كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي
محتويات
العتق والتدبير
(مسألة): إذا أعتق السيد عبده، أو مات سيد أم الولد أو المدبر، أو جددت الصفة في المعلق عتقه بها، أو أدى المكاتب النجوم صار كل ممن ذكر حرًّا تجري عليه أحكام الأحرار، ويتولى ما يتولاه الأحرار من الولايات والشهادات وغيرهما، وولاؤه لمن حصل منه نحو العتق، كما لو كانت أمة حرة أصلية أو عتيقة أو غرّ حر أو عبد بحرية أمة فتزوّجها، فينعقد الولد حراً في الثلاث لكن لا ولاء على الأخيرين.
(مسألة: ب): أعتق عبده الآبق ليأسه من رجوعه أو لتسقط عنه فطرته، أثيب عليه لكن دون ثواب غيره.
(مسألة: ب): قال لأمته وبناتها: أنتنّ حرائر وعليكن خدمة البيت حتى يتزوّجن بناتي نفذ العتق مطلقاً، وأما الخدمة فإن أراد بذلك إلزامهن بها بمعنى أعتقكن على خدمة البيت وصدقنه أو بعضهن في قصده رجع هو ووارثه بقيمة المصدقة منهن عليها لاقتران عتقه بعوض فاسد وهو الخدمة للجهل بمدتها فيرجع للقيمة اهـ. وفي أخرى له: لو قال عبدي معتوق وعليه قوت ولدي حتى يبلغ، فإن قبل العبد فوراً عتق ولزمه قيمته لأنه علقه بعوض مجهول، كما لو أعتقه على أن يخدمه أو يخدم ولده.
(مسألة): مرضت امرأة ولها عبيد فقالت: مرادي عتق العبد ثم برئت، وإذا سئلت عن العبيد تقول: بغيت أعتقهم بعد مغوية عيني، وربما قالت: قد هم معتقون، فهذه الألفاظ تقتضي عتقهم بعد الموت، فيكون كناية كما قاله أبو مخرمة فيمن قال: آبى لفلان كذا أنه كناية وصية، فإن علمت نيتها وإلا صدق الوارث بيمينه أنه لا يعلمه، نعم قولها قد هم معتقون إقرار، فيحتمل أنها نجزت عتقهم، وأنها أرادت التدبير فتصدق فيما أرادته، ويظهر تصديق وارثها أيضاً للقرينة وهو جهلها بالمعنى، وإذا ثبت المنجز كان من رأس المال وإلا فمن الثلث.
(مسألة: ب): وهبت امرأة لبنتها أمة، ثم ماتت البنت فصارت الأمة المذكورة بالقسمة لابنها، ثم ماتت الجدة فأظهرت الأمة كتاب عتق من الجدة عند موتها وعليه شاب القاضي، فقال رجل للابن: ما قولك إن جدتك أعتقت هذه الأمة؟ فأجابه بقوله: لا أغير ما فعلته جدتي، فعتق الجدة المذكورة لا يدل إذ هي فضولية، وقول الابن لا أغير ما فعلته جدتي ليس إقرار بعتق الأمة، فلا تصير به عتيقة بل ولا كناية فيه لبعده عنها، إذ الكناية كل لفظ يصلح لتخلية الرقيق بنية المعتق، كألفاظ الطلاق والإبراء وكياسيدي، وغاية هذا أن ينوي بلا أغير الخ أي من العتق إن صح شرعاً وقد علمت عدم صحته، بل لو تلفظ بصريح العتق على ظن صحة عتق الجدة لم يؤاخذ به.
(مسألة: ب): مريض قال لعبده: إن بلغن بناتي وتزوّجن فأنت حرّ بعد ذلك، والحال أن العبد رأس ماله، فإن علم له لفظ أو نية بإرادة تعليق العتق ببلوغ البنات وتزويجهنّ، سواء وجدا في حياة المعتق أم لا كان تعليقاً بصفة معلقة، والذي أفتى به أو قضام آخراً ونقل عن الإمام بحرق صحة الوصية عملاً بإرادته، وعليه فينفذ العتق بعد بلوغ البنات وتزويجهن في ثلث العبد إن لم تجز الورثة بشرطه، وإن لم يعلم لفظ ولا نية بذلك فاستقرب أبو قضام الصحة أيضاً، ويؤيده قاعدة إعمال كلام المكلف أولى من إهماله، ولتشوّف الشارع للعتق، وكلام التحفة كالمضطرب وبتأمله يميل إلى الصحة، وأما إذا علم له لفظ أو نية بإرادة تعليق العتق بموته بشرط بلوغ البنات وتزويجهن، أي إذا بلغن بناتي وتزوّجن فأنت حر بعد موتي فلا يعتق إلا إن وجد ما ذكر قبل الموت، كما لو قال لعبده: إذا قرأت القرآن ومت فأنت حرّ، فلا بد من قراءة كل القرآن قبل موت السيد وإلا فلا عتق.
(مسألة: ك): قال: عبدي مخير إن أراد العتق أو أراد الرق، فأراد العبد العتق، فالذي يظهر أنه يعتق بإرادته ذلك من الثلث، لأن الراجح صحة تعليق الوصية بشرط في الحياة أو بعد الموت، كأوصيت له بكذا إن تزوّج بنتي، أو إن رجع من سفره، أو إن شاء زيد.
(مسألة): أعتق شريك حصته في مشترك سرى إلى باقيه وعتق كله إن أيسر به ولو مديناً، كما لو أعتق جزء عبده فيسري إلى باقيه، نعم لو وكل بإعتاق العبد كله فأعتق الوكيل جزءاً شائعاً لا معيناً عتق ذلك الجزء فقط اهـ شرح المنهج. قال بج: ولضعف تصرف الوكيل لكونه غير مالك لم يقو على السراية، وهذا إذا كان الوكيل أجنبياً، فإن كان شريكاً عتق ما أعتقه عن موكله وسرى عليه الباقي اهـ ومثله التحفة.
(مسألة): دبر بعض عبده أو ما يملكه من المشترك عتق بموته ولم يسر إلى الباقي وإن خلف تركة لأنه الآن معسر، وقد انتقلت التركة إلى الورثة، ثم إن كان الجزء المدبّر معيناً كنصفه عتق، أو مبهماً كبعضه عينه الوارث، وإن دبر نحو يده لم يصح، نعم لو قال: إن مت فيدك حرة، فمات عتق كله، لأن هذا شبه العتق المنجز من حيث لزومه بالموت.
(مسألة): قال لعبده: إذا مت أو إذا دخلت الدار أو مت فأنت حر، صار مدبراً في الصورتين، يعتق بعد موته من الثلث بشرط أن يدخل قبل الموت، وإن قال: إذا مت ثم دخلت الدار أو مضى شهر فأنت حر، أو علقه بصفة أخرى فليس بتدبير، بل تعليق عتق بصفة فقط، فحينئذ يعتق من رأس المال إن جمل التعليق في الصحة، ولو قالا لعبدهما: إذا متنا فأنت حر فلا يعتق إلا بموتهما، ثم إن ماتا معاً فهو مدبر، وإن تربى فنصيب المتقدم معلق بصفة، ونصيب المتأخر مدبر للقاعدة، أن من علق عتقه بموت سيده أو به وبصفة قبله له حكم المدبر، ومتى علق به وبصفة بعده له حكم المعلق عتقه بصفة، وللوارث كسب العبد بعد الموت، وقبل وجود الصفة من الدخول ومضي أشهر وموت الشريك لكن ليس له التصرف فيه، وكذا الوصي على المعتمد، قاله في الإقناع وحواشيه ونحوه في التحفة.
(مسألة): أعتقت امرأة جارية وأولادها، كان ولاؤهم وإن سفلوا للمعتقة ثم عصبتها الذكور، فيقدم الابن ثم ابنه ثم الأب إلى آخر العصبات، نعم يؤخر الجد هنا عن الأخ وابن الأخ، فإن فقدوا فمعتق أبي الجارية فعصبته ثم معتق جدها ثم أمها كذلك.
(مسألة: ي): لا ولاء للسيد على أولاد عبده المحكوم بحريتهم، ثم إن كانوا من حرة الأصل فلا ولاء عليهم لأحد، أو من عتيقة فولاؤهم من إرث ونكاح لموالي الأم بشرط أن يمس أباهم الرق وأن لا يمسهم الرق، هذا إن لم يعتق الأب بعد، وإلا انجرّ الولاء أي انتقل لمعتقه ولم يعد لموالي الأم أبداً.
أمهات الأولاد
(مسألة: ك): مات السيد فادعت أمته أنها حامل منه، فإن كانت فراشاً بأن ثبت وطؤه لها أو دخول مائه المحترم بإقراره أو بينتة، وولدت لدون أربع سنين من وطئه تبين عتقها بموته، فتملك أكسابها من حينئذ وخرج بذلك مجرد ملكه لها، فلا يلحق به ولد إجماعاً وإن خلا بها وأمكن كونه منه.
(مسألة): من وطىء أمته ولو حراماً لكونها مزوجة مثلاً، فأتت بولد ولو متخططاً صارت أم ولد وعتقت بموته كأولادها الحادثين بعد الاستيلاد من غير السيد، وإن كان أبوهم رقيقاً، ولا ينقطع نكاح الأمة بوطء سيدها، نعم يحرم على الزوج وطؤها ما دامت حاملاً، ويأثم السيد بوطئه الأمة المزوّجة بل يعزر كهي إن لم تعذر، وطريق خلاص الأمة من زوجها الرقيق أن يعتقها السيد ثم تفسخ النكاح حالاً بعد علمها.
(مسألة: ج): وطىء أمته ثم زوجها فولدت بنتاً وزعمت أنها من السيد، لم تتوجه عليه دعوى إلا إن ولدت لدون ستة أشهر من إمكان الاجتماع بالزوج، وحينئذ فإن أقر بالوطء وعدم الاستبراء لحقته وثبتت أمية الولد، وإن أنكر الوطء أو ادعى الاستبراء بعده صدق بيمينه وصار الولد رقيقاً مجهول النسب، أما لو ولدته لأكثر من ستة أشهر ودون أربع سنين من إمكان الاجتماع بعد العقد فيلحق الزوج مطلقاً، ولم يحل نفيه بعد أن وطئها إلا إن علم زناها فيجوز بطريق اللعان بشرطه، وأما إقرارها بالولد من السيد فلا يترتب عليه حكم لتهمتها في دعواها أمية الولد اهـ. وعبارة ي: وطىء أمته المزوجة أثم إثماً عظيماً وعزر، ثم لو ولدت بعد وطئها فإن أمكن كونه من السيد وحده لحقه، أو من الزوج وحده فكذلك، كما لو أمكن كونه منهما، نعم إن ثبت وطء السيد لها ببينة، أو بتصديق الولد بعد تكليفه، أو بتصادق السيد والزوجين عرض على القائف ولحق بمن ألحقه به، وحيث لحق السيد فهو نسيب والأمة أم ولد، أو لم يلحقه عتق الولد وصارت أمه أم ولد أيضاً مؤاخذة له بإقراره.
(مسألة: ي): وطء الأمة المشتركة من الكبائر، لكن لا حد به في الأظهر، بل يعزر ويثبت به الاستيلاد في نصيب الواطىء، كنسب الولد وحريته وحصول السراية فيه، حتى في نصيب الشريك فيلزمه قيمته حال العلوق، وإن كان موسراً وإلا ثبتت الثلاثة في نصيبه فقط، نعم يلزمه حصة شريكه من المهر مطلقاً، فلو وطىء مشتركة أخرى أخت هذه الأمة قبل خروج الأولى عن ملكه ثبت ما ذكر، غير أنه زاد معصية أخرى بجمعه بين أختين في الوطء اهـ. قلت: يتأمل هذا الكلام لعل فيه نقصاً أو غلطاً من الناسخ، فإن فيه بعض مخالفة لكلامهم الذي نص عليه في المنهاج والإرشاد وشروحهما والعباب وغيرها، أن من أولد أمة له فيها شرك وإن قل سرى إيلاده إلى نصيب شريكه إن كان موسراً، ويغرم حصة الشريك من القيمة ومهر المثل لا قيمة الولد، فإن كان موسراً فعكسه أي فتلزمه حصة الشريك من قيمة الولد والمهر، وتصير مستولدة في حصته فقط، وينعقد الولد حراً في الصورتين كما في العباد، والفرق بين الإيلاد حيث يسري في الولد ولو من المعسر، وبين عتق الشريك حيث لا يسري إلا إن أيسر بحصة شريكه قوة الشبهة.
[فائدة]: قال في النهاية: ولو أجر السيد أم الولد مدة ثم مات في أثناء المدة عتقت وانفسخت الإجارة كالمعلق عتقه والمدبر، بخلاف ما لو أجر عبده ثم أعتقه، فإن الأصح عدم الانفساخ، والفرق تقدم سبب العتق بالموت أو الصفة على الإجارة بخلاف الإعتاق، ولهذا لو سبق نحو الاستئجار الاستيلاد ثم مات السيد لم ينفسخ لتقدم سبب استحقاق المنفعة على سبب العتق اهـ حاشية الجمل.