كتاب الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني
محتويات
- فصل في موجبات الغسل
- فصل فروض الغسل اثنان
- فصل شروط الوضوء والغسل عشرة
- االعودة إلي كتاب الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة
فصل في موجبات الغسل
(فصل): في موجبات الغسل (موجبات الغسل) على الرجال والنساء (ستة) ثلاثة تشترك فيها الرجال والنساء وهي دخول الحشفة في الفرج وخروج المني والموت، وثلاثة تختص بها النساء وهي الحيض والنفاس والولادة. ثم اعلم أن لفظ الغسل إن أضيف إلى السبب كغسل الجمعة وغسل العيدين فالأفصح في الغين الضم، وكذا غسل البدن وإن أضيف إلى الثوب ونحوه كغسل الثوب فالأفصح الفتح. أحدها: (إيلاج الحشفة) أي دخولها كلها وإن طالت ولا اعتبار بغيرها مع وجودها أو قدرها من فاقدها ولو بلا قصد ولو حالة النوم (في الفرج) أي في أي فرج كان سواء كان قبل امرأة أو بهيمة أو دبرهما أو دبر رجل صغير أو كبير حي أو ميت أو دبر نفسه أو ذكر آخر، ويجب أيضاً الغسل على المرأة بأي ذكر دخل في فرجها حتى ذكر البهيمة والميت والصبي، وعلى الذكر المولج في دبره أو ذكره، ولايجب إعادة غسل الميت المولج فيه والمستدخل ذكره ويصير الصبي والمجنون المولج فيهما جنبين بلا خلاف،
وكذا المولجان فإن اغتسل الصبي وهو مميز صح غسله ولا يجب إعادته إذا بلغ، وعلى الولي أن يأمر الصبي المميز بالغسل في الحال كما يأمره بالوضوء، ثم لا فرق في ذلك بين أن ينزل منه شيء أم لا. والأصل في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "إذا التقى الختانان أو مس الختان الختان وجب الغسل" فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا ولا بد في وجوب الغسل من دخول الحشفة إلى ما لا يجب غسله في الاستنجاء، فإن لم تصل إلى ذلك بأن وصلت إلى ما يجب غسله فيه فقط لم يجب، ولو دخل شخص فرج امرأة وجب عليهما الغسل لأنه صدق عليه دخول حشفة فرجاً ولا اعتبار بكونه دخل تبعاً، ولا يجب على الزاني الغسل من الجنابة فوراً لانقضاء المعصية بالفراغ من الزنى وفارق من عصى بالنجاسة بأن تضمخ بها لبقاء العصيان بها ما بقيت فوجب إزالتها فوراً.
(و) ثانيها: (خروج المني) أي من الشخص نفسه الخارج منه أول مرة في اليقظة أو في النوم من طريقه المعتاد مطلقاً أو من غيره وإذا كان مستحكماً بكسر الكاف أي إن خرج لغير علة لكن بشرط أن يكون من صلب الرجل وترائب المرأة إذا كان المعتاد منسداً انسداداً عارضاً بخلاف الانسداد الأصلي فإنه يجب معه الغسل بالخارج مطلقاً سواء أخرج من الصلب أم لا ما عدا المنافذ الأصلية، ولا بد من خروجه أي بروزه وانفصاله من قصبة الذكر أو نزوله بمحل يجب غسله في الاستنجاء في فرج الثيب أو مجاوزته البكارة في البكر، فلو قطع الذكر وفيه المني قبل بروزه وجب الغسل وإن لم يبرز من الجزء المنفصل شيء ولا من المتصل لأن بروز المني في الجزء المقطوع في حكم بروزه وحده لانفصاله عن البدن وإن كان مستتراً في ذلك الجزء، ولو أحس بنزول منيه فأمسك ذكره فلم يخرج منه شيء فلا غسل عليه لكن يحكم بالبلوغ بنزوله إلى القصة وإن لم يخرج منها حتى لو كان في صلاة أتمها وأجزأته عن فرضه هذا في الواضح،
أما الخنثى فلا يجب عليه الغسل إلا إذا خرج من فرجيه معاً فإن خرج من أحدهما لم يجب لاحتمال زيادته مع انفتاح المعتاد، والحيض في حقه كالمني وإن أمنى من أحدهما وحاض من الآخر وجب عليه الغسل وخرج بمني نفسه مني غيره، كأن خرج من المرأة مني الرجل فيفصل في ذلك إن وطئت في دبرها وخرج منه المني بعد غسلها لم يجب عليه إعادتها أو في قبلها وخرج منه بعد ما ذكر، فإن قضت شهوتها حال الوطء بأن كانت بالغة مختارة مستيقظة وجب عليها إعادة الغسل لأن الظاهر أنه منيهما معاً لاختلاطهما، وأقيم الظن هنا مقام اليقين كما في النوم، وإن لم تقض شهوتها بأن لم يكن لها شهوة أصلاً كصغيرة أو لها شهوة ولم تقضها كنائمة ومكرهة لم يجب عليها إعادته وليس من ذلك المجنونة لإمكان أن تقضي شهوتها ولو استدخل منيه بعد غسله ثم خرج منه لم يجب عليه الغسل بخروجه ثاني مرة. واعلم أن خروج المني موجب للغسل سواء كان بدخول حشفة أم لا، ودخول الحشفة موجب له سواء حصل مني أم لا فبينهما عموم وخصوص من وجه، ولا يجب الغسل بالاحتلام إلا إن أنزل. ثم اعلم أن للمني ثلاث خواص يتميز بها عن المذي والودي أحدها له رائحة كرائحة العجين أو الطلع ما دام رطباً فإذا جف أشبهت رائحته رائحة البيض الثاني: التدفق أي التدافع قال الله تعالى: خلق - أي الإنسان- من ماء دافق} ((86) الطارق:6) أي مدفوق أي مصبوب في الرحم.
الثالث: التلذذ بخروجه، ولا يشترط اجتماع الخواص بل يكفي واحدة في كونه منياً بلا خلاف، والمرأة كالرجل في ذلك على الراجح في الروضة. وقال في شرح مسلم: لا يشترط التدفق في حقها وتبع فيه ابن الصلاح. (و) ثالثها: (الحيض) وهو دم طبيعة يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات مخصوصة والرحم جلدة داخل الفرج ضيقة الفم واسعة الجوف كالجرة وفيها لجهة باب الفرج يدخل فيها المني ثم تنكمش أي ينسد فمها فلا تقبل منياً آخر بعد ذلك، ولهذا جرت عادة الله أن لا يخلق ولداً من ماء رجلين وحرج بذلك الاستحاضة وهي دم علة يخرج من عرق فمه في أدنى الرحم سواء أخرج عقب حيض أم لا سواء قبل البلوغ أم بعده على الأصح من أن دم الصغيرة وكذا الآيسة يقال له استحاضة، وقيل لا تطلق الاستحاضة إلا على دم خرج عقب حيض. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي" رواه الشيخان. وفي رواية البخاري: "ثم اغتسلي وصلي".
(و) رابعها: (النفاس) وهو الدم الخارج عقب فراغ رحم المرأة من الحمل ولو علقة أو مضغة وقبل مضي أقل الطهر خرج بذلك الدم الخارج مع الولد أو حالة الطلق فهو دم فساد إن لم يتصل بحيض قبله وإلا فهو حيض بناء على أن الحامل قد تحيض وهو الأصح، فلو لم تر الدم إلا بعد مضي خمسة عشر يوماً من الولادة فلا نفاس لها، فإن رأته قبل ذلك وبعد الولادة بأن تأخر خروجه عنها فابتداؤه من رؤية الدم ومن النقاء منه لا نفاس فيه لكنه محسوب من الستين فيجب قضاء الصلاة التي فاتت فيه. (و) خامسها. (الولادة) أي ولو لأحد التوأمين فيجب الغسل بولادة أحدهما ويصح قبل ولادة الآخر ثم إذا ولدته وجب الغسل أيضاً، ومثل الولادة إلقاء العلقة والمضغة فلا بد من إخبار القوابل بأن كلّاً منهما أصل آدمي ويكفي واحدة منهن فيجب الغسل بالولد الجاف وإن لم ينتقض الوضوء، ويجوز لزوجها وطؤها قبل الغسل لأن الولادة جنابة وهي لا تمنع الوطء، أما المصحوبة بالبلل فلا يجوز وطؤها بعدها حتى تغتسل ويبطل صومها بالولد الجاف سواء كان لها نفاس أو لا، لأن ذات الولادة مبطلة له وإن لم يوجد معها نفاس، بخلاف ما لو ألقت بعض الولد فإنه ينتقض الوضوء ولا يجب الغسل، وكذا لو خرج بعضه ثم رجع
(و) سادسها: (الموت) لمسلم غير شهيد، أما الكافر فلا يجب غسله بل يجوز، وأما الشهيد فلا يجب غسله بل يحرم لقوله عليه الصلاة والسلام فيهم لا تغسلوهم فإن كل جرح يفوح مسكاً يوم القيامة فدخل في قوله الموت السقط النازل بلا حياة بعد تمام أشهره ولم تظهر فيه أماراتها، والموت موجب للغسل على الأحياء لا على الميت، فالموجب للغسل إما أن يكون قائماً بالفاعل أو بغيره لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قال في المحرم الذي وقصته ناقته: "اغسلوه بماء وسدر" رواه الشيخان وظاهره الوجوب والوقص كسر العنق.
فصل فروض الغسل اثنان
(فصل): في الغسل (فروض الغسل) أي أركانه واجباً كان الغسل أو مندوباً (اثنان) الأول (النية) كأن ينوي الجنب رفع الجنابة والحائض والنفساء رفع الحيض أو النفاس أو ينوي كل أداء الغسل أو فرضه أو واجبه أو الغسل الواجب أو الغسل للصلاة أو رفع الحدث فقط أو الطهارة عنه أو له أو لأجله، أو الطهارة الواجبة أو للصلاة لا الغسل ولا الطهارة فقط، إذ قد تكون عادة أو نوت الحائض أو النفساء حل الوطء من حيث توقفه على الغسل وإن كان حراماً كالزنى لأن له جهتين وإن لم تكن مسلمة ولا الواطىء مسلماً، قال الحصني: ولو نوى الجنب استباحة ما يتوقف على الغسل كالصلاة والطواف وقراءة القرآن أجزأه، وإن نوى ما يستحب له كغسل الجمعة ونحوه لم يجزئه لأنه لم ينو أمراً واجباً، ولو نوى الغسل للفروض أو فريضة الغسل أجزأه قطعاً قاله في الروضة انتهى. ولا بد أن تكون النية مقترنة بأول مغسول سواء كان من أسفل البدن أو أعلاه أو وسطه لأن بدن الجنب كله كعضو واحد، فلو نوى بعد غسل جزء منه وجبت إعادته لعدم الاعتداد به قبل النية، فوجوب قرنها بأوله إنما هو للاعتداد به لا لصحة النية لأنها قد صحت ولو لم يقرنها بأوله.
(و) الثاني: (تعميم البدن) أي ظاهره (بالماء) ومنه الأنف والأنملة المتخذان من نحو ذهب فيجب غسله بدلاً عما تحته لأنه بالقطع صار من الظاهر والظفر يسمى بشرة هنا بخلافه في باب الناقض، ولا يجب غسل الشعر النابت في العين أو الأنف وإنما وجب غسله من النجاسة لغلظها، ويجب إيصال الماء إلى ما تحت الغرلة لأنه ظاهر حكماً وإن لم يظهر حساً لأنها مستحقة الإزالة، ومن ثم لو أزالها شخص فلا ضمان عليه، ولو لم يمكن غسل ما تحتها إلا بإزالتها وجبت فإن تعذرت صلى كفاقد الطهورين وهذا في الحي، وأما الميت فحيث لم يمكن غسل ما تحتها لا تزال لأن ذلك يعد ازدراء به ويدفن بلا صلاة على المعتمد عند الرملي، وقال ابن حجر: ييمم عما تحتها ويصلي عليه للضرورة، قال البيجوري: ولا بأس بتقليده في هذه المسألة ستراً على الميت، ويجب إيصال الماء إلى باطن الشعر ولو كثيفاً لكن يتسامح بباطن العقد التي لم يصل الماء إليها إذا تعقد الشعر نفسه سواء كان قليلاً أو كثيراً فإن تعقد بفعل فاعل عفي عن القليل عرفاً ويعفى عن محل طبوع عسر زواله أو حصلت له مثلة أي عقوبة بإزالة ما عليه من الشعر، ولا يحتاج المتيمم عن محله ويجب نقض الضفائر إن لم يصل الماء إلى باطنها إلا بالنقض.
(تتمة) وسننه سبعة عشر: التسمية وغسل الأذى سواء كان طاهراً كمني ومخاط أو نجساً كودي ومذي وذلك إذا كانت النجاسة غير مغلظة وكانت حكمية أو عينية لكن تزول بغسلة واحدة، أما العينية التي لا تزول بذلك فإزالتها قبل الغسل شرط فلا يصح مع بقائها لحيلولتها بين العضو والماء، وأما المغلظة فغسلها بغير تتريب أو معه قبل استيفاء السبع لا يرفع الحدث والوضوء والتثليث والتخليل للشعر والأصابع بالماء قبل إفاضته والبداءة بالشق الأيمن وبأعلى بدنه والدلك وتوجه للقبلة وكونه بمحل لا يناله رشاش والستر في الخلوة وجعل الإناء الواسع عن يمينه والضيق عن يساره وترك الاستعانة إلا لعذر والشهادتان آخره والمضمضة والاستنشاق وهما سنتان مستقلتان غير اللتين في وضوئه وواجبتان عند أبي حنيفة، وكون ماء الغسل صاعاً إن كفاه وتعهد الصماخين وغضون الجلد.
(تذتيب) ومكروهات الغسل والوضوء أربعة: الإسراف في الماء وهو أخذ الماء زيادة عما يكفي العضو وإن لم يزد على الثلاث ولو بشط نهر، والزيادة على الثلاث إذا كانت متيقنة وكان الماء مملوكاً له أو مباحاً فإن كان موقوفاً حرم ولا يكره في الوضوء غسل الرأس وإن كان الأصل مسحه لأنه الكثير في أفعال الوضوء إذ تحصل به النظافة والنقص عنها ولو احتمالاً إلا لحاجة كبرد وفعل ذلك للجنب في ماء راكد، ولو كثيراً بلا عذر بأن يتوضأ أو يغتسل وهو واقف فيه إذا كان في غير المسجد وإلا حرم من حيث المكث فيه
فصل شروط الوضوء والغسل عشرة
(فصل): في شروط الطهارة (شروط الوضوء) وكذا الغسل (عشرة) الأول: (الإسلام) فلا يصح من كافر لأنه عبادة بدنية بغير ضرورة وليس هو من أهلها. (و) الثاني: (التمييز) فلا يصح وضوء غير المميز كطفل ومجنون لما ذكر. (و) الثالث: (النقاء) بفتح النون بالمد وماضيه نقي بكسر القاف ومضارعه ينقى بفتحها أي النظافة. (عن الحيض والنفاس و) الرابع: النقاء (عما يمنع وصول الماء إلى البشرة) كدهن جامد وشمع وعين حبر وحناء بخلاف أثرهما وشوكة لو أزيلت لم يلتئم محلها ودم وغبار على عضو لا عرق متجمد عليه ووسخ تحت الأظفار ورمض في العين وليس منه طبوع عسر زواله فيعفى عنه، وكذا قشرة الدمل بعد خروج ما فيها وإن سهلت إزالتها بل أولى من العرق لأنه جزء من البدن.
(و) الخامس: (أن لا يكون على العضو ما يغير الماء) كزعفران وصندل. (و) السادس: (العلم بفرضيته) أي يكون كل من الوضوء والغسل فرضاً وهو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه لأن الجاهل بفرضيته غير متمكن من الجزم بالنية فلا تصح ممن جهل فرضيته. (و) السابع: (أن لا يعتقد فرضاً من فروضه) أي فروض كل منهما (سنة) سواء اعتقد أن أفعاله كلها فروض أو اعتقد أن فيه فرضاً وسنة وإن لم يميز أحدهما عن الآخر وهذا في حق العامي، أما العالم وهو من اشتغل بالفقه زمناً فلا بد فيه من تمييز فرائضه من سننه. (و) الثامن: (الماء الطهور) في ظن كل من المتوضىء والمغتسل واعتقاده وإن لم يكن طهوراً عند غيره كما لو اشتبه الطهور بالمتنجس من إناءين وقع في أحدهما لا بعينه نجاسة فظن كل شخص طهارة إنائه فتوضأ فطهارة كل منهما صحيحة فلا يصح الوضوء والغسل بمستعمل ومتغير تغيراً كثيراً. (و) التاسع: (دخول الوقت) أي في طهارة دائم الحدث كمستحاضة فلو تطهر قبل دخوله لم تصح لأنها طهارة ضرورة ولا ضرورة قبل الوقت. (و) العاشر: (الموالاة) أي بين الأعضاء والموالاة بين أجزاء الوضوء الواحد (لدائم الحدث)وهذا القيد راجع لهاتين المسألتين كما علمت.
فصل نواقض الوضوء أربعة
(فصل): في بيان الاحداث (نواقض الوضوء أربعة أشياء) أي أحد هذه الأشياء. (الأول: الخارج من أحد السبيلين من قبل أو دبر) هذا بيان للسبيلين أو من أي ثقب كان إذا كان أحدهما منسداً انسداداً خلقياً وكان الخارج من الثقبة مناسباً للمنسد كأن انسد القبل فخرج منها بول أو الدبر فخرج منها غائط، وكذا إذا كان غير مناسب لواحد منهما كالدم، وأما إن كان مناسباً للمنفتح فقط فلا نقض، وأما إن كان أحدهما منسداً انسداداً عارضاً فلا بد أن تكون الثقبة قريبة من المعدة، فإن كان في رجله أو نحوها لم ينقض الخارج منها (ريح) هذا بدل من قوله الخارج أي سواء خرج ذلك الريح من القبل أو الدبر. وسئل أبو هريرة رضي الله عنه عن الحدث فقال: فساء أو ضراط رواه البخاري، قال في المصباح: الفساء ريح يخرج بغير صوت يسمع. وقال الصاوي: فإن كان الريح الخارج من الدبر بلا صوت شديد سمي فسوة، وإن كان خفيفاً سمي فسية بالتصغير، وإن كان بصوت سمي ضراطاً اهـ. (أو غيره) أي سواء كان الخارج عيناً أو ريحاً طاهراً أو نجساً جافاً أو رطباً معتاداً كبول أو نادراً كدم انفصل أولا كدودة أخرجت رأسها وإن رجعت، وإذا ألقت المرأة جزء ولد فإنه ينتقض الوضوء، أما لو ألقت ولداً تاماً بلا بلل فلا ينتقض الوضوء وإن وجب الغسل. (إلا المني) أي الموجب للغسل فلا نقض به كأن أمني بمجرد نظره وهو التأمل برؤية العين لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل بخصوص كونه منياً فلا يوجب أدونهما وهو الوضوء بعموم كونه خارجاً.
(الثاني: زوال العقل) أي التمييز الناشىء عنه (بنوم) أي في غير الأنبياء عليهم السلام وهو ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ فتغطي العين وتصل إلى القلب فإن لم تصل إليه كان نعاساً واسترخاء أعصاب الدماغ بسبب الأبخرة الصاعدة من المعدة، ودليل النقض بالنوم قوله صلى الله عليه وسلّم: "العينان وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء فمن نام فليتوضأ" رواه أبو داود وابن ماجه. (أو غيره) كجنون وهو زوال الإدراك من القلب مع بقاء القوة والحركة في الأعضاء، أو صرع وهو داء يشبه الجنون وصاحبه غالباً يسيح على وجهه في الأرض، أو خبل وهو ذهاب العقل وفساده من الجنون، أوعته وهو نقص العقل من غير جنون أو ذهابه حياء أو خوفاً، أو سكر وهو فساد في العقل مع اضطراب واختلاط نطق أو مرض وهي حالة خارجة عن الطبع ضارة بالفعل، أو إغماء وهو زوال الإدارك من القلب مع انقطاع القوة والحركة في الأعضاء،
وقيل هو امتلاء بطون الدماغ من بلغم بارد غليظ وقيل هو سهو يلحق الإنسان مع فتور الأعضاء لعلة، والإغماء جائز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا نقض بإغمائهم لأنه مرض من غلبة الأوجاع للحواس الظاهرة فقط دون القلب لأنه إذا حفظت قلوبهم من النوم الذي هو أخف من الإغماء كما ورد في حديث: "تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا" فمن الإغماء أولى لشدة منافاته للتعلق بالرب سبحانه وتعالى وليس كالإغماء الذي يحصل لآحاد الناس ومثله الغشي في حقهم وأما في حقنا فهو تعطيل القوى المحركة والإرادة الحساسة لضعف القلب بسبب وجع شديد أو برد أو جوع مفرط فينقض أيضاً ومما ينقض استغراق الأولياء بالذكر أو بالتفكر. (إلا نوم قاعد ممكن مقعده من الأرض) أي من مقره وهو متعلق بممكن أي ولو احتمالاً حتى لو تيقن النوم وشك هل كان متمكناً أو لا لم ينتقض وضوءه ولو زالت إحدى أليتي نائم متمكن عن مقره قبل انتباهه يقيناً انتقض وضوءه أو بعده أو معه أوشك في تقدمه فلا نقض. (الثالث: التقاء بشرتي رجل وامرأة كبيرين أجنبيين من غير حائل) وينتقض وضوء كل منهما من لذة أو لا عمداً أو سهواً أو كرهاً بعضو سليم أو أشل ولو كان الرجل هرماً أو ممسوحاً ولو كان أحدهما ميتاً لكن لا ينتقض وضوء الميت أو كان أحدهما من الجن، ولو كان على غير صورة الآدمي ككلب حيث تحققت الذكورة أو الأنوثة بخلاف ما لو تولد شخص بين آدمي وحيوان آخر غير جني فلا نقض بلمسه ولو على صورة الآدمي.
وحاصله أن اللمس ناقض بشروط خمسة، أحدها: أن يكون بين مختلفي ذكورة وأنوثة.ثانيها: أن يكون بالبشرة دون الشعر والسن والظفر فلا نقض بشيء منها بخلاف العظم إذا كشط فإنه ينقض ولو اتخذت المرأة أو الرجل أصبعاً من ذهب أو فضة لم ينقض لمسها ولو سلخ جلد الرجل أو المرأة وحشي لم ينقض لمسه لأنه لا يسمى آدمياً، وكذا لو سلخ ذكر الرجل وحشي إذ لا يسمى ذكراً. ثالثها: أن يكون بدون حائل فلو كان بحائل ولو رقيقاً فلا نقض ومن الحائل ما لو كثر الوسخ المتجمد على البشرة من غبار بخلاف ما لو كان من العرق فإن لمسه ينقض لأنه صار كالجزء من البدن.
رابعها: أن يبلغ كل منهما حد الكبر يقيناً وهو في حق الرجل من بلغ حداً تشتهيه فيه عرفاً ذوات الطباع السليمة من النساء كالسيدة نفيسة بنت الحسنبن زيد ابن سيدنا الحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلّم ابن سيدنا علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه وذلك بأن يميل قلب تلك النساء إليه، وفي المرأة من بلغت حداً يشتهيها فيه عرفاً ذوو الطباع السليمة من الرجال كالإمام الشافعي رضي الله عنه وذلك بأن ينتشر منهم الذكر فلو بلغ أحدهما حداً يشتهي ولم يبلغه الآخر فلا نقض. خامسها: عدم المحرمية ولو احتمالاً والمحرم من حرم نكاحها ويكون تحريمها على التأبيد بسبب مباح لا لاحترامها ولا لعارض يزول فاحترس بقولهم على التأبيد عن أخت الزوجة وعمتها وخالتها فإن تحريمهن من جهة الجمع فقط، وبقولهم بسبب مباح عن بنت الموطوأة يشبهه وأمها لأن وطء الشبهة لا يوصف بإباحة ولا تحريم، وعن الملاعنة لتحريم سبب حرمتها وهو الزنى، وبقولهم لا لاحترامها عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلّم فإن تحريمهن لاحترامهن فإنهن يحرمن على الأمم وعلى الأنبياء أيضاً لأنهم من أمته صلى الله عليه وسلّم ولو لم يدخل بهن بخلاف إمائه صلى الله عليه وسلّم فلا يحرمن على غيره إلا إن كن موطوآت له صلى الله عليه وسلّم، وأما زوجات بقية الأنبياء فيحرمن على الأمم خاصة لا على الأنبياء وبقولهم ولا لعارض يزول عن الموطوءة في نحو حيض والمجوسية والوثنية والمرتدة لأن تحريمهن لعارض يزول فيمكن أن تحل له من ذكر في وقت.
(تتمة) اعلم أن وطء الشبهة الذي لا يوصف بإباحة ولا تحريم هو شبهة الفاعل كأن يظن امرأة أجنبية زوجته فيطؤها وكوطء المكره بفتح الراء، وأما الوطء بشبهة المحل كوطء أمة ولده أو شريك الأمة المشتركة أو سيد مكاتبته أو بشبهة الطريق أي المذهب وهو أن يعقد عليها أي المرأة بجهة قالها عالم يعتد بخلافه كالحنفي ونحوه فإنه لا يوصف بحرمة، وسمي وطء أمة الولد بشبهة المحل لأن مال الولد كله محل لإعفاف أصله ومنه الجارية، فإعفاف الولد هو أن يهيىء للأصل مستمتعاً بالحليلة ويمونها، ومثال شبهة الطريق كالنكاح بلا شهود عند العقد عند مالك ويجب الإشهاد عنده قبل الدخول وبلا ولي عند أبي حنيفة وبلا ولي وشهود كما هو مذهب داود الظاهري كأن زوجته نفسها فلا حد على الواطىء في ذلك وإن لم يقصد تقليدهم وإن اعتقد التحريم، وقد نظم بعضهم الشبهات الثلاثة في قوله:
اللذ أباح البعض حله فلا ** حد به وللطريق استعملا
وشبهة لفاعل كأن أتى ** لحرمة يظن حلاً مثبتا
ذات اشتراك ألحقن وسمِّيَن ** هذا الأخير بالمحل فاعلمن
(الرابع: مس قبل الآدمي) ولو سهواً ولو مباناً حيث سمي فرجاً ولو أشل ولو صغيراً أو ميتاً من نفسه أو غيره وهو في الرجل جميع نفس القضيب أو محل قطعه لا ما تنبت عليه العانة والبيضتان وما بين القبل والدبر، وفي المرأة شفراها الملتقيان وهما حرفا الفرج المحيطان به كإحاطة الشفتين بالفم أو الخاتم بالأصبع لا ما فوقهما مما ينبت عليه الشعر وخرج بالشفرين الملتقيين ما بعدهما، فلو وضعت أصبعها داخل فرجها لم ينتقض وضوءها وإن نقض خروجه ومن ذلك البظر بفتح الباء وهو لحمة بأعلى الفرج والقلفة حال اتصالهما فإن قطعا فلا نقض بهما، والتقييد بالآدمي يخرج البهيمة، وأما الجني فهو كالآدمي بناء على حل مناكحتنا لهم (أو حلقة دبره) وهو المنفذ المتلقى كفم الكيس لا ما فوقه وما تحته (ببطن الراحة أو بطون الأصابع) وهي ما يستتر عند وضع إحدى الراحتين على الأخرى مع تحامل يسير في غير الإبهامين، أما هما فيضع باطن إحداهما على باطن الأخرى فينتقض وضوء الماس دون الممسوس بخلاف اللمس فإنه ينتقض وضوء كل من اللامس والملموس. والحاصل أن المس يفارق اللمس في ثمان صور: أحدها: أن النقض في المس خاص بصاحب الكف فقط. ثانيها: أنه لا يشترط في المس اختلاف النوع ذكورة وأنوثة. ثالثها: أن المس قد يكون في الشخص الواحد فيحصل بمس فرج نفسه. رابعها: أن لا يكون إلا بباطن الكف. خامسها: أنه يكون في المحرم وغيره سادسها: أن مس الفرج المبان ينقض وإن لمس العضو المبان من المرأة لا ينقض. سابعها: اختصاص المس بالفرج. ثامنها: لا يشترط الكبر في المس دون اللمس.