مباحث صلاة العيدين
كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
محتويات
- مباحث صلاة العيدين
- حكم صلاة العيدين، ووقتهما
- وفت صلاة العيد
- دليل مشروعية صلاة العيدين
- كيفية صلاة العيدين
- كيفية صلاة العيدين عند الحنفية
- كيفية صلاة العيدين عند الشافعية
- كيفية صلاة العيدين عند الحنابلة
- كيفية صلاة العيدين عند المالكية
- حكم الجماعة وقضائها إذا فات وقتها
- سنن العيدين ومندوباتهما
- المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد
- مكروهات صلاة العيد
- الأذان والإقامة غير مشروعين لصلاة العيد
- حكم خطبة العيدين
- ركان خطبتي العيدين
- شروط خطبتي العيدين
- التكبير عقب الصلوات الخمس أيام العيد
- االعودة إلي كتاب الطهارة
- االعودة إلي كتاب الصلاة
- االعودة إلي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري
مباحث صلاة العيدين
* يتعلق بصلاة العيدين مباحث: أحدها: حكمها ووقتها؛ ثانيها: دليل مشروعيتها، ثالثها: كيفيتها؛ رابعها: حكم الجماعة فيها وقضاءها إذا فاتت: خامسها: أحكام خطبة العيدين، أركانها، شروطها؛ سادسها: حكم الأذان، وإقامة الصلاة في العيدين؛ سابعها: سنن العيدين ومندوباتهما؛ ثامنها: إحياء ليلة العيدين؛ تاسعها: المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد؛ عاشرها: تكبير التشريق.
حكم صلاة العيدين، ووقتهما
* في حكم صلاة العيدين ووقتهما تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط
(الشافعية قالوا: هي سنة عين مؤكدة لكل من يؤمر بالصلاة، وتسن جماعة لغير الحاج، أما الحجاج فتسن لهم فرادى.
المالكية قالوا: هي سنة عين مؤكدة تلي الوتر في التأكد، يخاطب بها كل من تلزمه الجمعة بشرط وقوعها جماعة مع الإمام، وتندب لمن فاتته معه، وحينئذ يقرأ فيها سراً، كما تندب لمن لم تلزمه، كالعبيد والصبيان؛ ويستثنى من ذلك الحاج، فلا يخاطب بها لقيام وقوفه بالمشعر الحرام مقامها، نعم تندب لأهل "منى" غير الحجاج وحداناً لا جماعة، لئلا يؤدي ذلك إلى صلاة الحجاج معهم.
الحنفية قالوا: صلاة العيدين واجبة في الأصح على من تجب عليه الجمع بشرائطها، سواء كانت شرائط وجوب أو شرائط صحة، إلا أنه يستثنى من شرائط الصحة الخطبة، فإنها تكون قبل الصلاة في الجمعة وبعدها في العيد، ويستثنى أيضاً عدد الجماعة، فإن الجماعة في صلاة العيد تتحقق بواحد مع إمام، بخلاف الجمعة، وكذا الجماعة فإنها واجبة في العيد يأثم بتركها، وإن صحت الصلاة بخلافها في الجمعة، فإنها لا تصح إلا بالجماعة، وقد ذكرنا معنى الواجب عند الحنفية في "واجبات الصلاة" وغيرها، فارجع إليه.
الحنابلة قالوا: صلاة العيد فرض كفاية على كل من تلزمه صلاة الجمعة، فلا تقام إلا حيث تقام الجمعة ما عدا الخطبة، فإنها سنة في العيد، بخلافها في الجمعة، فإنها شرط، وقد تكون صلاة العيد سنة، وذلك فيمن فاتته الصلاة مع الإمام، فإنه يسن له أن يصليها في أي وقت شاء بالصفة الآتية.
وفت صلاة العيد
الشافعية قالوا: وقتها من ابتداء طلوع الشمس، وإن لم ترتفع إلى الزوال، ويسن قضاءها بعد ذلك على صفتها الآتية.
المالكية قالوا: وقتها من حل النافلة إلى الزوال، ولا تقضى بعد ذلك.
الحنابلة قالوا: وقتها من حل النافلة، وهو ارتفاع الشمس قدر رمح بعد طلوعها إلى قبيل الزوال، وإن فاتت في يومها تقضى في اليوم التالي، ولو أمكن قضاءها في اليوم الأول، وكذلك تقضى، وإن فاتت أيام لعذر، أو لغير عذر.
الحنفية قالوا: وقتها من حل النافلة إلى الزوال، فإذا زالت الشمس وهو فيها فسدت إن حصل الزوال قبل القعود قدر التشهد،
ومعنى فسادها أنها تنقلب نفلاً، أما قضاؤها إذا فاتت فسيأتي حكمه بعد.
الشافعية قالوا: يسن تأخير صلاة العيدين إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح.
المالكية قالوا: لا يسن تأخير صلاة العيدين عن أول وقتها).
دليل مشروعية صلاة العيدين
* شرعت في السنة الأولى من الهجرة، كما رواه أبو داود عن أنس، قال: قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه قد ابدلكما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطرة".
كيفية صلاة العيدين
* في كيفية صلاة العيدين تفصيل المذاهب، فانظرها تحت الخط
كيفية صلاة العيدين عند الحنفية
(الحنفية قالوا: ينوي عند أداء كل من صلاة العيدين بقلبه، ويقلو بلسانه، أصلي صلاة العيد للّه تعالى، فإن كان مقتدياً ينوي متابعة الإمام أيضاً، ثم يكبر للتحريم، ويضع يديه تحت سرته بالكيفية المتقدمة، ثم يقرأ الإمام والمؤتم الثناء، ثم يكبر الإمام تكبيرات الزوائد، ويتبعه المقتدون، وهي ثلاث سوى تكبيرة الإحرام والركوع، ويسكت بعد كل تكبيرة بمقدار ثلاث تكبيرات، ولا يسن في أثناء السكوت ذكر، ولا بأس بأن يقول: سبحان اللّه، والحمد للّه ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، ويسن أن يرفع المصلي - سواء كان إماماً أو مقتدياً - يديه عند كل تكبيرة منها، ثم إن كان إماماً يتعوذ، ويسعى سراً، ثم يقرأ جهراً الفاتحة؛ ثم سورة؛ ويندب أن تكون سورة "سبح اسم ربك الأعلى" ثم يركع الإمام ويتبعه المقتدون ويسجد، فإذا قام للثانية ابتدأ بالتسمية ثم بالفاتحة ثم بالسورة، ويندب أن تكون سورة "هل أتاك"، وبعد الفراغ من قراءة السورة يكبر الإمام والقوم تكبيرات الزوائد، وهي ثلاث سوى تكبيرة الركوع، ويرفعون أيديهم عند كل تكبيرة، ثم يتم صلاته.
وصلاة العيدين بهذه الكيفية أولى من زيادة التكبير على ثلاث، ومن تقديم تكبيرات الزوائد على القراءة في الركعة الثانية، فإن قدم التكبيرات في الثانية على القراءة جاز، وكذا لو كبر الإمام زيادة على الثلاث فيجب على المقتدي أن يتابعه في ذلك إلى ست عشرة تكبيرة، فإن زاد لا تلزمه المتابعة، وإذا سبق المقتدي بتكبيرات بحيث أدرك الإمام قائماً بعدها كبر للزوائد وحده قائماً، وإذا سبقه الإمام بركعة كاملة وقام بعد فراغ الإمام لإتمام صلاته قرأ أولاً ثم كبر للزوائد ثم ركع، ومن أدرك الإمام راكعاً كبر تكبيرة الإحرام، ثم تكبيرات الزوائد قائماً إن أمن مشاركته في ركوعه، وإلا كبر للإحرام قائماً، ثم ركع، ويكبر للزوائد في ركوعه من غير رفع اليدين، ولا ينتظر الفراغ من صلاة الإمام في قضاء التكبيرات، لأن الفائت من الذكر يقضى قبل فراغ الإمام؛ بخلاف الفائت من الفعل، فإنه يقضى بعد فراغه، فإن رفع الإمام رأسه قبل أن يتم المقتدي تكبيراته سقط عنه ما بقي منها، لأنه إن أتمه فاتته متابعة الإمام الواجبة في الرفع من الركوع، وإن أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع فلا يأتي بالتكبير الزائد، بل يقضي الركعة التي فاتته مع تكبيرات الزوائد بعد فراغ الإمام.
كيفية صلاة العيدين عند الشافعية
الشافعية قالوا: صلاة العيد ركعتان كغيرها من النوافل، سوى أن يزيد ندباً في الركعة الأولى - بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الافتتاح، وقبل التعوذ والقراءة - سبع تكبيرات، يرفع يديه إلى حذو المنكبين في كل تكبيرة؛ ويسن أن يفضل بين كل تكبيرتين منها بقدر آية معتدلة، ويستحب أن يقول في هذا الفصل سراً: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، ويسن أن يضع يمناه على يسراه تحت صدره بين كل تكبيرتين، ويزيد في الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام خمس تكبيرات يفصل بين كل اثنتين منها، ويضع يمناه على يسراه حال الفصل، كما تقدم في الركعة الأولى، وهذه التكبيرات الزائدة سنة، وتسمى: هيئة، فلو ترك شيئاً منها فلا يسجد للسهو؛ وإن كره تركها؛ ولو شك في العدد بنى على الأقل، وتقديم هذه التكبيرات على التعوذ مستحب، وعلى القراءة شرط في الاعتداد بها، فلو شرع في القراءة ولو ناسياً فلا يأتي بالتكبيرات لفوات محله. والمأموم والإمام في كل ما ذكر سواء، غير أن المأموم إذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية فإنه يكبر معه خمساً غير تكبيرة الإحرام؛ فإن زاد لا يتابعه، ثم يكبر في الركعة الثانية التي يقضيها بعد سلام الإمام خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، وإذا ترك الإمام تكبيرات الزوائد تابعة المأموم في تركها، فإن فعلها بطلب صلاته إذا رفع ليديه معها ثلاث مرات متوالية، لأنه فعل كثير تبطل به الصلاة، وإلا فلا تبطل، أما إذا اقتدى بإمام يكبر أقل من ذلك العدد فإنه يتابعه، والقراءة في صلاة العيدين تكون جهراً لغير الموأموم، أما التكبير فيسن الجهر فيه للجميع، ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة "ق" أو "الأعلى" أو "الكافرون" وفي الثانية "القمر" أو "الإخلاص".
كيفية صلاة العيدين عند الحنابلة
الحنابلة قالوا: إذا أراد أن يصلي صلاة العيد نوى صلاة ركعتين فرضاً كفائياً. ثميقرأ دعاء الاستفتاح ندبا، ثم يكبر ست تكبيرات ندباً يرفع يديه مع كل تكبيرة، سواء كان إماماً، ويندب أن يقول بين كل تكبيرتين سرأ: اللّه أكبر كبيراً، والحمد للّه كثيراً، وسبحان اللّه بكرة وأصيلاً، وصلى اللّه على النبي وآله وسلم تسليماً، ولا يتعين ذلك، بل له أن يأتي بأي ذكر شاء؛ لأن المدوب مطلق الذكر؛ ولا يأتي بذكر بعد التكبيرة الأخيرة من تكبيرات الزوائد المذكورة؛ ثم يتعوذ؛ ثم يبسمل ويقرأ فاتحة الكتاب وسورة "سبح اسم ربك الأعلى" ثم يركع ويتم الركعة؛ ثم يقوم إلى الثانية فيكبر خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، ويقول بين كل تكبيرتين منها ما تقدم ذكره في الركعة الأولى، ولا يشرع بعد التكبيرة الأخيرة من هذه التكبيرات الزوائد ذكر، ثم يبسمل ندباً؛ ويقرأ الفاتحة ثم سورة "الغاشية" ثم يركع ويتم صلاته، وإن أدرك المأموم إمامه بعد تكبيرات الزوائد أو بعد بعضها لم يأت به، لأنه سنة فات محلها، وإن نسي المصلي التكبير الزائدأو بعضه حتى قرأ، ثم تذكره لم يأت به لفوات محله كما لو ترك الاستفتاح أو التعوذ حتى قرأ الفاتحة، فإنه لا يعود له.
كيفية صلاة العيدين عند المالكية
المالكية قالوا: صلاة العيد ركعتان كالنوافل. سوى أنه يسن أن يراد في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام؛ وقبل القراءة ست تكبيرات، وفي الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام. وقبل القراءة خمس تكبيرات، وتقديم هذا التكبير على القراءة مندوب، فلو أخره على القراءة صح وخالف المندوب، وإذا اقتدى شخص بإمام يزيد أو ينقص في عدد التكبير الذي ذكر، أو يؤخره عن القراءة فلا يتبعه في شيء من ذلك، ويندب موالاة التكبير إلا الإمام. فيندب له الانتظار لعد كل تكبيرة حتى يكبر المقتدون به؛ ويكون في هذا الفصل ساكتاً، ويكره أن يقول شيئاً من تسبيح أو تهليل أو غيرهما، وكل تكبيرة من هذه التكبيرات الزائدة سنة مؤكدة؛ فلو نسي شيئاً منها؛ فإن تذكره قبل أن يركع أتى به؛ وأعاد غير المأموم القراءة ندباً وسجد بعد السلام لزيادة القراءة الأولى، وإن تذكره بعد أن ركع فلا يرجع له ولا يأتي به في ركوعه، فإن رجع بطلت الصلاة، وإذا لم يرجع سجد قيل السلام لنقص التكبير: ولو كان المتروك تكبيرة واحدة؛ إلا إذا كان التارك له مقتدياً فلا يسجد؛ لأن الإمام يحمله عنه، وإذا لم يسمع المقتدي تكبيرة الإمام تحرى تكبيره وكبر وإذا دخل مع الإمام أثناء التكبير كبر معه ما بقي منه، ثم كمل بعد فراغ الإمام منه، ولا يكبر ما فاته، سواء دخل في الركعة الأولى أو الثانية، فإن كان في الأولى أتى بست تكبيرات؛ وإن كان في الثاني كبر خمساً، ثم بعد سلام الإمام يكبر في الركعة التي يقضيها ستاً غير تكبيرة القيام، أما إذا أدرك مع الإمام أقل من ركعة فإنه يقوم للقضاء بعد سلامه، ثم يكبر ستاً في الأولى بعد تكبير القيام ويكره رفع اليدين في هذه التكبيرات الزائدة. إنما يرفعهما عند تكبيرة الإحرام ندباً. كما في غيرها من الصلوات. ويندب الجهر بالقراءة في صلاة العيدين. كما يندب أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سروة "الأعلى" أو نحوها. وفي الركعة الثانية سورة "الشمس" أو نحوها).
حكم الجماعة وقضائها إذا فات وقتها
* وفي حكم الجماعة فيها وقضائها إذا فاتته مع الإمام تفصيل، فانظره تحت الخط
(الحنفية قالوا: الجماعة شرط لصحتها كالجمعة، فإن فاتته مع الإمام فلا يطالب بقضائها لا في الوقت ولا بعده، فإن أحب قضاءها صلى أربع ركعات بدون تكبيرات الزوائد، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة "الأعلى"، وفي الثانية "الضحى" وفي الثالثة "الانشراح" وفي الرابعة "التين".
الحنابلة قالوا: الجماعة شرط لصحتها كالجمعة، إلا أنه يسن لمن فاتته مع الإمام أن يقضيها في أي وقت شاء على صفتها المتقدمة.
الشافعية قالوا: الجماعة فيها سنة لغير الحاج، ويسن لمن فاتته مع الإمام أن يصليها على صفتها في أي وقت شاء، فإن كان فعله لها بعد الزوال فقضاء، وإن كان قبله فأداء.
المالكية قالوا: الجماعة شرط لكونها سنة، فلا تكون صلاة العيدين سنة إلا لمن أراد إيقاعها في الجماعة، ومن فاتته مع ندب الإمام له فعلها إلى الزوال، ولا تقضى بعد الزوال).
سنن العيدين ومندوباتهما
* لصلاة العيدين سنن: منها الخطبتان، وقد تقدم بيانهما؛
وتقدم أن المالكية قالوا: إنهما مندوبتان؛ ومنها أن يندب لمستتمع خطبتي العيدين أن يكبر عند تكبير الخطيب، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يحرم الكلام عندها، ولو بالذكر، عند المالكية، والحنابلة؛
أما الشافعية، فقالوا: إن الكلام مكروه أثناء خطبتي العيدين والجمعة ولو بالذكر، وأما الحنفية قالوا: لا يكره الكلام بالذكر أثناء خطبتي الجمعة والعيدين، في الأصح ويحرم بما عداه.
ويندب إحياء ليلتي العيدين بطاعة اللّه تعالى من ذكر، وصلاة، وتلاوة قرآن، ونحو ذلك، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "من أحيا ليلة الفطر، وليلة الأضحى محتسباً، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"، رواه الطبراني، ويحصل الإحياء بصلاة العشاء، والصبح في جماعة؛ وقد يقال: إن الوارد في الحديث من الأجر لا يتناسب مع كون ذلك الإحياء مندوباً، لأن حياة القلوب يوم القيامة معناه الظفر برضوان اللّه تعالى الذي لا سخط لعده، والجواب: أن الشريعة الإسلامية قد كلفت الناس بواجبات، فمن قام بها على الوجه المطلوب للشرع فقد استحق رضوان اللّه تعالى بدون نزاع، ومن تركها استحق سخطه، أما ما عداها من فضائل الأعمال، فإن الشريعة رغبت فيها فاعلها بالجزاء الحسن، ومن يتركها فلا شيء عليه، وبديهي أن هذا الجزاء لا يحصل لمن لم يقم بالواجبات، فإذا ترك المكلفون صيام رمضان، وترك القادرون الحج إلى بيت اللّه الحرام، والصدقات المطلوبة منهم، ثم أحيوا ليلة العيد من أولها إلى آخرها لم يفدهم ذلك شيئاً. نعم إذا كان الغرض من ذلك الإقلاع عن الذنب بالتوبة الصحيحة، كان له أثر كبير، وهو محو الذنوب والآثام، لأن التوبة تمحو الكبائر باتفاق.
ويندب أيضاً الغسل للعيدين بالكيفية المذكورة في صحيفة 108، وما بعدها، فارجع إليها إن شئت، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إنه سنة.
ويندب التطيب والتزين يوم العيد، أما النساء فلا يندب لهن ذلك إذا خرجن لصلاة العيد خشية الافتتان بهن، أما إذا لم يخرجن فيندب لهن ما ذكر، كما يندب للرجال الذين لم يصلوا العيد، لأن الزينة مطلوبة لليوم لا للصلاة، وذلك متفق عليه، إلا أن الحنفية قالوا: إنه سنة لا مندوب.
ويندب أن يلبس الرجال والنساء أحسن ما لديهم من ثياب، سواء كانت جديدة أو مستعملة، بيضاء، أو غير بيضاء باتفاق، إلا أن المالكية قالوا: يندب لبس الجديد، ولو كان غيره أحسن منه، والحنفية قالوا: لبس الجديد سنة لا مندوب.
ويندب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد الفطر، وأن يكون المأكول تمراً ووتراً - ثلاثاً، أو خمساً - وأما يوم الأضحى فيندب تأخير الأكل حتى يرجع من الصلاة.
ويندب أن يأكل شيئاً من الأضحية إن ضحى، فإن لم يضح خير بين الأكل قبل الخروج وبعده عند الحنابلة، والحنفية، أما الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (المالكية والشافعية قالوا: يندب تأخير الأكل في عيد الأضحى مطلقاً ضحى أم لا).
ويندب لغير الإمام أن يبادر بالخروج إلى المصلى بعد صلاة الصبح، ولو قبل الشمس باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (المالكية قالوا: يندب لغير الإمام أن يخرج بعد طلوع الشمس إن كان منزله قريباً من المصلى، وإلا خرج بقدر ما يدرك الصلاة مع الإمام)، أما الإمام فيندب له تأخير الخروج إلى المصلى، بحيث إذا وصلها صلى ولا ينتظر.
ويندب يوم العيد تحسين هيئته بتقليم الأظافر وإزالة الشعر والأدران (الحنابلة قالوا: يندب ذلك لكل مطالب بالصلاة، وإن لم تكن صلاة العيد).
ويندب أن يخرج إلى المصلى ماشياً، وأن يكبر في حال خروجه جهراً، وأن يستمر على تكبيره إلى أن تفتح الصلاة، وهذا متفق عليه، إلا أن الحنفية قالوا: الأفضل أن يكبر سراً (الحنفية قالوا: إن السنة تحصل بالتكبير مطلقاً، سواء كان سراً أو جهراً، إلا أن الأفضل يكبر سراً على المعتمد). والمالكية قالوا: يستمر على التكبير إلى مجيء الإمام. أو إلى أن يقوم إلى الصلاة، ولو لم يشرع فيها، والقولان متساويان، أما الإمام قيستمر على تكبيره إلى أن يدخل المحراب.
ويندب لمن جاء إلى المصلى من طريق أن يرجع من أخرى.
ويندب أيضاً أن يظهر البشاشة والفرح في وجه من يلقاه من المؤمنين، وأن يكثر من الصدقة النافلة بحسب طاقته، وأن يخرج زكاة القطر إذا كان مطالباً بها قبل صلاة العيد وبعد صلاة الصبح.
المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد
* تؤدي صلاة العيد بالصحراء، ويكره فعلها في المسجد من غير عذر، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط
(المالكية قالوا: يندب فعلها بالصحراء ولا يسن، ويكره فعلها في المسجد من غير عذر إلا بمكة، فالأفضل فعلها بالمسجد الحرام لشرف البقعة، ومشاهدة البيت.
الحنابلة قالوا: تسن صلاة العيد بالصحراء بشرط أن تكون قريبة من البنيان عرفاً، فإن بعدت عن البنيان عرفاً، فلا تصح صلاة العيد فيها رأساً، ويكره صلاتها في المسجد بدون عذر إلا لمن بمكة، فإنهم يصلونها في المسجد الحرام، كما يقول المالكية.
الشافعية قالوا: فعلها بالمسجد أفضل لشرفه إلا لعذر كضيفه؛ فيكره فيه للزحام، وحينئذ يسن الخروج للصحراء.
الحنفية: لم يستثنوا مسجد مكة من المساجد التي يكره فعلها فيها؛ ووافقوا الحنابلة والمالكية فيما عدا ذلك).
ومتى خرج الإمام للصلاة في الصحراء ندب له أن يستخلف غيره ليصلي بالضعفاء الذين يتضررون بالخروج إلى الصحراء لصلاة العيد بأحكام المتقدمة: لأن صلاة العيد يجوز أداؤها في موضعين
(المالكية قالوا: لا يندب أن يستخلف الإمام من يصلي بالضعفاء؛ ولهم أن يصلوا، ولكن لا يجهرون بالقراءة، ولا يخطبون بعدها، بل يصلونها سراً من غير خطبة، وصلاة العيدين كالجمعة تؤدي في موضع واحد، وهو المصلى مع الإمام متى كان الشخص قادراً على الخروج لها. فمن فعلها قبل الإمام لم يأت بالسنة على الظاهر، ويسن له فعلها معه. نعم إن فاتته مع الإمام ندب له فعلها، كما تقدم).
مكروهات صلاة العيد
* يكره التنفل للإمام والمأموم قبل صلاة العيد وبعدها على تفصيل
(المالكية قالوا: يكره التنفل قبلها وبعدها إن أديت بالصحراء كما هو السنة، وأما إذا أديت بالمسجد على خلاف السنة فلا يكره التنفل لا قبلها ولا بعدها.
الحنابلة قالوا: يكره التنفل قبلها بالموضع الذي تؤدي فيه، سواء المسجد أو الصحراء.
الشافعية قالوا: يكره للإمام أن يتنفل قبلها بعدها، سواء كان في الصحراء أو غيرها، وأما المأموم فلا يكره له التنفل قبلها مطلقاً ولا بعدها إن كان ممن لم يسمع الخطبة لصمم أو بعد وإلا كره.
الحنفية قالوا: يكره التنفل قبل صلاة العيد في المصلى وغيرها. ويكره التنفل بعدها في المصلى فقط، وأما في البيت فلا يكره).
وهناك مندوبات ومكروهات أخرى زادها المالكية؛ والشافعية، والحنفية؛ فانظرها تحت الخط (المالكية قالوا: يندب الجلوس في أو الخطبتين وبينهما في العيد وأما في خطبة الجمعة فيسن، ولو أحدث في أثناء خطبتي العيدين فإنه يستمر فيهما ولا يستخلف، بخلاف خطبتي الجمعة، فإنه إن أحدث فيهما يستخلف.
الشافعية قالوا: إن خطبتي الجمعة يشترط لها القيام والطهارة وستر العورة، وأن يجلس بينهما قليلاً؛ بخلاف خطبتي العيدين، فلا يشترط فيهما ذلك، بل يستحب.
الحنفية قالوا: يكره أن يجلس قبل الشروع في خطبة العيد الأولى، بل يشرع في الخطبة بعد الصعود، ولا يجلس، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يسن أن يجلس قبل الأولى قليلاً).
الأذان والإقامة غير مشروعين لصلاة العيد
* لا يؤذن لصلاة العيدين، ولا يقام لها، ولكن يندب أن ينادي لها بقول: "الصلاة جامعة" باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فقالوا: النداء لها بقول: "الصلاة جامعة" ونحوه مكروه أو خلاف الأولى، وبعض المالكية يقول: إن النداء بذلك لا يكره إلا إذا اعتقد أنه مطلوب. وإلا فلا كراهة.
حكم خطبة العيدين
* خطبتا العيدين سنة باتفاق، إلا عند المالكية، فإنهم يقولون: إنهما مندوبتان لا سنة، وقد عرفت أن الحنابلة، والشافعية لا يفرقون بين المندوب والسنة، فهم مع المالكية الذين يقولون: إن الخطبتين المذكورتين مندوبتان، ومع الحنفية الذين يقولون: إنهما سنة، ومع ذلك فإن لهما أركاناً وشروطاً كخطبتي الجمعة وإليك بيان أركانهما وشروطهما.
أركان خطبتي العيدين
* لا توجد حقيقة خطبتي العيدين إلا إذا تحققت أركانهما، هي كأركان خطبتي الجمعة إلا في الافتتاح، فإنهما يسن افتتاحهما بالتكبير، وقد ذكرنا عدد التكبير المطلوب في كيفية صلاة العيدين، فارجع إليه. أما خطبة الجمعة فإنها تفتتح بالحمد، وقد ذكرنا أركان الخطبتين عند كل مذهب تحت الخط
(الحنفية قالوا: خطبة العيدين كخطبة الجمعة، لها ركن واحد، وهو مطلق الذكر الشامل للقليل والكثير، فيكفي لتحقيق الخطبة المذكورة تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، نعم يكره تنزيهاً الاقتصار على ذلك، ولا تشترط عندهم الخطبة الثانية، بل هي سنة كما يأتي في الجمعة.
المالكية قالوا: خطبتا العيدين كخطبتي الجمعة، لهما ركن واحد، وهو أن يكونا مشتملتين على تحذير أو تبشير، كما يأتي في "الجمعة".
الحنابلة قالوا: أركان خطبة العيدين ثلاثة: أحدها. الصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويتعين لفظ الصلاة، ثانيها: قراءة آية من كتاب اللّه تعالى، يلزم أن يكون لهذه الآية معنى مستقل، أو تكون مشتملة على حكم من الأحكام، فلا يكفي قوله تعالى: {مدها متان}، ثالثها: الوصية بتقوى اللّه تعالى، وأقلها أن يقول: اتقوا اللّه، واحذروا مخالفة أمره، أو نحو ذلك. أما التكبير في افتتاح خطبة العيد فهو سنة بخلاف الجمعة، فإن افتتاحها بالحمد للّه ركن من أركان الخطبة، كما يأتي.
الشافعية قالوا: أركان خطبة العيدين أربعة: أحدها: الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم، في كل من الخطبتين، ولا بد من لفظ الصلاة، فلا يكفي رحم اللّه سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم، ولا يتعين لفظ محمد، بل يكفي أن يذكر اسماً من أسمائه الطاهرة، ولا يكفي الضمير في ذلك، ولو مع تقدم المرجع على المعتمد؛ ثانيها: الوصية بالتقوى في كل من الخطبتين ولو بغير لفظها، فيكفي نحو وأطيعوا اللّه، ولا يكفي التحذير من الدنيا وغرورها في ذلك، بل لا بد من أن يحثهم الخطيب على الطاعة، ثالثها: قراءة آية من القرآن في إحدى الخطبتين، والأولى أن تكون في الخطبة الأولى، ويشترط أن تكون آية كاملة إذا كانت الآية قصيرة، أما الآية الطويلة فتكفي قراءة بعضها، وأن تكون الآية مشتملة على وعد أو عيد أو حكم، أو تكون مشتملة على قصة أو مثل أو خبر، فلا يكفي في أداء ركن الخطبة أن يقول: "ثم نظر"، رابعها: أن يدعو الخطيب للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة الثانية، ويشترط أن يكون الدعاء بأمر أخروي كالغفران، فإن لم يحفظ فيكفي أن يدعو لهم بالأمر الدنيوي، كأن يقول: اللّهم ارزق المؤمنين والمؤمنات ونحو ذلك، وأن يكون الدعاء مشتملاً على الحاضرين في نية الخطيب بأن يقصدهم مع غيرهم، فلو قصد غيرهم بالدعاء بطلت الخطبة، أما افتتاح خطبة العيدين فيسن أن تكون بالتكبير المذكور في كيفية صلاة العيدين، بخلاف افتتاح خطبة الجمعة، فلا بد أن تكون من مادة الحمد، نحو الحمد للّه أو أحمد اللّه أو نحو ذلك، وذلك ركن من أركان خطبة الجمعة، كما ستعرفه).
شروط خطبتي العيدين
* قد ذكرنا شروط خطبتي العيدين مجملة عند كل مذهب تحت الخط
(المالكية قالوا: يشترط في خطبتي العيدين أن تكونا باللغة العربية، ولو كان القوم عجماً لا يعرفونها، فإن لم يوجد فيهم أحد يحسن الخطبة سقطت عنهم الجمعة، وأن تكون الخطبتان بعد الصلاة؛ فإذا خطب قبل الصلاة فإنه يسن إعادتهما بعد الصلاة إن لم يطل الزمن عرفاً.
الحنفية قالوا: يشترط لصحة الخطبة أن يحضر شخص واحد على الأقل لسماعها؛ بشرط أن يكون ممن تنعقد بهم الجمعة؛ كما يأتي بيانه في مباحث "صلاة الجمعة"، ولا يشترط أن يسمع الخطبة، فلو كان بعيداً عن الخطيب أو أصم فإن الخطبة تصح؛ ويكفي حضور المريض والمسافر؛ بخلاف الصبي والمرأة، ولا يشترط أن تكون باللغة العربية عند الحنفية؛ وكذا لا يشترط أن يخطب بعد الصلاة، وإنما يسن تأخيرهما عن الصلاة، فإن قدمهما على الصلاة، فقد خالف السنة. ولا يعيدهما بعد الصلاة أصلاً.
الشافعية قالوا: يشترط لصحة الخطبة في العيدين والجمعة أن يجهر الخطيب بأركان الخطبة وحد الجهر المطلوب أن يسمع صوته أربعون شخصاً: وهم الذين لا تنعقد الجمعة بأقل منهم؛ ولا يشترط أن يسمعوا بالفعل؛ بل الشرط أن يكونوا جميعاً قريباً منه مستعدين لسماعه لصمم أو نوم أو بعيدين عنه فإن الخطبتين لا تصح لعدم السماع بالقوة؛ وكذا يشترط أن تكون الخطبتان بعد الصلاة، فإن قدمها على الصلاة فإنه لا يعتد بهما؛ ويندب له إعادتهما بعد الصلاة؛ وإن طال الزمن؛ وهذا هو رأي الحنابلة أيضاً.
الحنابلة قالوا: يشترط لصحة خطبتي العيدين والجمعة أن يجهر بهما الخطيب؛ بحيث يسمعه العدد الذي تصح به الجمعة؛ وهو أربعون؛ كما يقول الشافعية، فإن لم يسمعوا أركان الخطبتين بلا مانع من نوم أو غفلة أو صمم بطلتا. أما إذا لم يسمع الأربعون بسبب خفض الصوت، أو بعدهم عنه فإنه الخطبة لا تصح، وكذا يشترط أن تكونا قبل الصلاة، كما ذكرنا آنفاً).
التكبير عقب الصلوات الخمس أيام العيد
* اتفق اثنان من الأئمة على أن التكبير عقب الصلوات الخمس أيام العيد سنة، وقال الحنفية: إنه واجب لا سنة؛ وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة: وقد جرت عادتهم أن يسموا هذا التكبير تكبير التشريق؛ ومعنى التشريق تقديد اللحم في منى في هذه الأيام "وقد ذكرنا حكمته؛ وكيفيته مفصلة عند كل مذهب تحت الخط
(الحنفية قالوا: تكبير التشريق واجب على المقيم بالمصر بشروط ثلاثة: أحدها: أن يؤدي الصلاة المفروضة في جماعة، فإن صلاها منفرداً فلا يجب عليه التكبير. ثانيها: أن تكون الجماعة من الرجال، فإذا صلت النساء جماعة خلف واحدة منهن فلا يجب عليهن التكبير. أما إذا صلت النساء خلف الرجل فإنه يجب عليهن التكبير سراً لا جهراً. أما الإمام ومن معه من الرجال فإنهم يكبرون جهراً، ولا يجب التكبير على من صلى منفرداً أو صلى صلاة غير مفروضة، ثالثها: أن يكون مقيماً، فلا يجب التكبير على المسافر، رابعها: أن يكون بالمصر، فلا يجب على المقيم بالقرى، ويبتدئ وقته عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة، وينتهي عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو اليوم الرابع من أيام العيد، وأيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي تلي العيد، ولفظه هو أن يقول مرة واحدة: اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر اللّه أكبر، وللّه الحمد، وله أن يزيد اللّه أكبر كبيراً، والحمد للّه كثيراً، إلى آخر الصيغة المشهورة، وينبغي أن يكون متصلاً بالسلام حتى لو تكلم أو أحدث بعد السلام متعمداً سقط عنه التكبير ويأثم، فلو سبقه حدث بعد السلام فهو مخير إن شاء كبر في الحال لعدم اشتراط الطهارة فيه، وإن شاء توضأ وأتى به، ولا يكبر عقب صلاة الوتر ولا صلاة العيد، وإذا فاتته صلاة من الصلوات التي يجب عليه أن يكبر عقبها فإنه يجب عليه أن يقضي التكبير تبعاً لها، ولو قضاها في غير أيام التشريق وأما إذا قضى فائتة لا يجب عليه التكبير عقبها في أيام التشريق، فإنه لا يكبر عقبها، وإذا ترك الإمام التكبير يكبر المقتدي، ولكن بعد أن يفصل الإمام بين الصلاة والتكبير بفاصل يقطع البناء على صلاته، كالخروج من المسجد، والحدث العمد والكلام، فإن جلس الإمام بعد الصلاة في مكانه بدون كلام وحدث فلا يكبر المأموم.
الحنابلة قالوا: يسن التكبير عقب كل صلاة مفروضة أديت في جماعة، ويبتدئ وقته من صلاة صبح يوم عرفة إذا كان المصلي غير محرم، ومن ظهر يوم النحر إذا كان محرماً، وينتهي فيهما بعصر آخر أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم العيد، ولا فرق في ذلك بين المقيم والمسافر، والذكر والأنثى، ولا بين الصلاة الحاضرة والصلاة المقضية في أيام التشريق، بشرط أن تكون من عام هذا العيد، فلا يسن التكبير عقب صلاة النوافل، ولا الفرائض إذا أديت فرادى، وصفته أن يقول: اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر اللّه أكبر، وللّه الحمد يجزئ في تحصيل السنة أن يقول ما ذكره مرة واحدة، وإن كرره ثلاث مرات فلا بأس، وإذا فاتته صلاة من هذه الصلوات التي يطلب التكبير بعدها وقضاها بعد أيام التشريق فلا يكبر عقب قضائها، ويكبر المأموم إذا نسيه إمامه، ومن عليه سجود بعد السلام، فإنه يؤخره عن السجود، والمسبوق يكبر بعد الفراغ من قضاء ما فاته وبعد السلام، وهذا التكبير يسمى المقيد وعندهم أيضاً تكبير مطلق، وهو بالنسبة لعيد الفطر من أول ليلته إلى الفراغ من الخطبة، وبالنسبة لعيد الأضحى من أول عشر ذي الحجة إلى الفراغ من خطبتي العيد، ويسن الجهر بالتكبير مطلقاً أو مقيداً لغير أنثى.
المالكية قالوا: يندب لكل مصل ولو كان مسافراً أو صبياً أو امرأة أنيكبر عقب خمس عشرة فريضة، سواء صلاها وحده أو جماعة، وسواء كان من أهل الأمصار أو غيرها، ويبتدئ عقب صلاة الظهر يوم العيد، وينتهي بصلاة الصبح من اليوم الرابع، وهو آخر أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التالية ليوم العيد، ويكره أن يكبر عقب النافلة، وعقب الصلاة الفائتة، سواء كانت من أيام التشريق أو من غيرها، ويكون التكبير عقب الصلاة، كما تقدم، فيقدمه على الذكر الوارد بعد الصلاة، كقراءة آية الكرسي والتسبيح ونحوه، إلا أنه إذا ترتب عليه سجود بعدي أخره عنه لأن السجود البعدي ملحق بالصلاة، وإذا ترك التكبير عمداً أو سهواً فإنه يأتي به إن قرب الفصل عراً، وإذا ترك الإمام التكبير كبر المقتدي، ولقظ التكبير "اللّه أكبر اللّه أكبر" لا غير على المعتمد، والمرأة تسمع نفسها في التكبير فقط، وأما الرجل فيسمع نفسه ومن يليه.
الشافعية قالوا: التكبير المذكور سنة بعد الصلاة المفروضة، سواء صليت جماعة أو لا، وسواء كبر الإمام أم لا؛ وبعد النافلة وصلاة الجنازة، وكذا يسن بعد الفائتة التي تقضي في أيام التكبير، ووقته لغير الحاج من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم العيد، أما الحاج فإنه يكبر من ظهر يوم النحر إلى غروب آخر أيام التشريق، ولا يشترط أن يكون متصلاً بالسلام. فلو فصل بين الفراغ من الصلاة والتكبير فاصل عمداً أو سهواً كبر، وإن طال الفصل ولا يسقط بالفصل؛ وأحسن ألفاظه أن يقول: "اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر اللّه أكبر، وللّه الحمد، اللّه أكبر كبيراً والحمد للّه كثيراً" وسبحان اللّه بكرة وأصيلاً، لا إله إلا اللّه وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا اللّه؛ ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللّهم صلي على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أنصار سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً" ويسمى التكبير عقب الصلوات بهذه الصيغة: التكبير المقيد، ويسن أيضاً أن يكبر جهراً في المنازل والأسواق والطرق وغير ذلك بهذه الصيغة. من وقت غروب شمس ليلتي العيدين إلى أن يدخل الإمام في صلاة العيد وإذا صلى منفرداً فإنه يكبر إلى أن يحرم بصلاة العيدين، أما إذا لم يصل العيدين، فإنه يكبر إلى الزوال، سواء كان رجلاً أو امرأة، إلا أن المرأة لا ترفع صوتها بالتكبير مع غير محارمها من الرجال، ويسمى ذلك التكبير بالتكبير المطلق، ويقدم التكبير المقيد على الذكر الوارد عقب الصلاة، بخلاف المطلق، فإنه يؤخر عنها).