كتاب كاشفة السجا شرح سفينة النجا للنووي الجاوي الشافعي
محتويات
- فصل النية ثلاث درجات
- فصل شروط الفاتحة عشرة
- فصل تشديدات الفاتحة أربع عشرة
- فصل يسن رفع اليدين في أربعة مواضع
- فصل شروط السجود سبعة
- فصل تشديدات التشهد إحدى وعشرون
- فصل تشديدات أقل الصلاة على النبي أربع
- فصل أقل السلام السلام عليكم
- فصل في أوقات الصلوات المكتوبة خمس
- االعودة إلي كتاب كتاب كاشفة السجا
فصل النية ثلاث درجات
(فصل): فيما يعتبر في النية قال المصنف (النية ثلاث درجات) بتجريد العد من التاء وجوباً لأن المعدود مفرده مؤنث مع كونه مذكوراً بخلاف ما لم يذكر فإنه لا يجب تجريده بل يجوز الإتيان بهما في العدد لكن الأولى عدم الإتيان بها في هذه الحالة كما قاله الباجوري.
[فرع] اعلم أنك إذا أضفت العدد إلى المعدود فإن كان واحداً لمعدود مذكراً أثبت الهاء في آخر العدد، وإن كان مؤنثاً حذفت الهاء منه كما قاله الحريري في شرح ملحة الإعراب عند قوله رضي الله عنه وأرضاه:
فأثبت الهاء مع المذكر ** واحذف مع المؤنث المشتهر
تقول لي خمسة أثواب جدد ** وازمم له تسعاً من النوق وقد
ثم قال الفاكهي في شرحه عليها المسمى بكشف النقاب: واستفيد من تمثيله أن العبرة في التذكير والتأنيث بالمفرد لا بالجمع وهو كذلك ولذلك يقال ثلاثة اصطبلات وثلاثة حمامات بالتاء فيهما ولا يقال ثلاث بتركها خلافاً للكسائي والبغداديين اهـ. وقال ابن مالك في الخلاصة:
ثلاثة بالتاء قل للعشره ** في عد ما آحاده مذكره
في الضد جرد والمميز اجرر ** معاً بلفظ قلة في الأكثر
قوله: ثلاثة بالنصب مفعول مقدم بقل لتضمين قل معنى اذكر لأن القول لا ينصب المفرد إلا إذا كان مؤدياً معنى الجملة بالتاء متعلق بقل وكذا للعشرة واللام بمعنى إلى والغاية داخلة أو بالرفع مبتدأ وبالتاء نعته أي مصحوبة بالتاء وقل خبره والعائد محذوف تقديره قلة، ثم إن مميز الثلاثة وأخواتها لا يكون إلا مجروراً لكن بشروط أربعة: الأول: لا يكون المميز موصوفاً نحو أثواب خمسة. والثاني: أن لا يكون صفة نحو خمسة أثواب فالأحسن في هذا أن يكون عطف بيان لجموده وإنما لم يجب كونه عطف بيان لإمكان تأويل أثواب بمشتق كأن يقول مسماة بأثواب. الثالث: أن لا يكون العدد مضافاً إلى مستحقه نحو خمسة زيد. والرابع: أن لا يراد بها حقائقها نحو ثلاثة نصف ستة، ثم إن كان المميز اسم جنس أو اسم جمع جر بمن نحو فخذ أربعة من الطير ومررت بثلاثة من الرهط، وقد يجر بإضافة العدد نحو: وكان في المدينة تسعة رهط وإن كان غيرهما فبإضافة العدد إليه، وحقه حينئذٍ أن يكون جمعا مكسراً من أبنية القلة التي هي أفعلة وأفعل وأفعال وفعلة، وأما جمعا التصحيح فحكمهما حكم جمع القلة إلا في هذا الموضع فلا يميز بهما العدد، وقد يضاف للمفرد وذلك إن كان مائة نحو ثلاثمائة وسبعمائة، ويضاف لجمع التصحيح في ثلاث مسائل:
إحداها: أن يهمل تكسير الكلمة نحو خمس صلوات. والثانية: أن يجاور ما أهمل تكسيره نحو سبع سنبلات في التنزيل لم يقل سبع سنابل لمجاورته لسبع بقرات. والثانية: أن يقل استعمال غيره نحو ثلاث ساعات فيختار في هاتين الأخيرتين التصحيح ويتعين في الأولى إهمال غيره. ويضاف لبناء الكثرة في مسألتين: إحداهما: أن يهمل بناء القلة نحو ثلاث جوار وأربعة رجال. والثانية: أن يكون له بناء قلة ولكنه شاذ قياساً بأن خالف القواعد أو سماعاً بأن ندر استعماله في لسان العرب فينزل لذلك منزلة المعدوم، فالأول نحو ثلاثة قروء فإن جمع قرء بالفتح على أقرؤ شاذ، والثاني نحو ثلاثة شسوع فإن أشساعاً قليل الاستعمال. قوله شسوع بمعجمة فمهملة جمع شسع بكسر أوله وسكون ثانيه أحد سيور النعل.
ثم بين المصنف مراتب النية الثلاثة بقوله: (إن كانت الصلاة فرضاً) أي ولو فرض كفاية كصلاة الجنازة أو قضاء كالفائتة ومعادة نظراً لأصلها أو نذراً. (وجب) فيه ثلاثة أشياء أحدها: (قصد الفعل) أي نية فعل الصلاة التي استحضرها لتتميز عن سائر الأفعال ولا تجب الإضافة إلى الله تعالى لأن العبادة لا تكون إلا له سبحانه وتعالى لكن تستحب ليتحقق معنى الإخلاص، ويستحب نية استقبال القبلة وعدد الركعات ولو أخطأ في العدد كأن نوى الظهر ثلاثاً أو خمساً لم تنعقد صلاته. (و) ثانيها: (التعيين) أي من ظهر أو غيرها لتتميز عن سائر الصلاة (و) ثالثها: (الفرضية) أي ملاحظة الفرضية وقصدها فيلاحظ ويقصد كون الصلاة فرضاً لتتميز عن النفل فلا تجب الفرضية في صلاة الصبي لأن صلاته تقع نفلاً اتفاقاً بخلاف المعادة ففيها خلاف، وإنما وجبت نية الفرضية على الصبي في صلاة الجنازة لأن صلاته لما كانت لإسقاط الفرض عن المكلفين اعتبر فيها ذلك، ولا بد في المعادة والمنذورة من نية الفرضية ولكن تقوم نية النذرية في المنذورة مقام ذلك. (وإن كانت نافلة مؤقتة كراتبة أو ذات سبب) كاستسقاء (وجب) فيها شيئان أحدهما: (قصد الفعل) أي نية فعل الصلاة (و) ثانيهما (التعيين) فيعين قبلية وبعدية في صلاة الظهر والمغرب والعشاء لأن لكل قبلية وبعدية بخلاف سنة الصبح والعصر وفطر أو أضحى في العيد فلا يكفي سنة عيد فقط وشمساً وقمراً في الكسوف ولا يشترط نية النفلية لأن النفلية ملازمة للنفل بل تسن بخلاف الفرضية فإنها غير ملازمة لنحو الظهر فإنها قد تكون فرضاً وقد لا تكون كذلك كما في صلاة الصبي (وإن كانت نافلة مطلقة) وهي التي لم تقيد بوقت ولا سبب (وجب قصد الفعل فقط) أي فحسب ويحلق بها ذو سبب يغني عنه غيره كتحية وسنة وضوء واستخارة وإحرام وطواف ودخول منزل وخروج منه وغير ذلك، ولا حاجة إلى التعيين لحمله على المطلق فتكون مستثناة مما له سبب.
واعلم أنه يمتنع جمع صلاتين بنية ولو نفلاً مقصوداً، أما غير المقصود كتحية واستخارة وإحرام وطواف وسنة وضوء أو غسل فيجوز جمعها مع نفل أو فرض غيرها بل تحصل ويثاب عليها وإن لم ينوها قاله الشرقاوي.
[تنبيه] قوله فقط الفاء جوابية لشرط محذوف عند الجمهور أو زائدة لازمة عند ابن هشام أو عاطفة عند ابن سيد واختاره ابن كمال والدماميني. وقوله: قط، اسم بمعنى حسب وهو الاكتفاء بالشيء ومن هنا يقال رأيته مرة قط أي فحسب، هكذا في المصباح وهو مبني على السكون مرفوع محلاً مبتدأ خبره محذوف أي فحسبها قصد الفعل أو خبر ومبتدؤه محذوف أي فقصده الفعل حسبها أو اسم من أسماء الأفعال بمعنى يكفي مبني على السكون وتحته ضمير هو راجع إلى قصد الفعل، وفي كلام سعدالدين التفتازاني مجيء قط بمعنى انته فيكون اسم فعل أمر مبيناً على السكون وتحته ضمير أنت وتبعه عصام الدين ولم يرتضه نور الدين في شرح المسالك، قال الروداني: والغالب إذا كان بمعنى حسب البناء على السكون وقد يبنى على الكسر وقد يعرف انتهى. وأما قط التي هي ظرف زمان لاستغراق ما مضى فتختص بالنفي يقال ما فعلت ذلك قط فالمعنى ما فعلته فيما انقطع من عمري أي في الزمان الماضي والعامة تقول: لا أفعله قط وهو لحن أو غلط لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال وبنيت لتضمنها معنى مذ وإلى إذ المعنى: مذ أن خلقت إلى الآن وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات وقد تتبع قافه طاءه في الضم وقد تخفف طاؤه مع ضمها أو إسكانها هكذا بينه ابن هشام في المعنى، ثم مثل المصنف الأشياء التي تجب في النية بقوله: (الفعل) قوله (أصلي) ولو قال: نويت أصلي الظهر الله أكبر نويت، بطلت صلاته لأن قوله نويت بعد التكبيرة كلام أجنبي وقد طرأ بعد انعقاد الصلاة فأبطلها. (والتعيين) قوله (ظهراً أو عصراً) أي مثلاً (والفرضية) قوله (فرضاً).
(فصل): في شروط التحريم (شروط تكبيرة الإحرام ستة عشر) شرطاً بل سبعة عشر إن اختل واحد منها لم تنعقد الصلاة الأول. (أن تقع حالة القيام في الفرض) أي بعد الانتصاب والوصول إلى محل تجزىء فيه القراءة. (و) الثاني (أن تكون بالعربية) أي للقادر عليها. (و) الثالث: (أن تكون بلفظ الجلالة) أي فلا يصح الرحمن أكبر لعدم لفظ الجلالة. (و) الرابع: كونها (بلفظ أكبر) فلا يكفي الله كبير لفوات التعظيم. (و) الخامس: (الترتيب بين اللفظين) فلا يكفي أكبر الله لأن ذلك يخل بالتكبير بخلاف نظيره في السلام فلا يضر فيه تقديم الخبر على المبتدأ لأنه لا يخل بالسلام فإن أتى بلفظ أكبر ثانياً كأن قال: أكبر الله أكبر فإن قصد بلفظ الجلالة الابتداء صح وإلا فلا. (و) السادس: (أن لا يمد همزة الجلالة) فإن مدها فلا تنعقد صلاته لأنه ينقلب من لفظ الخبر الإنشائي إلى الاستفهام أي الاستخبار، ويجوز إسقاطها إذا وصلها بما قبلها نحو: إماماً أو مأموماً الله أكبر لكنه خلاف الأولى بخلاف همزة أكبر إذا وصلها لا يجوز إسقاطها لأنها همزة قطع. (و) السابع. (عدم مد باء أكبر) فلو قال: الله أكبار لم تنعقد صلاته سواء فتح الهمزة أو كسرها، لأن أكبار بفتح الهمزة جمع كبر بفتحتين مثل سبب وأسباب وهو اسم للطبل الكبير له وجه واحد، ويجمع أيضاً على كبار مثل جبل وجبال، وإكبار بكسر الهمزة اسم من أسماء الحيض ولو تعمَّد ذلك كفَر والعياذ بالله تعالى. (و) الثامن: (أن لا يشدد الباء) فلو شدد بأن قال: الله أكبر لم تنعقد صلاته.
(و) التاسع: (أن لا يزيد واواً ساكنة أو متحركة بين الكلمتين) فلو زادها كأن يقول: اللاهو أكبر بسكون الواو و: اللاهو أكبر بحركتها لم تنعقد صلاته. (و) العاشر: (أن لا يزيد واواً قبل الجلالة) فإن زادها بأن يقول: والله أكبر فلا تنعقد صلاته لعدم تقدم ما يعطف عليه بخلاف السلام (و) الحادي عشر: (أن لا يقف بين كلمتي التكبير وقفة طويلة ولا قصيرة) ولا يضر الفصل بينهما بأداة التعريف ولا بوصف لم يطل ك الله الأكبر أو الله الجليل أكبر أو الله الرحمن الرحيم أكبر بخلاف ما لو طال الوصف بأن كان ثلاثاً فأكثر ك الله الجليل العظيم الحليم أكبر، أو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس أكبر، وبخلاف الوصف كالضمير في قوله: الله هو أكبر، أو النداء في قوله: الله يا رحمن أكبر، والمراد بالصفة الصفة المعنوية لا صفة نحوية فتشمل نحو عز وجل فإنهما صفتان في المعنى دون اللفظ لأن عز وجل من قولنا الله عز وجل أكبر حال فيصح ذلك، بخلاف ما لو قال: الله جليل أكبر بتنكير جليل فإنه لا يصح لأنه حينئذٍ ليس صفة، وأما لو قال: جليل الله أكبر فلا يضر لأنه لم يدخل في الصلاة. (و) الثاني عشر (أن يسمع نفسه جميع حروفها) إذا كان صحيح السمع ولا مانع من لغط وغيره وإلا فيرفع صوته قدر الرفع الذي يسمع به لو لم يكن أصم،
ويجب على من طرأ خرسه تحريك لسانه وشفتيه ولهاته بالتكبير وغيره كالتشهد والسلام وسائر الأذكار، أما من خرسه أصلي فلا يجب عليه ذلك. (و) الثالث عشر: (دخول الوقت في المؤقت) سواء كان فرضاً أو نفلاً وكذا ذو السبب. (و) الرابع عشر: (إيقاعها حال الاستقبال) حيث شرطناه. (و) الخامس عشر: (أن لا يخل) أي يفسد (بحرف من حروفها) ويغتفر في حق العامي إبدال همزة أكبر واواً أفاده الشرقاوي وكذا الباجوري ولو لم يجزم الراء من أكبر أفاده الباجوري. (و) السادس عشر: (تأخير تكبيرة المأموم عن تكبيرة الإمام) فلو قارنه في جزء منها لم تصح القدوة ولا تنعقد صلاته، ويشترط لها أيضاً فقد الصارف فإذا كبر المسبوق الذي أدرك الإمام في الركوع واحدة وأوقع جميعها في محل تجزىء فيه القراءة وقصد بها التحرم وحده انعقدت صلاته، وإن قصد بها التحرم والانتقال أو الانتقال وحده أو أحدهما مبهماً أو أطلق أو شك هل قصد التحرم وحده أو لا؟ لم تنعقد، وإذا قصد بها المبلِّغ الإعلام فقط وأطلق ضر، أو الإحرام والإعلام لم يضر.
[فرع] قال الباجوري: ويسن أن لا يقصر التكبير بحيث لا يفهم ولا يمططه بأن يبالغ في مده بل يتوسط. وقال الشبراملسي: ويستحب أن يمد التكبير ويشترط أن لا يمد فوق سبع ألفات وإلا بطلت إن علم وتعمد وتقدر كل ألف بحركتين وهو على التقريب، ويعتبر ذلك بتحريك الأصابع متوالية مقارنة للنطق بالمد.
فصل شروط الفاتحة عشرة
(فصل): في واجبات أم القرآن (شروط الفاتحة عشرة) بل أكثر، الأول: (الترتيب) بأن يأتي بها على نظمها المعروف. (و) الثاني: (الموالاة) بأن لا يأتي بفاصل فإن تخلل ذكر أجنبي غير متعلق بالصلاة ولو قليلاً كحمد عاطس وإن سن خارجها وكإجابة المؤذن قطع الموالاة فيعيد القراءة ولا تبطل صلاته، ومثل ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم وقول لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فيعيد القراءة لقطع الموالاة بذلك، نعم إن وقع ما وقع نسياناً لم يقطعها بل يبني على ما قرأه، ومما يقطع الموالاة تسبيحه لمستأذن عليه. (و) الثالث (مراعاة حروفها) وهي مائة وثمانية وثلاثون بالابتداء بألفات الوصل، وأما إذا عد الشدات حروفاً مع عد ألفي صراط في الموضعين وألفي الضالين وضم ذلك مع المائة والثمانية والثلاثين صارت الجملة مائة وستة وخمسين بإثبات ألف مالك وخمسة وخمسين بحذفها ولو أسقط حرفاً منها لم تصح صلاته.
[فائدة] قيل: عدد حروف الفاتحة غير المكرر اثنان وعشرون حرفاً بعدد السنين التي أنزل فيها القرآن وهو سر بديع، وكذا عدد حروف سورة الناس وأول القرآن ياء البسملة وآخره سين والناس كأنه قال: يس ما فرطنا في الكتاب من شيء، أي ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئاً لم نكتبه.
[تنبيه] أجمع القراء على إسقاط ألف مالك في سورة الناس بخلافه في الفاتحة. (و) الرابع: (مراعاة تشديداتها) قال شيخ الإسلام في فتح الوهاب: لأنها هيئات للحروف المشددة فوجوبها شامل لهيئاتها. (و) الخامس: (أن لا يسكت سكتة طويلة) أي مطلقاً بلا عذر فإن وجد عذر كجهل أو سهو أو نسيان أو إعياء لم يضر. (و) السادس أن (لا) يسكت سكتة (قصيرة يقصد بها) أي بالقصيرة (قطع القراءة) بخلاف ما لو قصد قطع القراءة ولم يسكت فلا تبطل قراءته وفارق ذلك نية قطع الصلاة بأن النية ركن فيها تجب إدامتها حكماً، ولا تمكن الإدامة الحكمية مع نية القطع، وقراءة الفاتحة لا تفتقر إلى نية خاصة فلا تؤثر نية القطع (و) السابع: (قراءة كل آياتها ومنها البسملة) أي عملاً لا اعتقاداً لأنه صلى الله عليه وسلّم عدها آية منها رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه، ويكفي في ثبوتها عملاً أي حكماً الظن كما قال شيخ الإسلام في فتح الوهاب وعدد آيات الفاتحة سبع وأما عدد كلماتها فتسع وعشرون كلمة.
(والثامن: عدم اللحن المخل بالمعنى) قال الشرقاوي: واللحن عند الفقهاء يشمل تغيير الإعراب وإبدال حرف بآخر، وأما عند اللغويين والنحويين فهو تغيير الإعراب والخطأ فيه، والمراد بقوله المخل بالمعنى أن ينقل معنى الكلمة إلى معنى آخر كضم تاء أنعمت وكسرها أو يصيرها لا معنى لها أصلاً كالزين بالزاي، وكذا إشباع الشدة من لام الذين بحيث يتولد منها ألف لأنه يغير المعنى، بخلاف ما ليس كذلك كرفع هاء الحمد لله، وكفتح دال نعبد وكسر بائها ونونها، وكضم صاد الصراط وهمزة اهدنا وكنصب دال الحمد أو جرها لبقاء المعنى في الجميع، وأما لو فتح همزة اهدنا فقد غير المعنى فإنه حينئذٍ صار معنى اهدنا الصراط المستقيم ابعث إلينا إكراماً هدية وعطية وهو الطريق المعتدل أي غير المعوج، وأما معناه بغير الفتح فهو ارشدنا إلى الدين الحق وثبتنا عليه وهو دين الإسلام.
(و) التاسع: (أن تكون) أي القراءة (حالة القيام في الفرض) أي يشترط إيقاعها بكل حروفها في القيام أو بدله. (و) العاشر: (أن يسمع نفسه القراءة) أي إسماعه نفسه جميع حروفها إن كان صحيح السمع ولا لغط. (و) الحادي عشر: (أن لا يتخللها ذكر أجنبي) بخلاف ما إذا تعلق ذكر بمصلحة الصلاة كتأمينه لقراءة إمامه وفتحه عليه ولو في غير الفاتحة، ولا يفتح عليه إلا إذا توقف وسكت فما دام يردد الآية لا يفتح عليه فإن فتح انقطعت القراءة، نعم إن ضاق الوقت فتح عليه ولا تنقطع القراءة حينئذٍ، ولا بد أن يكون الفتح بقصد القراءة ولو مع الفتح فإن قصد الفتح وحده أو أطلق أو قصد واحداً لا بعينه بطلت صلاته فخرج بقراءة إمامه قراءة غيره ولو مأموماً آخر فتنقطع بالتأمين لقراءته والفتح عليه، وكالتأمين سجود التلاوة مع الإمام، وإن سجد مع غيره عامداً عالماً بطلت صلاته، ويشترط أيضاً كونها بالعربية ولا يترجم عنها ولو كان عاجزاً، ومثلها بدلها إن كان قرآناً بخلاف ما لو كان ذكراً أو دعاء فيترجم عنه عند العجز عن العربية، ويشترط أيضاً عدم القراءة بالشاذ المغير للمعنى أيضاً وهو ما وراء القراءة السبعية، ويشترط أيضاً عدم الصارف فلو قصد بها الثناء لم يجزه لوجود الصارف ولا بد أن يقصد القراءة أو يطلق.
فصل تشديدات الفاتحة أربع عشرة
(فصل): في بيان عدد الشدات في الفاتحة ومحالها (تشديدات الفاتحة أربع عشرة) فتشديد (بسم الله فوق اللام) واحد وتشديد (الرحمن فوق الراء) ثان وتشديد (الرحيم فوق الراء) ثالث وتشديد (الحمد لله فوق لام الجلالة) رابع وتشديد (رب العالمين فوق الباء) خامس وتشديد (الرحمن فوق الراء) سادس وتشديد (الرحيم فوق الراء) سابع وتشديد (مالك يوم الدين فوق الدال) ثامن وتشديد (إياك نعبد فوق الياء) تاسع وتشديد (وإياك نستعين فوق الياء) عاشر فلو خفف الياء من إياك لم تصح قراءته فوجب عليه إعادتها، وكذا صلاته إن تعمد وعلم وإن قصد المعنى كفر لأن إياك ضوء الشمس، أما لو شدد المخفف أساء وأجزأه وتشديد (اهدنا الصراط المستقيم فوق الصاد) حادي عشر وتشديد (صراط الذين فوق اللام) ثاني عشر وتشديد (أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فوق الضاد واللام) ثالث عشر ورابع عشر.
فصل يسن رفع اليدين في أربعة مواضع
(فصل): في بيان مواضع رفع اليدين (يسن رفع اليدين في أربعة مواضع) وهو من سنن الهيئات وحكمة رفع اليدين في الصلاة كما قال الشافعي رحمه الله تعالى تعظيمه تعالى حيث جمع بين اعتقاد القلب ونطق اللسان المترجم عنه وعمل الأركان، وقيل الإشارة إلى طرح ما سواه تعالى والإقبال بكليته على صلاته، وقيل: الإشارة إلى رفع الحجاب بين العبد وبين ربه وقيل غير ذلك. أحدها: (عند تكبيرة الإحرام) فيبتدىء الرفع فيها مع ابتداء التكبير وينهيه مع انتهائه. وقال المحلي: ويكبِّر مع حط يديه. وقال الباجوري: فابتداؤهما كذلك فما يقع الآن من الرفع قبل التكبير خلاف السنة وإن فعله كثير من أهل العلم انتهى. والسنة تحصل بأي رفع كان وأكمله أن يرفع كفيه مقابل منكبيه ولا تبطل الصلاة به وإن ضم إليه فعلاً ثالثاً مع التوالي لأن ذلك مطلوب أفاده الشرقاوي.
(و) ثانيها: (عند الركوع) أي عند الهوي للركوع فيبتدىء الرفع فيه مع ابتداء التكبير عند ابتداء الهوي ولا يديمه إلى انتهائه لأنه إذا حاذى كفاه منكبيه انحنى وأرسل يديه، وأما التكبير فيديمه إلى أن يصل حد الراكع لئلا يخلو جزء من صلاته عن ذكر فابتداؤهما معاً دون انتهائهما. (و) ثالثها: (عند الاعتدال) أي الرفع من الركوع للاعتدال ويبتدىء الرفع مع ابتداء رفع رأسه فإذا استوى قائماً أرسلهما إرسالاً خفيفاً تحت صدره. (و) رابعها: (عند القيام من التشهد الأول) للاتباع رواه الشيخان، ولو صلى من قعود استحب له الرفع عند التكبير عقب التشهد الأول فالتعبير بالقيام للغالب، ولا يسن رفع اليدين في غير هذه المواضع الأربعة كالقيام من جلسة الاستراحة ومن السجود، وأما قول الشرقاوي: وبقي القيام من جلسة الاستراحة فيسن الرفع عنده كما نص عليه الشافعي وهو المعتمد فهو ضعيف هكذا قال شيخنا محمد حسب الله، ثم قال: والمعتمد لا يسن انتهى. فإن ترك الرفع فيما أمر به أو فعله فيما لم يؤمر به كره.
[فائدة] قال سليمان الجمل: وعن علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه إن معنى النحر في قوله تعالى: وانحر} ((108) الكوثر:2) أن يرفع يديه في التكبير إلى نحره.
فصل شروط السجود سبعة
(فصل): في واجبات السجود وهو لغة التطامن والميل. (شروط السجود سبعة) بل أكثر، أحدها: (أن يسجد على سبعة أعضاء) لما روي عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم من الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين وأن لا أكف الثياب والشعر" رواه الشيخان. (و) ثانيها: (أن تكون جبهته مكشوفة) إلا لعذر كوجود شعر نابت فيها وعصابة لوجع حيث شق نزعها مشقة شديدة ولا يعيدان وضعها على طهر ولم يكن تحتها نجس غير معفو عنه وإلا أعاد وثقبة فتحت فيها في الانسداد الخلقي فيراعى الستر لأنه آكد ولو يبست جلدة فيها حتى صار لا يحس بما يصيبها صح السجود عليها ولا يكلف إزالتها وإن لم يحصل له من ذلك مشقة. (و) ثالثها: (التحامل برأسه) أي في الجبهة فقط دون بقية الأعضاء وهو أن يصيب ثقل رأسه موضع سجوده. (و) رابعها: (عدم الهوي لغيره) أي أن لا يقصد بالسجود غيره وحده والهوي بضم الهاء وفتحها معناه السقوط من أعلى إلى أسفل وأما بالضم فقط فمعناه الارتفاع كذا في المصباح.
(و) خامسها: (أن لا يسجد على شيء) أي متصل به (يتحرك بحركته) أي في قيامه ولو بالقوة إن صلى قاعد أو سجد على متصل به لا يتحرك بحركته في القعود، وكان بحيث لو صلى من قيام لتحرك بحركته فيضر ذلك، ومن المتصل جزؤه فلا يصح السجود على نحو يده، أما المنفصل ولو حكماً كعود أو منديل بيده فيصح السجود عليه لأنه لا يعد متصلاً في العرف، وكذا طرف عمامته الطويل جداً بحيث لا يتحرك بحركته لأنه في حكم المنفصل (و) سادسها: (ارتفاع أسافله) وهو عجيزته وما حولها (على أعاليه) وهي رأسه ومنكباه إلا إذا كان في سفينة ولم يتمكن منه لنحو ميلها فيصلي على حاله ويعيد لأنه عذر نادر، بخلاف ما لو كان به علة لا يمكن معها السجود فإنه لا إعادة عليه، وكذا الحبلى إذا شق عليها ذلك فتصلي ولا تعيد، وكذا ما لو طال أنفه وصار يمنعه من وضع الجبهة على الأرض مثلاً. (و) سابعها: (الطمأنينة فيه) أي في السجود ويشترط أيضاً أن يضع الأعضاء السبعة في وقت واحد فلو وضع بعضها ثم رفعه ووضع الآخر لم يكف.
(خاتمة. أعضاء السجود سبعة) الأول: (الجبهة) وحدُّها طولاً ما بين الصدغين وعرضاً ما بين منابت شعر الرأس والحاجبين وخرج بالجبهة الجبين وهو جانب الجبهة من الجهتين فلا يكفي وضعه وحده لكن يسن وضع الجبهة. (و) الثاني والثالث: (بطون الكفين) والكف ما ينقض مسه الوضوء فيكفي وضع جزء من الأصابع أو من الراحة دون ما عداهما. (و) الرابع والخامس: (الركبتان) وهي بضم الراء وسكون الكاف مفصل ما بين أطراف الفخذ وأعالي الساق والجمع ركب بضم الراء وفتح الكاف مثل غرفة وغرف. (و) السادس: (بطون أصابع الرجلين) ويكفي وضع جزء من كل واحد من هذه الأعضاء السبعة ولو من أصبع فقط ولو من يد أو رجل نعم الاقتصار على وضع البعض من الأعضاء السبعة مكروه ولو قطع الكف أو بطون الأصابع لم يجب وضع طرف الباقي بل يسن ولو خلق بلا كف أو بلا أصابع قدر له قدرها ووجب عليه وضعه، ويسن كشف الكفين في حق الذكر وغيره وبطون الرجلين في حق الذكر والأمة وأما غيرهما فيجب سترها، ويكره كشف الركبتين للذكر والأمة، ويسن الترتيب في الوضع بأن يضع الركبتين أولاً ثم الكفين ثم الجبهة والأنف معاً، فوضع الأنف معها سنة متأكدة ولا يكفي وضعه وحده لأن المعتبر هو الجبهة، ويسن كونه مكشوفاً فلو خالف الترتيب المذكور أو اقتصر على الجبهة كره مراعاة للقول بوجوب وضع الأنف، وخالف الإمام مالك فقال: يضع يديه ثم ركبتيه.
فصل تشديدات التشهد إحدى وعشرون
(فصل): في عدد الشدات في التشهد ومواضعها (تشديدات التشهد إحدى وعشرون) شدة (خمس في أكمله) وهو ما لا يسن بتركه في الجلوس الأول السجود (وست عشرة في أقله) وهو اللفظ الواجب في الجلوس الآخر وما يسن السجود بتركه في الجلوس الأول فالتشديد في (التحيات) اثنان وهما (على التاء والياء) وتشديد (المباركات الصلوات) واحد وهو (على الصاد) والتشديد في (الطيبات) اثنان وهما (على الطاء والياء) وتشديد (لله) واحد وهو (على لام الجلالة) وتشديد (السلام) واحد وهو (على السين) وتشديدات (عليك أيها النبي) ثلاثة وهي (على الياء) في أيها (والنون والياء) اللذين في النبي وذلك إذا قرىء بالياء، أما إذا قرىء بالهمزة فلا تشديد عليه.
[فائدة] النبي بتشديد الياء من النبوة وهو المكان المرتفع سمي النبي به لأنه مرفوع الرتبة أو رافع رتبة من تبعه أو بالهمزة من النبأ بتحريك الباء وهو الخبر لأنه مخبر أو مخبر عن الله تعالى فهو على كليهما فعيل بمعنى فاعل أو مفعول هذا هو المشهور، لكن الذي يستفاد من المصباح أن النبأ مهموز وهو الخبر والإبدال والإدغام لغة مشهورة وقرىء بهما في السبعة، ولكن صحح الصبان أن يكون المهموز من النبء بسكون الباء وهو الارتفاع يقال: نبأ بالهمزة أي ارتفع، ثم رجح ذلك بكون الساكن مصدراً بخلاف المتحرك وأن يكون المشدد مخففاً من المهموز فيكون من النبأ بفتح الباء أو سكونها، وعلى كون النبي من النبوة يكون واوي اللام وأصله نبيو اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء. وتشديد
(ورحمة الله) واحد وهو (على لام الجلالة) وتشديد (وبركاته السلام) واحد وهو (على السين) وتشديد (علينا وعلى عباد الله) واحد وهو (على لام الجلالة) وتشديد (الصالحين) واحد وهو (على الصاد) والتشديد في (أشهد أن لا إله) واحد وهو (على لام ألف) والتشديد في (إلا الله) اثنان وهما (على لام ألف ولام الجلالة) وتشديد (وأشهد أن) واحد وهو (على النون) وتشديدات (محمداً رسول الله) ثلاثة وهن (على ميم محمد وعلى الراء وعلى لام الجلالة). قوله التحيات، قال عثمان في تحفة الحبيب: هو بفتح التاء وكسر الحاء المهملة جمع تحية وهي ما يحيا به من سلام وغيره، وقيل الملك، وقيل العظمة، وقيل السلامة من الآفات، والقصد بذلك الثناء على الله تعالى بأنه أهل لجميع التحيات من الخلق، وإنما جمعت لأن كل واحد من الملوك كان له تحية معروفة، وقد ورد في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء لما جاوز سدرة المنتهى غشيته سحابة من نور فيها من الألوان ما شاء الله فوقف جبريل ولم يسر معه فقال له النبي: لا تتركني أسير منفرداً فقال جبريل: وما منا إلا له مقام معلوم،
فقال: سر معي ولو خطوة فسار معه خطوة فكاد أن يحترق من النور والجلال والهيبة وصغر وذاب حتى صار قدر العصفور، فأشار إلى النبي بأن يسلم على ربه إذا وصل مكان الخطاب فلما وصل النبي إليه قال: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، فقال الله تعالى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فأحب النبي أن يكون لعباده الصالحين نصيب من هذا المقام فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال جميع أهل السموات والأرض: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وإنما لم يحصل للنبي مثل ما حصل لجبريل من المشقة وعدم الطاقة لأن النبي مراد مطلوب فأعطاه الله قوة واستعداداً لتحمل هذا المقام بخلاف غيره انتهى. قوله: المباركات، الصلوات الطيبات هي على حذف حرف العطف في الثلاثة أي والمباركات أي الناميات وهو الخير الإلهي والصلوات أي الصلوات الخمس أو أعم والطيبات أي الأعمال الصالحات. قوله: السلام، هو من أسمائه تعالى فالمعنى اسم الله عليك وعلينا الحاضرين، والصالح هو المسلم أو القائم بحقوق الله وحقوق العباد، قال الفشني في شرح الأربعين في الحديث الثاني والعشرين: وذكر أن التحيات اسم طير في الجنة على شجرة يقال لها الطيبات بجنب نهر يقال له الصلوات فإذا قال المصلي: التحيات، نزل ذلك الطير عن تلك الشجرة وانغمس في ذلك النهر فكل قطرة وقعت منه خلق الله تعالى منها ملكاً يستغفر للمصلي إلى يوم القيامة.
فصل تشديدات أقل الصلاة على النبي أربع
(فصل): في شدات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم (تشديدات أقل الصلاة على النبي) صلى الله عليه وسلّم (أربع) فالتشديد في (اللهم) اثنان وهما (على اللام والميم) وتشديد (صل) واحد وهو (على اللام) وتشديد (على محمد) واحد وهو (على الميم) ومعناه يا الله أنزل الرحمة المقرونة بالتعظيم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم. قال الشمس الرملي في شرح المنهاج: الأفضل الإتيان بلفظ السيادة لأن فيها الإتيان بما أمرنا وزيادة الأخبار بالواقع الذي هو أدب فهو أفضل من تركه. وقال السحيمي أيضاً: ولا يقال امتثال الأمر أفضل من الأدب لأنا نقول: في الأدب امتثال الأمر وزيادة، والظاهر أن الأفضل ذكره في غير نبينا أيضاً انتهى. وأكمل الصلاة على النبي وأفضلها سواء في الصلاة وخارجها كما نص على ذلك الرملي: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
[تتمة] يسن الدعاء بعد التشهد الأخير بما شاء وأفضله التعوذ من العذاب والفتن لخبر سليم: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال" قال الشبراملسي: ويكره ترك ذلك وهو آكد ما أوجبه بعض العلماء. قال عميرة: قال الأوزاعي في القوت وهو شرح المنهاج هذا متأكد فقد صح الأمر به وأوجبه قوم، وأمر طاوس ابنه بالإعادة لتركه، وينبغي أن يختم به دعاءه بقوله عليه الصلاة والسلام واجعلهن أي التعوذات الأربع آخر ما تقول، انتهى قول الشبراملسي رضي الله تعالى عنه.
فصل أقل السلام السلام عليكم
(فصل): في السلام وهو المسمى بالتحليل أيضاً قال المصنف: (أقل السلام) للتحليل (السلام عليكم) قال الشبراملسي: ولو سكن الميم (تشديد السلام) واحد وهو (على السين) قال صلى الله عليه وسلّم: (مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) رواه أبو داود والترمذي وأكمله: السلام عليكم ورحمة الله ولا تسن وبركاته وتسن تسليمة ثانية للاتباع، ولو اقتصر الإمام على تسليمةٍ سُن للمأموم تسليمتان لأنه خرج عن المتابعة بالأولى بخلاف التشهد الأول لو تركه الإمام لزم المأموم تركه لوجوب المتابعة قبل السلام، ولو سلم الثانية معتقداً أنه سلم الأولى لم يكفه ويسلم الأولى وجوباً ويعيد الثانية ندباً ويسجد للسهو، ويسن عند إتيانه بالمرتين أن يفصل بينهما بسكتة، وقد تحرم الثانية بأن عرض بعد الأولى مناف للصلاة كحدث وخروج وقت جمعة بخلاف وقت غيرها من الصلوات لأنها وإن لم تكن جزءاً من الصلاة فهي من توابعها وملحقاتها، ويسن أن يسرع بالسلام ولايمده وأن يسلم المأموم بعد فراغ الإمام من تسليمتيه ولو قارنه جاز كبقية الأركان إلا تكبيرة الإحرام، لكن المقارنة في ذلك مكروهة مفوتة لفضيلة الجماعة فيما قارن فيه فقط أما المقارنة في تكبيرة الإحرام أو في بعضها فحرام مبطلة للصلاة.
[فرع] ويسن أن يجلس بعد الصلاة ليأتي بالذكر والدعاء الواردين بعد الصلاة لأن ترك ذلك جفوة أي إعراض بين العبد وربه، ولأن الدعاء مستجاب بعد الصلاة، وكان صلى الله عليه وسلّم إذا سلم من الصلاة قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" رواه الشيخان. وقال صلى الله عليه وسلّم: "من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده إلى قوله قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" وكان صلى الله عليه وسلّم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" رواهما مسلم: "وسئل النبي صلى الله عليه وسلّم أي الدعاء أسمع أي أقرب إلى الإجابة؟ قال: جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات".
فصل في أوقات الصلوات المكتوبة خمس
(فصل): في أوقات الصلوات المكتوبة _أوقات الصلاة خمس أول وقت الظهر زوال الشمس) أي عقب وقت زوالها فيما يظهر لنا لا في الواقع فوقت الزوال خارج عن وقت الظهر (وآخره مصير ظل الشيء مثله غير ظل الاستواء) أي غير الظل الموجود عنده. روى الدارقطني عن أبي محذورة حديث: أول الوقت رضوان الله وأوسطه رحمة الله وآخره عفو الله ولها ستة أوقات: الأول وقت فضيلة إن فعل الصلاة فيه يثاب عليه ثواباً أكمل من ثواب فعلها فيما بعده وهو من أول الوقت إلى أن يصير ظل الشيء مثل ربعه تقريباً بأن يشتغل أوله بأسباب الصلاة كأذان وستر عورة، ولا يضر شغل خفيف كأكل لقم بأن يشبع الشبع الشرعي وهو امتلاء ثلث الأمعاء أي المصارين وكلها ثمانية عشر شبراً فيجعل ستة منها للطعام وستة للشراب وستة للنفس دون الشبع العرفي وهو بحيث لا يشتهي الطعام. والثاني وقت اختيار أي وقت يختار إتيان الصلاة فيه بالنسبة لما بعده وهو يتم بعد فراغ وقت الفضيلة إلى أن يصير ظل الشيء مثل نصفه تقريباً.
والثالث وقت جواز بلا كراهة أي وقت يجوز إيقاع الصلاة فيه بلا كراهة وهو يستمر بعد فراغ وقت الفضيلة إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها وليس لها وقت جواز بكراهة، قال الشرقاوي: والمعتمد أن الفضيلة والاختيار والجواز بلا كراهة تشترك في أول الوقت، فإذا مضى وقت الاشتغال بما مر خرج وقت الفضيلة واستمر وقت الاختيار إلى أن يمضي قدر نصف الوقت تقريباً فيخرج ويستمر وقت الجواز فتشترك الثلاثة مبدأ لا غايةً في جميع الصلوات إلا في المغرب فإنها مشتركة مبدأ وغاية، والرابع وقت حرمة أي وقت يحرم التأخير إليه وهو آخر الوقت بحيث يبقى من الوقت ما لا يسع الصلاة وإن وقعت أداء بأن أدرك ركعة في الوقت فهو أداء مع الإثم. والخامس: وقت ضرورة وهو آخر الوقت إذا زالت الموانع، والباقي من الوقت قدر التكبيرة فأكثر فتجب هي وما قبلها إن جمعت معها. والسادس: وقت عذر أي وقت سببه العذر وهو وقت العصر لمن يجمع جمع تأخير، وزاد بعضهم وقت الإدراك أي التبعة ومعناها ما تلزم ويطالب بالظلم وهو الوقت الذي طرأت الموانع بعده بحيث يكون مضى من الوقت ما يسع الصلاة وطهرها فتجب عليه حينئذٍ.
(وأول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله وزاد قليلاً وآخره غروب الشمس) ولها سبعة أوقات، الأول: وقت فضيلة وهو من أول الوقت إلى نصف مثله تقريباً بعد المثل الماضي في وقت الظهر. والثاني: وقت الاختيار فيستمر إلى مصير الظل مثليه غير ظل الاستواء إن كان عنده ظل. والثالث: وقت الجواز بلا كراهة فيستمر إلى اصفرار الشمس. والرابع: وقت الجواز بكراهة فيستمر إلى قريب غروب الشمس بحيث يبقى ما يسع الصلاة. والخامس: وقت الحرمة وهو تأخيرها إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسعها. والسادس: وقت الضرورة وهو آخر الوقت بحيث تزول الموانع والباقي منه قدر التكبيرة فأكثر. والسابع: وقت العذر وهو وقت الظهر لمن يجمع جمع تقديم، وزاد بعضهم وقت الإدراك كما تقدم.
(وأول وقت المغرب غروب الشمس وآخره غروب الشفق الأحمر) ولها سبعة أوقات: وقت فضيلة ووقت اختيار ووقت جواز بلا كراهة وهو بمقدار الاشتغال بصلاتها وما يطلب معها فالثلاثة هنا تدخل معاً وتخرج معاً وبعدها إلى مغيب الشفق جواز بكراهة مراعاة للقول الجديد القائل بأن وقتها يخرج بمقدار الاشتغال بها وما يطلب لها، ووقت حرمة وهو تأخيرها إلى وقت لا يسعها، ووقت ضرورة، ووقت عذر وهو وقت العشاء لمن يجمع جمع تأخير.
(وأول وقت العشاء غروب الشفق الأحمر وآخره طلوع الفجر الصادق) وهو المنتشر ضوؤه معترضاً بالأفق وهو بضمتين نواحي السماء من جهة المشرق، وخرج بالصادق الكاذب وهو يطلع مستطيلاً جهة السماء كذنب السرحان وهو الذئب ثم تعقبه ظلمة غالباً ثم يطلع الفجر الصادق مستطيلاً أي منتشراً ولها سبعة أوقات: وقت فضيلة وهو بمقدار ما يسع الصلاة وما يتعلق بها، ووقت اختيار إلى تمام ثلث الليل الأول، ووقت جواز بلا كراهة إلى الفجر الكاذب، ووقت جواز بكراهة وهو ما بعد الفجر الأول حتى يبقى من الوقت ما يسعها، ثم وقت حرمة إذا لم يسعها، ووقت ضرورة وهو وقت زوال الموانع والباقي قدر التكبيرة فأكثر، ووقت عذر وهو وقت المغرب لمن يجمع جمع تقديم.
(وأول وقت الصبح طلوع الفجر الصادق وآخره طلوع الشمس) ولها ستة أوقات: وقت فضيلة وهو بمقدار ما يسع الصلاة وما يتعلق بها، ووقت اختيار إلى الإضاءة، ووقت جواز بلا كراهة إلى ظهور الحمرة التي قبل طلوع الشمس، ووقت جواز بكراهة عند الحمرة إلى طلوع الشمس، ووقت حرمة، ووقت ضرورة، وليس لها وقت عذر لأنها لا تجمع تقديماً ولا تأخيراً فتحصل بما ذكرناه أن لكل صلاة سبعة أوقات إلا الظهر والصبح.
[تنبيه]: (الأشفاق ثلاثة أحمر وأصفر وأبيض: الأحمر مغرب) أي وجود الشفق الأحمر هو استمرار وقت المغرب. (والأصفر والأبيض عشاء) أي وجودهما هو دخول وقت العشاء، قال الباجوري: ويلزم من عدم غيبوبة الشفق الأحمر عدم غيبوبتهما بل هما غير موجودين. (ويندب تأخير صلاة العشاء إلى أن يغيب الشفق الأصفر والأبيض) خروجاً من خلاف من أوجبه. واعلم أن المواقيت مختلفة باختلاف البلدان ارتفاعاً فقد يكون زوال الشمس لبلد طلوع ببلد آخر وعصراً بآخر ومغرباً بآخر وعشاء بآخر، ذكره في تحفة الحبيب عن المدابغي على التحرير.