الأعيان النجسة وكيفية إزالة النجاسة وتطهيرها
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات
- مبحث الأعيان النجسة وتعريف النجاسة
- تعريف النجاسة عند الحنابلة
- تعريف النجاسة عند الشافعية
- تعريف النجاسة عند المالكية
- تعريف النجاسة عند الحنفية
- ا لأعيان النجسة
- الأعيان النجسة عند الشافعية
- أجزاء الميتة التي تحلها الحياة عند المالكية
- ما خرج من الميتة
- الكلب والخنزير
- الدم
- لصديد
- فضلة الأدمي من بول وعارة
- منُّي الآدمي وغيره
- المذي
- البيض الفاسد من حيّ
- الجزء المنفصل
- لبن حي لا يؤكل لحمه غير آدمي
- السكر المائع
- مبحث ما يعفى عنه من النجاسة
- إزالة النجاسة
- النجس المعفو عنه عند المالكية
- لنجس المعفو عنه عند الحنفية
- النجس المعفو عنه عند الشافعية
- النجس المعفو عنه عند الحنابلة
- مبحث فيما تزال به النجاسة وكيفية إزالتها
- كيفية إزالة النجاسة وتطهيرها عند الحنفية
- كيفية إزالة النجاسة وتطهيرها المالكية
- كيفية إزالة النجاسة وتطهيرها الحنابلة
- كيفية إزالة النجاسة وتطهيرها الشافعية
- إزالة النجاسة بحرق النجاسة بالنار
- إزالة النجاسة بدباغ جلود الميتة
- إزالة وتطهير النجاسة الجامدات
- االعودة إلي كتاب الطهارة
- االعودة إلي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
مبحث الأعيان النجسة وتعريف النجاسة
* قد ذكرنا في تعريف الطهارة تعريف النجاسة مجملاً عند بعض المذاهب، لمناسبة المقابلة بينهما، وغرضنا الآن بيان الأعيان النجسة المقابلة للأعيان الطاهرة، وهذا يناسبه بيان معنى النجاسة لغة واصطلاحاً في المذاهب.
فالنجاسة في اللغة: اسم لكل مستقذر، وكذلك النجس "بكسر الجيم وفتحها وسكونها"، والفقهاء، يقسمون النجاسة إلى قسمين: حكمية. وحقيقية، وفي تعريفهما اختلاف في المذاهب
تعريف النجاسة عند الحنابلة
(الحنابلة عرفوا النجاسة الحكمية بأنها الطارئة على محل طاهر قبل طروِّها، فيشمل النجاسة التي لها جرم وغيرها، متى تعلقت بشيء طاهر، وأما النجاسة الحقيقية، فهي عين النجس "بالفتح".
تعريف النجاسة عند الشافعية
الشافعية: عرّفوا النجاسة الحقيقية بأنها التي لها جرم أو طعم أو لون أو ريح، وهي المراد بالعينية عندهم، والنجاسة الحكمية بأنها التي لا جرم لها ولا طعم ولا لون ولا ريح، كبول جف ولم تدرك له صفة، فإنه نجس نجاسة حكمية.
تعريف النجاسة عند المالكية
المالكية قالوا: النجاسة العينية هي ذات النجاسة، والحكمية أثرها المحكوم على المحل به.
تعريف النجاسة عند الحنفية
الحنفية قالوا: إن النجاسة الحكمية هي الحدث الأصغر والأكبر، وهو وصف شرعي يحل بالأعضاء أو البدن كله يزيل الطهارة. والحقيقية؟؟ هي الخبث، وهو كل عين مستقذرة شرعاً)، على أنهم يخصون النجس "بالفتح" بما كان نجساً لذاته، فلا يصح إطلاقه على ما كانت نجاسته عارضة، وأما النجس "بالكسر" فإنه يطلق عندهم على ما كانت نجاسته عارضة أو ذاتية، فالدم يقال له: نجس ونجس "بالفتح والكسر" والثوب المتنجس يقال له: نجس "بالكسر" فقط.
الأعيان النجسة
أما الأعيان النجسة فكثيرة:
الأعيان النجسة عند الشافعية
الشافعية قالوا: بنجاسة ميتة ما لا نفس له سائلة، إلا ميتة الجراد، ولكن يعفى عنها إذا وقع شيء منها بنفسه في الماء أو المائع فإنه لا ينجسه إلا إذا تغير، أما إذا طرحه إنسان أو حيوان أو تغير ما وقع فيه فإنه ينجس، ولا يعفى عنه): منها ميتة الحيوان البِّري غير الآدمي، إذا كان له دمٌ ذاتي يسيل عند جرحه، بخلاف ميتة الحيوان البحري، فإنها طاهرة لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه الحلُّ ميتته"، وبخلاف ميتة الآدمي، فإنها طاهرة كما تقدم وبخلاف ميتة الحيوان البرّي الذي ليس له دم ذاتي يسيل عند جرحه، كالجراد، فإنها طاهرة.
أجزاء الميتة التي تحلها الحياة عند المالكية
ومنها أجزاء الميتة التي تحلها الحياة "وفي بيانها تفصيل المذاهب
المالكية قالوا: إن أجزاء الميتة التي تحلها الحياة هي اللحم والجلد والعظم والعصب ونحوها، بخلاف نحو الشعر والصوف والوبر وزغب الريش، فإنها لا تحلها الحياة فليست بنجسة.
الشافعية قالوا: إن جميع أجزاء الميتة من عظم ولحم وجلد وشعر وريش ووبر غير ذلك نجس، لأنها تحلها الحياة عندهم.
الحنفية قالوا إن لحم الميتة وجلدها مما تحله الحياة، فهما نجسان، بخلاف نحو العظم والظفر والمنقار والمخلب والحافر والقرن والظلف والشعر، إلا شعر الخنزير فإنها طاهرة لأنها لا تحلها الحياة، لقوله صلى اللّه عليه وسلم في شاة ميمونة: "إنما حرم أكلها" وفي رواية "لحمها" فدل على أن ما عدا اللحم لا يحرم، فدخلت الأجزاء المذكورة ما لم تكن بها دسومة، فإنها تكون متنجسة بسبب هذه الدسومة، والعصب فيه روايتان: المشهور أنه طاهر، وقال بعضهم: الأصح نجاسته.
الحنابلة قالوا إن جميع أجزاء الميتة تحلها الحياة فهي نجاسة إلا الصوف والشعر والوبر والريش، فإنها طاهرة، واستدلوا على طهارتها بعموم قوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين}، لأن ظاهرها يعم حالتي الحياة والموت، وقيس الريش على هذه الثلاثة)،
ما خرج من الميتة
وكذا الخارج من نحو دم. ومخاط وبيض. ولبن وأنفحة، على تفصيل
الحنفية قالوا بطهارة ما خرج من الميتة من لبن وأنفحة وبيض رقيق القشرة أو غليظها ونحو ذلك مما كان طاهراً حال الحياة.
الحنابلة قالوا: بنجاسة جميع الخارج منها، إلا البيض الخارج من ميتة ما يؤكل إن تصلب قشره.
الشافعية قالوا: بنجاسة جميع الخارج منها إلا البيض إذا تصلب قشره، سواء كان من ميتة ما يؤكل لحمه أو غيره، فإنه طاهر.
المالكية قالوا بنجاسة جميع الخرج من الميتة)،
الكلب. والخنزير
ومنها الكلب والخنزير
المالكية قالوا: كل حيٍّ طاهر العين، ولو كلباً. أو خنزيراً، ووافقهم الحنفية على طهارة عين الكلب ما دام حياً، على الراجح، إلا أن الحنفية قالوا بنجاسة لعابه حال الحياة تبعاً لنجاسة لحمه بعد موته، فلو وقع في بئر وخرج حياً ولم يصب فمه الماء لم يفسد الماء، وكذا لو انتفض من بلله فأصاب شيئاً لم ينجسه)، وما تولد منهما أو من أحدهما، ولو مع غيره.
أمَّا دليل نجاسة الكلب فما رواه مسلم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات، وأمَّا نجاسة الخنزير فبالقياس على الكلب، لأنه أسوأ حالاً منه، لنص الشارع على تحريمه وحرمة اقتنائه.ومنها ما يرشح من الكلب والخنزير من لعاب ومخاط وعرق ودمع
المالكية قالوا: كل ذلك طاهر، لقاعدة: أن كل حيٍّ وما رشح منه طاهر)،
الدم
ومنها الدم بجميع أنواعه، إلا الكبد. والطحال فإنهما طاهران للحديث المتقدم، وكذا دم الشهيد ما دام عليه، والمراد بالشهيد شهيد القتال الآتي بيانه في مباحث الجنازة، وما بقي في لحم المذكاة أو عروقها. ودم السمك والقمل والبرغوث ودم الكنان، وهي "دويبة حمراء شديدة اللسع" فهذه الدماء طاهرة، وهناك دماء أخرى طاهرة في بعض المذاهب
المالكية قالوا: الدم المسفوح نجس بلا استثناء، ولو كان من السمك، والمسفوح هو "السائل من الحيوان"، أمَّا غير المسفوح، كالباقي في خلال لحم المذكاة أو عروقها فطاهر.
الشافعية قالوا بنجاسة جميع الدماء إلا أربعة أشياء: لبن المأكول إذا خرج بلون الدم. والمنّي إذا خرج بلون الدم أيضاً، وكان خروجه من طريقة المعتاد، والبيض إذا استحال لونه إلى لون الدم، بشرط أن يبقى صالحاً للتخلق. ودم الحيوان إذا انقلب علقة أو مضغة، بشرط أن يكون من حيوان طاهر.
الحنفية قالوا بطهارة الدم الذي يسل من الإنسان أو الحيوان. وبطهارة الدم إذا استحال إلى مضغة، أما إذا استحال إلى علقة فهو نجس. ومنها القيح، وهو المِذة التي لا يخالطها دم،
الصديد
ومنها الصديد، وهو ماء الجرح الرقيق المختلط بدم، وما يسيل من القروح ونحوها
(الحنفية قالوا: إن ما يسيل من البدن غير القيح والصديد، إن كان لعلة ولو بلا ألم فنجس وإلا فطاهر، وهذا يشمل النفط، وهي "القرحة التي امتلأت وحان قشرها". وماء السرة وماء الأذن. وماء العين، فالماء الذي يخرج من العين المريضة نجس، ولو خرج من غير ألم، كالماء الذي يسيل بسبب الغرب، وهو "عرق في العين يوجب سيلان الدمع بلا ألم".
الشافعية قالوا: قيدوا نجاسة السائل من القروح "غير الصديد والدم" بما إذا تغبر لونه أو ريحه وإلا فهو طاهر، كالعرق)،
فضلة الأدمي من بول وعارة
ومنها فضلة الأدمي من بول وعارة، وإن لم تتغير عن حالة الطعام، ولو كان الأدمي صغيراً لم يتناول الطعام "ومنها فضلة ما لا يؤكل لحمه مما له دم يسيل، كالحمار. والبغل
(الحنفية قالوا: فضلات غير مأكول اللحم فيها تفصيل، فإن كانت مما يطير في الهواء كالغراب، فنجاستها مخففة، وإلا فمغلظة، غير أنه يعفى عما يكثر منها في الطرق من روث البغال والحمير دفعا للحرج)، أمَّا فضلة ما يؤكل لحمه ففيها خلاف المذاهب
(الشافعية قالوا: بنجاسة مأكول اللحم أيضاً بلا تفصيل.
الحنفية قالوا: إن فضلات مأكول اللحم نجسة نجاسة مخففة، إلا أنهم فصَّلوا في الطير، فقالوا: إن كان مما يذرق "ذرق الطائر خرؤه" في الهواء، كالحمام والعصفور، ففضلته طاهرة وإلا فنجسته نجاسة مخففة كالدجاج والبط الأهلي والأوز "عند الصاحبين" ومغلظة "عند الإمام".
المالكية قالوا بطهارة فضلة ما يحل أكل لحمه، كالبقر والغنم إذا لم يعتد التغذي بالنجاسة، أما إذا اعتاد ذلك يقيناً أو ظناً ففضلته نجسة، وإذا شك في اعتياده ذلك، فإن كان شأنه التغذي بها كالدجاج، ففضلته نجسة، وإن لم يكن شأنه ذلك، كالحمام، ففضلته طاهرة.
الحنابلة قالوا بطهارة فضلات ما يؤكل لحمه، ولو أكل النجاسة ما لم نكن أككثر طعامه وإلا ففضلته نجسة، وكذا لحمه، فإن منع من أكلها ثلاثة أيام لا يتناول فيها إلا غذاء طاهراً ففضلته بعد الثلاثة طاهرة، وكذا لحمه).
منُّي الآدمي وغيره
ومنها منُّي الآدمي وغيره
(الشافعية قالوا: بطهارة منّي الآدمي حياً وميتاً، إن خرج بعد استكمال السن تسع سنين، ولو خرج على صورة الدم إذا كان خروجه على هذه الحالة من طريقه المعتاد، وإلا فنجس، ودليل طهارته ما رواه البيهقي من أنه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن المني يصيب الثوب فقال ما معناه: "إنما هو كالبصاق أو كالمخاط"، وقيس عليه منّي خرج من حيّ غير آدمي، لأنه أصل للحيوان الطاهر، إلا أنهم
استثنوا من ذلك مني الكلب والخنزير وما تولد منهما. فقالوا بنجاسته تبعاًلأصله.
الحنابلة قالوا: إن منّي الآدمي طاهر إن خرج من طريقه المعتاد، دفقاً بلذة بعد استكمال السن تسع سنين للأنثى؛ وعشر سنين للذكر؛ ولو خرج على صورة الدم، واستدلوا على طهارته بقول عائشة رضي اللّه عنها: "وكنت أفرك المنّي من ثوب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم يذهب فيصلي فيه" أما منّي غير الآدمي فإن كان من حيوان مأكول اللحم فطاهر، وإلا فنجس)؛ وهو ماء يخرج عند اللذة بجماع ونحوه، وهو من الرجل عند اعتدال مزاجه أبيض غليظ، ومن المرأة أصفر رقيق، قالوا: ولا ينفصل ماء المرأة، بل يوجد داخل الفرج، وربما ظهر أثره في
الذكر، أما الذين ينكرون منّي المرأة، ويدعون أن الذي يحس من المرأة رطوبة الفرج، فإنهم ينكرون المحس البديهي؛
المذي
ومنها المذي
(الحنابلة قالوا بطهارة المذي والودي إذا كانا من مأكول اللحم). والودي، والمذي: ماء رقيق يخرج من القبُل عند الملاعبة ونحوها، والودي: ماء أبيض ثخين يخرج عقب البول غالباً. ومنها القيء والقلس، على تفصيل المذاهب
(الحنفية قالوا: إن القيء نجس
نجاسة مغلظة إذا ملأ الفم، بحيث لا يمكن إمساكه، ولو كان مرة أو طعاماً أو ماء أو علقاً، وإن لم يكن قد استقر في المعدة ولو كان من صبي ساعة إرضاعه، بخلاف ماء فم النائم، فإنه طاهر، وبخلاف ما لو قاء دوداً قليلاً أو كثيراً صغيراً أو كبيراً، فإنه طاهر أيضاً، والقلس كالقيء، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فلينصرف وليتوضأ، وقد فصلوا في البلغم والدم المخلوط بالبزاق فقالوا: إن البلغم إذا خرج خالصاً ولم يختلط بشيء فإنه طاهر، وإذا خرج مخلوطاً بالطعام، فإن غلب عليه الطعام كان نجساً، وإن استوى معه، فيعتبر كل منهما على انفراده، بمعنى أنه إذا كان الطعام وحده يملأ الفم، فيكون حكمه حكم القيء، أما الدم المخلوط بالبزاق. فقالوا: إذا غلب البزاق عليه بأن كان الخارج أصفر فهو طاهر، وإن غلب الدم بأن كان أحمر، سواء كان الدم مساوياً أو غالباً فإنه نجس ولو لم يملأ الفم، وما اجترَّته الإبل والغنم نجس قلَّ أو أكثر. واعلم أنه لو قاء مرات متفرقة في آن واحد، وكان القيء في كل واحدة منها لا يملأ الفم، ولكن لو جمع يملأ القم فإنه نجس.
المالكية: عرّفوا القيء بأنه طعام خارج من المعدة بعد استقراره فيها، فحكموا بنجاسته، بشرط أن يتغير عن حالة الطعام، ولو بحموضة فقط، بخلاف القلس، وهو الماء الذي تقذفه المعدة عند امتلائها، فإنه لا يكون نجساً إلا إذا شابه العذرة، ولو في أحد أوصافها، ولا تضر الحموضة وحدها، فإذا خرج الماء الذي تقذفه المعدة خحامضاً غير متغير لا يكون نجساً لخفة الحموضة وتكرر حصوله. وألحقوا بالقيء في النجاسة الماء
الخارج إذا كان متغيراً بصفرة ونتن من المعدة، إلا أنه يعفى عنه إذا كان ملازماً، وذلك للمشقة.
الشافعية قالوا: بنجاسة القيء وإن لم يتغير، كأن خرج في الحال، سواء كان طعاماً أو ماء، بشرط أن يتحقق خروجه من المعدة، فإن شك في خروجه منها فالأصل الطهارة، وجعلوا منه الماء الخارج من فم النائم إن كان أصفر منتناً، ولكن يعفى عنه في حق من ابتلي به، وما تجترّه الإبل والغنم نجس، قل أو كثر.
الحنابلة قالوا: إن القلس والقيء نجسان بلا تفصيل.
البيض الفاسد من حيّ
ومنها البيض الفاسد من حيّ، على تفصيل في المذاهب
(المالكية: ضبطوا الفاسد بأنه ما يتغير بعفونة أو زرقة أو صار دماً أو مضغة أو فرخاً ميتاً، بخلاف البيض الذي اختلط بياضه بصفاره، ويسمى بالممروق، وبخلاف ما فيه نقطة دم غير مسفوح، فإنهما طاهران، أما بيض الميتة فهو نجس، كما تقدم. الشافعية ضبطوا الفاسد بأنه ما لا يصلح لأن يتخلق منه حيوان بعد تغيره، وليس منه ما اختلط بياضه بصفاره، وإن أنتن، وأما بيض الميتة
فقد تقدم حكمه.
الحنابلة قالوا: إن البيض الفاسد ما اختلط بياضه بصفاره، مع التعفن، وصححوا طهارته، وقالوا: إن النجس من البيض ما صار دماً، وكذا ما خرج من حيّ إذا لم يتصلب قشره.
الحنفية قالوا: ينجس البيض إذا ما صار دماً، أما إذا تغير بالتعفن فقط، فهو طاهر، كاللحم المنتن.
الجزء المنفصل
ومنها الجزء المنفصل (الحنابلة استثنوا من المنفصل من حي ميتته نجسة شيئين حكموا بطهارتهما، وهما: البيض إذا تصلب قشره. والجزء المنفصل من الحيِّ الذي لا يقدر على ذكاته عند تذكيته الاضطرارية.
الشافعية قالوا بطهارة الشعر والوبر والصوف والريش إذا انفصل من حيوان حيّ مأكول اللحم ما لم ينفصل مع شيء منها قطعة لحم مقصودة، أي لها قيمة في العرف، فإن انفصلت قطعة لحم كذلك تنجست تبعاً لها. فإن شك في شيء من الشعر وما معه هل هو من طاهر أو من نجس؟ فالأصل الطهارة، وسبق أنهم حكموا بنجاسة جميع أجزاء الميتة ولم يستثنوا منها شيئاً) من حي ميتته نجسة إلا الأجزاء التي سبق استثناؤها في الميتة، وإلا المسك المنفصل من غزال حي، وكذا جلدته فإنهما طاهران،
لبن حي لا يؤكل لحمه غير آدمي
ومنها لبن حي لا يؤكل لحمه غير آدمي
(الحنفية قالوا بطهارة الألبان كلها من حي وميت مأكول وغير مأكول، إلا لبن الخنزير، فإنه نجس في حياته وبعد مماته. الحنفية قالوا: بطهارتها، وكذا ما إذا صار النجس تراباً من غير حرق، فإنه يطهر)، ومنها رماد النجس المتحرق بالنار ودخانه
(المالكية قالوا بطهارة الرماد ونجاسة الدخان على الراجح)،
السكر المائع
ومنها السكر المائع، سواء كان مأخوذاً من عصير العنب أو كان نقيع زبين أو نقيع تمر أو غير ذلك، لأن اللّه تعالى قد سمى الخمر رجساً، والرجس في العرف النجس، أما كون كل مسكر مائع خمراً فَلما رواه مسلم من قوله صلى اللّه عليه وسلم: "كلُّ مسكرٍ خمر، وكلُّ مسكر حرام"، وإنما حكم الشارع بنجاسة المسكر المائع فوق تحريم شربه تنفيراً وتغليظاً وزجراً عن الاقتراب منه.
مبحث ما يعفى عنه من النجاسة
إزالة النجاسة
(المالكية ذكروا قولين مشهورين في إزالة النجاسة: أحدهما أنها تجب شرطاً في صحة الصلاة. ثانيهما: أنها سنة، وشرط وجوبها أو سنيتها أن يكون ذاكراً للنجاسة قادراً على إزالتها، فإن صلى أحد بالنجاسة وكان ناسياً أو عاجزاً عن إزالتها فصلاته صحيحة على القولين، ويندب له إعادة الظهر أو العصر إلى اصفرار الشمس، والمغرب أو العشاء إلى طلوع الفجر، والصبح إلى طلوع الشمس، أما إن صلى بها عامداً أو جاهلاً فصلاته باطلة على القول الأول، وصحيحة على القول الثاني، فتجب عليه إعادة الصلاة أبداً في الوقت أو بعده على القول الأول لبطلانها، ويندب له إعادتها أبداً على القول الثاني) عن بدن المصلي وثوبه ومكانه واجبة إلا ما عفي عنه، دفعاً للحرج والمشقة، قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، وفي المعفو عنه تفصيل في المذاهب
النجس المعفو عنه عند المالكية
(المالكية عدوا من المعفو عنه ما يأتي:
1 - ما يصيب ثوب أو بدن المرضعة من بول أو غائط رضيعها، ولو لم يكن وليدها إذا اجتهدت في التحرز عنهما حال نزولهما، ويندب لها إعداد ثوب للصلاة.
2 - بلل الباسور إذا أصاب بدن صاحبه أو ثوبه كل يوم ولو مرة، وأما يده فلا يعفى عن غسلها إلا إذا كثر استعمالها في إرجاعه، بأن يزيد على مرتين كل يوم، وإنما اكتفى في الثوب والبدن بمرة واحدة في اليوم ولم يكتف في اليد إلا بما زاد على اثنتين، لأن اليد لا يشق غسلها إلا عند الكثرة، بخلاف الثوب والبدن.
3 - سلس الأحداث، كبول أو غائط أو مذي أو ودي أو منيّ إذا سال شيء منها بنفسه، فلا يجب غسله عن البدن أو الثوب أو المكان الذي لا يمكن التحول عنه إلى مكان آخر إذا حصل شيء منها، ولو كل يوم مرة.
4 - ما يصيب ثوب أو بدن الجزار ونازح المراحيض والطبيب الذي يعالج الجروح، ويندب لهم إعداد ثوب للصلاة. 5 - ما يصيب ثوب المصلي أو بدنه أو مكانه من دمه أو دم غيره آدمياً كان أو غيره، ولو خنزيراً إذا كانت مساحته لا تزيد عن قدر الدرهم البغلي، وهو "الدائرة السوداء التي تكون في ذراع البغل" ولا عبرة بالوزن، ومثل الدم في ذلك القيح والصديد.
6 - ما يصيب ثوبه أو بدنه أو مكانه من بول أو روث أو خيل أو بغال أو حمير إذا كان ممن يباشر رعيها أو علفها أو ربطها أو نحو ذلك، فيعفى عنه لمشقة الإحتراز.
7 - أثر ذباب أو ناموس أو نمل صغير يقع على النجاسة ويرفع شيئاً
منها، فيتعلق برجله أو فمه ثم يقع على ثوبه أو بدنه لمشقة الاحتراز، أما أثر النمل الكبير، فلا يعفى عنه لندرته.
8 - أثر دم موضع الحجامة بعد مسحه بخرقة ونحوها، فيعفى عنه إلى أن يبرأ فيغسله.
9 - ما يصيب ثوبه أو رجله من طين المطر أو مائه المختلفط بنجاسة ما دام موجوداً في الطرق ولو بعد انقطاع المطر، فيعفى عنه بشروط ثلاثة: أولاً: أن لا تكون النجاسة المخالطة أكثر من الطين أو الماء تحقيقاً أو ظناً. ثانياً: أن لا تصيبه النجاسة بدون ماء أو طين. ثالثاً: أن لا يكون له مدخل في الإصابة بشيء من ذلك الطين أو الماء، كأن يعدل عن طريق خالية من ذلك إلى طريق فيها ذلك، ومثل طين المطر ومائة الماء المرشوش بالطرق، وكذلك الماء الباقي في المستنقعات.
10 - المدة السائلة من دمامل أكثر من الواحد، سواء سالت بنفسها أو بعصرها، ولو زاد على قدر الدرهم، وأما الدمل الواحد فيعفى عما سال منه بنفسه أو بعصر احيج إليه، فإن عصر بغير حاجة، فلا يعفى إلا عن قدر الدرهم.
11 - خرء البراغيث ولو كثر، وإن تغذت بالدم المسفوح، فخرؤها نجس، ولكن يعفى عنه، وأما دمها، فإنه كدم غيرها لا يعفى منه عما زاد على قدر الدرهم البغلي، كما تقدم. 12 - الماء الخارج من فم النائم إذا كان من المعدة، بحيث يكون أصفر منتناً، فإنه نجس ولكن يعفى عنه إذا لازم.
13 - القليل من ميتة القمل، فيعفى منه عن ثلاث فأقلَّ.
14 - أثر النجاسة على السبيلين بعد إزالة عين النجاسة بما يزيلها من حجر ونحوه، فيعفى عنه ولا يجب غسله بالماء ما لم ينتشر كثيراً، فإن انتشر تعين غسله بالماء، كما يتعين الماء في إزالة النجاسة عن قبل المرأة، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث الاستنجاء.
النجس المعفو عنه عند الحنفية
الحنفية قالوا: تنقسم النجاسة إلى قسمين: مغلظة. ومخففة. فالمغلظة "عند الإمام" هي ما ورد فيها نص لم يعارض بنص آخر، والمخففة "عنده" هي ما ورد فيها نص عورض بنص آخر كبول ما يؤكل لحمه، وذلك لأن حديث "استنزهوا من البول" يدل على نجاسة كل بول، وحديث العرنيين يدل على طهارة بول مأكول اللحم، فلما تعارض فيه الدليلان كانت نجاسته مخففةٍ. أما حديث العرنيين فهو ما روي من أن قوماً من عرينة أتوا المدينة المنورة فلم توافقهم. فاصفرت ألوانهم وانتفخت بطونهم، فأمرهم رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأن يخرجوا إلى إبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها فخرجوا وشربوا، فكان ذلك سبباً في شفائهم.
ويعفى في النجاسة المغلظة عن أمور: منها قدر الدرهم، ويقدّر في النجاسة الكثيفة بما يزن عشرين قيراطاً، وفي النجاسة الرقيقة بعرض مقعر الكف، ومع كونه يعفى عنه في صحة الصلاة، فإن نعم إزالة قدر الدرهم أكد من إزالة ما هو أقل منه، والمشهور عند الحنفية كراهة التحريم،
ومنها بول الهرة والفأةر وخرؤهما فيما تظهر فيه حالة الضرورة، فيعفى عن خرء الفأرة إذا وقع في الحنطة ولم يكثر حتى يظهر أثره ويعفى عن بولها إذا سقط في البئر لتحقق الضرورة، بخلاف ما إذا أصاب أحدهما ثوباً أو إناء مثلاً، فإنه لا يعفى عنه لإمكان التحرز، ويعفى عن بول الهرة إذا وقع على نحو ثوب لظهور الضرورة، بخلاف ما إذا أصاب خرؤها أو بولها شيئاً غير ذلك، فإنه لا يعفى عنه،
ومنها بخار النجس وغباره، فلو مرت الريح بالعذارات وأصابت الثوب لا
يضر، وإن وجدت رائحتها به، وكذا لو ارتفع غبار الزبل، فأصاب شيئاً لا يضر،
ومنها رشاش البول إذا كان رقيقاً، كرؤوس الإبر، بحيث لا يُرى، ولو ملأ الثوب أو البدن، فإنه يعتبر كالعدم للضرورة، ومثله الدم الذي يصيب القصاب "أي الجزار" فيعفى عنه في حقه للضرورة، فلو أصاب الرشاش ثوباً ثم وقع ذلك الثوب في ماء قليل تنجس الماء لعدم الضرورة حينئذ، ومثل هذا أثر الذباب الذي وقع على نجاسة ثم اصاب ثوب المصلي، فإنه يعفى عنه،
ومنها ما يصيب الغاسل من غسالة الميت مما لا يمكنه الامتناع عنه ما دام في تغسيله،
ومنها طين الشوارع ولو كان مخلوطاً بنجاسة غالبة ما لم يَرَعَينها، ويعفى في النجاسة المخففة
عما دون ربع الثوب كله أو ربع البدن كله، وإنما تظهر الخفة في غير المائع، لأن المائع متى أصابته نجاسة تنجس لا فرق بين مغلظة ومخففة، ولا عبرة فيه لوزن أو مساحة. ويعفى عن بعر الإبل والغنم إذا وقع في البئر أو في الإناء، ما لم يكثر كثرة فاحشة أو يتفتت فيتلون به الشيء الذي خالطه، والقليل المعفوُّ عنه هو ما يستقله الناظر إليه، والكثير عسكه، وأما روث الحمار وخثي البقر والفيل، فإنه يعفى عنه في حالة الضرورة والبلوى، سواء كان يابساً أو رطباً.
النجس المعفو عنه عند الشافعية
الشافعية قالوا: يعفى عن أمور: منها ما لا يدركه البصر المعتدل من النجاسة، ولو مغلظة،
ومنها قليل دخان النجاسة المنفصل عنها بواسطة النار، بخلاف نحو البخار المنفصل بلا واسطة نار، فإنه طاهر،
ومنها الأثر الباقي بالمحل بعد الاستنجاء بالحجر، فيعفى عنه بالنسبة لصاحبه دون غيره، فلو نزل في ماء قليل واصابه ذلك الأثر تنجس به،
ومنها طين الشارع المختلط بالنجاسة المحققة، فإذا شك في نجاسة ذلك الطين أو ظن كان طاهراً لا نجساً معفواً عنه، وإنما يعفى عنه بشروط أربعة: أولاً: أن لا تظهر عين النجاسة. ثانياً: أن يكون المار محترزاً عن إصابتها بحيث لا يرخي ذيل ثيابه ولا يتعرض لرشاش نحو سقاء. ثالثاً: أن تصيبه النجاسة وهو ماش أو راكب، أما إذا سقط على الأرض
فتلوثت ثيابه فلا يعفى عنه لندرة الوقوع. رابعاً: أن تكون النجاسة في ثوب أو بدن،
ومنها الخبز المسخن أو المدفون في الرماد النجس وإن تعلق به شيء من ذلك الرماد فإنه يعفى عنه ولو سهل فصله منه، وإذا وضع في لبن ونحوه وظهر أثره فيه أو أصاب نحو ثوب، فإنه يعفى عنه أيضا
ومنها دود الفاكهة والجبن إذا مات فيها، فإن ميتته نجسة معفو عنها، وكذا الأنفحة التي تصلح الجبن،
ومنها المائعات النجسة التي تضاف إلى الأدوية والروائح العطرية لإصلاحها، فإنه يعفى عن القدر الذي به الإصلاح، قياساً على الأنفحة المصلحة للجبن،
ومنها الثياب التي تنشر على الحيطان المبنية بالرماد النجس، فإنه يعفى عما يصيبها من ذلك الرماد لمشقة الاحتراز،
ومنها الصئبان الميت، وهو "فقس القمل"، ومنها روث الذباب وإن كثر،
ومنها خرء الطيور في الفرش والرض
بشروط ثلاثة: أولاً: أن لا يتعمد المشي عليه. ثانياً: أن لا يكون أحد الجانبين رطباً إلا أن تكون ضرورة، كما إذا وجد في طريق رطبة يتعين المرور منها فإنه يعفى عنه مع الرطوبة والعمد. ثالثاً: أن لا يشق الاحتراز عنه،
ومنها قليل تراب مقبرة منبوشة،
ومنها قليل شعر نجس من غير كلب أو خنزير أو ما تولد منهما أو من أحدهما مع غيرهما، أما قليل الشعر من الكلب أو الخنزير فغير معفو عنه كما لا يعفى عن الكثير من شعر نجس من الكلب والخنزير إلا بالنسبة للقصاص والراكب لمشقة الاحتراز.
ومنها روث سمك في ماء إذا لم يغيره ولم يوضع فيه عبثاً،
ومنها الدم الباقي على اللحم أو العظم فإنه يعفى عنه إذا وضع اللحم أو العظم في القدر قبل غسل الدم، ولو تغير به المرق، فإن غسل الدم عن اللحم أو العظم قبل الوضع في القدر حتى انفصل الماء عنه صافياً فهو طاهر، وإن لم ينفصل الماء صافياً فهو نجس غير معفو عنه، ولا يضر بقاء بعض اللون لأنه لا يمكن قطعه، فيغسل الغسل المعتاد، ويعفى عما زاد،
ومنها لعاب النائم المحقق كونه من المعدة بأن يكون أصفر أو منتناً يعفى عنه في حق صاحبه المبتلى به ولو كثر وسال، والمشكوك في كونه من المعدة محمول على الطهارة،
ومنها جرة البعير ونحوه مما يجتر من الحيوانات، فإنه يعفى عنها إذا أصابت من يزاوله، كمن يقوده أو نحو ذلك،
ومنها روث البهائم وبولها الذي يصيب الحب حين درسه،
ومنها روث الفأر الساقط في حيضان المراحيض التي يستنجى منها، فإنه يعفى عنه إذا كان قليلاً ولم يغير أحد أوصاف الماء،
ومنها الحمصة التي
يتداوى بوضعها في العضو الملوثة بالنجاسة، فإنه يعفى عنها إذا تعينت طريقاً للتداوي،
ومنها ما يصيب اللبن حال حلبه من روث المحلوبة أو من نجاسة على ثديها، ومنها ما يصيب العسل من بيوت النحل المصنوعة من طين مخلوط بروث البهائم، ومنها نجاسة فم الصبي إذا أصاب ثدي مرضعته عند رضاعه، أو أصاب فم من يقبِّله في فمه مع الرطوبة، ومنها مائع تنجس بموت ما سقط فيه مما لا دم له سائل؛ كنمل وزنبور ونحل ونحوها فيؤكل ذلك المائع المتنجس بما وقع ومات فيه منها إذا لم يتغير بما مات فيه ولم يطرحه غير الهواء ولو بهيمة،
ومنها أثر الوشم من دم خرج من العضو ووضع عليه نيلة ونحوها حتى صار أخضر أو أزرق، ومعنى الوشم "غرز الجلد بالإبرة ونحوها حتى يبرز الدم" فيعفى عن الأثر الأخضر أو الأزرق الباقي في محله إذا كان لحاجة
لا ينفع فيها غيره، أو كان وقت فعل الوشم غير مكلف، أو كان مكلفاً ولم يقدر في محله إذا كان لحاجة لا ينفع فيها غيره، أو كان وقت فعل الوشم غير مكلف، أو كان مكلفاً ولم يقدر على إزالته إلا بضرر يباح بسببه التيمم،
ومنها الدم، على التفصيل الآتي، وهو: أولاً: الدم اليسير الذي لا يدركه البصر المعتدل، وهذا معفو عنه، ولو كان دم نجس نجاسة مغلظة كالكلب والخنزير. ثانياً: ما يدركه البصر المعتدل، وهذا إن كان من كلب أو خنزير أو نحوهما، فإنه لا يعفى عنه مطلقاً، وإن لم يكن كذلك، فإما أن يكون دم أجنبي. أو دم نفسه، فإن كان دم أجنبي فيعفى عن القليل منه ما لم يلطخ به نفسه ولم يختلط بأجنبي غير ضروري، وهذا في غير دم
البراغيث ونحوها من كل ما لا دم له سائل، أم دم البراغيث ونحوها فيعفى عن كثيرها بشروط ثلاثة: أولاً: أن لا يكون بفعله أو فعل غيره ولو غير مكلف مع رضاه، وإلا عفي عن القليل فقط - ثانياً: أن لا يختلط بأجنبي لا يشق الاحتراز عنه، وإلا فلا عقو إلا عن القليل - ثالثاً: أن يصيب الدم ملبوساً يحتاجه ولو للتجمل، أما إذا كان دم نفسه فإن كان خارجاً من المنافذ الأصلية، كالأنف والأذن والعين، فالمعتمد العفو عن القليل، وإن لم يكن من المنافذ، كدم البثرات والدمامل والفصد. فيعفى عن الكثير بشروط: - الأول: أن لا يكون بفعل الشخص نفسه، كأن يعصر دمله، وإلا عفي عن القليل فقط في غير الفصد والحجامة، أما هما فيعفى عن الكثير ولو بفعله. - الثاني: أن لا يجاوز الدم محله - الثالث: أن لا يختلط بأجنبي غير ضروري، كالماء، ومحل العفو في حق الشخص نفسه، أما لو حمله غيره أو قبض على شيء متصل به، فلا يعفى في القلة والكثرة العرف، فإن شك في القلة والكثرة، فالأصل العفو.
النجس المعفو عنه عند الحنابلة
الحنابلة قالوا: يعفى عن أمور: منها يسير دم وقيح وصديد، واليسير هو ما يعدّه الإنسان في نفسه يسيراً، وإنما يعفى عن اليسير إذا أصاب غير مائع ومطعوم، أما إذا أصابهما فلا يعفى عنه، بشرط أن يكون ذلك من حيوان طاهر حال حياته ومن غير قبُل ودبر، وإذا أصاب الدم أو غيره مما ذكر ثوباً في مواضع منه فإنه يضم بعضه إلى بعض، فإن كان المجموع يسيراً عفي عنه، وإلا فلا، ولا يضم ما في ثوبين أو أكثر، بل يعتبر كل ثوب على حدة، ومنها أثر استجمار بمحله بعد الإنقاء واستيفاء العدد المطلوب في الاستجمار، وسيأتي، ومنها يسير سلس بول بعد تمام التحفظ لمشقة التحرز، ومنها دخان نجاسة وغبارها ما لم تظهر له صفة، ومنها ماء قليل تنجس بمعفو عنه، ومنها النجاسة التي تصيب عين الإنسان ويتضرر بغسلها، ومنها اليسير من طين الشارع الذي تحققت نجاسته بما خالطه من النجاسة
مبحث فيما تزال به النجاسة وكيفية إزالتها
* يزيل النجاسة أمور: منها الماء الطهور، ولا يكفي في إزالتها الطاهر
الحنفية قالوا: إن الماء الطاهر - غير الطهور - ومثل الطهور في إزالة النجاسة، كما تقدم وكذا المائع الطاهر الذي إذا عصر انعصر، كالخل وماء الورد، فهذه الثلاثة يطهر بها كل متنجس بنجاسة مرئية أو غير مرئية، ولو غليظة، سواء كان ثوباً أو بدناً أو مكاناً)، وسيأتي بيان الطهور والطاهر في أقسام المياه، بعد هذا المبحث.وتطهير محل النجاسة به له كيفيات مختلفة في المذاهب
كيفية إزالة النجاسة وتطهيرها عند الحنفية
(الحنفية قالوا: يطهر الثوب المتنجس بغسله ولو مرة، متى زالت عين النجاسة المرئية، ولكن هذا إذا غسل في ماء جار أو صب عليه الماء، أما إذا غسل في وعاء، فإنه لا يطهر إلا بالغسل ثلاثاً، بشرط أن يعصر في كل واحدة منها، وإذا صبغ الثوب بنجس يطهر بانفصال الماء عنه صافياً ولو بقي اللون، إذ لا يضر بقاء الأثر، كلون أو ريح في محل النجاسة إذا شق زواله والمشقة في ذلك هي أن يحتاج في إزالته لغير الماء، كالصابون ونحوه، ومن ذلك الاختضاب بالحناء المتنجسة، فإذا اختضب أحد بالحناء
المتنجسة طهرت بانفصال الماء صافياً، ومثل ذلك الوشم، فإنه إذا غرزت الإبرة في اليد أو الشفة مثلاً حتى برز الدم، ثم وضع مكان الغرز صبغ والتأم الجرح عليه تنجس ذلك الصبغ، ولا يمكن إزالة أثره بالماء فتطهيره يكون بسله حتى ينفصل الماء صافياً ولا يضر أثر دهن متنجس، بخلاف شحم الميتة، لأن عين النجاسة، أما النجاسة غير المرئية فإنها تطهر إذا غلب على ظن الغاسل طهارة محلها بلا عدد، ويقدر لموسوس بثلاث غسلات يعصر الثوب في كل واحدة منها، ويطهر المكان "وهو الأرض" بصب الماء الطاهر عليها ثلاثاً، وتجفف كل مرة بخرقة طاهرة، وإذا صب عليها ماء كثير، بحيث لا يترك للنجاسة أثراً طهرت، وتطهر الأرض أيضاً باليبس، فلا يجب في تطهيرها الماء، ويطهر البدن بزوال عين النجاسة في المرئية، وبغلبة الظن في غيرها، أما الأواني المتنجسة فهي على ثلاثة أنواع: فخار وخشب وحديد، ونحوه، وتطهيرها على أربعة أوجه: حرق. ونحت. ومسح. وغسل، فإذا كان الإناء من فخار، أو حجر، وكان جديداً، ودخلت النجاسة في أجزائه فإنه يطهر بالحرق، وإن كان عتيقاً يطهر بالغسل على الوجه السابق، وإن كان من خشب، فإن كان جديداً يطهر بالنحت وإن كان قديماً يطهر بالغسل، وإن كان من حديد أو نحاس أو رصاص أو زجاج، فإن كان صقيلاً يطهر بالمسح، وإن كان خشناً غير صقيل يطهر بالغسل. وأما المائعات المتنجسة، كالزيت. والسمن، فإنها تطهر بصب الماء عليها ورفعه عنها ثلاثاً، أو توضع في إناء مثقوب، ثم يصب عليه الماء فيعلوا الدهن، ويحركه ثم يفتح الثقب إلى أن يذهب الماء. هذا إذا كان مائعاً، فإن كان جامداً يقطع منه المتنجس ويطرح، ويطهر العسل بصب الماء عليه وغليه - حتى يعود كما كان - ثلاثاً. ويطهر الماء المتنجس بجريانه، بأن يدخل من جانب ويخرج من جانب آخر، فإذا كان في قناة ماء نجس ثم صب عليه ماء طاهر في ناحية منها حتى امتلأت وسال من الناحية الأخرى كان ماء جارياً طاهراً، ولا يشترط أن يسيل منه مقدار يوازي الماء الذي كان فيها، ومثل ذلك ما إذا كان الماء المتنجس في طشت أو قصعة، ثم صب عليه ماء طاهر حتى سال الماء من جوانبه فإنه يطهر على الراجح، وإن لم يخرج مثل المتنجس، وكذلك البئر وحوض الحمام فإنهما يطهران بمثل ذلك، وبذلك يصير الماء طهوراً وزادوا مطهرات أخرى: منها الدلك، وهو أن يمسح المتنجس على الأرض مسحاً قوياً، ومثل الدلك الحت، وهو القشر باليد أو العود "الحك" ويطهر بذلك الخف والنعل، بشرط أن تكون النجاسة ذات جرم، ولو كانت رطبة، وهي ما ترى بعد الجفاف كالعذرة والدم، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه، فإن كان بهما أذى فيمسحهما بالأرض، فإن الأرض لهما طهورا"
أما إذا كانت النجاسة ليست ذات جرم، فإنه يجب غسلها بالماء. ولو بعد الجفاف، ومنها المسح
الذي يزول به أثر النجاسة، ويطهر به الصقيل الذي لامسام له، كالسيف. والمرآة. والظفر. والعظم. والزجاج. والآنية المدهونة. ونحو ذلك منها مسح محل الحجامة بثلاث خرق نظاف مبلولة. ومنها الجفاف بالشمس أو الهواء؛ وتطهر به الأرض، وكل ما كان ثابتاً فيها، كالشجر والكلأ، بخلاف نحو البساطط والحصير، وكل ما يمكن نقله فإنه لا يطهر إلا بالغسل، وإنما طهرت الرض باليبس لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "ذكاة الأرض يبسها"، فتصح الصلاة عليها، ولكن لا يجوز منها التيمم، وذلك لأن طهارتها لا تستدعي طهوريتها، ويشترط في التيمم طهورية التراب. كما يشترط في الوضوء طهورية الماء، ومنها الفرك، ويطهر به منّي
يابس، أما الرطب فإنه يجب غسله لقوله صلى اللّه عليه وسلم لعائشة: "فاغسليه إن كان رطباً، وافركيه إن كان يابساً" ولا يضر بقاء أثره بعد الفرك، وإنما يطهر بالفرك إذا نزل من مستنج بماء لا بحجر، لأن الحجر لا يزيل البول المنتشر على رأس الحشفة، فإذا لم يتنشر البول ولم يمرّ عليه المنيّ في الخارج فإنه يطهر بالفرك أيضاً، إذ يضر مروره على البول في الداخل ولا فرق بين منيّ الرجل ومنيّ المرأة الخارج من الداخل، لاختلاطه بمنيّ الرجل، وقد ذكر في الحديث أنه يطهر بالفرك، أما منيّ غير الآدمي، فإنه لا يطهر بالفرك، لأن الرخصة وردت في منيّ الآدمي فلا يقاس عليه غيره، ومنها الندف، ويطهر به القطن إذا ندف. وقد عدّوا في المطهرات أموراً أخرى تساهلاً، كقطع الدهن الجامد المتنجس وطرحه، كما تقدم، وهو المعبر عنه بالتقرير، لأنه في الحقيقة
عزل للجزء المتنجس عن غيره لا تطهير له، ومثله قسمة المتنجس بفصل الأجزاء النجسة عن الطاهرة، وكذلك هبة المتنجس لمن لا يرى نجاسته، فإن الهبة لا تعدّ مطهرة له في الحقيقة.
كيفية إزالة النجاسة وتطهيرها المالكية
المالكية قالوا: يطهر محل النجاسة بغسله بالماء الطهور، ولو مرة إذا
انفصل الماء عن المحل طاهراً، ولا يضر تغيره بالأوساخ الطاهرة، ويشترط زوال طعم النجاسة عن محلها، ولو عسر، لأن بقاءه دليل على تمكن النجاسة منه، وكذلك يشترط زوال لونها وريحها إذا لم يتعسر زوالهما، فإن تعسر زوالهما عن المحل، كما لا يلزم الغسل بأشنان أو صابون أو نحوهما والغسالة المتغيرة بأحد أوصاف النجاسة نجسة، أما إن تغيرت بصبغ أو وسخ فلا، ويكفي في تطهير الثوب والحصير والخف والنعل المشكوك في إصابة النجاسة إياها نضحها مرة، أي رشها بالماء الطهور، ولو لم يتحقق تعميم المحل بالماء، وأما البدن والأرض المشكوك في إصابتها غياها فلا يطهران إلا بالغسل، لأن النضح خلاف القياس.
فيقتصر فيه على ما رود، وهو الثوب والحصير والخف والنعل، ولو غسلها بالماء كان أحوط، لأنه الأصل. والنضح تخفيف، والأرض
المتنجسة يقيناً أو ظناً تطهر بكثرة إفاضة الطهور عليها حتى تزول عين النجاسة وأوصافها، لحديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فصاح به بعض الصحابة؛ فأمرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم بتركه، وأن يصبوا على موضع بوله ذنوباً من ماء، كما رواه الشيخان؛ والذنوب "بفتح الذال" هو الدَّلو، ويطهر الماء المتنجس بصب الطهور عليه حتى تذهب منه أوصاف النجاسة، وأما المائعات غير الماء، كالزيت والسمن والعسل فتنجس بقليل النجاسة، ولا تقبل التطهير بحال من الأحوال.
كيفية إزالة النجاسة وتطهيرها الحنابلة
الحنابلة قالوا: كيفية التطهير بالماء الطهور في غير الأرض ونحوها. مما يأتي، أن يغسل المتنجس سبع مرات منقية، بحيث لا يبقى للنجاسة بعد الغسلات السبع لون ولا طعم ولا ريح وإن لم تزل النجاسة إلا بالغسلة السابعة، فإن كانت النجاسة من كلب أو خنزير أو ما تولد منهما أو من أحدهما فإنه يجب أن يضاف إلى الماء في إحدى الغسلات تراب طهور أو صابون أو نحوه، والأولى أن يكون مزج التراب ونحوه بالماء في الغسلة الأولى، فإن بقي للنجاسة أثر بعد الغسل سبعاً زيد في عدد الغسلات بقدر ما تزول به النجاسة، فإن تعذر زوال طعمها لم يطهر وعفي عنه، وإن تعذر زوال لونها أو ريحها أو هما معاًالنبي صلى اللّه عليه وسلم فالمحل المتنجس يصير طاهراً. ويشترط في تطهير المتنجس الذي تشرَّب النجاسة أن يعصر كل مرة خارج الماء إن أمكن عصره، ويقتصر في العصر على القدر الذي لا يفسد الثوب، أما ما لا يتشرب النجاسة، كالآنية فإنه يطهر بمرور الماء عليه وانفصاله عنه سبع مرات، وأما ما لا يمكن عصره مما يتشرب النجاسة فإنه يكفي دقة أو وضع شيء ثقيل عليه، أو تقليبه بحيث ينفصل الماء عنه عقب كل غسله من السبع، أما الأرض المتنجسة ونحوها من الصخر الأحواض الكبيرة أو الصغيرة الداخلة في البناء فإنه يكفي في تطهيرها من النجاسة صبّ الماء عليها بكثرة حتى تزول عين النجاسة، ويكفي في تطهير المتنجس ببول غلام رضيع لم يتناول الطعام برغبة أن يغمر بالماء، ولو لم ينفصل، ومثل بوله في ذلك قيئه.
كيفية إزالة النجاسة وتطهيرها الشافعية
الشافعية قالوا: كيفية التطهير بالماء الطهور في النجاسة المغلظة، وهي ما كانت من كلب أو خنزير أو متولد منهما أو من أحدهما؛ هي أن يغسل موضعها سبع مرات وأن يصاحب ماء إحدى الغسلات تراب طهور، أي غير نجس ولا مستعمل في تيمم، والمراد بالتراب هنا ما هو أعم من التراب في التيمم، فيشمل الأعفر والأصفر والأحمر والأبيض والطين وما خلط بطاهر أخر نحو دقيق. وللترتيب ثلاث كيفيات: إحداها: مزج الماء بالتراب قبل وضعه على محل النجاسة. ثانيها: أن يوضع الماء على محل النجاسة قبل التراب، ثم يوضع عليه التراب، ثالثها: أن يوضع التراب أولاً ثم يصب عليه الماء، ولا تجزئ غسلة التتريب بجميع كيفياتها الثلاث إلا بعد زوال جرم النجاسة، فإن لم يكن للنجاسة جرم، فإن كان محلها جافاً أجزأَ أيّ واحدة من الكيفيات الثلاثة، وإن كان محل النجاسة رطباً لم يجزئ وضع التراب أولاً لتنجسه بسبب ضعفه عن الماء، ويجزئ الكيفيتان الأخريان، ولو كانت النجاسة المغلظة في أرض بها تراب غير نجس العين كفى ترابها في تطهيرها بالسبع بدون تراب آخر، وأولى الغسلات السبع ما أزيل به عين النجاسة وإن تعدد، فلو أزيلت عين النجاسة بواحدة
اعتبرت واحدة وزيد عليها ست، ولو زالت بست حسبت واحدة وزيد عليها ست، ولو زالت بسبع فأكثر حسبت واحدة وزيد عليها ست، وأما زوال وصف النجاسة من طعم أو لون أو ريح فلا يتوقف على عدد الغسلات، فلو لم يزل إلا بسبع مثلاً حسبت سبعاً، أما النجاسة المخففة فكيفية تطهيرها أن يرش على محلها ماء يعم النجاسة وإن لم يسل، والنجاسة المخففة هي حصول بول الصبي إذا كان غلاماً لم يبلغ الحولين ولم يتغذ إلا باللبن بسائر أنواعه، ومنه الجبن والقشدة والزبد، سواء كانلبن آدمي أو غيره، بخلاف الأنثى والخنثى المشكل. فإن بولهما يجب غسله، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام"، وأحلق الخنثى بالأنثى، فإذا زاد الصبي على الحولين وجب غسل بوله ولم لم يتناول طعاماً غير اللبن، كما يجب غسل بوله إذا غذي بغير اللبن ولو مرة واحدة، ولكن إذا أعطي له شيء لا بقصد التغذية فتغذي منه، كدواء، فإنه لا يمنع الرش، ولا بدّ من زوال عين النجاسة قبل رش محلها بالماء، كأن يعصر الثوب أو يجفف، وكذا لا بد من زوال أوصاف النجاسة مع الرش، وإنما قيدوا بخصوص البول ليخرج غيره من الفضلات النجسة فإنها يجب فيها الغسل، أما النجاسة المتوسطة، وهي غير ما تقدم فإنها تنقسم إلى حكمية، وهي التي ليس لها جرم ولا طعم ولا لون ولا ريح، كبول غير الصبي إذا جف. وعينية، وهي التي لها جرم أو طعم أو لون أو ريح. أما الحكمية فكيفية تطهيرها أن يصب الماء على محلها ولو مرة واحدة ولو من غير قصد. وأما العينية فكذلك، ولكن بشرط زوال عين النجاسة، أما أوصافها فإن بقي منها الطعم وحده، فإن بقاءه يضر ما لم تتعذر إزالته. وضابط التعذر أن لا يزول إلا بالقطع، وحينئذ يكون المحل نجساً معفواً عنه، فإن قدر على الإزالة بعد ذلك وجبت؛ ولا تجب إعادة ما صلاه قبل، فإن تعسر زواله وجبت الاستعانة بصابون ونحوه إلا أن يتعذر، وإن بقي اللون والريح معاً فالحكم كذلك، وإن بقي اللون فقط أو الريح فقط على إزالته بعد ذلك فلا تجب طهارة المحل؛
ويشترط في إزالة النجاسة بأنواعها الثلاثة أن يكون الماء وارداً على المحل إذا كان الماء قليلاً، فإن كان قليلاً موروداً تنجس الماء بالتغير، سواء كان قليلاً أو كثيراً فإنه لا يطهر إلا بإضافة الماء الطهور إليه حتى يزول تغيره بشرط أن يبلغ قلتين. وكيفية تطهير الأرض المتنجسة بالنجاسة المتوسطة المائعة، كبول. أو خمر. أن تغمر بالماء إذا تشرَّبت النجاسة، أما إذا لم تتشرب النجاسة فلا بد من تجفيفها أولاً، ثم يصب عليه الماء ولو مرة واحدة، وكيفية تطهيرها من النجاسة الجامدة، هي أن ترفع عنها النجاسة فقط إذا لم يصب شيء منها الأرض، وأن ترفع عنها ثم يصب على محلها ماء يعمها إذا كانت رطبة وأصاب الأرض شيء منها.
ومنها استحالة عين النجاسة إلى صلاح، كصيرورة الخمر خلاً، ودم الغزال مسكاً،
ومنها حرق النجاسة بالنار، على اختلاف المذاهب
إزالة النجاسة بحرق النجاسة بالنار
(الحنفية قالوا: حرق النجاسة بالناس مطهر.
الشافعية. والحنابلة لم يعدُّوه من المطهرات، فيقولون: إن رماد النجس ودخانه نجسان.
المالكية قالوا: إن النار لا تزيل النجاسة، واستثنوا رماد النجس على المشهور):
إزالة النجاسة بدباغ جلود الميتة
وأما دباغ جلود الميتة ففي كونه مطهراً لها أو غير مطهر تفصيل في المذاهب
(الحنفية: لم يفرقوا في الدبغ بين أن يكون حقيقياً، كالدبغ بالقرظ، والشب ونحوهما. أو حكمياً، كالدبغ بالتتريب أو التجفيف بالشمس أو الهواء، والدباغ يطهر جلود الميتة إذا كانت تحتمل الدبغ، أما ما لا يحتمله، كجلد الحية فإنه لا يطهر بالدبغ، ولا يطهر بالدبغ جلد الخنزير، أما جلد الكلب فإنه يطهر بالدبغ، لأنه ليس نجس العين على الأصح، ومتى طهر الجلد صح استعماله في الصلاة وغيرها، إلا أكله فإنه يمتنع، وما على الجلد من الشعر وغيره طاهر، كما تقدم. الشافعية: خصوا الدبغ المطهر بما له حرافة ولذع في اللسان، بحيث يزيل النجاسة أمور: منها الماء الطهور، ولا يكفي في إزالتها الطاهر... ... يذهب رطوبة الجلد وفضلاته، حتى لا ينتن بعد ذلك، ولو كان الدابغ نجساً، كزبل طير، إلا أن الجلد المدبوغ بنجس يكون كالثوب المتنجس، فيجب غسله بعد الدبغ، ولا يظهر بالدبغ جلد الكلب والخنزير وما تولد
منهما أو من أحدهما مع حيوان طاهر، وكذا لا يطهر بالدبغ ما على الجلد من صوف ووبر وشعر وريش، لكن قال النووي: يعفى عن القليل من ذلك لمشقة إزالته.
المالكية: لم يجعلوا الدبغ من الطهرات، وحملوا الطهارة الواردة في الحديث على النظافة ورخصوا في استعمال المدبوغ في طهور وفي يابس، بشرط أن لا يطحن عليه ما لم يكن جلد خنزير، فإنه لا يرخص فيه، أما اليابس فلأنه لا تتعلق به نجاسة الجلد، وأما الطهور فلأنه لقوته يدفع النجاسة عن نفسه وأما ما على الجلد من الصوف ونحوه فطاهر، لأنه لا تحله الحياة، فلم يتنجس بالموت، كما تقدم، والقول بأن الدبغ ليس من المطهرات هو المشهور عند المالكية، والمحققون منهم يقولون: إنه
مطهر.
الحنابلة: لم يجعلوا دبغ جلود الميتة من المطهرات، إلا أنهم قالوا بإباحة استعمالها بعد الدبغ في اليابسات فقط أما صوف الميتة وشعرها ووبرها وريشها فطاهر): ولا تشترط النية في تطهير المتنجس. ولا يقبل التطهير ما تنجس من المائعات
(الحنفية قالوا: إن المائعات المذكورة تقبل التطهير بالماء، وقد تقدم كيفية تطهيرها بالماء في ذكر المطهرات) غير الماء، كزيت، وسمن، وعسل،
إزالة وتطهير النجاسة الجامدات
وأما الجامدات فإنها تقبل التطهير إلا ما تشربت أجزاؤه من النجاسة
(المالكية قالوا: إن مما لا يقبل التطهير من الجامدات التي تشربت أجزاؤها النجاسة اللحم إذا طبخ بنجس، بخلاف ما لو حلت به النجاسة بعد نضجه فإنه يقبل التطهير، وكذا لا يقبل التطهير البيض المسلوق بنجس والزيتون المملح به والفخار الذي غاصت النجاسة في أعماقه.
الحنابلة: وافقوا المالكية فيما ذكر إلا في البيض المسلوق فإنه يقبل التطهير لصلابة قشره المانعة من تشرب النجاسة، ولم يفرقوا في اللحم بين المطبوخ والمسلوق، فهو عندهم لا يقبل التطهير مطلقاً.
الشافعية قالوا: إن الجامدات اتي تشربت النجاسة تقبل التطهير فلو طبخ لحم في نجس أو تشربت حنطة النجاسة أو سقيت السكين بنجاسة فإنها تطهر ظاهراً وباطناً بصب الماء عليها إلا في اللبن "أي الطوب النيء" الذي عجن بنجاسة جامدة فإنه لا يقبل التطهير، ولو أحرق وغسل بالماء بخلاف المتنجس بمائع، فإنه يطهر بغمره بالماء الطهور.
الحنفية: فصَّلوا في الجامدات، فقالوا: إن كانت آنية ونحوها تقبل التطهير على الوجه المتقدم في كيفية التطهير، وإن كانت مما يطبخ، كاللحم والحنطة، فإن أصابتها نجاسة وطبخت بها فلا تطهر. بعد الغليان أبداً، على المفتى به لأن أجزاءها تكون قد تشربت النجاسة حينئذ، ومن ذلك الدجاجة إذا غليت قبل شق بطنها، فإنها لا تطهر أبداً لتشرب أجزائها النجاسة، فيجب شق بطنها وإخراج ما فيها وتطهيرها بالغسل قبل غليها، ومن ذلك رؤوس الحيوانات ولحم الكرش فإنها لا تطهر أبداً إذا غليت قبل غسلها وتطهيرها)، على تفصيل في المذاهب