كتاب بغية المسترشدين باعلوي الحضرمي علي المذهب الشافعي
محتويات
النذر
[فائدة]: قال في النهاية: والأصح أنه يعني النذر في اللجج مكروه وعليه يحمل إطلاق المجموع، وغيره قال: لصحة النهي عنه، وفي التبرر عدم الكراهة لأنه قربة سواء المعلق وغيره إذ هو وسيلة لطاعة اهـ، ومثلها التحفة قال: ومن ثم أثيب عليه ثواب الواجب اهـ.
شروط النذر وما ألحق بها
(مسألة): شرط النذر الإسلام والاختيار وإطلاق التصرف إن كان بمال معين، فيصح نذر سفيه عبادة، وكذا بمال في الذمة كما في النهاية.
(مسألة: ب) نذرت امرأة لولديها بجميع ما تملكه وتحملا لها بنفقتها مدة حياتها، فإن كانت حال النذر مكتسبة قوية على الكسب أو تصبر على الإضاقة جائزة التصرف صح نذرها، وإلا لم يصح بالجميع، وإن تحمل الولدان بالنفقة وإذ صح النذر بشرطه، فلو مات أحد الإبنين لم يلزم وارثه شيء لأنه لم يلتزم شيئاً في عين ماله وقد خربت ذمته بالموت.
(مسألة): خطبت فعضلها وليها إلا أن تنذر له بكذا فنذرت فالنذر باطل اهـ بامخرمة.
(مسألة: ب) تواطأ هو وزوجته على أن تنذر له بجميع ما انجرّ لها من الإرث في أبيها وينذر لها في قبل ذلك بثلاثمائة قرش، فإن صدر النذران منهما حالة الاختيار ونفوذ التصرف والعلم بمعنى النذر ولو من وجه كأن يعلما أنه نوع عطية صحا، وإن كان المنذور به مجهولاً وغائباً وغيره مقدور عليه ويلزم كلاّ ما التزمه لتنجيزه، وليس لأحدهما الرجوع عنه ولا إبطاله.
(مسألة): ادعت أنه نذر لها بناقتين فأنكر صدق بيمينه، نعم إن أقامت بينة ولو شاهداً ويميناً ثبت، كما لو نكل عن اليمين فحلفت المردودة ولا تمكن إقامة البينة من الناذر بعدم النذر لأن ذلك نفي غير محصور كما هو ظاهر، فحينئذ يجيء التعارض هنا.
[فائدة]: نذر أن لا يقرأ إلا متطهراً لم ينعقد نذره، إذ معناه عدم القراءة إذا كان محدثاً وليس ذلك قربة، وبتقدير انعقاده هو لم يلتزم القراءة إذا كان متطهراً، فقراءته مع الحدث لم تفوّت شيئاً التزم فعله حتى يستقر في ذمته، فحينئذ يشرع له سجود التلاوة ولمن سمعه اهـ ع ش.
(مسألة: ش): نذر صوم سنة مطلقة، كلله عليّ صوم سنة سنّ له الشروع في صومها عقب النذر وتتابعها، وتكفيه هلالية حيث تابعها أو فرقها بالأشهر، وإلا كمل كل منكسر بأن ابتدأ أثناءه ثلاثين كشوّال والحجة وإن ابتدأ من أوّلهما، ويقضي رمضان بشهر هلاليّ أو ثلاثين يوماً، وخمسة أيام عن العيدين وأيام التشريق، أو معينة كسنة خمس وتسعين، أو سنة من أوّل شهر كذا أو من الغد لم يجب قضاء رمضان والأيام الخمسة، فإن نذر التتابع فيهما وكذا إن نواه على ما في الإرشاد والعباب لزمه وانقطع بما ينقطع به صوم الكفارة، لكن لا يلزمها قضاء أيام الحيض مطلقاً في الأظهر أو هذه السنة أو السنة كفاه باقيها إلى المحرم، أو السنة التي يقدم فيها زيد فقدم قبل فجر أوّل يوم من المحرم أو بعده وقد بيت النيَّة بظن قدومه صامها أو أثناءها أو آخرها، لزمه قضاء يوم القدوم وصوم ما بعده إلى آخرها، وفي قضاء ما سبق منها الخلاف المشهور.
(مسألة: ب): رأت أن أخواتها غرقوا فقالت: إن سلم أخواتي فلله عليّ صوم سنة كاملة لزمها صوم ثلاثمائة وستين يوماً ولو متفرقة في سنين، ولا يجزئها الإطعام ما دامت قادرة على الصوم، ولا يمنعها الزوج حينئذ اهـ. قلت وقوله: ولا يمنعها الزوج في الإرشاد وله منعها من صوم نذر مضيق أو موسع تأمل.
(مسألة: ب): نذر أن يبني مسجداً بمحل كذا صح نذره، ولا يجزئه البناء في غير ما عينه لاختلاف الأغراض باختلاف المحالّ كما أفتى به ابن حجر وغيره.
(مسألة): وكله جماعة يشتري لهم طعاماً من بلدة فلقي بها آخر معه طعام، فتوافقا على أن ينذر له بمائة جزلة من الطعام، وينذر له الوكيل بمائة قرش بذمته ثم تناذرا، كذلك صح النذران ولزم الوكيل تسليم المائة من ماله وكان الطعام ملكه، نعم لو نذر له بمائة معينة من دراهم موكليه لم يصح نذره إذا لم يأمروه بالنذر، بل وإن أمروه بذلك لعدم صحة التوكيل فيه، كما لا يصح شرط المعاوضة، كنذرت لك بشرط أن تنذر، أو على أن تنذر لي بكذا، أو في مقابلة نذرك بكذا، إذ النذر لا يقبل العوض إلا من الله تعالى، كما قاله ابن حجر وأبو مخرمة، ولو قال: نذرت لك بهذا البعير في قبيل الناقة وقصد المعاوضة لم يصح أيضاً.
(مسألة: ب): تواطأ اثنان على أن يشتري أحدهما من الآخر طعاماً بدراهم مؤجلة وينذر له بخنجر، فإذا أدى ثمن الطعام تحمل له الآخر بعهد الله أن يردّ له الخنجر بنذر، ثم حصل منهما ذلك يصيغة صحيحة وقع من الشراء والنذر المذكورين صحيح يلزم العمل بمقتضاه، فمتى حل الأجل لزم المشتري تسليم الثمن، ويملك البائع الخنجر ملكاً تاماً، وينبغي له الوفاء بالعهد الذي تحمله للناذر، وهو ردّ الخنجر بعد تسليم الثمن، فيرده بتجديد ملك بنذر أو هبة ونحوهما، ثم لو ادعى ثالث أن الخنجر المذكور قد نذر له به صاحبه قبل هذا النذر بلغة مهرية حاصلها: نذرت لك بالخنجر قبيل خمسة قروش إلى أن يجيء السنبوق وتصادقوا على ذلك، فهذا النذر باطل من وجهين: أحدهما أن الصيغة صيغة معاوضة أو شبهها وهي تنافي مقتضى النذر، إذ هو يصان عن ذلك لأنه التزام قربة، فاقترانه بصيغة المعاوضة يخرجه عن مقتضاه فيلغى. ثانيهما: أن قوله قبيل خمسة قروش الخ يقتضي توفيت النذر إلى مجيء السنبوق، وهذا أيضاً ينافي النذر بالعين لأنها متى زالت عن ملك الناذر لم تعد إليه إلا بتمليك جديد.
(مسألة: ب): تواطأ هو ومقرضه على أن يقترض منه دراهم وينذر له بكذا في ذمته عن كل سنة ما دام الدين، فأفتى جماعة بالصحة وخالفهم آخرون قالوا: لأن النذر حينئذ شبيه بالمعاوضة، والطائفتان متكافئتان والاحتياط لا يخفى، واستوجه ابن حجر في الفتاوى بأنه إن أتى بهذا النذر على قصد الوفاء بما تواطآ عليه لم يصح نذره، لأن كل ما لو صرّح به أبطل إذا أضمر كره، وحينئذ لا فرق بين كون الدائن فقيراً والداين حالاً وأن لا، وإن قصد القربة والإهداء إلى المقرض كل سنة من غير أن يجعله في مقابلة مواطأة ولا غيرها صح النذر وإن أطلق، فالذي يفهمه كلامهم الصحة اهـ. وعبارة ش: اشترى نخلاً ونذر بعد لزوم البيع للبائع بكذا وكذا تمراً كل سنة ما دام المبيع لم ينفسخ صح النذر، ولم يبطل بموت الناذر ولا المنذور وله على المعتمد كما لو نذر المقترض بمنفعة أرضه مدة بقاء الدين، نعم إن قصد بنذره التوصل إلى الربا بطل كما قاله شيخنا ابن حجر، لا إن جعله في مقابلة ربح القرض أو اندفاع المطالبة بل أو أطلق على الأوجه اهـ. قلت وقال أبو مخرمة: نذر له بدينار كل شهر ما دام دينه بذمته، فمات أحدهما انقطع بالنسبة لغير شهرموته لأن النذر يلزم بأوّله، نعم لو نذر له بثمر بستانه عشر سنين لم ينقطع بموته. لو قال: مالي صدقة إن لم يكن الأمر كذا فبان خلاف قوله خير بين التصدق بماله وبين كفارة يمين اهـ.
(مسألة: ش): باعه أرضاً ونذر له بعد لزوم البيع بكذا إن خرج المبيع مستحقاً لم يصح النذر، كما أفتى به الغزالي وأقرّه في الروضة، ثم إن خرج بعض المبيع مستحقاً رجع به من الثمن على بائعه وخير في الباقي إن جهل، ولزمه أجرة المثل نقداً إن زرع الأرض لمستحقها، إذ المنافع متقومة وقيم المتلفات النقد، وإن كانت العادة أنهم لا يؤجرون الأرض إلا مشاركة، كما أفتى به ابن عجيل وإن خالف بعضهم، فإن تناذرا صح النذر، وإن قال البادىء: إن نذرت لي بمتاعك نذرت لك بمتاعي، ولو خرج بعض المنذور به أو كله مستحقاً بطل فيه وصح في الباقي، ولا خيار ولا رجوع لأحدهما على الآخر.
(مسألة: ي): باع أرضاً ثم نذر بها للمشتري، فإن صح البيع بأن عرفا حدودها الأربعة، فإن كان في زمن الخيار انفسخ البيع وصح النذر فيلزمه رد الثمن، أو بعد زمن الخيار لغي النذر، وإن لم يصح البيع صح النذر مطلقاً لصحته بالمجهول علم الناذر بطلان البيع أم لا.
(مسألة: ش): ونحوه ك : اشترى داراً ونذر لبائعه أن يفسخ للبيع أو يقبله إن أتاه بمثل عوضه، فإن وقع ذلك في صلب العقد أو زمن الخيار بطلا يعني البيع والنذر للنهي عن بيع وشرط، ولأن الواقع في زمن الخيار كالواقع في صلبه أو بعده صحا ولزمه إما الإقالة أو الفسخ وإن لم يقيد الناذر مجيء البائع بكونه نادماً تغليباً للأصل وهو الندم، هذا إن ندم البائع وكان المشتري يحب إحضار عوضه لأن ذلك نذر تبرر، فإن لم يحب ذلك كان نذر لجاج، وينبغي الاكتفاء بنذر الإقالة، وإن استوت رغبة البائع في إحضار الثمن وعدمه، فلو تصرف المشتري فيه طلب الإقالة مطلقاً أو بعدها ولم يندم البائع باعترافه أو بقرينة كحقارة المبيع في جنب الثمن، أو كان النذر لجاجاً صح تصرفه وبطل النذر ما لم يعد إلى ملك المشتري، ويصير بالتصرف في نذر اللجاج مختاراً للكفارة، وهذا كما لو قال: إن شفى الله مريضي فعلي عتق هذا العبد ثم باعه قبل الشفاء، وإن تصرف بعد طلب الإقالة المندوبة لم يصح تصرفه لأنه بالطلب المذكور تعين عليه الوفاء بها.
[فائدة]: اشترى سلعة ونذر لبائعها بالإقالة متى جاءه نادماً، ثم مات البائع قبل طلب الإقالة فليس لوارثه طلبها حينئذ لتعليق الإقالة بمجيء البائع نادماً لا وارثه، اهـ فتاوى أحمد الحبيشي.
(مسألة: ي): قال لدائنه: نذرت لك بعبدي وانقطعت عن جميع الدعاوى التي لي عليك إن لم أوفك الدين، فإن قيده بمدة كشهر أو حلول أجل أو نواه لزمه عند انقضاء الشهر أو الحلول، وإن أطلق لم يلزمه إلا باليأس من الوفاء وهو بقاء الدين قبل موت أحدهما بزمن لا يسع الوفاء، ثم إذا لزم النذر في الصورتين فهو نذر لجاج يخير بين الوفاء به وكفارة يمين إن قصد حث نفسه على الوفاء ومنعها من تركه، فإن قال رغبة في تركه وبقاء الدين بذمته فنذر تبرر يلزمه عند وجود المعلق عليه، ولا يسقط عنه شيء من الدين، وقوله: وانقطعت الخ كلام لغو فله الدعوى بما فيه دعوى.
(مسألة): تناذرا بعيراً بعشرة رؤوس غنم ثم قال صاحبها: نذرت بمائة إن تخبث البعير يعني استحق للغير، فقال: نذرت صح الكل، وكان الأخير نذر لجاج فيما يظهر، كما أفتى به عبد الله بلحاج، وهو ظاهر كلام النهاية حيث قال في مبحث نذر اللجاج: والحال أن الفرق بين نذر اللجاج والتبرر أن الأوّل فيه تعليق بمرغوب عنه، والثاني بمرغوب فيه، ومن ثم ضبط بأن يعلق بما يقصد حصوله اهـ. نعم نقل الشيخان عن الغزالي فيما إذا نذر للمشتري بكذا إن خرج المبيع مستحقاً بأن ذلك لغو، قاله في فتاوى ابن حجر، وأفتى ابن مزروع بلزوم ما التزمه، لأن ذلك نذر معلق على شرط، فتحصل أن في المسألة ثلاثة آراء، وإذا قلنا إنه نذر لجاج فيلزمه عند وجود الصفة وهو تخبث البعير، إما كفارة يمين أو الوفاء بما التزمه وهو المائة ويفسرها بما أراد، فإن ادعى المنذور له أنه أراد معيناً كالدراهم حلف أنه لم يردها، وإذا التزم المعسر نذراً بقي بذمته.
[فائدة]: نذر أنه إن رزقه الله تعالى ولداً سماه بكذا هل ينعقد نذره؟ والظاهر أنه إن نذر بما تستحب التسمية به كمحمد وأحمد أو عبد الله انعقد نذره، وأنه حيث سماه بما عينه برّ وإن لم يشتهر ذلك الاسم وهجر اهـ ع ش .
(مسألة: ش): ادعى الناذر أو وارثه اشتمال النذر على مبطل سمعت دعواه، وإن كان بعد قبول وقبض المنذور له وثبوته لدى الحاكم، فإن أقاما بينة أو أقر المدعي عليه أو نكل فحلف المردودة بعد نكوله حكم ببطلانه، وإن حلف المدعى عليه نفي العلم بالمبطل أو نكل ولم يحلف المدعي المردودة فالنذر باق بحاله.
الصيغة
(مسألة: ش): قوله: ألزمت ذمتي، أو يلزمني، أو لازم لي، أو ألزمت نفسي، أو أوجبت عليها، صيغ نذر كما قاله القاضي مجلي وأقره في العباب وغيره، كما أن نذرت لك صريح نذر خلافاً للرداد فيهما، وفي التحفة أن أنذرت من العامي صريح.
(مسألة): المعتمد أن نذر من صرائح النذر، ولا فرق بين نذر لك أو عليك، والأولى لمن أراد أن ينذر لغيره بمال أن يقول: لله علي أن أعطيك كذا، أو هذا، أو أتصدق عليك به، قاله ابن حجر في فتاويه.
(مسألة: ش): تساوما في بيع غائب ثم قال كل منهما لصاحبه: ألقني في مكان كذا، فإن لم ألقك سلمت لك أجرة سيرك لذلك المحل لم يلزمه شيء لأنه وعد، نعم إن التزم ذلك بنذر صحيح نحو: إن جئت إلى محل كذا فلم تلقني فلله عليّ أن أتصدّق عليك بكذا صح لأنه قربة، إذ الجائي إلى ذلك المحل إذا لم يجد صاحبه تلحقه مشقة وخسارة، فالتصدّق عليه حينئذ مندوب.
(مسألة: ي): قال: إن شفاني الله من مرضي فأنا أريد أن أتصدّق أو تصدّقت بدراهم، وإن قدمت من سفري أو زرت فلاناً الولي فأنا أذبح أو ذبحت شاة، فإن نوى بجميع ذلك النذر صح ولزمه ما التزمه لأن ذلك كناية فيه، لكن لا بد في الذبح من ذكر مصرف مباح فيه قربة أو نية ذلك وإلا لم ينعقد، أما ما نذره من التصدّق فيصرف للفقراء والمساكين عند الإطلاق.
(مسألة): تواطأ اثنان على أن ينذر أحدهما لأخيه بناقته، وينذر له الآخر بناقته وعشرة قروش، ثم قال الأوّل للثاني: نذرت لي الناقة والعشرة القروش؟ فقال: نذرت، وقال هو: وأنا نذرت، لزم الأوّل ما نذر به وتواطأ عليه، وكذا الثاني إلا إن ادّعى أني لم أرد بذلك شيئاً فيصدق بيمينه.
[فائدة]: سئل الشيخ زكريا عما يفعله بعضهم من قوله: إن حصل لي الشيء الفلاني فلك يا سيدي كذا فهل يلزمه؟ فأجاب: بأنه لا يلزمه شيء بذلك إذ ليس فيه صيغة نذر اهـ
(مسألة: ش): تلفظ عامي بنحو نذر أو وقف أو طلاق، ثم ادّعى أنه لا يعرف معناه أصلاً، فهذا مدّع أنه لم يقصد لفظ نحو النذر بحروفه، فينظر أيمكن ذلك لكونه أعجمياً أو بغير لغته وليس مخالطاً للعلماء، فيصدق حينئذ بيمينه ويلغى أثر لفظه أم لا، بأن عرف له معنى ولو حكماً من أحكامه حتى يصح قصد لفظه وإن جهل بقية معانيه ولا يصدق، لأن اللفظ إذا صح استتبع آثاره وإن جهلها المتلفظ، وعلى الأوّل يحمل كلام ابن عبد السلام، وعلى الثاني كلام الزركشي اهـ. قلت: وافقه في التحفة.
المنذور له
(مسألة: ش): النذر للنبيّ إن قصد به تمليكه لغي لكونه لميت إجراء على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحكام الموتى في الدنيا، وإن كانوا أحياء يصلون ويصومون ويحجون وتجري عليهم أعمال البرّ، وإن أراد الصرف في مصالح الحجرة الشريفة أو تمليك الخدام صح وعمل بقصده، وإن لم يقصد شيئاً عمل بالعرف والعادة المطردة حال النظر، لأن ذلك منزلة الشرط فيه كالوقف، فإذا كان عادة أهل بلدة أن رجلاً من أهل البيت يأتيهم لقبض نذور النبي فكأن الناذر نذر لذلك الرجل، وإن جهل مراد الناذر، ولا هناك عرف مطرد، فالقياس صرفه لمصالح المسلمين، فيدفعه للوالي العدل إن كان، وإلا صرفه من هو تحت يده للمصالح الأهمّ فالأهمّ، حتى في بناء مسجد إن لم يكن أهم منه اهـ. وعبارة (ك) النذر للولي إن كان بقصد تمليكه لغي، وإلا اتبع فيه العادة الجارية في ذلك المحل إن انتفع به حيّ أو ميت من الصرف في عمارته، وإعطاء القاطنين عنده، والصرف في مصالحه، ولا يتقيد بورثته وأقاربه، ومن المعلوم أن الناذرين للمشايخ والأولياء لا يقصدون تمليكهم لعلمهم بوفاتهم، وإنما يتصدقون عنهم أو يعطون خدامهم، فهو حينئذ قربة، لأن النذر عندنا لا ينعقد إلا في القرب والمندوبات التي ليست بواجبة.
(مسألة): أفتى بصحة النذر المقيد بالأشراف محمد بن زياد، وفرق بينه وبين النذر المطلق، ووافقه إبراهيم باغريب المكي وجماعة من العلماء المتقدّمين والمتأخرين. وعبارة (ي) النذر للأشراف أهل البيت النبوي صحيح بلا خلاف، وأما ما يوجد في بعض المصنفات من أن النذر لا يصح لهم فليس على إطلاقه لأن النذر ثلاثة أقسام: الأوّل المطلق وهو كل نذر لم يقيده الناذر بصفة ولا بمعين كقوله: لله عليّ أن أتصدّق بألف. الثاني: المقيد بصفة الفقر أو المسكنة كلله عليّ ألف للفقراء أو أتصدّق بها على مساكين بلد كذا، فهذان القسمان لا يصح صرفهما لبني هاشم والمطلب على المعتمد عند ابن حجر والخطيب و (م ر) وغيرهم، وهما المراد بقولهم كالزكاة كل واجب كنذر وكفارة ودماء نسك، وقال كثيرون بجواز صرف هذين القسمين لفقرائهم.
الثالث: المقيد ببني هاشم والمطلب فهذا يصح لهم بلا خلاف عندنا، فمتى قيد الناذر بأهل البيت بلفظه أو قصده أو اطرد العرف بالصرف لهم صح النذر، سواء كان القيد خاصاً ذاتياً كفلان وبني فلان، أو صفاتياً كعلماء بلد كذا وهم منهم، ودليل صحة النذر المذكور على هذا التفصيل من عشرة وجوه: كون صلتهم قربة غير فرض عيني، وكل قربة كذلك تجب بالنذر بلا خلاف، وأن من المعلوم لمن له أدنى مسكة أن كل ما خص الشارع صرفه بأهل الزكاة كالنذر المطلق والمقيد بالفقراء حرام على أهل البيت كغيرهم ممن لا تحل له الزكاة كغني وذمي، ومن تلزم الناذر نفقته ونحو المسجد ومالاً كالمقيد بغير الفقراء جائز لمن قيد به ما لم يكن معصية، فحينئذ يحلّ لأهل البيت ومن بعدهم ما قيد بهم منه، فقولهم كالزكاة كل واجب أي خصه الشارع بأهل الزكاة، لا كالنذر المخصوص بهم فلا بد من هذا القيد، وإنما تركوه لفهمه من كلامهم وعلمه بما فعلوه هنا من كون المقيد بوصف يجب أن يؤتى به بذلك الوصف، إذ يلزم من ترك ذلك القيد فساد كبير، وأن كلامهم هذا ليس في حكم انعقاد النذر، بل في حكم نذر قد انعقد وصح، وفي النذر المطلق فهم من كلامهم التعميم حتى في المقيد مطلقاً كـ (ع ش) وغيره فهو فهم فاسد، وانتقال من عدم جواز الصرف لأهل البيت من نذر قد انعقد إلى أن النذر لا ينعقد لهم، وشتان ما بينهما، وأن النذر المقيد بوصف غير مطلوب يصح الإتيان به بذلك الوصف، وإن خالف حكم واجب الشرع كالنذر للغني والذمي كما مر،
وكنذر التضحية أو التصدّق بمعيب، وكشرط الناذر خروجه من صلاة وصوم واعتكاف لحاجة، وصرفه ما نذر التصدّق به لحاجته إن احتاجه، وأن المقيد بوصف مطلوب يجب الإتيان به بذلك الوصف اتفاقاً، وإن خالف واجب الشرع كنذر التصدّق على العلماء والأرحام ونحوهما، فتقييد النذر بأهل البيت إن لم يكن من المطلوبات فليكن من الجائزات، فكيف يعود التقييد بهم الذي هو في معنى الصلة التي حثّ عليها الحقّ جلّ وعلا ورسوله على النذر بالإبطال؟ ما هذا إلا هوس وخبط، وما في الإيعاب: لو نذر التصدق وأطلق لم يجز صرفه لغني وكافر، وإن نذر لأهل المذمة لزمه على الأوجه، ولا ينافيه عدم جواز وضع المنذور فيهم لأن ذلك في مطلق النذر اهـ. وما في حاشية المعجم للشيخ قش في حديث الصدقة على الآل قال: وأما النذر فإن كان على معين فيجوز، كأن نذر لشريف فقد استحقه بموجب القربة، وأما إذا نذر على الإطلاق كأن نذر أن يتصدق فإنه يجري به مجرى الواجب فلا يعطى الآل منه كما يؤخذ من كلام (م ر) اهـ، فتأمل ذلك تعلم يقيناً أن القاعدة المذكورة صريحة في حرمة النذر المطلق فقط، وأن كل عبارة صرحت بتحريم النذر عليهم مرادهم به النذر المطلق، وما في فتاوى ابن حجر وأبي مخرمة وابن زياد وغيرهم من المسائل الكثيرة في صحة النذر للنبي عليه الصلاة والسلام والشيخ الفلاني الشريف، وما في القاعدة المشهورة أن إعمال كلام المكلف ما وجد له محمل صحيح أولى من إعماله، وأنها قد وقعت نذور لا تحصى لأهل البيت ورفعت إلى الحكام الورعين فحكموا بصحتها كما هو مشهور في سيرهم.
(مسألة: ب): نذر أو أوصى لأولاده الموجودين ومن سيوجد، فالمعتمد الذي يُفهم من كلام التحفة في الوصية الصحة للمعدوم تبعاً للموجود، وحكم النذر حكم الوصية، واعتمد أبو مخرمة أنا نتوقف فيهما، فإن حدث له أولاد تبين الصحة في قسط الموجودين فقط، وإلا كان النذر والوصية باطلين، وعليه لا يمتنع تصرف الناذر وورثة الموصي في المعين المنذورة أو الوصي بها، لأنا لم نتحقق الاستحقاق، ثم إن تبين الاستحقاق بطل التصرف في القدر الذي تبين استحقاقه اهـ. قلت: وأفتى عبد الله بن أحمد مخرمة وابن الطيب الناشري وأبو زرعة بالبطلان مطلقاً، وأفتى ابن جمعان ومحمد بلعفيف بالصحة في نصفه قال: وهذا الذي ينبغي اعتماده والفتوى عليه، لا سيما وقد مال إلى ترجيحه ابن حجر في فتاويه ووافقه (م ر) جازماً به وعبد الله بلحاج فضل اهـ فتاوى محمد باسودان.
(مسألة: ب): اختلفوا فيمن نذر لبعض أولاده دون بعض، فقال الفتى والرداد وابن زياد والقماط لا يصح إذ شرط النذر القربة وهذا مكروه، كما صوبه النووي في تنقيح الوسيط، نعم إن خصص لفضيلة زائدة يقتضيها التفضيل كذي حاجة وفضل صح، ورجح ابن حجر وأبو مخرمة ويوسف المقري الصحة مطلقاً قالوا: إذ الكراهة لأمر خارج كصوم الدهر اهـ. قلت: وهذا كما ترى فيمن خص بعض أولاده، أما لو نذر لبعض الورثة دون بعض مع اختلاف الجهة كمن نذر لأولاده دون أبويه أو زوجه فيصح باتفاق الجماعة ولو بقصد الحرمان خلافاً للقماط، نعم لا يخلو عن كراهة خصوصاً إذ ظهر منه قصد الحرمان بل الحرمة باطناً فتنبه، وعبارة (ش) نذرت لإخوتها بجميع ما جره الإرث إليها من أبيها من صامت وناطق صح النذر، وإن صرحت بأن ذلك بقصد حرمان وارثها، لكن فصل في (ي) فقال: نذر أو أوصى لبعض أولاده الصغار وزوجته في مقابل ما أعطى بقية الأولاد وما سقط عنده للزوجة فللمنذور لهم في أربع حالات: درجة الورعين الذين غلب عليهم الخوف وهو التنزه عنه بالكلية وعدم أخذه وإن طابت به الصدور. ودرجة العدول الأخيار التاركين للعار، وهو أن يجمعوا الورثة ويعلموهم بأن الناذر فعل هذا في مقابلة ما معكم من العطايا وما انتفع به من مال الزوجة، فإن طابت نفوسهم وإلا قسموه تركة ودرجة من غلب عليهم حب الفانية وقصرت هممهم، لكن بقيت معهم مروءة وهو الصلح على البعض وإبطال البعض. ودرجة السفلة الحمقاء الأراذل المحبين جمع الحطام ولو بخرم المروءة والخصام، وهو أن يطلبوا حكم الظاهر ويعرضوا على السرائر والضمائر، نعم إن علمت الزوجة تحقيقاً أن لها عند الزوج شيئاً فلها الدعوى به.
[فائدة]: يعرف قصد الحرمان كما قاله ابن زياد في النذر القرائن الدالة على قصد الحرمان، أو إقرار المدعى عليه أو نكوله وحلف المدّعي، وحينئذ يأتي خلاف العلماء، والوجه تخيير المفتي والقاضي اعتماد أيّ القولين كما قاله البصري، وعندنا أننا نفتي بالتخيير ونقضي بما رأيناه راجحاً بالمصلحة والتوسط بالإصلاح فيما يجاذبه الاختلاف أصوب اهـ فتاوى الشيخ عبد الله بن أبي بكر الخطيب.
المنذور به
(مسألة): يصح النذر بالمجهول والمعدوم والغائب، فلو نذر بجارية بذمته فإن ثبت ولو بشاهد ويمين أنه وصفها بصفة وجبت بتلك الصفة، وإلا حلف أنه لم يصفها ولزمه جارية ما، كما أن وارثه يحلف على نفي العلم بذلك.
(مسألة: ب): يصح النذر بالدين ولو لمسجد فيملكه المنذور له، ما عدا قدر الزكاة على تعدد السنين الماضية إن وجبت فيه ولم يزكه الدائن، فحينئذ متى قبض الناذر شيئاً منه لزمه إعطاؤه المنذور له بعد إخراج قدر زكاته، ويبرأ المدين بتسليمه للمنذور له كنائب المسجد، هذا إن كان نذر تبرر كنذر لجاج لم يختر الناذر كفارة اليمين ويأثم المدين بالمماطلة حيث لا عذر بنحو إعسار.
(مسألة: ش): باع ربع نصيبه من أبيه ثم نذر بنصف ما ورثه من الأب، فهذه من ذوات الحصر والإشاعة، والأصح فيها وفي نظائرها الحصر فيما يملكه، فيحصر النصف المنذور به في الثلاثة الأرباع الباقية، فحينئذ يكون المنذور به ثلثي الباقي بعد الربع المبيع وهو نصف الجميع، كما لو ملك نصف عبد فقال لآخر: بعتك نصف هذا العبد فينصرف إلى نصفه المملوك بكل الثمن، ورجح البغوي الإشاعة ومحل الخلاف حيث لم يقصد أحدهما وإلا عمل بقصده اتفاقاً اهـ. قلت: وظاهره أنه يصدق بيمينه فيما قصده لو تنازعا، ووافقه في التحفة قال: وألحقوا به الهبة والإقرار والوصية، ورجح ابن زياد الإشاعة.
(مسألة: ش): يصح النذر بالمرهون إن علق بصفة وجدت بعد انفكاكه أو معه وإلا فلا.
(مسألة): ليس للوالد الرجوع في المنذور به المنجز لولده على المعتمد ولو طفلاً تحت حجره وإن لم يقبضه الولد، بخلاف الهبة والعطية فيجوز الرجوع فيهما مطلقاً، ما لم يزل ملك الولد عنهما وإن عاد إليه، وبخلاف النذر المعلق ففيه الخلاف الآتي.
(مسألة: ي): نذر لبعض بناته بالحلي الذي عنده، ولبقية الأولاد بما معه من النقد نذراً معلقاً بقبل مرض موته بثلاثة أيام إن مات بمرض، وبساعة إن مات فجأة، صح النذران وتناول ما كان من النقد بملك الناذر يوم النذر لا ما حدث بعده، إلا إن أراد دخول الموجود والحادث، فإن لم يرده أو جهل قصده لم يدخل وفارق الوصية في أن اعتبار المال فيها بحال الموت لأنه وقت اللزوم فيهما اهـ. قلت: وقوله يوم النذر أي حال التعليق لا حال وجود الصفة المعلق عليها، يعني الثلاثة الأيام واللحظة قبل الموت فليعلم.
(مسألة: ب): له أخوان لأبيه وابن أخ، فنذر لابن الأخ بمثل نصيب أحد عميه نذراً معلقاً بقبل مرض موته بثلاثة أيام إن مات من مرض، وبساعة إن مات فجأة، فمات أحد العمين قبل الناذر، ثم مات الناذر عن زوجة وأخ، فأفتى بعضهم بأن المنذور له يستحق نصف الباقي بعد فرض الزوجة، فتكون المسألة حينئذ من ثمانية: اثنان للزوجة، وثلاثة للأخ الموجود، وثلاثة لابن الأخ وأفتى آخر بأن العبرة بحال الموت، فيأخذ المنذور له مثل الحي، فتكون مسألتهم من سبعة: للزوجة واحد، وللأخ ثلاثة، ولابن الأخ ثلاثة. وأفتى ثالث بأنه يستحق مثل نصف أحد الأخوين الحي والميت بتقدير حياته، إذ العبرة بحال النذر لا حال الموت، فتكون المسألة من ستة عشر، ووجه رجوعها لما ذكر أن أصلها من أربعة: للزوجة سهم وللعمين ثلاثة،
وللمنذور له سهم ونصف إذ هو مثل نصيب أحد العمين، فإذا أخرجته بقي من التركة سهمان ونصف فحصل الكسر على جميع الرؤوس، فتضرب في أصل المسألة تبلغ ستة عشر: للزوجة أربعة، ولكل واحد من العمين والمنذور له أربعة، فيأخذ المنذور له أربعة من رأس المال، تبقى اثنا عشر تركة، للزوجة ثلاثة والباقي للعم الموجود، والذي يظهر لنا أن المعتمد بل الصواب هو هذا الأخير كما لا يخفى على الفقيه، وفارقت هذه المسألة نظيرها من الوصية في بعض الأحكام لما فرقوا به بين النذر والوصية في جمل منها الالتزام في النذر حالاً بخلافها فإنه نيط الالتزام فيها بالموت، ومنها توقفها على الإجازة فيما إذا كانت لوارث أو زاد على الثلث مطلقاً ولا كذلك، وهو منها صحتها بالموجود والمعدوم والطاهر والنجس، ولا كذلك هو في بعض الصور.
ومنها أن الاعتبار بالمال بيوم الموت في الوصية على الراجح حتى يعرف قدر الثلث، فيشمل كل ما حدث بين الوصية والموت، ولا كذلك النذر فإنه إنما يعتبر ما كان موجوداً حال النذر فحسب، ولو في النذر المعلق بما قبل مرض الموت فلا يتناول ما حدث بعده، وإذ قد فرقوا في البابين فيما هو المقصود فيهما وهو المال ففي التوابع أولى، ولا فرق بين أن يأتي الناذر كالموصي بلفظ مثل كما هنا، أو بحذفها فيقول بنصيب الخ، ولا يشترط إرث العمين ولا أحدهما بالفعل، بل الشرط عدم المانع من نحو كفر ورقّ، نعم لو ادعى المنذور له أن الناذر أراد بنصيب أحد العمين حال الموت لا النذر سمعت دعواه لتحليف العم على نفي العلم اهـ، وخالفه (ي ج) فقالا: لا شك في هذا النذر أنه نصيب معدوم مجهول لا تعلم جزئيته ولا كميته إلا بموت الناذر، بصريح كلام التحفة والقلائد وفتاوى أبي مخرمة لأنه شبهه بمعدوم، إذ لا نصيب للوارث ما دام مورثه حياً، وإذا كان معدوماً حال النذر فالمنذور به معدوم، كما لو نذر لزيد بمثل ما تأخذه الدولة، فلا تمكن معرفة الملتزم إلا بعد أخذته الدولة منه شيئاً، فإذا أخذه لزمه مثله للمنذور له، فمتى مات الناذر أو أخذ الدولة وجب المنذور به لوجود الصفة،
زاد ي: وإذ قد تبين أن هذا النذر من النذر بالمعدوم المجهول الذي لا يوجد ولا يعلم إلا بموت الناذر واستحقاق أحد أخويه نصيباً من تركته، وأنهم قاسوه على الوصية قياساً أولوياً، تحققت أن القسمة واعتبار العدد هنا كما في الوصية، فحينئذ تكون المسألة من سبعة: للزوجة سهم، وللأخ ثلاثة، ولابن الأخ ثلاثة، إذ بموت الناذر وجد حق ورثته وهما زوجة وأخ ومسألتهما من أربعة، ويزاد مثل ما للأخ للمنذور له، فمن جعل المسألة من ثمانية مع عدم اعتبار الأخ الميت وجعل للزوجة الربع فقد أخطأ في عدم إدخال النقص عليها، لما صرح به الفقهاء أنه إذا كان النذر أو الوصية بنصيب وارث فصحح مسألة الوارث ثم انظر ما خرج للوارث المشبه بنصيبه فيزاد مثل سهامه للموصى أو المنذور له، فيلزم من ذلك إدخال النقص على جميع الورثة، كما أن من اعتبر الأخ الميت وجعل المسألة من ستة عشر فقد أخطأ أيضاً من وجهين: اعتباره الأخ المذكور لما حققناه من عدم الاعتبار، وجعله القسمة من ستة عشر إذا لحق فيها لو قدرنا حياة الميت أنها تكون من أحد عشر أصلها أربعة، واحد للزوجة وثلاثة للآخرين منكسرة عليهما، تضرب اثنان في أصلها بثمانية، اثنان للزوج وستة حصة الآخرين للأخ الموجود، ويزاد ثلاثة كحصة أحدهما للمنذور له، ولا خلاف في أن النذر يخرج من رأس المال ولا يحتاج إلى إجازة إذ هو منجز، غير أن المقدار غير معلوم، وأنه إنما يتناول ما كان من المال حال النذر لا حال الموت عكس الوصية.
(مسألة: ب ك): اختلف العلماء في جواز التصرف في النذر المعلق بصفة قبل وجودها، فجوّزه الشيخ زكريا وتبعه (م ر) وأبو مخرمة، ووافقهم ابن حجر في الإيعاب، وموضعين من التحفة، وموضع من الفتح، وفي أحد جوابيه وأبو يزيد، وقال في القلائد وهو الظاهر: وأفتى به ابن عجيل وعبد الله بلحاج والفتى والردّاد، ويقوي ذلك بطلانه بموت الناذر قبل وجودها، وممن أفتى بمنع التصرف عبد الله بن أحمد مخرمة وابن عبسين وابن زياد وابن حجر في بعض الفتاوى، وعبد الله بن أبي بكر الخطيب ونقله عن التحفة اهـ. قلت: وعبارة التحفة: ولو علق النذر بصفة كإشفاء فهل يصح نحو بيعه قبل وجودها؟ اختلف فيه المتأخرون، والأوجه كما علم مما مر أوائل الباب عدم الصحة، نعم إن بان عدم الشفاء كأن مات تبين صحة البيع، وبهذا يجمع بين كلامهم اهـ ملخصاً.
(مسألة: ب): ويبطل النذر المعلق بموت المنذور له قبل وجود الصفة، فلو قال لولده: إن ختمت القرآن نذرت لك بكذا لشيء معلوم أو في الذمة، اشترط أن يختم الولد في حياة الأب.
(مسألة ش): نذر بمنفعة نفسه لكافر لم يصح مطلقاً وكذا لفاسق، بما تحصل به مخالطة وإيناس لعدم القربة فيهما بخلافه بما لا تحصل بها، كما يصح لغيرهما مطلقاً لترغيب الشارح في قضاء حاجات المسلم، بل إن اتصف المنذور له بالمنفعة المذكورة بنحو علم مع الصيانة، أو زهد أو شرف، كان نفعه بنحو الخدمة من أعظم القرب، وقد كان جرير البجلي يخدم أنساً في الصغر مع كونه أصغر سناً منه رضي الله عنهما، نعم إن نذر الفاضل كذي علم وزهادة خدمة ذي دنيا لم يصح صيانة للعلم كما لا يخفى، وحيث صح النذر فإن قيده بزمن معلوم تقيد به، وإن أطلق بأن قال: نذرت بخدمتي أو بمنفعتي تأبد، ويتناول كل خدمة تكون قربة بحيث لو نذرها بعينها صح نذره، نعم يستثنى كل وقت لا يجب على الأجير العمل فيه.
(مسألة: ش): نذر أو أوصى بمنفعة عين لشخص مدة حياته، كان ذلك مجرد إباحة لزمت بالنذر أو الموت مع القبول لا تمليكاً، فليس له إجارتها وإعارتها، كما لو نذر له أن يسكن الدار أو يخدمه العبد، وكذا باستخدامه على المعتمد، فإذا مات المنذور له عادت للناذر، فوارثه كالوصية بذلك، بخلاف النذر بالمنفعة والخدمة والسكنى والركوب مع الإطلاق أو التقييد بمدة معلومة، فيملكه المنذور له ويؤجر ويعير ويوصي به ويورث عنه، وأما النذر والوصية بعين الشخص مدة معلومة كسنة فلغو، لأن تأقيت الأعيان فاسد ومفسد، بخلاف تأقيتها بمدة حياته فتصح ويملكها المنذور له أبداً كالمعمرى والرقبى للحديث الصحيح فيهما اهـ. وعبارة ب : نذر له بشيء أو وهبه مع الإقباض، على أنه إن مات قبله رجع له صح بشرطه وملك المنذور له أو المتهب مؤبداً ولُغي الشرط كما في العمرى والرقبى، فيصح عقدهما لا شرطهما، كما أفتى به ابن حجر فيما لو أوصى لآخر بشيء وقال: إن مات قبل البلوغ عاد لوارثي، وكما لو نذر له بكذا مدة حياته فيتأبد كما في التحفة.
[فائدة]: نذر بقطعة أرض محفوفة بأملاكه صح على الأوجه، وللمنذور له المرور في أي جانب ما لم يتصل بملكه أو شاع، فليس له المرور في ملك الناذر حينئذ فيما يظهر، اهـ فتاوى ابن حجر.
(مسألة: ش): نذر له ببطن سيل سابغ ينتفع به في أرضه، فالمتبادر من ذلك أنه ما يزرع أو يغرس على السيل فينبت وينمو نموّ مثله ويجفّ بسبب جفاف رطوبته فينزل عليه ذلك حيث لم يرد غيره، لأن نموّه بسبب سيل آخر، ولولاه لكان قد جفّ، لم يشمله النذر بل مدة النذر المجهولة انتهت بالجفاف المقدور ويعرف بالعادة، فلو اعتاد نحو العطب بقاءه على ذلك السيل أربع سنين مثلاً بالنسبة إلى تلك الأرض فما بعدها لم يشمله النذر لكنه مغروس بحق، إذ ليس فيه تقصير من المنذور له، فحينئذ لا يكلف مالكه القلع، بل يتخير مالك الأرض بين القلع بالأرش والإبقاء بالأجرة والتمليك بالقيمة، وأما الزرع كالذرة فيتعين إبقاؤه إلى الحصاد أو القطع بلا أجرة.