كتاب بغية المسترشدين با علوي الحضرمي علي المذهب الشافعي
محتويات
- صلاة المسافر
- صلاة المريض
- صلاة الجمعة
- سنن الجمعة وفوائد تتعلق بالصلاة على النبي
- االعودة إلي كتاب بغية المسترشدين با علوي الحضرمي
صلاة المسافر
[فائدة]: الرخص المتعلقة بالسفر إحدى عشر: أربع منها مختصة بالطويل فقط وهي: القصر والجمع والفطر ومسح الخف ثلاثاً، والبقية تعمهما وهي: أكل الميتة والتنفل على الراحلة وإسقاط الصلاة بالتيمم وترك الجمعة وعدم القضاء لضرّات زوجة أخذت بقرعة، والسفر بالوديعة والعارية لعذر، اهـ تسهيل المقاصد لعلوان الحموي.
(مسألة: ي): ضابط مبيح الترخص في السفر ما ذكره السيوطي بقوله: فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشيء، فإن كان تعاطيه في نفسه حراماً امتنع معه الرخصة وإلا فلا اهـ. أي فالقصر والجمع رخصة متوقفة على السفر، والسفر مشي في الأرض، فمتى حرم المشي كان سفر معصية فتمتنع جميع الرخص، وتحريم المشي إما لتضييع حق الغير بسببه، كإباق المملوك، ونشوز الزوجة، وسفر الفرع، والمدين بلا إذن أصل، ودائن حيث وجب استئذانهما، وإما لتعديه بالمشي على نفسه أو غيره، كإتعاب النفس بلا غرض، وركوب البحر مع خشية الهلاك، وسفر المرأة وحدها أو على دابة أو سفينة مغصوبتين، أو مع إتعاب الدابة، أو بمال الغير بلا إذن، وإما لقصد صاحبه محرّماً كنهب وقطع طريق وقتل بلا حق وبيع حرّ ومسكر ومخدّر وحرير لاستعمال محرم ونحوها، هذا إن كان الباعث قصد المحرم المذكور فقط أو مع المباح، لكن المباح تبعاً بحيث لو تعذر المحرم لم يسافر، فعلم أن من سافر بنحو الأفيون قاصداً بيعه مثلاً لمن يظن استعماله في محرّم، أو بيعه لذلك إن تجرد قصده بأن لم يكن له غرض سواه أو كان، لكن لو عدم قصد الأفيون لم يسافر ولم يترخص، وحكم صاحب السفينة في ذلك حكم المسافر به في الحرمة والترخص وعدمهما.
[فائدة]: مسافة القصر مسيرة يومين معتدلين أو يوم وليلة، وقدر ذلك ثلاثمائة وستون درجة، وإذا قسمت الدرج المذكورة على الفراسخ الستة عشر خرج لكل فرسخ اثنتان وعشرون درجة ونصف، والفرسخ ثلاثة أميال اهـ ع ش وقدر الساعة الفلكية خمس عشرة درجة، فحينئذ يكون الفرسخ مشي ساعة ونصف، والميل نصف ساعة.
(مسألة): كم مسافة ما بين تريم حرسها الله تعالى، وقبر نبي الله هود عليه الصلاة والسلام؟ فإنا نسمع من بعض مشايخنا أنها مرحلتان، ولم يقض السلف في ذلك احتياطاً، والمشهور المتواتر عند أهل الجهة الحضرمية أن المرحلتين من سقاية مشيخ قرب حيد قاسم إلى هود، وهو أبعد مسافة بنحو ثلاثة أميال، والعمل عليه سابقاً ولاحقاً، فمن كان من ذلك المحل أو مصعداً عنه ترخص، ومن انحدر عنه لم يترخص، فالجواب أنا تحققنا ذلك بالذراع سابقاً، فإنا أجرنا ثلاثة من ثقات المشايخ وأذكيائهم فمسحوها من خارج عمران تريم إلى القبر الكريم سالكين طريق يبحر، فكانت تلك المسافة تفصيلاً من تريم إلى مسجد إبراهيم بن السقاف بذراع اليد: 3705، وإلى حصن بلغيث: 7475، وإلى الحجيل: 13175، وإلى سقاية فرط البيع: 15625، وإلى خشم البضيع وغرفة الحبيب تحقيقاً وكذا إلى بلد عينات تقريباً: 35500، وإلى بلد قسم: 43925، وإلى نخر الخون: 59075، وإلى السوم: 81900، وإلى عصم: 97000، وإلى فغمة: 117075، وإلى يبحر: 121450، وإلى القبة والقبر الكريم وهو مجموع جميع تلك المسافة: 152075، ومعلوم أن المرحلتين مجموعهما بذراع اليد 28800، فإذا أسقطت الأوّل من الثاني بقي منه 135925 عن اثنين وعشرين ميلاً ونحو ثلثي ميل، فحينئذ تكون المسافة المذكورة مرحلة ونحو ميل وثلث، وفي ذلك بون كبير ومخالفة لما تقدم عن السلف،
وهذا على ما اعتمده الإمام النووي من أن الميل ستة آلاف ذراع، أما على مقابله الذي صححه ابن عبد البر وغيره كما يأتي من أن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة فمجموع الأميال 1680001 وحينئذ يكون التفاوت بين هذا ومسافة ما بين تريم وقبر هود: 15925 وهو قدر ما بين تريم وسقاية مشيخ المتقدم ذكرها تقريباً، وبذلك ظهر أن ما فعله السلف من العلماء والأولياء، وأمروا به من الترخص بنحو القصر والجمع لزوّار هذا النبي الكريم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم من تلك السقاية وأعلى كما مر هو المعتمد، وهم المقلدون فيه، وكلامهم هو الحجة ولا يعترض عليهم، وإن خالفهم غيرهم، قال العلامة علوي بن أحمد الحداد نقلاً عن علامة الدنيا الحبيب عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه الذي بلغ رتبة الاجتهاد عن أبيه ومشايخه في المسائل الخلافيات: لا سيما فيما كثر فيه الاختلاف أن تعويلهم وعملهم على ما استمر عليه فعل السلف الصالح العلويين من العمل، وإن كان القول فيه مرجوحاً، إذ هم أهل احتياط وورع وتقوى وتحفظ في الدين وفي العلم في المرتبة العليا اهـ،
وها أنا أنقل لك اختلافهم في الأميال، قال في التحفة: والميل ستة آلاف ذراع، كذا قالوه هنا، واعترض بأن الذي صححه ابن عبد البر وهو ثلاثة آلاف وخمسمائة هو الموافق لما ذكروه في تحديد ما بين مكة ومنى، وهي ومزدلفة، وهي وعرفة ومكة والتنعيم والمدينة وقباء واحد بالأميال اهـ. ويردّ بأن الظاهر أنهم في تلك المسافات قلدوا المحددين لها من غير اختبارها لبعدها عن ديارهم اهـ. وعبارة القلائد وقدر النووي وغيره الميل بستة آلاف ذراع، قال الشريف السمهودي في تاريخ المدينة وهو بعيد جداً: بل الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة، كما صححه ابن عبد البر، وهو الموافق لما ذكروه من المسافات، يعني المارّة في عبارة التحفة في تحديدهم لها بالأميال، وقيل: هو ألف ذراع باليد وهو ذراع إلا ثمن بالحديد اهـ. أقول: وقد جرب عندنا بالذرع فنقص ما ذكروا من كونه مرحلتين عما ذكره النووي بكثير، فلعل كلام السمهودي أوفق لذلك انتهت.
(مسألة: ي): لا يجوز الترخص للمسافر، إلا بعد مجاوزة السور والخندق عند فقده، أو التحويط ولو بتراب إن اختص كل بمحل لا إن جمع قرى، فإن لم يكن شيء من ذلك بشرطه فبمجاوزة عمران البلد وهو آخر الدور، وإن اتصلت به مقابر أو ملعب الصبيان أو خراب ذهبت أصوله، واعلم أن سفر السفينة من الندى الذي بين بيوت البلد مبدؤه خروجها من العمران، وحينئذ يترخص من فيها بمجرد خروجهم، هذا إن لم ينتظروا أحداً بالبلد، أو قصدوا انتظاره بمرحلتين، لا إن خرجوا قاصدين انتظاره بمحل قريب أو السير قليلاً قليلاً حتى يأتي المنتظر، فلا يرخص لهم في مشيهم ووقوفهم إلى مجيئه، كما أنهم بعد وصولهم المرحلتين فيما تقدم لا يترخص أيضاً من نيته عدم السفر إذا لم يجىء المتخلف، أو قصد انتظاره أربعة إيام صحاح، أو علم عدم مجيئه قبلها، فإن توقع وصوله كل وقت ونيته السفر إن لم يأت ترخص إلى ثمانية عشر يوماً.
[فائدة]: قولهم وأوّل السفر مجاوزة السور الخ، قال ابن حجر: سواء سافر برًّا أو بحراً، واعتمد (م ر) فيما إذا سافر في البحر المتصل ساحله بالبلد وقد سافر في عرضه، أنه لا بد من جري السفينة أو الزورق إليها آخر مرة وإن لم يصل إليها اهـ جمل.
(مسألة: ش): ونحوه (ب): متى انقطع سفر المسافر بأن أقام ببلد أربعة أيام صحاح بلا توقع سفر، أو ثمانية عشر من التوقع، أو نوى إقامة الأربعة حال دخوله، أو اشتغل بنحو بيع يغلب على ظنه أنه يحتاجها انقطع ترخصه بالقصر والجمع والفطر وغير ذلك، فتلزمه الجمعة حينئذ لكن لا يعد من الأربعين.
(مسألة: ب ش): أقام الحاج بمكة قبل الوقوف دون أربعة أيام صحاح لم ينقطع سفره وحينئذ فله الترخّص في خروجه بعرفات، وإن كان نيته الإقامة بمكة بعد الحج، إذ لا ينقطع سفره بذلك حتى يقيم الإقامة المؤثرة على المعتمد، زاد ش: وهذا كما لو خرج لعرفات ونيته الرحيل بعد الحج فيكون هذا ابتداء سفره، فيترخص من حينئذ أيضاً، فالحاصل في المسافر الخارج إلى عرفات أنه إن انقطع سفره قبل خروجه وكان نيته الإقامة بعد الحج لم يترخص وإلا ترخص بسائر الرخص.
[فائدة]: الإتمام أفضل من القصر إلا إن قصد ثلاث مراحل وإن لم يبلغها خروجاً من خلاف أبي حنيفة القائل بوجوب القصر، نعم حقق الكردي أن الثلاث المراحل عنده بقدر مرحلتين عندنا، وحينئذ فالقصر أفضل مطلقاً اهـ باعشن. وقال بج: وحيث ندب القصر فهو أفضل ولو كان مقيماً ببلد إقامة غير مؤثرة لأنه في حكم المسافر اهـ ومحل أفضلية القصر ما لم تفت بسببه الجماعة بأن لم توجد إلا خلف متمّ، وإلا فمراعاتها أولى إن لم يبلغ سفره ثلاث مراحل، وكذا إن بلغها خلافاً لابن مخرمة اهـ.
(مسألة: ي): ينقطع السفر بنية الرجوع إلى وطنه ولو من مرحلتين على المعتمد كما في التحفة والنهاية، ورجح في الفتح وشرح الروض و (م ر) في شرح البهجة عدم انقطاعه إلا إن كان من قرب، كما لا يضر لغير الوطن مطلقاً اتفاقاً، بل قال البلقيني والعراقيون لا مطلقاً ولو لوطنه، وهذا في نية الرجوع قبل وصول المقصد، أما بعده فيترخص ما لم ينو إقامة تقطع السفر.
[فائدة]: ضابط انقطاع السفر بعد استجماع شروطه بأحد خمسة أشياء، بوصوله إلى مبدأ سفره من سور أو غيره، وإن لم يدخله إن رجع مستقلاً كما في التحفة، وأطلقه في غيرها من مسافة القصر لوطنه مطلقاً، أو لغيره وقصد إقامة مطلقة أو أربعة أيام صحاح، وبمجرد شروعه في الرجوع إلى ما ذكر من دونها بالشرط المتقدم في الثانية، وبنية إقامة الأربعة بموضع غير الذي سافر منه قبل وصوله مستقلاً، وكذا عنده أو بعده وهو ماكث، وبإقامة أربعة أيام كوامل أو ثمانية عشر صحاحاً إن توقع قضاء وطره قبل مضي أربعة أيام ثم توقع ذلك قبلها، وهكذا إلى أن مضت المدة المذكورة، فتلخص أن انقطاعه بواحدة من الخمسة المذكورة، وفي كل واحدة مسألتان، وكل ثانية تزيد على أولاها بشرط اهـ كردي.
[فائدة]: جوز المزني كأبي حنيفة القصر ولو للعاصي بسفره، إذ هو عزيمة عندهما وفيه فسحة عظيمة، إذ يندر غاية الندور مسافر غير عاص، كما لو كان عليه دين حالّ وهو مليء إلا بظن رضا دائنه ومنعا الجمع مطلقاً إلا في النسك بعرفة ومزدلفة، ومذهبنا كمالك وأحمد منعه للعاصي، فصار الجمع للعاصي ممتنعاً اتفاقاً فليتنبه له اهـ باعشن.
(مسألة: ج): شرط المقصر أن لا يقتدي بمتم، فإن اقتدى به صح ولزمه الإتمام، وإن نوى القصر وعلم أن إمامه متمّ كما في الإيعاب خلافاً لأحمد الرملي، نعم الأحوط أن لا ينوي حينئذ خروجاً من الخلاف، وإذا اقتدى بمتمّ لزمه الإتمام في تلك الصلاة لا فيما بعدها، وإن جمعهما تقديماً أو تأخيراً، ويجوز اقتداء المتم بالقاصر إجماعاً، ولا يلزم الإمام الإتمام والفرق جليّ.
(مسألة): صلى مقصورة أداء خلف من يصلي مقصورة قضاء كظهر خلف عشاء قصر بخلافه خلف تامة ولو في نفسها كصبح أو سنتها فيلزمه الإتمام وإن كانا مسافرين.
[فائدة]: شروط جمع التقديم سبعة: الأربعة المشهورة من البداءة بالأولى ونية الجمع فيها، والموالاة، ودوام السفر إلى عقد الثانية، ويزاد وقت الأولى، فلو خرج أثناء الثانية أو شك في خروجه بطلت لبطلان الجمع، قاله المدابغي و بج . ورده ابن حجر و سم والعلم بجوازه كالقصر، وظن صحة الأولى لتخرج صلاة المتحيرة، وفاقد الطهورين، وكل من يلزمه القضاء، فليس لهم جمع التقديم، كما في الفتح والإمداد والخطيب والأسنوي، وقال في التحفة: وفيه نظر ظاهر، لأن الأولى مع ذلك صحيحة، وفي النهاية وفيه وقفة إذ الشرط ظن صحة الأولى وهو موجود هنا، واقتصر في شرحي المنهج و (م ر) في شرحي البهجة والزبد على المتحيرة فقط اهـ كردي وباعشن.
[فائدة]: صلى الظهر ثم أعادها مع جماعة جاز تقديم العصر معها حينئذ بشرطه، قاله عبد الله بن أحمد مخرمة وخالفه ابن حجر فرجح عدم الجواز.
[فائدة]: لنا قول بجواز الجمع في السفر القصير اختاره البندنيجي، وظاهر الحديث جوازه ولو في حضر كما في شرح مسلم، وحكى الخطابي عن أبي إسحاق جوازه في الحضر للحاجة، وإن لم يكن خوف ولا مطر ولا مرض، وبه قال ابن المنذر اهـ قلائد. وعن الإمام مالك رواية أن وقت الظهر يمتد إلى غروب الشمس، وقال أبو حنيفة: يبقى إلى أن يصير الظل مثلين ثم يدخل العصر، ذكره الردّاد، وكان سيدنا القطب عبد الله الحداد يأمر بعض بناته عند اشتغالها بنحو مجلس النساء بنية تأخير الظهر إلى وقت العصر.
[تنبيه]: قد اشترطوا الجماعة في الجمع بالمطر، والمتجه اختصاصها بجزء من أول الثانية، وإن انفرد في باقيها ولو قبل تمام ركعة لا في الأولى إذ هي واقعة في وقتها على كل حال، ولا بد من نية الإمام الإمامة، وإلا لم تنعقد صلاته كمأموم علم به، وأن لا يتباطأ المأمومون عن الإمام بحيث لم يدركوا معه ما يسع الفاتحة قبل ركوعه كما نقله سم عن (م ر) قاله باجوري.
صلاة المريض
[فائدة]: جوز القاضي حسين والخطابي الجمع بالمرض والوحل، واستحسنه الروياني وقواه في المجموع، واختاره فيه وفي غيره في المرض تبعاً للمتولي، ورجحه أبو شكيل، وهو مذهب مالك وأحمد وقول للشافعي، ونقل في المجموع عن جمع جوازه بهما وبالخوف والريح والظلمة اهـ قلائد. وفي الأسنى المختار جواز الجمع بالمرض، وعليه يراعى الأرفق به، فمن يحم وقت الثانية قدمها بشروط جمع التقديم في المطر وإلا أخرها اهـ. وقوله: بشروط جمع المطر ظاهر إطلاقه يقتضي اشتراط الجماعة كالجمع بالمطر، ولم أر من نبه على ذلك فتأمل اهـ جمل. ويشترط وجود المرض أول الأولى وآخرها، وأول الثانية لا فيما عدا ذلك اهـ إمداد.
[فائدة]: يجب على المريض أن يؤدي الصلوات الخمس مع كمال شروطها وأركانها واجتناب مبطلاتها حسب قدرته وإمكانه، وله الجلوس ثم الاضطجاع ثم الاستلقاء والإيماء إذا وجد ما تبيحه على ما قرر في المذهب، فإن كثر ضرره واشتد مرضه وخشي ترك الصلاة رأساً فلا بأس بتقليد أبي حنيفة ومالك، وإن فقدت بعض الشروط عندنا. وحاصل ما ذكره الشيخ محمد بن خاتم في رسالته في صلاة المريض أن مذهب أبي حنيفة أن المريض إذا عجز عن الإيماء برأسه جاز له ترك الصلاة، فإن شفي بعد مضي يوم فلا قضاء عليه، وإذا عجز عن الشروط بنفسه وقدر عليها بغيره فظاهر المذهب وهو قول الصاحبين لزوم ذلك، إلا إن لحقته مشقة بفعل الغير، أو كانت النجاسة تخرج منه دائماً، وقال أبو حنيفة: لا يفترض عليه مطلقاً، لأن المكلف عنده لا يعد قادراً بقدرة غيره، وعليه لو تيمم العاجز عن الوضوء بنفسه، أو صلى بنجاسة أو إلى غير القبلة مع وجود من يستعين به ولم يأمره صحت، وأما مالك فمقتضى مذهبه وجوب الإيماء بالطرف أو بإجراء الأركان على القلب، والمعتمد من مذهبه أن طهارة الخبث من الثوب والبدن والمكان سنة، فيعيد استحباباً من صلى عالماً قادراً على إزالتها، ومقابلة الوجوب مع العلم والقدرة، وإلا فمستحب ما دام الوقت فقط، وأما طهارة الحدث فإن عجز عن استعمال الماء لخوف حدوث مرض أو زيادته أو تأخير برء جاز التيمم ولا قضاء عليه، وكذا لو عدم من يناوله الماء ولو بأجرة، وإن عجز عن الماء والصعيد لعدمهما أو عدم القدرة على استعمالهما بنفسه وغيره سقطت عنه الصلاة ولا قضاء اهـ. واعلم أن الله مطلع على من ترخص لضرورة، ومن هو متهاون بأمر ربه، حتى قيل: ينبغي للإنسان أن لا يأتي الرخصة حتى يغلب على ظنه أن الله تعالى يحب منه أن يأتيها لما يعلم ما لديه من العجز، والله يعلم المعذور من المغرور، اهـ من خاتمة الرسالة العلوية للشريف عبد الله بن حسين بن طاهر علوي.
صلاة الجمعة
(مسألة: ج): إقامة الجمعة فرض عين على كل مسلم مكلف إلا أربعة كما في الحديث، فحينئذ إذا كان في قرية أربعون كاملون وجبت عليهم إقامتها ببلدهم، وحرم عليهم تعطيلها والسعي لبلد أخرى إلا لعذر شرعي، ويحرم على بعضهم السفر إذا تعطلت بغيبته إلا لحاجة، ويظهر ضبطها بالغرض الصحيح، ويجب على كل من له قدرة القيام عليهم بذلك ونهيهم عن تعطيلها وإلا كان شريكاً لهم اهـ. قلت: وفي حاشية الشرقاوي: إذا سافر يوم الجمعة مع إمكانها في طريقه لم يأثم، وإن لزم تعطيلها على أهلها إذ لا يلزم الشخص تحصيل الجمعة لغيره، وهل يلزمه فعلها حينئذ أم لا، لأنه صار مسافراً وهو لا تلزمه، ذكر في الأنوار ما يفيد اللزوم، نعم إن شرع في السفر قصد تركها فلا إشكال في حرمته اهـ.
(مسألة): يجوز لمن لا تلزمه الجمعة كعبد ومسافر وامرأة أن يصلي الجمعة بدلاً عن الظهر وتجزئه، بل هي أفضل لأنها فرض أهل الكمال، ولا تجوز إعادتها ظهراً بعد حيث كملت شروطها، كما مر عن فتاوى ابن حجر، خلافاً لش، وكما يأتي عن ي ج أيضاً.
(مسألة: ب): سافر سفراً قصيراً فدخل بلداً ولم ينو بها الإقامة لم تلزمه الجمعة فيها إذ حكم السفر باق عليه.
[فائدة]: في الإحياء حديث: "من سافر ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه". والظاهر أن المراد بالسفر الذي تفوت به الجمعة اهـ ح ل. وقوله: دعا عليه الخ أي قالا له: لا نجاه الله من سفره ولا أعانه على قضاء حوائجه اهـ شوبري.
[فائدة]: سئل ابن حجر: هل تلزم المحبوسين إقامة الجمعة في الحبس؟ فأجاب: بأن القياس لزومها إذا وجدت شروط الوجوب والصحة ولم يخش فتنة، خلافاً للسبكي ومن تبعه، ولا يبعد أن يجوّز عذر الحبس تعددها فيفعلونها متى شاءوا ولا حرج عليهم اهـ. لكنه رجح في التحفة كلام السبكي قال: ومثلهم المرضى والعمي للعذر المسقط للجمعة، ونقل بج عن (م ر) جواز التعدد، ونقله في الإقناع عن الأسنوي.
(مسألة): وقع حرب واختلاف بين جندين في بلدة وتحزب كل، وخاف بعض الرعية من حضور الجمعة في جامعها الأصلي، فأحدثوا جمعة في محلهم غير الجمعة الأصلية، حرم عليهم إقامتها والحال ما ذكر فضلاً عن ندبها أو أنها تلزمهم، إذ لم يقل أحد من أئمة المذهب إن المعذورين بعذر من أعذار الجمعة والجماعة إذا اجتمع منهم أربعون في جانب من البلدة الواحدة يلزمهم أن يقيموا جمعة، بل ولا من أئمة المذاهب الثلاثة، إلا ما نقل عن الإمام أحمد من جواز تعددها للحاجة، وإنما الخلاف فيما إذا كان المعذورون بمحل يجوز فيه تعدد الجمعة، كما يعلم من عبارة التحفة وغيرها. والحاصل من كلام الأئمة أن أسباب جواز تعددها ثلاثة: ضيق محل الصلاة بحيث لا يسع المجتمعين لها غالباً، والقتال بين الفئتين بشرطه، وبعد أطراف البلد بأن كان بمحل لا يسمع منه النداء، أو بمحل لو خرج منه بعد الفجر لم يدركها، إذ لا يلزمه السعي إليها إلا بعد الفجر اهـ.
وخالفه ي فقال: يجوز بل يجب تعدد الجمعة حينئذ للخوف المذكور، لأن لفظ التقاتل نص فيه بخصوصه، ولأن الخوف داخل تحت قولهم: إلا لعسر الاجتماع، فالعسر عام لكل عسر نشأ عن المحل أو خارجه؟ وانحصار التعدد في الثلاث الصور التي استدل بها المجيب المتقدم ليس حقيقة، إذ لم يحصر العذر في التحفة والنهاية وغيرهما بل ضبطوه بالمشقة، وهذا الحصر إما من الحصر المجازي لا الحقيقي إذ هو الأكثر في كلامهم، أو من باب حصر الأمثلة، فالضيق لكل عسر نشأ عن المحل والبعد، ولكل عسر نشأ عن الطريق والتقاتل ولغيرهما، كالخوف على النفس والمال والحر الشديد والعداوة ونحوها من كل ما فيه مشقة.
(مسألة:): لا يجوز دخول الجمعة إلا مع تيقن بقاء الوقت، فلو شك في ضيقه عن واجب خطبتين وركعتين صلوا ظهراً.
(مسألة: ك): صرح في التحفة والنهاية بأنه لو أمر الإمام بالمبادرة بالجمعة أو تأخيرها فالقياس وجوب امتثال أمره، والمراد بالمبادرة أمره بفعلها قبل الزوال كما هو مذهب أحمد، وبعدمها أمره بإخراج شيء منها عن وقت الظهر كما هو مذهب مالك.
(مسألة: ي): المراد بالخطة محل معدود من البلد أو القرية بأن لم يجز للمسافر القصر فيه، ولو تعددت مواضع وتميز كل باسم فلكل حكمه إن مد كل قرية مستقلة عرفاً، بحيث لو خرج المسافر من أحدهما إلى جهة أخرى عد مسافراً عرفاً بأن فصل بينهما فاصل ولو بنحو ذراعين إن عده العرف فاصلاً، كالمقابر وملعب الصبيان ومطرح الرماد والمناخ والنادي ومورد الماء والمزارع، أو لم يفصل ما ذكر، لكن لم يتصل دورها الاتصال الغالب في دور البلدان، ولهذا لو تفرقت الأبنية بحيث لم تعد مجتمعة في العرف لم تصح إقامة الجمعة بها، ولو فصلت بيوت الكفار بين بيوت المسلمين في بلدة واحدة لم تعد بلدين، كما لو كانت المقابر وما بعدها بين الدور، أو كان الفصل يسيراً ولو بنهر إن عد العرف ما على جانبيه قرية واحدة، لكونها مع فصلها تسمى بيوتاً مجتمعة اجتماع الدور في غالب القرى، كنهر دجلة الجاري بين شقي بغداد، لا كالنيل الفاصل بين الروضة ومصر العتيقة، ويحمل قولهم إن النهر لا يعد حائلا وإن كبر على عرض لم يفحش كما ذكرنا، أو على الطول والعمق ولو بعدت أطراف البلد جداً بحيث لو خرج منها بعد الفجر لم يدركها جاز التعدد مطلقاً.
(مسألة: ش): لو كان بعض المأمومين خارج الخطبة اشترط تقدم إحرام أربعين ممن هو داخلها على إحرامهم، بناء على ما رجحه البغوي من اشتراط تقدم إحرام من تنعقد بهم الجمعة على من لا تنعقد بهم اهـ. قلت: ورجح ابن حجر في كتبه و (م ر) وأبو مخرمة عدم الاشتراط خلافاً للشيخ زكريا، قال أبو مخرمة: فلا يسن الخروج من هذا الخلاف لضعفه.
[فائدة]: يشترط في الجمعة أن تقام بأربعين وإن كان بعضهم قد صلاها في بلدة أخرى على ما بحثه بعضهم، أو من الجن كما قاله القمولي اهـ تحفة. وقوله: وإن كان قد صلاها الخ اعتمده في القلائد و (م ر) قال أبو مخرمة: إن القرى التي يتم العدد فيها تارة وينقص أخرى، إذا حضرها شخص بعد إحرام أهلها فشك هل هم في جمعة أو في ظهر ولم تكن ثم قرينة كجهر بالقراءة لا يصح إحرامه بالجمعة بل بالظهر، لأن الشك يمنع الإحرام بالجمعة، بخلاف ما لو أحرم بالجمعة في حالة جواز الإحرام بها ثم تبين فقدان شرط فتنعقد ظهراً اهـ.
(مسألة: ي): ونحوه ج: متى كملت شروط الجمعة بأن كان كل من الأربعين ذكراً حراً مكلفاً مستوطناً بمحلها لا ينقص شيئاً من أركان الصلاة وشروطها، ولا يعتقده سنة، ولا يلزمه القضاء، ولا يبدل حرفاً بآخر ولا يسقطه، ولا يزيد فيها ما يغير المعنى، ولا يلحن بما يغيره وإن لم يقصر في التعلم كما قاله ابن حجر، خلافاً لـ (م ر) لم تجز إعادتها ظهراً، بخلاف ما إذا وقع في صحتها خلاف ولو في غير المذهب، فتسنّ إن صحت الظهر عند ذلك المخالف، ككل صلاة وقع فيها خلاف غير شاذ، ويلزم العالم إذا استفتى في إقامة الجمعة مع نقص العدد أن يقول: مذهب الشافعي لا يجوز، ثم إن لم يترتب عليه مفسدة ولا تساهل جاز له أن يرشد من أراد العمل بالقول القديم إليه، ويجوز للإمام إلزام تارك الجمعة كفارة إن رآه مصلحة ويصرفها للفقراء اهـ. وعبارة ك : وإذا فقدت شروط الجمعة عند الشافعي لم يجب فعلها بل يحرم حينئذ لأنه تلبس بعبادة فاسدة، فلو كان فيهم أمي تم العدد به لم تصح وإن لم يقصر في التعلم كما في التحفة، خلافاً لشرح الإرشاد و (م ر) بخلاف ما لو كانوا كلهم أميين والإمام قارىء فتصح، وإذا قلد الشافعي من يقول بصحتها من الأئمة مع فقد بعض شروطها تقليداً صحيحاً مستجمعاً لشروطه جاز فعلها بل وجب حينئذ، ثم يستحب إعادتها ظهراً ولو منفرداً خروجاً من خلاف من منعها، إذ الحق أن المصيب في الفروع واحد والحق لا يتعدد، فيحتمل أن الذي قلده في الجمعة غير مصيب، وهذا كما لو تعددت الجمعة للحاجة، فإنه لكل من لم يعلم سبق جمعته أن يعيدها ظهراً،
وكذا إن تعددت لغير حاجة وشك في المعية فتجب إعادتها جمعة، إذ الأصل عدم وقوع جمعة مجزئة، وتسن إعادتها ظهراً أيضاً احتياطاً بل قال الغزالي بوجوبه هنا، وقد صرح أئمتنا بندب إعادة كل صلاة وقع خلاف في صحتها ولو منفرداً، ومن قال إن الجمعة لا تعاد ظهراً مطلقاً، لأن الله تعالى لم يوجب ستة فروض في اليوم والليلة فقد أخطأ، لما صرح به أئمتنا بأن نحو فاقد الطهورين تلزمه الصلاة في الوقت ثم إعادتها ككل من لم تغنه صلاته عن القضاء، وأن من نسي إحدى الخمس ولم يعلم عينها تلزمه الخمس اهـ. قلت: وقوله لو كانوا كلهم أميين الخ عبارة التحفة، وأن يكونوا كلهم قراء أو أميين متحدين فيهم من يحسن الخطبة اهـ فتأمله. وقوله: وشك في المعية المراد به كما قاله ابن حجر وقوعها على حالة يمكن فيها المعية، فعلم أن كل جمعة وقعت بمصر الآن مؤداة مع الشك في معيتها فيجب الظهر على الجميع اهـ ع ش.
(مسألة: ج): المذهب عدم صحة الجمعة بمن لم يكمل فيهم العدد، واختار بعض الأصحاب جوازها بأقل من أربعين تقليداً للقائل به، والخلاف في ذلك منتشر، قال ابن حجر العسقلاني: وجملة ما للعلماء في ذلك خمسة عشر قولاً: بواحد نقله ابن حزم اثنان كالجماعة قاله النخعي وأهل الظاهر ثلاثة قاله أبو يوسف ومحمد وحكي عن الأوزاعي وأبي نصر أربعة قاله أبو حنيفة وحكي عن الأوزاعي أيضاً وأبي ثور، واختاره المزني وحكاه عن الثوري والليث وإليه مال أكثر أصحابنا، فإنهم كثيراً مايقولون بتقليد أبي حنيفة في هذه المسألة، قال السيوطي: وهو اختياري إذ هو قول الشافعي قام الدليل على ترجيحه على القول الثاني. سبعة حكي عن عكرمة، تسعة عن ربيعة، اثنا عشر عن المتولي والماوردي والزهري ومحمد بن الحسن، ثلاثة عشر عن إسحاق، عشرون عن مالك، ثلاثون رواية عن مالك أيضاً، أربعون بالإمام وهو الصحيح من مذهب الشافعي، أربعون غير الإمام روي عن الشافعي أيضاً وبه قال عمر بن عبد العزيز، خمسون قاله أحمد ثمانون حكاه الماوردي جمع كثيرون بغير قيد، وهو المشهور من مذهب مالك أنه لا يشترط عدد معين، بل الشرط جماعة تسكن بهم قرية ويقع بينهم البيع ولا تنعقد بالثلاثة،
ولعل هذا هو أرجح المذاهب من حيث الدليل. واعلم أن السيوطي وغيره من العلماء قالوا: لم يثبت في الجمعة شيء من الأحاديث بتعيين عدد مخصوص، وإذا كان الأمر كذلك مع إجماع الأمة على أن الجمعة من فروض الأعيان، فالذي يظهر ونختار أنه متى اجتمع في قرية عدد ناقص ولم يمكنهم الذهاب إلى محل الكاملة أو أمكنهم بمشقة وجب عليهم في الأولى وجاز في الثانية أن يقيموا بمحلهم الجمعة، وقد اختار هذا وعمل به العلامة أحمد بن زيد الحبشي، نعم إن أمكن فعلها آخر الوقت بالأربعين بحيث يسع الخطبة والصلاة وجب التأخير، لكن يجب على ذي القدرة زجرهم عن تأخيرها إلى هذا الحد، كما يجب عن تعطيلها وتعزيرهم بنحو حبس وضرب، إذ التأخير المذكور مشعر بتساهلهم بأمور الدين بل مؤد إلى خروج الوقت اهـ. وفي ك مثله في تعدد الأقوال إلا الأول فإنه قال: اختلف العلماء في العدد على أربعة عشر قولاً بعد إجماعهم على أنه لا بد من عدد وهو اثنان إلى آخر ما مر.
(مسألة): إذا اتسع المنبر سن للخطيب أن يقف بجانبه الأيمن، كما صرح به في الأنوار وأفهمه كلام الشيخين، ويؤخذ منه أنه إذا أراد الالتفات بعد رقيه أن يلتفت إلى جهة يمينه قاله ابن حجر في فتاويه.
(مسألة): يكفي في الوصية ما يحث على الطاعة أو يزجر عن المعصية، ويؤخذ منه أنه لا يشترط أن يكون مما يلابسه السامع، فلو كان السامعون عمياً كفى التحذير عن آفات النظر، ولو خص الخطيب الدعاء بالغائبين لم يكف كما في التحفة والنهاية، ويفهم منه أنه لا يكفي تخصيص بعض الأربعين، بل لا بد من التعميم للمؤمنين أو تخصيص الحاضرين، بل في الزبد أنه أولى كما قال وحسن تخصيصه للسامعين.
(مسألة: ك): لا يشترط فهم أركان الخطبة للمستمعين بل ولا للخطيب نفسه خلافاً للقاضي، كما لا يشترط فهم أركان الصلاة ولا تمييز فروضها من سننها اهـ.
قلت: بل ولا يشترط معرفة الخطيب أركان الخطبة من سننها كما في فتاوى (م ر) كالصلاة، لكن يشترط إسماع الأربعين أركان الخطبة في آن واحد فيما يظهر، حتى لو سمع بعض الأربعين بعضها وانصرف وجاء غيرهم فأعاد عليهم لم يكف، قاله ع ش.
(مسألة): لو شك الحاضرون حال الخطبة هل اجتمع أربعون؟ أو هل خطب الإمام ثنتين أو أخلّ بركن؟ لم يؤثر، بل لو عرض ذلك في الصلاة لم يؤثر أيضاً، حتى في حق الإمام فضلاً عن غيره، قاله أبو مخرمة.
[فائدة]: خطب قاعداً فبانت قدرته على القيام لم يؤثر اهـ إمداد. ومثله لو بان حدثه بل أولى كالصلاة وقضية كلام الروض أن يكون زائداً على الأربعين اهـ جمل. ولا تعتبر شروط الخطبة إلا في الأركان فقط، فلو انكشفت عورته في غيرها لم يضر، كما لو أحدث بين الأركان وأتى مع حدثه بشيء من الوعظ ثم استخلف عن قرب اهـ ع ش.
[فائدة]: قال ب ر: ولا يجب الجلوس بينهما عند الأئمة الثلاثة، وعندنا يضر تركه ولو سهواً، ولا يكفي عنه الاضطجاع، ويسن أن يكون بقدر سورة الإخلاص، وأن يقرأها فيه كما في التحفة، وقال في الفتاوى قال القاضي: والدعاء في هذه الجلسة مستجاب، وعليه يستحب للحاضرين الاشتغال به اهـ.
(مسألة: ب): لا تنبغي البسملة أول الخطبة، بل هي بدعة مخالفة لما عليه السلف الصالح من أئمتنا ومشايخنا الذين يقتدى بأفعالهم ويستضاء بأنوارهم، مع أن أصح الروايات خبر: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله" فساوت البسملة الحمدلة.
[فائدة]: قال باعشن: ومنه يؤخذ أن الزائد على الآية ليس من الركن، وهو قاعدة ما يتجزأ كالركوع، أن أقل مجزىء منه يقع واجباً والزائد سنة، وحينئذ ما زاد على الواجب وطال به الفصل يقطع الموالاة، وبمثله يقال في الدعاء، فما قطع الموالاة ضر خصوصاً في الدعاء للصحابة وولاة الأمر، لأنه ليس من ركن الدعاء وطول الفصل قدر ركعتين بأقل مجزىء، كما في الموالاة بين صلاتي السفر، وفي التحفة والنهاية أن قراءة المرقي آية { إن الله وملائكته يصلون على النبي} الخ، ثم الحديث بدعة حسنة اهـ.
[فائدة]: أفتى أحمد الذهبي البصال بأن من دخل حالة أذان الخطبة أن الأولى له أن يصلي التحية، وقال أبو شكيل: لعل الأولى الوقوف وإجابة المؤذن ثم يصلي التحية ويتجوز ليحصل الجمع بين المقصودين، ورجحه أبو مخرمة قال: ولا يصح القول بكراهة الإجابة حينئذ اهـ.
(مسألة: ش): أتى حال الخطبة على محل خارج المسجد لم تجز له التحية ولا غيرها من الصلوات مطلقاً ولو قضاء سمع الخطبة أم لا؟ بخلاف داخل المسجد فله ركعتان، سواء نوى بهما التحية فقط أو مع الراتبة أو الراتبة وحدها، لوجود صورة التحية المانعة من هتك حرمة المسجد مع سقوط الطلب، وإن لم يحصل ثوابها حينئذ، لكن يلزمه التخفيف بأن يقتصر على الواجبات اهـ. قلت: وقوله وإن لم يحصل ثوابها اعتمده (م ر) ورجح في التحفة حصول الثواب وإن لم ينوها لكن دون ثواب من نواها، وقوله: بأن يقتصر على الواجبات تبرأ منه في التحفة، ونظر فيه في النهاية ثم قال: فالأوجه أن المراد به ترك التطويل عرفاً، وعليه فتكره الزيادة على الواجب اهـ كردي.
[فائدة]: يكره للإمام وغيره الشرب حال الخطبة إلا لعطش، كالكلام لمن استقر في موضع إلا لمهم ناجز، كتعليم واجب، وإنكار منكر، وإنذار أعمى وأولى الإشارة إن كفت، ويجوز شراء ماء الطهر والسترة والقوت، وينبغي أن لا يكره البيع في بلد يؤخرون كثيراً اهـ قلائد. واعلم أن وقت الخطبة يختلف باختلاف أوقات البلدان بل في البلدة الواحدة، فالظاهر أن ساعة الإجابة في كل أهل محل من جلوس خطيبه إلى آخر الصلاة، ويحتمل أنها مبهمة بعد الزوال، فقد يصادفها أهل محل ولا يصادفها آخر متقدم أو متأخر، اهـ إمداد ونهاية.
سنن الجمعة وفوائد تتعلق بالصلاة على النبي
[فائدة]: المتجة جواز ترك التعليم يوم الجمعة، لأنه يوم عيد مأمور فيه بالتبكير والتنظيف وقطع الأوساخ والروائح الكريهة، والدعاء إلى غروب الشمس رجاء ساعة الإجابة اهـ فتاوى ابن حجر. وفي الإيعاب: أن عمر رضي الله عنه طالت غيبته مدة حتى اشتاق إليه أهل المدينة، فلما قدم خرجوا للقائه، فأول من سبق إليه الأطفال، فجعل لهم ترك القرآن من ظهر يوم الخميس إلى يوم السبت، ودعا على من يغير ذلك اهـ ش ق.
[فائدة]: يسن لمستمع الخطبة تشميت العاطس لأن سببه قهري، ويسن للعاطس الرد عليه، وورد أن من عطس أو تجشأ فقال: الحمد لله على كل حال رفع الله عنه سبعين داء أهونها الجذام اهـ باعشن. وقال في الدر: من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص بفتح الشين وجع الضرس، وقيل: البطن واللوص بفتح اللام وسكون الواو وجع الأذن، وقيل: البخر والعلوص بكسر العين وفتح اللام وجع البطن، وقيل: التخمة ونظمها بعضهم فقال:
من يبتدىء عاطساً بالحمد يأمن من ** شوص ولوص وعلوص كذا وردا
عنيت بالشوص داء الضرس ثم بما ** يليه داء الأذن والبطن اتبع رشدا
اهـ شرح الجامع لعلقمي.
[فائدة]: ينبغي لسامع الصلاة على النبي أو الترضي عن الصحابة حال الخطبة أن يصلي على النبي ويترضى عنهم، فهو أفضل من الإنصات، وقد أوجب جمع الصلاة عليه كلما ذكر، اهـ تجريد المزجد.
(مسألة: ي): يكره التخطي كراهة شديدة، وقيل يحرم، والمراد به تخطي الرقاب حتى تحاذي رجله أعلى منكب الجالس، بخلاف ما لو كانت رجل المار تمر على نحو عضده أو أسفل منه فلا كراهة، إذ لا يسمى تخطياً بل هو مسنون لتحصيل سنة، كالصف الأول والقرب من الإمام والجدار ونحوها، فإنكاره والأنفة منه إنكار للسنة، ومن طلب التأدب معه بترك ذلك فلجهله طلب التأدب بترك سنة الرسول اهـ قلت: وقال في فتح الباري: كراهته يعني التخطي شاملة ولو بمكة على المعتمد، واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين للضرورة، وعن بعض الحنابلة جواز ذلك في جميع مكة اهـ.
(مسألة: ش): ترك الإمام قراءة الجمعة في الأولى أتى بها مع المنافقين في الثانية، وإن قرأ المنافقين في الأولى قرأ الجمعة في الثانية، إذ السنة أن لا يخلي صلاته عنهما، أو قرأهما معاً، في الأولى قرأ المنافقين وفي الثانية أيضاً لئلا تخلو عن وظيفتها، فلو قرأ الجمعة حينئذ فوّت فضيلة الجمع بين السورتين في الركعتين، وحصل أصل سنة القراءة إن قلنا بحصولها بتكرير السورة كما هو المعتمد، ولو اقتدى مسبوق في الثانية وسمع قراءة المنافقين سنّ له إعادتها في ثانيته أيضاً، وليس كقارىء المنافقين في الأولى حتى تسن له قراءة الجمعة في ثانيته، لأن السنة له حينئذ الاستماع، نعم لو سنت له السورة حينئذ بأن لم يسمع قراءة الإمام فقرأ المنافقين فيها فالراجح أنه يقرأ الجمعة في ثانيته كما مر في الإمام.
[فائدة]: ورد أن من قرأ الفاتحة والإخلاص والمعوذتين سبعاً سبعاً عقب سلامه من الجمعة قبل أن يثني رجليه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطي من الأجر بعدد من آمن بالله ورسوله، وبوعد من السوء إلى الجمعة الأخرى، وفي رواية زيادة وقبل أن يتكلم حفظ له دينه ودنياه وأهله وولده ويقول بعدها أربع مرات: اللهم يا غني يا حميد، يا مبدىء يا معيد، يا رحيم يا ودود، أغنني بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اهـ باعشن. ونقل عن أبي الصيف أن من قال هذا الدعاء يوم الجمعة سبعين مرة لم تمض عليه جمعتان حتى يستغني. ونقل عن أبي طالب المكي أن من واظب على هذا الدعاء من غير عدد أغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب، اهـ كردي. ولا تفوت سنة المسبعات والأذكار المأثورة عقب صلاة الجمعة بكلام أو انتقال، نعم يفوت ثوابها المخصوص ولو بجعل يمينه للقوم، كما نقله الكردي عن ابن حجر و ق ل. وقال بعضهم: لا يفوت الثواب بل كماله، اهـ فتاوى باسودان.
[فائدة]: نقل عن الإمام الشعراني أن من واظب على هذين البيتين في كل يوم جمعة توفاه الله على الإسلام من غير شك وهما:
إلهي لست للفردوس أهلاً ** ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي زلتي واغفر ذنوبي ** فإنك غافر الذنب العظيم
ونقل عن بعضهم أنهما يقرآن خمس مرات بعد الجمعة اهـ باجوري.
[فائدة]: يسن الإكثار من قراءة الكهف والصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها، وأقل الإكثار من الأول ثلاث ومن الثاني ثلاثمائة، اهـ مغني وكردي وباعشن.
(مسألة: ك): إذا قال الشخص: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، أو سبحان الله ألف مرة أو عدد خلقه فقد جاء في الأحاديث ما يفيد حصول ذلك الثواب المرتب على العدد المذكور، كما صرح بذلك ابن حجر وتردد فيه (م ر) وليس هذا من باب لك الأجر على قدر نصبك، بل هو من باب زيادة الفضل الواسع والجود العظيم.
[فائدة]: ورد أنه قال: "من صلى عليّ في يوم خمسين مرة صافحته يوم القيامة" وذكر ابن المظفر أنه لو قال: اللهم صلِّ على محمد خمسين مرة أجزأه إن شاء الله تعالى، وإن كرر ذلك فهو أحسن اهـ. قال ع ش: ولم يتعرض لصيغة الصلاة على النبي ، وينبغي أن تحصل بأي صيغة كانت، ومعلوم أن أفضل الصيغ الواردة: اللهم صل أبداً أفضل صلواتك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك محمد وآله وصحبه وسلم عليه تسليماً كثيراً، وزده شرفاً وتكريماً، وأنزله المنزل المقرّب عندك يوم القيامة، اهـ جمل. وقال ابن الهمام: كل ما جاء في كيفيات الصلاة الواردة فهو موجود في هذا اللفظ المذكور، ولكن التصلية التي استنبطها الشيخ ابن حجر أعم وأفضل كما قاله ب.
[فائدة]: قال الحافظ ابن حجر: وتتأكد الصلاة عليه في مواضع ورد فيها أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جياد عقب إجابة المؤذن، وأوّل الدعاء وأوسطه وآخره، وأوّله آكد، وآخر القنوت، وفي أثناء تكبيرات العيد، وعند دخول المسجد والخروج منه، وعند الاجتماع والتفرق، وعند السفر والقدوم، والقيام لصلاة الليل، وختم القرآن، وعند الكرب والهم والعقوبة، وقراءة الحديث، وتبليغ العلم والذكر، ونسيان الشيء، وورد أيضاً في أحاديث ضعيفة عند استلام الحجر وطنين الأذن والتلبية وعقب الوضوء، وعند الذبح والعطاس، وورد المنع منها عندهما أيضاً اهـ مناوي اهـ جمل.