كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي
محتويات
الحقوق المشتركة
(مسألة): أفتى ابن حجر بحرمة نقل الطريق العامة عن محلها إلى محل آخر وإن قرب، بل عده في الزواجر من الكبائر للحديث الصحيح: "ملعون من غيَّر منار الأرض" أما الخاصة كأن استأجر جمع محصورون المرور في أرض فلهم بتوافق المؤجر نقله إلى محل آخر، ونقل في القلائد جواز النقل عن بعضهم إذا لم يضر ولم ينقص من الأول.
(مسألة: ب): أحدث في ملكه حفرة يصب فيها ماء ميزاب من داره لم يمنع منه وإن تضرر جاره برائحة الماء ما لم يتولد منه مبيح تيمم، إذ للمالك أن يتصرف في ملكه بما شاء وإن أضر بالغير بقيده المذكور، وكذا إن أضر بملك الغير، بشرط أن لا يخالف العادة في تصرفه، كأن وسع الحفرة أو حبس ماءها وانتشرت النداوة إلى جدار جاره، وإلا منع وضمن ما تولد منه بسبب ذلك، ولو انتشرت أغصان شجرة أو عروقها إلى هواء ملك الجار أجبر صاحبها على تحويلها، فإن لم يفعل فللجار تحويلها ثم قطعها ولو بلا إذن حاكم كما في التحفة، وإن كانت قديمة بل لو كانت لهما مع الأرض فاقتسما وخرجت لأحدهما كان للآخر إزالة ما كان منتشراً منها في ملكه، نقله في القلائد عن البغوي، ولو فسد بأغصان الشجرة أو ظلها زرع غيره لزم مالكها وإن لم يطلب منه إزالتها كميازيب الطرق، بخلاف ما إذا لم تنتشر الأغصان، وإنما منعت نحو الضوء والريح أو تضرر الجار بنحو هوامّ، فلا يلزم صاحبها قطع ولا تلوية، كما لا يمنع من وضع جذوعه على جدار نفسه وإن منعت الضوء عن الجار.
[فائدة]: لا يمنع من فتح كوّة تشرف على جاره في الأصح، لكن يمنع من الإشراف، ومنع بعضهم من القريبة دون البعيدة، واستحسنه ابن النحوي، ويجوز للجار أن يبني جداراً في ملكه وإن سد كوى جاره، بخلاف من له كوات على موات ليس لأحد البناء فيه بما يمنعه الضوء والهواء مما يتم به الانتفاع اهـ قلائد. وفي التحفة: لا يمنع الجار من وضع خشب بملكه وإن تضرر به جاره ومنعه الضوء والهواء، كما أن له إخراج جناح فوق جناح جاره بالطريق إن لم يضر بالمار عليه وإن أظلمه وعطل هواءه ما لم يبطل انتفاعه اهـ، ونحوه الفتح والنهاية. وفي الميزاب: قال الشافعي وأبو حنيفة: له أن يتصرف بملكه بما يضر جاره لقوة الملك وضعف حق الجار الخ اهـ. وأفتى النووي بجواز الصلاة في أرض مملوكة للغير لا زرع فيها لعدم التضرر بذلك، كالتيمم بترابها إذا علم بقرينة حال أو عرف مطرد أن مالكها لا يكره ذلك، قال السمهودي: واطراد العرف بعدم الكراهة كاف في الجواز وإن كانت الأرض لنحو صبي اهـ مجموعة الحبيب طه.
(مسألة: ب): دار بين اثنين لأحدهما السفل والآخر العلو، فخرب العلو ولم تمكن إعادته على السفل إلا بتجديده، لم يلزم صاحب السفل هدمه وتجديده ليبني عليه الآخر، ولا يمكن صاحب العلو من البناء عليه إذا لم يحتمله كما في القلائد، بل لو أراد هدم السفل وبناءه ثم البناء عليه فالأقرب، كما أفتى به أحمد مؤذن أنه لا يجاب لما في ذلك من إعدام موجود غير مستحق الإزالة، ولأنه قد لا يفي بما وعد، أو بمقصود صاحب السفل، فيؤول إلى النزاع، وليس له منع الجار من إزالة جداره الذي لم يثبت له فيه حق، نعم لو وجدت جذوع موضوعة على جدار ولم يعلم أصلها فالظاهر وضعها بحق، فيقضي لصاحبها باستحقاق وضعها دائماً، وله المنع من إزالة ما تحتها من الجدار، حتى لو سقط الجدار وأعيد جاز إعادتها بلا خلاف ما لم تقم بينة بخلاف ذلك، ولو وجدت دكة في شارع ولم يعرف أصلها كان محلها مستحقاً لأهلها، فليس لأحد التعرض لها بهدم وغيره ما لم تقم بينة بأنها وضعت تعدياً كما صرح به ابن حجر، ولا يجوز إحداثها كغيرها، أي من نحو بناء وشجرة في الشارع وإن لم تضرّ بأن كانت في منعطف على المعتمد عند الشيخين والجمهور، واعتمد جمع متقدمون ومتأخرون الجواز حيث لا ضرر وانتصر له السبكي.
[فائدة]: اقتسما داراً فخرج لأحدهما علوه وللآخر سفله، فالسقف مشترك بينهما ينتفعان به كالعادة، والدرج الذي يصعد عليه صاحب العلو له إلا إن كان تحته بيت فمشترك كالسقف اهـ فتاوى بامخرمة. ولو خرب المشترك من نحو دار وأرض لم يجبر الشريك على العمارة على الجديد والقديم إجباره، واختاره ابن الصباغ والشاشي وابن الصلاح وصاحب الذخائر وابن أبي عصرون والفارقي، ونقل في المجموع اختياره عن بعضهم وأن به الفتوى والعمل، وقال الإمام والغزالي: يختص بما يختل به الملك، واختار عبد الله بلحاج إجباره إذا كان له مال غير ذلك اهـ قلائد.
(مسألة: ج): لشخص أرض ولآخر فيها نخل وبقربها بئر، فزعم صاحب الأرض أنها أمهما وأراد السقي منها فمنعه الآخر وأقام بينة أنها ليست أمهما بل خالصة له وأن أمهما غيرها حكم له بها، وليس لأحدهما السقي إلا من أمها وإن بعدت إن عرفت، ويستحق صاحب النخل إجراء الماء في الأرض من الأم الأصلية لا من هذه التي أثبت أنها خالصة له.
الحوالة
(مسألة): أحال على دين به رهن أو ضمان انفك الرهن وبرىء الضامن ما لم ينص على نقل الضمان، وإلا فللمحيل مطالبتهما، وتصح الحوالة على الميت على المعتمد، ولا تنفك التركة بها بخلاف الرهن الشرعي، قاله في التحفة.
[فائدة]: هل تجوز الإقالة في الحوالة وجهان جزم الرافعي بالمنع اهـ بامخرمة.
(مسألة: ش): باع شيئاً وأحال بثمنه على المشتري ثم أفلس قبل قبض المشتري المبيع صح البيع والحوالة، وبرىء المحيل من دين المحتال، والمحتال عليه من دين المحيل، وطالب المشتري المحيل وهو البائع بالمبيع، هذا إن صح البيع والحوالة بشرطهما، إذ من شروط الحوالة رضا المحيل والمحتال لا المحال عليه، وثبوت الدينين والعلم بهما قدراً وصفة.
(مسألة: ش): أحال زيد عمراً على خالد بمائة ثم قال: أردت بالحوالة الوكالة، وادعى عمرو الحوالة بدين له سابق، فإن لم توجد شروط الحوالة كأن لم يكن على المحيل أو المحال عليه دين لغت دعوى عمرو الحوالة، بل الدراهم المقبوضة باقية على ملك خالد فيردها باقية وبدلها تالفة، فإذا ادعى زيد توكيل عمرو في اقتراض المائة وثبتت الوكالة ولو بتصديق خالد ملكها زيد بقبض وكيله ولخالد استردادها كما هو حكم القرض، وإن وجدت شروط الحوالة واختلف في التوكيل والحوالة صدق زيد، سواء قال: وكلتك أو أحلتك ومقصودي الوكالة، إذ لفظ الحوالة كناية في الوكالة وهو أعرف بقصده، وإذا وقع الاختلاف بعد قبض عمرو فقد برئت ذمة خالد، لأن عمراً إما وكيل أو محتال، وعليه رد المائة لزيد إن بقيت ومطالبته بدينه، وله جحده إن كان مماطلاً أو جاحداً، فلو تلفت المائة في يد عمرو، فإن كان بتقصير فلزيد مطالبته ببدلها، ولا يطالب هو زيداً لزعمه أن المائة المقبوضة ملكه أولاً بتقصير فلا مطالبة لأحد، لأن زيداً يزعم أن عمراً وكيل وهو لا يضمن، وعمراً يزعم أنه استوفى حقه بالحوالة.
الضمان والإبراء
(مسألة: ي): قال المضمون عنه للضامن: ضمنت مالي على فلان، فأجابه بضمنت أو أنا ضامن أو زعيم كان صريح ضمان أو بغريم مسلم ولم يقل أنا فكناية، وإن قال: نذرت أو استنذرت بما في ذمته لم يصح لأنه نذر بما لم يملكه، نعم إن قصد النذر بمثل ذلك لزمه ويصدق في عدم قصده فيهما.
(مسألة): قال في التحفة: ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن ففعل ضمنها على الأوجه، نظير ما يأتي في ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه بجامع أن كلاً يحتاج إليه، فليس المراد بالضمان ما في هذا الباب اهـ. قال ابن قاسم: قوله ضمنها على الأوجه عبارة العباب، فلا يصح ضمان ما لم يثبت كأقرضه ألفاً وعليّ ضمانه اهـ. ولم يخالفه في شرحه بل صرح بأن قول أبي شريح بالصحة ضعيف، وعبارة شرح (م ر) ولو قال: أقرض هذا مائة وأنا ضامنها ففعل ضمنها على القديم أيضاً.
(مسألة): أبرأت زوجها بعد موته عن المهر أو أبرأت ورثته صح بشروطه، ومنها علم المبرأ منه جنساً وقدراً وصفة ونوعاً وإلا فلا يصح، وهذا كما لو أبرأ أحد ورثتها فيصح في حصته فقط بالشرط المذكور، ثم لو ادعت أنها لا تعلم قدره صدقت بيمينها إن أمكن جهلها ولو كبيرة وبطل الإبراء، ولا يصح الإبراء عن الإرث إذ ليس ديناً على الزوج، وإنما تملكه بمجرد موته، سواء أبرأت الميت أو وارثه، لأن الأعيان لا يبرأ منها، بل لو قالت: تركته لباقي الورثة كان لغواً إلا إن نوت تمليكهم بذلك بالنسبة للعين وإبراءهم بالنسبة للدين، وألفاظ الإبراء: أبرأت وعفوت وأسقطت ووضعت وتركت وحللت وملَّكت ووهبت.
[فائدة]: قال في التحفة: وطريق الإبراء من المجهول أن يبرئه مما يعلم أنه لا ينقص عن الدين كألف شك هل يبلغها أم لا؟ وإذا لم تبلغ الغيبة المغتاب كفى فيها الندم والاستغفار له، فإن بلغته لم يصح الإبراء منها إلا بعد تعيينها بالشخص، بل وتعيين حاضرها فيما يظهر إن اختلف به الغرض، ولو أبرأه من معين معتقداً أنه لا يستحقه فبان أنه يستحقه برىء، ولو أبرأه في الدنيا دون الآخرة برىء فيهما، لأن أحكام الآخرة مبنية على الدنيا، ويؤخذ منه أن مثله عكسه اهـ.
(مسألة): شرط الإبراء كونه من معلوم وغير معلق ولا مؤقت كالضمان، نعم يصح تعليقه بالموت كالوقف فيكون لهما حينئذ حكم الوصية، فلو قالت له زوجته: إن مت قبلك فأنت بريء من كذا، كان وصية لوارث، فلا بد من الإجازة واعتباره من الثلث، ولو قال لها في مرضها: أنا بريء من المهر؟ فقالت: نعم، ثم برئت من ذلك المرض نفذ الإبراء من رأس المال، نعم لو ادعت هي أو وارثها أنها غائبة الحس حينئذ، فإن عرف ذلك منها صدقت بيمينها كوارثها، وإلا صدق الزوج فيحلف على نفي العلم.
الشركة
(مسألة): أركان الشركة خمسة: الشريكان وشرطهما إطلاق التصرف والبصر إن تصرفا معاً، فإن تصرف أحدهما لم يشترط إبصار الآخر، وتصح من ولي بشرط المصلحة وسلامة مال الشريك عن شبهة، خلا عنها مال المحجور وأمانة الشريك إن تصرف والمال وشرطه خلط لا يتميز إن اتحد نوعه، فإن اختلف باع بعض ماله ببعض مال الآخر أو وهب أو نذر هذا في غير المحجور، أما هو فإن علم قدر حصته باع كما ذكر، وإن جهلت ولم تمكن معرفتها صالح وليه الشركاء بحصة لا تنقص عن نصيبه، فإذا كانوا ثلاثة مات أحدهم عن محاجير صالح وليهم بحصة لا تنقص عن ثلث المال حال الموت ثم خلطها، وكون الربح بينهما على قدر المالين بالجزئية، وإن تصرف أحدهما فقط، والصيغة بأن يأذن كل منهما للآخر في التصرف إذناً دالاً على الاتجار والعمل، وشرطه أن يكون بالمصلحة والاحتياط عند الإطلاق كالوكيل وبما قيد عند التقييد، هذا في الموجود عند العقد، ويزيد الحادث أن يكون تبعاً للموجود لا استقلالاً كأن يقول: أذنت لك أن تبيع وتشتري في حصتي في هذا وما سيحدث لي من المال، فعلم أنه لو اكتسب ثلاثة مالاً ثم خلطوا واتجروا فيه، ثم اتفقوا على أن جميع ما بأيديهم ناصفته لأحدهم، وناصفته الأخرى لاثنين وأبقوه مخلوطاً، فإن كان مال من جعل له النصف مثلي مال الآخرين أو أقل، وحصل ما ذكر ببيع مع علم الحصص أو هبة مع العلم أيضاً، أو عدم إمكان المعرفة، أو نذر مطلقاً صحت الشركة بشرط التقابض في البيع والهبة،
وأما تصرفهم قبل الاتفاق وبعده بنحو البيع والقراض والإجارة والعمارة وإخراج الحقوق ودفع الظلمة والقرض والإنفاق والتزوّج والتسري والعتق والضيافة، فإن كان بإذن من مطلق التصرف سواء الشريك أو نائبه، وراعى المتصرف ما يلزمه كالوكيل نفذ وإن فسدت الشركة، وإن لم يكن كذلك فلا، وإن صحت سواء في ذلك ما فيه تنمية المال وحفظه كالبيع والقراض والعمارة ودفع الظلمة وإخراج الزكاة، أو ثواب مجرد كالصدقة والعتق والضيافة، لأن الإذن فيهما وكالة، وكذا ما فيه غرض لفاعله كالإنفاق والتسري والمهر والكفارة، لأنه من باب الأخذ بعلم الرضا الدالّ عليه الإذن، فإن ظن أن شريكه لا يرضى إلا بالبدل كان المأخوذ من نصيبه قرضاً ضمنياً أو بلا بدل فهبة، نعم إن طلب الشريك ضمن مطلقاً ضمان غصب إن نفى الرضا وإلا فضمان يد، وإن كان الإذن المذكور من ولي المحجور، أو كان الولي هو المتصرف صح بشرطه المارّ فيما فيه تنمية المال وحفظه فقط لا فيما عداهما،
نعم إن قصد التصرف أن ذلك من حصته كان عليه ولا إثم، وإن لم يقصد أثم وصح إن بقي قدر حصة المحجور وإلا ضمن ضمان غصب، كما لو كان المتصرف غير مأذون له، أو لم يستوف الشروط المارّة، نعم إخراج الشريك زكاة الكل جائز، وإن لم يأذن شريكه بلا ضمان، والعتق نافذ في حصة الشريك من موسر، وطريق إخراج الشريك من مظالم شريكه أن حسب الأعيان التي تصرف فيها ويقوّمها بأقصى القيم مع الاحتياط حتى تتيقن براءة ذمته، فإن جهل القدر لطول الزمان لزمه ما غلب على ظنه أنه بذمته، وينبغي له إعطاء زيادة على ذلك كما لو اشترى بذمته، وحكمنا بوقوع الشراء له لعدم الإذن أو الولاية أو المخالفة، ونقد الثمن من المشترك فالربح كله له، لكن فيه شبهة قوية تقرب من الحرام، فالورع إعطاء الشريك حصته اهـ. وفي ب نحو هذا وزاد: أما ما أخذه بعضهم من أموال الناس قراضاً أو غيره فحكمه مختص بآخذه ربحاً وخسراً، فلو بنى أحدهم بيتاً من ماله المختص به استحقه، نعم ما صرفه من المشترك من نحو تمر فيه تفصيل.
(مسألة: ج): الشركة الواقعة بحضرموت وهي أن يموت شخص ويخلف تركة فتستمر الورثة وفيهم المحجور والمرأة على إبقاء المال، ويتصرف الأرشد في ذلك ويأكل الجميع ويضيفون وقد يكون بعضهم أثقل من بعض، وقد ينمو المال وقد يضمحل، ويقع النزاع والتشاجر بينهم بعد باطلة على المذهب، والمخلص من ذلك أن يتفق الورثة مع بلوغ كل ورشده وعلمه بماله من غير غرر على أمر، ويحصل الرضا وطيب النفس من الجميع فيجري عليهم حكمه، وإذا لم يحصل رضا فادعى الأرشد أن هذا من كسبه وأقام بينة اختص به، وإن ادعى بقية الورثة بأن التلف صار بسبب تصرفه الواقع بلا إذن شرعي ولم يقم بينة بالإذن والمشاهدة تقتضي تصرّفه وأقرّ بالتلف ضمن، وإن حصل للحاكم اشتباه بظهور قرائن قوية تفيد غلبة الظن بظلم أحدهم لآخر واستحقاقه عنده شيئاً معلوماً أو مجهولاً فله الحكم بالقرائن التي هي كالبينة وإلا فيلجئهم إلى الصلح والتصادق، ولو ادعى أحدهم ديناً على الجميع لم يثبت إلا ببينة.
(مسألة: ج): مات شخص وترك عقاراً ومال تجارة، فحصل بين ورثته تقرير الحصص لكل وارث من العقار من غير إقرار، وأبقوا مال التجارة عند أحد البنين، وأنفق الكل من الوسط، ثم حسب مال التجارة بعد فوجد فيه نقص، فالتركة مشاعة وتصرف الابن صحيح للإذن، ما نقص إن كان بتفريط منه بتصرف غير مأذون فيه أو إنفاق زائد أو صدقة فعلى الابن فقط وإلا فعلى التركة، وما أنفقوه في مصروف الدار فعلى كل بقدر ما يأكله وممونه لا بقدر نصيبه من التركة، إذ لا يحل مال مسلم إلا بطيبة نفس.
(مسألة: ب): اشترك رجل وامرأة في مال ورثاه مدة، والرجل يتجر فيه على القانون الشرعي، وله مال مختص به غير المشترك يتجر فيه على حدته ومتأمن أيضاً لأناس يتجر لهم، ثم إن تلك المرأة طلبت قسمة المال المشترك بينهما فأجابها، وأحضر جماعة من العدول وما معه وتحاسبا في ذلك وتقارّا وتصادقا بحضرة العدول بأنه لم يبق بينهما شيء من المال، وأن المرأة قبضت جميع مالها من الشركة أصلاً وربحاً من مال ومتموّل، ولم يبق لها عند الرجل شيء، وكتبوا بذلك صكاً بحضور المرأة بأنه وقع الانقطاع والانفصال بين فلان وفلانة فيما بينهما على سبيل الشركة المنجزة إليهم بالإرث من مورثهما فلان، وما كان من مال وعين ودين وأصل وثمر، وبذلك انقطعت كل دعوى بينهما، وكل دعوى تدعيها فلانة على فلان باطلة ولاغية، جرى ذلك حال الصحة والاختيار، ثم بعد أن تصرف كل فيما خرج له ادعت تلك المرأة على الرجل المذكور بأنه أخفى عليها من المال المشترك، أو ادعت أنه ظهرت له أموال وديون لم تقسم، وأنها من ربح المال المشترك وغلته، صدق بيمينه في أنه لم يخف شيئاً من الربح،
وفي أن ذلك المال الذي ظهر مختص به ليس من ربح المال المشترك إجماعاً في الأولى، وكما هو مصرح به في المتون في الثانية، كما لو ادعت فساد الشركة بإخلال ركن أو شرط، وادعى هو صحتها فيصدق بيمينه أيضاً كما في التحفة وغيرها، فيما إذا ادعى أحد العاقدين صحة البيع أو غيره من العقود، وادعى الآخر فساده بإخلال شرط أو ركن على المعتمد، فالأصح تصديق مدعي الصحة غالباً لأن الظاهر في العقود الصحة، وأصل عدم العقد الصحيح يعارضه أصل عدم الفساد في الجملة، نعم إن أقامت بينة بفساد الشركة المذكورة وأن يده يد عدوان لا يد شركة بل غاصب لها، قبلت لقول القلائد وغيرها، إن من أقرّ بعقد كبيع ونكاح ثم ادعى صفة توجب بطلانه قبلت بيِّنته فيحكم بفساد الشركة، فحينئذ كل ما اشتراه هذا الرجل لنفسه أو في الذمة كما هو العادة يكون الربح الحاصل منهما له كما هو ظاهر، وإن نقد ثمنه من مال الشركة، نعم هو آثم بذلك له حكم الغصب، وفي ع ش:
وأما ما جرت به العادة بين المتعاقدين من أنه يقول: اشتريت هذا بكذا ولم يذكر عيناً ولا ذمة فليس شراء بالعين بل في الذمة فيقع العقد فيه للوكيل، ثم إن دفع مال الموكل عما في الذمة لزمه بدله من مثل أو قيمة من وقت الدفع إلى تلفه اهـ. وإذا أمرت المرأة المذكورة الشهود أن يشهدوا عليها بما تضمنه الصك المذكور بعد أن قرىء عليها وأقرته كان إقراراً منها به، كما مال إليه في التحفة تبعاً للغزالي وهو الراجح عند (م ر) في اشهدوا ويغني عن ذلك كله إقرارها الآن بجميع ما تضمنه المسطور منطوقاً ومفهوماً، فما بقي إلا وجه التعنت الذي جرى الخلاف في أن الدعوى هل تسمع معه أم لا؟ وإلا فهل يبقى كلام بعد تصرف الشريك على القانون الشرعي، ثم القسمة الصحيحة بحضور العدول والمصادقة من الشريكين برضاهما بأنه لم يبق إلى آخر ما مر.
(مسألة: ي): ادعى بعض ورثة الشريكين أن الدار التي ملكها مورثهم ليست للشركة صدقوا بأيمانهم على نفي العلم حيث لا بينة كما يصدق مورثهم، إذ ما ثبت للمورث ثبت لورّاثه، لكن يحلف المورث على البت إذ هو أعرف بقصده، فلو أقروا بأن الثمن من مال الشركة لزمهم حصة الشريك منه مطلقاً، سواء ثبتت الدار للشركة أو لهم مؤاخذة لهم بإقرارهم بأخذ مورثهم المال من الشركة وصرفه لنفسه وإلغاء كونه ثمن الدار لزعمهم أنهم مظلومون بأخذ الدار بالبينة فيما لو ثبتت بينة بذلك.
الوكالة
[فائدة]: يشترط تعيين الوكيل فلا يصح: وكلت أحدكما، نعم إن قال: وكلتك في كذا وكل مسلم صح عند (م ر) والخطيب تبعاً لزكريا خلافاً للتحفة وتعيين ما وكل فيه أيضاً، فلو قال في كل قليل وكثير بطل إلاَّ إن كان تبعاً لمعين، قاله في الفتح خلافاً للتحفة والنهاية والإقناع، نعم إن كان القصد الربح كفى قوله: اشتر بهذا ما شئت من العروض أو ما رأيت فيه المصلحة اهـ فتح وتحفة.
(مسألة): يجوز التوكيل في قبض الزكاة كما نقله ابن زياد عن النووي واعتمده، وظاهر كلام أبي مخرمة ترجيحه، واعتمد ابن حجر في فتاويه عدم الصحة قال: إلا إن انحصر المستحقون بمحل فلمن سافر منهم التوكيل حينئذ لأنهم ملكوها حقيقة.
(مسألة: ي): الفرق بين الوكالة الصحيحة والفاسدة أن الوكيل يستحق المسمى في الصحيحة وأجرة المثل في الفاسدة، ولا يأثم كما في التحفة والنهاية، وقال كثيرون: يأثم بل لا يصح تصرفه في قول، ويجوز لنحو الوصي والقيم والولي التوكيل فيما لا تليق به مباشرته أو يعجز عنه اتفاقاً، وكذا فيما يقدر عليه كما رجحه في التحفة، لكن شرط الوكيل أن يكون أميناً.
(مسألة: ب): قال (بع) هذا على الخدمة أو على نصف الخدمة، واطرد عرفهم أن الخدمة أن يعطيه في المائة خمسة قروش مثلاً لزم الشرط المذكور واستحق ما شرط لاطراد العادة بذلك تقديماً للعرف الطارىء على الوضع، نعم إن فسدت الوكالة استحق أجرة المثل، فإن كانت هي الخمسة استحقها.
(مسألة: ج): ابن وبنتان اقتسموا مال مورّثهم وكتبوا بينهم سجلاً وفيه وعليهم ما حدث بعد المخارجة من طلب الدولة في دفعه وفرقه بقدر الحصص، لم يكن هذا اللفظ توكيلاً في التسليم، بل لا يجوز لنحو الأخ كزوج إحداهما تسليم ذلك من مالهما لو كان تحت يده إلا بإذن خاص في شيء معين عند مطالبة الدولة، فلو سلم من ماله فإن كان باقتراض منهما ثبت له وإلا لم يلزم وإن أذنتا في التسليم، نعم إن كان غبياً جاهلاً رجع حينئذ لجهله، أما لو سلم من غير إذن اعتماداً على ما سطر فليس له الرجوع مطلقاً، ولا تسمع دعواه التسليم حينئذ، بل هي مجرد لجاج يجب زجره ع
نها اهـ. قلت: صرح في التحفة بأن من قال لآخر: أدّ ديني أو اعلف دابتي، أو قال أسير: فادِني ففعل المأمور به لا بقصد التبرع رجع على الآمر وإن لم يشرط، وإن قال له: أنفق على زوجتي أو أعمر داري ونحوهما مما للآمر غرض بذلك وشرط الرجوع رجع وإلا فلا اهـ فليتأمل.
(مسألة): قال في التحفة: لو قال لغيره اشتر لي كذا بكذا ولم يعطه شيئاً فاشتراه له به وقع للموكل وكان الثمن قرضاً له فيرد بدله، وقياسه أنه يكفي: ضحّ عني ويكون ذلك متضمناً لاقتراضه منه ما يجزي أضحية، أي أقل مجزىء لأنه المحقق، ولإذنه له في ذبحها عنه بالنية منه.
(مسألة: ب): وكل آخر في شراء شيء وقال له: أدّ الثمن قرضاً عليّ، أو أعطاه إياه فتصرف فيه بإذن الموكل أو علم رضاه، ثم اشترى ما وكل فيه في ذمته بنية الموكل، فالذي يظهر أنه يقع للموكل في الصورتين وإن لم يسمه في صلب العقد، إذ التسمية غير شرط للصحة كما في التحفة، والفرق بين هاتين وما ذكروه في مبحث بيع الفضولي من وقوعه للمباشر، فيما لو اشترى بمال نفسه أو في ذمته لغيره بلا إذن وإن سماه أو به ولم يسمعه بل نواه أنه ثمّ لم يكن له عليه شيء ولم يلتمس اقتراض الثمن، فإذا لم يسمه وقع للمباشر والنية لا تؤثر في مثل ذلك.
(مسألة: ش): وكله في شراء بضاعة، وأن يؤدي الثمن من ماله صح، وصار الثمن قرضاً على الموكل يرجع به عليه لو تلفت البضاعة بلا تقصير ببينة أو حلف الوكيل لم يضمنها والثمن بحاله، ولو وكله في فداء عين من يد ظالم ودفع له مالاً فسلمه للظالم قبل رد العين ضمن ما لم يقبض منه العين ويردها للموكل، نعم إن قال له الموكل: لا تسلم المال حتى يرد العين ضمن مطلقاً لمخالفته، فكان دفعه لا عن جهة الوكالة.
(مسألة): أذن لآخر في الإنفاق على أولاده أو زوجته أو عمارة ماله ونحو ذلك صدق المنفق في الإنفاق وفي قدره بيمينه، وإن أنكر المنفق عليه أي في القدر اللائق ما لم يقدر له شيئاً معلوماً وإلا صدق في القدر فقط، ومثله مأذون الحاكم في الإنفاق على نحو محجور أو مال غائب اهـ، نقله العلامة علوي الحداد عن جمع.
(مسألة: ش): وكله في شراء مسكة وأعطاه دراهم وقال له: أوف باقي الثمن من مالك وأرسل بها مع من كان، فإن لم يبين جنسها ولا اطرد عرف بشراء مسكة الفضة مثلاً لم يصح التوكيل، فإذا اشتراها بعين مال الموكل أو أضافه إلى ذمته لم يصح الشراء، فيلزم رد الدراهم إلى مالكها والمسكة باقية على ملك بائعها، فلو تلفت في الطريق مع شخص أرسلها معه الوكيل رجع البائع على ما شاء والقرار على الذي تلفت تحت يده، وإن بين الموكل أو اطرد العرف كما ذكر صح شراؤها للموكل ورجع الوكيل بما سلمه من ماله، وإن لم يقل له لترجع عليّ، ولا يضمنها إن أرسلها مع أمين في رفقة يأمن معهم، فلو قصر أرجع الموكل على من شاء منهما إن تلفت والقرار على الرسول، وإن قصر أحدهما اختص الضمان به، وليس قول الموكل لوكيله: أرسلها مع من كان إذن في الإرسال مع غير الأمين، كما لو قال: وكل من شئت.
(مسألة: ب): لا يخفى أن مرسل الدراهم من جاوة لنحو أرحامه لا يطلق غالباً على الرسول إلا بضاعة أو نقداً لا يروج في بلد المرسل إليهم، ثم يأذن له في بيع البضاعة وصرف النقد، ويكتب إليهم صدر صحبة فلان كذا قرشاً باعتبار ما يؤول إليه الحال، وقد يكتب المرسل معه لوكيله: أطلق على فلان كذا من الفرانصة إرسالاً له صحبتنا من فلان، ويفعل الوكيل ما أمر به، وقد يكون ذلك قبل بيع البضاعة وصرف النقد، ثم قد لا تحصل مع الوكيل دراهم فيستقرضها من آخر ويسلمها للمرسل إليهم، وجرت العادة بهذه المعاملة من غير نكير ممن بجاوة، وما غرضه إلا أن يصل إلى المرسل إليه ما عينه له مع تحققه أنه غير المال الذي أرسله وإنما هو بدله، فإذا عرفت هذا ظهر لك أنه لو أرسلت إلى شخص دراهم ليفرقها على غيره بحضرموت فبقيت في أحد البنادر ولم يتيسر خروجها إلا إن حوَّل بها غيره ففعل ذلك واستلم من المحتال دراهم حاضرة أن له تفريقها حينئذ، وإن لم يستلم معطي الدراهم بدلها لإذنه في التصرف فيها فتقع على حسب ما فرقها صاحب جاوة، ويبرأ الكل بذلك باطناً فغلبة ظن برضا في ذلك، ولا ينبغي البحث على ما يقتضيه الظاهر لما يترتب عليه من الضرر المفضي إلى ترك المواصلات والزهد عن حمل هذه المكرمات، لا سيما مع فساد المعاملات وعلم الرضا مع الاستيفاء من جملة المجوّزات، وقد اغتفر الشرع أشياء كثيرة من المحظورات لمسّ الضرورات.
[فائدة]: أفتى محمد صالح الريس فيمن أرسل مع غيره دراهم أمانة يوصلها إلى محل آخر، وأذن له في التصرف فيها بأخذ بضاعة، وما ظهر فيها من ربح يكون للأمين في مقابلة حمله الدراهم وإعطائها المرسل إليه كالأجرة، بأنه إن كانت الدراهم المذكورة ملكاً للمرسل وأذن كذلك جاز، وكان الرسول ضامناً وحكمه حكم القرض حتى تصل إلى المرسل إليه، وإن لم تكن ملكه ولم يأذن مالكها في التصرف لم يجزه ذلك، بل يضمنها الحامل ضمان غصب والمرسل طريق في الضمان لو تلفت.
(مسألة: ش): وكل شخصاً في بيع أمة وآخر في تزويجها فوقع العقدان معاً صح البيع دون النكاح، كما أفتى به القاضي حسين ورجحه في العباب، وإن بحث في التحفة أن التبادر بطلانهما.
[فائدة]: وكل اثنين في عتق عبد فقال أحدهما: هذا، وقال الآخر: حر في عتق بناء على الأصح أن الكلام لا يشترط صدوره من ناطق واحد، وقول بعضهم يشترط مردود بأن هذا لم يحفظ عن نحوي بل عن بعض الأصوليين، هذا ما أشار إليه الأسنوي وهو أصوب، لأن اللفظ حيث أمكن تصحيحه لم يجز إلغاؤه اهـ تحفة.
(مسألة): وكل شخصاً في بيع نخلة فباعها الوكيل من زيد والموكل من عمرو، فإن تصادق المشتريان على تقدم أحد الشراءين أو قامت بينة بذلك فالصحيح الأوّل، وأن يعلم السابق فالقول قول من هي بيده، فيحلف على نفي العلم بتقديم شراء الآخر، فإن لم تكن بيد أحد لم يصدقا بل يتركان حتى يقرأ أحدهما للآخر.
(مسألة: ش): أذنت لوليها في تزويجها بعد كل طلاق وعدة، أو وكل الولي آخر في تزويجها كذلك بعد إذنها له صح الكل، واستفاد به تكرير العقد مرة بعد أخرى، لأنه توكيل فيما سيملكه تبعاً لمملوك، كما لو وكله في بيع عبده وأن يشتري بثمنه كذا، أو وكله في كذا وكل مسلم أو في طلاق من سينكحها تبعاً لمنكوحه، أو أذن لعبده أن يتزوّج الآن، وكلما طلق يجدد هذا إن كانت حال إذنها أو توكيله خالية عن موانع النكاح، وكذا لو أذنت وهي منكوحة أو معتدة على المعتمد لا إن وكل الولي حينئذ خلافاً للقماط، لكن لو زوّج الوكيل هنا صح النكاح لعموم الإذن، كما لو قال له: إذا جاء رأس الشهر بع هذا العبد فينزل على التعليق ولا يضر حذف الفاء.
(مسألة: ش): وكل عبد، أن يشتري نفسه من سيده صح، لكن لا بد أن يقول: اشتريت نفسي لموكلي، فإن لم يقل ذلك انعقد العقد لنفسه وعتق، ويصح توكيله أيضاً، في شراء شيء من سيده، ولا يشترط ذكر الموكل عند العقد، ويقبضه الموكل بنفسه أو يوكل آخر لا العبد المذكور، لأن يد العبد كيد سيده فكأنه اتحد القابض والمقبض.
(مسألة: ك): وكله في شراء شيء لم يكن له أن يشتري من نفسه أو نحو طفله كما لا يبيع منهما، وإن أذن له الموكل وقدر له الثمن ونهاه عن الزيادة لتضادّ غرض الاسترباح لهم والاستقصاء للموكل ولاتحاد الموجب والقابل، ولا أن يوكل من يقبل لموكله لعدم جواز التوكيل فيما يتأتى منه فعله.
(مسألة): أودعه جماعة درهم يشتري بها طعاماً من محل كذا، لم يجز له خلطها إلا بإذنهم وإلا ضمنها، ثم لو اشترى لأحدهم بدراهم الآخر، فإن كان بعين المال بأن قال: اشتريت هذا الطعام بهذه الدراهم لم يصح الشراء فيرد الطعام لبائعه والدراهم للوكيل، فإن تعذر حصلت المقاصة بأن يبيع الوكيل الطعام ويأخذ ما سلمه من ثمنه ولا ينعزل بذلك، وإن اشترى في الذمة وسلم دراهم الآخر وقع الشراء لمن قصده به ولزمه مثل الثمن للبائع ورد الثمن منه وهو مضمون عليه في الصورتين، وإذا اشترى الطعام ونقد الثمن برىء من ضمانه.
(مسألة): أَعطى آخر لباناً يبيعه في الهند ويعطي فلاناً من ثمنه أنفاً له على الموكل، فبلغ الوكيل وخرج ولم يعط الدائن شيئاً ثم غرقا هو والمال في البحر، فإن ثبت ولو بشاهد ويمين بيعه اللبان وتسلمه من الثمن ولو الألف وخروجه بها وقد تمكن من الأداء، وحلف الدائن يمين الإنكار ضمن الوكيل الألف في تركته لتقصيره بالمخالفة بسفره بالمال، وإن لم يثبت ذلك كله فلا ضمان لأنه أمين، وربما تلف اللبان قبل بيعه أو لم يتسلم الثمن أو تسلمه ولم يتمكن من إعطاء الألف، وأما الزائد على الألف ففيه تفصيل يأتي الآن.
(مسألة: ش): وكيل يقبض دين من غرماء مرض مرضاً مخوفاً لزمه ردّ ما قبضه لمالكه وهو الأولى، أو الإيصاء به مع تمييز صفاته إلى قاض أو عدل، فإن لم يفعل ضمن إلا إن مات فجأة، فلو أوصى للموكل بشيء وادعى أنه لم يقبض سواه وصدقه الموكل فلا اعتراض له على وارثه، بل له الدعوى بالباقي على الغرماء، فإن أثبتوا الدفع إلى الوكيل انصرفت عنهم الدعوى، ولا يثبت ذلك في تركة الوكيل لاحتمال تلفه بلا تقصير، وإن ادعى على ورثة الوكيل أن مورثهما قبض الدين وهو كذا وهو باق في التركة يلزمهم تسليمه إليه، فإن أقام بينة بذلك غرموا في التركة وإلا فعليهم يمين بنفي العلم، وإن ردوا اليمين عليه حلف على البت وغرموا أيضاً.
(مسألة: ك): وكل آخر يستأجر له باليمن من يحمل صناعته التي فيه في مركب إلى جدة، فخالف الوكيل واستأجر مركباً من جدة يحمل البضاعة ضمن الوكيل لمخالفته ما عينه الموكل، نعم إن قدر له الأجرة ولم ينهه عن الاستئجار بغير اليمن جاز له الاستئجار من غيرها، وهل يضمن ظاهر كلامهم في التوكيل في البيع الضمان، ولكن الفرق ظاهر، إذ في مسألة البيع نقل المبيع إلى غير البلد بخلاف ما هنا.
(مسألة: ي): لا يصح توكيل غيره فيما وكل فيه، إلا أن يأذن له الموكل، أو لا تليق به مباشرته، أو لا يحسنه، أو يشق عليه مشقة لا تحتمل أو يعجز عنه، وعلمه الموكل في الكل، ويجب على الوكيل موافقة ما عين له الموكل من زمان ومكان وجنس ثمن، وقدره كالأجل والحلول وغيرها، أو دلت عليه قرينة قوية من كلام الموكل أو عرف أهل ناحيته، فإن لم يكن شيء من ذلك لزمه العمل بالأحوط، نعم لو عين الموكل سوقاً أو قدراً أو مشترياً، ودلت القرائن على ذلك لغير غرض أو لم تدل وكانت المصلحة في خلافه، جاز للوكيل مخالفته ولا يلزمه فعل ما وكل فيه، وإن سافر بالمال إلى بلدة بعيدة وله عزل نفسه فيرده للموكل أو وكيله، وإلا فقاضٍ أمين ثم عدل ويشهد بذلك إذا عرفت ذلك، فإذا أعطى جماعة أميناً دراهم يشتري بها طعاماً من بلد كذا، وأمره بعضهم بالإتيان به في ساعيته، وبعضهم بالإتيان به معه، وبعضهم لم يشترط شيئاً، فما اشتراه وأطلعه معه في تلك الساعية صح شراؤه للموكلين، وحكمه أمانة لامتثاله ما أمر به، وما دفعه لغيره أثم به، وصار ضامناً للمدفوع لتوكيله غيره مع القدرة، ومخالفته ما عينه الموكل، أو دلت القرينة في حالة الإطلاق، ثم إن اشترى المدفوع إليه بعين مال الموكلين كاشتريت هذا الطعام بهذه الدراهم فالشراء باطل، والطعام باق على ملك بائعه مضمون على مشتريه أو في الذمة كما هو الغالب، ثم نقد تلك الدراهم فالشراء له، ويرجع الموكلون في الصورتين على من شاءوا من الوكيل والمشتري والبائع، والقرار على المشتري إن تلف الطعام في يده،
فإن قبضها من الوكيل تخير بين الرجوع على المشتري والبائع، وإن قبض هو أو هم من المشتري رد الطعام على مالكه ورجع بدراهمه إن بطل البيع، ولا رد ولا رجوع إن صح، وإن قبضوا من البائع رجع على المشتري بطعامه في الأولى وبثمنه في الثانية، هذا حيث صادق المشتري والبائع الوكيل في أن الدراهم لموكليه، أو ثبت ببينة أو اليمين المردودة، فإن كذباه وحلفا على عدم علمهما بوكالته لم يطالبا بل يغرم هو، وإن صدقه أحدهما رجع عليه، ولا يطالب الوكيل بالطعام أبداً إذ لا يلزمه امتثال ما وكل فيه كما مر، وإذا أطلع المشتري المذكور الطعام في سفينته ضمنه لبائعه إن بطل شراؤه فيرده سالماً، ومثل ما تلف بنحو رمي، ولا أجرة له على حمله مطلقاً لأنه إما غاصب أو مالك، نعم إن قال له الوكيل: اشتر بهذه الدراهم طعاماً لي أو أطلق فلم يقل لي ولا لموكلي فاشتراه في الذمة قاصداً الوكيل وقع للوكيل فيكون كالمشتري فيما ذكر، وعليه نول ما سلم من الطعام وهو أجرة المثل لا ما رمي في البحر، بل يضمنه الرامي للوكيل، ولو دفع الوكيل بعض الدراهم الموكل فيها إلى شخص يسلمها لآخر فسرقت أو غصبت ضمناها، والقرار على المدفوع له إن علم عدم الإذن في تسليمها، واللازم على الوكيل عند سفره دفع المال إلى قاض أمين ثم عدل غني، ويشهد ويخبر أهلها بذلك. واعلم أنه متى حكم الشرع برجوع أحد المطالبين على الآخر كما في هذه المسائل فطالبه صاحب الحق لزمه التسليم حالاً، وإن كان من يرجع عليه غالباً أو مفلساً أو ظالماً أو ميتاً لا تركة له ونحوه، ولا يكون ذلك عذراً كما لا يعذر بجهله بالحكم.
(مسألة: ش): الوكيل بالبيع مطلقاً، يجوز له البيع بالفلوس الرائجة والعرض المتعامل به، إذ المراد بنقد البلد المتعامل به غالباً نقداً كان أو عرضاً، فلو أعطاه مناقير فلوساً وقال له: اصرفها وأعطني حرفاً، فإن قصد توكيله في صرفها أي بيعها بحرف فللموكل صرفها، كذلك فلو أتلفها لزمه مثلها عدداً لا وزناً، وإن فرض أن لا قيمة لها الآن، فإن فقد المثل فأقصى قيمها، وإن قصد صرفها في حوائجه كان قرضاً صحيحاً يجب رد مثله ثم قيمته وقت المطالبة إن أراد بإعطاء الحرف الفلوس أو اطرد التعبير به عنها، وإن أراد بإعطاء الحرف الرهن فقرض فاسد، فإنه شرط جر نفعاً للمقرض فترد باقية وبدلها تالفه، وأقصى قيمها مفقودة.
(مسألة: ش): ليس الإذن في التصرف بنحو البيع في المال الزكوي إذناً في إخراج زكاته مطلقاً، سواء جاز التصرف في كله كالتجارة والمعشر بعد الحرص أم لا، لأنه إذا كان التوكيل في إخراجها ليس توكيلاً في النية من غير تصريح به، مع أن النية من الماهية لكونها ركناً فأولى ذلك، فلو أخرجها حينئذ لم تقع زكاة فترد باقية وإلا فبدلها، والدافع طريق في الضمان، والزكاة باقية بذمة المالك.
(مسألة): قال لآخر: بع هذا بمكان كذا ولك من ربحه الربع مثلاً، فسدت الوكالة لفساد الصيغة بجهالة الجعل، ونفذ تصرفه لعموم الإذن، واستحق أجرة المثل، ربح أم لا، ولو وكله أن يبيع بمكان كذا ويشتري بثمنه كذا صح، واستحق الجعل كاملاً بإتيانه بجميع ما أمر به من البيع والشراء، فإن باع ولم يشتر ما أمر به فهل يستحق قسطه كالأجير إذا تعذر عليه بعض العمل أم لا؟ كالجعل لا يستحق إلا بتمام العمل محل نظر، نعم قد يؤيد الأوّل ما حكاه ابن حجر في فتأويه عن العمراني أنه لو استأجر أجيراً لحمل كتاب إلى آخر وردّ جوابه فأوصله ولم يرد جوابه فله من الأجرة بقدر ذهابه، بل قال القاضي: لو وجد المكتوب إليه غائباً استحق القسط ولا عبرة بعرف يخالفه اهـ. ولا يلزم الوكيل فعل ما وكل فيه، ولو بجعل ما لم تكن بلفظ الإجارة بشرطها، ويجوز له عزل نفسه قبله وبعده وبعد الشراء، وحينئذ يودعه أميناً، ولا يجوز رد الثمن دراهم حيث لا قرينة ظاهرة تدل عليه لعدم الإذن، بل يضمنها حتى يقبضها مالكها، نعم إن علم أنه لو عزل نفسه في غيبة المالك استولى على المال جائر حرم العزل كالوصي بل لا ينفذ حينئذ.
(مسألة: ش): دفع لوكيله مالاً ليشتري له عيناً ثمنها عشرون باتفاقهما فاشتراها وسلمها للموكل، ثم ادعى عليه أنه لم يقبضه إلا خمسة عشر، وقال للموكل: بل جميع الثمن، فإن طالب البائع الموكل بالزائد فسلمه ثم طلبه من الوكيل لزعمه تسليم الكل إليه فأنكره الوكيل صدق بيمينه، وإن دفع الوكيل إلى البائع الجميع ابتداء أو بعد مطالبته له ثم أراد الرجوع على المالك بالزائد، فإن كذبه بالدفع من مال نفسه كأن قال: كل المدفوع مالي الذي دفعته إليك، فالوكيل حينئذ يدعي أنه أدى دينه بإذنه الذي تضمنه التوكيل في الشراء بالعشرين مع عدم إقباضه إلا خمسة عشر، والموكل ينكر الإذن في الأداء، بل وينكر الأداء عنه، فيصدق بيمينه في أن الوكيل لم يدفع عنه الخمسة من ماله، وإن صدقه في ذلك مع اعترافه بمقتضى الرجوع لنحو غيبة الزائد حال العقد، فللوكيل الرجوع عليه بها لاعترافه بمقتضاه، نعم للموكل تحليف الوكيل أنه لم يقبض سوى الخمسة عشر.
(مسألة: ش): ادعى الوكيل أو الضامن أنه أشهد على الأداء ومات الشهود أو غابوا، وأقام بينة على مجرد الإشهاد من غير ذكر متعلقه وهو الأداء لم تسمع، كالشهادة بمجرد رؤية الهلال من غير تقييدها بليلة، وإن شهدت أنه أشهد بالأداء إلى الدائن تضمن ذلك الشهادة بالأداء نفسه وثبت الأداء، وما يترتب عليه ضمناً، كما لو شهدت البينة أن زيداً وكل عمرو بن خالد فتتضمن الشهادة بنسب عمرو لخالد.
(مسألة: ج): الوكيل بالتصرف في المال لا يزوّج العبد إلا بإذن في ذلك له أو للعبد، ولو تصرف الوكيل جاهلاً بعزل الموكل له بطل تصرفه على الصحيح وضمن ما باعه على الأوجه، لأن الجهل لا يؤثر في الضمان، وقيل لا ينعزل حتى يبلغه الخبر.
(مسألة: ج): وكيل غائب على عقار ادعى عليه آخر أنه اشتراه فصدقه من غير بينة وسلم العقار وثمن غلاته، ثم أتاه مكتوب من الغائب بحفظ المال لم يمكن من انتزاع العقار بعد تصديقه لمشتريه، وأما الدراهم ثمن الغلة فيرجع بها على الآخذ إذ لا تدخل في البيع.
(مسألة: ي): ادعى الوكالة على أمين فصدقه ودفع إليه المال، فلما طلب منه الحساب كذبه في وكالته، لم يقبل تكذيبه ولم يجز ردّ المال إليه، لأنه بتكذيبه للوكالة بعد الدفع ناقض تصديقه له فلا تسمع دعواه، ولأنه بدعواه عدم الوكالة صار فاسقاً معزولاً لدفعه المال إلى من ليس بوكيل في زعمه.