كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي
محتويات
- اختلاف المتعاقدين
- العهدة
- السلم والقرض
- الرهن
- تعلق الدين بالتركة
- التفليس
- الحجر
- وليّ المحجور
- الصلح
- االعودة إلي كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي
اختلاف المتعاقدين
(مسألة: ي): تبايعا أرضاً ثم ادعى أحدهما عدم معرفة حدودها وأنكره الآخر صدق لأن الأصل صحة البيع، كما لو ادعى أحدهما عدم رؤية البيع وإن اتفقا على معرفتها، لكن ادعى المشتري أن المبيع أكثر مما حدد له البائع حلف كل يميناً تجمع نفي قول صاحبه وإثبات قوله، ثم يفسخ العقد أحدهما أو الحاكم، وإن نكل أحدهما عن اليمين كما ذكر قضى للآخر بما ادعاه.
(مسألة: ش): ونحوه ب: تبايعا أرضاً ثم ادعى أحدهما أنه لا يعرفها منذ ميز إلى الآن وأقام شاهدين بذلك، فإن أراد معرفة قدرها من نحو ذرع فلا التفات لدعواه، إذ معرفة قدر المعقود عليه المعين لا يشترط، وإن أراد عدم رؤيتها الرؤية المعتبرة، فإن صدقه الآخر فواضح، وإن كذبه فاختلاف في صحة العقد وفساده، والأصح المفتى به تصديق مدعي الصحة وهو مثبت الرؤية، سواء البائع أو المشتري ما لو أقاما بينتين، وأما الشهادة المذكورة فهي شهادة على نفي غير محصور فلا التفات إليها، نعم إن شهدا بأنه غائب بمحل كذا، أي ويبعد كونه ببلد الأرض المبيعة من بلوغه خمس سنين إلى الآن، كانت شهادة على نفي محصور فيترتب عليها أثرها.
(مسألة: ش): اشترى نخلات معينة بتمر مقدر في الذمة، فإن وصفه بصفات السلم حتى كونه جديداً جف على الشجرة سقي بماء المطر وضدها صح وإلا فلا، فإن اتفقا على الوصف أو ضده فذاك، وإن ادعاه أحدهما ولا بينة أو تعارضتا صدق مدعي الصحة بيمينه، نعم لو طلب أحدهما الإقالة كان إقراراً بصحة البيع، فلا تقبل دعواه عدم الوصف بعد إلا إن ظن أنه لا يشترط الوصف المذكور وعذر به.
العهدة
(مسألة: ك): لم أر من صرح بكراهة بيع العهدة المعروف ببيع الناس، فإن نص أحد على الكراهة فلا يبعد أن يكون وجهها إما إخلاف الوعد إن عزم عليه لأنه مكروه، أو الاستظهار على المشتري نظير ما عللوا به كراهة بيع العينة، وقد صرح في التحفة بكراهة كل بيع اختلف في حله، كالحيل المخرجة عن الربا، وكبيع دور مكة والمصحف الشريفين لا شراؤه، ولا تنافي الكراهة لو قلنا بها ثواب وقف المال المعهد والصدقة به وغيرهما من وجوه البر، لأن الكراهة إنما هي من حيث تعاطي ذلك لا غير، وقد ملك العين ملكاً تاماً، إلا إن كان ثم خلاف قوي تطلب مراعاته فينافيه حينئذ.
(مسألة: ب): بيع العهدة المعروف صحيح جائز، وتثبت به الحجة شرعاً وعرفاً على قول القائلين به، وقد جرى عليه العمل في غالب جهات المسلمين من زمن قديم، وحكمت بمقتضاه الحكام، وأقره من يقول به من علماء الإسلام، مع أنه ليس من مذهب الشافعي، وإنما اختاره من اختاره، ولفقه من مذاهب للضرورة الماسة إليه، ومع ذلك فالاختلاف في صحته من أصله وفي التفريع عليه لا يخفى على من له إلمام بالفقه. وصورته أن يتفق المتبايعان على أن البائع متى أراد رجوع المبيع إليه أتى بمثل الثمن المعقود عليه، وله أن يقيد الرجوع بمدة، فليس له الفك إلا بعد مضيها، ثم بعد المواطأة يعقدان عقداً صحيحاً بلا شرط، إذ لو وقع شرط العهدة المذكور في صلب العقد أو بعده في زمن الخيار أفسده فليتنبه لذلك فإنه مما يغفل عنه، ثم إذا انعقد البيع المذكور فللمتعهد ووارثه التصرف فيه تصرف الملاك ببيع وغيره ولو بأزيد من الثمن الأوّل، فإذا أراد المعهد الفك أتى بمثل ما بذله للمتعهد، ويرجع هذا المتعهد على المتعهد منه، فيبذل له مثل ما وقع عليه العقد بينهما ويفسخ عليه، ثم يفسخ هو على المعهد الأوّل ووارث كل كمورثه.
(مسألة): وكله آخر في شراء نخلة عهدة من جمع فاشتراها ثم غاب أحدهم وأقام وكيلاً في تعهد ماله وحفظ غلته، فأراد الوكيل فك النخلة المذكورة من وكيل المتعهد المذكور، فأتى بالدراهم فقبلها الوكيل وفسخ له النخلة لم يصح، بل النخلة باقية على ملك المتعهد، إذ الوكيل المذكور إن أخذها لموكله وهو أحد المعهدين فهو عقد فضولي، إذ لا يتناول التوكيل بالحفظ العقود والفسوخ، وإن أخذها لنفسه فلعدم الإذن من المتعهد لوكيله في المبيع، بل ولعدم الصيغة أيضاً، إذ الفسخ يكون للمعهد ووارثه لا للأجنبي، نعم لو وكله أحد المعهدين في الأخذ فأخذها له بمثل الثمن صح.
(مسألة: ب): عهد أرضاً ثم غرسها أو زرعها بغير إذن من المتعهد صار غاصباً فيلزمه القلع وإعادة الأرض كما كانت، وأرش نقصها إن نقصت، وأجرتها نقداً مدة بقاء نحو الغرس ولزمه قلعه، فإن تفاوتت الأجرة في المدة ضمن كل مدة بما يقابلها، فإن بقي الغراس إلى فك المعهد والحال ما ذكر فالأجرة جميعها من حين شغل الأرض إلى الفكاك للمتعهد لأنها نماء ملكه، وإن استغرقت أضاف قيمة الخلع، إذ المتعهد بالعهدة ملك الأرض ملكاً تاماً، ولم يبق للمعهد إلا حق الوفاء بالوعد وهو حق مجرد لا يقابل بالأعواض.
(مسألة: ب): تعهد بيتاً فانهدم بعضه لم تلزمه عمارته، بل لو أعاده كالأول أو دونه أو زائداً عليه كان ما أنفقه عليه مضموماً إلى الثمن الذي وقع عليه البيع، هذا إن كانت العمارة مما يدوم وبقيت إلى الفك لا نحو تطيين.
(مسألة): غرس المتعهد الأرض المعهدة ثم فكت، فهو كما لو فسخت بعيب أو إقالة، فإن كان الودي من نفس المبيع ولم يكن حادثاً بين الفسخ وأصل البيع تبع الأرض في الفسخ، وإلا فهو ملك للمتعهد فيبقى وعليه أجرة المثل مدة بقائه في الأرض، شيخنا، والأجرة في حضرموت هي الطعام المعتاد، وإذا شرط أن لا يفك المعهد إلا بعد مدة معينة اعتبر للزوم الفكاك، وقد عمل به بعض وكلاء شيخنا، قال إمام الوجود عبد الله بلحاج في شراء عهدة له فقرره مع علمه بذلك، ومثل ذلك لو شرط أن لا يفكه إلا بعد أن يستغله المتعهد خريفاً أو موسم غيث في الزرع أو أكثر الخ اهـ قلائد. وقوله: والأجرة في حضرموت الطعام مرّ في ب أنها دراهم، وسيأتي في الإجارة في ش أيضاً أنها دراهم مطلقاً، وأفتى أبو قضام كأحمد بلحاج بأن ما تلف من المال المعهد يسقط بقسطه من الثمن، فإذا سلم المعهد قسط الباقي أجبر الآخر على الفسخ اهـ.
(مسألة): إذا فسخت العهدة فإن كان بعد التأبير فالثمر كله للمتعهد أو قبله فللمعهد، كما نقله أبو مخرمة عن علي بايزيد وسكت عليه، والمراد بالتأبير تشقيق طلع النخل ولو واحدة في الحائط كما قال في الإرشاد والصلاح والتأبير والتناثر لا الظهور في بعض ككل إن اتحد باغ أي بستان وجنس وعقد.
[فائدة]: مات مدين وليس له إلا أموال معهدة عنده انقطع حق المعهدين وبيعت لوفاء دينه حتى لو أرادوا الفك قبل بيعها قيل لهم قد تعلق بها حق الغرماء وصارت مرهونة بحقوقهم اهـ فتاوى بامخرمة. وفيها تعهد مالاً ثم أجره سنين معلومة ثم طولب بالفسخ لزمه حالاً وفاز بالأجرة المسماة مطلقاً، سواء كان المستأجر البائع أو غيره، وسواء كانت الأجرة حالة أو منجمة، ولا يلزمه أجرة المثل لما بقي من مدة الإجارة، وكذا في الإقالة المحضة وفسخ الفلس.
(مسألة: ب): يجوز لقيم المسجد شراء دار له عهدة بنظر الغبطة والمصلحة، ثم يكريه بعد قبضه من البائع أو غيره وعند إرادة الفك يفسخ القيم.
(مسألة): اشترى عقاراً على سبيل العهدة، ثم بعد لزوم العقد استزاد البائع شيئاً من المشتري دراهم أو غيرها على أن يلحق ذلك بالثمن لم يلحق مطلقاً، ثم إن ملكه ذلك بنحو قرض وشرط عليه أنه مقدم على فكاك العهدة، أي أنه لا يكون للمعهد فكاك إلا بعد تسليم ما ذكر كان كذلك، قاله ابن مزروع، وقال عبد الله بلحاج: لا يجب الوفاء بجميع الشروط المختلفة باختلاف الأغراض واتفاقهما على تقديم الدين قبل فسخ العهدة لا أثر له، وحينئذ تجب الزكاة في هذه الدراهم المشروط تقدمها على الفكاك بشرطها على كلا القولين إذ هي كسائر الديون، ثم إن كانت على مليء باذل وجبت حالاً وإلا فعند قبضها، نعم إن فسخ عقد العهدة وملكه المتعهد ثانياً بالجميع لزم الفكاك بالكل اتفاقاً ولم تجب فيه زكاة حينئذ.
السلم والقرض
[فائدة]: نظم بعضهم شروط السلم بقوله:
شروط السلم يا صاحبي هي سبعة ** فخذها لتعرفها بأكمل معرفه
مكاناً وتقديراً ونوعاً مؤجلاً ** وتعيين رأس المال والقدر والصفه
(مسألة: ش): عليه دين لآخر فطالبه به فقال له: لك به عليّ كذا طعاماً، ثم طالبه الدائن بالطعام فقال: لا يلزم مني. فأحضره إلى الحاكم وادعى عليه الطعام وأتى بخط فيه: صدر إليك كذا من الطعام وبقي كذا، فقال القاضي للمدين: هذا إقرار منك وحكم عليه به، فحكمه هذا حكم بغير ما أنزل الله تعالى يفسق به وينعزل، إذ السلم لا يثبت بذلك لعدم شروطه، ومنها تسليم رأس المال في المجلس، ولأنه لا يثبت بالخط إقرار، وإن فرض أنه خطه أو خط قاض موثوق به على الراجح.
(مسألة: ج): اقترض دراهم من آخر، ثم بعد مدة ردّ درهمين زائفين وادعى أنهما من الدراهم المقترضة صدق بيمينه فيما يظهر لأنه غارم والأصل براءة ذمته، هذا إن لم يخلطهما بماله وإلا صدق المقرض.
(مسألة: ب): استؤجر لحمل شيء يوصله في مركبه إلى مكان كذا، وشرط صاحب الحمل أن يقرضه دراهم إلى أن يبيع حمله، فالظاهر أنه ليس من القرض المحرم إن وقع في صلب العقد، لأن النفع حينئذ إنما هو للمقترض لأنه الذي شرطه وإن تضمن نفعاً للمقرض، إذ القرض الفاسد المحرم هو القرض المشروط فيه النفع للمقرض، هذا إن وقع في صلب العقد، فإت تواطآ عليه قبله ولم يذكر في صلبه أو لم يكن عقد جاز مع الكراهة كسائر حيل الربا الواقعة لغير غرض شرعي.
(مسألة: ي): أخذ ربية فضة بمائة وستين دويداً مؤجلة، فإن كان بصيغة القرض أو بلا عقد حرم ولم يصح فكان ربا، إذ لا يجوز في القرض شرط ردّ زائد على المقرض أو بصيغة البيع صح.
الرهن
(مسألة: ش): ليس لولي الرشيدة أن يرتهن بصداقها بغير إذنها، إذ لا يتمكن الشخص من إنشاء عقد لغيره بغير إذنه مطلقاً في الجديد، وقياسه على جواز اشتراط الوكيل الإشهاد والخيار بغير إذن الموكل فاسد إذ هما لمجرد الاحتياط.
(مسألة: ي): ونحوه ب: استعار مصاغاً ليرهنه في معين بإذن مالكه جاز بشرط تعيين قدر الدين وجنسه ونوعه وأجله، والمرتهن مع بقية شروط الرهن من الصيغة وغيرها، فحينئذ يصير المعير ضامناً للدين وجنسه ونوعه وأجله، والمرتهن مع بقية شروط الرهن من الصيغة وغيرها، فحينئذ يصير المعير ضامناً للدين في المصاغ بعد قبض المرتهن له فيتعلق الدين به، فإذا حل ولم يوفه الراهن بيع المرهون إن لم يوفه مالكه بعد مراجعته، ولو تلف لم يلزم مالكه شيء لأنه لم يضمن الدين في ذمته، أما لو نقص من شروط الرهن شيء، أو لم يعلم المعير المرتهن أو قدر الدين، أو زاد الراهن على ما عينه، لم يصح الرهن ولم يتعلق به الدين، نعم إن أنكر المرتهن العارية أو قال: لا أعلم أنه ملك مدعيه مع إقرار الراهن به أو بنحو غصبه، حلف المرتهن كذلك وأقر في يده إن صح الرهن وإلا أخذه مدعيه، وإن أقر المرتهن لمالك المصاغ وادعى إذنه في الارتهان وأنكره المالك حلف وأخذه، زاد ي: وإن ادعى الراهن أن المصاغ ملكه وأنكر العارية ولا بينة فهو لمن صدقه المرتهن، ويحلف للآخر يمين الإنكار، وللمكذب تحليفه أيضاً إنه لا يلزمه تسليمه، فإن نكل حلف المردودة وغرم له المرتهن قيمته، ولو شرط المرتهن أن الرهن مبيع أو منذور له إن لم يوف الدين وقت حلوله ووافقه الراهن ومالك المصاغ، فإن كان في نفس العقد فسد الرهن وإلا فالشرط، وحيث فسد الرهن فقيد المرتهن غاصبة فيضمنه ومنافعه بأقصى قيمته.
(مسألة: ش): رهن عيناً بإيجاب وقبول ولم يقبضها أو قبضها بغير صيغة بناء على عدم صحة العقود بالمعاطاة جاز له التصرف فيها بنحو بيع، ولو وهب لطفله عيناً وقبضها له ثم رهنها من آخر وأجره إياها بأقل من أجرتها، فإن رجع عن الهبة باللفظ قبل التصرف المذكور صح وإلا فلا لانتفاء شرطه، فلو ادعى الرجوع لم يصدق إلا ببينة، فإن لم تكن حلف الولد بعد كماله على نفي العلم، وله الرجوع على المرتهن بأقصى الأجرة، وله مطالبة الوالد أيضاً، أو ادعى الرهن لنفقة الطفل صدق بيمينه، بخلاف وصي ادعى التصرف على وفق المصلحة فلا يصدق إلا ببينة.
(مسألة: ش): ارتهن أرضاً فوضع يده عليها يستغلها من غير نذر ولا إباحة من المالك لزمه أقصى أجر منافع ما وضع يده عليه منها، فإن تلفت الأرض حينئذ لزمه أقصى القيم، لأن فائدة الرهن إنما هو التوثق بالدين ليستوفيه من المرهون عند تعذر الإيفاء والتقدم به على غيره فقط.
(مسألة: ش): رهن عيناً وأقبضها ثم وهبها أو نذر بها لآخر منجزاً أو معلقاً بصفة وجدت قبل فكها لم يصح، إذ هو ممنوع من التصرف في الرهن قبل فكه، ثم إن تلفت في يد نحو المتهب طالب المرتهن ببدلها من مثل أو قيمة من شاء، والقرار على نحو المتهب إن علم الحال وإلا فعلى الراهن كما لو تلفت في يده، وإذا انفك عاد البدل لمن غرمه.
(مسألة: ب): رهن مصاغاً فتلف بيد المرتهن، فإن كان بلا تقصير بأن وضعه في حرزه المغلق ولم يدخل غيره ممن يستريب فيه لم يضمن، وإلا ضمنه بقيمته يوم التلف، ولا عبرة بقول الراهن قيمته كذا، ولا يسقط بتلفه شيء من الدين مطلقاً.
(مسألة: ي): يد المرتهن يد أمانة فلو أحضر عيناً فقال الراهن: ليست هذه المرهونة صدق المرتهن بيمينه أنها التي أقبضه الراهن إياها عن جهة الرهن ولم يقبضه سواها كالوديع وبرىء ظاهراً وتكون ملكه، إذ من أقر بعين لآخر فكذبه تركت في يد المقر يتصرف فيها تصرف الملاك.
(مسألة: ش): أمين كمرتهن ووديع أراد سفراً لزمه إعلام المالك أو وكيله ليعمل بإذنه في السفر به أو تركه، فإن لم يفعل ضمن حيث تيسر إعلامه ولم يسبق منه إذن في تركه عند إرادة السفر، فإن تعسر دفعه للقاضي الثقة، وعليه إما قبوله والإشهاد به أو أمره بدفعه لثقة وهو أولى، فإن عدم الحاكم المذكور دفعه لثقة ولو امرأة، أو أعلمه بمحله المحرز فيه وأشهد عليه إن كان بحيث يتمكن من أخذه، وحينئذ لو سرق من الحرز كما ذكر لم يضمن، فإن تعذر الكل أو خاف من الحاكم الجائر لو دفعه للثقة لزمه السفر به إن كان آمناً أو خوفه أقل من الحضر.
(مسألة: ش): مات عن ورثة وفيهم محجور وغائب وخلف بيتاً مرهوناً بدين، فإن قضاه الورثة وإلا باعه الحاكم بإذن الحاضر الكامل إن لم يصرّ على امتناع بثمن المثل أو بأنقص منه مما يتغابن به حالاً من نقد البلد ولو من المرتهن، فإن ثبت أن البيع بدون ثمن المثل ولو باعتراف المشتري بطل البيع، نعم لو شهدت بينة بأنه ثمن مثله قدمت على الأخرى إلا إن قطع بكذبها، ولو عجز الراهن عن استئذان المرتهن والحاكم فله الاستقلال بالبيع على الأصح اهـ. قلت: زاد في التحفة، لكن يحجر عليه في الثمن إلى الأداء.
(مسألة: ش): ليس للمرتهن طلب دينه من غير الرهن لرضاه بتعلق الدين به كما نقل عن الإمام، نعم إن بيع في الدين ولم يف به فله كوارثه طلب الزائد من الراهن أو تركته، فإن ادعى ورثة الراهن أنه لم يخلف سوى العين المرهونة فله تحليفهم حينئذ على نفي العلم، فلو باع المرتهن الرهن بإذن بعض الورثة صح في حصته فقط فلغيره الكامل، وولي المحجور طلب رفع يد المشتري عن حصته وتسليم ما عليه للمرتهن اهـ. قلت: وعبارة التحفة وقضية هذا أنه لا يلزم الراهن التوفية من غير الرهن وإن طلبه المرتهن وقدر عليه، وبه صرّح الإمام، واستشكله ابن عبد السلام بوجوب الأداء فوراً، ويحمل كلام الإمام على تأخير يسير، واختار السبكي وجوب الوفاء فوراً من الرهن أو غيره، فلو كان غيره أسرع وطلبه المرتهن وجب وهو متجه اهـ.
تعلق الدين بالتركة
[فائدة]: يندب أن يبادر بقضاء دين الميت مسارعة فك نفسه من حبسها عن مقامها الكريم كما ورد، فإن لم يكن بالتركة جنس الدين أو لم يسهل قضاؤه سأل الولي وكذا الأجنبي الغرماء أن يحتالوا به عليه، وحينئذ فتبرأ ذمة الميت بمجرد رضاهم بمصيره في ذمة نحو الولي، وينبغي أن يحللوا الميت تحليلاً صحيحاً ليبرأ بيقين، وخروجاً من خلاف من زعم أن التحمل المذكور لا يصح كأن يقول للغريم: أسقط حقك منه أو أبرئه وعليّ عوضه، فإذا فعل ذلك برىء الميت ولزم الملتزم ما التزمه، ولا ينقطع بذلك تعلق الغرماء بتركه الميت، بل يدوم رهنها إلى الوفاء، لأن في ذلك مصلحة للميت، إذ قد لا يوفي الملتزم بذلك، ولا ينافيه ما مر من البراءة لأن ذلك ظني اهـ تحفة.
(مسألة: ش): مات وله حق شفعة فشفع وارثه كان الشقص المشفوع تركة حتى يتعلق به الدين، لأنه يتعلق بالمال عيناً وديناً ومنفعة بالحقوق وإن لم تكن مالاً، ويؤدي الوارث الثمن من ماله أو من التركة بإذن الغرماء لا بدونه، وليس على الوارث مراعاة الغريم في الأخذ، بل متى أخذ حصل التعلق بالشقص، كوارث موصى له مات قبل القبول فإن حق الموصى له بالموصي به لا يحصل ما لم يقبل وارثه ولا يلزمه القبول.
(مسألة: ش): ونحوه ي ك: مات وعليه ديون وله أعيان حيوان وغيره كانت التركة جميعها مرهونة رهناً شرعياً بالديون، فيبطل تصرف الوارث فيها بغير العتق والاستيلاد من موسر بقدر يساره إلا بإذن أهل الدين، فإن غاب بعضهم أو حجر عليه أو امتنع ناب عنه الحاكم في الإذن، ولو عجز الوارث عن استئذان رب الدين والحاكم فله الاستبداد بالبيع في الأصح، ولا بد من اتفاق جميع الورثة على البيع أو بعضهم برضا المتأهل من البقية وولي المحجور والغائب، ثم الحاكم عند امتناعهم أو عدم تأهلهم ولم يكن لهم أولياء، وتباع من أجنبي أو من بعضهم بعضاً، بشرط أن يكون الثمن حالاً والمشتري ملياً، ويحجر عليهم الحاكم في الثمن حتى يقبض أهل الدين مالهم، فلو غاب بعضهم أو امتنع قبض له الحاكم ووضعه في بيت المال إن وجد وإلا فعند أمين، ولا يبقيه بيده دفعاً للتهمة، فإن رأى إبقاء الثمن بذمة المشتري حتى يراجع أهل الدين فلا بأس.
(مسألة: ب): لا يصح تصرف الوارث في شيء من التركة ولا قسمتها قبل أداء الديون، ومنها حجة الإسلام إن استطاع أوصى بها أولاً وسائر الوصايا، فلو نذر بعض الورثة بما يخصه قبل ذلك لم يصح النذر، وهذه المسألة ونظائرها مما يغفل عنها وهي كثيرة الوقوع، وقد غلط فيها كثير ممن يدعي العلم كقضاة السوء، ولا يكفي إفراز قدر أجرة الحاج من التركة، بل لا يصح التصرف حتى يكمل الأجير الحج على المعتمد اهـ. قلت: وهذا ما اعتمده ابن حجر و (م ر) لكن قال في القلائد: وإذا بذل الورثة قدر الدين من التركة أو غيرها لمن إليه قضاؤه من وصي وحاكم فالظاهر أن لهم التصرف في باقيها كما أفتى به أبو مخرمة، وكذا إذا سلموا قدر الوصايا المطلقة إليه ومن له دين ومات وورثه واحد بعد واحد فهو في الآخرة للأوّل، فلو قبضه وارث ولو الأخير برىء المدين إلا من المماطلة اهـ. ومن سفينة الحبيب أحمد الحداد: من مات وعليه فرض الحج وأراد وارثه التصرف في التركة فالحيلة في ذلك أن تقرر الأجرة ويقبضها الأجير بعد الاستئجار، أو يقبضها الوصي أو الحاكم عند عدمه، أفتى بذلك عبد الله بن مخرمة تبعاً لجده وابن كبن ورأيته للشيخ علي با يزيد اهـ. وفي ج كلام عن أبي مخرمة مذكور في باب القسمة، وعبارة ي حيث تصرف الوارث قبل أداء الدين والوصايا بطل وضمنه كل من دخل تحت يده، فلو أوصى بشراء عقار تقسم غلته لوصايا عينها لم تنفك التركة حتى يشتري ذلك العقار، فلا يكفي إفراز المال فقط، كما لا تنفك بتأجير الوصي الحاج، وإن سلم له الأجرة على المعتمد ولو قاسمهم الوصي فتلف بعض ما في يده قبل إيصاله مستحقه لزم الورثة توفيته مما بأيديهم، وليس قبض الوصي مبرئاً لهم بل لا بد من قبض المستحق، كما لو اقتسم الورثة فظهر دين وقد أعسر بعضهم فيؤخذ كل الدين من الموسر ثم يرجع هو على الآخر بعد يساره، نعم لو أوصى بعين معينة امتنع التصرف فيها فقط.
(مسألة: ك): مات وعليه دين زائد على تركته ولم ترهن به في الحياة لم تكن رهناً إلا بقدرها منه فقط، فإذا وفى الوارث ما خصه أوكل الورثة قدرها انفك نصيبه في الأولى وكلها في الثانية عن الرهنية، ويفرق بين هذا وبين الرهن الجعلي، حيث لا ينفك إلا بالإبراء عن جميعه بأنه أقوى، فلو رهن عيناً ثم مات لم ينفك منها شيء إلا بوفاء جميع المرهونة به اهـ. قلت: فلو طلب الدائن أخذ التركة بجميع الدين وأراد الوارث الفك كما ذكر أجيب الدائن لتحقق مصلحة الميت وهو سقوط الدين عن ذمته وخلاص نفسه من حبسها، قاله في التحفة وأبو مخرمة.
(مسألة): مات وعليه ديون كثيرة أضعاف تركته وخلف صوغة مرهونة عند آخر ببعض الدين قدم المرتهن بدينه، فإن زاد منها شيء أضيف إلى التركة وقسط الكل على بقية الديون، فلو كانت الصوغة المذكورة مستعارة من آخر لترهن بشرطها كما مر في الرهن روجع مالكها، إما أن يقضي الدين ويأخذها، أو يأذن في بيعها فيه، ويأخذ الزائد من قيمتها إن كان، ثم يرجع على التركة بما أخذه المرتهن في الصورتين يضارب به كسائر الغرماء.
التفليس
[فائدة]: نظم بعضهم أقسام الحجر فقال:
ثمانية لم يشمل الحجر غيرهم ** تضمنهم بيت وفيه محاسن
صبي ومجنون سفيه ومفلس ** رقيق ومرتدّ مريض وراهن
(مسألة: ش): لا يكلف من عليه ديون بيع أعيانه بدون ثمن مثلها مرهونة كانت أم لا، كأن كانت قيمتها مائة ووجد راغب بثمانين بل يكلف الدائن الصبر.
(مسألة): إذا كان للمدين عرض فإن وجد راغب فيه بثمن مثله وهو ما انتهت إليه الرغبات في ذلك الزمان والمكان لا ما قوّمه المقوّمون كما قاله ابن زياد وغيره أو أراده الدائن بذلك وجب بيعه وقضاء الدين وإلا صبر الدائن وجوباً حتى يوجد راغب، ولا يجوز حبس المدين ولا الترسيم عليه إذا لم يعهد له مال.
(مسألة: ش): أقرّ المفلس لآخر بعين أو دين سابق على الحجر قبل في حقه وحق الغرماء، قال ابن الصباغ: ولهم تحليف المقر له، ولا يظهر لليمين فائدة إلا إنّ هيبتها ربما تدعوه إلى تكذيب المقر فلا يزاحمهم حينئذ، إذ لو نكل عنها لم يمكنهم أن يحلفوا المردودة إلا إن ادعوا أنه واطأه على ذلك ليبطل حقهم، فيحلفوا عند نكوله على ذلك وحينئذ تكون يمينهم كإقراره.
(مسألة: ش): مدين ادعى الإعسار، فإن لم يعهد له مال ولم يلزمه الدين بنحو شراء أو قرض صدق بيمينه، ولا يكلف حينئذ بينة ولا يحبس، وإن عهد له أو لزمه بنحو شراء وقبض حبس حتى يثبت إعساره برجلين فقط فيشهدان بأنه معسر لا بأنه لا يملك شيئاً لكن لا يضر على المعتمد.
الحجر
(مسألة: ي): المولود أعمى أصم حكمه كالمجنون، فيحكم بإسلامه دنيا وأخرى تبعاً لأحد أصوله المسلم وإن كان بالغاً وليس هو من أهل الفترة ولا يلحقه بالعقلاء ميله إلى نحو الدراهم والملابس، نعم إن كان له أدنى تمييز ألحق بالصبي المميز في صحة العبادة وعدم المؤاخذة بتركها وإيصال نحو الهدية وإذن في دخول وردّ سلام، ومثل من ذكر أخرس ليس له فهم أصلاً، لكن إن بلغ كذلك وإلا فوليه الحاكم كما في التحفة.
(مسألة): مريض يغمى عليه مرة ويفيق أخرى وصدرت منه تبرعات وطلاق، فما علم كونه حال إفاقته نفذ أو إغمائه فلا وما شك فيه، فإن أقر هو وكذا وارثه في غير الطلاق أنه حال الإفاقة نفذ أيضاً، وما ادعى هو أو وارثه أنه حال الإغماء صدق بيمينه للقرينة الظاهرة.
(مسألة: ك): لا يثبت البلوغ إلا باستكمال خمس عشرة سنة بشهادة عدلين، نعم إن شهدت أربع نسوة بولادته يوم كذا قبلن وثبت بهن السن تبعاً قاله في التحفة، ومنه يعلم قبول شهادة الأبوين، ويقبل قول الصبية: حضت، من غير تحليف وإن اتهمت، فلو أطلقت الإقرار بالبلوغ قبل في أصح الوجهين.
[فائدة]: لا يحلف ولي أنكر الرشد بل القول قوله في دوام الحجر، ولا يقتضي إقرار الولي به فك الحجر بل يقتضي انعزاله، وحيث علمه لزمه تمكينه من ماله وإن لم يثبت، لكن صحة تصرفه ظاهراً متوقفة على بينة برشده أي أو ظهوره اهـ تحفة.
(مسألة: ج): أسند أمر أطفاله إلى أخيه فبلغ اثنان وطلبا المال سلم إليهما حصتهما فقط لا حصة البقية، بل يضمن بتسليمها إليهما، هذا إن شهد خبيران بأحوالهما بأنهما مصلحان لمالهما، أو آنس الوصي منهما الرشد، وهو في هذا الزمان صلاح المال فقط، وأما صلاح الدين فقد تودّع منه اهـ، وعبارة ش مذهب الشافعي أن الرشد صلاح المال والدين بأن لا يرتكب محرماً مبطلاً للعدالة، ومنه أن تغلب طاعاته صغائره، ولا يشترط جميع شروط العدالة من ترك خارم المروءة أو فعل صغيرة، ولا فرق في استدعاء فك الحجر بالصلاح المذكور بين المتصل بالبلوغ وغيره، نعم لا بد من صحة التوبة حتى لو كان في قطع الصلاة مثلاً توقف فكه على قضاء جميع ما فوّته بعد بلوغه لأنه أحد أركان التوبة، فحينئذ لا عبرة بأمر من لا خبرة له من يريد فك الحجر بصلاة يوم أو يومين ظاناً فك الحجر بذلك، غير ناظر إلى أن ارتفاع الوجوب وتوقف فك الحجر بقضاء جميع الفائت، ومذهب الأئمة الثلاثة أن الرشد صلاح المال فقط، وهو وجه في التتمة مال إليه ابن عبد السلام وأفتى به العمراني وابن عجيل والحضرمي والأزرق، بل نقل السبكي عن البويطي وابن شريح والماوردي وابن علي أنه يصح تصرف من بلغ سفيهاً ولو بالتبذير إذا لم يحجر عليه وهو شاذ.
وليّ المحجور
(مسألة: ي): ولي المجنون ما ألحق به مما مر، وإن كان له نوع تمييز أب فأبوه فوصيهما أو أحدهما، ثم الحاكم أو صلحاء المسلمين عند فقده أو جوره، فيتصرف من ذكر في ماله بتربيتهم، ويزوّجه غير الوصي ممن ذكر بظهور الحاجة كتوقان أو خدمة، ويتعين التسري إن خفت مؤنته عن النكاح.
(مسألة: ج): إذا لم يكن للمحجور أب أو جد ولا وصي فوليه الحاكم أو من أنابه وللولي أن يأخذ له شركة بيت للمصلحة ويصدق في الانفاق اللائق ودعوى التلف.
(مسألة: ش): ونحوه ب: إذا فقد الولي الخاص وهو الأب أو الجد أو وصيهما، والعام وهو القاضي أو الإمام أو منصوبهما، وقام به مانع من نحو فسق أو خيانة، لزم صلحاء البلد كنحو العم أن يقوموا بالمحجور فرض كفاية إن تعددوا وإلا فعين، ثم إن اتفقوا على واحد فذاك وإلا أقرع ليتحد المتولي، إذ تعدده يؤدي إلى النزاع، ولا تلي الأم في الأصح، خلافاً لابن عجيل والحضرمي القائلين بتقديمها على الوصي، وليس لعصبته كأمه منازعة المتعين وجعل المال تحت أيديهم إذا كان هو الصالح أو الأصلح، كأن لم يمكن دفع نحو الظالم عن المال إلا منه.
(مسألة: ش): مات عن أطفال وله أخوان فقال أحدهما للآخر: تصرف في مال الأطفال وعليك مؤنتهم وزكاتهم وما فضل من ربح لك، فإن لم تثبت لهما ولاية بنحو وصاية فتصرفهما مضمون عليهما، نعم لهما كنحو العم تأديب الطفل وتعليمه والإنفاق عليه من ماله عند تعذر مراجعة نحو القاضي كعبده لئلا تضيع مصلحة الطفل، وإن ثبتت ولايتهما بنحو وصاية أو لم يوجد قاض أو خيف منه على المال فلهما بل عليهما كصلحاء البلد التصرف في المال بالغبطة، فإن اتفقا على صالح فذاك، وإلا تصرفا بحسب المصلحة حيث اتفقا وإلا روجع ثقة، وقول أحدهما للآخر تصرف في المال الخ. لا يترتب عليه أثر إلا فسق القائل إن مكنه منه جراءة بلا ظن مصلحة للمحجور، وتصرف الآخر صحيح لثبوت ولايته فحينئذ نعم يفسق إن أخذ زائد الربح عن المؤن، ولا يعذر بجهله إلا إن قرب عهده بالإسلام.
(مسألة: ش): ليس للحاكم الكشف عن الآباء والأجداد في ولايتهم على أطفالهم وتصرفاتهم ما لم تثبت عنده الخيانة أو الفسق فيعزله، وليس على نحو الأب إقامة بينة للبيع ولا يمين إذ لا يقبل رجوعه، ويجوز له استخدام المحجور بنحو صبا وسفه كعبده فيما لا يقابل بأجرة، وإعارته لمصلحته كتعليم ونفقة، وكذا لسائر قراباته، وإن لم تكن لهم ولاية عليه حيث لا قاضي ثقة أمين لما لهم من الشفقة عليه، لما في قصة أنس رضي الله عنه ففيه جواز استخدام اليتيم ووجوب خدمة الإمام والعالم على المسلمين، أما خدمة عبد المحجور فيما يقابل بأجرة، فإن كان في مصالح المحجور فلا إشكال فيه أو في غيرها فلا، نعم إن تعينت طريقاً في منعه من نحو إباق بقرينة جاز بل وجب كركوب الوديع لدابة.
(مسألة: ش): يجوز للولي اقتناء الحيوان للمحجور للمصلحة، بل يجب إلقاؤه إذا كان فيه غبطة ظاهرة كالنحل، وقولهم: إن الولي لا يشتري الحيوان ولا يتركه بملك المحجور محمول على الغالب من عدم المصلحة، وحينئذ لو كان العرف أن من يخدمه يأخذ الربع من غسله مثلاً فيقدر الحاكم الربع المذكور في أغلب أحوال القيم مدة معلومة ويعرف قيمته، ثم يستأجر بها أو بأقل منها مراعياً المصلحة فيستحق المسمى، فيعطيه من مال المحجور أو يعوضه من العسل إن كان إجارة عين، فإن لم يعرف العاقدان ما يحتاجه النحل من الأعمال أنابا من يعرفه وينزل على عادة الناس في ذلك.
[فائدة]: يجوز للولي خلط طعامه بطعام موليه حيث كانت المصلحة للمولى، ويظهر ضبطها بأن تكون كلفته مع الاجتماع أقل منها مع الانفراد، ويكون المالان متساويين حلاً أو شبهة، أو مال الولي أحل، وله الضيافة والإطعام حيث حصل للمولى قدر حقه، وكذا خلط طعام أيتام إن كانت فيه مصلحة لكل منهم اهـ تحفة. وفي الإمداد: وإن تبرم الولي بحفظ مال موليه أي سئم من ذلك وتضجر استأجر من يتولاه بأجرة المثل وله الرفع إلى القاضي لينصب قيماً، وكذا ليفرض له أجرة إن لم يكن ثم متبرع، وليس لولي أخذ شيء من مال موليه في مقابلة تصرفه اهـ. لكن عبارة التحفة تقتضي الجواز إن خاف من إعلام القاضي الجائر بشرط إخبار عدلين بقدر أجرة المثل، قال: لتعذر الرفع حينئذ اهـ.
الصلح
[فائدة]: لا يصح الصلح إلا مع الإقرار عندنا، وقال الأئمة الثلاثة: يجوز مع السكوت بل ومع الإنكار اهـ تحفة وينابيع الأحكام. وقال ابن حجر في أسنى المطالب في صلة الأرحام والأقارب: ولا بأس أن يندب القاضي الخصمين إلى الصلح ما لم يتبين له الحق لأحدهما، لقول سيدنا عمر لأبي موسى رضي الله عنهما: واحرص على الصلح ما لم يتبين لك فصل القضاء، ولا بأس به أيضاً بعد التبين إن كان فيه رفق بالضعيف، وقد عرفه حقه وتبين صدقه، فلم يبق حينئذ إلا سؤال فضله، ولا يلح عليهم في الصلح إلحاحاً يوهم الإلزام، أو كان ذلك خوفاً أو حياء من غير رضا بالباطن وإلا فلا بأس، إذ العادة جرت بالإلحاح في الظاهر مع الرضا باطناً، وحكم الحاكم لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً في الباطن، كما أن الصلح كذلك، سواء المال والأبضاع عندنا، وخصه أبو حنيفة وكثير من المالكية بالأموال حتى لو شهدا بطلاق كذباً وحكم به الحاكم جاز له نكاحها بشرطه وهذا فاسد فليحذر منه اهـ.
(مسألة: ش): صالح بعض الورثة بعضاً عن حصته، فإن علم كل المصالح به والمصالح عنه من كل الوجوه كالبيع حتى ما حدث من الزوائد صح الصلح، وإن علم البعض صح فيه فقط، وإن جهل أحدهم المصالح به أو عنه بطل، لأن الصلح إما حطيطة أو معاوضة، وكلاهما يؤثر فيه الجهل، ومحل الصحة أيضاً إن صدر عن جميع بقية الورثة، ثم إن كانت التركة أعياناً وصالح على غيرها فبيع أو على بعضها فهبة لباقي النصيب وإن كانت ديوناً، فإن كانت عليهم وصالحوه على غيرها فبيع دين لمن هو عليه فيشترط أن لا يكون دين سلم، وأن يعين العوض في المجلس مع قبضه إن اتفقا في علة الربا، أو على غيرهم فبيع دين لغير من هو عليه فيصح في الأظهر بشرطه، ومنها كونه على مليء مقرّ، وإن صالح بعض الورثة عن دين عليه أو على التركة صح مطلقاً، إذ يجوز قضاء دين الغير بغير إذنه، أو عن عين صح إن صالح لنفسه، وكأنه اشتراها بالمصالح به لا لبقية الورثة، إلا إن أذنوا فيه أولهم صح في حقه فقط إذ هو تصرف فضولي.
(مسألة: ب): صالح على مال مجهول عن بعضه معلوماً ثم بان بأنه مغبون، فإن استوفى شروط الصلح شرعاً من سبق الخصومة ثم الإقرار به من المدعى عليه اختياراً وهو أهل للتصرف بصيغة معتبرة صح وعمل بمقتضاه ولا عبرة بالندم بعد، وإن انتفى شرط بطل، وإن أكده بقوله: رضيت أو نذرت به لأنه إنما فعله ظاناً صحة الصلح، فإذا بطل بطل ما ترتب عليه كغيره من العقود اهـ. قلت: وقوله عن مال مجهول هو مخالف لما تقدم عن ش فتنبه له، وفي الميزان: ويصح الصلح على المجهول عند الثلاثة خلافاً للشافعي.