كتاب بغية المسترشدين با علوي الحضرمي
محتويات
الأذان
[فائدة]: قد اشتهر أن الديك يؤذن عند أذان حملة العرش، وأنه يقول في صياحه: يا غافلون اذكروا الله، ونقل الغزالي عن ميمون قال: بلغني أن تحت العرش ملكاً في صورة ديك، فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحه وقال: ليقم القائمون، وإذا مضى النصف قال: ليقم المصلون، فإذا طلع الفجر قال: ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم. وروي أنه قال: "الديك الأفرق حبيبي وحبيب حبيبي جبريل يحرس بيته وستة عشر بيتاً من جيرانه" وأنه كان له ديك أبيض اهـ بج.
[فائدة]: يندب الأذان للرجل وإن سمع أذان غيره ما لم يكن مدعوًّا به، بأن سمعه من مكان وأراد الصلاة فيه وصلى فيه فلا يندب له الأذان حينئذ اهـ (م): وقوله: وصلى فيه أي ولو بعد الجماعة الأولى كما هو ظاهر السياق، وفي فتاوى ابن حجر: أن الأذان الواحد يكفي لجميع الجماعات المتكررة في المسجد بالنسبة لسقوط الكراهة، أما بالنسبة لحصول الفضيلة فهو للجماعة التي تليه، ولا عبرة بقصد المؤذن ولا بدخوله في الجماعة، نعم لا يثابون عليه حتى يأمروه أو يتسببوا فيه اهـ. وخالفه أبو مخرمة وعبارته: ولو أذن لجماعة المسجد المعهودة فأراد من حضر أن يصلي منفرداً أو جماعة قبل جماعة المسجد فالأرجح أنه يؤذن سراً، ولا تحتاج جماعة المسجد إلى أذان اهـ.
[فائدة]: قال الشيخ أحمد الحبشي: ندب رفع الصوت للجماعة مقيد بوقت الاختيار لا بعده، وبما إذا لم يتعدد محل الجماعة، وبما إذا لم ينصرفوا، وإلا فلا يندب الرفع الكثير مطلقاً اهـ.
[فائدة]: لا تجزي إقامة الأنثى للرجال والخناثى بخلافها للنساء فتسنّ، ويحرم أذانها بحضرة رجال ولو محارم، كما لو رفعت صوتها به مطلقاً وقصدت التشبه بالرجال أو الأذان الشرعي وإن لم ترفع اهـ كشف النقاب. ولا يندب الأذان للمعادة، كما نقله الزمزمي عن فتاوى ابن حجر، واعتمده ابن عبد البر، ونقل عن سم وبج أنه يقال فيها: الصلاة جامعة، وقال باعشن: يؤذن لها على خلاف فيه اهـ. ولو أذن وأقام للعيد حرم لتعاطيه عبادة فاسدة كالأذان قبل الوقت، لكن في شرح (م ر): الكراهة، ويمكن حمله على ما إذا أذن لا نبيته، اهـ ع ش، اهـ بج.
(مسألة): يجب ترك الأذان والإقامة عند ضيق الوقت بحيث لا يسعها كسائر السنن، أما لو فاتت وأراد قضاءها سنّ لها الأذان وغيره من سائر السنن حينئذ.
[فائدة]: شرط المؤذن كالمقيم إن نصبه الإمام كونه مكلفاً أميناً عارفاً بالوقت، أو معه أمين يخبره به، لأن ذلك ولاية فاعتبر فيه شروطها، وإلا حرم نصبه ولم يستحق أجرة، وشرطه مطلقاً الإسلام والتمييز والذكورة اهـ باعشن. وقوله: الذكورة أي ولو في أذان غير الصلاة قاله سم. وقال ع ش: يجزي أذان الأنثى في أذن المولود.
[فائدة]: قال الدميري: في الجمع بين الأذان والإمامة ثلاثة: أوجه الكراهة لحديث ضعيف، نهي أن يكون المؤذن إماماً، والاستحباب ليحوز الفضيلتين وهو الذي صححه في المجموع، والجواز. ونقل أبو الطيب الإجماع عليه. والماوردي، وحمل الروياني ذلك على اختلاف أحوال الناس اهـ. ولا يسنّ لمن يؤذن سراً جعل سبابتيه في صماخيه قاله في التحفة. وقال أبو مخرمة: يسّن، قال: ولا يسنّ النظر إلى المؤذن والخطيب، وخالفه في القلائد وفي التحفة، ويسنّ النظر إلى المؤذن، وقال الزمزمي: يستقبل المؤذن ظهر المسافر إذ لا يكون خلفه إلا كذلك اهـ.
(مسألة: ب): تسنّ الصلاة على النبي بعد الإقامة كالأذان ولا تتعين لها صيغة، وقد استنبط ابن حجر تصلية ستأتي في الجمعة قال: هي أفضل الكيفيات على الإطلاق، فينبغي الإتيان بها بعدهما، ثم اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة الخ. ونقل عن النووي واعتمده ابن زياد أنه يسنّ الإتيان بها قبل الإقامة، وعن البكري سنها قبلهما، وأما الترضي عن الصحابة فلم يرد بخصوصه هنا كبين تسليمات التراويح، بل هو بدعة إن أتي به يقصد أنه سنة في هذا المحل بخصوصه، لا إن أتي به بقصد كونه سنة من حيث العموم لإجماع المسلمين على سنِّ الترضي عنهم، ولعل الحكمة في الترضي عنهم وعن العلماء والصلحاء التنويه بعلوِّ شأنهم والتنبيبه بعظم مقامهم.
(مسألة: ك): يسنّ لكل من المؤذن والمقيم وسامعهما الصلاة على النبي بعد الفراغ ثم الدعاء المشهور، وورد أنها تفتح أبواب السماء، ويستجاب الدعاء إذا أقيمت الصلاة، فلا يكره الدعاء حينئذ، ولا يكون بدعة بشرط أن لا يطيله بحيث تنقطع نسبته عن الإقامة، وأما تأمين المأمومين لدعاء الإمام حينئذ فلم أقف على من صرح به بخصوصه إن لم يؤخذ من عموم طلب الدعاء، نعم قال في الإيضاح في مبحث الطواف، ولو دعا واحد وأمّن جماعة فحسن، وأقره شارحه ومختصره.
[فائدة]: الفضيلة عطف بيان على الوسيلة أو من عطف العام، وقيل الوسيلة والفضيلة قبتان في أعلى عليين، إحداهما من لؤلؤة بيضاء يسكنها النبي صلى الله عليه وسلم وآله، والأخرى من ياقوتة صفراء يسكنها إبراهيم عليه السلام وآله اهـ (م ر) . وقال ع ش: ولا ينافي سؤاله لهما لجواز أن يكون السؤال لتنجيز ما وعد به من أنهما له، ويكون سكنى إبراهيم وآله فيها من قبله عليه الصلاة والسلام اهـ بج.
[فائدة]: قال في الإمداد: الأوجه أنه لا يجيب في الزيادة، فيما لو ثنى المقيم الإقامة ولو حنفياً، أو زاد المؤذن في أذانه على المشروع اعتباراً بعقيدته اهـ. وقال ابن كج: يثني مثله، ووافقه في الإيعاب. وتردد (م ر) قال: ولا يجيب أذان غير الصلاة لكن في القلائد، وشرح المنهاج لابن شعيب أنه يجيبه، وأفتى باستحباب إجابة كل أذان مشروع أيضاً أحمد بن علي بحير. قال: وقول سم لا يجيب أذان المسافر لم نر من صرح به فهو مخالف، ولو لم يسمع إلا آخره أجاب فيه، وفيما لم يسمعه مبتدئاً بأوَّله قاله في الفتح، وقال في الإيعاب: والفتاوى يتخير بين أن يجيب من أوَّله وبين أن يجيب ما سمعه، ثم يأتي بأوَّله وهو الأفضل.
(مسألة: ك): طال الفصل بين الإقامة والإحرام بقدر ركعتين ولو بسبب وسوسة الإمام في التكبير أعادها ولا يغتفر ذلك: كما لا تغتفر الوسوسة الظاهرة في إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام.
استقبال القبلة
(مسألة: ب): تعلم أدلة القبلة فرض عين في حق من بحضر أو سفر يقلّ فيه العارفون، وكفاية فيهما مع كثرتهم، أو كان ثم محاريب معتمدة معتبرة بشرطها، أو يجد من يعلمه، وحيث كان التعلم عيناً فسافر دونه فعاص لا تباح له الرخص فليتنبه لذلك، وأدلة القبلة كثيرة، قال أبو مخرمة المعتمد الذي دلت عليه القرائن أن قبلة الشحر ودوعن على مغيب النسر الواقع وحضرموت قريب منه، وذكر العلامة أبو قشير صاحب القلائد أن قبلة حضرموت على مغيب السماك الرامح والثريا، وبين النسرين وبين الفرغين مع الميل إلى الشمالي، وعلى النجمين الشاميين من الجبهة، وعلى مغيب الشمس في آخر الليل الشمالي يعني في نجم الشولة، وفي الميل الجنوبي في غايته يعني نجم الهقعة تكون على الخد الأيسر، ثم على ماق العين الأيسر، ثم وسطها بين الميلين يعني في الصرفة والفرع المقدم، ثم تميل إلى وسط الوجه قليلاً قليلاً حتى ينتهي الميل كما سبق، وكل هذا على التقريب عند الغروب، أما في الاستواء فتكون في الميل الجنوبي على نصف جانب الرأس الأيسر، وفي الشمالي على الأيمن، ثم تأخذ إلى قدام حتى عند الغروب كما سبق بين الوقتين، يتوسط بين إحدى الغروب والزوال من الرأس بقدر ما تقدمت إلى جهة المغرب، وقبلة الشحر والفوة والمشغاص كحضرموت، إلا أنه في دوعن يتيامن بقدر لطيف لا بأس به، وقبلة عين بامعبد في الظاهر على مغيب النسر الواقع، ثم بعدها يتيامن قليلاً كل يوم حتى تكون قبلة عدن على مغيب بنات نعش، ويكون الجاه حينئذ في العين اليمنى، ثم يتيامن قليلاً حتى يكون بباب المندب على مغيب الفرقدين، ثم يتيامن في المخا وبعدها كذلك حتى تكون بجازان البحر حتى الجاه، ولا يزال كذلك إلى حلى، ثم يتيامن قليلاً إلى الرياضة، ثم يتيامن كثيراً بتدريج لطيف حتى ينتهي غايته في جدة مشرق الشمس، هذا في البحر وسواحله.
وأما في البر من حضرموت فمن هينن إلى العبر كحضرموت وشبوة كدوعن، ثم يتيامن قليلاً حتى تكون قبلة إيراد على يسار مغيب بنات نعش قرب النسر، ثم الجوف الأعلى على جانبهنّ الأيسر، وصعدة على جانبهنّ الأيمن، وجاز أن البر غربي الجاه، وسواحلها على الجاه، وقبلة الرياضة إلى مكة برّ الشرقي الجاه قليلاً حتى يقرب منها يسأل عن جهة عينها من يسكن، ثم هذا ما تتبعناه في سلوكها لا سيما باعتبار الجهة وعليه العمل، واختاره الغزالي وقوّاه الأذرعي اهـ. والقول بالجهة هو مذهب أبي حنيفة ومالك وهو أرجح الطريقين للشافعي، وإن كان المشهور اشتراط العين ولو مع البعد اهـ. قلت: والذي شاهدناه وتحققناه في غالبه مساجد تريم التي هي أعظم بلدة بحضرموت وأشهرها، ومحط العلماء والأولياء وأهل الكشف أن القبلة في المساجد المذكورة كمسجد الجامع، ومسجد الأبي علوي، ومسجد السقاف الذي يقول فيه: ما بنيته وأسسته إلا والنبي في قبلته والأئمة الأربعة بأركانه، وغيرها على مغيب النسر الواقع، فتكون الثريا حينئذ وسط العين اليسرى فافهم.
(مسألة): ومن أثناء رسالة للشيخ العلامة عبد الله بن سعيد باقشير قال: ومن توجه من مكة إلى المدينة يجعل الجاه خلف أذنه اليسرى إن سلك درب الماشي إلى أن يصل إلى جهم، ومن سميا يجعله خلف أذنه اليمنى إلى أن يصل المدينة، وقبلته من البيت الركن العراقي إلى الميزاب، ومن سلك درب السلطان فإنه يجعل الجاه كذلك إلى أن يصل الصفراء ويتيامن قليلاً قليلاً إلى جهة مطلع السلبار إلى أن يصل المدينة ذهاباً وإياباً اهـ.
(مسألة: ك): الراجح أنه لا بد من استقبال عين القبلة، ولو لمن هو خارج مكة فلا بد من انحراف يسير مع طول الصف، بحيث يرى نفسه مسامتاً لها ظناً مع البعد، والقول الثاني يكفي استقبال الجهة، أي إحدى الجهات الأربع التي فيها الكعبة لمن بعد عنها وهو قويّ، اختاره الغزالي وصححه الجرجاني وابن كج وابن أبي عصرون، وجزم به المحلي، قال الأذرعي: وذكر بعض الأصحاب أنه الجديد وهو المختار لأن جرمها صغير يستحيل أن يتوجه إليه أهل الدنيا فيكتفى بالجهة، ولهذا صحت صلاة الصف الطويل إذا بعدوا عن الكعبة، ومعلوم أن بعضهم خارجون من محاذاة العين، وهذا القول يوافق المنقول عن أبي حنيفة وهو أن المشرق قبلة أهل المغرب وبالعكس، والجنوب قبلة أهل الشمال وبالعكس، وعن مالك أن الكعبة قبلة أهل المسجد، والمسجد قبلة أهل مكة، ومكة قبلة أهل الحرم، والحرم قبلة أهل الدنيا، هذا والتحقيق أنه لا فرق بين القولين، إذ التفصيل الواقع في القول بالجهة واقع في القول بالعين إلا في صورة يبعد وقوعها، وهي أنه لو ظهر الخطأ في التيامن والتياسر، فإن كان ظهوره بالاجتهاد لم يؤثر قطعاً، سواء كان بعد الصلاة أو فيها، بل ينحرف ويتمها أو باليقين، فكذلك أيضاً إن قلنا بالجهة لا إن قلنا بالعين، بل تجب الإعادة أو الاستئناف، وتبين الخطأ إما بمشاهدة الكعبة ولا تتصوَّر إلا مع القرب، أو إخبار عدل، وكذا رؤية المحاريب المعتمدة السالمة من الطعن قاله في التحفة، ويحمل على المحاريب التي ثبت أنه صلى إليها ومثلها محاذيها لا غيرهما.
(مسألة: ك): محل الاكتفاء بالجهة على القول به عند عدم العلم بأدلة العين، إذ القادر على العين إن فرض حصوله بالاجتهاد لا يجزيه استقبال الجهة قطعاً، وما حمل القائلين بالجهة على ذلك إلا كونهم رأوا أن استقبال العين بالاجتهاد متعذر، فالخلاف حينئذ لفظي إن شاء الله تعالى لمن تأمل دلائلهم.
(مسألة: ك): تنقسم المحاريب إلى ما ثبت أنه صلى فيه، إما بطريق التواتر كمحراب مسجده عليه الصلاة والسلام، فله حكم رؤية الكعبة في جميع ما ذكروه من عدم جواز الاجتهاد مطلقاً، والأخذ بالإخبار عن علم إذا خالفه، وكذا بطريق الآحاد، لكن ليس له حكم القطع من كل الوجوه، ويمتنع الاجتهاد فيه يمنة ويسرة أيضاً، وألحق بمحرابه محاذيه، وإلى ما لم يثبت أنه صلى فيه، فإن كان بمحل نشأ به قرون من المسلمين، أو كثر به المارّون منهم، بحيث لا يقرون على الخطأ وسلم من الطعن، لم يجز الاجتهاد جهة وجاز يمنة ويسرة ولم يجب على المعتمد، فإن انتفى شرط من ذلك وجب الاجتهاد مطلقاً، والمراد باليمنة وضدها أن لا يخرج عن الجهة التي فيها الكعبة كما مرّ، ويجوز الاعتماد على بيت الإبرة يعني الديرة في دخول الوقت والقبلة لإفادتها الظن كالاجتهاد.
[فائدة]: ضبط أبو حامد السفر القصير بميل والقاضي بالخروج لمحل لا يسمع منه النداء وبينهما تقارب، والأوّل أضبط، والثاني أحوط لزيادته على الأول والمعتمد اهـ إمداد.
أركان الصلاة
(مسألة: ي): لا يلزم الناوي لركعتين من نحو التراويح والوتر استحضار من التبعيضية عند ابن حجر و ع ش، ورجح في شرح المنهج والنهاية وغيرهما لزومها.
[فائدة]: قال في المنتخب: لو قال بعد أصلي الظهر طاعة لله كفاه عن نية الفرضية إن أراد امتثال أمره الواجب عليه اهـ.
(مسألة): السنن التي تندرج مع غيرها عشر: التحية، وركعتا الطواف، والإحرام، والوضوء، وصلاة الغفلة، والاستخارة، والحاجة، والزوال والقدوم من السفر، والخروج له، ذكره في النهاية، فلو جمعها كلها أو بعضها ولو مع الفرض بنية واحدة جاز وأثيب على الكل، ويسنّ لمن وجد الإمام في الفرض أن يحرم به معه، وينوي معه التحية، ولا يشتغل بها عن الفرض بل يكره ذلك.
(مسألة: ي): ضابط الشك المبطل في نية الصلاة وإمامة الجمعة والقدوة فيها طول زمنه عرفاً أو فعل ركن فعلي أو قولي، أما الشك في نية القدوة في غير الجمعة، بل أو تيقن تركها فلا يبطل، إلا إن انتظر الإمام طويلاً وتابعه في الأفعال عمداً اهـ. قلت: قال ابن حجر: التردد بين مصححين كأن أحرم بالظهر ثم شك هل نواها أو العصر ثم بان الحال لا يضر، وإن طال زمن الشك أو فعل معه أركاناً وبين مصحح ومبطل ففيه ما مر اهـ.
(مسألة: ي ش): وصل همزة الجلالة بما قبلها كمأموماً الله أكبر لم يضر، زاد ي لو قال: والله أكبر ضر، أو والسلام عليكم فلا، قاله القفال، ولعل الفرق أن الأول ابتداء لا يليق به العطف بخلاف الثاني.
(مسألة: ش): لو وصل همزة أكبر بهاء الجلالة في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته كما لو أبدلها واواً خلافاً للأفقهسي، أو ضم راء أكبر بحيث تولد منها واو لصيرورته فعلاً ماضياً مسنداً لواو الجمع بخلاف ضمه بلا تولد فلا يضر.
[فائدة]: يستثنى من وجوب القيام ما لو كان به رمد أو سلس يستمسك بقعوده فيصلي قاعداً بلا إعادة، أو كان لو صلى جماعة قعد أو منفرداً قام فله القعود، لكن الانفراد حينئذ أفضل، وكذا لو صلى قائماً لم يمكنه قراءة السورة، أو قاعداً أمكنه، أو خاف راكب سفينة سقوطه في البحر لدوران رأسه، أو خاف الغزاة غير البغاة رؤية عدوهم، أو لم يمكنه القيام لضيق المكان، أو شق عليه البروز في المطر كمشقة المرض، فيصلي قاعداً في الكل بلا إعادة، وإن اتسع الوقت اهـ قلائد وكردي. وقوله: أو سلس يستمسك بقعوده أي فيقعد وجوباً كما في النهاية والإيعاب وشرح المختصر. قال أبو مخرمة: أو لم يمكنه القيام إلا بحركات مبطلة فيقعد بلا إعادة، لكن أفتى ابن حجر بوجوب القيام في هذه ولو تعارض القيام والستر، قال المدابغي: راعى القيام. وقال ع ش: راعى السترة أو القيام والاستقبال قدم الاستقبال أو الاستقبال والفاتحة استدبر لها اهـ شوبري.
[فائدة]: يجب على العاجز عن الإيماء برأسه الإيماء بجفنه، وهل يلزم تغميض عينيه عند نحو الركوع، وفتحهما عند نحو الاعتدال، أو يجوز العكس؟ استظهر العلامة أحمد الحبشي اللزوم. قال: ويجب أن يكون الإيماء بطرفيه جميعاً، ولا يجب التمييز بكون الإيماء للسجود أخفض خلافاً للجوهري اهـ.
(مسألة): قال في التحفة: وللمتنفل قراءة الفاتحة في هويه، وإن وصل لحد الراكع فيما يظهر، لأن هذا أقرب إلى القيام من الجلوس، ومن ثم لزم العاجز كما مر، نعم ينبغي أن لا يحسب ركوعه إلا بزيادة انحناء له بعد فراغ قراءته ويحتمل أن لا يشترط، بل تكفي زيادة طمأنينته بقصده اهـ.
[فائدة]: اختلف العلماء في وجوب الفاتحة، فأوجبها الشافعي في الجديد في كل ركعة وفي الجنازة، ومالك في ثلاث ركعات إلا للمأموم في الجهرية كقول قديم عندنا، وأبو حنيفة، وقول آخر: لا تجب على المأموم مطلقاً والحسن في ركعة. وقال علي كرم الله وجهه والأصم وابن راهويه: لا تجب في الصلاة مطلقاً، ولا تتعين الفاتحة عند أبي حنيفة ولو آية مختصرة كمد هامتان، وقال صاحباه: لا بد من ثلاث آيات أو آية طويلة اهـ من البلابل الصادحة لأبي شعيب.
[فائدة]: كتب الشيخ أبو إسحاق الكندي وزير السلطان السلجوقي إلى إمام الحرمين: سمعت أنك زدت في القراءة سطراً ونقصت من الإقامة شطراً، فدع هذه العادة وصن قلمي عن الإعادة والسلام، فكتب إليه الإمام: أمر الله المتعال أولى بالامتثال وسنة الرسول أحرى بالقبول، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام قرأ البسملة فجهر ثم أقام وأوتر اهـ.
(مسألة: ك): لا يجوز وصل البسملة بالحمدلة مع فتح ميم الرحيم، إذ القراءة سنة متبعة، فما وافق المتواتر جاز، وما لا فلا، وهذا وإن صح عربية، غير أنه لم يصح قراءة ولا في الشواذ، وليس كل ما جاز عربية جاز قراءة.
[فائدة]: موسوس قال: بس بس، إن قصد بذلك القراءة لم تبطل وإلا بطلت اهـ فتاوى ابن حجر. وقال أبو مخرمة وبلحاج: تبطل مطلقاً ولو بسمل بنية قراءة السور، فذكر أنه لم يقرأ الفاتحة كفته عن بسملتها اهـ باخرمة.
[فائدة]: تبطل الفاتحة بتغير المعنى وإبطاله، وإبدال حرف منه في غير القراءة الشاذة، وإن لم يغير المعنى، وكذا فيها إن غيره، ولو نطق بالكلمة الواحدة مرتين حرم: كما لو وقف بين السين والتاء من نستعين اهـ باعشن. ويقطع الموالاة في الفاتحة الذكر الأجنبي لا كتأمين وسجدة ودعاء لقراءة إمامه، وفتح عليه إذا توقف فيها، ومحله إن سكن وإلا قطعها اهـ فتح. وفي الإيعاب: وكذا يسنّ تلقينه إذا كان يقرأ في موضع فسها وانتقل لغيره، أو سها عن ذكر فأهمله، وقال بعضهم: يجهر به المأموم ليسمعه فيقوله اهـ.
(مسألة: ب): لو أبدل الضاد ظاء في الفاتحة بطلت صلاته في الأصح، ومقابله وجه قوي يجوز تقليده أنها لا تبطل لعسر التمييز بينهما، وفي تفسير الفخر الرازي: تجوز القراءة بإبدال الضاد ظاء لتشابههما، وهذا يخفف عن العوام، ويوجب عدم التشديد والتنطع عليهم، واختلف العلماء في النطق بقاف العرب المتردّدة بينها وبين الكاف فقال كثيرون: تجزي القراءة بلا كراهة، منهم المزجد والشيخ زكريا في شرح البهجة وابن الرفعة وعلماء حضرموت وأولياؤها،
وقد سأل العلامة القاضي سقاف بن محمد شيخه العلامة عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه عن القراءة بها فأجابه بأن لا ينهى من قرأ بها، وأن يقرأ هو بها قال: وعندنا من الاطلاع على صحة الصلاة بلا كراهة شيء كثير اهـ. وعن صاحب القاموس أنها لغة فصيحة صحيحة، وروي أنه نطق بها، بل نقل الشعراني عن ابن عربي أن شيوخه لا يعقدون القاف ويزعمون أنهم أخذوها عن شيوخهم، وهكذا إلى الصحابة إلى النبي ، وفي الأسنى والنهاية والإقناع صحتها مع الكراهة. وقال ابن حجر والطبري وعبد الله بن أبي بكر الخطيب بعدم الإجزاء، مع أن الثقات نقلوا أن الخطيب المذكور كان يصلي بالناس في جامع مدينة تريم بهذه القاف المذكورة، ويقتدي به الأكابر كالقطب الحداد والعلامتين أحمد الهندوان وعبد الله بن أحمد بلفقيه،
والذي نعتمده ونشير به عدم الإنكار على من يقرأ في الصلاة وخارجها بقاف العرب أو المعقودة، إذ كل منهما قائل بصحتها أئمة لا يحصون، وأما عملنا فبالقاف المعقودة، إذ الجمهور من سائر المذاهب قائلون بصحتها بلا كراهة بخلاف الأخرى، فحينئذ فمن قدر على النطق بالمعقودة على وجهها من غير شائبة بغيرها مع صفاء ما قبلها ومن غير رياء وتكلف مناف الخشوع فالأولى له القراءة بها، وإلا فالأولى بل المتعين النطق بالأخرى وهذا شأن الكثير، ولعل هذا هو السبب في اختيار سلفنا لقاف العرب، وكفى بهم أسوة اهـ. (قلت): ونقل العلامة علوي الحدّاد عن الحبيب عبد الرحمن بلفقيه المتقدم ذكره عن أبيه ومشايخه في المسائل الخلافيات، لا سيما فيما كثر فيه الاختلاف أن تعويلهم وعملهم على ما استمر عليه فعل السلف الصالح العلويين من العمل، وإن كان القول فيه مرجوحاً، إذ هم أهل احتياط وورع وتقوى وتحفظ في الدين وفي العلم في المرتبة العليا.
[فائدة]: قال في الإيعاب ونحوه الفتح: ولو قرأ غافلاً ففطن عند صراط الذين ولم يتيقن قراءة الجميع لزمه استئنافها، وإن كان الغالب أنه لا يصل آخرها إلا بعد قراءة أولها لاحتمال ترك بعضها اهـ. ولو شك بعد الفاتحة أو التشهد في بعضها لم يضر، قال ابن حجر: وكذا غيرهما من سائر الأركان، فلو شك في نحو السجود من أصله لزمه الإتيان به أو بعده في وضع نحو اليد فلا، واعتمد (م ر) الضرر فيما عداهما من الأركان القولية والفعلية اهـ سم.
(تنبيه): إنما وجب للقيام قراءة وللجلوس الأخير تشهد دون الركوع والسجود والاعتدال وبين السجدتين، لالتباس الأولين بالعادة، فوجب تمييزهما عنها وهو حاصل بذلك، بخلاف الركوع والسجود فإنهما ممتازان عنها بذاتهما فلم يحتاجا إلى تمييز آخر، وأما الآخران فغير مقصودين لذاتهما بل للفصل، ومن ثم كانا قصيرين فلم يناسبهما إيجاب شيء فيهما إعلاماً بذلك اهـ إيعاب.
[فائدة]: سجد بعد القيام ظاناً أنه قد ركع فذكر في هويه لزمه القيام ولا يكفيه هذا الهوي، كما لو قرأ إمامه آية سجدة وهوى فهوى معه بظن السجود فثبت الإمام راكعاً فيلزمه القيام أيضاً ثم الركوع، قاله ابن حجر وخالفه (م ر) وصاحب القلائد في الثانية فجزما بحسبان هويه.
(مسألة: ك): المراد بقولهم في الطمأنينة بحيث تستقر أعضاؤه انفصال حركة الهويّ عن حركة القيام بحيث لا تتصل الحركتان، فلو فرغ من حركة الهويّ ثم مكث يحرك شيئاً من أعضائه حركة غير مبطلة، ثم رفع إلى الاعتدال مثلاً صح ركوعه إذا لم يطلقوا استقرار الأعضاء، بل قيدوه بحيث ينفصل الخ، فظهر أن المراد بالسكون والاستقرار في كلامهم الانفصال بين الحركتين لا حقيقة السكون، ولو شك بعد رفع رأسه من السجود في وضع نحو يده لم يضر، كما اعتمده ابن حجر في كتبه.
[فائدة]: تعارض التنكيس ووضع الأعضاء راعى الأوَّل للاتفاق عليه اهـ ع ش. وحدَّ التنكيس رفع العجيزة وما حولها على الرأس والمنكبين والكفين، فلو انعكس أو تساويا لم يجزه إلا لعذر، كأن كان بسفينة وضاق الوقت فيفعل الممكن ويعيد اهـ كشف النقاب. قال أبو مخرمة: ولو وضع الكفين بحذاء العجيزة أو رفعهما على الرأس أو المنكب ضر اهـ.
(مسألة): سجد الإمام ولم يضع بطون أصابع رجليه بطلت إن علم وتعمد، بناء على الأظهر من وجوب وضع بقية الأعضاء كالجبهة، سواء قلنا وضعها شرط للسجود فيكون من باب خطاب الوضع، أو شطر منه وهو الأوجه فيكون من باب خطاب التكليف كالجبهة، وهذا كما لو سجد على نحو خشن ثم رفع رأسه عامداً عالماً مع إمكان تحوّله عنه بجر جبهته مع بقائها لزيادة صورة ركن اطمأن أم لا، نعم إن رفع معذوراً كأن سجد على نحو كمه لم تبطل، كما لا تبطل في الصورتين صلاة الناسي والجاهل وإن كان مخالطاً للعلماء، لأنه مما يخفى لكن لا يعتد بسجوده الأوَّل فيعيده.
(مسألة: ش): يجوز تنكير سلامي التشهد، ثم إن وقف على سلام وإن لم يطلب الوقف فالأولى إسكانه، وإن وصله فالأولى تنوينه، فلو ترك التنوين مع الوصل لم تبطل، إذ غايته لحن لا يغير المعنى، كما لو ضم الهمزة من أشهد أو كسرها، بل الكسر لغة من يكسر حرف المضارعة إذا لم يكن تاء مطلقاً، ولو كسرها على هذه اللغة وسكن الدال لم يضر إيضاً، إذ غايته أنه استعمل تلك اللغة مع اللحن بترك الرفع، نعم إن قصد به الأمر بطلت، كما لو وصل همزة أشهد بالصالحين، إلا إن قصد الوقف على الصالحين ونقل حركة الهمزة إليها مع معرفته بذلك اهـ. (قلت): وافقه في عدم الضرر بترك التنوين في سلام أبو قضام، وخالفه أبو مخرمة فقال: تبطل بعدمه مع التنكير إن علم وتعمد.
[فائدة]: أفتى ابن زياد بأنه لا يضر زيادة عز وجل لا شريك له بعد إلا الله أوَّل التشهد، كما لا يضر اليسير في تكبيرة الإحرام.
(مسألة: ي): لو قال: السلام عليك يا أيها النبي لم يضر خلافاً لبعض اليمنيين اهـ. (قلت): اعتمده الشيخ زكريا، وأفتى ابن حجر ببطلان الصلاة بذلك مع العلم والتعمد، وأفتى بالبطلان معهما فيمن قال: السلام مني عليكم، أو اللهم صلي بالياء وقصد به خطاب مؤنث. عبد الله بلحاج، وأبو مخرمة قال: بل العامد العارف بالعربية يكفر، وأما الناسي والجاهل فتبطل قراءتهما.
[فائدة]: قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: من ترك صلاة أضر بجميع المسلمين، لأن المصلي لا بد أن يقول في تشهده: السلام علينا إلخ، فيكون مقصراً في خدمة الله تعالى وفي غيره حتى نفسه، ولذلك عظمت المصيبة بتركها اهـ.
(مسألة): ترك ركناً من الصلاة واشتغل بما بعده بطلت إن علم وتعمد وإلا فلا، لكن لا يعتد بما بعده، بل إن علم المتروك قبل أن يأتي بمثله من ركعة أخرى عاد إليه وإلا تمت به ركعته الأولى وأتى بركعة وسجد للسهو في الصورتين، نعم إن لم يكن المثل من الصلاة كسجود التلاوة والسجود لأجل المتابعة لم يجزه، كأنه ترك سجدة من الركعة الأولى وسجد للتلاوة في الثانية، أو صلى ركعة منفرداً ونسي منها سجدة، فلما قام اقتدى بمصلّ في الاعتدال، لكن، قال الشوبري: محل عدم الإحزاء في الصورتين ما لم يتذكر حال السجود المذكور ترك السجدة ويقصدها وإلاَّ فتكفيه، سواء كان مستقبلاً أو مأموماً، لأنه قصدها عما عليه حال السجود، وقيد ع ش الإجزاء بتذكره حال الهويّ لها لا حال السجود، لأنه صرف هويه حينئذ للتلاوة أو المتابعة اهـ من الجمل وبج.