كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي
محتويات
الوقف
(مسألة: ش): باع أرضاً ثم ادعى أنها موقوفة وأنه باعها مكرهاً، فإن صدقه المشتري حكم بالوقف، وإلا فإن شهدت بينة حسبة فيما إذا كان الوقف على جهة أو أقامها المدعي مطلقاً ولم يصرح حال البيع بأن الأرض ملكه، أو حلف المردودة بعد نكول المشتري عنها حكم به أيضاً، ولزم المشتري أجرة الأرض في الصورتين، معتبرة بكل وقت زيادة ونقصاناً، ولا أثر لدعوى المشتري نسيان الوقف إلا في سقوط الإثم فقط، ثم إن لم يفسق البائع لعذر الإكراه فنظره إن كان ناظراً باق، وإلا لم يعد حتى تصح توبته.
الصيغة والموقوف
(مسألة: ب): قال: وقفت هذا لله تعالى ولم يبين المصرف، اعتمد ابن حجر عدم صحة الوقف، وفرق بينه وبين وقفته لسبيل الله بأن لسبيل الله مصرفاً معلوماً يحمل الوقف عليه، قال: وإنما صح أوصيت به لأن الغالب صرفها للفقراء، واعتمد أبو مخرمة صحة الوقف المذكور كالوصية، وجعل مصرفه وجوه القرب وإليه أميل، ولو قال: تصدقت بكذا على مسجد كذا، ولم يقل بعده صدقة محبوسة أو مسبلة أو موقوفة أو لا تباع أو محرمة ونحوها كان كناية في الوقف، فإن علمت نيته، وإلا فتمليك محض للمسجد فيجوز بيعه والمبادلة به بشرطه، بل قد يجب نحو البيع إن خيف استيلاء ظالم عليه، ويصرف ما اشتراه أو استبدله مصرف الأوّل.
(مسألة: ج): وقف على معين اشترط قبوله على ما في الروضة لكن الراجح ما في المنهاج من عدم الاشتراط.
(مسألة: ي): لا يصح تعليق الوقف، فلو قال: وقفت داري قبل مرض موتي بثلاثة أيام أو قبل موتي بلحظة مثلاً لم يصح، نعم يستثنى من عدم صحة التعليق مسألتان: الأولى كل ما يضاهي التحرير وهو ما اتفق على أن الملك فيه لله تعالى، كالمساجد والمدارس والمقابر والربط فيصح تعليق وقفها مطلقاً. الثانية تعليقه بالموت كوقفت داري بعد موتي، أو إذا مت فهي وقف على كذا فيصح أيضاً، ويقع الوقف بعد الموت، ويسلك به مسلك الوصية من كونه يقبل الرجوع اتفاقاً، وكونه من الثلث، ومن أنه لا بد فيه من الإجازة إن كان لوارث، ثم يصير حكمه حكم الوقف.
(مسألة): لو نجز الوقف وعلق الإعطاء للموقوف عليه بالموت جاز، كما نقله الزركشي عن القاضي حسين، قاله في الإقناع والمغني، ومثلهما التحفة والنهاية قالا: وعليه فهو كالوصية اهـ. أي فيسلك به مسلكها في أحكامها كالمعلق بالموت. وقال (بج): واستشكل هذا بأن منافع الموقوف للواقف في هذه الحالة، فما الفائدة للفقراء في الوقف؟ وأجيب بأن الفائدة فيه لهم انتقال الوقف إليهم بعد موته، وهذا يشبه الحيلة في الوقف على النفس، لأن الفائدة في هذه تكون له مدة حياته، وإن لم يكن موقوفاً عليه مدة حياته فهو يشبهه.
(مسألة): الحيلة المباحة لمن أراد وقف شيء من عقار أو منقول، وأن تبقى غلته ومنافعه له مدة حياته، ولا يستحقها الموقوف عليه إلا بعد موته أن ينذره بمنافع وغلة ما يريد وقفه لشخص معين مدة معلومة كمائة سنة مثلاً، ثم يقف ذلك على من أراد فيصح الوقف ويكون مسلوب المنفعة تلك المدة، ثم بعد نفوذ الوقف ينذر المنذور له للناذر بما نذر به له، فتعود العلة أو المنفعة في تلك المدة للواقف ولوارثه بعده، فإذا أراد الواقف إعطاءها أي المنافع والغلة للموقوف عليه بعد موته أي الواقف وقبل مضي تلك المدة فلينذر بها له نذراً معلقاً بموته أو يوصي له بها، فحينئذ تكون الغلة أو المنفعة المذكورة بعد موت الواقف للموقوف عليه لا قبله، وصار ذلك كأنه وقف معلق بالموت، لكنه يخالفه في أنه لا يحسب من الثلث بل يكون من أصل التركة، وفي أنه لا يشترط إجازة بقية الورثة فيما لو كان لوارث، نعم تحسب من الثلث بقية المدة من الغلة المنذورة أو الموصى بها للموقوف عليه كما هو معلوم، فإذا بقي بعد موت الواقف عشرون سنة من المائة المذكورة مثلاً، فتقوّم العين الموقوفة حينئذ بمنافعها، ثم تقوم ثانياً مسلوبة المنفعة تلك المدة الباقية بعد الموت، فما نقص من قيمتها حينئذ حسب من الثلث، وهذا كله حيث كان الوقف في حال الصحة، فإن كان في مرض الموت كان حكمه حكم الوصية اهـ.
[فائدة]: تشترك الجمل والمفردات المعطوف بعضها على بعض بواو، أو لم يعطف في وصف تقدم أو تأخر، واستثناء أو شرط، أو ضمير صلح للجميع، سواء نوى عوده للجميع أو أطلق أو لم تعلم نيته، هذا إن لم يتخلل بين المتعاطفين كلام طويل، وإلا فلا اشتراك حينئذ، وأفهم قوله بواو أن العطف بالفاء، وثم لا ترجع معه الصفة والاستثناء إلى الكل وهو المعتمد اهـ فتح ومثله التحفة، واعتمد الخطيب و (م ر) وأبو مخرمة أن الثلاثة الأحرف سواء بخلاف بل ولكن.
(مسألة): يجوز للمتعهد وقف النخل المعهد، وإذا فك اشترى الحاكم بدله ووقفه، قاله أبو مخرمة، وقال غيره: لا ينفك بل يستمر عليه حكم الوقف ويعطى المعهد زائد القيمة بين العهدة والقطع، قال: وهو الأحوط.
(مسألة: ش): وقف أرضاً على أبيه على ثلاثة قراء مجهولين يقرأون كل يوم ثلاثة أجزاء لم يصح وقفه، لأنا إن جعلناه على جهة عامة نافاه الحصر في قوله على ثلاثة قرّاء، وإن جعلناه على معين فلا تعيين، نعم لو قال: وقفت هذا على من يقرأ كل يوم كذا على قبر أبي وقد عرف قبره، أو في مسجد كذا صح وكان وقفاً على جهة، أو على زيد مثلاً على أن يقرأ كما مر صح وكان وقفاً على معين، لكن شرط صحته في سورة القراءة على القبر إمكانها بأن علم القبر وإلا لم يصح الوقف أصلاً.
(مسألة: ك): وقف جميع ما يملكه على ذريته، وله عقار ونخيل ومواش، نفذ في الجميع إن كان مكلفاً رشيداً غير محجور عليه بمرض أو فلس عالماً بما وقفه ولو مديناً ولا يدفع منه شيء لغير الموقوف عليهم، فإن كان في حال المرض لم ينفذ إلا بإجازة جميع الورثة بعد الموت، فإن أجاز بعضهم نفذ فيما أجازه، نعم تنفذ إجازتهم في قدر الدين الذي على الواقف حيث لم يبرأ منه اهـ. قلت: وقوله عالماً بما وقفه قال في التحفة والنهاية: شرط الموقوف كونه عيناً معيناً مملوكة ملكاً يقبل النقل، ولكن لا تشترط الرؤية للموقوف فيصح وقف الأعمى، وقال في الفتح: يصح وقف ما لم يره اهـ.
(مسألة: ك): يصح وقف الإمام أراضي بيت المال على جهة ومعين على المنقول المعمول به بشرط ظهور المصلحة في ذلك، إذ تصرفه منوط بها كوليّ اليتيم، ومن ثم لو رأى المصلحة في تمليك ذلك لهم جاز، قاله في النهاية ومثلها التحفة وزاد فيها بشرط أن يكون الإمام رقيقاً لبيت المال، وأعتقه ناظره قال: فالأتراك لا يعمل بشيء من شروطهم في أوقافهم كما قاله أجلاء المتأخرين، لأنهم أرقاء بيت المال وعتق رقيق بيت المال غير صحيح.
(مسألة: ك): وقف عشر نخلات على آخر وشرط أنهن محررات، ومعنى محرر عندهم أنه يسقى ويحفظ من مال الواقف وليس على الموقوف عليه خسر، فإن عين الواقف جهة للخسارة المذكورة صرفت منها، وإلا فأجرته منه لا على الواقف ولا ورثته كما أفهمه كلامهم.
(مسألة: ك): وقف نخلة فقلعت بقيت الأرض وقفاً، ثم إن غرسها الموقوف عليه وإلا أجرت بما يعمرها كما قاله في التحفة والنهاية، فيما إذا وقف داراً على معلم الصبيان أو على أن له أجرتها فخربت ولم يعمرها الموقوف عليه أنها تؤجر بما يعمرها للضرورة، هذا إن كانت الأرض موقوفة مع النخلة، وإلا فهي ملك للواقف ووارثه، إذ لا يدخل المغرس في وقف النخلة كما لا يدخل في بيعها.
[فائدة]: تنجس فمه وأراد الشرب من المال المسبل للشرب، فإن كان بحيث يطهر بمجرّد جري الماء فله الشرب لحصول زوال النجاسة من الحكم بطهارة الغسالة وإلا حرم غسل فمه منه، فإن شرب حينئذ من غير أن يضطر حرام من حيث شرب النجس فقط، نعم إن اطرد عرف عمل به اهـ بامخرمة.
(مسألة: ش): حكم الشجر النابت في أرض موقوفة لسكنى المسلمين أو المقبرة المسبلة أو الموقوفة الإباحة تبعاً لها، لكن قال الحناطي: الأولى صرف ثمرها لمصالح الوقف، أما الموقوفة على طائفة مخصوصة فتختص بهم، فمن أخذ منهم شيئاً ملكه، وإن أخذه غيرهم ضمنه ويبرأ بدفعه لواحد منهم، والأولى دفعه للحاكم ليصرفه في مصالحها، كحفر بئر بها وتسويتها، كما لو استوفى شخص منفعة الأرض بنحو زرع وغرس.
(مسألة: ي): الموقوف على ذرّية شخص كوقف الشيخ عبد الله بن يس، لا يصح بيعه ولا بيع الحصص قطعاً ولا هده ولا رهنه اتفاقاً، لأن شرط الرهن كونه عيناً يصح بيعها، ومن شروط البيع العلم بالمبيع ورؤيته وملكه، وبفقد واحد منها يبطل فكيف بفقد كلها؟ إذ رقبة المال موقوفة لا يصح بيعها، والغلة مجهول قدرها وغير مملوكة للعاقد، فحينئذ ما قبضه المعطي من الغلة والآخذ من مقابلها مضمون عليها ضمان غصب، نعم إن نذر غير المحجور بغلة السهم الذي يخصه فقط لا مما يخص موكله ومحجوره بصيغة صحيحة منجزاً أو معلقاً صح، ولا يضمن المنذور له في مقابله شيئاً في حكم الظاهر ويبطل بموت الناذر.
الموقوف عليه
(مسألة): شرط الموقوف عيه معيناً كان زيد وذرية فلان، أو جهة كالفقراء والمساجد ونحوهما كونه أهلاً للتملك، فخرج به من سيولد لي أو ولدي ولا ولد له والحمل، ونحو المرتد والعبد لنفسه، فإن أطلق فلمالكه، وكبهيمة غير موقوفة إلا إن قصد مالكها فهو وقف عليه، نعم يصح الوقف على حمام مكة وكبئر وساقية ودار لعمارتها، لا إن قال لطارقها فيصح إذ هم الموقوف عليهم حينئذ، نعم إن كانت موقوفة صح الوقف كنحو رباط وبئر موقوفين أو مسبلين، لأن حفظ العمارة حينئذ قربة، قاله في الإمداد والنهاية وغيرهما، ويؤخذ منه أن المصلي كذلك أي إن وقف للصلاة فيه أو نص الواقف على أنه لمن يصلي فيه صح وإلا فلا فليتنبه لذلك.
(مسألة: ي): المراد بالقرابة والرحم، فيما إذا وقف شخص أو أوصى لأقاربه أو رحمه أو أقارب أو رحم غيره كل قريب من الجهتين، والعبرة فيه بأقرب جدّ ينسب إليه ذلك الشخص أو أمه، ويعدون قبيلة إذا علمت ذلك، فعدّ من أبي الواقف وأبي أمه إلى أن تنتهي إلى أقرب جدّ يعدّون أولاده قبيلة واحدة، فجميع ذرّية هذين الجدين أعلاهم، وذكرهم وغنيهم وأضدادهم من تلك القبيلة وغيرها كأولاد البنات أرحام الواقف تجب التسوية بينهم واستيعابهم وإن شق الاستيعاب، نعم لا يدخل ورثة الواقف فيما إذا وقف على قرابة نفسه أو رحمه، فإن تعذر حصرهم وجب الاقتصار على ثلاثة فأكثر، لكن يلزم الوصي تقديم الأحوج فالأحوج، فإن استووا قدم الأقرب، وطريق العلم بذلك إما معرفة الناظر أو شهادة رجلين بأن هذا من ذرّية إحدى القبيلتين، أو كتب النسب الصحيحة كشجرات السادة بني علوي، ومن مات من المستحقين رجعت حصته لبقية الأرحام جميعهم لا لخصوص ورثة الميت، ومثل الوقف في جميع ما ذكر الوصية، لكن يفارقها في أنه يدخل في الوقف من كان موجوداً ومن حدث بعده إلى الأبد إلا الحمل فلا يستحق شيئاً من غلة وجدت قبل انفصاله.
(مسألة: ش): وقف بيتاً على ذرّيته وذريتهم ما تناسلوا، فمات عن بنتين اشتركتا ثم من حدث من أولادهما شارك بالسوية عملاً بقضية الواو، ولا شيء لعصبتهم إذا لم يكونوا من الذرية.
(مسألة: ب): وقف على ذريته، دخل أولاد البنات وإن قصد من ينسب إليه فقط، أو لم يعرف في لغة جهته أن أولاد البنات يدخلون في الوقف على الذرية ما لم يخصصهم لفظ حال إنشاء الوقف عملاً بعموم اللفظ في دلالته على الحقائق الثلاث، يعني الشرعية واللغوية والعرفية، ولأن المراعى في الأوقاف والوصايا والنذور ونحوها إنما هو دلالة الألفاظ لا المقصود إلا إن علمت واحتملها اللفظ.
(مسألة: ب): وقف على ولديه ثم أولادهما الذكور المنسوبين إليه أبداً ما تناسلوا، ومن مات وله عقب فنصيبه لعقبه الذكور، ثم أولادهم المنسوبين إليه ما تناسلوا، فمات أحد الابنين في حياة الواقف بلا عقب، ثم الآخر عن ثلاثة بنين فقسم أثلاثاً، ثم مات أحدهم عن ابن فأخذ نصيبه، ثم الثاني عقيماً كان نصيبه لأخيه، ثم مات هذا الأخ الثالث عن ثلاثة قسم جميع الوقف بين الكل بالسوية على المعتمد الذي رجحه ابن حجر وغيره، وهكذا كل درجة بعد انقراض ما قبلها يصيرون شركاء على حسب الرؤوس، إذ كل طبقة إنما يتلقون من الوقف لا من الذين قبلهم، ومعنى تلقيهم منه أن الاستحقاق لجميعهم بحسب ما نص عليه الواقف.
(مسألة): وقف على أولاده دخل الذكر والأنثى والخنثى لا الحمل والمنفي ولا أولاد الأولاد، نعم إن لم يكن له إلا الأحفاد دخلوا كما في الإرشاد، قال (ع ش): ولو بوسائط فيدخل الجميع ويشتركون اهـ. ونقل في التحفة عن الرافعي أنه لا تدخل الأخوات في الوقف على الإخوة بخلاف الأولاد، لأن هذا اللفظ لا مقابل له يميزه بخلاف الأوّل، قال: ولو وقف على زوجته أو أم ولده ما لم تتزوّج بطل حقها بتزوّجها ولم يعد بتعزبها، بخلاف نظيره في بنته الأرملة لأنه أناط استحقاقها بصفة وبالتعزب وجدت بخلاف نظيره في الزوجة اهـ. وأفتى الماوردي والسمهودي باستحقاق الزوجة كالبنت.
[فائدة]: أفتى محمد باسودان بأن من استعار من طلبة العلم كتاب وقف من طالب آخر لا يلزمه ردّه إليه إذا طلبه الأول، إذ هو مستحق الانتفاع به مثله، قال: ثم رأيت في القلائد ما يقتضي أنه إن شرط عليه ردّه لزم وإلا فلا اهـ.
[فائدة]: وأفتى علي بن قاضي في وقف على مصرفين معينين وأحدهما يحتاج إلى أضعاف ما يحتاجه الآخر، ولم يعلم في ذلك تفصيل ولا عادة نظارمعتبرين بأنه يتعين الرجوع إلى اعتبار النظر إلى المصارف وإعطاء كل ما يقتضيه العرف بالنسبة إلى زيادة كلفته ووجود حاجته على الآخر، فإذا قضى العرف في موقوف على مسجد وسقاية مثلاً بأن المسجد يحتاج إلى ثلاثة أرباعه لكثرة مصارفه ونحو السقاية يحتاج إلى ربع جعل الوقف بينهما كذلك، واستدل بعبارات من الإمداد والعباب اهـ.
[فائدة]: ومن أثناء جواب لمحمد باسودان في الوقف المنقطع الآخر قال: فتقدم البنوّة الأقرب فالأقرب فابن بنت مقدم على ابن ابن ثم الأبوان ثم الأخوة ثم الجدودة وهكذا على عدد رؤوسهم. قال: ثم ليعلم السائل أن قولهم: يصرف إلى أقرب الناس رحماً لا إرثاً أنه إذا كان الأقرب وارثاً استحق إذ الإرث غير مانع ولا مرجح، نعم ينبغي لمن رفعت إليه مثل هذه الواقعة وظهر له فيها قرينة الحرمان أن يرشدهم إلى تقليد القائلين ببطلان الوقف، وهو ما ذكره ابن حجر في التحفة عن غير واحد من الأئمة، وإن رجح هو كالخطيب و (م ر) الصحة، إذ العمل بالقول الضعيف لمن أراد التقليد صحيح، كما قرره الكردي في الفوائد المدنية اهـ.
(مسألة: ش): الذي يظهر في الوقف المنقطع الآخر أنه لا يعتبر فيه شرط الواقف من تفضيل الذكر واستحقاقه على الأنثى، بل ينتقل لأقرب الناس إلى الواقف حين انقطاعه بالسوية، فلو حدث آخر في درجتهم شارك، كما لو مات الأقرب وخلف أولاداً وكان في درجتهم آخرون فيقسم الجميع بالسوية أيضاً وهكذا كل درجة، بل لو حدث من هو أقرب إلى الواقف من الموجودين انتقل الاستحقاق إليه.
حكم النظر وتلف الوقف
[فائدة]: ذكر الدميري حديث: "إذا أحب الله عبداً جعله قيم مسجد، وإذا أبغضه جعله قيم حمام".
(مسألة: ي): يتبع في النظر ما شرطه الواقف بترتيبه، فمن كانت النوبة له وتأهل للنظر فله الولاية، فإن لم يتأهل لصغر أو جنون أو عدم كفاية انتقلت إلى الحاكم إلى كماله، فعلم أنه لا ولاية لوصي الوصي ولا لمتأخر مع وجود متقدم ناقص، فلو استولى شخص بلا تولية ولا نظر حرم ولزم الحاكم نزعه منه، فإن ادعى شرط الواقف وأن يده بحق قال أبو مخرمة وجماعة من السادة العلويين وغيرهم: لا يصدق إلا ببينة. وقال ابن سراج والسيد طه بن عمر: يصدق ذو اليد والقلب إلى الأوّل أميل، نعم إن كان المتولي ومن قبله من صلحاء البلد وقصد حفظه لعدم الحاكم أو جوره كان محسناً، لأن المراد بالحاكم حيث أطلق العدل الأمين كامل النظر فغيره كالعدم، فحينئذ يلزم صلحاء أهل بلد الوقف تولية أهل لذلك وإلا أثموا، ولزم من تحت يده الوقف التصرف فيه إن كان أهلاً وإلا دفعه إلى أهل اهـ. قلت: ووافق ابن سراج والسيد طه الطنبداوي والعلامة أبو بكر بن شهاب الدين وابن زياد وأبو حويرث وأبو بحير، ونقله في الدشنة عن فتاوى ابن عمر، وعبارة (ب): لا ولاية شرعية في أموال نحو المساجد للآحاد مع وجود قاض أمين بل مع عدمه أصلاً، أو كونه غير أمين بحيث لو سلم إليه المال مثلاً خيف ضياعه، فحينئذ يسوغ لمن بيده المال أن يصرفه في مصارفه ويقوم مقام الإمام العادل، فلو مات قيم نحو المسجد حينئذ فقامت بنته مقامه، فإن استوفت شروط النظر فهي قائمة مقام القيم، فتصرفها الجاري على الوجه الشرعي جائز للضرورة ويلزمها أن لا تتعدى المصلحة، فلو وجدت من يقوم بالمصلحة بأجرة ناقصة فأجرت بأكثر أو تركت عقد الإجارة أثمت.
[فائدة]: وقف على كذا وجعل النظر للأكبر الأصلح من أولاده ثم أولادهم ما تناسلوا، فاتفق أن الأكبر صالح والأصغر أصلح مع استواء الدرجة، فالظاهر أن النظر للأول، لأن مفهوم الأكبر أخرج الأصغر مطلقاً، ولو انفرد صاحب الطبقة العليا وكان صالحاً استحق النظر كما في التحفة اهـ علي بن قاضي.
(مسألة: ب): وظيفة الولي فيما تولى فيه حفظه وتعهده والتصرف فيه بالغبطة والمصلحة وصرفه في مصارفه هذا من حيث الإجمال، وأما من حيث التفصيل فقد يختلف الحكم في بعض فروع مسائل الأولياء، وحينئذ فإذا أعطى جندي مثلاً وليّ المسجد مالاً للمسجد ملكه إياه فرده، فإن عد مقصراً برد المال بأن لم يكن ثم موجب لرده أثم ولزمه طلبه، فإن أنكره الجندي لزمه طلب يمين الإنكار إن لم يلحقه ضرر بطلبها لعله يقرّ ويرد ما أخذه أو بعضه، وتجوز بل تجب عليه المعاوضة في ملك المسجد إن رأى المصلحة، كأن كانت أرض المسجد لا تحرث أو تحرث نادراً، فرغب فيها شخص بأرض تحرث دائماً، ويكون بصيغة المعاوضة أولى فيكتب في الصيغة: أما بعد فقد صار الزبر الفلاني المحدد بكذا لمسجد كذا من فلان بالمعاوضة الشرعية المستكملة للشروط والأركان، فصار الزبر المذكور ملكاً من أملاك المسجد قطعاً قلاطاً، وتعوض فلان المذكور في مقابلة ذلك ما هو ملك المسجد المذكور وهو الزبر الفلاني بحدوده الأربعة على لسان القيم والوالي شرعاً على المسجد المذكور فلان بن فلان وذلك بعد ظهور الغبطة والمصلحة، وله أن يقاسم عن المسجد كسائر التصرفات.
[فائدة]: يجوز للقيم الجري على سنن النظار الأولين المعتبرين، فيضيق بحسب العادة منهم كما أفتى به النووي، وإن كانوا عامية لا يعلم فسقهم كما يرجع إلى الدفاتر المتقدمة من النظار ويتبع ما فيها لأن الظاهر استنادهم إلى أصل قاله ابن زياد، وقال أبو مخرمة: يتبع العرف المطرد القديم من غير نكير في مصرف الوقف، كما لو كان الوقف مشهور بوقف الجامع، ويصرف منه النظار المتقدمون على مساجد أخر فيتبع عملهم، إذ العادة المرضية القديمة كشرط الواقف اهـ.
[فرع]: أفتى القفال بأن ناظر الوقف لو أجره سنين وأخذ الأجرة لم يعط البطن الأول منها إلا بقدر ما مضى من الزمان، وإلا ضمن الزيادة للبطن الثاني إذا مات الآخذ، وأخذ منه الزركشي أنه لو أجره الموقوف عليه لم يتصرف في جميع الأجرة لتوقع ظهور كونه لغيره بموته، لكن صرح ابن الرفعة بأن له ذلك لأنه ملكه في الحال، وفصل السبكي بين طول المدّة وقصرها قال: فإن طالت بحيث يبعد احتمال بقاء الموجود من أهل الوقف منع من التصرف وإن قصرت فلا، وأما صرفها في العمارة فلا مانع منه بحال اهـ، إمداد.
(مسألة: ب): ليس لناظر الوقف وولي المحجور الاقتراض له لنحو نفقة وعمارة كإقراض ماله إلا بإذن الواقف أو الحاكم ولو بقوله في خط النيابة: وأذنت له أن يقرضه ويقرض ماله، فيرجع به حينئذ في ماله بخلافه بلا إذن فلا رجوع، وإن كان المنفق الحاكم نفسه، نعم يصدق الأب والجد في الإنفاق بنية الرجوع ويرجعان بذلك.
(مسألة: ش): ليس للناظر غرس الأرض الموقوفة لنفسه بالأجرة بلا إذن الحاكم لتولي الطرفين، فإن فعل قلع مجاناً ولزمه أقصى الأجر يصرفها في مصالح الوقف، نعم إن أذن الواقف في صلب الوقف لناظرها أن يغرسها أو يزرعها لنفسه أو اطرد العرف بذلك جاز، لأن العادة المطردة المقارنة للوقف كشرط الواقف.
(مسألة: ش): عمر أحد الموقوف عليهم الوقف فلا شيء له إن كانت العمارة أثراً، فإن كانت عيناً أجنبية كأخشاب وآجرّ فهي على ملك واضعها، ثم إن كان ناظراً أو أذن له الناظر في ذلك كان عارية له الرجوع فيها، ويخير الناظر بين الإبقاء بالأجرة من غلة الوقف والقلع بالأرش، وإن لم يكن كذلك فلا قلع ولا أجرة لتعديه، بل إن قلعه هو أثم ويلزمه أرش النقص، كما لو أدخل ديناراً محبرة غيره.
(مسألة: ش): ناظر الوقف على القراءة إذا عمل بنفسه، فإن نص الواقف على استحقاقه في صلب الوقف كأن قال: فإن قرأت بنفسك فلك المشروط، أو اطرد عرف بذلك حال الوقف استحق ما شرط وإلا فلا، ومثله الوصي بالإحجاج، وهذا نظير ما لو قال فرق ثلثي فإنه لا يأخذ لنفسه مطلقاً، وكذا لأصله وفرعه ما لم ينص عليهم، فإن استأجره الحاكم للقراءة، قال الأصبحي وفقهاء زبيد: استحق، وقال غيرهم: إذ لا يتولى مع الناظر نظر الوقف.
(مسألة ج): يجوز للناظر ولو من جهة الواقف عزل نفسه كالوكيل والولي، فيتولاه غيره ممن شرط ثم الحاكم ثم أهل الحل والعقد من صلحاء البلد،نعم إن لم يوجد صالح غير الناظر حرم عزله بل لا ينفذ كالوصي.
(مسألة: ي): ليس للناظر العام وهو القاضي أو الوليّ النظر في أمر الأوقاف وأموال المساجد مع وجود الناظر الخاص المتأهل، وليس للحاكم ولا غيره عزل الناظر من جهة الوقف، بل لا ينفذ إلا إن فقدت أهليته، فينتقل النظر للحاكم مدة فقدها، ثم يعود بعودها من غير تولية، وكذا لا يجوز عزله لو كان من جهة الحاكم على الراجح، نعم لو زالت أهلية هذا ثم عادت لم يعد له النظر إلا بتولية جديدة.
[فائدة]: وقع بين رجل من أهل الوظائف بالظاء المشالة وبين الناظر تنازع، فعزله عن وظيفته من غير مسوّغ شرعي لم يجز عزله، بل لا ينفذ العزل لمن كان قائماً بوظيفته بشروطها من غير سبب شرعي، بل ذلك قادح في نظره، كما أفتى به الطنبداوي وابن زياد، نعم إن كان الناظر موثوقاً بعلمه وديانته لم يلزمه بيان سبب العزل، قاله في الفتح اهـ فتاوى عبد العزيز الحبيشي.
(مسألة: ك): أتلف العين الموقوفة شخص ضمنها واشترى الحاكم لا الناظر على المعتمد بدلها وأنشأ وقفها بأحد ألفاظه المعتبرة، أما ما اشتراه الناظر من ريع الوقف أو عمره منها، أو أخذه لجهة الوقف فالمنشىء هو الناظر، كما أن ما بناه من ماله أو من ريع الوقف من الجدران الموقوفة يصير وقفاً بالبناء لجهته فلا يحتاج حينئذ إلى لفظ.
[فائدة]: يد طالب العلم على الكتب الموقوفة يد أمانة يضمن بما يضمن به الوديع، فحينئذ لو أراد السفر لزمه التخلية بين الناظر أو وكيله وبين الكتاب، فإن فقد فالحاكم الأمين ثم الأمين، فإن لم يفعل عصى بسفره، وإن تركه في حرزه وليس له إيداعه ولو لولده كما ليس له إعارته لطالب آخر بغير إذن الناظر، ويصدق بيمينه في دعوى التلف بغير تقصير على تفصيل الوديعة، هذا إن بقي على أمانته، فإن تعدى أو جحد ثم ادعى التلف قبله ضمن كالغصب وصدق في التلف وقدر القيمة، واشترى الحاكم بالقيمة مثل التالف وإلا فبعضه ويقفه بدله، ولا يصدق في الرد على من لم يأمنه من وكيل الناظر أو ناظر آخر، فإن ادعى الرد من ائتمنه فقضية القاعدة الكلية وهي قولهم: كل أمين مصدق في دعوى الردّ على من ائتمنه إلا المرتهن والمستأجر أنه يصدق كسائر الأمناء، ويحتمل عدم تصديقه أخذاً من قولهم: من أخذ يميناً بإذن صاحبها لمصلحة نفسه لا يصدق في دعوى الرد، ويجوز للناظر طلب الكتاب عند وجود المصلحة في أخذه، كتفقده ودفعه لأحوج من الأول، وخشية مفسدة في إبقائه عند الطالب من نحو جحود واشتهار ملكه له لطول مدته عنده ونحو ذلك، ويلزم الطالب التسليم حينئذ وإلا ضمن، ولو طلب منه الكتاب فادعى الرد ثم أقرّ به وادعى التلف لم يصدق، وإن ادعى ثم غلطاً أو نسياناً لتناقض كلامه، نعم إن أقام بينة شهدت بتلفه قبل دعواه الرد قبلت وحملت دعواه الرد على الغلط، وحيث لم تقم بينة صدق في التلف وغرم القيمة،
ولو شرط الواقف في صيغة الوقف أن لا يسلم الكتاب إلا برهن وجب اتباع شرطه، فلا يسلم إلا برهن يفي بقيمته وهو رهن لغوي، إذ المقصود منه مجرد الحمل على تذكره ورده سريعاً عند عدم الحاجة، فلا يتعلق به ضمان، ولا يباع لو تلف الكتاب عنده ولو بتفريط، بل يرده الناظر ويطلب القيمة، ولا يقدر الناظر المدة للطالب إلا إن شرطها الواقف أو اطردت عادة في زمن الواقف وعلمها فيعمل به، فإن لم يكن شيء من ذلك فعل الناظر ما فيه المصلحة من غير تقييد بمدة، ويحرم عليه أخذه من الطالب ومنعه منه من غير مصلحة مما تقدم، ومثل الناظر الحاكم إن كان له النظر في الأوقاف، وإلا فليس له ولاية مع الناظر الخاص إلا إن فعل ما لا يليق فيجب نهيه حينئذ، أما لو أمر بتقدير المدة ذوو الشوكة أو الحاكم الذي له الولاية العامة وجب على الكل امتثال أمره، إذ تجب طاعته فيما لا معصية فيه ظاهراً وباطناً إن كان ثم مصلحة وإلا فظاهراً فقط، فيجوز تأخير الرد حينئذ خفية ولا ضمان اهـ فتاوى السيد عمر بن عبد الله بن يحيى.
(مسألة: ب): بيوت موقوفة على معينين أشرفت على الخراب بأن تعطل الانتفاع بها من الوجه الذي قصده الواقف كالسكنى ولم يرغب فيها الموقوف عليهم، جاز للناظر الخامس ثم العام أو نائبه ثم صلحاء البلد إجارة الأرض والبيوت مدة معلومة وإن طالت كمائة سنة مثلاً، بحيث تفي تلك المدة بعمارة الوقف ورده على حالته الأولى أو الممكن، ويتسامح بذلك للضرورة، مراعياً في الإجارة مصلحة الوقف لا الموقوف عليهم، فتؤجر بأجرة مثلها معجلة كل سنة على حدتها ويحتاط لذلك، ولا يدفع للمستحقين شيء من الأجرة ما دام الاحتياج إليها لعمارة عين الوقف، بل لو لم يرغب أحد في الوقف المذكور إلا بشراء بعضه جاز بيعه في الأصح، قياساً على بيع حصر المسجد البالية وجذعه المنكسر كما جرى عليه الشيخان، فتحصيل يسير من ثمنها يعود على الوقف أولى من ضياعها، ويعمر بالثمن الباقي احتياطاً لغرض الواقف وبقية البطون، فإن تعذر انتفاع الوقف بالثمن في عمارة عينه أو بدله بشرطه لقلته فلا يبعد انقطاع الوقف حينئذ، ويملكه الموقوف عليهم على المعتمد نظير قيمة العبد التالف، وجافّ الشجر إذا لم يكن شراء بدله ولو شقصاً أو الانتفاع إلا باستهلاكه.