مباحث الصلاة حكمة مشروعيتها و تعريفها وما بتعلق بها
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات
- كتاب الصلاة
- حكمة مشروعيتها
- تعريف الصلاة
- أنواع الصلاة
- شروط الصلاة
- دليل فرضية الصلاة وعدد الصلوات المفروضة
- مواقيت الصلاة المفروضة
- ما تعرف به أوقات الصلاة
- مبحث المبادرة بالصلاة في أول وقتها وبيان الأوقات التي لا تجوز فيها الصلاة
- مبحث ستر العورة في الصلاة
- انكشاف العورة في الصلاة
- ستر العورة خارج الصلاة
- حكم النظر الي العورة
- حد عورة الصغير
- مباحث استقبال القبلة
- تعريف القبلة
- دليل اشتراط استقبال القبلة
- مبحث ما تعرف به القبلة
- إذا اجتهد ثم أخطأ
- تعرف القبلة
- كيف يستدل الشمس، أو بالنجم القطبي على القبلة
- شروط وجوب استقبال القبلة
- مبحث الصلاة في جوف الكعبة
- مبحث صلاة الفرض في السفينة، وعلى الدابة، ونحوها
- مباحث فرائض الصلاة
- معنى الفرض والركن
- حكم النية في الصلاة المفروضة
- كيفية النية في الصلاة المفروضة
- حكم استحضار الصلاة المنوية وشروط النية
- حكم التلفظ بالنية، ونية الأداء أو القضاء أو نحو ذلك
- نية الأداء والقضاء
- حكم النية في الصلاة غير المفروضة وكيفيتها
- وقت النية في الصلاة
- نية الإمام ونية المأموم
- الفرض الثاني من فرائض الصلاة: تكبيرة الإحرام
- حكمها - تعريفها
- دليل فرضية تكبيرة الإحرام
- صفة تكبيرة الإحرام
- شروط تكبيرة الإحرام
- الفرض الثالث من فرائض الصلاة: القيام
- الفرض الرابع من فرائض الصلاة: قراءة الفاتحة
- الفرض الخامس من فرائض الصلاة: الركوع
- لفرض السادس من فرائض الصلاة: السجود
- شروطه
- موضع الجبهة غير مرتفع عن موضع الركبتين في السجود
- الفرض السابع: الرفع من الركوع، الثامن: الرفع من السجود، التاسع: الاعتدال، العاشر: الطمأنينة
- الحادي عشر من فرائض الصلاة: القعود الأخير
- الثاني عشر من فرائض الصلاة: التشهد الأخير
- الثالث عشر من فرائض الصلاة: السلام الرابع عشر: ترتيب الأركان
- الخامس عشر من فرائض الصلاة : الجلوس بين السجدتين
- مباحث سنن الصلاة
- مباحث مندوبات الصلاة
- سترة المصلي
- شروط سترة المصلي
- حكم المرور بين يدي المصلي
- يجوز مرور من يطوف بالبيت بين يدي المصلي
- القدر الذي يحرم المرور فيه بين يدي المصلي
- دفع المصلي المارّ بين يديه بالإشارة بالعين أو الرأس أو اليد
- مباحث مكروهات الصلاة
- مباحث ما يكره فعله في المساجد وما لا يكره
- مباحث مبطلات الصلاة
- إذا صلت المرأة جنب الرجل أو أمامه، وهي مقتدية، ويعبر عن ذلك بالمحاذاة
- شرح مبطلات الصلاة التكلم بكلام أجنبي عنها عمداً
- التكلم في الصلاة بكلام أجنبي سهواً أو جهلاً
- التكلم عمداً لإصلاح الصلاة
- الكلام في الصلاة لإنقاذ الأعمى والكلام خطأً
- التنحنح في الصلاة
- الأنين والتأوه في الصلاة
- الدعاء في الصلاة بما يشبه الكلام الخالاج عنها
- إرشاد المأموم لغير إمامه في الصلاة، ويقال له: الفتح على الإمام
- التسبيح في الصلاة لإرشاد الإمام أو للتنبيه على أنه في الصلاة أو نحو ذلك
- تشميت العاطس في الصلاة
- ذا رد السلام وهو يصلي
- التثاؤب والعطاس والسعال في الصلاة
- العمل الكثير في الصلاة، وهو ليس من جنسها
- التحول عن القبلة والأكل والشرب في الصلاة
- إذا طرأ على المصلي ناقض الوضوء وهو في الصلاة
- إذا سبق المأموم إمامه بركن من أركان الصلاة
- إذا وجد المتيمم ماء قدر على استعماله وهو في الصلاة
- إذا يجد العريان ثوباً ساتراً لعورته أثناء الصلاة
- إذا تذكر أنه لم يصل الظهر، وهو في صلاة العصر، ونحو ذلك
- إذا تعلم شخص آية في الصلاة
- إذا سلم عمداً قبل تمام الصلاة
- مباحث صلاة التطوع
- الذكر الوارد عقب الصلاة وختم الصلاة
- صلاة الضحى وتحية المسجد
- تحية المسجد
- تحية المسجد الحرام
- صلاة ركعتين عقب الوضوء وعند الخروج للسفر، أو القدوم منه
- التهجد بالليل وركعتا الاستخارة
- صلاة قضاء الحوائج
- صلاة الوتر
- صلاة التراويح
- صلاة العيدين
- صلاة الاستسقاء
- صلاة كسوف الشمس
- صلاة خسوف القمر، والصلاة عند الفزع
- مباحث الأوقات التي نهى الشارع عن الصلاة فيها
- صلاة النافلة في الأوقات المنهية
- قضاء النافلة إذا فات وقتها أو فسدت بعد الشروع
- هل تصلي النافلة في المنزل أو في المسجد؟
- صلاة النفل على الدابة
- مباحث قصر الصلاة الرباعية للمسافر
- حكم قصر الصلاة للمسافر
- دليل حكم قصر الصلاة
- شروط صحة القصر: مسافة السفر التي يصح فيها القصر
- شروط صحة القصر: نية السفر
- حكم قصر الصلاة في السفر المحرم والمكروه
- المكان الذي يبدأ فيه المسافر صلاة القصر
- اقتداء المسافر بالمقيم
- نية القصر
- ما يمنع القصر: نية الإقامة
- ما يبطل به القصر، وبيان الوطن الأصلي وغيره
- مباحث الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً
- مباحث الجمعة
- حكم الجمعة، ودليله
- وقت الجمعة، ودليله
- متى يجب السعي لصلاة الجمعة، ويحرم البيع؟، الأذان الثاني
- تعدد المساجد التي تقام فيها الجمعة
- هل تصح صلاة الجمعة في الفضاء؟
- الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بها
- أركان خطبتي الجمعة
- شروط صحة الخطبة
- السفر يوم الجمعة
- مندوبات الجمعة
- مباحث الإمامة (صلاة الجماعة) في الصلاة
- تعريف الإمامة في الصلاة، وبيان العدد الذي تتحقق به
- حكم الإمامة في الصلوات الخمس، ودليله
- حكم الإمامة في صلاة الجمعة والجنازة والنوافل
- صلاة الجماعة في صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ووتر رمضان
- شروط الإمامة: الإسلام
- إمامة النساء
- ا لعقل
- ا قتداء القارئ بالأمي
- سلامة الإمام من الأعذار كسلس البول
- طهارة الإمام من الحدث والخبث
- إمامة من بلسانه لثغ ونحوه
- إمامة المقتدي بإمام آخر
- لصلاة وراء المخالف في المذاهب
- تقدم المأموم على إمامه وتمكن المأموم من ضبط أفعال الإمام
- نية المأموم الاقتداء، ونية الإمام الإمامة
- نية الإمام الإمامة
- اقتداء المفترض بالمتنفل
- متابعة المأموم لإمامه في أفعال الصلاة
- اقتداء مستقيم الظهر بالمنحني
- اتحاد فرض الإمام والمأموم
- الأعذار التي تسقط بها الجماعة
- من له التقدم في الإمامة
- مبحث مكروهات الإمامة: إمامه الفاسق والأعمى
- اقتداء المتوضئ بالمتيمم وغير ذلك
- كيف يقف المأموم مع إمامه
- مساواة الصف وسد الفرج
- إعادة صلاة الجماعة
- تكرار الجماعة في المسجد الواحد
- ما تدرك به الجماعة، والجماعة في البيت
- إذا فات المقتدي بعض الركعات أو كلها
- الاستخلاف في الصلاة
- تعريفه - وحكمه مشروعيته
- سبب الاستخلاف
- حكم الاستخلاف في الصلاة
- شرط صحة الإستخلاف
- االعودة إلي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
كتاب الصلاة
حكمة مشروعيتها
* ما تقدم من مباحث الطهارة إنما هو وسيلة للصلاة، وقد علمت أن هذه الوسائل كلها منافع للمجتمع الإنساني؛ لأن مدارها على نظافة الأبدان؛ وطهارة أماكن العبادة من الأقذار التي تنشأ عنها الأمراض والروائح القذرة، نعم إن في بعض الوسائل ما قد يخلو عن هذا المعنى، ولكن ذلك لحكمة ظاهرة: وهي أن الغرض من العبادات إنما هو الخشوع للّه سبحانه باتباع أوامره واجتناب نواهيه، أما الصلاة فهي أهم أركان الدين الإسلامي؛ فقد فرضها اللّه سبحانه على عباده ليعبدوه وحده، ولا يشركوا معه أحداً من خلقه في عبادته، قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} أي فرضاً محدوداً بأوقات لا يجوز الخروج عنها، وقال عليه الصلاة والسلام: "خمس صلوات كتبهّن اللّه على العباد؛ فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند اللّه عهد أن يدخله الجنة" وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم شأن الصلاة، والحث على أدائها في أوقاتها: والنهي عن الاستهانة بأمرها والتكاسل عن إقامتها؛ فمن ذلك قوله صلى اللّه عليه وسلم: "مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر عذب غمر، بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون ذلك يبقى من درنه؟ قالوا: لا شيء، قال صلى اللّه عليه وسلم: "فإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن" ومعنى ذلك أن الصلوات الخمس تطهر النفوس؛ وتنظفها من الذنوب والآثام، كما أن الاغتسال بالماء النقي خمس مرات في اليوم يطهر الأجسام وينظفها من جميع الأقذار.
وسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الأعمال أفضل: قال: "الصلاة لمواقيتها" فالصلاة هي أفضل أعمال الإسلام، وأجلها قدراً، وأعظمها شأناً؛ وكفى بذلك حثاً على أدائها في أوقاتها.
أما ترهيب تاركها وتخويفه؛ فيكفي فيه قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له" وقوله: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" وفي هذا الحديث زجر شديد للمسلم الذي يتسلط عليه الكسل فيحمله على ترك الصلاة التي يمتاز بها عن الكافر، حتى قال بعض أئمة المالكية: إن تارك الصلاة عمداً كافر وعلى كل حال فقد أجتمعوا على أنها ركن من أركان الإسلام، فمن تركها فقد هدم ركناً من أقوى أركانه. وينبغي أن يعرف الناس أن الغرض الحقيقي من الصلاة إنما هو غشعار القلب بعظمة الإله الخالق حتى يكون منه على وجل فيأتمر بأمره، وينتهي عما نهاه عنه، وفي ذلك الخير كله للنوع الإنساني، لأن من يفعل الصالحات ويجتنب السيئات لا يصدر عنه للناس الا المنفعة والخير، أما الذين يأتي بالصلاة وقلبه غافل عن ربه، مشغول بشهواته النفسانية، وملاذه الجسمانية، فإن صلاته، وإن أسقطت عنه الفرض عند بعض الأئمة، ولكنها في الحقيقة لم تثمر الثمرة المطلوبة منها، إنما الصلاة الكاملة هي التي قال اللّه في شأنها: {قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتها خاشعون}.
فالغرض الحقيقي من الصلاة، إنما هو تعظيم الإله فاطر السموات والأرض بالخشوع له والخضوع لعظمته الخالدة، وعزته الأبدية، فلا يكون المرء مصلياً لربه حقاً الا إذا كان قلبه حاضراً مملوءاً بخشية اللّه وحده، فلا يغيب عن مناجاته بالوساوس الكاذبة أو الخواطر الضارة، ومن ي قف بين يدي خالقه وقلبه على هذه الحالة ذليلاً خاشعاً، خائفاً وجلاً من جلال ذلك الخالق القادر القاهر، ذي السطوة التي لا تحدّ، والمشيئة التي لا تردّ، فإنه بذلك يكون تائباً من ذنبه، منيباً إلى ربه، وتصلح أعماله الظاهرة والباطنة، وتقوى علاقته بربه، ويستقيم مع عبادته تعالى، ويقف عند حدود الدين، وينتهي عما نهاه عنه رب العالمين. كما قال: {إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر} وبذلك يكون من المسلمين حقاً.
فالصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر، وهي تلك الصلاة التي يكون العبد فيها معظماً ربه، خائفاً منه، راجياً رحمته، فحظ كل واحد من صلاته إنما هو بقدر خوفه من اللّه، وتأثر قلبه بخشيته، لأن اللّه سبحانه إنما ينظر إلى قلوب عباده لا إلى صورهم الظاهرة، ولذا قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكرى}، ومن غفل قلبه عن ربه لا يكون ذاكراً له، فلا يكون مصلياً صلاة حقيقية، وقال صلى اللّه عليه وسلم: "لا ينظر اللّه إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه".
فهذه هي الصلاة في نظر الدين، وهي بهذا المعنى لها أحسن الأثر في تهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق، فإن في كل جزء من أجزائها تمريناً على فضيلة من الفضائل الخلقية، وتعويداً على صفة من الصفات الحميدة، وإليك جملة من أعمال الصلاة وآثارها في تهذيب النفوس:
أولاً: النية، وهي عزم القلب على امتثال أمر اللّه تعالى بأداء الصلاة كاملة، كما أمر بها اللّه مع الإخلاص له وحده، ومن يفعل ذلك في اليوم والليلة خمس مرات، فلا ريب في أن الإخلاص ينطبع في نفسه، ويصبح صفة منصفاته الفاضلة التي لها أجمل الثر في حياة الأفراد والجماعات، فلا شيء أنفع في حياة المجتمع الإنساني من الإخلاص في القول والعمل، فلو أن الناس أخلصوا لبعضهم بعضاً في أقوالهم وأعمالهم، لعاشوا عيشة راضية مرضية، وصلحت حالهم في الدنيا والآخرة، وكانوا من الفائزين.
ثانياً: إن القيام بين يدي اللّه تعالى، فالمصلي يقف ببدنه وروحه بين يدي خالقه مطرقاً يناجيه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، يسمع منه ما يقول، ويعلم منه قلبه ما ينوي، ولا ريب في أن من يفعل ذلك مرات كثيرة في اليوم والليلة، فإن قلبه يتأثر بخالقه، فيأتمر بما أمره به، وينتهي عما نهاه عنه، فلا ينتهك للناس حرمة، ولا يعتدي لهم على نفس، ولا يظلمهم في مال، ولا يؤذيهم في دين أو عرض.
ثالثاً: القراءة، وسيأتي لك حكمها عند الأئمة، ولكن ينبغي لمن يقرأ أن لا يحرك لسانه بالقراءة، وقلبه غافل، بل ينبغي له أن يتدبر معنى قراءته ليتعظ بما يقول، فإذا مر على لسانه ذكر الإله الخالق وجل قلبه خوفاً من عظمته وسطوته، كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} وإذا ذكرت صفات اللّه تعالى من رحمة وإحسان وجب عليه أن يعلم نفسه كيف تتخلق بتلك الصفات الكريمة، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "تخلقوا بأخلاق اللّه فهو سبحانه كريم عفو غفور، عادل لا يظلم الناس شيئاً، فالإنسان مكلف بأن يتخلق بهذه الأخلاق، فإذا ما قرأ في صلاته الآيات التي تشتمل على صفات الإله الكريمة وعقل معناها، وكرّرها في اليوم والليلة مرات كثيرة. فإن نفسه تتأثر بها لا محالة ومتى تأثرت نفسه بجميل الصفات حبب إليه الاتصاف بها، ولذلك أحسن الأثر في تهذيب النفوس والأخلاق.
رابعاً: الركوع والسجود، وهما من أمارات التعظيم لمالك الملوك، خالق السموات والأرض وما بينهما، فالمصلي الذي يركع بين يدي ربه لا يكفيه أن يحنى ظهره بالكيفية المخصوصة، بل لا بد أن يشعر قلبه بأنه عبد ذليل، ينحني أما عظمة إله عزيز كبير، لا حد لقدرته، ولا نهاية لعظمته فإذا انطبع ذلكالمعنى في قلب المصلي مرات كثيرة في اليوم والليلة كان قلبه دائماً خائفاً من ربه فلا يعمل الا ما يرضيه، وكذلك المصلي الذي يسجد لخالقه، فيضع جبهته على الأرض معلناً عبوديته لخالقه. فإنه إذا استشعر قلبه ذل العبودية، وعظمة الرب الخالق فلا بد أن يخافه ويخشاه، وبذلك تتهذب نفسه وينتهي عن الفحشاء والمنكر.
هذا ويتعلق بالصلاة أمور أخرى لها فوائد اجتماعية جليلة الشأن: منها الجماعة، فقد شرع الإسلام الجماعة في الصلاة، وحث عليها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".
ففي الاجتماع لأداء الصلاة بصفوف متراصة متساوية، تعارف بين الناس يقرب بين القلوب المتنافرة، ويزيل منها الضغائن والأحقاد، وذلك من أجل عوامل الوحدة التي أمر اللّه تعالى بها في كتابه العزيز، فقال: {واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا} وفي الاجتماع لأداء الصلاة تذكير بالأخوة التي قال اللّه عنها: {إنما المؤمنون إخوة} فالمؤمنون الذين يجتمعون لعبادة رب واحد لا ينبغي لهم أن ينسوا أنهم إخوة، يجب أن يرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويواسي غنيهم فقيرهم، ويعين قويهم ضعيفهم، ويعود صحيحهم مريضهم، عملاً بقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: "المسلم أخول المسلم لا يظلمه ولا يثلمه، من كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج اللّه بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره اللّه يوم القيامة". ولو شئنا أن نذكر ما اشتملت عليه الصلاة من فوائد لاستغرقنا صحائف كثيرة فنقف عند هذا الحد، واللّه يوفقنا إلى العمل بدينه الحنيف، إنه سميع الدعاء.
تعريف الصلاة
* معنى الصلاة في اللغة: الدعاء بخير، قال تعالى: {وصلِّ عليهم} أي دع لهم، وأنزل رحمتك عليهم، ومعناها في اصطلاح الفقهاء: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، بشرائط مخصوصة، وهذا التعريف يشمل كل صلاة مفتتحة بتكبيرة الإحرام، ومختتمة بالاسلام، ويخرج عنه سجود التلاوة وهو سجدة واحدة عند سماع آية من القرآن المشتملة على ما يترتب عليه ذلك السجود من غير تكبير، أو سلام، كما سيأتي في مبحثه، فهذا السجود لا يقال له: صلاة عند الحنفية والشافعية (المالكية، والحنابلة: عرّفوا الصلاة بأنها قربة فعلية، ذات إحرام، وسلام، أو سجود فقط، والمراد بالقربة ما يتقرب بها إلى اللّه تعالى، والمراد بقولهم: فعليه ما يشمل أفعال الجوارح من ركوع وسجود، وفعل اللسان من قراءة وتسبيح وعمل القلب من خشوع وخضوع، ولم يختلف معهم الحنفية والشافعية في هذا المعنى، إنما الخلاف في تسمية السجود فقط صلاة شرعية، والأمر في ذلك سهل).