كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي
محتويات
الاجتهاد
[فائدة]: شروط جواز الاجتهاد أحد عشر: كون كل من المشتبهين له أصل في التطهير أو الحل، وللعلامة فيه مجال، وظهورها وبقاء المشتبهين وتعدد المشتبه، والعلم بتنجس أحدهما أو ظنه بخبر عدل رواية، والحصر في المشتبه، واتساع الوقت للاجتهاد والطهارة والصلاة، وإلا صلى وأعاد، وكون الإنائين لواحد على ما قيل، اعتمد ابن حجر و (م ر)، خلافه، وأن لا يخشى منه ضرراً كالشمس، وأن يسلم من التعارض، كخبر عدلين تعذر الجمع بينهما فيتساقطان، إلا إن كان أحدهما أوثق أو أكثر فيؤخذ به، ويزيد وجوب الاجتهاد بدخول الوقت، وعدم تيقن الطهارة، وعدم بلوغهما بالخلط قلتين اهـ كردي.
(مسألة: ش): اشتبه تراب طهور بغيره وتحير، فلا بد لصحة الصلاة من خلطهما كالمائين، ويظهر أنه لا يتيمم بكل في اشتباه الطهور بالمستعمل، والفرق بينه وبين الماء عسر إزالة التراب الأول عن العضو، إذ يضر الخليط فيه وإن قل بخلاف الماء، فلو فرض تنقية العضو منه صح، لكن لا بد من الجزم بالنية بأن يأخذ كفاً من هذا وكفاً من هذا ويمسح بهما الوجه ناوياً ثم يعكس.
(مسألة): اجتهد في ماءين فظن طهارة أحدهما فتوضأ به وصلى، وأراق الآخر كما هو السنة ثم أحدث لم يتوضأ ثانياً ببقية الأول، لوجوب الاجتهاد لكل وضوء، ولا يجتهد حينئذ لفقد شرطه وهو التعدد، بل يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه، قاله في الإمداد، وهي مسألة نفيسة غامضة معلومة من كلامهم، فإن لم يرق الآخر وبقي من الأول بقية أعاد الاجتهاد، ثم أن ظهر له طهارة الأول أيضاً استعمله أو الثاني أراقهما ثم تيمم، واعلم أن لزوم الاجتهاد مقيد بما إذا لم يكن ذاكراً للدليل الأول كما في النهاية وسم ، وإلا فلا يجب ويتوضأ ثانياً وثالثاً، وهل ذلك عام سواء بقي الآخر أو تلف ظاهر إطلاقهم، نعم ثم رأيت سم استقربه.
[فائدة]: لا يقبل خبر الفاسق إلا فيما يرجع لجواب نحو دعوى عليه، أو فيما ائتمنه الشرع عليه، كإخبار الفاسقة بانقضاء عدتها، أو إخباره بأن هذه الشاة مذكاة فيحكم بجواز أكلها، وكذا بطهارة لحمها تبعاً، وإن كان لا يقبل خبره في تطهير الثوب وتنجيسه وإن أخبر عن فعل نفسه، اهـ بامخرمة. لكن اعتمد ابن حجر والشيخ زكريا، قبول قوله طهرت الثوب لا طهر.
(مسألة: ي): الخبر الواقع في القلب صدقه بأن غلب على القلب صدقه، وهو المراد بقولهم: الاعتقاد الجازم يجب العمل به على من صدقه كذلك، وإن لم يثبت عند الحاكم، ولم يكن المخبر مكلفاً عدلاً، فإن ظن صدقه من غير غلبة جاز وذلك في خمس عشرة مسألة تنجس نحو المياه، ونقض الوضوء من نحو مس وريح، وتوقف إزالة النجاسة على نحو صابون أو عدمه، ودخول الوقت والقبلة، وكشف العورة، ووقوع النجاسة، ودخول رمضان وشوَّال وذي الحجة، أو شهر معين منذور صومه، وشعبان بالنسبة لرمضان فيجب الصوم عليه، وعلى من صدقه بتمامه، وطلوع الفجر، وغروب الشمس، وتعليق الطلاق بأي شهر كان، بل وفي أكثر أبواب الفقه، كما نقله ابن زياد عن الشيخ زكريا، ويجوز العمل بقوله: ولا يجب، وإن غلب على قلبه صدقه في سبع مسائل: عدم الماء، ومبيح التيمم، وفوات الجمعة، والإخبار بولاء زوج لمريدة التزويج، وكذا للمعتدة التي جهلت أشهرها أو كانت عمياء أو محبوسة.
خصال الفطرة
[فائدة]: هذان البيتان في خصال الفطرة التي ابتلي بها إبراهيم الخليل عليه السلام:
تمضمض واستنشق وقصّ لشارب ** دوام سواك واحفظ الفرق للشعر
ختان ونتف الإبط حلق لعانة ** ولا تنس الاستنجاء والقلم للظفر
[فائدة]: قال ع ش: لو نذر السواك حمل على المتعارف من ذلك الأسنان وما حولها اهـ، وأفتى الزمزمي بأنه لا بد لأصل السنة من استيعاب الأسنان وما حولها أي ظاهراً وباطناً، وقال أبو مخرمة: لا شك أن سقف الحلق من أكمله.
[فائدة]: قال البجيرمي على الإقناع: والحاصل أن أحكامه أي السواك أربعة: واجب كأن توقف عليه إزالة نجاسة أو ريح كريه في جمعة، وحرام كسواك الغير بغير إذنه وعلم رضاه، ومكروه من حيث الكيفية كاستعماله طولاً، وسنة على الأصل، ولا تعتريه الإباحة لأن ما أصله الندب لا تعتريه الإباحة، ولا يكره الاشتراك في السواك والمشط والمرود خلاف ما تظنه العوام فإن ذلك لنفرة نفوسهم، ولم يرد نص بالكراهة، قال: والخلوف بالضم تغير الفم، وبالفتح كثير الخلف بالوعد، والخلف بفتحتين الذرية الصالحة، وبإسكان اللام الذرية السوء اهـ.
[فائدة]: تردد في التحفة في كراهة إزالة الخلوف بغير السواك، وصرح زي بأنه لا يكره بنحو أصبعه وكالصائم الممسك، نعم إن تغير فمه بنحو نوم لم يكره، قاله م ر والخطيب خلافاً لابن حجر، ولو مات الصائم بعد الزوال حرم إزالة خلوفه بالسواك قياساً على دم الشهيد، قاله (م ر) والخطيب خلافاً لابن حجر، ولو مات الصائم بعد الزوال حرم إزالة خلوفه بالسواك قياساً على دم الشهيد، قاله (م ر) اهـ بج.
[فائدة]: نقل الكردي عن البكري والإيعاب وغيرهما أن أغصان الأراك أولى من عروقه، وكلام الرافعي وابن الرفعة والإمام يقتضي التسوية بينهما، وقال ق ل: وينبغي أن ينوي بالسواك السنة ويقول: اللهم بيض به أسناني، وشدّ به لثاتي، وثبت به لهاتي، وبارك لي فيه، وأثبتني عليه يا أرحم الراحمين. وقال في التحفة: ويسنّ أن يكون السواك باليمنى، وأن يجعل خنصره وإبهامه تحته، والثلاثة الباقية فوقه، وأن يبلع ريقه أول استياكه إلا لعذر ولا يمصه، وأن يضعه فوق أذنه اليسرى أو ينصبه بالأرض ولا يعرضه، وأن يغسله قبل وضعه، كما إذا أراد الاستياك به ثانياً وقد حصل به تغير، ولا يزيد في طوله على شبر، ولا يستاك بطرفيه اهـ.
[فائدة]: من فوائد السواك أنه يطهر الفم، ويرضي الرب، ويبيض الأسنان، ويطيب رائحة الفم، ويشد اللثة ويصفي الخلقة عن نحو البلغم، ويذكي الفطنة، ويقطع الرطوبة، ويجلو البصر، ويبطىء الشيب ويسوّي الظهر، ويضاعف الأجر، ويسهل النزع، ويذكر الشهادة عند الموت، ويورث السعة والغنى واليسر، ويسكن الصداع وعروق الرأس، ويذهب وجع الضرس والحفر، ويصحح المعدة ويقوِّيها، ويزيد في الفصاحة والعقل، ويطهر القلب، ويقوي البدن، وينمي الولد والمال. وذكر بعضهم فوائد أخر تحتاج إلى توقيف اهـ. إيعاب.
[فائدة]: يسنّ حلق الرأس للرجل في النسك وسابع الولادة وكافر أسلم، ويكره للمضحي في عشرذي الحجة، ويباح فيما عدا ذلك، إلا إن تأذى ببقاء شعره أو شق عليه تعهده فيندب، اهـ إقناع وبج. وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته". وعن شيخنا ابن علان المكي: من قال إن النبي كان يدهن جسده الشريف فقد استنقص به عليه السلام ويخشى عليه الكفر، اهـ من زاد العجلان شرح الزبد.
(مسألة: ش): لا يكره حلق ما تحت الحلقوم على المعتمد، إذ لم يرد فيه نهي وليس هو من اللحية، على أنه لا يكره الأخذ من طول اللحية وعرضها كما ورد في الحديث، وإن نص الأصحاب على كراهته، نعم نص الشافعي رضي الله عنه على تحريم حلق اللحية ونتفها، ولو قيل بتحريم نتف الشيب لم يبعد.
[فائدة]: يكره الأخذ من طول الحاجبين لأنه تغيير لخلق الله تعالى، وعن الحسن وغيره أنه لا بأس به، وأن النبي فعله، اهـ تجريد المزجد. والمعتمد في تقليم أظفار اليدين أن يبدأ بسبابة يمناه إلى خنصرها ثم إبهامها، ثم خنصر يسراه إلى إبهامها. وفي تقليم الرجلين من خنصر يمناه إلى يسراه على التوالي، قاله في التحفة والباجوري تبعاً للإحياء، إلا أنه فيه أخر إبهام اليد اليمنى إلى الفراغ وأبدى في ذلك نكتة.
[فائدة]: قال النووي: يحرم خضب يدي ورجلي رجل بحناء، وكلام صاحب البيان والماوردي والرافعي وغيرهم يقتضي الحلّ وهو المختار اهـ عباب. وفي القلائد: خص بعض أصحابنا كراهة القزع بترك مواضع متفرقة أو بجانب، أما القصة والقفا فلا بأس بهما للغلام، وجزم به الفقيه عبد الله بن أبي عبيد التريمي.
(مسألة: ش): لو ختن المولود الجن بأن أزيل ما يغطي الحشفة كفى، إذ القصد إزالته كما لو ولد مختوناً، ولا يسنّ حينئذ إمرار الموسى بخلاف الرأس في المحرم.
[فائدة]: نقل عن الشيخ عبد الله بلحاج بافضل عن شيخه الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ علي علوي أنه قال: رأيت في بعض شروح المنهاج أنه ينبغي للشخص وضع النعل عرضاً لا طولاً، ورأى بلحاج المذكور يوماً نعله موضوعة طولاً وقد أراد أن يحرم فانحرف ووضعها عرضاً.
الحجامة
[فائدة]: في الحجامة على الريق بركة وزيادة في العقل والحفظ، وخير أيامها الأحد والاثنين، وفي التلوّث خلاف، وتكره يوم السبت والربوع، وخير أوقاتها من الشهر بعد النصف وقبل آخره، وينبغي أن لا يقرب النساء قبلها بيوم وليلة وبعدها كذلك، وإذا أراد الحجامة في الغد فليتعشّ عند العصر، ولا يأكل أثرها مالحاً، وليشرب على أثرها خلاًّ، ثم يحسو شيئاً من المرقة والحلو لا رائباً ولبناً، ويقلّ شرب الماء، والفصد مثلها، اهـ من البستان للسمرقندي.
فروض الوضوء
[فائدة]: حكمة اختصاص الوضوء بهذه الأعضاء كما قيل: إن آدم عليه السلام توجه إلى الشجرة بوجهه وتناولها بيده، وكان قد وضع يده على رأسه ومشى إليها برجله، فأمر بتطهير هذه الأعضاء، اهـ باجوري.
[فائدة]: تتعلق بالنية سبعة أحكام نظمها بعضهم فقال:
حقيقة حكم محل وزمن ** كيفية شرط ومقصود حسن
فحقيقتها قصد الشيء مقترناً بفعله، ومحلها القلب، وحكمها الوجوب، ومقصودها تمييز العبادة عن العادة، كالجلوس للاعتكاف تارة وللاستراحة أخرى، أو تمييز رتبها كالفرض عن النفل، وشرطها إسلام الناوي وتمييزه وعلمه بالمنويّ، وعدم الإتيان بمنافيها، وعدم تعليقها كإن شاء الله إلا إن قصد التبرك، وزمنها أي وقتها أول العبادات إلا الصوم، وكيفيتها تختلف بحسب الأبواب اهـ ش ق.
(مسألة: ي): تطلق النية على معنيين: أحدهما قصد العمل وإرادته وانبعاث النفس إليه لتحصيل ما هو محبوب لها في الحال أو المآل، وهو طلب رضا الله تعالى والخوف من عقابه، وهذه هي التي بحث على تصحيحها جميع العلماء والصالحين، وهي خارجة عن اختيار العبد، إذ ما تميل إليه النفس خارج عن الاختيار، بل من قوي إيمانه، وكثر خوفه، وعظمت رغبته فيما أعد الله لأوليائه، وقل التفاته إلى ما سواه، صارت قصوده وإراداته في أغلب حركاته تحصيل رضا من آمن به، وما يبعد من عقابه، ومن ضعف إيمانه، وغلبت عليه الشهوات، وكثرت رغبته في زهرة الدنيا، صارت قصوده مقصورة عن ذلك، وإن أتى بأعمال ظاهرها طاعة، نعم للعبد اختيار في هذه النية، وتصحيحها بتقوية أسبابها من الإيمان بمولاه، والرغبة والرهبة فيما أعد من الثواب والعقاب، لتنبعث الإرادة الصالحة المثمرة للتجارة الرابحة، وحكم هذه الوجوب في جميع أنواع الطاعات، والندب في جميع المباحات وفي ترك المعاصي والمكروهات.
والثاني على قصد الشيء مقترناً بفعله، وهذه هي التي يبحث عنها الفقهاء، وهي في الحقيقة عين الأولى، وإنما امتازت عنها باستحضار ذلك عند ابتداء الفعل، ووجوب ذلك الاستحضار مبني على أن وجوبه لازم، إما لتميير العبادة عن العادة كالغسل الواجب، أو المسنون من غسل التبرد، وإما لتمييز راتب العبادة بعضها عن بعض، كالصلاة تكون فرضاً أو نفلاً، فكل ما كان من العبادات مشتبهاً بالعادة أو على مراتب مختلفة لزم استحضار قصده عند ابتدائه، إلا نحو الصوم والزكاة مما جوّز الشرع فيه تقديم الاستحضار، وما لم يكن كذلك فلا، بل اللازم فيه النية بالمعنى الأول وهو إرادة وجه الله تعالى، فعلم أنه إما أن تجب النيتان معاً كما مر أو الأولى فقط، فيما سلم من الاشتباه والاختلاف، وذلك كالإسلام والأذان ومطلق الأذكار والقراءة، أما العادات وترك المعاصي والمكروهات فلا تجب لها نية، بل تندب الأولى ليثاب عليها، ولو أشرك في النية ما لا تطلب له نية فاته الكل عند ابن عبد السلام، واعتبر الباعث عند الغزالي اهـ. قلت: رجع ابن حجر في حاشية الإيضاح وأحال عليه في غيرها أن له ثواباً بقدر قصده الأخروي وإن قل. واعتمد (م ر) كلام الغزالي، وهذا في غير قصد نحو الرياء، أما هو فمسقط للثواب مطلقاً اتفاقاً، قاله الكردي:
(مسألة: ب): اللحية إما خفيفة بأن ترى البشرة من خلالها في مجلس التخاطب، أو كثيفة بأن لا ترى، أو بعضها كذا وبعضها كذا، فلكل حكمه إن تميز، وإلا وجب غسل الجميع، وليس بينهما درجة متوسطة، وتحصل سنة التخليل بغسل الكثيفة بلا كراهة كالرأس، وورد أن من السنة أخذ غرفة بعد تثليث الوجه يغسل بها لحيته، ونص عليه العامري في البهجة لكنه لم يشتهر في كتب المذهب، وكأنهم لم يروه لقوادح خفيت عن المقلدين، فلم يسع لمثلنا إلا الإفتاء بما عليه أئمة المذهب، وقد ذكروا أنه تكره الزيادة على الثلاث، وللعامل سبيل غير الفتوى.
(مسألة: ك): اعتمد الشيخ زكريا وابن حجر أن ما خرج عن حد الوجه بحيث لو مد خرج بالمد عن جهة نزوله من شعور وجه المرأة، والخنثى حكمه حكم الداخل في حده، أي فيجب غسل ظاهره وباطنه، والبشرة تحته مطلقاً، واعتمد (م ر): أن الخارج من شعورهما كالخارج من شعور الرجل إن خف وجب غسل ظاهره وباطنه، وإن كثف وجب غسل ظاهره فقط.
(مسألة: ك): الوسخ الذي على ظاهر البدن والظفر والسرة إن نشأ من البدن كالعرق المتجمد فله حكم البدن فينقض لمسه، ويكفي إجراء الماء عليه في الطهارة، وإن نشأ من غير البدن كالغبار وجبت إزالته، أما الوسخ الذي يجتمع تحت الأظفار، فإن لم يمنع وصول الماء صح معه الوضوء، وإن منع فلا في الأصح، ولنا وجه وجيه بالعفو اختاره الغزالي والجويني والقفال، بل هو أظهر من حيث القواعد من القول بعدمه عندي، إذ المشقة تجلب التيسير، فيجوز تقليده بشرطه ولو بعد الصلاة اهـ. وفي ب نحوه في وسخ الأظفار وزاد: وفصل بعضهم بين أن يكون من وسخ البدن الذي لا يخلو عنه غالب الناس فيصح معه الوضوء للمشقة، وأن يطرأ من نحو عجين فلا، وهذا الذي أميل إليه.
(مسألة: ب): يجب في نحو الشقوق إيصال الماء إلى جميع ما في محل الفرض من الغور الذي لم يستتر، وإزالة ما أذيب فيها من نحو شمع وسمن مانع من إيصال الماء إلى البشرة ما لم يصل اللحم، ويجب أيضاً إزالة ما خيط به الشق مما يمنع وصول الماء إلى محل الفرض ما لم يستتر، نعم إن خاف من إزالته محذور تيمم تيمماً عنه.
[فائدة]: الذي يظهر من كلامهم أن الشق والثقب حيث كانا في الجلد ولم يصلا إلى اللحم الذي وراء الجلد وجب غسلهما إن لم يخش ضرراً وإلا تيمم، وحيث وصلا اللحم لم يجب، وإن لم يستتر، إلا إن ظهر الضوء من الجهة الأخرى فيجب غسل جميعه حينئذ، اهـ كردي.
(مسألة): محدث حدثاً أصغر غمس أعضاءه الأربعة فقط في الماء ونوى ارتفع حدثه وإن لم يمكث، كما لو غطس بعد أن طلى ما عداها بشمع، نقله الكردي عن فتاوى ابن حجر، وأفتى به عبد الله بن سراج، وخالفهما أبو حويرث فقال: لا يرتفع بغمس الأعضاء المذكورة بل لا بد من الغطس، وفرق بين المسألتين.
سنن الوضوء
[فائدة]: يسن للمتوضىء أن يتعوذ قبل التسمية ثم بعدهما: الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً والإسلام نوراً، الحمد لله على الإسلام ونعمته، رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون، ثم يتشهد، ومما ينفع للوسوسة في أي أمر كان أن يضع يمناه على صدره ويقول: سبحان الملك الخلاق الفعال سبعاً {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق ـ إلى ـ عزيز} اهـ (ش ق). ولا ينبغي أن يأتي بالأذكار الواردة في الوضوء وبعده في نحو الجوابي المعهودة، لأنها صارت محلاً للبول والقذر فيكره فيها الذكر، كما قاله الحبيب القطب عبد الله الحداد، وشد النكير على من نقل عنه خلافه.
(مسألة: ش): المعتمد أن أول سنن الوضوء التسمية، وقيل السواك، ولو ترك بعض السنن ولو من أوله أثيب على ما أتى به منها بشرط أن توجد النية فيما قبل غسل الوجه، نعم الترتيب بين المضمضة وغسل الكفين مستحق، فلو قدمها لم تحسب على المعتمد، وكذا بين مسح الرأس والأذنين لا غير. وهنا دقيقة وهي ندب السواك لكل ذكر فيشمل التسمية، وندبها لكل أمر ذي بال، فيحصل حينئذ دور كما هو معلوم، ولا يتخلص منه إلا بأن يقال: تسمية السواك لا يندب قبلها سواك، وهو أولى من عكسه لاعتناء الشارع بالتسمية أكثر.
[فائدة]: قال سم: يحرم وضع اليد المتنجسة بعينية في البركة الموقوفة أو المسبلة إن تقذر منها الماء لإمكان طهرها خارجها، ومثله البصاق والمخاط، اهـ كردي.
(مسألة): يتخير نحو المتوضىء في تخليل اللحية والأصابع كالدلك، بين أن يفعله مع كل غسلة أو يؤخره بعد الثالثة، ويخلل ثلاثاً وهو الأولى، ويسنّ تخليل اللحية بغرفة مستقلة، قاله في التحفة، نعم في الإيعاب ندب تخليل أصابع الرجلين مع غسلهما.
(مسألة: ب): يحصل سنّ تخليل أصابع اليدين والرجلين بأي كيفية كانت، وكمالها بالكيفية المشهورة ومستقلاً بماء جديد.
(مسألة): لا يحصل تطويل الغرة إلا بعد نية معتبرة ولو عند غسل حمرة الشفة، وظاهر قوله : "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء" أن هذه السيما إنما تكون لمن توضأ بالفعل في حياته لا بوضوء الغاسل للميت، وينبغي أن مثل الوضوء التيمم لإقامته مقامه، اهـ ع ش.
(مسألة): لا تحصل سنة تثليث الرأس بمسح ثلاثة جوانب منه ولو مرتباً إذ لا يسمى تثليثاً، إلا إن كان بموضع واحد كما نص عليه، نعم يحصل بذلك تكميل الرأس إن عمه، وشرط المسح على العمامة أن لا يعصي بلبسها لذاته كمحرم، وأن لا يكون عليها نجاسة ولو معفوّاً عنها، وأن يمسح جزءاً من الرأس أولاً، وأن يتصل مسح الجزء بمسح العمامة وإلا صار مستعملاً. قاله في حاشية الجمل، وفي ش ق: لا يشترط الاتصال على المعتمد.
[فائدة]: يندب غسل الأذنين مع الوجه ثلاثاً كمسحهما مع الرأس ومنفردتين ووضع كفيه عليهما، فالجملة اثنا عشر اهـ أجهوري. وقوله: ووضع كفيه إلخ قال ش ق: أي ثلاث مرات على التوالي بعد تثليث مسح الأذنين على الأظهر، لا بعد المرة الأولى ولا بعد كل مرة اهـ.
(فرع): لو كان معه ماء لا يكفي كل السنن قدم ما قيل بوجوبه، ثم ما أجمع على طلبه، ثم ما قوي دليله على الأوجه، ولو كفى تثليث بعض الأعضاء كالوجه فالظاهر أن تفريقه على الكل مرتين أولى، اهـ بجيرمي على الإقناع.
(مسألة: ب): تردد سم في ندب الشرب عقب الوضوء من الماء الموقوف، ولم أر من صرح بندبه، لكن إطلاقهم يقتضي أنه لا فرق كسائر السنن، وكأن ترك الشرب من الجوابي المعروفة لاستقذارها غالباً، ومعلوم أن تناول المستقذر حرام، فلو فرض عدم الاستقذار سنّ الشرب حينئذ اهـ، وخالفه ج فقال: الظاهر حرمة الشرب أخذاً من إطلاقهم حرمة الشرب من الماء الموقوف للطهارة، سواء قبل الوضوء وبعده، إذ هو مناف لشرط الواقف، وقاعدة إذا اجتمع المقتضي والمانع تقديم المانع تؤيد ذلك.
[فائدة]: يندب للمشتغل بالوضوء إجابة المؤذن ولو فرغ من الوضوء مع فراغ المؤذن أتى بالذكر المشروع عقب الوضوء، ثم ذكر الأذان، ثم دعاء الوضوء، ولا يفوت الأذكار عقبه بطول الفصل كركعتي الطواف والتكبير المقيد، اهـ فتاوى بامخرمة.
[فائدة]: ينبغي أن لا يتكلم بين الوضوء والذكر لخبر: "من توضأ ثم قال قبل أن يتكلم أشهد الخ غفر له ما بين الوضوء من قبل". وورد: "من قرأ {إنا أنزلناه} في أثر وضوئه مرة كان من الصدِّيقين، ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء، ومن قرأها ثلاثاً حشره الله مع الأنبياء" اهـ إيعاب. وفي نزهة المجالس حديث: "من قرأها مرة كتب له عبادة خمسين سنة، أو مرتين أعطاه الله ما يعطي الخليل والكليم والحبيب، أو ثلاثاً فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء بلا عتاب ولا عذاب" ويسنّ قراءة الإخلاص لأنه عليه الصلاة والسلام أمر علياً بذلك، ويسنّ عقب الوضوء: اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري. وبارك لي في رزقي اهـ. زاد في الترحيمية للشيخ حسن بن خليل المقدسي: وقنعني بما رزقتني، ولا تفتني بما زويت عني، اهـ من تكملة فتح المعين للشيخ عبد الله باسودان.
(مسألة: ك): تفوت سنة الوضوء بطول الفصل عرفاً كما في التحفة والنهاية، وضابطه بأن يزيد على الذكر المأثور وإنا أنزلناه ثلاثاً بقدر ركعتين خفيفتين، ونقل عن إفتاء السمهودي أن فواتها بالحدث، ويسنّ أن يقرأ في الأولى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ـ إلى ـ رحيماً} وفي الثانية: {ومن يعمل سوءاً ـ إلى ـ رحيماً} اهـ. قلت: ورجح في فتاوى بامخرمة كلام السمهودي، وينبغي أن يستغفر الله ثلاثاً كل ركعة بعد قراءة الآية المذكورة، كما نص عليه في المسالك وغيره.
[فائدة]: في استحباب تجديد الوضوء خمسة أوجه: أصحها بعد أن يصلي بالأول ولو نفلاً، والثاني بعد فرض، والثالث بعدما يطلب له الوضوء، والرابع بعد صلاة أو سجدة أو قراءة في مصحف، والخامس مطلقاً اهـ شرح المهذب، قال ابن حجر: يحرم التجديد قبل أن يصلي صلاة ما إن قصد عبادة مستقلة، وقال (م ر): يكره.
[فائدة]: لا بد للوضوء المسنون من نية معتبرة ولو نية الفرضية إذا لم يرد الحقيقة، ولا تكفي نية الأسباب، لأن القصد هنا رفع الحدث الأصغر، إما لنحو حدثه الأكبر في صورة الجنب، أو لتحصيل حقيقة الطهارة، فيكفر إثمه في نحو التكلم بكلام فيه إثم، أو لرفع حدثه فيما فيه خلاف بنقض الوضوء، أو ليزداد تعظيمه وتأمله في نحو قراءة القرآن والعلم، وبه علم الفرق بينه وبين الغسل المسنون حيث نوي سببه اهـ ش ق.
مسح الخف
[فائدة]: شرع مسح الخف في السنة التاسعة، وثبت عنه قولاً وفعلاً، وعن الحسن: حدثني سبعون صحابياً أنه مسح على الخفين اهـ باجوري.
(مسألة: ك): المعتمد الذي دل عليه كلام ابن حجر و (م ر) وغيرهما اشتراط الطهارة وغيرها من شروط المسح عند اللبس فقط، فلو طرأت نجاسة وزالت قبل المسح ولو بعد الحدث، أو لم تزل ومسح على غير موضعها أو موضعها وهي معفوّ عنها لم يضر، وما أوهمته عبارة التحفة من الضرر فمؤوّل، إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
[فائدة] : ابتداء المدة في الخف من انتهاء الحدث مطلقاً عند ابن حجر والخطيب تبعاً لشيخهما زكريا، وفرق (م ر) بين ما كان بغير اختياره كالخارج فمن انتهائه، أو باختياره كاللمس والنوم فمن ابتدائه كما لو اجتمعا اهـ باسودان.
نواقض الوضوء
(مسألة: ج): ابتلي ببلل يخرج من ذكره، فإن تحقق خروجه من داخله فنجس ينتقض به الوضوء، وإلا فلا نقض ولا تنجس للشك، وأما الدم الخارج من الدبر من علة البواسير أو غيرها، فإن كان من داخل الدبر نقض قطعاً أو من خارجه فلا.
(مسألة): خرجت مقعدة المبسور انتقض وضوؤه، وتصح إمامة المبسور إذ لا تلزمه الإعادة.
[فائدة]: الحاصل في النقض بالخارج من الثقبة أنه إن كان المخرج منفتحاً فلا نقض بالخارج من غيره مطلقاً اتفاقاً، أو منسدّاً نظر، فإن كان خلقياً نقض الخارج مطلقاً حتى من المنافذ كالفم عند ابن حجر، خلافاً لـ(مر) والخطيب فيها أو عارضاً فلا نقض به، إلا إن خرج من تحت السرة اتفاقاً، وتثبت للمنسدّ جميع الأحكام، سواء كان خلقياً أو عارضاً، ولا يثبت للمنفتح إلا النقض بالخارج منه فقط، قاله الشيخ زكريا وابن حجر، ووافقهما (م ر): في العارض، قال: أما في الخلقي فتنقل جميع الأحكام للمنفتح وتسلب عن الأصلي اهـ كردي.
[فائدة]: خروج المني يوجب الغسل ولا ينقض الوضوء، ونظم بعضهم صور خروجه من غير نقض فقال:
نظر وفكر ثم نوم ممكن ** إيلاجه في خرقة هي تقبض
وكذاك في ذكر وفرج بهيمة ** ست أتت في روضة لا تنقض
وكذاك وطء صغيرة أو محرم ** هذي ثمان نقضها لا يعرض
وزيد عليها إخراج المني بنحو فخذه اهـ باجوري.
[فائدة]: العقل الغريزي صفة غريزية يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الحواس، وهو إما وهبي وهو ما عليه مناط التكليف، أو كسبي وهو ما يكسب من تجارب الزمان، وسمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن ارتكاب الفواحش، ولذا يقال: لا عقل لمرتكب الفواحش، والأصح أن مقره القلب، وله شعاع متصل بالدماغ، وهو أفضل من العلم لأنه منبعه وأسه، قاله ابن حجر. وقال (م ر) عكسه لاستلزامه له، ولأن الله تعالى يوصف بالعلم لا بالعقل اهـ باجوري.
[فائدة]: الجنون مرض يزيل الشعور من القلب مع بقاء القوة والحركة في الأعضاء، والإغماء يزيلها مع فتور الأعضاء، والسكر خبل في العقل مع طرب واختلاط نطق، والنوم ريح لطيفة تأتي من الدماغ إلى القلب فتغطي العين، فإن لم تصل إلى القلب فنعاس لا نقض به اهـ جمل.
فائدة أخبر معصوم نائماً غير ممكن بعدم خروج شيء لم ينتقض كما في الإمداد، ولو أخبر من نام ممكناً عدل بخروج ريح أو بلمسها له وجب الأخذ بقوله، كما اعتمده في التحفة والإيعاب، خلافاً لما نقله زي عن (م ر) من النقض في الأولى وعدمه في الثانية، واعتمد بج وجوب الأخذ في الثانية إن كان المخبر معصوماً.
[فائدة]: المس يخالف اللمس في هذا الباب من ثمانية أوجه، إذ اللمس لا يكون إلا من شخصين، وشرطه اختلاف الجنس بذكورة وأنوثة، وأن لا تكون بينهما محرمية، وأن يبلغا حد الشهوة، وأن لا يكون الملموس مباناً إلا إن كان فوق النصف، ويكون بأي عضو كان، وفي أي موضع من البشرة، وينتقض وضوؤهما لا اللامس فقط بخلاف المس في الكل اهـ كردي.
[فائدة]: ليس في الحيوان خنثى غير الآدمي والإبل والبقر، ولو اتضح الخنثى بما يقتضي النقض عمل به، ووجبت الإعادة عليه وعلى من لامسه اهـ ق ل، اهـ جمل.