كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي
محتويات
الخلع
(مسألة): ادعى الطلاق الثلاق بعوض فأنكرت العوض، حلِّفت ووقعت الثلاث مؤاخذة بإقراره ولا مال لأن الأصل عدمه، نعم إن أقام بينة ولو شاهداً ويميناً ثبت المال.
الصيغة
(مسألة): تعليق الطلاق بالإعطاء والنذر والضمان ونحو الإبراء الإقباض إن قصد به التمليك، فإن كان بنحو متى أو أيّ وقت أو مهما فهو على التراخي متى وجد المعلق عليه طلقت، أو بإن وإذا فعلى الفور، هذا إن لم تدخل عليها لم، وإلا فالجميع على الفور إلا إن فعلى التراخي.
(مسألة: ب): قال لها: أنت طالق طلقة خلعية، أو أنت طالق الطلاق الخلعي، أو أنت طالقة طلاقاً بائناً، ولم يلتمس قبول الزوجة وقع رجعياً، إذ الحاصل من كلامهم فيمن قال: خالعتك أو فاديتك مثلاً من غير ذكر مال ونوى التماس قبولها، وكذا إن لم ينوه، كما قاله أبو مخرمة وابن سراج، وقبلت فوراً وقوعه بائناً بمهر المثل، فإن لم تقبل فلا طلاق اتفاقاً، ورجح ابن حجر أنه إذا لم ينو التماس قبولها يقع رجعياً قبلت أم لا، كما لو نفى العوض لفظاً أو قصداً فيقع.
(مسألة: ش): وكل آخر في طلاق زوجته على البراءة من مهرها صح، وكان توكيلاً في الخلع لا تعليقاً على البراءة، فلا فرق بين أن يبتدىء الوكيل الصيغة أو تبتدىء هي، فلو قالت له: طلقني على براءة زوجي من مهري، فقال: أنت طالق وقع بائناً إن صحت البراءة بشرطها، بخلاف ما إذا فسدت الوكالة كأن قال: إذا أبرأتني فطلقها، أو فقد وكلتك في طلاقها، فإنه إذا طلقها بعد براءتها براءة صحيحة منجزة يقع رجعياً وإلا فلا طلاق اهـ، قلت: ومثله التحفة.
(مسألة: ك): قال: خالعتك بألف فقبلت ولم تذكر الألف، أو قالت: طلقني بألف، فقال: طلقتك فقط بانت به.
(مسألة: ي): تشاجر هو وزوجته فقال له أجنبي: اشتريت هذه الفضة ومهر المرأة المذكورة بطلاقها، فقال: اشتريت، فإن أراد بذلك الطلاق وقبل مخاطبه فوراً بنحو قوله بعده: بعتك إياهما وقع الطلاق، وإن لم يقبل لم يقع أصلاً، لأن قوله للزوج اشتريت الخ مجرد التماس وسؤال لا إنشاء، ثم إن وكلته المرأة بالخلع بما ذكر، أو دلت قرينة على إرادة الأجنبي بمهر المرأة مثل مهرها كأن يضيفه إلى ذمته، وكأن يحيل الزوج المرأة على الأجنبي قبل خلعه وقع بائناً وإلا فرجعي، ولو خالعت أم المرأة على مؤخر صداق بنتها في ذمتها فأجابها الزوج وقع بائناً.
[فائدة]: قال في التحفة كالنهاية: علم مما مر ضبط مسائل الباب يعني باب الخلع، أن الطلاق إما أن يقع بائناً بالمسمى إن صحت الصيغة والعوض وبمهر المثل إن فسد العوض فقط، أو رجعياً إن فسدت الصيغة وقد نجز التطليق أو لا يقع أصلاً إن تعلق بما لم يوجد اهـ.
خلع السفيهة وحكم البذل
(مسألة: ش): خلع السفيهة إن كان بصيغة تعليق من الزوج نحو: إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق، فأبرأته لم يقع شيء كما لو قاله لصبية أو أمة، وكذا إن أعطيتني ألفاً فأعطته على الراجح إن قصد معنى التمليك، فإن قصد الإقباض أو أطلق وقع رجعياً في السفيهة والصبية، وفي الأمة يقع بمهر المثل بذمتها أو بصيغة تعليق منها كإن طلقتني فأنت بريء، أو فلك كذا، أو خلع منه كطلقتك بألف فقبلت، أو منها كطلقتني بألف فأجابها، فالمشهور الذي اعتمده الجمهور وقوعه رجعياً في الكل علم السفه أم لا، واختار بعضهم وقوعه بائناً بمهر المثل وهو شاذ، وهذا إذا قلنا بمذهب الشافعي إن الرشد صلاح الدين والمال، أما إذا قلنا بالوجه الشاذ إنه صلاح المال فقط وهو مذهب الثلاثة، وأفتى به ابن عجيل والحضرمي وغيرهما فيقع بالمسمى اهـ. قلت: وقد تقدم في الحجر توجيهه.
(مسألة: ش): بذلت صداقها على صحة طلاقها فطلقها دون ثلاث، ثم ادعت جهلها بالصداق، فإن قلنا: إن صيغة البذل ليست صيغة خلع فرجعي مطلقاً، وإن قلنا: خلعاً فبائن بمهر المثل للجهل. وحاصل المعتمد عندي في مسألة البذل أنه كناية خلع، فإذا نوت ببذلت وهبت فكأنها قالت: أبرأتك من صداقي على طلاقي لصراحة لفظ الهبة في الإبراء، فإن أجابها: بأنت طالق على ذلك فقبلت بانت بمهر المثل، وإن لم يكن سوى مجرد البذل، والجواب بنحو أنت طالق فرجعي بشرطه، سواء علم عدم صحة بذلها أم جهله، إذ البذل ليس له عرف شرعي، إذ لم يرد لشيء واحد يطلق عليه يسمونه صريحاً فيه، وله عرف لغوي وهو الإعطاء والجود، وذلك فعل لا قول، ومورده العين لا الدين، فلو اطرد استعماله في الدين في ناحية في مقابلة الطلاق فهو عرف خاص في أمر خاص، يحتمل كونه كناية إن قصد معنى الهبة وليس صريحاً مطلقاً، إذ الصريح عند النووي ما ورد به الشرع من الألفاظ فقط اهـ. وعبارة ك: طلبت الطلاق فقال: أبرئيني، فقالت: بذلت صداقي على صحة طلاقي، فقال: أنت طالق، فإن قصد تعليق الطلاق على صحة البراءة والعوض من المهر وقع بائناً إن صحت البراءة، وإلا فلا طلاق ولا براءة، وإن لم يقصد شيئاً وقع رجعياً.
(مسألة: ش): أفتى الأصبحي والشاشي وغيرهما أنه يقع الطلاق بائناً بمواطأة أحد الزوجين الآخر بالإبراء ثم الطلاق وعكسه، وأفتى علماء اليمن كبني عجيل والناشري والمزجد وابن زياد والريمي والأزرق والخلي والطنبداوي والرداد وغيرهم بأنه يقع الطلاق بائناً في مسألة البذل، فحينئذ لو قال لها: أبرئيني من دينك وأطلقك فأبرأت ظانة أن البراءة واقعة في مقابلة الطلاق، ثم بذلت صداقها على صحة طلاقها فطلق، جاز للقاضي والمفتي الحكم بالبينونة اعتماداً على ما ذكر، وخصوصاً إذا كان الزوج مخادعاً لتصح البراءة وإن كان فيه خلاف، إذ القصد إنما هو كون وقوع الطلاق بائناً، وجهاً قوياً يسوغ الحكم به.
(مسألة: ش): وكلت أباها في بذل صداقها على طلاقها فقال للزوج: بنتي بذلت صداقها الخ فطلق، وقع رجعياً مطلقاً لعدم صحة صيغة الخلع، لأنها وكلته في الإنشاء وأتى بصيغة الإخبار عنها بأنها بذلت ولم تبذل فيصير الوقوع لا في مقابلة عوض.
التعليق بالإبراء والنذر
(مسألة: ب): شرط صحة الإبراء والطلاق المعلق به فيما لو قال لزوجته: إن أو إذا أبرأتيني من مهرك مثلاً فأنت طالق، أن تبرئه في مجلس التواجب بأن لا يتخلل بينهما كلام أجنبي ولا طول فصل في الحاضرة وبعد بلوغ الخبر في الغائبة، نعم لا يشترط الفور في التعليق بنحو متى، بل متى أبرأته طلقت، وأن تكون مطلقة التصرف لا سفيهة وأمة وغير مكلفة، ومعلوم أن الرشد على المذهب أن تبلغ مصلحة لدينها ودنياها، فحينئذ يندر الرشد في غالب نساء العصر وقبله بأزمنة، بل في غالب الرجال، فيصعب الجري على جادة المذهب، لكن اختار ابن عبد السلام وجمع من العلماء أن الرشد صلاح الدنيا فقط، فعليه يصح إبراؤها إن كانت كذلك، وأن لا يتعلق بالمبرأ منه زكاة لم تؤد، وأن يعلم كل منهما بالمبرأ منه المعلق عليه الطلاق ولو ضمناً مهراً وكسوة وغيرهما على المعتمد، وإن كان الشرط في الإبراء علم المبرىء فقط لا المبرأ لأنه هنا معاوضة،
نعم قال السمهودي وأبو مخرمة: لا يشترط علم الزوج ولكن يقع مع جهله رجعياً، فمتى وجدت هذه الشروط الأربعة طلقت بائناً وإلا فلا، نعم لو علق الإبراء من جميع ماتستحقه وأراد معيناً من نحو دين أو مهر وعلماً قدره برىء وطلقت، وطريق الإبراء من المجهول وهو المراد بقولنا ضمناً أن تبرئه من قدر من جنس المبرأ منه يقطع فيه بأنه لا يبلغه، كمائة قهاول ذرة ومثلها من الثياب، فتحصل البراءة ضمناً، وتبين كما لو طلب منها الإبراء من مائة هي صداقها ولم يبق لها إلا خمسون فتبين بذلك أيضاً، وبالجملة فمسائل الخلاف لا سيما في الأبضاع ينبغي الاحتياط فيها اهـ. وفي (ي ش ك) نحو هذه الشروط، وزاد ش: ثم إن كان إبراؤها بعد علمها بتعليقه طلقت بائناً وبرىء، أو قبل علمها برىء أيضاً ووقع رجعياً على المعتمد من ثلاثة أوجه، وألفاظ الإبراء: أبرأت، وعفوت، وأسقطت، وتركت، ووضعت، وحللت، وملكت، ووهبت.
(مسألة: ي): قال لها: إن أبرأتيني من مهرك فقد طلقتك فأبرأته، والحال أنه قد أعطاها بعضه برىء مطلقاً، ثم إن كان ذاكراً لما أعطاها وقع بائناً علم الباقي أو جهله، أو ناسياً له لم يقع سواء كان ذاكراً للباقي أم لا، ولا بد من علمها بقدر المهر أو اعتقادهما أنه أكثر.
[فائدة]: أفتى الأصبحي وغيره بأن قوله: أنت طالق على تمام البراءة مثل قوله: إن أبرأتيني فأنت طالق، وحينئذ لو قال ذلك لمن أبرأته فإن لم تتلفظ بالبراءة فلا وقوع، وكذا إن تلفظت على الأصح، نعم إن قصد التعليق على مجرد التلفظ بالبراءة وقع جزماً، اهـ فتاوى ابن حجر.
(مسألة: ك): قالت: طلقني، فقال: أبرئيني من صداقك، فقالت: أنت بريء منه أو مما أستحقه عليك، فقال: أنت طالق، فإن لم يقصد شيئاً أو قصد أنه في مقابلة تلفظها بالبراءة وقع رجعياً بشرطه صحت البراءة وظن صحتها أم لا، أوقع الطلاق لظنه سقوط ما أبرأته عنه أم لا، لأنه أطلق صريح طلاق منجز، ولم يعلقه بصحة الإبراء لفظاً أو قصداً، وإن قصد تعليق الطلاق على صحة البراءة والعوض عما برىء منه مما كان لها في ذمته تعلق بصحة البراءة، فإن صحت بشروطها المارة وقع بائناً، وإلا فلا طلاق مطلقاً ولا براءة إلا فيما تعافت به زكاة، فيصح فيما عدا قدرها، ولا يشترط الفور في تلفظه بالطلاق، فلو مكث زماناً طويلاً بعد طلبها وإبرائها، أو قال: حتى يحضر فلان، فلما حضر قال: أنت طالق ونوى جوابها طلقت بائناً بالمسمى، ولو ادعى التعليق لفظاً بصحة البراءة وأنكرته صدق بيمينه، وإن قال الشهود: لم نسمعه يتكلم ما لم يقولوا رأينا فمه منطبقاً عقب تلفظه بالطلاق، وهذا كما لو قال لها: إن أبرأتيني من صداقك فأنت طالق، فقالت له: أنت بريء من صداقي العاجل والآجل ومن جميع المطالب، فيقع بائناً بالشروط المذكورة أيضاً ولا تضر زيادتها على ما ذكر، لأن الموافقة إنما تجب في صيغ المعاوضات، أما التعاليق فالمدار فيها على وجود المعلق عليه، فمتى وجد وقع وإن وجد معه زيادة.
(مسألة: ك): قال لها: أبرئيني من صداقك، فقالت: أبرأتك من 450 محمدية إلا إحدى عشر، فقال لها: إن صح إبراؤك فأنت طالق بالثلاث، والحال أن الصداق 450 لكن قد مضى عليها حول فوجب فيها زكاتها إحدى عشر وربع لم يقع الطلاق لأن الإبراء وقع عن الربع الذي للفقراء مع الإحدى عشر المستثناة ولا يصح الإبراء عنه فلغا الطلاق، إذ هو معلق بصحة الإبراء عن جميع ما سمته الزوجة، نعم لو قالت: أبرأتك عما ذكر إلا إحدى عشر ونصفاً مثلاً وقع الطلاق وبقي لها ربع.
(مسألة: ب): قال: إذا أبرأتني زوجتي من مهرها طلقتها، فجاء أبوها فقال: أبرأتك فطلقها، ثم أنكرت الإبراء وخاصمت الأب، فإن كانت المخاصمة مما تؤدي إلى عدم قبول الشهادة صدقت بيمينها، إذ لا تقبل شهادة الأب عليها حينئذ اهـ. وعبارة (ك): قال لزوجته الغائبة: إن أبرأتني فلانة فهي طالق فلا بدّ من إبرائها فوراً عند بلوغ الخبر على المعتمد، فلو قال أبوها: أبرأتك فأنكرت صدقت بيمينها ما لم تقم بينة بذلك، ولو أبرأه الأب فقال: إن صح إبراؤك فابنتك طالق لم يقع إن لم يحصل منها توكيل فيه كما لو كانت سفيهة.
(مسألة: ش): قال لها: إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق بعد شهر فأبرأته فوراً برىء مطلقاً، ثم إن عاش إلى مضيّ الشهر طلقت بائناً وإلا فلا، لأن البراءة وقعت منجزة يقيناً ولا نظر إلى أنها إنما أبرأت طمعاً في الطلاق ولم يقع لأن المقصود حصل بالموت، فلو علقت الإبراء على الطلاق بعد تعليقه الطلاق على الإبراء لم يقع شيء، أما طلاقه الأوّل فلأنه معلق بالإبراء ولم يوجد، وأما الإبراء فلأنه معلق وهو لا يصح تعليقه وجدت الصفة بأن طلق ثانياً أم لا، وأفتى الأصبحي والشاشي وغيرهما بأنه يقع الطلاق بائناً بمواطأة أحد الزوجين بالإبراء، ثم الطلاق وعكسه والمعتمد خلافه اهـ. وعبارة (ك): قالت له: أبرأتك من صداقي على أن تطلقني أو على الطلاق، أو بشرط أن تطلقني لم تصح البراءة لتعليقها بالطلاق ويقع طلاقه حينئذ رجعياً، نعم إن قصدت جعل الإبراء عوضاً عن الطلاق فقال: أنت مطلقة على ذلك بانت، وإن اقتصر على أنت مطلقة فقط وقع رجعياً مطلقاً قاله ابن حجر، واعتمد (م ر) أنه إن أعلم الزوج عدم صحة التعليق فرجعي أو ظن صحته فبائن، واعتمد الشيخ زكريا الوقوع بائناً بمهر المثل، وجزم القاضي بوقوعه رجعياً.
[فائدة]: قالت له: إن طلقتني فأنت بريء فطلق وقع رجعياً كما في الإرشاد والتحفة وأبي مخرمة ولا براءة، واعتمد في الفتح وقوعه بائناً بمهر المثل، وفصل في النهاية بين علمه بالفساد فيقع رجعياً وإلا فبائن بمهر المثل.
(مسألة): قال لها: أبرئيني وأطلقك، أو إذا أبرأتني أطلق فأبرأته صحت البراءة ولا يلزمه الطلاق، وإن قالت: إنما أبرأته بظن أن يطلق على المعتمد، فإن طلق وقع رجعياً مطلقاً صحت البراءة أم لا، نعم إن قصد تعليق الطلاق على صحة البراءة والعوض عما برىء منه وقع بائناً إن صحت وإلا فلا، ولو بقي لها بعض المهر فقالت: أبرأتك فقال: أنت طالق برىء وطلقت رجعياً، ولو قال لها: إن أبرأتني فأنت طالق طلقة رجعية فأبرأته برىء ووقع رجعياً، كما قاله في القلائد وأبو مخرمة وابن حجر في المحرر من الآري قال: لأن التصريح بالرجعة سلخ التعليق عن شائبة المعاوضة، فأشبه ما لو قال: طلقتك بألف على أن لي الرجعة فيقع رجعياً بقبولها ويلغي ذكر العوض، لأن ذكر العوض واشتراط الرجعة تنافيا فألغينا ذكر المال اهـ، ورجحه (م ر) و (سم) قال: وإن نقل عن ابن حجر خلافه.
(مسألة: ب): قال: متى أبرأتني فلانة من جميع ما تستحقه فهي طالق، فنذرت له بذلك، فإن أراد خلاصه من عهدة المهر وسقوطه عن ذمته بانت بذلك وبرىء، إذ النذر هنا حكمه حكم الإبراء فلا بد من شروطه على المعتمد، وإن أراد التعليق بلفظ الإبراء أو أطلق صح النذر ولا طلاق فيهما كما قاله الأشخر، واقتضاه كلام التحفة إذ المتبادر من قوله: إن أبرأتني إبراؤها بلفظ الإبراء أو بمرادفه كلفظ الهبة والتمليك، ولم يقل أحد إن النذر من صيغ الإبراء بخلاف الهبة، نعم رجح ابن حجر في فتاويه أن النذر كالهبة، فحينئذ يقع به الطلاق عند الإطلاق نظراً إلى استوائهما في المعنى.
(مسألة: ي ش ك): أفتى ابن حجر تبعاً للرداد بأن النذر من صيغ الخلع كالإبراء والإعطاء مع تضمن كل للمعاوضة التقديرية، فلو قال: إن نذرت لي بصداقك مثلاً فأنت طالق، فنذرت به عالمة بقدره وهي ممن يصح نذرها وقع بائناً، وقال أبو مخرمة وابن زياد تبعاً للسمهودي: يقع رجعياً لأن النذر لا يقبل المعاوضة إلا من الله تعالى اهـ. قلت: وحينئذ يقع الطلاق وإن جهلاً أو أحدهما المنذور به، بل لو علق بإبرائها من المهر وهي تجهله فنذرت به نفذ الطلاق وصح النذر، قاله أبو مخرمة في فتاويه.
(مسألة): تواطأ هو وزوجته على أن تنذر له بنخل معين ويطلقها، وأنه إن بان النخل مستحقاً فلا طلاق، فنذرت له بالنخل ثم طلقها ثلاثاً من غير قيد، فإن قصد تعليق الطلاق على صحة النذر المذكور وقع بائناً به على المعتمد. وقال أبو مخرمة: رجعياً هذا إن صح النذر، فإن لم يصح بأن كانت غير رشيدة أو بان زوال النخل أو بعضه عن ملكها حال نذرها فلا طلاق، وإن قصد الطلاق في مقابلة تلفظها بالنذر أو لم يقصد شيئاً وقعت الثلاث صح النذر أم لا، ويصدق بيمينه في قصده، كما يصدق فيما لو قال: علقته لفظاً بصحة النذر وأنكرته، وإن قال الشهود لم نسمعه تلفظ بذلك، بخلاف ما لو قالوا: رأينا فمه منطبقاً فلا يصدق حينئذ.
(مسألة): فلانة طالق أو مطلقة ثلاثاً أو بالثلاث، فلما علمت الزوجة قالت: هو بريء على براءة أخي ونذرت له بنذره فالطلاق نافذ على كل حال، وقول الأخ المذكور لاغ لا يلزمه به شيء مما التزم، نعم إن أراد بقوله: وما لحقك من أختي من خالص مالي التزام مثل ما يلزم الزوج من دعوى غير ما ذكر كالمتعة والنفقة وغيرهما لزمه ذلك كالذي قبله إن أراد التزام مثل ذلك بذمته أيضاً، وإن برىء الزوج من ذلك بنذرها له، لأن هذا التزام مثله لا عينه، وقول المرأة: برىء على براءة أخي ونذرت له بنذره صحيح، فكأنها قالت: نذرت بما نذر به أخي وهو الذي تستحقه عليه من الحقوق، فيبرأ من جميع ما يلزمه سابقاً ولاحقاً وإن لم يعلماها إذ ليس هنا معاوضة، ويلزمها رد ما أعطاها من الناقتين والمصاغ.
(مسألة: ش): علق الطلاق الثلاث بإبرائها أو نذرها بالمهر فأبرأت أو نذرت، ثم ادعت الجهل بالمهر صدقت إن أمكن كأن زوجت صغيرة أو لم تستأذن فيه كما هو الغالب، ثم إن صدقها الزوج فلا طلاق ولا براءة، وإن كذبها وقع الثلاث ولا براءة مؤاخذة له بإقراره، نعم إن رجع وأمكن خطؤه قبل، وإن لم يمكن كأن قال: سمعتها تذكره قريباً أو عند البراءة فلا، وإن ادعى الزوج الجهل بالمهر صدق أيضاً إن أمكن ولا طلاق، ثم إن صدقته فذاك وإلا فهو مقرّ بالمهر وهي تنكره فلا مطالبة لها إلا إن رجعت، وأنشأ هو إقراراً آخر، ولو عرفا أن المهر ألف ولم يعرفا كم هي لم يصح الإبراء إلا إن قطع بكذبهما.
التعليق بنحو الإعطاء والضمان والإقباض
(مسألة: ك): قال لزوجته: إن أعطيتني مائة محمدية فأنت طالق وأطلق فلم يقصد شيئاً، والحال أن المحمدية تطلق على نوع من الفضة، وعلى عشرين غوازي صفر حمل على الفضة، كما لو أطلق الدراهم في الخلع، لأن إطلاق المحمديات والدراهم على غير الفضة من التوسع، فإن نويا أحدهما صح وبانت بإعطائه فوراً في الحاضرة وعند بلوغ الخبر في غيرها، وإن اختلفت نيتهما وتصادقا لم يقع لعدم وجود المعلق عليه، وإن قال أردت الفضة، فقالت: بل الفلوس بلا تصادق وتكاذب فسد المسمى ووجب مهر المثل، كما لو طلقها على أن تعطيه جميع حقه فأعطته ما وصل إليها منه من مهر وصوغة فأبى وقال: أردت جميع ما أنفقته في العرس من وليمة وغيرها، أما لو صدّق أحدهما الآخر على ما أراده وكذبه الآخر فيما أراده فتبين ظاهراً ولا شيء له لإنكار أحدهما الفرقة، نعم إن عاد المكذب وصدق استحق الزوج المسمى.
(مسألة: ك): قال لها: إن أعطيتني الورقة فأنت طالق وهي لا تساوي ربع ديوني ولكن فيها مكتوب صداقها الآجل فأعطته إياها طلقت بائناً وإن قلت قيمة الورقة، إذ يصح الخلع بأقل متمول كالصداق والمبيع، فما زاد على حبة البر يصح جعله ثمناً ونحوه اهـ. قلت: وانظر لو أراد الزوج بالورقة ما كتب فيها كورقة البيت مراداً بها نفس البيت، والظاهر أنه إن اتفقا على ذلك وعلماه وقع بائناً بذلك وإلا فيأتي ما مر.
(مسألة): قال: متى أو نهار تعطيني أو أعطتني أو مدت لي فلانة كذا فهي طالق ثلاثاً أو بالثلاث، طلقت ثلاثاً بإعطائها ذلك ولو بعد مدة، إذ لا يشترط الفور في نحو متى، ولا يحتاج إلى تجديد طلاق بعد الإعطاء، فلو أبى من قبول المال فطريق الخلاص أن تضعه عنده بحيث يعلمه ويقدر على تناوله فيملكه حينئذ وتبين، نعم لا بد من إعطائها بنفسها، فلو أعطاه غيرها فإن كان بإذنها مع حضورها كفى وإلا فلا كما في التحفة اهـ. وفي (ك) قال لها: إن أو متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق، فلا بد من إعطائها الألف بنفسها، فلو بعثت به مع وكيلها أو أعطته عنه عوضاً كنخل أو قالت له: اقطعه مما في ذمتك لي لم تطلق، نعم لو قالت لوكيلها سلمه له فسلمه وهي حاضرة طلقت.
(مسألة: ك): قال لها: إن أعطيتني مائة درهم إلى شهر فأنت طالق، فأعطته بعد مضي الشهر يقع لعدم وجود المعلق عليه، لأن إلى لانتهاء الغاية، فلا يفيد الإعطاء المقيد بها إلا إن وقع في اللحظة المتصلة بالشهر اهـ. قلت: فلو أعطته قبل مضيّ الشهر فهل تبين أم لا حرره.
(مسألة: ي): قال لها: إن أعطيتني عشرة وأنفقت على بنتي سنة فأنت طالق، فلا بد من الإعطاء فوراً، وأما الإنفاق فيكفي فيه قبولها باللفظ فتطلق حالاً، أو بالفعل وهو مضي السنة فتطلق بعدها، قاله ابن حجر وأبو مخرمة وأبو قشير، لا بد من مضيّ السنة مطلقاً، كما أنه لو كان الأب معسراً لا تلزمه نفقة البنت لم تطلق إلا بمضيها مطلقاً اتفاقاً، وإذا أنفقت رجعت عليه بها إن لزمته، ورجع هو عليها بقسط النفقة من مهر المثل مطلقاً، فينسب إلى العشرين قدر النفقة، فلو كان قدرها عشرة رجع بثلث المهر اهـ. وعبارة (ش) قال لها: إن احتملت بنفقة ابنك فأنت طالق، فقالت: احتملت لم يقع به شيء لأن مراده بالاحتمال الالتزام بذلك، وقولها احتملت لا التزام فيه، فإن عين مدة كأن احتملتها سنتين مثلاً فلما انتهت تلك المدة طلقت رجعياً، كما لو قال لها: إن أخرت دينك سنة، أو إلى الخير أي وقت أخذ الغلة فصبرت إلى مضيّ تلك المدة فتطلق رجعياً أيضاً، لأن المعلق عليه وجود ما ذكر لا تلفظها به.
(مسألة: ك): قال لها: إن أعطيتني مالي فأنت طالق، فقالت له: أيّ شيء مالك؟ فقال: كذا وكذا، فأعطته له فوراً بانت، ثم لو قال بعد التفرق: بقي لي شيء لم يقبل ظاهراً، لأن كلامه الثاني يفيد رفع الطلاق الذي حكم به كلامه الأوّل، أما باطناً فالمدار على ما في نفس الأمر، فإن قصد الكل وإنما حصل له نحو نسيان عند ذكر الأوّل فلا طلاق إلا بإعطاء الجميع. ولو قال لها: إن أعطيتني باكر الصبح كذا فأنت طالق، فأعطته بعد الطلوع إلى ارتفاع الضحى طلقت، ولو طلبت منه الطلاق فقال: أعطيني الذي أعطيتك كله، فقال أبوها: نعم نعطيك فسلم له بعض الدراهم وحليّاً وغيره، ثم قالت له الزوجة: طلقني، فقال لها: أبرئيني من حقوق الزوجية من الحضانة وغيرها، فقالت: أبرأتك على أن تطلقني، فقال: أنت مطلقة وقع رجعياً، وما أخذه الزوج سابقاً من مال الزوجة لا يملكه وإن شملته صيغة الطلاق، إذ ليس للأب تمليك مال بنته، حتى لو أبرأ الزوج من صداقها بعد تعليقه طلاقها على البراءة لم يقع لعدم وجود البراءة.
(مسألة): طلقها طلقتين أو ثلاثاً على تمام الحي والضائع، ومراده بالحي المهر وبائع ما أنفقه في الوليمة يعني ردّ ما ذكر، فإن ردّت جميع المهر ومثل الضائع طلقت بائناً وإلا فلا، ولو شرط شروطاً كإبراء وردّ مال ثم قال: أنت طالق على هذه الشروط كان تعليقاً على الإتيان بذلك، فلا بد للوقوع من الإتيان بجميعها.
(مسألة): قال لها: أنت طالق بشرط أو على أن لي عليك عشرة حجزة يعني إلى أجل معلوم لديهما إن أديتها نفذ طلاقك وإلا فلا، فنذرت له بذلك، فقال لها: أنت طالق ثلاثاً إن أديت العشرة في ذلك الأجل، كان الأول صيغة التزام فلا بد من قبولها فوراً بنحو قبلت أو ضمنت فتقع به واحدة بائناً وإن لم تؤد المال ولا يلحقها الثاني، فإن لم تقبل كذلك بل نذرت لم تطلق، وحينئذ فتعليقه الثاني يقع بأداء العشرة، فإن أدتها ولو قبل الأجل لا بعده نفذت الثلاث وإلا فلا.
(مسألة: ك): قالت له: خذ هذا على الطلاق فأخذه وقال: أنت طالق بانت به وإن لم يقل على ذلك، كما لو قالت: خذ هذه الألف على أن تطلقني غداً فطلق ولو على التراخي في غد أو قبله لا بعد الغد فتبين لكن بمهر المثل في هذه، ولا يشترط في جانب الزوج أن يذكر في طلاقه أنه على ذلك المال، بل الشرط أن لا يقصد في طلاقه الابتداء، وإلا وقع رجعياً ويصدق بيمينه في قصده.
(مسأة: ك): قال لها: إن رجعت لي أو أتيتني أو وهبتني و فعلت أو رددت أو جئت لي بكذا فأنت طالق، كان الكل بمعنى أعطيت فتبين بذلك، لكن لا بد من نحو الإعطاء فوراً في مجلس التواجب في الحاضرة وعند بلوغ الخبر في غيرها ولا رجوع له، ولا يشترط القبول لفظاً.
(مسألة: ك): أصدقها نخلاً وزاوية ثم تشاجرا فقال لها: إن أرجعت عليَّ النخل وتكون الزاوية وقفاً على أولادي فالطلاق حاصل، فقالت: أرجعت النخل عليك والزاوية وقف على أولادك طلقت بائناً به، ولو قالت له ذلك ابتداء على أن يطلقها فقال: أنت طالق ولو بعد مدّة بقصد جوابها طلقت بائناً بذلك أيضاً، ولا تشترط إعادة ذكر النخل والزاوية.
(مسألة): علق الطلاق بغيبته عن بلده أو بجلوسه في موضع كذا ثلاث سنين، وإعطاء أو ضمان فلان له قرشاً مثلاً، فلا بد من وجود الغيبة المذكورة والإعطاء ويقع بائناً، ويشترط الفور في الإعطاء إن علق بإن أو إذا لا بنحو متى، ولا ينحلّ التعليق بغيبته أقل من المدة المذكورة، بل لا تنحل إلا بوجود المعلق عليه وهو الغيبة أو الجلوس المذكوران وبطلاقها بائناً وإن أعادها فوراً، إذ التعليق لا يمكن الرجوع فيه نفياً أو إثباتاً كما هو معلوم، نعم إن قال: إن غبت في سفري هذا فسافر ثم رجع ولو من سفر قصير انحلت اليمين.
(مسألة): قال لها: أنت طالق إن ضمنت لي ألفاً وقع بائناً بقولها ضمنت أي ألفاً أو ألفين، لا بنحو قبلت أو رضيت أو شئت أو إعطائها بلا لفظ فلا يقع، كما لو لم تجبه فوراً، كما قاله في التحفة والفتح.
(مسألة: ك): قال لها: إن أقبضتني أو قبضتني كذا فأنت طالق كان مجرد تعليق بصفة، فلا يشترط الفور في الإقباض مطلقاً، فمتى وجد الإقباض منها مختارة ولو بوضعه بين يديه وقع الطلاق، بخلاف ما لو قال: إن قبضت منك فلا بد من تناوله ولو من وكيلها بنحو يده ولو مكرهة هنا، وإذا وقع الطلاق وقع رجعياً في جميع الصور، إذ لا يملك الزوج ما قبضه، نعم إن دلت قرينة على أن المراد بالإقباض التمليك، كأن طلبت طلاقها قبل التعليق المذكور، أو قال فيه: إن قبضتني لنفسي أو لأصرفه في حوائجي كان الإعطاء فيعطى حكمه.