كتاب كاشفة السجا شرح سفينة النجا للنووي الجاوي
محتويات
- فصل: في بيان بلوغ المراهق والمعصر
- فصل: في الوضوء
- فروض الوضوء
- فصل: في بيان أحكام النية
- فصل): في الماء الذي لا يدفع النجاسة والذي يدفعها
- االعودة إلي كتاب كتاب كاشفة السجا
فصل: في بيان بلوغ المراهق والمعصر
(فصل): في بيان بلوغ المراهق والمعصر (علامات البلوغ ثلاث) في حق الأنثى واثنان في حق الذكر أحدها (تمام خمس عشرة سنة) قمرية تحديدية باتفاق (في الذكر والأنثى) وابتداؤها من انفصال جميع البدن. (و) ثانيها (الاحتلام) أي الإمناء وإن لم يخرج المني من الذكر كأن أحسب بخروجه فأمسكه وسواء خرج من طريقه المعتاد أو غيره مع الانسداد الأصلي وسواء كان في نوم أو يقظة بجماع أو غيره. (في الذكر والأنثى لتسع سنين) قمرية تحديدية عند البيجوري والشربيني والذي اعتمده ابن حجر وشيخ الإسلام أنها تقريبية، ونقل عبدالكريم عن الرملي أنها تقريبية في الأنثى وتحديدية في الذكر. (و) ثالثها (الحيض في الأنثى لتسع سنين) تقريبية بأن كان نقصها أقل من ستة عشر يوماً ولو بلحظة وأما حبلها فليس بلوغاً بل علامة على بلوغها بالإمناء قبله،
وأما الخنثى فحكمه أنه إن أمنى من ذكره وحاض من فرجه حكم ببلوغه فإن وجد أحدهما أو كلاهما من أحد فرجيه فلا يحكم ببلوغه، وإنما ذكر المصنف أول مسألة في الفقه علامات البلوغ لأن مناط التكليف على البالغ دون الصبي والصبية لكن يجب على سبيل فرض الكفاية على أصلهما الذكور والإناث أن يأمرهما بالصلاة وما تتوقف عليه كوضوء ونحوه بعد استكمالهما سبع سنين إذا ميزا، وحد التمييز هو أن يصيرا بحيث يأكلان وحدهما ويشربان وحدهما ويستنجيان وحدهما، فلا يجب الأمر إذا ميزا قبل السبع بل يسن، وأن يأمرهما أيضاً بشرائع الدين الظاهرة نحو الصوم إذا أطاقا، ولا بد مع صيغة الأمر من التهديد كأن يقول لهما: صليا وإلا ضربتكما، وأن يعلمهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم ولد بمكة وأرسل فيها ومات في المدينة ودفن فيها، ويجب أيضاً أن يضربهما على ترك ذلك ضرباً غير مبرح في أثناء العاشرة بعد كمال التسع لاحتمال البلوغ فيه وللمعلم أيضاً الأمر لا الضرب إلا بإذن الولي، ومثله الزوج في زوجته فله الأمر لا الضرب إلا بإذن الولي، والسواك كالصلاة في الأمر والضرب وحكمة ذلك التمرين على العبادة ليعتادها فلا يتركها إن شاء الله تعالى.
(واعلم) أنه يجب على الآباء والأمهات على سبيل فرض الكفاية تعليم أولادهم الطهارة والصلاة، وسائر الشرائع ومؤنة تعليمهم في أموالهم إن كان لهم مال، فإن لم يكن ففي مال آبائهم فإن لم يكن ففي مال أمهاتهم، فإن لم يكن ففي بيت المال، فإن لم يكن فعلى أغنياء المسلمين.
[فائدة] إذا قيل لك: لم وجب على الصبي غرامة المتلفات، وقد قال العلماء برفع القلم عنه؟ قلت: الأقلام ثلاثة: قلم الثواب وقلم العقاب وقلم المتلفات، فقلم الثواب مكتوب له، وقلم العقاب مرفوع عنه، وقلم المتلفات مكتوب عليه ومنها الدية، وكذلك المجنون والنائم إلا أن قلم الثواب والعقاب مرفوعان عنهما. وأما القصاص والحد فلا يجبان عليهم لعدم التزامهم للأحكام قال صلى الله عليه وسلّم: "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل" أخرجه أبو داود والترمذي، فالمراد بالقلم قلم التكليف دون قلم الضمان لأنه من خطاب الوضع فيجب ضمان المتلفات والدية عليهم من مالهم بخلاف القصاص والحد.
(فصل): في بيان الاستنجاء بالحجر وهو المسمى بالمطهر المخفف وأما الماء فهو المطهر المزيل، ويجب الاستنجاء على الفور عند خشية تنجيس غير محله أو إرادة نحو الصلاة من كل خارج من الفرج نجس يلوث المحل يغسل بالماء أو يمسح بالحجر. (شروط أجزاء الحجر) لمن يقتصر عليه (ثمانية) أحدها (أن يكون بثلاثة أحجار) أو ثلاثة أطراف الحجر ولو حصل الإنقاء بدونها لقوله صلى الله عليه وسلّم: "وليستنج بثلاثة أحجار" فلو لم يحصل إلا بأكثر من الثلاثة وجبت الزيادة عليها، ويسن الإيتار إن حصل الإنقاء بشفع والأفضل في الكيفية أن يبدأ بالأول من مقدم الصفحة اليمنى ويديره قليلاً قليلاً إلى أن يصل إلى الذي بدأ منه ثم الثاني من مقدم الصفحة اليسرى كذلك ثم يمر الثالث على الصفحتين والمسربة جميعاً قال في المصباح: والمسربة بفتح الراء لا غير مجرى الغائط ومخرجه سميت بذلك لانسراب الخارج منها فهي اسم للموضع. (و) ثانيها (أن ينقى المحل) بحيث لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء أو صغار الخزف.
(و) ثالثها (أن لا يجف النجس) لأن الحجر لا يزيله حينئذٍ. وقوله يجف بكسر الجيم من باب ضرب وفي لغة لبني أسد بفتحها من باب تعب فإن جف كله أو بعضه تعين الماء ما لم يخرج بعده خارج آخر ولو من غير جنسه ويصل إلى ما وصل إليه الأول وإلا كفى الاستنجاء بالحجر. (و) رابعها: (لا ينتقل) أي عن المحل الذي أصابه عند الخروج واستقر فيه فإن كان المنتقل متصلاً تعين الماء في الجميع أو منفصلاً تعين في المنتقل فقط، ويشترط أيضاً أن لا يتقطع فإن تقطع بأن خرج قطعاً في محال تعين الماء في المتقطع. وأجزأ الجامد في غيره. (و) خامسها: (لا يطرأ عليه آخر) أي نجس مطلقاً أو طاهر رطب غير العرق، أما هو وكذا الطاهر الجاف كحصاة فلا يضر فإن طرأ عليه نجس سواء كان رطباً أو جافاً أو طاهر رطب ولو من رشاش الخارج تعين الماء لأن مورد النص الخارج والأجني ليس في معناه.
(و) سادسها: (لا يجاوز) الخارج (صفحته) أي جانب دبره في الغائط وهي ما ينضم من الأليين عند القيام (وحشفته) أي رأس ذكره في البول وتسمى أيضاً عند العوام بالبلجة بفتحات، وإن انتشر الخارج حول المخرج فوق عادة الإنسان من غير انتقال وتقطع ومجاوزة ومثلها قدرها من مقطوعها أو فاقدها خلقة فلا تجزىء في حشفة الخنثى ولا في فرجه للشك فيه، ويشترط في الثيب أن لا يصل بولها مدخل الذكر وهو تحت مخرج البول وفي البكر أن لا يجاوز ما يظهر. عند قعودها وإلا تعين الماء كما يتعين في حق الأقلف إن وصل بوله للجلدة.
(و) سابعها: (لا يصيبه ماء) غير مطهر له وإن كان طهوراً أو مائع آخر بعد الاستجمار أو قبله لتنجسهما ويؤخذ من ذلك أنه لو استنجى بحجر مبلول لم يصح استنجاؤه لأنه ببلله يتنجس بنجاسة المحل ثم ينجسه فيتعين الماء. (و) ثامنها: (أن تكون الأحجار طاهرة) فلا يجزىء الاستنجاء بحجر متنجس، واعلم أن كل ما هو مقيس على الحجر الحقيقي وهو ما إذا وجدت القيود الأربعة فيسمى حجراً شرعياً يجوز الاستنجاء به، الأول: أن يكون طاهراً فخرج به النجس كالبعر والمتنجس كالحجر المتنجس. والثاني: أن يكون جامداً فلو استنجى برطب من حجر أو غيره كماء الورد والخل لم يجزئه. والثالث: أن يكون قالعاً للنجاسة منشفاً فلا يجزىء الزجاج والقصب الأملس ولا التراب المتناثر بخلاف التراب الصلب، قال في المصباح: والقصب بفتحتين كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوباً انتهى. فالمراد بالأملس هو الذي فقد كعبه. والرابع: أن يكون غير محترم خرج به المحترم كمطعوم الآدميين كالخبز ومطعوم الجن كالعظم وكالجزء منه كيده ويد غيره وكذنب البعير المنفصل، وأما الجلد فالأظهر أنه إن كان مدبوغاً جاز الاستنجاء به وإلا فلا كما قاله الحصني
(تتمة) وإذا استنجى بالماء سن تقديم قبله على دبره وعسكه في الحجر.
فصل: في الوضوء
(فصل): في الوضوء وهو المسمى بالمطهر الرافع والمعتمد أنه معقول المعنى لأن الصلاة مناجاة الرب تعالى فطلب التنظيف لأجلها، وإنما اختص الرأس بالمسح لستره غالباً فاكتفى فيه بأدنى طهارة، وخصت الأعضاء الأربعة بذلك لأنها محل اكتساب الخطايا أو لأن آدم مشى إلى الشجرة برجليه وتناول منها بيديه وأكل منها بفمه ومس رأسه ورقها. وموجبه الحدث مع القيام إلى الصلاة ونحوها، وقيل القيام فقط، وقيل الحدث فقط بمعنى أنه إذا فعله وقع واجباً سواء أدخل في الصلاة أم لا. والقيام إلى الصلاة شرط في فوريته وانقطاع الحدث شرط في صحته.
فروض الوضوء
(فروض الوضوء) ولو كان الوضوء مندوباً أي أركانه (ستة) وعبر المصنف بالفرض هنا وفي الصلاة بالأركان لأنه لما امتنع تفريق أفعال الصلاة كانت كحقيقة واحدة مركبة من أجزاء فناسب عد أجزائها أركاناً بخلاف الوضوء لأن كل فعل منه كغسل الوجه مستقل بنفسه ويجوز تفريق أفعاله فلا تركيب فيه. (الأول: النية) لقوله صلى الله عليه وسلّم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى" قال الفشني: أي إنما تحسب التكاليف الشرعية البدنية أقوالها وأفعالها الصادرة من المؤمنين إذا كانت بنية وإنما لكل امرىء جزاء ما نواه إن خيراً فخير وإن شراً فشر انتهى. وتكون النية عند غسل أول جزء من الوجه سواء كان ذلك الأول من أعلى الوجه أو وسطه أو أسفله، وإنما وجب قرنها بذلك ليعتد بالمغسول لا ليعتد بها، فلو غسل جزء منه قبلها وجب إعادته بعدها. وكيفيتها كما قال الحصني إن كان المتوضىء سليماً لا علة به أن ينوي أحد ثلاثة أمور: أحدها أن ينوي رفع الحدث أو الطهارة عن الحدث أو الطهارة للصلاة.
الثاني: أن ينوي استباحة الصلاة أو غيرها مما لا يباح إلا بالطهارة. الثالث: أن ينوي فرض الوضوء أو أداء الوضوء أو الوضوء، وإن كان الناوي صبياً أو مجدداً، أما صاحب الضرورة كسلس البول ونحوه فلا تكفيه نية رفع الحدث أو الطهارة عنه لأن وضوءه مبيح لا رافع، وأما المجدد فيمتنع عليه نية الرفع والاستباحة والطهارة عن الحدث، وكذا الطهارة للصلاة كما قاله الشوبري، ولا بد أن يستحضر ذات الوضوء المركبة من الأركان ويقصد فعل ذلك المستحضر كما في الصلاة، نعم لو نوى رفع الحدث كفى وإن لم يستحضر ما ذكر لتضمن رفع الحدث لذلك.
[تنبيه] النية بتشديد الياء من نوى بمعنى قصد والأصل نوية قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء وتخفيفها لغة كما حكاها الأزهري من ونى يني إذا أبطأ لأنه يحتاج في تصحيحها إلى نوع إبطاء أي عدم مبادرة.(الثاني: غسل الوجه) وهو ما بين منابت شعر رأسه وتحت منتهى لحيته وما بين أذنيه، فمنه شعوره كالحاجبين والأهداب والشاربين والعذارين فيجب غسل ظاهر هذه الشعور وباطنها مع البشرة التي تحتها وإن كثفت لأنها من الوجه لا باطن الكثيف الخارج عنه. وأما اللحية والعارضان فإن خفا وجب غسل ظاهرهما وباطنهما مع البشرة التي تحتهما، وإن كثفا وجب غسل ظاهرهما دون باطنهما للمشقة إلا إذا كانا لامرأة وخنثى فيجب إيصال الماء لباطنهما مع بشرتهما لندرة ذلك مع كونه يندب للمرأة إزالتهما، قال السيد المرغني: ويجب غسل جزء من ملاقي الوجه من سائر الجوانب إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكذا يزيد أدنى زيادة في اليدين والرجلين انتهى ليتحقق غسل جميعهما.
[فرع] قال عثمان في تحفة الحبيب: حلق اللحية مكروه وليس حراماً وأخذ ما على الحلقوم قيل مكروه وقيل مباح، ولا بأس بإبقاء السيالين وهما طرفا الشارب وأخذ الشارب بالحلق أو القص مكروه فالسنة أن يحلق منه شيئاً حتى تظهر الشفة وأن يقص منه شيئاً ويبقي منه شيئاً. (الثالث: غسل اليدين مع المرفقين) أو قدرهما عند فقدهما والمعبرة بالمرفقين عند وجودهما ولو في غير محلهما المعتاد حتى لو التصقا بالمنكبين اعتبرا، والمرفقان تثنية مرفق بكسر الميم وفتح الفاء أفصح من العكس وهو مجموع العظام الثلاث عظمتي العضد وإبرة الذراع الداخلة بينهما وهو الذي يظهر عند طي اليد كالإبرة ويجب غسل ما عليهما من شعر وغيره، فإن أبين بعض محل الفرض وجب غسل ما بقي أو من مرفقه وجب غسل رأس عظم عضده أو من فوقه سن غسل باقي عضده محافظة على التحجيل ولئلا يخلو العضو من طهارة.
(الرابع: مسح شيء من الرأس) ولو بعض شعرة أو قدرها من البشرة، وشرط الشعر الممسوح أن لا يخرج عن حد الرأس من جهة نزوله من أي جانب كان لو مده بأن كان متجعداً، ولو غسل رأسه بدل المسح أو ألقى عليه قطرة ولم تسل أو وضع يده التي عليها الماء على رأسه ولم يمرها أجزأه. (الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين) وإن لم يكونا في محلهما المعتاد، واتفق العلماء على أن المراد بالكعبين العظمان البارزان بين الساق والقدم في كل رجل كعبان، وشذت الرافضة قبحهم الله تعالى فقالت في كل رجل كعب وهو العظم الذي في ظهر القدم فإن لم يكن لرجل كعبان اعتبر قدرهما من معتدل الخلقة من غالب أمثاله بالنسبة، ولو قطع بعض قدميه وجب غسل الباقي فإن قطع من فوق الكعب فلا فرض عليه، ويسن غسل الباقي ويجب غسل ما عليهما من شعر وغيره.
(السادس: الترتيب) في أفعاله والستة المذكورة أربعة منها بنص الكتاب وواحد بالسنة وهو النية وواحد بهما وهو الترتيب، ووجه دلالة الكتاب عليه هو كونه تعالى ذكر ممسوحاً بين مغسولات في قوله: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} ((5) المائدة:6) وهو منزل بلغة العرب، والعرب لا ترتكب تفريق المتجانس إلا لفائدة وهي هنا وجوب الترتيب لا ندبه بقرينة قوله صلى الله عليه وسلّم في حجة الوداع لما قالوا: أنبدأ بالصفا أم بالمروة؟ "ابدؤوا بما بدأ الله به" فالعبرة بعموم اللفظ وهو ما من قوله بما بدأ الله به أي ابدؤوا بكل شيء بدأ الله به من أنواع العبادات لا بخصوص السبب الذي هو السعي بين الصفا والمروة. وأما سنن الوضوء فكثيرة منها التسمية والسواك وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء والمضمضة والاستنشاق ومسح جميع الرأس ومسح جميع الأذنين والتيامن والموالاة والدلك والتثليث وأن يقول بعده: أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
فصل: في بيان أحكام النية
(فصل): في بيان أحكام النية وهي سبعة لكن ذكر منها ثلاثة فقال: (النية) أي حقيقتها شرعاً. (قصد الشيء مقترناً بفعله) فإن تراخى الفعل عن ذلك القصد سمي ذلك القصد عزماً لا نية. وأما لغة فهي مطلق القصد سواء قارن الفعل أو لا. (ومحلها القلب والتلفظ بها سنة) ليعاون اللسان القلب، وسمي القلب قلباً لتقلبه في الأمور كلها أو لأنه وضع في الجسد مقلوباً كقمع السكر وهو لحم صنوبري الشكل أي شكله على شكل الصنوبر قاعدته في وسط الصدر ورأسه إلى الجانب الأيسر (ووقتها) في الوضوء (عند غسل أول جزء من الوجه) هكذا عبارة بعضهم بتقديم لفظ غسل على لفظ أول وهو مرضى الشرقاوي نظراً إلى أن الواجب مقارنتها للفعل، وعبارة بعضهم بالعكس وهو مرضى البيجوري نظراً إلى أن المعتبر قرنها بأول الغسل، قال البيجوري: ومما يعتبر قرن النية به ما يجب غسله من شعوره ولو الشعر المسترسل لا ما يندب غسله كباطن لحية كثيفة ولو قص الشعر الذي نوى معه لم تجب النية عند الشعر الباقي أو غيره من باقي أجزاء الوجه ولا يكتفي بقرن النية بما قبل الوجه من غسل الكفين والمضمضة أو الاستنشاق إن لم ينغسل معها جزء من الوجه كحمرة الشفتين وإلا كفته مطلقاً وفاته ثواب السنة مطلقاً انتهى. ووقتها في غيره أول العبادات إلا في الصوم فإنها متقدمة عليه لعسر مراقبة الفجر، والصحيح أنه عزم قام مقام النية.
وأما حكمها فهو الوجوب غالباً، ومن غير الغالب قد تندب كما في غسل الميت وكيفيتها تختلف باختلاف المنوي كالصلاة والصوم وهكذا. وشرطها إسلام الناوي وتمييزه وعلمه بالمنوي وعدم إتيانه بما ينافيها بأن يستصحبها في القلب حكماً وأن لا تكون معلقة فإن قال: إن شاء الله تعالى فإن قصد التعليق أو أطلق لم تصح أو التبرك صحت والمقصود بها تمييز العبادة عن العادة كتمييز الجلوس للاعتكاف عن جلوسه للاستراحة أو تمييز رتبتها كتمييز الغسل الواجب من الغسل المندوب. وقد نظم تلك الأحكام السبعة بعضهم قيل هو ابن حجر العسقلاني وقيل التتائي من بحر الرجز في قوله:
سبع شرائط أتت في ني ** تكفي لمن حوى لها بلا وسن
حقيقة حكم محل وزمن ** كيفية شرط ومقصود حسن
قوله: شرائط بالصرف للضرورة. وقوله: وسن بفتحتين معناه نعاس وهو تتميم للبيت، وكذا قوله حسن وفيه إشارة إلى أنه يحسن أن يقصد الإخلاص في العبادة.
[تنبيه] في الترتيب قال: (والترتيب أن لا يقدم عضواً على عضو) بضم العين أشهر من كسرها وهو كل عظم وافر من الجسد أي حقيقة الترتيب وضع كل شيء في مرتبته قال الحصني: وفرضيته مستفادة من الآية إذا قلنا الواو للترتيب وإلا فمن فعله، وقوله صلى الله عليه وسلّم إذ لم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه توضأ إلا مرتباً، ولأنه عليه الصلاة والسلام قال بعد أن توضأ مرتباً: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به أي بمثله" رواه البخاري.
فصل): في الماء الذي لا يدفع النجاسة والذي يدفعها
(فصل): في الماء الذي لا يدفع النجاسة والذي يدفعها قال: (الماء) في قانون الشرع قسمان (قليل وكثير، القليل ما دون القلتين) بأن نقص منهما أكثر من رطلين (والكثير قلتان فأكثر) من محض الماء يقيناً ولو مستعملاً وقدرهما بالوزن خمسمائة رطل بالبغدادي التي هي أربعة وستون ألف درهم ومائتان وخمسة وثمانون درهماً وخمسة أسباع درهم إذ كل رطل بغدادي مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم، وبالمكي أربعمائة رطلٍ واثنا عشر رطلاً وثلاثة عشر درهماً وخمسة أسباع درهم، على أن الرطل مائة وستة وخمسون درهماً، أفاد ذلك العلامة محمد صالح الرئيس، وبالطائفي ثلاثمائة وسبعة وعشرون رطلاً وثلثا رطل إذ كل رطل طائفي مائة وستة وتسعون درهماً نبه على ذلك عبد الله المرغني في مفتاح فلاح المبتدي، وبالمصري أربعمائة رطل وستة وأربعون رطلاً وثلاثة أسباع رطل، وبالدمشقي مائة وسبعة أرطال وسبع رطل وقدرهما بالمساحة في المربع ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً بذراع الآدمي وهو شبران تقريباً، وفي المدور ذراعان عمقاً بذراع الحديد وذراع عرضاً بذراع الآدمي فكان ذلك بذراع اليد ذراعاً عرضاً وذراعين ونصفاً عمقاً لأن ذراع الحديد بذراع الآدمي ذراع وربع وفي المثلث وهو ماله ثلاثة أبعاد متساوية ذراع ونصف طولاً وعرضاً وذراعان عمقاً بذراع الآدمي، فالعرض هو ما كان بين الركنين والطول هو الركنان الآخران.
(القليل) حكمه (يتنجس بوقوع النجاسة) المنجسة يقيناً (فيه وإن لم يتغير) لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلّم: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً" وفي رواية نجساً إذ مفهومه أن ما دونها يحمل الخبث، وخرج بالنجاسة المنجسة النجس المعفو عنه كميتة لا دم لها سائل، ونجس لا يدركه طرف معتدل حيث لم يحصل بفعله ولو من مغلظ، كما إذا عف الذباب على نجس رطب ثم وقع في ماء قليل أو مائع فإنه لا ينجس مع أنه علق في رجله نجاسة لا يدركها الطرف وما على منفذ حيوان طاهر غير آدمي وروث سمك لم يغير الماء ولم يضعه فيه عبثاً وما يماسه العسل من الكوارة التي تجعل من روث نحو البقر وجرة البعير وألحق به فم ما يجتر من ولد البقر والضأن إذا التقم أخلاف أمه، وفم صبي تنجس ثم غاب واحتمل طهارته كفم الهرة فإنه لا ينجس الماء القليل وذرق الطيور في الماء وإن لم يكن من طيوره وبعر فأرة عم الابتلاء به، وبعر شاة وقع في اللبن حال الحلب وما يبقى في نحو الكرش مما يشق تنقيته،
والقليل من دخان النجاسة ولو من مغلظ وهو المتصاعد منها بواسطة نار، واليسير من الشعر المنفصل من غير مأكول غير مغلظ، والكثير منه من مركوب والقصاص والدم الباقي على اللحم والعظم الذي لم يختلط بشيء كما لو ذبحت شاة وقطع لحمها وبقي عليه أثر الدم بخلاف ما لو اختلط بغيره كما يفعل في البقر التي تذبح في المحل المعد لذبحها الآن من صب الماء عليها لإزالة الدم عنها فإن الباقي من الدم على اللحم بعد صب الماء لا يعفى عنه وإن قل لاختلاطه بأجنبي فليتنبه له، والضابط في جميع ذلك أن العفو منوط بما يشق الاحتراز عنه غالباً، والمعتمد أنه لا يعفى عن دم البراغيث والقمل ونحوه بالنسبة للمائع والماء القليل وإن قل الدم دون الماء الكثير ولو قتل قملاً أو براغيث بين أصابعه، فإن كان الدم الحاصل كثيراً لم يعف عنه أو قليلاً عفي عنه على الأصح، هذا وخرج بدخان النجاسة بخارها وهو المتصاعد منها لا بواسطة نار فهو طاهر، ومنه الريح الخارج من الكنف أو من الدبر فهو طاهر، فلو ملأ منه قربة وحملها على ظهره وصلى بها صحت صلاته.
(والماء الكثير لا يتنجس) بملاقاته النجاسة (إلا إذا تغير طعمه) وحده (أو لونه) وحده (أو ريحه) وحده أي عقب ملاقاته النجاسة فلو تغير بعد مدة لم يحكم بنجاسته ما لم يعلم بقول أهل الخبرة نسبة تغيره إليها وخرج بالملاقاة ما لو تغير بريح النجاسة التي على الشط لقربها منه فإنه لا ينجس لعدم الاتصال بل لمجرد استرواح، والمراد بالمتغير كل الماء، أما إذا غيرت النجاسة بعضه دون باقيه وكان هذا الباقي قلتين فإنه لا ينجس بل النجس هو المتغير فقط ولا يجب التباعد فيه عن النجاسة بقدر قلتين بل يجوز الاغتراف من جانبها، ولا فرق في التغير بالنجس بين الكثير واليسير ولا بين كونه بالمخالط أو المجاور ولا بين المستغنى عنه وغيره، ولا بين الميتة التي لا يسيل دمها وغيرها لغلظ أمر النجاسة ولو كان التغير تقديرياً بأن وقع في الماء نجس يوافقه في صفاته كالبول المنقطع الرائحة واللون والطعم فيقدر مخالفاً أشد الطعم طعم الخل واللون لون الحبر والريح ريح المسك، فلو كان الواقع قدر رطل من البول المذكور فنقول: لو كان الواقع قدر رطل من الخل هل يغير طعم الماء أو لا؟
فإن قال أهل الخبرة يغيره حكمنا بنجاسته، وإن قالوا لا يغيره نقول: لو كان الواقع قدر رطل من الحبر هل يغير لون الماء أم لا؟ فإن قالوا يغيره حكمنا بنجاسته وإن قالوا لا يغيره نقول: لو كان الواقع قدر رطل من المسك هل يغير ريحه أو لا؟ فإن قالوا يغيره حكمنا بنجاسته، وإن قالوا لا يغيره حكمنا بطهارته، هذا إذا كان الواقع فقدت فيه الأوصاف الثلاثة، فإن فقد بعضها حال وقوعه ولم يغير فيفرض المفقود فقط لأن الموجود إذا لم يغير فلا معنى لفرضه، وأما المتغير كثيراً يقيناً بشيء مخالط بأن لم يمكن فصله أو لم يتميز في رأي العين طاهر مستغنى عنه بأن سهل صونه عنه وليس تراباً وملح ماء طرحا فيه تغيراً يمنع إطلاق اسم الماء عليه فهو غير مطهر ولو كان الماء قلتين ما لم يكن الخليط ماء مستعملاً، ولو كان التغير تقديرياً بأن اختلط بالماء ما يوافقه في صفاته كماء الورد المنقطع الرائحة والطعم واللون فيقدر مخالفاً وسطاً بين أعلى الصفات وأدناها الطعم طعم الرمان واللون لون العصير والريح ريح اللاذن بفتح الذال المعجمة وهو اللبان الذكر كما هو المشهور،
وقيل هي رطوبة تعلو شعر المعز وقشرها أي أنا نعرض عليه مغير اللون مثلاً فإن حكم أهل الخبرة بتغيره سلبنا الطهورية وإلا عرضنا مغير الطعم ثم مغير الريح كذلك، فلا يعرض عليه الثاني إلا إذا لم يحكم بالتغيير بالأول ولا الثالث إلا إذا لم يحكم بالتغير بالثاني، وخرج مما ذكر التغير اليسير والشك في كثرة التغير والتغير بالمجاور وهو ما يتميز في رأي العين أو ما يمكن فصله كدهن وعود ولو مطيبين أو بغير مستغنى عنه سواء كان خلقياً في الأرض كطين وإن منع الاسم أو مصنوعاً فيها كذلك بحيث يشبه الخلقي كالفساقي المعمولة بالجير وكالقرب المدبوغة بالقطران ولو مخالطاً ولو كثيراً لأنه وضع لإصلاحها فإن الماء في هذه الصور كلها مطهر والقطران بفتح القاف مع كسر الطاء وسكونها وبكسرها مع سكون الطاء دهن شجر يطلى به الإبل للجرب ويسرج به، بخلاف ما لو وضع لإصلاح الماء فإنه غير مطهر لاستغناء الماء عنه، ومما لا يستغني الماء عنه غير الممرية والمقرية ما يقع من الأوساخ المنفصلة من أرجل الناس من غسلها في الفساقي والمنفصلة من بدن المنغمس فإنها لا تسلب الطهورية نبه على ذلك السويفي، وخرج أيضاً التغير بتراب وملح ماء طرحا فيه ولو كان التغير بهما كثيراً وبمكثه لأنه لم يخالطه شيء فإن الماء في هذا مطهر، وكذا لو تغير بانضمام ماء مستعمل إليه فبلغ به قلتين فيصير مطهراً وإن أثر في الماء بفرضه مخالفاً وسطاً.
واعلم أن التقدير المذكور مندوب لا واجب، فلو هجم شخص واستعمل الماء أجزأ ذلك إذ غاية الأمر أنه شاك في التغير المضر والأصل عدمه.
(اعلم) أن الماء الجاري كالراكد فيما مر، لكن العبرة في الجاري بالجرية نفسها لا مجموع الماء، فإن الجريات متفاصلة حكماً وإن اتصلت في الحس لأن كل جرية طالبة لما قبلها هاربة عما بعدها، فإن كانت الجرية وهي الدفعة التي بين حافتي النهر في العرض دون القلتين تنجس بملاقاة النجاسة سواء تغير أم لا ويكون محل تلك الجرية من النهر نجساً ويطهر بالجرية بعدها، ويكون في حكم غسالة النجاسة حتى لو كانت مغلظة فلا بد من سبع جريات عليها ومن الترتيب أيضاً في غير الأرض الترابية، هذا في نجاسة تجري في الماء، فإن كانت جامدة واقفة فذلك المحل نجس وكل جرية تمر بها نجسة إلى أن يجتمع قلتان منه في موضع كفسقية مثلاً فحينئذٍ هو طهور إذا لم يتغير بها. ويلغز به فيقال لنا ماء ألف قلة غير متغير وهو نجس أي لأنه ما دام لم يجتمع فهو نجس وإن طال محل جري الماء، والفرض أن كل جرية أقل من قلتين، وأما الذي لم يمر عليها وهو الذي فوقها فهو باق على طهوريته.
[مسألة] لنا جماعة يلزمهم تحصيل بولهم لطهرهم وذلك فيما لو كان عندهم ماء قلتان فأكثر ولا يكفيهم لطهرهم ولو كمل ببول وقدر مخالفاً أشد. لم يغيره فيلزمهم خلطه واستعمال جميعه وإنما احتيج للتقدير مع عدم تغيره حساً لإمكان تغيره تقديراً وهو مضر أيضاً.