اسم الكتاب: لمحة عن التصوف
المؤلف: غير معلوم
الموضوع: علم التصوف
محتويات
- بين يدي الكتاب
- حقيقة التصوف
- إسلام ، أيمان ، إحسان
- قول ابن عطاء الله السكندري في التصوف
- بعض أحوال أهل التصوف
- ضرورة اقتداء المريد بشيخ
- أدب المريد لشيخه
- نصيحة أخيرة
بين يدي الكتاب
الحمد لله رب العالمين ، حمداً يوافي نعمه ، ويكافئ مزيده ، با ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، فلك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا .
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين ، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد في الآخرين ، وصل وسلم هلى سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين. وبعد :
فهذه مجموعة من آداب وقواعد تشكل في التعبير الأعجمي المعاصر (بروتوكول) بين فيها مؤلفها رضي الله عنه كيفية تعامل المريد والسالك لطريق الله مع شيخه في التربية ، ألفها الشيخ الولي العارف بالله تعالى والداعي إليه سيدي محمد البوزيدي رضي الله عنه .
ويعلم الله وحده كم عانيت قبل الشروع في هذا التقديم ، وكم ماطلت وسوفت وتمنيت أن أغفى من كتابته لما في ذلك من مشقة على النفس ، وتيبت من الخوض فيما لا ناقة لي فيه ولا جمل ، وذلك لأمر بسيط ، وهو أني لست من أهل التصوف ، ولا من المريدين ، ولا السالكين ، ولا من الصادقين ، بل ولا حتى من المحبين ، إنما رأسمالي وبضاعتي المزجاة هو شبهة المزجاة محبة للسلف الصالح أهل العلم الحقيقي ، والمعرفة الحقة ، واليقين في الدين ، والزهد في الدنيا ، فمن كان مثلي مشبوه المحبة هل يحق له أن يتكلم فيها ! وأني لي أن أخوض في الكلام عن قوم اختصهم الله بالمعرفة والعلم والعمل ، وخلاهم من كل خلق دني ، وحلاهم بكل خلق حميد كريم ، واصطفاهم لنفسه !
وتعود صعوبة التقديم لأسباب كثيرة ، أهمها أن في هذا التقديم خوضاً في مسائل التصوف علماً وعملاً ، وإجابة على بعض الافتراءات والمسائل والإشكالات التي تثار بين الفينة والفينة ، كقول بعضهم : هل يحتاج الإسلام إلى تصوف؟ وإذا ما كانت ثمة حاجة للتصوف فما الذي أضافه التصوف إلى الإسلام من جديد ؟ وغير ذلك من الأسئلة التي يثيرها أعداء الصوفية والتصوف بشكل عام ، لا سيما ونحن نعيش في وقت ازدادت فيه الهجمة الشرسة على هذه الطريقة الشريفة المنيفة من أناس يدعون العلم ، وربما يكون منهم من أصاب بعض درجات العلم بنيله أجازات أكاديمية كـ (الدكتوراة) في بعض فروع العلم الشرعي ، فظن نفسه الإمام أحمد ، أو الشافعي ، أو مالكاً ، أو أباحنيفة رضي الله عنهم ، ونصب من شخصه مفتياً أو قاضياً ، ثم أجاز لنفسه الاعتراض على سادة الأمة وقادتها ، وأخذ يترنم بمقولة أحدهم : هم رجال ونحن رجال!" وهي مقولة حق أريد بها باطل ، خاصة في ايامنا النحسات ، وهي وإن كان قائلها أحد الأئمة الأعلام في وقته ، لكنها استغلت أسوأ استغلال من بعض مدعي العلم في وقتنا هذا ، زسنأتي على دحض المدعين بها في ثنايا هذا الكتاب المبارك وبيان أنه لا مجال للشبه ولا القياس بين هؤلاء وأولئك .
حقيقة التصوف
ودعني يا أخي الكريم أقول – مستعيناً بالله – بادئ ذي بدء :
أما التصوف وحقيقته ، وأصوله ، وفروعة ، وموضوعاته ، وأخلاقه ، وسلوكياته ... فقد عُرف منذ بدء الإسلام ، ومن قال غير ذلك فقد أخطأ من حيث التاريخ ، والعلم ، ولا حجة له ولا سند إلا اتباع قول المخالفين المعاندين للتصوف ، ويكون بقوله هذا قد قلب خطأه إلى حطيئة وكان ذلك جرماً في حق الإسلام وأئمته العظام ، لأنه ما من إمام من أئمة المسلمين المعتبرين إلا وكان من أبز سماته ، وافضل خصاله ، وأحسن شمائله أنه (صوفي) كما ورد في تراجمهم ، وارجع إن شئت إلى كتاب التراجم والأعلام وطبقات القوم رضي الله عنهم تجد ذلك واضحاً بيناً ، فما كانت سمة (التصوف) أو : (صوفي) سمة جرح أو صفة ذم في يوم من أيام السلف الصالح ، إلى أن جاء في أيامنا هذه بعض من قلب الموازين ، وتجرأ على حرمات خير أمة أخرجت للناس ، وافرطوا في عداوة أهل الله من الأولياء والصالحين ، فشغلوا ساعاتهم وليليهم وأيامهم في التأليف والنقد والافتراء والتشويه والتجريح ، فنفروا الناس من هذه الطريقة الشريفة وأهلها ، كل ذلك بحجة سد الذرائع ، تلك القاعدة المظلومة ، أو النهي عن المنكطر ، ومحاربة البدعة ، وبحجة الخوف على الناس من الانتكاس والعودة إلى الشرك بعد أن استقر الإيمان والتوحيد في قلوب أهل التوحيد من أمة الإسلام ، مع العلم أن كل ما يلاحظه أولئك القوم على العامة من سلوكيات ربما يكون بعضها خطأ غير مقصود ،
واغلب هذه السلوكيات أبعد شيء عن التهويل بالشرك والوثنية والكفر والردة أو أن تكون سبباً لإهدار الدماء – أعني دماء المسلمين الموحدين من أهل لا إله إلا الله ، وها قد مر على تلك الأمور والعادات مئات السنين عاش فيها آلاف الأئمة والعلماء الثقات فما كفر أحد منهم أحداً لمجرد شبهة أو خطأ غير مقصود ، إلا أن يكون كفراً بواحاً فحكمه معروف لم يختلف على ذلك اثنان ، أما أن توزع شهادات الكفر والابتداع والضلال على كل من هب ودب ومن عباد الله ، دون تحقق وتثبت ، ولا تربى مريدوهم على ذلك الخلق الذميم العديب من الافتراء على الأمة خاصتهم وعامتهم لمجرد أن أخطأ واحد منهم من غير قصد في كلمة أو سلوك لم يجد عالماً يقومه له ، أو يرده فيه إلى الصواب بالحكمة والموعظة الحسنة .
والتصوف من حيث العبادة والخلق بأوسع معانيهما موجود ومشهود في كتاب الله الكريم ، وسنة نبي الإسلام العظيم ، عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ، شأنه في هذا شأن بقية علوم الشريعة .
وإذا لم تكن لفظه (التصوف) قد استعملت في ذاك الوقت ، فقد كانت العبادات والأخلاق ، وتهذيب النفس وتربيتها ، وتخليتها من كل خلق لئيم ذميم ، وتحليتها بكل خلق جميل كريم ، كل هذه الأمور جاءت في دين الله تعالى ، وورد بها الكتاب ، وجاءت بها سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
فهذه الأخلاق والعادات والسلوكيات هي التي أطلق الناس عليها اسم ( التصوف ) فالاسم من هذه الحيثية لا شك حادثٌ .
أما "مادة" الكلمة ومضمونها ومعانيها ومحتواها فهي كما قدمنا سابقاً قديمة قِدَمَ الكتاب والسنة ، وهي بهذا كبقية العلوم سواء بسواء . ولم يكن هذا الأمر بدعاً في يوم من الأيام ، ومعلوم أنه لم يكن في ذاك العهد – أي العهد النبوي ، والقرون الأولى التي بعده – لم يكن فيها علم باسم (علم الفقه وأصوله) ، ولا عرف علم باسم (علم التفسير) وعلم باسم (علم النحو ) ولا غير هذا ولا ذاك من بقية العلوم الشرعية وعلوم الآله ، لكن تلك المادة كانت موجودة بين ثنايا الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، ولما دونت العلوم ، ورسمت قواعدها ومصطلحاتها ، أطلق عليها اسمها حسبما يوافق تلك القواعد والمصطلحات .
فتقول : لماذا تُنكر تسمية (التصوف) ولا تُنكر تسمية بقية علوم الشريعة من فقه وتفسير ومصطلح حديث ونحو ... الخ ، ولماذا تُنكر تسمية (التصوف) ولا تُنكر تسمية (التسلف) أو(التمسلف) نسبة إلى (السلف)؟! إنه حقاً من عجائب الأمور !
يقول العلامة ابن الجزظي – وهو من مراجع أهل الإنكار والعناد لطريق التصوف – أنبأنا محمد بن ناصر : عن ابي إسحاق إبراهيم بن سعد الحبال ، قال : قال أبو محمد بن سعيد الحافظ " "سألت وليد بن القاسم : إلى اي شيء يُنسب الصوفي؟ فقال: كان قوم على دين إبراهيم في الجاهلية يُقال لهم : صوفة ، انقطعوا إلى الله عز وجل ، وقطنوا الكعبة ، فمن شُبهبهم فهم الصوفية" .
وجاء في "المعجم الوسيط " مادة (صوف) : "صوف فلاناً: جعله من الصوفية : وتصوف فلان : صار من الصوفية " .
و (التصوف) طريقة سلوكية قوامها التقشف والتحلي بالفضائل ، لتزكو النفس وتسمو الروح .
و (علم التصوف) : مجموعة المبادئ التي يعتقدها اتلمتصوفة والآداب التي يتأدبون بها ، في مجتمعاتهم وخلواتهم .
و (الصوفي) من يتبع طريقة (التصوف) .
وهكذا يتأكد لنا أن هذه الكلمة عربية قديمة، وردت فى اللغة ومعاجمها، فمن أرجعها الي ( صوفيا) أو ( سوفيا ) أو غير ذلك من كلمات الأعاجم، أو الى اليونانية، فقد أخطأ خطأ فادحاً.
ومن ادعى ان هذه الطريق أو هذه الكلمة بدعة محدثة أو ضلالة فقد كان أشد جهلاً وأنحرافاً، فالتصوف كما عرفناه : أخلاق، وعبادة ، وجهاد وتربية، وسلوك ، وتخلية، وتحلية ، ورياضة ، وسياسة وعلم ، وإحسان وكل ما فيه مبثوث فى آيات القرآن الحكيم، ودين من هذا الدين ، بل هو لب هذا الدين .
اسمع معى يا أخى إلى ما قاله المرحوم عباس محمود العقاد – وهو ليس من أهل التصوف – يقول فى كتابه " الفلسفة القرآنية "
"لكن التصوف فى الحقيقة غير دخيل في العقيدة الاسلامية ، لانه – كما قلنا فى كتابنا " أثر العرب فى الحضارة الاوربية " – مبثوث فى آيات القرآن الكريم، مستكن بأصوله فى عقائده الصريحة ، فالمسلم يقرأ فى كتابه أن : ( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) [ الشورى:11 ] ، فيقرأ خلاصة العلم الذي يعلمه دارس الحكمة الإلهية.
ويقرأفى كتابه: ( ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين ) [ الذاريات:50 ] فيعلم ما يعلمه تلاميذ المتصوفة البوذيين حين يؤمنون بأن ملابسة العلم تكدر سعادة الروح، وأن الفرار إلى الله هو باب النجاه ... فالمسلم الذي يقرأ هذه الايات هو مطبوع على التصوف والبحث عن خفايا الاثار ودقائق الحكمة".