كتاب الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني
محتويات
- بحث فيمن ادعى الصحبة كذاباً
- بحث آخر في النسخ الموضوعة
- بحث ثالث في ذكر الوضاعين المشهورين المكثرين من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
- االعودة إلي كتاب الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة
بحث فيمن ادعى الصحبة كذاباً
منهم : مكلبة بن ملكان الخوارزمي .
زعم أن له صحبة ، وأنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعاً وعشرين غزوة . وكان في حدود أربعين ومائة .
قال الدارقطني ، وابن حجر وغيرهما : إنه شخص كذاب ، أو لا وجود له . وقال ابن الجوزي في جامع المسانيد : إعجوبة من العجائب : مكلبة ابن ملكان . أمير خوارزم بعد الثلاثمائة بقليل ادعى الصحبة ، وأنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعاً وعشرين غزوة . فإن كان قد صح السند إليه بهذه الدعوى . فقد افترى في هذه الدعوى ، وإن لم يكن السند إليه صحيحاً _ وهو الأغلب على الظن _ فقد ائتفكه بعض الرواة ، ولم يرو عنه إلا المظفر بن عاصم العجلي ، ولست أعرفه ، والغالب أنه نكرة لا يعرف
ومنهم : سرباتك ، ملك الهند في بلد قنوج . قال : له سبعمائة سنة .
وزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفذ إليه حذيفة ، وأسمامة ، وصهيبا وغيرهم يدعونه إلى الأسلام . فأجاب وأسلم .
قال الذهبي : هذا كذب واضح .
وزعم أيضاً : أنه زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتين ، مرة بمكة ، ومرة بالمدينة .
ومات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ، وهو ابن ثمانمائة سنة وأربع وتسعين .
ومنهم : جابر بن عبد الله اليمامي . وقيل : العقيلي ، حدث ببخارى بعد المائتين . أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
قال في اللسان : كان كاذباً جاهلا ، بعيد الفطنة .
ومنهم : جبير بن الحارث .
قال ابن حجر في اللسان ، عن الأمير عبد الكريم بن نصر . قال : كنت مع الإمام الناصر في بعض متنزهاته للصيد . فلقينا في أرض قفر بعض العرب فاستقبلنا مشايخهم وقالوا : يا أمير المؤمنين عندنا تحفة ، وهي : إنا كلنا أبناء رجل واحد ، وهوحي يرزق ، وقد أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحضر معه الخندق ، واسمه جبير بن الحارث ، فمشوا إليه ، وإذا هو في عمود الخيمة معلق ، مثل هئية الطفل . فكشف شيخ العرب عن وجهه ، وتقرب إلى أذنه . وقال : يا أبتاه : ففتح عينيه . وقال . : هذا الخليفة جاء يزورك فحدثهم .فقال : حضرت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخندق . فقال لي : احضر يا جبير جبرك الله ومتع بك ، وأوصاني . وذلك : في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة .
ومنهم : رتن الهندي .
قال الذهبي : وما أدراك ما رتن ؟ شيخ دجال _ بلا ريب _ ظهر بعد الستمائة . فادعى الصحبة وقيل : إنه مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ، وقد كذب وكذبوا عليه .
ومنهم : معمر بن شريك .
ادعى الصحبة ، وإنه عاش أربعمائة سنة .
قال ابن حجر : وهذا من جنس رتن .
ومنهم : قيس بن الطائي الكيلاني .
حدث سنة سبع عشرة وخمسمائة بمدينة كيلان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآلة وسلم ، وسمع منه جماعة أكثر من أربعين حديثاً
قال ابن حجر : هو من نمط شيخ العرب ، ورتن الهندي .
ومنهم : عثمان بن الخطاب أبو عمرو البلوي ، المعروف بأبي الدنيا الأشج .
قال الذهبي في الميزان : ظهر على أهل بغداد ، وحدث بعد الثلاثمائة عن علي بن أبي طالب ، فافتضح وكذبه النقاد .
ومات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة .
ومنهم : علي بن عثمان بن خطاب .
قال ابن حجر : حدث سنة إحدى عشرة وثلاثمائة بالقيروان عن علي ابن أبي طالب .
وزعم أنه رأى الخلفاء الأربعة .
ومنهم : جعفر بن نسطور .
ادعى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا له بطول العمر ، وعاش ثلاثمائة وأربعين سنة .
قال في الذيل : لا وجود له ، وهو من الكذابين الذين ادعوا الصحبة بعد المائتين . انتهى .
ومما يدفع دعاوى هؤلاء : إجماع أهل العلم أن آخر الصحابة موتاً في جميع الأمصار : أبو الطفيل عامر بن واثلة الجهني . وكان موته سنة اثنتين ومائة بمكة .
بحث آخر في النسخ الموضوعة
فمنها : الأربعون الودعانية ، وهي التي يقال لها في ديار اليمن البسيلقية .
صرح بذلك : جماعة من الحفاظ .
قال الصنعاني : وأول هذه الدعانية : كأن الموت فيها على غيرنا كتب ، وآخرها : ما من بيت إلا وملك يقف على بابه كل يوم خمس مرات _ إلخ .
قال في الذيل : إن الأربعين الودعانية : لا يصح منها حديث مرفوع على هذا النسق في هذه الأسانيد ، وإنما يصح منها ألفاظ يسيرة ، وإن كان كل منها حسناً وعظة ، فليس كل ما هو حق حديثاً ، بل عكسه ، وهي مسروقة سرقها ابن ودعان من واضعها زيد بن رفاعة . ويقال : إنه الذي وضع رسائل إخوان الصفا . وكان من أجهل خلق الله في الحديث : وأقلهم حياء ، وأجرأهم على الكذب . انتهى .
وقد ذكر هذا : الذهبي في مؤلفاته وكرره .
ومنها : كتاب فضل العلم ، لشرف الدين البلخي ، وأوله : من تعلم مسألة من الفقه .
ومنها : وصايا علي رضي الله عنه .
قال في الخلاصة : كلها موضوعة سوى الحديث الأول ، وهو : أنت مني بمنزلة هرون من موسى . قال الصنعاني .
ومنها : وصايا علي كلها ، التي أولها : يا علي لفلان ثلاث علامات ، وفي آخرها : النهي عن المجامعة في أوقات مخصوصة ، كلها موضوعة
قال في اللآلىء : وكذا وصايا علي موضوعة ، واتهم بها حماد بن عمرو ، وكذا وصاياه التي وضعها عبد الله بن زياد .
ومنها : الأحاديث الموضوعة بإسناد واحد ، أحاديث الشيخ المعروف بأبي الدنيا ، وهو الذي يزعمون أنه أدرك علياً وعمر طويلا .
ومنها : أحاديث ابن نسطور الرومي ، وأحاديث يسر ويغنم ، وسالم وخراش ، ودينار عن أنس . كلها موضوعة .
ومنها : أحاديث أبي هدبة القيسي .
ومنها : الكتاب المعروف ، بمسند أنس البصري ، مقدار ثلاثمائة حديث .
يروي سمعان بن المهدي عن أنس ، وأوله : أمتي في سائر الأمم كالقمر في النجوم .
قال في الذيل : لا يكاد يعرف ، ألصقت به نسخة موضوعة ، قاتل الله واضعها ، وقال في اللسان : هي من رواية محمد بن مقاتل الرازي ، عن جعفر بن هرون عن سمعان . قال الصنعاني .
ومنها : الأحاديث التي تروى في تسمية أحمد ، لايثبت منها بشيء .
ومنها : خطبة الوداع عن أبي الدرداء ، وأولها : ألا لايركب أحدكم البحر عند ارتجاجه .
قال في اللآلىء : وكذا الخطبة الأخيرة عن أبي هريرة ، وابن عباس بطولها موضوعة .
وقال في الوجيز . قال ابن عدي : كتب جملة عن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن آبائه إلى علي رفعها ، وهي : نسخة فيها نحو ألف حديث : عامتها مناكير .
قال الدارقطني : إنه من آيات الله وضع ذلك الكتاب ، يعني : العلويات .
قال ابن حجر : وسماه السنن بسند واحد .
منها : لا خيل أبقى من الدهم ، ولا امرأة كابنة العم .
ومنها : نسخة من رواية عبد الله بن أحمد بن أبيه عن علي الرضا : عن آبائه ، كلها موضوعة باطلة .
ومنها : نسخة وضعها إسحاق الملطي ، كلها وضعها هو .
ومنها : كتاب العروس ، لأبي الفضل جعفر بن محمد بن علي .
قال الديلمي : كلها واهية ، لا يعتمد عليها ، وأحاديثه منكرة .
ومنها : النسخة المروية عن ابن جريج ، عن عطاء بن سعيد ، وفيها : الوصية لعلي ، في الجماع وكيف يجامع ، كلها كذب .
ومنها : نسخة أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط عن أبيه عن جده ، كلها موضوعة .
فهذه النسخ المشهورة عند أهل الحديث بالوضع ، وثم نسخ موضوعة غيرها معروفة عند من يعرف هذه الصناعة ، وأكثرها من وضع الرافضة ، وهي موجودة عند أتباعهم .
وقد قدمنا في باب فضائل القرآن ، ذكر الكتب الموضوعة في التفسير .
بحث ثالث في ذكر الوضاعين المشهورين المكثرين من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال ابن الجوزي _ رحمه الله تعالى _ الوضاعون خلق كثيرة ، فمن كبارهم : وهب بن وهب القاضي [ أبوا ] البختري ، ومحمد بن السائب الكلبي ، ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب ، وأبو داود النخعي ، وإسحاق بن نجيح الملطي ، وغياث ابن إبراهيم ، والمغيرة بن سعيد الكوفي ، وأحمد بن عبد الله الجوبياري ، ومأمون ابن أحمد ، ومحمد بن عكاشة الكرماني ، ومحمد بن القاسم الطايكاني ، ومحمد ابن زياد اليشكري . انتهى .
وقال النسائي : الكذابون المعروفون بالوضع أربعة : ابن أبي يحيى بالمدينة ، والواقدي ببغداد ، ومقاتل بن سليمان بخراسان ، ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام .
قيل : وضع الجويباري ، وابن عكاشة ، ومحمد بن تميم الفارقاني ، أكثر من عشرة آلاف حديث ، فخلق الله علماء يذبون ، ويوضحون الصحيح ، ويفضحون القبيح ، فهم حراس الأرض وفرسان الدين ، كثرهم الله إلى يوم القمامة .
قال ابن الجوزي _ رحمه الله _ إن من وقع في حديثه الموضوعة والكذب والقلب أنواع .
منهم : من غلب عليهم الزهد ، فغفلوا عن الحفظ .
ومنهم : من ضاعت كتبه ، فحدث من حفظه فغلط .
ومنهم : قوم ثقات ، لكن اختلطت عقولهم في آخر أعمارهم .
ومنهم : من روى الخطأ سهواً ، فلما تبين الصواب لم يرجع ، أنفة من أن ينسب إلى الغلط
ومنهم : زنادقة وضعوا لقصد إفساد الشريعة ، وإيقاع الشك ، والتلاعب بالدين . قال حماد بن زيد : وضعت الزنادقة أربعة آلاف حديث ، ولما أخذ ابن أبي العوجاء لتضرب عنقه ، قال : وضعت فيكم أربعة آلاف حديث ، أحرم فيها الحلال ، وأحل الحرام .
ومنهم : من يضع نصره لمذهبه ، تاب رجل من المبتدعة فجعل يقول : انظروا عمن تأخذون هذا الحديث ، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً .
ومنهم : من يضع حسبة ترغيباً وترهيباً ، ومضمون فعلهم أن الشريعة ناقصة تحتاج إلى تتمة .
ومنهم : من أجاز وضع الأسانيد لكلام حسن .
ومنهم : من قصد التقرب إلى الساطان .
ومنهم : القصاص ؛ لأنهم يريدون أحاديث ترقق وتنفق . وفي الصحاح : يقل مثل ذلك ، ثم إن الحفظ يشق عليهم ، ويتفق عدم الدين ويحضرهم جهال . وما أكثر ما تعرض علي أحاديث في مجلس الوعظ . قد ذكرها قصاص الزمان فأردها فيحقدون علي . انتهى .
ومن أسباب الوضع : ما يقع لمن لا دين له عند المناظرة في المجامع ، استدلالاً على ما يقوله بما يطابق هواه ، تنفيقاً لجداله وتقويماً لمقاله . واستطالة على خصمه ، ومحبة للغلب ، وطلباً للرياسة ، وفراراً من الفضيحة ، إذا ظهر عليه من يناظره ، ومن تنفيق المدعي للعم لنفسه على من يتكلم عنده ، إذا عرض البحث عن حديث ، ووقع السؤال عن كونه صحيحاً أو ضعيفاً أوموضوعاً ، فيقول : من كان في دينه رقة ، وفي علمه دغل : هذا الحديث أخرجه فلان ، صححه فلان ، وينسب ذلك إلى مؤلفات يقل وجودها ، تظهراً منه بأنه قد اطلع على ما لم يطلعوا عليه ، وعرف ما لم يعرفوا ، وربما لم يكن قد قرع سمعه ذلك اللفظ المسئول عنه قبل هذه المرة ، فإن هذا نوع من أنواع الوضع ، وشعبة من شعب الكذب ، وقد يسمعه من لم يقف على حقيقة حاله . فيعتقد صحة ذلك ، وينسب ذلك الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول : رواه فلان ، صححه فلان ، كما قال ذلك المخذول .