أركان الإسلام خمسة
كتاب كاشفة السجا شرح سفينة النجا
محتويات
- أركان الإسلام خمسة
- التفكر على خمسة أوجه
- محبة الله على عشرة معان من جهة العبد
- وجوب التعميم في إعطاء الزكاة إلي ثمانية أنواع
- شرط آخذ الزكاة
- صوم رمضان
- االعودة إلي كتاب كتاب كاشفة السجا
أركان الإسلام خمسة
(فصل): في بيان دعائم الإسلام وأساسها وأجزائها (أركان الإسلام خمسة) فلا ينبنى بغيرها فإضافة الأركان من إضافة الأجزاء إلى الكل أي الدعائم والأساس والأجزاء التي يتركب الإسلام منها خمسة فلا يكون من غيرها، قال الباجوري: الإسلام لغة مطلق الانقياد أي سواء كان للأحكام الشرعية أو لغيرها، وشرعاً: الانقياد للأحكام الشرعية، وقيل الإسلام هو العمل انتهى.
أولها (شهادة) أي تيقن (أن لا إله) أي لا معبود بحق موجود (إلا الله) وهو متصف بكل كمال لا نهاية له ولا يعلمه إلا هو ومنزه عن كل نقص ومنفرد بالملك والتدبير، واحد في ذاته وصفاته وأفعاله. (وأن محمداً)بن عبد اللهبن عبدالمطلببن هاشمبن عبدمناف (رسول الله) واختلف العلماء في بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الملائكة على قولين، وجزم الحليمي والبيهقي أنه لم يكن مبعوثاً إليهم، ورجح السيوطي والشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مبعوثاً إليهم، وزاد السبكي أنه صلى الله عليه وسلّم مرسل إلى جميع الأنبياء والأمم السابقة وأن قوله صلى الله عليه وسلّم: بعثت إلى الناس كافة شامل لهم من لدن آدم إلى قيام الساعة ورجحه البارزي وزاد أنه مرسل إلى جميع الحيوانات والجمادات من رمل وحجر ومدر، وزيد على ذلك أنه مرسل إلى نفسه، ذكر ذلك في تزيين الأرائك، قال صلى الله عليه وسلّم: وأرسلت إلى الخلق كافة.
[فائدة] قال الباجوري: وقد ذكر بعضهم أن من تمام الإيمان أن يعتقد الإنسان أنه لم يجتمع في أحد من المحاسن الظاهرة والباطنة مثل ما اجتمع فيه صلى الله عليه وسلّم.
(و) ثانيها (إقام الصلاة) وهي أفضل العبادات البدنية الظاهرة وبعدها الصوم ثم الحج ثم الزكاة ففرضها أفضل الفرائض ونفلها أفضل النوافل ولا يعذر أحد في تركها ما دام عاقلاً. وأما العبادات البدنية التقلبية كالإيمان والمعرفة والتفكر والتوكل والصبر والرجاء والرضا بالقضاء والقدر ومحبة الله تعالى والتوبة والتطهر من الرذائل كالطمع ونحوه فهي أفضل من العبادات البدنية الظاهرة حتى من الصلاة فقد ورد: تفكر ساعة أفضل من عبادة ستين سنة وأفضل الجميع الإيمان.
التفكر على خمسة أوجه
[فائدة] قال جمهور العلماء: إن التفكر على خمسة أوجه: إما في آيات الله ويلزمه التوجه إليه واليقين به، أو في نعمة الله ويتولد عنه المحبة، أو في وعد الله ويتولد عنه الرغبة، أو في وعيد الله ويتولد عنه الرهبة، أو في تقصير النفس عن الطاعة ويتولد عنه الحياء بالفتح والمد وهو الانقباض والانزواء. قال أحمدبن عطاء الله: من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الطاعات وترك الندم على ما فعلته من وجود الزلات. وقال أيضاً: الحزن على فقدان الطاعات في الحال مع عدم النهوض أي الارتفاع إليها في المستقبل من علامات الاغترار.
محبة الله على عشرة معان من جهة العبد
[فائدة] قال بعضهم: محبة الله على عشرة معان من جهة العبد. أحدها: أن يعتقد أن الله تعالى محمود من كل وجه وبكل صفة من صفاته. ثانيها: أن يعتقد أنه محسن إلى عباده منعم متفضل عليهم. ثالثها: أن يعتقد أن الإحسان منه إلى العبد أكبر وأجل من أن يقابل بقول أو عمل منه وإن حسن وكثر. رابعها: أن يعتقد قلة قضاياه عليه وقلة تكاليفه. خامسها: أن يكون في عامة أوقاته خائفاً وجلاً من إعراضه تعالى عنه وسلب ما أكرمه به من معرفة وتوحيد وغيرهما. سادسها: أن يرى أنه في جميع أحواله وآماله مفتقراً إليه لا غنى له عنه. سابعها: أن يديم ذكره بأحسن ما يقدر عليه منه. ثامنها: أن يحرص على إقامة فرائضه وأن يتقرب إليه بنوافله بقدر طاقته. تاسعها: أن يسر أي يفرح بما سمع من غيره من ثناء عليه أو تقرب إليه وجهاد في سبيله سراً وعلانية نفساً ومالاً وولداً. عاشرها: إن سمع من أحد ذكر الله أعانه.
[تنبيه] الصلاة والزكاة والحياة إذا لم تضف تكتب بالواو على الأشهر اتباعاً للمصحف ومن العلماء من يكتبها بالألف، أما إذا أضيفت فلا يجوز كتابتها إلا بالألف سواء أضيفت إلى ظاهر أو مضمر كما قاله ابن الملقن. (و) ثالثها
وجوب التعميم في إعطاء الزكاة إلي ثمانية أنواع
(إيتاء الزكاة) أي إعطاؤها لمن وجد من المستحقين فوراً إذا تمكن من الأداء مع وجوب التعميم وهم ثمانية أنواع. الأول: فقير وحده: هو الذي لا مال له أصلاً ولا كسب كذلك حلالين والمراد بالكسب هنا هو طلب المعيشة أوله مال فقط حلال لا يسد من جوعته مسداً من كفاية العمر الغالب على المعتمد عند توزيعه عليه إن لم يتجر فيه بحيث لا يبلغ النصف كأن يحتاج إلى عشرة دراهم، ولو وزع المال الذي عنده على العمر الغالب لخص كل يوم أربعة أو أقل بخلاف من قدر على نصف كافيه فإنه مسكين، وأما إن اتجر فالعبرة بكل يوم أوله كسب فقط حلال لائق به لا يسد مسداً من كفايته كل يوم كمن يحتاج إلى عشرة ويكتسب كل يوم أربعة فأقل أوله كل منهما ولا يسد مجموعهما مسداً من كفايته.
والثاني: مسكين وهو من قدر على مال أو كسب أو عليهما معاً يسد كل منهما أو مجموعهما من جوعته مسداً من حيث يبلغ النصف فأكثر ولا يكفيه كمن يحتاج إلى عشرة ولا يملك أو لا يكتسب إلا خمسة أو تسعة ولا يكفيه إلا عشرة، ويمنع فقر الشخص ومسكنته كفايته بنفقة الزوج أو القريب الذي يجب الإنفاق عليه كأب وجد لا نحو عم وكذا اشتغاله بنوافل والكسب يمنعه منها فإنه يكون غنياً ولا يمنع ذلك اشتغاله بعلم شرعي أو علم آلات، والكسب يمنعه لأنه فرض كفاية إذا كان زائداً عن علم الآلات وإلا فهو فرض عين كما بين ذلك شيخنا أحمد النحراوي، ولا يمنع ذلك أيضاً مسكنه وخادمه وثياب وكتب له يحتاجها مال له غائب بمرحلتين أو مؤجل فيعطى ما يكفيه إلى أن يصل ماله أو يحل الأجل لأنه الآن فقير أو مسكين.
والثالث: عامل كساع يعمل في أخذها من أرباب الأموال وكاتب يكتب ما أعطاه أربابها وقاسم يقسمها على المستحقين وحاشر يجمع الملاك أو ذوي السهمان لا قاضٍ ووالٍ. والرابع: المؤلفة أن قسم الإمام وهم أربعة: من أسلم ولكن ضعيف يقين وهو الإيمان أو قويه ولكن له شرف في قومه يتوقع بإعطائه إسلام غيره من الكفار أو من يكفينا شر من يليه من الكفار ومن يكفينا شر مانعي الزكاة فهذان القسمان الأخيران إنما يعطيان إذا كان إعطاؤهما أهون علينا من تجهيز جيش نبعثه لكفار أو مانعي الزكاة أما القسمان الأولان فلا يشترط في إعطائهما ذلك. والخامس: الرقاب وهم المكاتبون لأن غيرهم من الأرقاء لا يملكون ذلك إذا كانوا لغير المزكي ولو لنحو كافر وهاشمي ومطلبي فيعطون ما يعينهم على العتق إن لم يكن معهم ما يفي بنجومهم ولو بغير إذن سيدهم، ويشترط كون الكتابة صحيحة بأن تستوفي شروطها وأركانها، فأركانها أربعة:
أحدها رقيق وشرط فيه اختيار وعدم صبا وجنون وأن لا يتعلق به حق لازم كالمرهون. وثانيها: صيغة وشرط فيها لفظ يشعر بالكتابة إيجاباً ككاتبتك أو أنت مكاتب على دينارين تأتي بهما في شهرين فإن أديتهما إلي فأنت حر وقبولاً كقبلت ذلك. وثالثها: عوض وشرط فيه كونه ديناً أو منفعة مؤجلاً بنجمين فأكثر ولا يجوز أقل من نجمين ولا بد من بيان قدر العوض وصفته وعدد النجوم وقسط كل نجم ورابعها: سيد وشرط فيه كونه مختاراً أهل تبرع وولاء فلا تصح من مكره ومكاتب وإن أذن له سيده، ولا من صبي ومجنون ومحجور سفه وأوليائهم لا من محجور فلس ولا من مرتد لأن ملكه موقوف، ويجوز صرف الزكاة إليهم قبل حلول النجوم على الأصح، ولا يجوز صرف ذلك إلى سيدهم إلا بإذن المكاتبين، لكن إن دفع إلى السيد سقط عن المكاتب بقدر المصروف إلى السيد لأن من أدى دين غيره بغير إذنه برئت ذمته، أما المكاتب كتابة فاسدة وهو من لم يستوفٍ تلك الأركان والشروط فلا يعطي شيئاً من الزكاة.
والسادس: الغارم وهو ثلاثة من تداين لنفسه في أمر مباح طاعة كان أو لا وإن صرف في معصية أو في غير مباح كخمر وتاب وظن صدقه في توبته، أو صرفه في مباح فيعطى مع الحاجة بأن يحل الدين ولا يقدر على وفائه أو تداين لإصلاح ذات الحال بين القوم كأن خاف فتنة بين قبيلتين تنازعتا بسبب قتيل ولو غير آدمي بل ولو كلباً فتحمل ديناً تسكيناً للفتنة فيعطى ولو غنياً، أو تداين لضمان فيعطى إن أعسر مع الأصيل وإن لم يكن متبرعاً بالضمان أو أعسره وحده وكان متبرعاً بالضمان بخلاف ما إذا ضمن بالإذن. والسابع: سبيل الله وهم الغزاة المتطوعون بالجهاد أي الذين لا رزق لهم في الفيء فيعطون ولو أغيناء إعانة لهم على الغزو. والثامن: ابن السبيل وهو على قسمين: مجازي وهو منشىء سفر من بلد مال الزكاة وحقيقي وهو مار ببلد الزكاة في سفره وذلك إن احتاج بأن لم يكن معه ما يوصله مقصده أو ماله فيعطى من لا مال له أصلاً، وكذا من له مال في غير البلد المنتقل إليه بشرط أن لا يكون سفره معصية، قال في المصباح: وقيل للمسافر ابن السبيل لتلبسه به أي بالسبيل والطريق، قالوا: والمراد بابن السبيل في الآية من انقطع عن ماله انتهى.
شرط آخذ الزكاة
[خاتمة] وشرط آخذ الزكاة من هذه الثمانية حرية وإسلام وأن لا يكون هاشمياً ولا مطلبياً لقوله صلى الله عليه وسلّم: "إن هذه الصدقة أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" ووضع الحسن في فيه تمرة أي من تمر الصدقة فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بلعابه وقال: كخ كخ إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقات. ومعنى أوساخ الناس أن بقاءها في الأموال يدنسها كما يدنس الثوب الوسخ. وقوله: كخ كخ كما قال الصبان نقلاً عن ابن قاسم هو بكسر الكاف وتشديد الخاء ساكنة ومكسورة. وعن القاموس جواز تخفيف الخاء وجواز تنوينها وجواز فتح الكاف وهي اسم صوت وضع لزجر الطفل عن تناول شيء، ونقل عن الاصطخري القول بجواز صرف الزكاة إلى بني هاشم وبني المطلب عند منعهم من خمس الخمس. قال البيجوري: ولا بأس بتقليد الاصطخري في قوله الآن لاحتياجهم، وكان الشيخ محمد الفضالي رحمه الله يميل إلى ذلك محبة فيهم نفعنا الله بهم.
صوم رمضان
(و) رابعها (صوم رمضان) وفرض في شعبان من السنة الثانية من الهجرة فصام صلى الله عليه وسلّم تسع رمضانات واحداً كاملاً وثمانية نواقص.
[تنبيه] اعلم أن رمضان غير منصرف للعلمية إلا إن كان المراد به كل رمضان من غير تعيين وإذا أريد به ذلك صرف لأنه نكرة، وبقاء الألف والنون الزائدتين لا يقتضي منعه من الصرف كما قال الشرقاوي، وقال أبو القاسم الحريري في كتابه بنت الليلة من بحر الرجز:
ومنه ما جاء على فعلانا >< على اختلاف فائه أحيانا تقول مروان أتى كرمانا >< ورحمة الله على عثمانا فهذه إن عرِّفت لم تنصرف >< وما أتى منكَّراً منها صرف قال عبد الله الفاكهي: أي ومن غير المنصرف العلَم المزيد في آخره ألف ونون الجائي على وزن فعلان مثلث الفاء كمروان وكرمان وعثمان فهذه إن قصد بها التعريف بالعلمية لم تنصرف لوجود العلتين كمررت بمروان، وإن قصد بها التنكير صرفت لزوال العلمية تقول: رب مروان لقيته بالجر والتنوين، قال عثمان في تحفة الحبيب: وإنما سمي هذا الشهر بهذا الاسم لأنه مأخوذ من الرمض وهو الإحراق لرمض الذنوب فيه أي إحراقها. قال أحمد المقري في المصباح: ورمضان اسم الشهر قيل سمي بذلك لأن وضعه وافق الرمض وهو شدة الحر وجمعه رمضانات وأرمضاء. (تبصرة) قال أحمد الفشني: وقد قيل الصوم عموم وخصوص الخصوص؛ فالعموم كف البطن والفرج عن قصد الشهوة والخصوص هو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام وخصوص الخصوص صرف القلب عن الهمم الدنية وكفه عما سوى الله بالكلية. (و) خامسها (حج البيت) أي قصده للحج أو العمرة (من استطاع إليه سبيلا) وهو من الشرائع القديمة بل ما من نبي إلا وحج خلافاً لمن استثنى هوداً وصالحاً. وروي أن آدم حج أربعين سنة من الهند ماشياً، وعيسى يحتمل أنه حج قبل رفعه إلى السماء أو أنه يحج حين ينزل الأرض، وفي الخبر: من قضى نسكه وسلم الناس من يده ولسانه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وإنفاق الدرهم الواحد في ذلك يعدل ألف ألف فيما سواه، رواه الترمذي. وورد في الخبر: أن البيت الحرام يحجه كل عام سبعون ألفاً من البشر فإذا نقصوا عن ذلك أتمهم الله عز وجل من الملائكة، وإذا زادوا على ذلك يفعل الله ما يريد، وأن البيت المعمور في السماء الرابعة تحج إليه الملائكة كما تحج البشر إلى البيت الحرام. [نكتة] حكي عن محمدبن المنكدر أنه حج ثلاثاً وثلاثين حجة فلما كان آخر حجة حجها قال وهو بعرفات: اللهم إنك تعلم أني وقفت في موقفي هذا ثلاثاً وثلاثين وقفة فواحدة عن فرضي والثانية عن أبي والثالثة عن أمي وأشهدك يا رب أني قد وهبت الثلاثين لمن وقف موقفي هذا ولم تتقبل منه فلما دفع أي رحل من عرفات نودي يا ابن المنكدر أتتكرم على من خلق الكرم والجود وعزتي وجلالي قد غفرت لمن يقف في عرفات قبل أن أخلق عرفات بألف عام (توضيح) قوله حج بفتح الحاء وكسرها وهو مصدر مضاف لمفعوله ومن فاعله وهو اسم موصول مبني على السكون في محل رفع والتقدير وأن يحج البيت المستطيع ومثل ذلك ما في الحديث الذي رواه الشيخان وهو قوله صلى الله عليه وسلّم، بني الإسلام على خمس إلى أن قال: وحج البيت كما قاله علي الأشموني في كتابه الملقب بمنهج السالك. وأما حج البيت في قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ((3) آل عمران:97) فلا يتعين من للفاعلية بل يحتمل كونه بدلاً من الناس بدل بعض من كل حذف رابطه لفهمه أي من استطاع منهم، وأن يكون مبتدأ خبره محذوف أي فعليه أن يحج، أو شرطية جوابها محذوف أي فليحج كما قاله محمد الصبان في حاشيته. وقوله إليه عائد إلى البيت متعلق باستطاع وسبيلاً إما مفعول به لاستطاع أو تمييز على ما استحسنه شيخنا عمر البقاعي وعمر الجبرتي أي من جهة السبيل.