اسم الكتاب: الأخلاق
المؤلف: د. أحمد محمد أبو عوض
الموضوع: الأخلاق
- المقدمة
- أهمية الأخلاق
- المحور الأول : تعريفات ومفاهيم
- أولاً : معنى الأخلاق في اللغة
- ثانياً : الأخلاق في الاصطلاح
- ثالثاً : مفهوم العمل
- رابعاً : معنى المنظور الإسلامي
- المحور الثاني : العمل في الإسلام
- المحور الثالث : أخلاق العمل
- المحور الرابع : تراجع اخلاق العمل و طرق تقويمها
- ملخص البحث
- أهم التوصيات
- المراجع
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد ، وعلى آلة ، وصحبة أجمعين . وبعد :
فإن للأخلاق اهمية بالغة لما لها من تأثير كبير في حياة الإفراد والجماعات والأمم ، ولهذا فقد حفل القرآن الكريم بها واعتنى بها أيما عناية ، فقد بينت سور القرآن الكريم وآياته أسس الأخلاق ومكارمها ، وكذلك اعتنت السنة النبوية بالأخلاق والمعاملات عناية فاقت كل التصورات ، فقد عد بعض العادين – فيما وقع لهم – أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجودوها ستين الف حديث عشرون منها في العقائد ، وأربعون في الأخلاق والمعاملات ، وهذا بلا شك دليل على عناية السنة بالأخلاق كعناية القرآن الكريم بها . فقد قال تعالى : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) (القلم 4) يمتدح الله تعالة نبيه بحسن الخلق تاره ، ويامره بمكارم الأخلاق ومحاسنها تارةأخرى ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) ( الأعراف 199) .
أهمية الأخلاق :
1- للأخلاق أهمية بالغة باعتبارها من أفضل العلوم وأشرفها واعلاها قدراً ، لذلك نجد بعض العلماء عندما يتحدث عن بيان قيمة علم الاخلاق بالنسبة الى العلوم الأخرى يقول بعضهم : إنه إكليل العلوم جميعاً ، ومنهم من يقول : إنه تاج العلوم ، ومنهم من يقول : إنه زبدة العلوم . ذلك أن العلوم الأخرى تساعد أساساً على الأخلاق في الكشف عن النافع والضار ، والخير واشر وهما موضوع الأخلاق ، فتعتبر تلك العلوم وسائل معينة لتحقيق هذا العلم . كما أن علم الأخلاق يستخدم العلوم الأخرى في الكشف عن مهمته وتحقيق أهدافه.
2- إن السلوكيات الأخلاقية وآدابها هي التي تميز سلوك الإنسان عن سلوك البهائم في تحقيق حاجاته الطبيعية ، أو في علاقاته مع غيره من الكائنات الأخرى ، فالأداب الأخلاقية في كل المعاملات وقضاء الحاجات الإنسانية زينة الإنسان وحليته الجميلة ، وبقدر ما يتحلى بها الإنسان يضفي على نفسه جمالاً وبهاءً ، وقيمةإنسانية .
ولا شك أن سلوك السلوك الأخلاقي دليل علىما في نفس الإنسان من خير ، وصلاح اخلاقه دليل على صلاح سريرته والعكس صحيح ، فسلوك الإنسان موافق لما هو مستقر في نفسه من معان وصفات ، يقول الامام الغزالي " فإن كل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة " .
3- إن هدف الأخلاق تحقيق السعادة في الحياة الفردية والجماعية . ذلك أن الحياة الأخلاقية هي الحياة الخيره البعيدة عن الشرور بجميع أنواعها وصورها ، فإذا انتشرت الأخلاق انتشر الخير والأمن والأمان الفردي والجماعي ، فتنتشر الثقة المتبادلة والألفة والمحبة بين الناس واذا غابت انتشرت الشرور وزادت العداوة والبغضاء ، وتناصر الناس من أجل المناصب ، والمادة ، والشهوات . فلابد من القيم الأخلاقية الضابطه لهذه النوازع والا كثرت الشرور التي هي سبب التعاسة والشقاء في حياة الأفراد والجماعات ولهذا قال أحد الأخلاقيين الفرنسيين : إن الحياة من غير قيم – وان كانت حلوة على الشفاه – فإنها مرة على القلوب والنفوس .
4- إنها وسيلة لنجاح الإنسان في الحياة :
فالانسان الشرير المعتدى على أموال الناس وانفسهم وأعراضهم ، لايمكن أن يكون محبوباً بين الناس ، فلا يثقون به ، ولا يتعاملون معه، ثم إن الغشاش لابد أن ينكشف يوماً من الأيام فيظهر غشة وخداعه إن عاجلاً وإن آجلاً . وقد قال الشاعر :
ومهما يكن عند امرء من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
فإذا انكشف غشه وخداعه لا شك أنه معاقب بعدم التعامل معه إن كان تاجراً ، أوبعزلة من وظيفته ابن كان موظفاً وهكذا .
5- أنها وسيلة للنهوض بالأمة :
" ذلك أن التأريخ يخبرنا أن سقوط كثير من الأمم والحضارات كان بسبب انهيار الأخلاق كما قرر ذلك ان خلدون وغيره .
و قد سئل أحد وزراء اليابان ما سر تقدم اليابان هذا التقدم ؟ فقال الوزير: " السر يرجع إلى تربيتنا الأخلاقية .. "
" ولهذا كان النهج السديد في اصلاح الناس وتقويم سلوكهم وتيسير سبل الحياة الطيبة لهم أن يبدأ المصلحون باصلاح النفوس وتزكيتها وغرس معاني الأخلاق الجيدة فيها ولهذا اكد الإسلام على صلاح النفوس وبيّن أن تغير أحوال الناس من سعادة وشقاء ، ويسر وعسر ، ورخاء وضيق ، وطمأنينة وقلق ، وعز وذل كل ذلك ونحوه تبع لتغير ما بأنفسهم من معان وصفات" .
المحور الأول : تعريفات ومفاهيم :
قبل الحديث عن أخلاق العمل من منظور إسلامي يحسن بنا أن نعرج على بعض المعاني اللغوية ، والمفاهيم الاصطلاحية عساها أن تسعفنا ببعض الإضاءات الكاشفة عند ولوج أبواب الحديث عن هذا الموضوع المهم ، لذا سنعّرف الأخلاق في اللغة والاصطلاح ، ثم نتعرف إلى مفهوم العمل من خلال المنظور الإسلامي تمهيداً للحديث عن اخلاقه التي هي الهدف من هذا البحث .
أولاً : معنى الأخلاق في اللغة :
إن الناظر في كتب اللغة بجد أن كلمة أخلاق تطلق ويراد بها : الطبع والسجية ، والمروأة والدين. وحول هذه المعاني يقول الفيروزابادى " الخُلْقُ بالضم وضمتين السجية والطبع والمروأة والدين" ويقول ابن منظور : " الخُلُقُ والخُلْقُ السجية .. فهو بضم الخاء وسكونها الدين والطبع والسجية "
ثم يفسر ابن منظور ذلك بقوله " وحقيقته ، أي الخلق ، أنه لصورة الإنسان الباطنة ، وهي نفسه ، وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ولهما أوصاف حسنة وقبيحة "
وفي هذا المعنى يقول الراغب الأصفهاني " الُخْلقُ في الأصل شيء وآحد كالشّرب والشُّرب والصَّرْمِ والصَّرْمِ لكن خص الخَلْقُ بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر ، وخُص الخُلْقُ بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة . قال تعالى ( وإنك لعلى خُلق عظيم ).
وقرىء : إن هذا إلاخَلْقُ الأولين ، والخلاق ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخُلُقِه قال تعالى ( وماله في الأخرة من خلاق ) (البقرة 200) وفلان خليق بكذا : أي كأنه مخلوق فيه ذلك كقولك مجبول على كذا ، أو مدعو اليه من جهة الخَلْقِ .. )
ومن خلال هذا العرض اللغوي يمكن ملاحظة ثلاثة أمور هي :
1- الخُلُق يدل على الصفات الطبيعية في خلقة الإنسان الفطرية على هيئة مستقيمة متناسقة .
2- تدل الأخلاق علىالصفات المكتسبة حتى اصبحت كأنها خلقت فيه فهي جزء من طبعه .
3- أن للأخلاق جانبين : جانب نفسي باطني ، وجانب سلوكي ظاهري .
ثانياً : الأخلاق في الاصطلاح :
عرف العلماء الأخلاق بتعريفات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ولكن سنذكر أهم تلك التعريفات ومنها :
1- تعريف ابن مسكويه ، فقد عرف الأخلاق بأنها " حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية . وهذه الحال تنقسم الى قسمين: منها ما يكون طبيعياً من أصل المزاج ، كالإنسان الذي يحركة أدنى شيء نحو غضب ويهيج من أقل سبب ، وكالإنسان الذي يجن من ايسر شيء كالذي يفزع من أدنى صوت يطرق سمعة أو يرتاع من خبر يسمعه ، وكالذي يضحك ضحكاً مفرطاً من أي شيء يعجبه ، وكالذي يغتم ويحزن من أيسر شيء يناله . ومنها ما يكون مستفاداً بالعادة والتدريب ، وربما كان مبدؤه الفكر ، ثم يستمر عليه أولاً فأولاً حتى يصير ملكة وخلقاً "
2- تعريف الغزالي حيث عرفها بأنها " هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بيسر وسهولة من غير حاجة الى فكر وروية ) .
ويلاحظ من التعريفين السابقين أنهما يجنحان إلى منهج فلسفي الى حد بعيد فابن مسكويه كما يقول عبدالله دراز " كان متأثراً في تفكيره الأخلاقي بالتفكير الأرسطى ، بل كان يتبع ارسطوا في هذا التفكير تماماً .. ولا أقول إن أفكار أولئك نسخه من أفكار هؤلا في جميع نواحيها ذلك أن للإسلام ولجهودهم الفكرية أثر في بعض نواحي تفكيرهم أيضا)
ومع ذلك فإن التعريفين قد كشفا لنا معان مهمة من معاني الأخلاق فهي صفات مستقره في النفس الإنسانية تصدر عنها لافعال وردوها سريعة بطريقه تلقائية لا تكلّف فيها ، وبهذا تظهر الأخلاق .
3- عرفها عبدالكريم زيدان بقوله " ويمكننا تعريف الأخلاق بأنهامجموعة من المعاني والصفات المستقره في النفس وفي ضوئها وميزانها يحسن الفعل في نظر الإنسان أو يقبح ، ومن ثم يقدم عليه أو يحجم عنه )
ولا يخفى أن هذا التعريف هو نفسه تعريف الغزالي مع إضافات غير خافية وتكمن اضافته الحسنة بأن المعاني والصفات المستقرة في النفس هي الضابط للإقدام والإحجام عن الفعل بحسب حسنة وقبحه .
وقد عرفها بعض العلماء بأنها " التحلي بالمليح والتخلي عن القبيح "
ولا شك أن هذا التعريف هو أخصر من التعريفات السابقة ، وأقرب الى الدلالة على المطلوب ، ولكن لو قيد بحسب الشرع لكان ذلك أحسن في نظرنا لتفادي توهم التحسين والتقبح العقليين وذلك غير مراد، فلو قيل " فعل المليح والتخلي عن القبيح بحسب الشرع " لكان هذا اولى حتى ننأى بالتعريف عن المناهج والتعريفات الفلسفية . وقد تنبه لذلك بعض الباحثين الأفذاذ مثل الدكتور يالجن فحدد مفهوم الأخلاق في الإسلام بقوله : " يمكن تحديد مفهوم الاخلاق في نظر الإسلام بأن الأخلاق عبارة عن علم الخير والشر والحسن والقبح وله قواعده التي حددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان وتحديد علاقته بغيره على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه "
والملاحظ أن الأخلاق في المعنى الاصطلاحي لا تبتعد كثيراً عن المعنى اللغوي – فنجد بينهما نسباً وصهراً ( فالعلماء يريدون بها تلك الصفات التي تقوم بالنفس على سبيل الرسوخ ، ويستحق الموصوف بها المدح أو الذم ) ولا شك أن المعاني اللغوية تدور حول هذه المفاهيم الاخلاقية كالدين والمروأه ويستحق من اتصف بها الذم والعكس صحيح ، فإن الأخلاق الكريمة مما تدعو اليها العقول السليمة والفطر المستقيمة ، ولهذا فإن الناس قد تعارفوا على أن الصدق والأمانة والوفاء بالعهود ونحو ذلك من الأخلاق الكريمة ، كما تعارفوا عن أن الكذب والغش والخيانة من الاخلاق الذميمة التي ترفضها العقول السليمة والفطر المستقيمة ، ثم جاءت الشريعة داعية الى المعروف من الأخلاق ناهية عن المنكر منها ، فقد قال صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .
ثالثاً : مفهوم العمل :
العمل كما جاء في القاموس هو : ( المهنة والفعل وجمعه أعمال ، وأعمله واستعمله غيره ، واعتمل عَمِل بنفسه )
وقال الراغب الأصفهاني" العمل : كل فعل يكون من الحيوان بقصد فهو أخص من الفعل لان الفعل قد ينسب الى الحيوانات التي يقع منها بغير قصد... والعمل يستعمل في الأعمال الصالحة والسيئة "
والظاهر أن هناك فرقاً بين العمل والمهنة فكل مهنة عمل وليس كل عمل مهنة لأن المهنة تقتضي الاتقان والمعرفة الدقيقة بخلاف العمل ، فقد يعمل الإنسان في عمل لا يتقنه فلا يمكن أن نسميه ممتهناً له حتى يتقنه إلا أن يتجوز في ذلك .
وعليه فإن مفهوم العمل بمعناه الواسع في الإسلام هو : " كل جهد وعمل مادى أومعنوى أو مؤلف منهما معاً يعد عملاً في نظر الإسلام ، فعامل المصنع ومديره ، والموظف في الدولة ، والتاجر ، وصاحب الأرض ، والطبيب ، والمهندس ، كل هئولاء عمال في الدولة الإسلامية"
رابعاً : معنى المنظور الإسلامي :
نقصد بقولنا من منظور إسلامي أي من خلال نظرة إسلامية فاحصة متروية ، وأصل النظر في اللغة " تقليب البصر والبصيره لإدراك الشيء ورؤيته ، وقد يراد به التأمل والفحص .. " والمقصود هنا هو معرفة أخلاق العمل وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
FOOTNOTE
7 .
- علم الاخلاق الإسلامية ، مقداد يالجن ، ص 7 .
- اصول الدعوة ، عبدالكريم زيدان ، ص 79 .
- علم الاخلاق الإسلامية ، مقداد يالجن ، ص 8 .
- علم الآخلاق الإسلامية ، مقداد بالجن ، ص 8-10 .
- أصول الدعوة ، عبدالكريمزيدان ، ص 80.
- القاموس المحيط ، فصل الخاء : باب القاف ، ص 236
- لسان العرب ،مادة : خلق ، حـ2 ، ص 1244-1245 .
- نفسه ، المادة نفسها .
- المفردات في غريب القرآن ، الراغب الأصفهاني ، ط 1 ، تحقيق وضبط محمد خليل عيتاني ، دار المعرفة ، بيروت لبنان ، 1418هـ 1998م ، مادة خلق ، ص 164 .
- علم الأخلاق الإسلامية ، مقداد بالجن ، ط 1 ، الرياض 1413، 1992م ص 34 .
- تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق ، ابن مسكويه ، ط2 ، تقديم حسن تميم دار مكتبة الحياه للطباعة والنشر ، بيروت . ص 51 .
- أصول الدعوه ، عبدالكريم زيدان ، ط 3 ، دار العرفا ، مطر ، 1408هـ . ص 79 .
- علم الاخلاء الإسلامية ، مقداد بالجن ، ص 43 .
- أصول الدعوه ، ص 79 .
- التربية الأخلاقية الإسلامية ،مقداد يالجن ، ط1 ، دار عالم الكتب ، الرياض ، 1412هـ 1992م .ص 81 .
- نحو ثقافة إسلامية أصيلة ، عمر الأشقر ، ط 10 ، دار النفائس ، عمان ، 1421، 2000م ، ص 157 ، عن بصائر ذوي التمييز ن 2/658 .
- الفيروزا بادى، فصل العين باب اللام .ط 1 ، ص 22 .
- المفردات ، مادة : عمل ، ص 351
- نحو ثقافة إسلامية أصيلة ، عمر سليمان الأسقر ، ص 303 .
- المفردات مادة ، نظر ، ص 499