كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي
محتويات
الجنائز
[فائدة]: الموت مفارقة الروح الجسد، والروح جسم لطيف لا يفنى أبداً، وصبيان الكفار كفار في أحكام الدنيا، مسلمون في أحكام الآخرة اهـ عباب.
[فائدة]: سئل أبو بكر عن موت الأهل فقال: موت الأب قصم الظهر، وموت الولد صدع الفؤاد، وموت الأخ قص الجناح، وموت الزوجة حزن ساعة اهـ مغني. ويستحب الاستعداد للموت بالتوبة بشروطها، ولا يحرم التبرم من المقضي كالمرض والفرق دون القضاء اهـ باعشن.
[فائدة]: ورد أن جبريل عليه السلام يحضر من مات على طهارة من الأمة، فليحرص المريض ومن حضره الموت على طهارته، ويسن أن يقرأ عنده يس لما ورد أنه يموت رياناً ويدخل قبره رياناً اهـ. باعشن. والحكمة قراءة يس على المحتضر اشتمالها على أحوال القيامة وأهواله، وتغير الدنيا وزوالها، ونعيم الجنة وعذاب النار، فيتذكر تلك الأحوال الموجبة للثبات، قيل: والرعد لأنها تسهل خروج الروح، ويجرع الماء ندباً بل وجوباً إن ظهرت أمارات تدل على احتياجه، كأن يهشّ إذا فعل به ذلك، لأن العطش يغلب لشدّة النزع، ولذلك يأتي الشيطان بماء زلال ويقول: قل لا إله غيري حتى أسقيك اهـ تحفة.
[فائدة]: الأنين خلاف الأولى إن لم يغلبه، أو تحصل به استراحة من الألم، وإلا فمباح وإبداله بنحو تسبيح أولى اهـ باعشن. وقال الحبيشي: وورد أن أنين المريض تسبيح، وصياحه تهليل، ونفسه صدقة، ونومه عبادة، وتقلبه من جانب إلى جانب جهاد في سبيل الله تعالى، ومحل الأنين والصياح مع الغلبة إذ اختيار الأنين مكروه اهـ.
[فائدة]: أقل الثقيل الذي يوضع على بطن الميت عشرون درهماً، وتجوز الزيادة عليه ما لم تؤذه بحيث لو وضع على الحي لآذاه اهـ شوبري.
(مسألة:ب): يجب تجهيز كل مسلم محكوم بإسلامه، وإن فحشت ذنوبه، وكان تاركاً للصلاة وغيرها من غير جحود، ويأثم كل من علم به أو قصر في ذلك، لأن لا إله إلا الله وقاية له من الخلود في النار، هذا من حيث الظاهر، وأما باطناً فمحل ذلك حيث حسنت الخاتمة بالموت على اليقين والثبات على الدين فالأعمال عنوان.
(مسألة): المعتمد عندنا أنه لا يحكم بإسلام الصبي إلا تبعاً لأحد أبويه وإن علا، بشرط معرفة نسبته إليه، أو إذا وجد لقيطاً في بلد بها مسلم أو تبعاً لسابيه المسلم، وكذا إن جعل سابيه ووجد بيد مسلم خصوصاً إن وصف الإسلام كما قاله أبو مخرمة، فحينئذ يجهز إذا مات وجوباً كالمسلم، بل صحح أبو حنيفة وجمع من السلف إسلام المميز مطلقاً، ونقل الإمام إجماع الصحابة عليه، وانتصر إليه جمع، وأفتى محمد باسودان بأنه لو مات شخص بطريق وخاف لو وقف لتجهيزه من عدوّ فعل ما أمكنه ولو البعض إن لم يمكن نقله لمحل الأمن.
الغسل والتكفين
(مسألة: ي): تجب إزالة النجاسة الغير المعفوّ عنها عن الميت، سواء الأجنبية والخارجة منه، قبل إدراجه في الكفن اتفاقاً ولو من غير السبيلين، وكذا بعده في الأصح كغسل الكفن الملوث بها، ولا تصح الصلاة عليه حينئذ مع وجود الماء المزيل لها، وقال البغوي: لا تجب الإزالة بعد الإدراج مطلقاً، وإن تضمخ الكفن اهـ. قلت: ورجحه في الإمداد، وقال باعشن: ولو لم يمكن قطع الخارج من الميت صح غسله والصلاة عليه، لكن يجب فيه الحشو والعصب على محل النجاسة والمبادرة بالصلاة عليه كالسلس اهـ. وفي التحفة: وبه يعلم وجوب غسل ما يظهر من فرج الثيب عند جلوسها على قدميها نظير ما مر في الحي اهـ.
[فائدة]: ينبغي أن يأتي الغاسل بعد وضوء الميت وغسله بذكر الوضوء بعده، وكذا بدعاء الأعضاء ويسن: اجعله من التوابين، أو اجعلني وإياه اهـ تحفة.
(مسألة: ش): يجوز لغرماء الميت المفلس منع الزائد عن ساتر كل البدن ما لو أوصى بإسقاطه، بخلاف الورثة فليس لهم المنع من الثلاثة، وإن اتفقوا على ذلك أو كان فيهم محجور على المعتمد، نعم لهم المنع من الزائد حتى في حق الأنثى اهـ. قلت: وقال باعشن: كل من كفن من ماله ولا دين عليه مستغرق يجب له ثلاثة وإن لم يخلف سواها، ومن كفن من مال غيره لم يجب له إلا واحد يعم جميع بدنه ولو عالماً ولياً، وقال في مبحث القميص وإطلاقهم يقتضي أنه كقميص الحي بل صرح به الشرقاوي وغيره، فما اعتيد في بعض الجهات من جعله إلى نصف الساق وبلا أكمام منكر شديد التحريم اهـ.
[فائدة]: حاصل أحكام الكفن أنه أربعة أقسام: حق الله تعالى وهو ساتر العورة، ويختلف بالذكورة والأنوثة، وهذا لا يجوز لأحد إسقاطه مطلقاً، وحق الميت وهو ساتر بقية البدن فيجوز للميت إسقاطه كما قاله ابن حجر خلافاً لـ (م ر)، وحق الغرماء وهو الثاني والثالث فهذا للغرماء عند الاستغراق المنع منه، وحق الورثة وهو الزائد على الثلاثة فلهم إسقاطه اهـ كردي.
[فائدة]: مؤن التجهيز في مال الميت إلا زوجة وخادمها المملوك أو المستأجر بالنفقة لا بالأجرة فعلى زوج غني، قال (م ر): ولو بما يرثه منها خلافاً لابن حجر، لا ناشزة وصغيرة، ولا زوجة الأب، والمراد بالغني غني الفطرة، ويجب للزوجة ثوب فقط ولا يجب الزائد من مالها، نعم إن لم يقدر إلا على بعض الثوب تمم باقيه من تركتها، ووجب ثان وثالث لانفتاح باب الأخذ، وحينئذ ثم من بيت المال كالحنوط والقطن وإن كانت مستحبة، ثم من مياسير المسلمين كفاية إن لم يسأل شخص بعينه وإلا فعين لئلا يلزم التواكل، وحد الموسر من يملك كفاية سنة زيادة على ما يكفي ممونه يومه وليلته اهـ ش ق.
[فائدة]: قال ابن عجيل: لو مات شخص وله محجور ولم تمكن مراجعة الحاكم قبل تغيره جاز لأحد الثقات من المسلمين تجهيزه من تركته للضرورة، اهـ بازرعة وبامخرمة وسمهودي.
[فائدة]: مال في التحفة إلى حرمة ستر الجنازة بحرير حتى في المرأة، وخالفه (م ر) وسم فيها بل قال: يجوز تحليتها بالذهب ودفنه معها برضا الورثة الكاملين وتضييع المال لغرض، وهو هنا إكرام الميت وتعظيمه جائز اهـ. والوجه خلافه اهـ كردي صغرى.
[فائدة]: قال زي: وقد عمت البلوى بما يشاهد من اشتغال المشيعين بالحديث الدنيوي وربما أدّاهم إلى نحو الغيبة، فالمختار إشغال أسماعهم بالذكر المؤدي إلى ترك الكلام أو تقليله ارتكاباً لأخف المفسدين اهـ.
الصلاة على الميت
[فائدة]: يتأكد استحباب الصلاة على من مات في الأوقات الفاضلة كيوم عرفة والعيد وعاشوراء والجمعة اهـ (م ر). وقال المزجد البالغ يصلى عليه لتكفير سيئاته ورفع درجاته، والصبي لرفع درجاته خاصة اهـ.
[فائدة]: تجزي صلاة الذكر الواحد على الميت، وإن لم يحفظ الفاتحة ولا غيرها، ووقف بقدرها مع وجود من يحفظها، لأن المقصود وجود صلاة صحيحة من جنس المخاطبين وقد وجدت، قاله في التحفة اهـ.
[فائدة]: لو نقل الرأس عن الجثة كفت الصلاة على أحدهما إن نوى الجملة، فإن لم يعلم غسل الباقي علق نيته بغسله اهـ تحفة، أي كأن يقول: أصلي على جملة ما انفصل منه هذا الجزء إن غسلت البقية، فإن لم تغسل نوى الجزء فقط وإلا بطلت اهـ مدابغي.
[فائدة]: سن الوقوف عند رأس الذكر وعجيزة غيره عام، وإن كان الميت مستوراً أو في القبر اهـ أحمد الحبيشي. ويسن أن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق ولا يضر رفعها قبل تمامه، وإن خرجت عن المسجد وبعدت بأكثر من ثلاثمائة ذراع وتحولت عن القبلة لأنه دوام، بخلاف ما لو أحرم وهي سائرة فيشترط عدم البعد وعدم الحائل كما في التحفة اهـ باعشن.
[فائدة]: في النهاية يسن تطويل الدعاء بعد الرابعة، وحدّه كما بين التكبيرات أي الأولى والأخيرة كما أفاده الحديث ومنه: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، ويصلي على النبي ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويقرأ فيها آية: {الذين يحملون العرش ـ إلى ـ العظيم} وآية {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} الآية، و {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ـ إلى ـ الوهاب} اهـ باعشن. لكن قال ابن حجر: وينبغي كراهة ربنا اغفر لنا الخ، كما تكره القراءة في غير القيام.
[فائدة]: فرغ المأموم من فاتحته قبل إمامه سن له السورة فهي أولى من السكوت اهـ إيعاب. وقال ع ش: الأقرب أنه يدعو للميت لأنه المقصود، كما لو فرغ من الصلاة على النبي فيشتغل بالدعاء أو يكررها لأنها وسيلة لقبوله اهـ بج.
[فائدة]: قال أبو مخرمة: ولو تقدم غير الأحق في الجنازة حرم أو في غيرها كره اهـ، لكن نقل ع ش عن ابن حجر الكراهة في الجنازة، ولو زاد الإمام في تكبير الجنازة لم تبطل، فلو تابعه المأموم المسبوق وأتى بواجبه حسب له، علم ذلك أم لا، إذ الزيادة جائزة للإمام، وبهذا فارق المسبوق التابع لإمامه في الخامسة حيث فصل فيه بين الجهل فتصح والعلم فلا اهـ شوبري. ولو تقدم على إمامه بتكبيرة عمداً لم تبطل، لأن غايته أنه كزيادة تكبيرة وهو لا يضر قاله ابن حجر. وقال (م ر): تبطل ما لم يقصد بهذا الذكراهـ باعشن.
(مسألة): قال في التحفة: ولو صلى على كل واحدة والإمام واحد قدم من يخاف فساده ثم الأفضل بما مر، أي من نحو ورع وولاية إن رضوا وإلا أقرع اهـ. ومثلها الإمداد وشرح الروض. قال سم: هلا قدم بالسبق قبل الإقراع اهـ. ووجدت بخط ب قال: فائدة ووجدت حاشية على بعض نسخ التحفة في تقديم الجنائز، قال: وقضية عبارته أنه لا يقدم السابق إلى محل الصلاة، وعمل أهل تريم على تقديمه وإن كان مفضولاً مطلقاً، ولم نعلم مستندهم في ذلك، ثم رأيت الفقيه العلامة محمد بن عبد الله باعلي أفتى بما يوافقه ناقلاً له عن شرح العباب ولفظه: قال ابن حجر هذا إن جاءوا معاً وإلا قدم الأول فالأوَّل اهـ. فأفاد فيه دون بقية كتبه أن الإقراع لا يكون إلا إن جاءوا معاً، ورأيت ذلك بخط محمد بلعفيف معزوّاً للعلامة محمد بن إسماعيل بافضل، فقيد الإقراع لشيخه ابن حجر في الشرح المذكور بما إذا جاءوا معاً اهـ.
(مسألة: ج): لا تكره الصلاة على الميت على القبر بل تسن كما في خبر الشيخين وقال به الجمهور، فتكون حينئذ مستثناة من كراهة الصلاة في المقبرة.
[فائدة]: قال الحلبي: وظاهر كلامهم أنه يكفي في الاصطفاف وجود الاثنين في كل صف، فاصطفاف الرابع غير مكروه وإن لم تتم الصفوف، بل كان في كل صف إثنان مع السعة اهـ بج.
(مسألة: ب ش): لا تصح الصلاة على من أسر أو فقد أو انكسرت به سفينة، وإن تحقق موته أو حكم به حاكم، إلا إن علم غسله أو علق النية على غسله، إذ الأصح أنه لا يكفي غرقه، ولا يجوّزها تعذر الغسل، خلافاً للأذرعي وغيره اهـ. قلت: وعبارة الإمداد فعلم أن من مات بنحو هدم وتعذر إخراجه لا يصلى عليه وهو المعتمد كما في الروضة، وأصلها عن المتولي وأقراه، وفي المنح لا خلاف فيه، وجزم به في المنهاج، لكن أطال جمع في رده وتبعهم المصنف في الشرح. وفي فروق الشيخ أبي محمد قال الشافعي: من دفن قبل الغسل والصلاة، فإن كان قبل أن يهال عليه التراب أخرج وغسل إلا أن يخاف تغيره، وإن أهيل عليه التراب لم ينبش وصلي عليه في القبر، والقاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور، ومن عجز عن ركن أو شرط أتى بالمقدور، وهذه أولى بالجواز، إذ مقصودها الدعاء والشفاعة، وهذا حقيق بالاعتماد، وعليه الأسنوي والأذرعي وابن أبي شريف وغيرهم ورجحه الناشري اهـ حاشية الفتح.
(مسألة): مذهبنا لا يصلي على القبر والغائب إلا من كان من أهل الصلاة عليه يوم الموت، ورجح الزمزمي صحة صلاة الصبي على الغائب والقبر، ونقل عن جده ابن حجر ما يدل على أن الشرط أن يكون من أهل صحتها لا وجوبها يوم الموت، قال: وعدم منع العلماء من السلف المتقدم والمتأخر لهم منها يؤيد ما ذكر، وسئل أبو زرعة فأجاب بصحة صلاته مع رجال ولو واحداً، وأجاب أبو حويرث بعدم صحة صلاته على ما ذكر وأطال في ذلك، اهـ من الدشتة للعلامة عبد الرحمن بن محمد العيدروس. وقال أبو مخرمة: وضابط الغيبة أن يكون بمحل لا يسمع منه النداء، وفي التحفة أن يكون فوق حد الغوث، قال: ولا يصلى على حاضر في البلد وإن عذر بنحو حبس أو مرض اهـ. لكن في الإمداد والنهاية أنها تصح إن شق عليه الحضور.
(مسألة): ماتت وفي بطنها جنين، فإن علمت حياته ورجي عيشه بقول أهل الخبرة شق بطنها أي بعد أن تجهز وتوضع في القبر، وإن لم ترج الحياة وقف دفنها وجوباً حتى يموت، ولا يجوز ضربه حينئذ، وإن لم تعلم حياته دفنت حالاً، قاله في التحفة.
[فائدة]: يعطى السقط حكم الكبير إن علمت حياته بنحو صياح وتحرك يقتضي الحياة كقبض يد وبسطها، بل لو صاح في بطن أمه كما في سم لأن المدار على وجود الحياة، وكذا لو انفصل بعد ستة أشهر ولحظتين ميتاً، وإن لم يعلم له سبق حياة عند (م ر) خلافاً لابن حجر، وإن ظهر خلقه وجب غير الصلاة، وإن لم يظهر فلا شيء، ويجوز رميه ولو للكلاب، لكن يسن ستره ودفنه اهـ شوبري.
الدفن
[فائدة]: استوجه ع ش أن نحو الشعر لا يشترط في دفنه ما ذكروا، بل يكفي ما يصونه عن الامتهان اهـ. وقال ابن زياد: الأولى أن توضع يد الميت على الأرض مبسوطة وبطن كفها إلى السماء كما عند التكفين، ولا تترك على صدره إذ يخاف سقوطها حينئذ بخلاف اليسرى فتبقى كذلك اهـ.
[فائدة]: يسن أن يقول الدافن: بسم الله الرحمن الرحيم وعلى ملة رسول الله ، قال ابن منبه: إنها ترفع العذاب عن صاحب القبر أربعين سنة اهـ ب ر، وأن يزيد من الدعاء ما يليق بالحال، كاللهم افتح أبواب السماء لروحه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، ووسع له في قبره، فقد ورد أن من قيل ذلك عند دفنه رفع الله عنه العذاب أربعين سنة اهـ بج. وورد أن من أخذ من تراب القبر حال دفنه وقرأ {إنا أنزلناه} سبع مرات، وجعله مع الميت في كفنه أو قبره لم يعذب ذلك الميت في القبر اهـ (ع ش).
[فائدة]: يسن أن يحثو ثلاث حثوات ويقول في الأولى: {منها خلقناكم} اللهم افتح أبواب السماء لروحه، وفي الثانية {وفيها نعيدكم} اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وفي الثالثة: {ومنها نخرجكم تارة أخرى} اللهم لقنه حجته اهـ إمداد.
(مسألة: ج): الظاهر فوات سن الحثيات بالفراغ من الدفن، ويكره الوقوف على القبر كراهة شديدة.
[فائدة]: قال أبو مخرمة: الظاهر أنه لا يجب سد اللحد، بل تجوز إهالة التراب من غير سد، خلافاً للمزجد والرداد اهـ. ووافقهما ابن حجر قال: ومثل فتح اللحد تسقيف الشق، لكن لو انهدم القبر بعد لم يجب إصلاحه، إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء اهـ.
[فائدة]: أفتى أبو زرعة بأن الميت في البحر الذي أريد رميه فيه عند تعذر البر يلقن قبل رميه، لأنه جرى لنا قول باستحبابه قبل الدفن فعند تعذره أولى اهـ. وأفتى أحمد بجير بأنه يؤخر إلى بعد الإلقاء، ولا يقال: إن جري السفينة وغيبوبته في البحر مانعان لسماعه، كما يقال: إن حيلولة التراب والأحجار وكونه عند غير رأس القبر مانعان وإن كان القعود عند رأسه أولى، لأن المدرك للسماع معنى لطيف لا يمنعه المحسوس الكثيف، والمقصود امتثال أمر الشارع ومراعاته وجوباً وندباً اهـ، ووافقه أبو حويرث. ويندب تكرير التلقين ثلاثاً، والأولى للحاضرين الوقوف وللملقن القعود اهـ فتح المعين.
(مسألة: ب): سؤال منكر ونكير يقع بعد الدفن عند انصراف الناس فوراً، ففي الصحيح: "إنه ليسمع قرع نعالهم" ولهذا يسن أن يقف جماعة عند قبره بقدر ما تنحر جزور ويفرق لحمها، يسألون له التثبيت لأنه وقت السؤال اهـ. قلت: قال العمودي في حسن النجوى: وذلك الزمان قدر ساعة وربع أو وثلث فلكية تقريباً، وقدر الساعة خمس عشرة درجة، كل درجة ستون دقيقة، والدقيقة مقدار قولك: سبحان الله مستعجلاً من غير مهملة، قاله عبد الله بلحاج، فمقدار الساعة تسعمائة تسبيحة، ومقدار ما يمكث على القبر ألف ومائتا تسبيحة على الأحوط اهـ.
[فائدة]: سؤال الملكين عام لكل أحد، وإن لم يقبر كالحريق والغريق، وإن سحق وذرّي في الهواء أو أكلته السباع، إلا الأنبياء وشهداء المعركة والأطفال وما ورد من أن من واظب على قراءة تبارك الملك كلّ ليلة لا يسأل، ونحوه يحمل على أنه يخفف عنه في السؤال بحيث لا يفتن في الجواب، ويسألان كل أحد بلغته على الصحيح، وقيل بالسرياني، ولذلك قال السيوطي:
ومن عجيب ما ترى العينان ** أن سؤال القبر بالسرياني
أفتى بذاك شيخنا البلقيني ** ولم أره لغيره بعيني
والسؤال على القول بأنه بالسرياني أربع كلمات وهي: أتره أترح كاره سالحين، فمعنى الأولى قم يا عبد الله. والثانية فيمن كنت. والثالثة من ربك وما دينك. والرابعة ما تقول في الرجل الذي بعث فيكم وفي الناس أجمعين. وقد ورد أن حفظ هذه الكلمات دليل على حسن الخاتمة كما بخط الميداني اهـ باجوري. وقد جمع بعضهم الذين لا يفتنون في قبورهم فقال:
جمع كرام أتى في النقل أن ** لا يسألون من الملكين في القبر
الأنبياء ومطعون كذا الشهدا ** من البطون كذا الصديق في الخبر
ومن منيته في يوم جمعة أو ** في ليلة مات والأطفال في الأثر
ومن تلاوته في كلّ ليلته ** لسورة الملك فافقه ذاك واعتبر
التعزية وزيارة القبور
[فائدة]: نقل الزركشي عن الإمام أحمد أن المعزى يردّ على المعزي بقوله: استجاب الله دعاءك ورحمنا وإياك اهـ. وقد ورد في الأثر عن سيد البشر أنه قال: "من ورخ مؤمناً فكأنما أحياه، ومن قرأ تاريخه فكأنما زاره، ومن زاره فقد استوجب رضوان الله تعالى في حرور الجنة" وحق على المرء أن يكرم زائره. اهـ مشرع. وفي شرح السحيمي على الجوهرة حديث: "ما من عبد يقول ثلاث مرات عند قبر ميت: اللهم بحق سيدنا محمد وآل محمد لا تعذب هذا الميت إلا رفع عنه العذاب إلى يوم ينفخ في الصور" اهـ.
[فائدة]: زيارة القبور إما لمجرد تذكر الموت والآخرة فتكون برؤية القبور من غير معرفة أصحابها، أو لنحو دعاء فتسن لكل مسلم، أو للتبرك فتسن لأهل الخير، لأن لهم في برازخهم تصرفات وبركات لا يحصى مددها، أو لأداء حق كصديق ووالد لخبر: "من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة كان كحجة" وفي رواية "غفر له وكتب له براءة من النار" أو رحمة وتأنيساً لما روي: آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان أحبه في الدنيا اهـ إيعاب.
[فائدة]: رجل مرّ بمقبرة فقرأ الفاتحة وأهدى ثوابها لأهلها فهم يقسم أو يصل لكل منهم مثل ثوابها كاملاً، أجاب ابن حجر بقوله: أفتى جمع بالثاني وهو اللائق بسعة رحمة الله تعالى اهـ.
(مسألة: ب): الأولى بمن يقرأ الفاتحة لشخص أن يقول: إلى روح فلان ابن فلان كما عليه العمل، ولعل اختيارهم ذلك لما أن في ذكر العلم من الاشتراك بين الاسم والمسمى، والمقصود هنا المسمى فقط لبقاء الأرواح وفناء الأجسام، وإن كان لها بعض مشاركة في النعيم، وضدّه البرزخ إذ الروح الأصل، وسر ذلك أن حقيقة المعرفة والتوحيد وسائر الطاعات الباطنة إنما تنشأ عن الروح، فاستحقت أكمل الثواب وأفضله، والطاعات الظاهرة كالتبع والقائم بها البدن، فاستحق أدنى الثواب وليس كالجماد من كل وجه بل له إدراك، لأن الروح وإن كانت بعيدة عنه في عليين وهي روح المؤمن أو سجين وهي روح الكافر فلها اتصال بالبدن، كالشمس في السماء الرابعة ولها اتصال وشعاع ونفع عام بالأرض، فلذا كان له نوع إحساس بالنعيم وضدّه.
(مسأة: ش): ورد أن الأموات يتعارفون ويتزاورون في قبورهم وفي أكفانهم، ولهذا ندب تحسين الكفن، ويعرفون من زارهم ويستأنسون به ويردّون على من سلم عليهم، ولا يختص بيوم الجمعة، ولا بميت دون آخر، ولا يبعد رؤيتهم للزائر، ولا تكون الأرض حائلة إذ ذاك من أمور الغيب الواجب الإيمان بها، وليست جارية على العادة، وهذا في حق المؤمن الناجي من العذاب، بل من توجه إليه النعيم جسماً وروحاً، وفتح له إلى الجنة باب بلا بواب من أهل لا إله إلا الله، فلا يحتاجون إلى الإيناس في قبورهم وليس عليهم فيها وحشة، نعم من شابها بالمخالفات ومات على التوحيد فهو وإن توجب عليه العذاب لا يكون أبديّ التأبيد، بل هو بصدد الانقطاع، إما بشفاعة أو برحمة الله تعالى، كما ليس على من مات صبياً وحشة في قبره أصلاً، إذ سببها المخالفة وهي مفقودة في حقه، إذ ورد أن الصبيانَ في الجنة يكفِلهم إبراهيم عليه السلام وسارة، وأن الصبي شبعان ريان ويرتضع من شجرة طوبى هذا حكم الروح، وما كالروح تنعماً وضدّه وصل إلى الجثة، وأما من وضع عليه النكال فهو مشغول عن الزوّار بما هو فيه ولم تغنه زيارة الأشكال.
[فائدة]: طرح الشجر الأخضر على القبر استحسنه بعض العلماء وأنكره الخطابي، وأما غرس الشجر على القبر وسقيها فإن أدى وصول النداوة أو عروق الشجر إلى الميت حرم، وإلا كره كراهة شديدة، وقد يقال يحرم، والجلوس على القبرمكروه كما في الروضة والمجموع خلافاً لقول شرح مسلم إنه حرام اهـ بامخرمة.
(مسألة: ش): إدخال الدوابّ التربة وإيطاؤها القبور مكروه كراهة شديدة أشد من وطء الآدمي بنفسه، وقد قال غير واحد بحرمة الجلوس على القبر لحديث مسلم، لكن حمله الجمهور على الجلوس لقضاء الحاجة، ولا شك أن من رأى دابة تبول على قبر يجب عليه زجرها وإن كانت غير مكلفة فهو المكلف، وتشتدّ الكراهة في قبر مشهور بالولاية أو العلم، فكيف بالمشهور بهما كسيدي إسماعيل الحضرمي، بل يخاف على فاعل ذلك أن يكون من معاديهم المأذون بالحرب في الحديث القدسي، لأن الميت يتأذى مما يتأذى منه الحي، وأما جعل العجور يعني علف المواشي والطعام في المقبرة وشغل شيء منها فحرام مطلقاً إذ هي موقوفة للدفن، فتجب على فاعل ذلك أجرة المحل الذي شغله من أرضها قياساً على إشغال بقعة من المسجد، نعم إن كانت ملكاً استأذن مالكها.
(مسألة: ك): التمسح بالقبور، قال الإمام أحمد: لا بأس به، وقال الطبري: يجوز وعليه عمل العلماء والصالحين، وقال النووي: يكره إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر ومسحه باليد وتقبيله، قال ابن حجر: إلا إن غلبه أدب وحال. وروي أن بلالاً رضي الله عنه لما زار المصطفى جعل يبكي ويمرغ وجهه على القبر الشريف.