كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي
محتويات
الإقرار
(مسألة: ش): أقر بحرية نصف عبد ثم اشترى نصفه، فإن قصد أحد النصفين عمل بقصده، وإلا نزل البيع على النصف الذي لم يقر بحريته، إذ لو نزل على النصف الآخر لم يكن قوله اشتريت مفيداً ترتب الأثر، ويصان كلام المكلف عن الإلغاء ما أمكن، ويحتمل تنزيله على النصف الآخر.
(مسألة: ش): طولب بدين عليه وله مال فأقر ببيعه لابنه الطفل في مقابلة ما أخذه من أمواله صح إقراره بذلك وإن كان مديناً بل أو محجوراً عليه بفلس، كما لو أقر له بدين أسنده لما قبل الحجر، لأن نحو الأب المتصف بصفة الولاية ولي طفله فإقراره له وعليه صحيح ظاهراً وباطناً إن صدق وإلا فظاهراً فقط، نعم للدائن تحليف المقر له بعد كماله أنّ باطن الأمر كظاهره، كما أن للمقر ثم وارثه تحليف المقر له ثم وارثه، إنّ إقراره عن حقيقة، سواء ذكر لإقراره تأويلاً أم لا، أقر بمجلس القضاء بعد الدعوى عليه أم لا، أقر بعد أنّ إقراره عن حقيقة أم لا، لاحتمال ما يدعيه وإمكانه.
(مسألة: ج): أقرت بأنها باعت من أخيها جميع ما خصها في أبيها وقبضت الثمن والحال أنها رشيدة وأشهدت على ذلك صح إقرارها، ثم إن اتهم الأخ أو كان وارثاً فعليه يمين بأن الإقرار عن حق.
(مسألة: ك): أقر بأن البيت وما فيه ملك زوجته نفذ إقراره ولو في مرض الموت ويصدق الوارث بيمينه، فيما إذا ادعى أن بعض المتاع لم يكن موجوداً عند الإقرار، فيحلف على نفي العلم ما لم تقم ببينة بوجوده.
[فائدة]: يصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي، وكذا الوارث على المذهب وإن كذبه بقية الورثة، لأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكذوب ويتوب فيها الفاجر، فالظاهر صدقه، واختار جمع عدم قبوله إن اتهم لفساد الزمان، بل قد تقطع القرائن بكذبه، فلا ينبغي لمن يخشى الله تعالى أن يقضي أو يفتي بالصحة، ولا شك فيه إذا علم قصده الحرمان، وقد صرح جمع بالحرمة حينئذ، وأنه لا يحل للمقر له أخذه، ولبقية الورثة تحليفه أنه أقر له بحق لازم يلزمه الإقرار به، فإن نكل حلفوا وقاسموه، ولا تسقط اليمين بإسقاطهم فلهم طلبها بعد ذلك اهـ تحفة.
(مسألة: ي): أقر مكلف بعين أو دين لأبيه ولم يكذبه المقر له صح وصار المقرّ به للمقر له سمع الإقرار وقبله أم لا، وحكم له بذلك حتى لو مات قبل علمه ملكه وارثه، فلو قال بعد إقراره: إن بعض ما ذكر أخذ غصباً، فإن صرح في الإقرار بأن المقر به دين لم يلتفت لقوله، أو بأنه وديعة ونحوها من الأمانات قبل قوله كوارثه بيمينه، وإن أتى فيه بما يحتمل الدين والأمانة، فيما فسر به لفظه هو أو وارثه، فلو كان المقر له غائباً وادعى غرماؤه عليه ديناً وثبت عند الحاكم بشرطه لزمه إيفاؤهم من مال الغائب، ومنه هذا المقر به إن علمه القاضي أو أثبته الغائب أو نائبه، وإذا أوفاهم الحاكم من المقر به لم يلزمهم إعطاء كفيل خشية تكذيب المقر له المقر فيبطل الإقرار، كما لو أقر لنحو محجور لا يلزم الولي كفيل خشية تكذيب المحجور بعد رشده كما في التحفة، فإن لم يعلمه القاضي ولم يثبت عنده كما ذكر لم يمكن الغرماء الإثبات للوفاء منه، لأن غريم الغريم لا يدعي لغريمه شيئاً، هذا إن لم ينحصر إرث الابن المقر في أبيه المقر له، وإلا فلا فائدة في دعوى الغصب وإثبات الإقرار، إذ ما خلفه المقر المذكور ملك أبيه.
(مسألة: ش): لما أقر بأن عليه لزيد درهماً أو صاعاً كل سنة أو شهر أو يوم صح الإقرار، واحتمل كونه بذمته بطريق النذر وحمل على مدة حياته، ويبعد القول ببطلانه أو بحمله على الأول منها فقط، وتحمل السنة والشهر على الهلالية ما لم يطرد عرفهم على غيره كالرومية وعلى آخرهما إن أطلق، وكذا إن قال: أردته وحلف أو صدقه المقر له، ولا تسمع دعواه إرادة سنين معينة إلا بتحليف المقر له، فإن صدر الإقرار المذكور في مرضه المخوف ولم يسنده إلى نذر سابق كان من الثلث.
(مسألة: ش): يصح إقرار المريض بالطلاق مطلقاً أسنده إلى الصحة أم لا كإنشائه، ثم إن كان الطلاق الذي أقر به أو أنشأ بائناً أو انقضت عدة الرجعية لم ترثه على الجديد المفتى به وعلى القديم، وذهب إليه الأئمة الثلاثة: ترثه، بل وإن انقضت عدتها وتزوجت عند مالك.
(مسألة: ش): أقر بدين الآخر لدى الحاكم وكتب به سجلاً فطالبه المقر له فادعى الإكراه، فإن أقام ببينة مفصلة للإكراه حكم بعدم صحته، سواء الحاكم الأول وغيره، وليس هذا نقضاً لحكمه ولا لصحة الإقرار، لأنه بناء على أمر ظاهر فبان خلافه، فإن أقاما بينتين قدمت بينة الإكراه لأن معها زيادة علم ما لم تقل بينة الاختيار كان مكرهاً فزال الإكراه ثم أقر فتقدم حينئذ وحيث لا بينة صدق المقر له ووارثه فيحلف على نفي العلم، نعم إن دلت قرينة على الإكراه صادق بها المقر له أو أثبتها المقر كحبس وقيد وتوكيل به صدق المقر.
(مسألة: ش): قال: هذه العين كانت لأبي ولم يزد إلى أن مات وخلفها تركة مثلاً لم يكن إقراراً على الأوجه، نظير ما لو قال: كان لك عليّ كذا أمس، نعم إن كان ذلك في جواب دعوى من الورثة فإقرار، والفرق أن الكلام ابتداء قد يكون مبنياً على التجوز وعدم التحرر، بخلاف الواقع في المحاورات، لأن المتكلم حينئذ يحرص على التحرز خوفاً من لزوم المدعى به فيبعد صدوره عن العبث.
(مسألة: ب): وجد في نظير شخص عندي لفلان كذا ولفلان كذا، لم يكن مجرد ما في النظير إقراراً، بل لو قال: اكتبوا لزيد عليّ ألفاً لم يكن إقراراً، لأنه إنما أمره بالكتابة فقط، لأن أصل ما ينبغي عليه الإقرار اليقين وطرح الشك، ولا يقين مع مجرد الكتابة، فلا يترتب على جميع ما في النظير من الإقرار وغيره حكم وإن تحقق أنه قلمه اهـ. وعبارة ش: سئل مريض عن ديونه فقال: لفلان كذا وفلان كذا، فقيل: وأولاد أخيك؟ فقال: ذمتي ناشبة بحقهم، فقيل: كم حقهم؟ فقال: هو محفوظ في تنزيلي فوجد فيه قدر معلوم مكتوب باسمهم، فقوله: ذمتي ناشبة بحقهم إقرار بمبهم يجب بيانه ويقبل ولو برد سلام، وليس قوله في تنزيلي تفسيراً مقنعاً فيطالب هو ووارثه بتفسيره، نعم إن قال في هذا التنزيل مشيراً إلى كتاب كان تفسيراً صحيحاً معوّلاً على ما فيه، كما لو قال: ما وجد في دفتري فهو صحيح، وحينئذ فما تيقن كونه مكتوباً حال إقراره وتفسيره استحقه المقر له وما شك فيه لم يستحقه اهـ. قلت: ونقله في التحفة عن السبكي وأقره.
(مسألة: ش): قال إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى: أصل ما أبني عليه الإقرار أن ألزم اليقين أي أو القريب منه وأطرح الشك، ولا أستعمل الغلبة أي حيث لم تطرد بحيث لا يفهم من اللافظ بها غير الإقرار، وحينئذ فلو قيل لشخص: عليك دين لفلان؟ فقال: نعم، فقيل: عشرون ذهباً؟ فقال: أكثر، قيل: ثلاثون؟ قال: على هذا القياس، فقوله نعم كمرادفها إقرار بمبهم، ولا يقتضي قوله أكثر تفسيره بأكثر من عشرين بل ولا بالعشرين، إلا إن أراد بأكثر أنه أكثر من العشرين، وكذا إن أطلق على الأوجه فيكون حينئذ مفسراً من حيث العدد مبهماً من حيث الجنس، فلو فسره بإحدى وعشرين حبة مثلاً قبلاً، نعم إن اطرد عرفهم بإطلاق الذهب على دينار والذهبين على دينارين كان قوله عليك ذهب لزيد كقوله دينار ذهب، فيكون من باب حذف المضاف، وحينئذ فجوابه بأكثر يلزمه من الذهب أكثر من دينار، وقوله على هذا القياس مبهم أيضاً إلا إن قال: أردت هذا العدد اهـ. قلت: وقوله إحدى وعشرين حبة هل مراده حبة ذهب كما هو ظاهر اللفظ أو أيّ حبة كانت؟ راجع. وفي المسألة إشكال يتأمل.
الإقرار بالنسب
(مسألة: ك): مات شخص فادعى آخر أنه ابن عمه صدق في استلحاقه، بشرط أن يكون المقر مكلفاً أو سكران متعدياً، وأن لا يكذبه الحس بأن يكون في سنّ يمكن أن يكون ابن عمه، فلو مات عمه منذ عشرين سنة وكان الميت صغير السنّ بحيث لا يمكن أن يكون ابن عمه لغا إقراره، وأن لا يكذبه الشرع بأن يكون معروف النسب من غيره أو ولد على فراش نكاح صحيح غير فراش عمه، وإن نفاه صاحب الفراش إذ قد يستلحقه، وأن يكون الملحق به أي وهو العم هنا ميتاً، فلو كان حياً لم يصح إقرار ابن العم لاستحالة ثبوت نسبه من العم مع حياته بإقرار غيره، وأن لا يكون المستلحق قناً أو عتيقاً للغير، وإلا لم يصح محافظة على حق السيد، بل لا بد من بينة، وأن يكون المقر وارثاً حائزاً لتركة الملحق به حال الإقرار، بخلاف غير الوارث كرقيق وقاتل، لأنه إذا لم يرث الميت الملحق به لم يكن خليفته في إلحاق النسب به، فلو كان للملحق به وارث غير المقر المذكور ولو زوجة اشترط موافقته المقر على إقراره.
(مسألة: ش): يشترط في الإقرار بالنسب كالشهادة والقضاء به بيان سبب الإرث، فلو أقر أو شهدت بينة أو حكم قاض بأن فلاناً ابن عم فلان لا وارث له سواه لم يثبت بذلك نسب ولا إرث حتى يفصله ويذكر الوسائط بينهما على المعتمد، نعم إن كان المقر كالشاهد والحاكم ثقة أميناً عارفاً بلحوق النسب صح وإن أجمله، ولا يثبت النسب إلا بالبينة الكاملة وهي رجلان فقط، لا بما يثبت به المال مطلقاً، خلافاً للغزالي والأصبحي في ثبوته بذلك لنحو الإرث والمهر، نعم الانتساب إلى الذكور يثبت بالاستلحاق، بخلاف المرأة لسهولة إقامة البينة على الولادة، أما مجرد الاستفاضة بأن فلاناً ابن فلان أو شقيقه دون الأخ الآخر من غير بلوغ حد التواتر المفيد للعلم فلا يثبت بها، لكنها تصلح مستنداً للشاهد بشرطه، بل استوجه في التحفة أنه لا بد مع البينة في نسب ذوي القربى من الاستفاضة، وأما مجرد وجوب كتاب أو كتب أن فلاناً ابن عم لأبوين مثلاً فليس بحجة يترتب عليها استحقاقه الإرث دون ابن العم الآخر، ولا مرجحاً من جانبه حتى تكون اليمين في جهته إذ يحتمل تزويره، نعم لو فرض ذلك في مصنف اعتنى فيه صاحبه بحفظ النسب، واشتهر بكونه ذا علم بذلك وديانة وورع عن التكلم بلا علم، ولم يقع فيه طعن من معتبر، أفاد الحاكم إما علماً ضرورياً أو نظرياً أو ظناً غالباً، يجوز له الاستناد إليه والحكم بعلمه بناء على الأصح من جوازه في غير الحدود، وحينئذ لا حاجة إلى يمين المدعي اهـ. وفي ي في مبحث القرابة والرحم في الوقف والوصية لهم: وطريق العلم بذلك إما شهادة رجلين أو كتب النسب الصحيحة كشجرات السادة بني علوي.
(مسألة: ي): أحيا مواتاً فادعى شخص أنه ورثه من زيد بالولاء، لم يحكم له به إلا إن أثبت أن هذا الموات ملك زيد توفي وهو في ملكه، وأنه وارثه بالنسب أو الولاء، وذكرت البينة آباء المورث والوارث واحداً واحداً ينسبانهما إلى الجد الجامع لهما، أو الذي تلقى الولاء عنه مع انحصار الإرث فيه لكونه أرفع درجة أو لم يبق من العصبة غيره.
(مسألة: ج): مات شخص وله مال معهد عند آخر وله قرابة فادعى كل أنه الأقرب إلى الميت، فلا بد من بينة بأنه الأقرب لا وارث له سواه، وإن استندت إلى الاستفاضة لكن جزمت الشهادة، فإن لم يعرف قارئه لذوي الأرحام فلهم فسخ العهدة وغيره.
(مسألة: ك): أقرت امرأة أن فلاناً ابن عمها لم يصح الإقرار لعدم استجماع شروطه، ومنها كون المقر وارثاً حائزاً، ومعلوم أن المقرة المذكورة ليست كذلك بل غير وارثة أصلاً إذ هي من ذوات الأرحام، نعم إن شهدت بينة بذلك، وإن كان مستندها السماع من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب وحصل الظن القوي بصدقهم ثبت النسب بشرطه، ولو قال شخص: هذا زوجي فسكت الآخر ومات المقرّ ورثه الساكت ولا عكس، نعم إن أنكرت المرأة الزوجية صدقت بيمينها ولها الرجوع ولو بعد موته كما في التحفة.
العارية
(مسألة: ش): استعارت رحى لتطحن عليها فانكسرت، فإن تلفت بالطحن المعتاد لم تضمن، وإن خالفت العادة بأن دقتها دقاً عنيفاً ضمنت، فلو اختلفا في أن التلف وقع بالاستعمال المأذون أم لا صدق المالك، إذ الأصل في وضع اليد الضمان حتى يثبت مسقطه.
(مسألة: ش): أعار أرضاً مشتركة للبناء بلا إذن بقيمة لشركاء صحت في حصته فقط وتبطل بموته فيستحق وارثه الأجرة من حينئذ، كما أن حصة البقية لها حكم الغصب فتلزم المستعير أجرتها بالغة ما بلغت، ويعتبر كل زمان بحالته، ويرجع بها المستعير على المعير أو ورّاثه بعد التسليم إن لم يستوف المنفعة، ولهم مطالبة الشريك بالأجرة إن وضع يده على الأرض قبل إعارتها، ثم يرجع بها على المستعير المستوفي للمنفعة وإلا فلا رجوع.
[فائدة]: استعار كتاباً فوجد فيه غلطاً هل يصلحه؟ قال في التحفة: الذي يتجه أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شيئاً مطلقاً إلا إن ظن رضا مالكه، وأنه يجب إصلاح المصحف، لكن إن لم ينقصه خطه لرداءته، وأن الوقف يجب إصلاحه إن تيقن الخطأ فيه وكان خطه لا يعيبه سواء المصحف وغيره، وأنه متى تردد في عين لفظ أو في الحكم لا يصلح شيئاً، وما اعتيد من كتابة لعله كذا إنما يجوز في ملك الكاتب اهـ.
(مسألة: ش): الأنماط المعروفة باليمن التي يتخذ منها الدراق الذي سمعنا من أهل الخبرة أنها من الحيوان غير المأكول فهي نجسة، فإذا اختلف المالك والمستعير في أنها عارية أو هبة فحلف المالك على العارية ثم قال المدعى عليه: تلف النمط لم يضمنه إذ لا يضمن النجس، فلو ادعى المالك طهارته كلف بينة، ولو فرض أنه أخذ المدعى عليه دابة في مقابلة قيمته كان غاصباً آثماً بذلك.
الغصب
(مسألة): حكم مال المسلم والذمي والمستأمن، سواء في حرمة الاستيلاء عليه بغير حق بخلاف حربي لم يدخل بأمان مسلم، فحاله وماله مباح لمن ظفر به، كما لو دخل مسلم بلادهم بغير أمان منهم فلهم اغتياله.
(مسألة: ش): مال مشترك بين ثلاثة، أخذ متغلب ثلثه أو ثلث غلته بالمقاسمة بقصد أنه حصة أحدهم كان الباقي مشتركاً بين الكل، ولا أثر لقصد المتغلب المذكور ولا للمقاسمة لعدم صحتها، كما لو أخذ ظالم مال زيد ظاناً أنه مال عمرو لا رجوع لزيد على عمرو، إذ القاعدة أن المظلوم لا يرجع على غير ظالمه، بخلاف ما لو اشتركا في عبد فباعه أحد الشريكين مع المتغلب وقبض الشريك حصته، فلا يشاركه الآخر لأن حصته باقية لم تبع.
(مسألة: ش): أعطاه جماعة أموالاً يشتري لهم بناً من بلد كذا فنهيت في الطريق لم يضمنها إلا إن خلطها بلا إذن أو كان الطريق غير آمن ثم لو ردّ عليه بعضها، فإن اختص به بعض كان له فقط، وإن خلط الجميع ولم يتميز كان كالتالف، فإذا رد بعضه فقد ظفر أرباب الأموال بذلك فيكون على حسب الحصص، كما هو شأن المغصوب المخلوط، فلو أمر الوكيل بعض رؤساء الناهبين أن يقر عند الحاكم بقبض الجميع ويضمن له الباقي فأقر كذلك أوخذ بإقراره ظاهراً وطولب بالمال، إلا إن أثبت بينة بإكراهه أو دلت قرينة ظاهرة عليه كحبس، وله تحليف أرباب المال أنهم لا يعلمون صدّق دعواه، فإن نكلوا حلف المردودة وبرىء، بل إن قطع بصدقه كبدوي جلف فينبغي تصديقه مطلقاً.
(مسألة: ش): عقار مشترك وقعت يد أحد الشركاء على جميعه، فما تحقق كونه غاصباً بالاستيلاء المعروف من غير إذن شريكه تلزمه أجرته بأقصى الأجر إن اختلفت انتفع بالعقار أم لا، طلب شريكه الانتفاع بحصته أم لا، إذ ليس لأحد الشريكين الانتفاع بالمشاع بلا إذن شريكه، فلو بنى أو غرس فيه بلا إذن كلف القلع، وإن كان يقلع ملكه عن ملكه، إذ لا يتوصل إلى أداء حق الغير إلا بذلك، نعم إن كانت حصته متميزة فمانعه الانتفاع غاصب، وكذا كما لو ترشد أحد الإخوة على أخوته المحاجير من غير وصاية أو إذن قاض واستغلّ أرضهم وأنفق عليهم فيلزمه أقصى الأجر مدة بسطه، وما أنفقه عليهم بلا إذن فمتبرع به.
(مسألة: ي): مرض شخص عنده أمانات، فأوصى بها إلى غير أمين فباعها بأقل أثمانها وتصرف في الثمن، حكم ببطلان تصرفات هذا الوصي، لأنه لفسقه وقلة أمانته وعدم الإذن له في التصرف شرعاً فضولي، فما بدله المشترون من الأثمان يطالبون به ذلك البائع، وما قبضوه فهو تحت أيديهم كالمغصوب يجب رده لوارث الميت أو وصيه المتصفين بالعدالة.
(مسألة: ج): لصاحب العين المغصوبة الدعوى على من هي تحت يده من غاصب وآخذ منه حضر الغاصب أو غاب ويلزم المدعى عليه ردها، وصورة الدعوى أن يقول: أدعي أن هذه العين غصبها مني فلان واستولى عليها ظلماً وعدواناً ويلزمه ردها ويقيم بذلك شاهدين.
[فائدة]: غصب بذراً فزرعه وصار حباً فللمالك أخذه مع حبه، أو ودياً فغرسه فكبر فيكون للمالك، ولا شيء للغاصب قبل تربيته وغرسه في أرضه اهـ فتاوى أبي مخرمة. ولو كانت الأرض لم تؤجر قط لزم غاصبها أجرة أقرب الأراضي إليها، ولو نجس ثوب آخر لم يلزمه تطهيره، بل لا يجوز بلا إذن صاحبه، سواء كان لغسله مؤنة أم لا، ويلزمه أجرة الغسل وأرش نقصه اهـ فتاوى ابن حجر. ومنها: وأفتى بعضهم فيما لو أتلف ولد بهيمة فنقص لبنها أنه يلزمه أرشه اهـ. وفي التحفة: وأخذ مال غيره بالحياء له حكم الغصب، وقد قال الإمام الغزالي: من طلب من غيره مالاً في الملأ فدفعه إليه لباعث الحياء فقط لم يملكه ولا يحل له التصرف فيه، ولو حمل نحو سيل بذراً إلى ملك غيره فنبت فهو لصاحب البذر، ويجبره صاحب الأرض على قلعه، ولا أجرة عليه مدة بقائه لعدم الفعل، بخلاف ما لو بذره بظن أنها ملكه فتلزمه حينئذ، ولو نقل سيل تراباً أو حجارة أرض عليا إلى سفلى أجبر صاحب العليا على إزالته اهـ ملخصاً.
(مسألة: ش): اشترى أو اتهب نخلة صغيرة ونقلها إلى محل بعيد فبانت كلها أو بعضها وقفاً على نحو مسجد وجب ردها إلى محلها، إن قال أهل الخبرة ولو واحداً: إن ذلك لا يضرها ضرراً بيناً ويأثم العالم بذلك، فإذا ردّت ولم يحدث عليها تلف أو نقص فلا ضمان، وإلا لزمه قيمتها أو أرشها، ويشتري الحاكم إن لم يكن لها ناظر خاص مثلها وإلا فشقصاً ويوقفه، هذا إن أمكن شراء ذلك، وإلا كانت ملكاً للموقوف عليه، كما جزم به في التحفة من ثلاثة أوجه، وإن ضر نقلها أو نقص ثمرها تركت هناك وعلى ناقلها إيصال ثمرها لمستلحقه، نعم رأى نحو الناظر نقلها أصلح خوف اندراس الوقف أو عدم إيصال الثمر، فله تكليفه النقل مطلقاً وحيث بقيت، فإن نقصت قيمتها باختلاف المحالّ لزمه الأرش اهـ. قلت: وقوله إن لم يكن لها ناظر خاص سيأتي في (ك) في الوقف أن المعتمد أن المتولي شراء بدل الوقف الحاكم مطلقاً وهو كذلك في التحفة.
[فائدة]: اشترى نخلاً فاستثمره ثم بانت وقفيته ضمن مثل ثمره، ولا يفيده غلبة ظن استحقاقه له، ولا يلزم بائعه غير الإثم، أي وردّ الثمن كما هو مقرر في محله اهـ فتاوى محمد باسودان.
(مسألة: ش): المكس والعشور المعروف من أقبح المنكرات بل من الكبائر إجماعاً، حتى يحكم بكفر من قال بحله، وليس على المسلم في ماله شيء، فلو أن رجلاً من أهل الصلاح لم يؤخذ من ماله وسفينته عشور لجاهه وبقي بعده، أن من فعل سفينة من ذريته لا يؤخذ منه ذلك لم يستحق بقية الورثة عليه شيئاً، وإن كان إنما ترك لجاه جدّه وهذا ظاهر.
(مسألة: ك): عين السلطان على بعض الرعية شيئاً كل سنة من نحو دراهم يصرفها في المصالح إن أدّوه عن طيب نفس لا خوفاً وحياء من السلطان أو غيره جاز أخذه، وإلا فهو من أكل أموال الناس بالباطل، لا يحل له التصرف فيه بوجه من الوجوه، وإرادة صرفه في المصالح لا تصيره حلالاً.
(مسألة: ك): سعى بشخص عند ظالم فأخذ منه مالاً ظلماً بسبب سعايته، إن عرف ذلك الظالم بأخذ المال ممن سعي به إليه وكان السعي ظلماً كان له الرجوع بما أخذ منه على الساعي فيما يظهر، كما أفتى به ابن زياد تبعاً لابن عبد السلام والطنبداوي، وخالفاه في التحفة والنهاية قبيل الدعوى ونسبا ذلك إلى الشذوذ اهـ. وعبارة (ش) السعاية بمظلوم إلى ظالم كبيرة يفسق ويعزر مرتكبها ويكفر مستحلها، وإذا أخذ الظالم من مال المسعي به شيئاً لم يرجع به على الساعي لقطع المباشرة أثر السبب، كما لو أكره شخصاً ودابته فسعى به إلى السلطان فأخذ ماله فالضمان على السلطان، ولا يكون المكره طريقاً في الضمان على المعتمد من أن المباشرة أقوى من السبب، خلافاً لابن عبد السلام ومن تبعه، نعم إن أزال الساعي يد صاحب الدابة صار غاصباً لها، فيكون طريقاً في الضمان قطعاً اهـ. وفي ج : طلبت الدولة مالاً منه ومن إخوته فسلمه من غير توكيل لم يرجع عليهم بشيء، فلو سعى بهم إلى الدولة فلزمهم بسبب سعايته غرامات، فللمسعي به مطالبة الساعي بها عند الحاكم فيجتهد في ذلك إذ قد تختلف فيه الأنظار.