عمر النواحي و غرس الحدائق و نال الأماني و ركب العوائق ؟ صاح به من داره غراب بين ناعق و طرقه في لهوه أقطع طارق و زجرت عليه رعود و صواعق و حل به ما شيب بعض المفارق و قلاه الحبيب الذي لم يفارق و هجره الصديق و الرفيق الصادق و نقل من جوار المخلوقين إلى جوار الخالق نازله و الله الموت فلم يحاشه و أذله بالقهر بعد عز جاشه و أبدله خشن التراب بعد لين فراشه و مزقه الدود في قبره كتمزيق قماشه و بقي في ضنك شديد من معاشه و بعد عن الصديق فكأنه لم يماشه ما نفعه و الله الإحتراز و لا ردت عنه الركاز بل ضره من الزاد الأعواز و صار و الله عبرة للمجتاز و قطع شاسعا من السبل الأوفاز و بقي رهينا لا يدري أهلك أم فاز و هذا لك بعد أيام و ما أنت فيه الآن أحلام و دنياك لا تصلح و ما سمعت ستراه غدا على التمام و يقع لي ولك ويحك ! أما يؤثر فيك الكلام ؟
الكبيرة السابعة و العشرون : المكاس
و هو داخل في قول الله تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم }
و المكاس من أكبر أعوان الظلمة بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا يستحق و يعطيه لمن لا يستحق و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ المكاس لا يدخل الجنة ] و قال صلى الله عليه و سلم : لا يدخل الجنة صاحب مكس [ رواه أبو داود و ما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد و من أين للمكاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم ؟ إنما يأخذون من حسناته إن كان له حسنات ! و هو داخل في قول النبي صلى الله عليه و سلم : ] أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع إن المفلس من أمتي من يأتي بصلاة و زكاة و صيام و حج و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا و أخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار [
و في حديث المرأة التي طهرت نفسها بالرجم : لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له أو لقبلت منه و المكاس من فيه شبه من قاطع الطريق و هو من اللصوص و جابي المكس و كاتبه و شاهده و آخذه من جندي و شيخ و صاحب رواية شركاء في الوزر آكلون للسحت و الحرام و صح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ] لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت النار أولى به [ و السحت : كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار
و ذكره الواحدي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى : { قل لا يستوي الخبيث و الطيب } و عن جابر أن رجلا قال : يا رسول الله إن الخمر كانت تجارتي و إني جمعت من بيعها مالا فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله تعالى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ] إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة إن الله لا يقبل إلا الطيب فأنزل الله تعالى تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
{ قل لا يستوي الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبيث }
قال عطاء و الحسن : الحلال و الحرام فنسأل الله العفو و العافية
موعظة : من حصن الحصون المشيدة
موعظة : أين من حصن الحصون المشيدة و احترس و عمر الحدائق فبالغ و غرس و نصب لنفسه سرير العز و جلس و بلغ المنتهى و رأى الملتمس و ظن في نفسه البقاء و لكن خاب الظن في النفس أزعجه و الله هازم اللذات و اختلس و نازله بالقهر فأنزله عن الفرس و وجه به إلى دار البلاء فانطمس و تركه في ظلام ظلمة من الجهل و الدنس فالعاقل من أباد أيامه فإن العواقب في خلس ينظر :
( تبني و تجمع و الآثار تندرس ... و تأمل اللبث و الأعمار تختلس )
( ذا اللب فكر فما في العيش من طمع ... لا بد ما ينتهي أمر و ينعكس )
( أين الملوك و أبناء الملوك و من ... كانوا إذا الناس قاموا هيبة جلسوا )
( و من سيوفهم في كل معترك ... تخشى و دونهم الحجاب و الحرس )
( أضحكوا بمهلكة في وسط معركة
... صرعى و صاروا ببطن الأرض و انطمسوا )
( و عمهم حدث و ضمهم جدث ... بأتوافهم جثث في الرمس قد حبسوا )
( كأنهم قط ما كانوا و ما خلقوا ... و مات ذكرهم بين الورى و نسوا )
( و الله لو عاينت عيناك ما صنعت ... أيدي البلا بهم و الدود يفترس )
( لعاينت منظرا تشجى القلوب له ... و أبصرت منكرا من دونه البلس )
( من أوجه ناضرات حار ناظرها ... في رونق الحسن منها كيف ينطمس )
( و أعظم باليات ما بها رمق ... و ليس تبقى لهذا و هي تنتهس )
( و السن ناطقات زانها أدب ... ما شأنها شأنها بالافة الخرس )
( حتام يا ذا النهي لا ترعوي سفها ... و دمع عينيك لا يهمي و ينبجس )
موعظة : يا من يرحل في كل يوم مرحلة
موعظة : يا من يرحل في كل يوم مرحلة و كتابه قد حوى حتى الخردلة ما ينتفع بالنذير و النذر متصلة و لا يصغي إلى ناصح و قد عذله و دروعه مخرقه و السهام مرسلة و نور الهدى قد بدا و لكن ما رآه و لا تأمله و هو يؤمل البقا و يرى مصير من قد أمله قد انعكف بعد الشيب على العيب بصبابة و وله كن كيف شئت فبين يديك الحساب و الزلزلة و نعم جلدك فلا بد للديدان أن تأكله
فيا عجبا من فتور مؤمن موقن بالجزاء و المسألة استيقن من غرور وبله و يحك يا هذا من استدعاك و فتح منزله فقد أولاك لو علمت منزله فبادر ما بقي من عمرك و استدرك أوله فبقية عمر المؤمن جوهرة قيمة
الكبيرة الثامنة و العشرون : أكل الحرام و تناوله على أي وجه كان
قال الله عز و جل : { و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }
أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني باليمين الباطلة الكاذبة يقتطع بها الرجل مال أخيه بالباطل و الأكل بالباطل على وجهين أحدهما أن يكون على جهة الظلم نحو الغصب و الخيانة و السرقة والثاني على جهة الهزل و اللعب كالذي يؤخذ في القمار و الملاهي و نحو ذلك و في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] و في صحيح مسلم حين ذكر النبي صلى الله عليه و سلم : [ الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ] و [ عن أنس رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله : ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال صلى الله عليه و سلم : يا أنس أطب كسبك تجب دعوتك فإن الرجل ليرفع اللقمة من الحرام إلى فيه فلا يستجاب له دعوة أربعين يوما ] و روى البيهقي باسناده إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم و إن الله يعطي الدنيا من يحب و من لا يحب و لا يعطي الدين إلا من يحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه و لا يكسب عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له فيه و لا يتصدق منه فيقبل منه و لا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السيء بالسيء و لكن يمحو السيء بالحسن ] و [ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الدنيا حلوة خضرة من اكتسب فيها مالا من حله و أنفقه في حقه أثابه الله و أورثه جنته و من اكتسب فيها مالا من غير حله و أنفقه في غير حقه أدخله الله تعالى دار الهوان و رب متخوض فيما اشتهت نفسه من الحرام له النار يوم القيامة ] و جاء عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أي باب أدخله النار ] و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لأن يجعل أحدكم في فيه ترابا خير من أن يجعل في فيه حراما ] و قد روي عن يوسف بن أسباط رحمه الله قال : إن الشاب إذا تعبد قال الشيطان لأعوانه : انظروا من أين مطعمه فإن كان مطعم سوء قال : دعوه يتعب و يجتهد فقد كفاكم نفسه إن إجهاده مع أكل الحرام لا ينفعه و يؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه و سلم [ عن الرجل الذي مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟ ] و قد روي في حديث أن ملكا على بيت المقدس ينادي كل يوم و كل ليلة : من أكل حراما لم يقبل الله منه صرفا و لا عدلا الصرف : النافلة و العدل : الفريضة و قال عبد الله بن المبارك : ( لأن أرد درهما من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف و مائة ) و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من حج بمال حرام فقال لبيك قال ملك : لا لبيك و لا سعديك حجك مردود عليك ] و روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من اشترى ثوبا بعشرة دراهم و في ثمنه درهم من حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه ] و قال وهب بن الورد : لو قمت قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك أحلال أم حرام و قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( لا يقبل الله صلاة امرىء و في جوفه حرام حتى يتوب إلى الله تعالى منه ) و قال سفيان الثوري : من أنفق الحرام في الطاعة كمن طهر الثوب بالبول و الثوب لا يطهره إلا الماء و الذنب لا يكفره إلا الحلال و قال عمر رضي الله عنه : ( كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام ) و [ عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام ] و عن زيد بن أرقم قال : كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ـ أي قد كاتبه على مال ـ و كان يجيئه كل يوم بخراجه فيسأله : من أين أتيت بها ؟ فإن رضيه أكله و إلا تركه قال فجاءه ذات ليلة بطعام و كان أبو بكر صائما فأكل منه لقمة و نسي أن يسأله ثم قال له : من أين جئت بهذا ؟ فقال : كنت تكهنت لأناس بالجاهلية و ما كنت أحسن الكهانة إلا أني خدعتهم فقال أبو بكر : أف لك كدت تهلكني ! ثم أدخل يده في فيه فجعل يتقيأ و لا يخرج فقيل له : إنها لا تخرج إلا بالماء فدعا بماء فجعل يشرب و يتقيأ حتى قاء كل شيء في بطنه فقيل له : يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة ؟ فقال رضي الله عنه : لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ] فخشيت أن ينبت بذلك في جسدي من هذه اللقمة و قد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم : [ لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام ] و إسناده صحيح قال العلماء رحمهم الله : و يدخل في هذا الباب : المكاس و الخاتن و الزغلي و السارق و البطال و آكل الربا و موكله و آكل مال اليتيم و شاهد الزور و من استعار شيئا فجحده و آكل الرشوة و منقص الكيل و الوزن و من باع شيئا فيه عيب فغطاه و المقامر و الساحر و المنجم و المصور و الزانية و النائحة و العشرية و الدلال إذا أخذ أجرته بغير إذن من البائع و مخبر المشتري بالزائد و من باع حرا فأكل ثمنه
فصل يؤتى يوم القيامة بأناس معهم من الحسنات كأمثال جبل تهامة
( فصل ) روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ يؤتى يوم القيامة بأناس معهم من الحسنات كأمثال جبل تهامة حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباء منثورا ثم يقذف بهم في النار فقيل يا رسول الله : كيف ذلك ؟ قال : كانوا يصلون و يصومون و يزكون و يحجون غير أنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه فأحبط الله أعمالهم ] و عن بعض الصالحين أنه رؤي بعد موته في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : خيرا غير أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها فلم أردها فنسأل الله تعالى العفو و العافية و التوفيق لما يحب و يرضى إنه جواد كريم رءوف رحيم
موعظة الليالي و الأيام تهدم الآجال
( موعظة ) عباد الله أما الليالي و الأيام تهدم الآجال ؟ أما مآل المقيم في الدنيا إلى زوال أما آخر الصحة يؤول إلى الإعتلال أما غاية السلامة نقصان الكمال أما بعد استقرار المنى هجوم الآجال أما أنبئتم عن الرحيل و قد قرب الإنتقال أما بانت لكم العبر و ضربت لكم الأمثال ؟
( و عزيز ناعم ذل له ... كل صعب المرتقى وعر المرام )
( فكساه بعد لين ملبس ... خشنا بالرغم منه في الرغام )
( و وجوه ناضرات بدلت ... بعد لون الحسن لونا كالقتام )
( و شموس طالعات أفلت ... بعد ذاك النور منها بالظلام )
( و منيف شامخ بنيانه ... لين الأعطاف مهتز القوام )
( أف للدنيا فما شيمتها ... غير نقض العقد أو خفر الذمام )
( فاستعدوا الزاد تنجوا و اعملوا ... صالحا من قبل تقويض الخيام )
يا متعلقا بزخرف يروق بقاؤه كلمح البروق يا مضيعا في الهوى واجبات الحقوق تبارز الخالق و تستحي من المخلوق ؟ يا مؤثرا أعلى العلالي ساترا ذلك الفسوق ألا سترى ذلك الفسوق ! يا متولها مهاد الهوى و هو في سجن الردى مرموق إبك على نفسك العليلة فإنك بالبكاء محقوق عجبا لمن رأى فعل الموت لصحبه و أيقن بتلفه و ما قضى نحبه و سكن الإيمان بالآخرة في قلبه و نام غافلا على جنبه و نسي جزاءه على جرمه و ذنبه و أعرض إلى ربه من الهوى عن ربه كأني به و قد سقي كأس حمام يستغيث من شربه و أفرده الموت عن أهله و سربه و نقله إلى قبره ذل فيه بعد عجبه فياذا اللب جز على قبره و عج به لقد خرقت المواعظ المسامع و ما أراه انتفع به السامع لقد بدا نور المطالع لكنه أعمى المطالع و لقد بانت العبر بآثار الغير لمن اغتر بالمصارع فما بالها لا تسكب المدامع ؟ يا عجبا لقلب عند ذكر الحق غير خاشع لقد نشبت فيه مخالب المطامع يا من شيبه قد أتى هل ترى ما مضى من العمر براجع ؟ انتبه لما بقي و انته و راجع فالهول عظيم و الحساب شديد و الطريق شاسع إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع
الكبيرة التاسعة و العشرون : أن يقتل الإنسان نفسه
قال الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا }
قال الواحدي في تفسير هذه الآية : و لا تقتلوا أنفسكم أي لا يقتل بعضكم بعضا لأنكم أهل دين واحد فأنتم كنفس واحدة هذا قول ابن عباس و الأكثرين و ذهب قوم إلى أن هذا النهي عن قتل الإنسان نفسه و يدل على صحة هذا ما أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري بإسناده عن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة و أنا في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت فصليت بأصحابي الصبح فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا عمرو صليت بأصحابك و أنت جنب ؟ فأخبرته الذي منعني من الإغتسال فقلت أني سمعت الله يقول : { و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يقل شيئا فدل هذا الحديث على أن عمرو تأول هذه الآية هلاك نفسه لا نفس غيره و لم ينكر ذلك عليه النبي صلى الله عليه و سلم قوله { و من يفعل ذلك } كان ابن عباس يقول : الإشارة تعود إلى كل ما نهى عنه من أول السورة إلى هذا الموضع و قال قوم الوعيد راجع إلى أكل المال بالباطل و قتل النفس المحرمة و قوله تعالى : { عدوانا و ظلما } مع العدوان أن يعدو ما أمر الله به { و كان ذلك على الله يسيرا } أي أنه قادر على إيقاع ما توعد به من إدخال النار و عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحذ بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ] مخرج في الصحيحين و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا و من قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا و من نزل من جبل فقتل نفسه فهو ينزل في نار جهنم خالدا فيها أبدا ] مخرج في الصحيحين و في حديث ثابت بن الضحاك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لعن المؤمن كقتله و من قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله و من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة ] و في الحديث الصحيح [ عن الرجل الذي آلمته الجراح فاستعجل الموت فقتل نفسه بذباب سيفه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو من أهل النار ] فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا و أن يعيذنا من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا إنه جواد كريم غفور رحيم
موعظة كيف تظن أعمالك مشيدة و أنت تعلم أنها مكيدة
( موعظة ) ابن آدم كيف تظن أعمالك مشيدة و أنت تعلم أنها مكيدة ؟ و كيف تترك معاملة المولى و تعلم أنها مفيدة ؟ و كيف تقصر في زادك و قد تحققت أن الطريق بعيدة ؟ يا معرضا عنا إلى متى هذا الجفا و الإعراض ؟ يا غافلا عن الموت و العمر لا شك في انقراض يا مغترا في أمله و أيدي المنايا في أجله تقرضه بمقراض يا مغرورا بصحته و بدنه كل يوم في انتقاص يا من يفني كل يوم بعضه ستفنى و الله الأبعاض يا غافلا عن الزاد و قد أنذره بعد السواد البياض يا قليل الإحتراس و نبل المنايا طوال عراض يا من يساق إلى موارد التلف و قد نزحت الحياض يا ضاحكا و عيون الفنا غير غماض لمن هذه الأوقات بين يديه كيف يقدر جفنه على الأغماض !
الكبيرة الثلاثون : الكذب في غالب أقواله
قال الله تعالى : { فنجعل لعنة الله على الكاذبين } و قال الله تعالى : { قتل الخراصون } أي الكاذبون و قال الله تعالى : { إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب }
و في الصحيحين [ عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الصدق يهدي إلى البر و إن البر يهدي إلى الجنة و ما يزال الرجل يصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا و إن الكذب يهدي إلى الفجور و إن الفجور يهدي إلى النار و ما يزال الرجل يكذب و يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ] و في الصحيحين أيضا أنه صلى الله عليه و سلم قال : [ آية المنافق ثلاث و إن صلى و صام و زعم أنه مسلم : إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا ائتمن خان ] و قال عليه الصلاة و السلام : [ أربع من كن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه خصلة منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجر ] و في صحيح البخاري في حديث منام النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ فأتينا على رجل مضطجع لقفاه و آخر قائم عليه بكلوب من حديد يشرشر شدقه إلى قفاه و عيناه إلى قفاه ثم يذهب إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل في الجانب الأول فما يرجع إليه حتى يصح مثل ما كان فيفعل به كذلك إلى يوم القيامة فقلت لهما : من هذا ؟ فقالا : إنه كان يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ يطبع المؤمن على كل شيء ليست الخيانة و الكذب ] و في الحديث : [ إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ ثلاثة لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : شيخ زان و ملك كذاب و عائل مستكبر ] العائل : الفقير و قال صلى الله عليه و سلم : [ ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به الناس فيكذب ويل له ويل له ويل له ] و أعظم من ذلك الحلف كما أخبر الله تعالى عن المنافقين بقوله : { و يقولون على الله الكذب و هم يعلمون } و في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : رجل على فضل ما يمنعه ابن السبيل و رجل بايع رجلا سلعة فحلف بالله لأخذتها بكذا و كذا فصدقه و أخذها و هو على غير ذلك و رجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها وفى له و إن لم يعطه لم يف له ] و قال صلى الله عليه و سلم [ كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق و أنت له به كاذب ] و في الحديث أيضا : [ من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين و ليس بعاقد ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ فرى الفرى على الله أن يري الرجل عينيه ما لم تريا ] معناه أن يقول رأيت في منامي كيت و كيت و لم يكن رأى شيئا و قال ابن مسعود رضي الله عنه : لا يزال العبد يكذب و يتحرى الكذب حتى ينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكاذبين
فينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة فإن في السكوت سلامة و السلامة لا يعدلها شيء و في صحيح البخاري [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ] فهذا الحديث المتفق على صحته نص صريح في أنه لا ينبغي للإنسان أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرا و هو الذي ظهرت مصلحته للمتكلم قال أبو موسى قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل ؟ قال : [ من سلم المسلمون من لسانه و يده ] و في الصحيحين : [ إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ـ أي ما يفكر فيها بأنها حرام ـ يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق و المغرب ] و في موطأ الإمام مالك من رواية بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى بها له رضوانه إلى يوم يلقاه و إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ] و الأحاديث الصحيحة بنحو ما ذكرنا كثيرة و فيما أشرنا إليه كفاية و سئل بعضهم : كم وجدت في ابن آدم من العيوب ؟ فقال : هي أكثر من أن تحصى و الذي أحصيت ثمانية آلاف عيب و وجدت خصلة إن استعملها سترت العيوب كلها و هي حفظ اللسان جنبنا الله معاصيه و استعملناه فيما يرضيه إنه جواد كريم
موعظة لا شيء أعز عليك من عمرك
( موعظة ) أيها العبد : لا شيء أعز عليك من عمرك و أنت تضيعه و لا عدو لك كالشيطان و أنت تطيعه و لا أضر من موافقة نفسك و أنت تصافيها و لا بضاعة سوى ساعات السلامة و أنت تسرف فيها لقد مضى من عمرك الأطايب فما بقي بعد شيب الذوائب ؟ يا حاضر البدن و القلب غائب اجتماع العيب الشيب من جملة المصائب يمضي زمن الصبا و حب الحبائب كفى زاجرا واعظا تشيب منه الذوائب يا غافلا فإنه أفضل المناقب أين البكا لخوف العظيم الطالب أين الزمان الذي ضاع في الملاعب ؟ نظرت فيه آخر العواقب كم في القيامة مع دمع ساكب على ذنوب قد حواها كتاب الكاتب ! من لي إذا قمت في موقف المحاسب و قيل لي : ما صنعت في كل واجب ؟
كيف ترجو النجاة و تلهو باسر الملاعب إذا أتتك الأماني بظن الكاذب الموت صعب شديد مر المشارب يلقي شره بكأس صدور الكتائب فانظر لنفسك و انتظر قدوم الغائب يأتي بقهر و يرمي بسهم صائب يا آملا أن تبقى سليما من النوائب بنيت بيتا كنسيج العناكب أين الذين علوا متون الركايب ضاقت بهم المنايا سبل المذاهب و أنت بعد قليل حليف المصايب فانظر و تفكر و تدبر قبل العجايب