محتويات
المسلم والكافر
المسلم:
معنى الاسلام في اللغة الانقياد والاستسلام، اما الشرع فقد استعمله في معان شتى، منها المسلم الاخلاقي السلبي الذي أشار اليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». فان في غير المسلمين من يكف أذاه عن الناس أجمعين، لا عن المسلمين فقط، وقد سمعنا، وقرأنا عن افراد من الهندوس بلغوا الغاية في المسالمة، حتى لمن اعتدى عليهم.. ومهما يكن، فان المسلم الكامل في خلقه هو من ادى حقوق الناس الى جانب قيامه بحقوق الله جل وعز.
ومنها المسلم العامل الايجابي(1) قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في جواب من سأله أي الاسلام خير: «اطعام الطعام، وإفشاء السلام». وقال: ثلاث من كن فيه فقد جمع الايمان: والانصاف من نفسك، وبذل السلام، والانفاق من الاقتار».
____________
(1) ان الاسلام كما يطلب من الانسان ان لا يجرم، يطلب منه ان يحارب المجرمين».
وإطعام الطعام كناية عن العمل النافع، بخاصة ما كان منه لسد العوز، ودفع الفقر عن المحتاجين، اما السلم والسلام فهو قوام الحياة، قال بعض شراح الحديث: وإنما خص النبي هاتين الخصلتين بالذكر لمسيس الحاجة اليهما.
ومنها المسلم الذي يجري عليه احكام الاسلام من المناكحة والتوارث، وعصمة الدم والمال، وتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه ميتاً، ودفنه في مقابر المسلمين، وبكلمة ان نلتزم ديناً بان له للمسلمين، وعليه ما عليهم، تاركين ما عدا ذلك لجزائه في الآخرة، فعذابه في نار جهنم، بل خلوده فيها لا يمنع ابداً من ان نجري عليه حكم الاسلام، فان أمير المؤمنين علياً قاتل أهل الجمل، ولم يجز تقسيم أموالهم، وسبي نسائهم، وأيضاً قاتل الخوارج، وقال: لا نمنعهم من المساجد، ولا من الفيء. أما قوله في أهل الشام الذين تجمعوا لقتله وقتاله في صفين: «انما أصبحنا نقاتل اخواننا في الاسلام، أما قوله هذا في اعدى اعدائه أولد خصومه فقد بلغ الغاية في انصاف الخصوم والأعداء، وهذا المسلم هو المقصود من هذا الفصل، ومن قول الفقهاء: «الاسلام الظاهر» وقد جاء تحديده في كتاب الله، وسنة الرسول واضحاً جلياً.
قال تعالى في سورة التوبة: (فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيله) . وفي الآية 11 من هذه
السورة: (فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فاخوانكم في الدين) .
وعن ابن عباس ان هذه الآية حرمت دماء اهل القبلة. وفي الآية 64 من سورة النساء: (ولا تقولوا لمن ألقى السلم لست مؤمناً) . وقد دلت الآية على ان من اظهر ادنى علامة من علامات الاسلام، كالتحية جرت عليه جميع أحكامه، قال البخاري: «ان رجلاً كان في غنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه، وأخذوا غنمه، فأنزل الله هذه الآية».
وفي البخاري ومسلم ان النبي قال: «امرت ان اقاتل الناس، حتى يشهدوا ان لا اله الا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيمون الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام، وحسابهم على الله».
وفي الحديث دلالة صريحة على الاكتفاء بظاهر الاسلام، وترتب الاحكام بمقتضاه، بخاصة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وحسابهم على الله».
قال ابن حجر في فتح الباري: «ويؤخذ منه ـ الضمير عائد على هذا الحديث ـ ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد الملتزمين للشرائع، وقبول توبة الكافر من كفره بدون تفضيل بين كفر ظاهر او باطن».
وايضاً في البخاري عن النبي: «أتدرون ما الايمان
بالله وحده؟. قالوا: الله ورسوله اعلم. قال شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وصيام شهر رمضان، وان تعطوا من المغنم الخمس».
وايضاً في البخاري ومسلم، وعن الترمذي وابن حنبل ان النبي قال: «من مات، وهو يعلم ان لا اله إلا الله دخل الجنة». وايضاً عن البخاري ومسلم والترمذي وابي داود وابن حنبل انه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ان الله حرم على النار من قال: لا اله إلا الله». وايضاً في البخاري ومسلم، وعن الترمذي وابن حنبل انه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، وان ارتكب الكبائر». وايضاً عن ابن حنبل عن النبي: «ماذا يجد من قال: لا اله إلا الله عند حضرة الموت». وايضاً في البخاري ومسلم، وعن ابي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حنبل عن الرسول الاعظم: «من قال: لا إله إلا الله فد عصم ماله ونفسه».
أما حديث بني الاسلام على خمس: شهادة ان لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت فقد تجاوز حد التواتر عند جميع الطوائف الاسلامية، ومن راجع كتب التاريخ والسير، وكتب الفقه والتفسير يرى ان علماء المسلمين مجمعون قولاً وعملاً منذ حدوث الاختلاف فيما بينهم الى يومنا هذا على ان يعاملوا من نطق بالشهادتين معاملة المسلمين
من الزواج والارث واحترام الدماء والأموال، فمن أقوالهم في باب الجنائز: «تجب الصلاة على أهل القبلة». وفي باب الأرث: «المسلمون يتوارثون على اختلاف مذاهبهم». وفي باب الحدود: «لا يقام الحد على احد الا اذا سلم من الشبهة. وقالوا: اذا قال الكافر: لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد دخل في الاسلام، وان المرتد اذا كانت ردته بالشرك فإن توبته بالشهادتين، وفي كتاب المغني لابن قدامة: 7/127 و141 وما بعدها ما نصه بالحرف: «ان رجلاً استأذن رسول الله بقتل رجل من المسلمين، فقال الرسول: اليس يشهد ان لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن لا شهادة له. قال الرسول: اليس يصلي؟. قال: بلى ولكن لا صلاة له. قال النبي: اولئك الذين نهاني الله عن قتلهم». ثم قال صاحب المغني: واذا ثبتت ردته بالبينة او غيرها، فشهد ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لم يكشف عن صحة ما شهد عليه به، وخلي سبيله.
وهذا الكتاب في الفقه على مذهب الحنابلة، وهو المعتمد عند الوهابية، هذا، الى ان المعهود من طريقة الشارع التشدد والاحتياط في امر التكفير، وهو من الموارد التي يتغلب فيها الضعيف على القوي، فلو وجد 99 وجهاً للتكفير، ووجد وجه واحد لعدمه تغلب الواحد على التسعة والتسعين. وعلى الرغم من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي جاءت في الصحاح الستة وغيرها، وعلى الرغم من قيام
الاجماع من يوم الاسلام الاول الى آخر يوم، وعلى الرغم من ان التسامح من فضل الرحمن، والتعصب من لعنة الشيطان، على الرغم من ذلك وغير ذلك فقد جزم ابن تيمية بأن النطق بالشهادتين لا يكفي، والعلم بهما لا يجدي، والصوم والصلاة، والحج والزكاة لا ينفع إلا من آمن بآراء ابن تيمية، وكفر بغيرها.
ولا شيء أدل على ذلك من أنه قسم المشركين الى نوعين: نوع لا ينطق بالشهادتين، ولا يصوم ويصلي، ولا يحج ويزكي، ولا يؤمن بحساب وعقاب، والنوع الآخر من المشركين ينطق بلا اله الا الله وبمحمد رسول الله، ويصوم ويصلي ويحج ويزكي، ويؤمن بالحساب والعقاب، وهذا النوع هم المارقون من الاسلام، لا لشيء إلا أنهم لا يعتقدون كل ما يعتقده ابن تيمية(1) وهكذا بلغ به التشدد ان لا يرضى إلا عمن وافقه فيما هو عليه، والذي افهمه من هذا التشدد أنه تماماً كالذين عناهم الله بقوله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) البقرة 120.
من اقوال ابن تيمية
قال ابن تيمية واضع حجر الاساس لمذهب الوهابية في
____________
(1) اذا صح هذا التقسيم فانما يصح ويصدق على من قسم المشركين اليهما، قال النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم: من كفر أخيه بغير تأويل فهو كما قال: أي كافر (صحيح البخاري).
كتاب «الرسالة التدمرية» ص62 ما نصه بالحرف: «فان عامة الذين يقرون بالتوحيد في كتب الكلام والنظر غايتهم ان يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع، فيقولون: هو واحد بذاته، لا قسيم له، وواحد في صفاته، لا شبيه له، وواحد في افعاله، لا شريك له. وقال في كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة اصحاب الجحيم» ص459: «وقد غلط في مسمى التوحيد طوائف من أهل النظر والكلام، ومن أهل الارادة والعبادة، حتى قلبوا حقيقته في نفوسهم». وفي ص465: «فسوى بين المؤمنين والمشركين».
ومعنى هذا ان جميع علماء الكلام مشركون" وكذلك العابدون المتعبدون لا ينفعهم ايمانهم بأن الله واحد بذاته، واحد بصفاته، واحد بافعاله.. يقول الله ورسوله: ان المسلمين هم الذين لا يستكبرون على كلمة التوحيد، ويقول ابن يتميه: كلا، انهم مشركون، وان لم يستكبروا عليها. وأراد الله والرسول ان يجمعا صفوف المسلمين بالقصد الى بيت الله الحرام، والصلاة الى قبلة واحدة، ويأبى ابن يتيمة إلا أن يشتت، ويفرق، ويفتت، وان نطقوا بالشهادة، وصلوا جميعا الى القبلة واحدة، وحجوا الى بيت واحد.
علماء الكلام الذين لا يدعون مع الله اله آخر، ولا بعد محمد نبياً آخر، علماء الكلام الذين ذبوا عن الاسلام، ودفعوا عنه الشبهات، وناضلوا أهل البدع، واحسنوا كل الاحسان في نصرة الكتاب والسنة، علماء الكلام هؤلاء مشركون عند
ابن تيمية أمام الوهابيين، لا لشيء إلا لانهم نزهوا الله عن المثيل والشبيه والشريك.
والآن تعال معي لنقرأ رد «ابن تيمية على المتكلمين، قال في ص64 من «الرسالة التدمرية»: «يريدون من هذا اللفظ ـ أي نفي المثيل والشبهة والشريك ـ نفي علو الله على عرشه، ومباينته لخلقه، وامتيازه عنهم، ونحو ذلك من المعاني المستلزمة لنفيه وتعطيله». وتوضيح كلامه هذا ان الله في واقعه لا يمتاز عن خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولكن المتكلمين يجعلونه مبابياً وممتازاً عن الخلق، وهذا الامتياز والتباين يستلزم تعطيل الله، وبالتالي، نفيه وتعطيله من الأساس، والنفي والتعطيل جحود وشرك، فالمتكلمون، إذن، مشركون..
أرأيت الى هذا التفكير وهذا المنطق؟. كيف يستخرج الشرك من التوحيد، والكفر من الاسلام، والالحاد من الايمان؟. لقد قال علماء البيان: ان الكلام يحتمل الصدق والكذب، ولكن حيث يكون كل من الصدق والكذب ممكناً، والكلام يتحملهما معاً، أما حديث لا يمكن الا الكذب، بحيث لا يتأتى الصدق بحال، مثل الموجود معدوم، والعلم جهل، والظلم عدل، والليل نهار، والحب بغض، والامانة خيانة، أما هذا الكلام، وما اليه فهو لغو وهذيان.
وايضاً قال ابن تيمية في كتاب «نقض المنطق» ص46: «او يقال هم ـ أي المتكلمون ـ لما فيهم من العلم يشبهون
عبدالله بن أبي سرح الذي كان كاتب الوحي، فارتد، ولحق بالمشركين، فاهدر النبي دمه عام الفتح». وقال في ص88: «وكذلك المتكلمون المخلطون الذين يكونون تارة مع المسلمين، وان كان مبتدعين ـ يريد بالبمتدعين من لم يقولوا بقوله ـ وتارة مع الفلاسفة الصائبين، وتارة مع الكفار المشركين».
فابوا الحسن وأتباعه من المسلمين الذين يعدون بالملايين والغزالي والنوبختي ومحمد بن كرام، والباقلاني، وواصل بن عطاء، والنظام الرازي والايجي والجرجاني، كل هؤلاء واشياعهم، ومن اليهم من اقطاب المسلمين مشركون مرتدون مبتدعون صائبون، لا شيء إلا لأنهم خالفوا ابن تيمية في رأي من آرائه، وقول من أقواله
ان علم الكلام هو المعرفة العقلية التي يبتني عليها الدين والعقيدة الاسلامية، فاذا كانت هذه المعرفة كفر وشرك، وبدعة وضلالة فماذا يكون الدين والاسلام؟. واذا كان العلماء الكبار كالاشعري والغزالي، واضرابهما مشركون، فمن هو المسلم ـ يا ترى ـ
ولا يقتصر وينحصر تكفير ابن تيمية في العلماء، فان كلامه صريح بتكفير كل من يعظم قبر الرسول ويصلي عنده، ويقصده للزيارة، وبديهة ان المسلمين جميعاً يعظمون القبر الشريف، ويصلون عنده، ويقصدونه للزيارة، قال في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم ص457:
«قد زين الشيطان لكثير من الناس سوء عملهم، واستزلهم
عن اخلاص الدين لربهم الى أنواع من الشرك، فيقصدون بالسفر والزيارة رضى غير رضى الله، والرغبة الى غيره، ويشدون الرحال الى قبر نبي، أو صاحب، أو صالح، او من يظنون انه كذلك». فزيارة قبر الرسول عند ابن تيمية غواية من الشيطان، وضرب من الشرك، حتى ولو قصد بها مرضاة الله وثوابه.
وقال في ص333: «ان اللات، وهي صنم، كان هبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح» أي ان تعظيم قبر الرسول يستتبع جعله صنماً، تماماً كاللات والعزى.
وقال في ص334: «اما اذا قصد الرجل الصلاة عند بعض قبور الانبياء، او بعض الصالحين متبركاً بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله ورسوله، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن الله به» فالصلاة لله عند قبر النبي بقصد التبرك بدعة ومحادة لله والرسول، وبديهة ان المسلمين اجمعين يتبركون بالصلاة في البقعة المقدسة التي فيها الجسد الشريف.
وقال في ص401: «الاحاديث المروية في قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كقوله: من زارني، وزار ابي ابراهيم الخليل في عام ضمنت له على الله الجنة. ومن زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي. ومن حج، ولم يزرني فقد جفاني، ونحو هذه الأحاديث كلها مكذوبة موضوعة».(1)
____________
(1) روى ابو داود، وهو احد اصحاب الصحاح الستة عن النبي انه دعا الناس لزيارة قبره والسلام عليه.
فتعظيم قبر محمد صلى الله عليه وآله وسلم يؤدي الى الشرك، والصلاة عنده للتبريك بدعة، وأحاديث زيارته مكذوبة وموضوعة.. فهل هذا من ابن تيمية تسامح ومحبة للمسلمين، او تحقيق وتدقيق، او احتياط وتورع؟. وهل في تكفيره الفرق الاسلامية دعوة انسانية، واخوة شاملة؟. ولماذا كل هذه اللهفة والتعطش للتكفير والتفسيق أحبا بغرس الاضغان والاحقاد، واثارة الفتن والإحن؟.. ان المصلح المفكر يهتم باسعاد الانسان وتخفيف آلامه وويلاته، ويهتم ابن تيمية بتكفير الناس، ورميهم بالشرك والزندقة، حتى كأنه التكفير والتفسيق مبدأه ومنهجه فيما يكتب ويحكم.. ولا ادري الى شيء يهدف من وراء هذا التعصب والتشدد؟. هل يريد ان يوجد فئة تعظمه وتقدسه عن هذا الطريق؟. الله أعلم.
المسلم والدولة الاسلامية
الدولة الاسلامية
يتمنى كل مسلم يقول: لا اله الا الله، محمد رسول الله ان تقوم دولة اسلامية قوية في بقعة من الارض، أية بقعة، تحكم باسم الاسلام، وتأخذ بمبادئه وتعاليمه في جميع شؤونها، غير خاضعة في شيء من تصرفاتها السياسية والثقافية والاقتصادية لأية سلطة من الخارج او الداخل.
كل مسلم عربياً كان او اعجمياً يتمنى قيام هذه الدولة ويشعر من الأعماق بالحاجة اليها.. ولو استطاع ان يخلقها خلقاً، ويدفع ثمنها من دمه وأهله لفعل، وضحى بكل عزيز، لا لغاية اقتصادية، ولا للمضاهاة والمباهاة، لا لشيء إلا لاعزاز كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
السعودية
ورب قائل: ان هذه الدولة موجودة بالفعل، وهي السعودية التي رسمت على علمها بالخط الطويل العريض كلمة لا اله إلاّ الله محمد رسول الله، واعلنت على الملأ أن دستورها
الوحيد هو الشريعة الاسلامية، مع ان المسلمين في شرق الأرض وغربها يتجاهلون وجودها، ولا يشعرون نحوها بشيء مما ذكرت، بل ان المسلمين كلهم او جلهم يتمنون زوالها، قال الشيخ ابو زهرة في كتاب «المذاهب الاسلامية». ان اكثر المسلمين ينفرون من الوهابية اشد النفور.
الجواب
اعتقد أن هذا القائل ـ لو وجد ـ فهو غير جاد في قوله إلا أن يكون أعمى القلب والعينين، لان العبرة بالتنفيذ، والعمل بما تمليه الشعارات، لا بالشعارات ذاتها، فكثيراً ما تأتي الشعارات للتغطية والتضليل، وكلمة لا اله الا الله عظيمة وقوية، وحية نامية، فيجب ان تستعمل فيما وضعت له، أو فيما ينسجم معها انسجاماً حقيقياً، حيث التقدم والازدهار، والعدل والحرية والمساواة، واجتناب المحرمات، لا حيث البؤس المتراكم الى جانب الفسق والفجور، وضروب الإسراف والتبذير على اسرّة الذهب والسيارات الفخمة، والسهرات الحمر مع السمراوات والشقروات.
واذا نظرنا الى المملكة السعودية فلا نجد جهة الا وفيها الضعف والهزال، والتأخر والانحطاط، فاول ما يبدو للناظر في هذه المملكة التفاوت بين الناس، وتفوق بعضهم على بعض بالمال والثراء، وتحالف الاقوياء مع الرأسمالية الأجنبية، لاحتكار الخيرات والموارد، واستغلال المستضعفين، وكبت
الحرية، والقضاء على الديمقراطية، هذا، الى الامية المتفشية والأمراض المنتشرة، والفقر الذي بلغ الغاية، مع العلم انه قد مضى على قيام دولة الوهابية اربعون سنة، وانها تسيطر على منابع البترول، ومناجم الذهب وسائر المعادن، وعلى الارباح من الحجاج وغير الحجاج.. ولو اخذت السعودية بتعاليم الاسلام حقاً، وعملت باحكامه لما وجد في أرضها مريض ولا جاهل ولا بائس، ولعمت العدالة والحرية والرفاهية، وكانت المثل الأعلى للحضارة والتقدم، وكلنا يعلم ان الله سبحانه حين قيض للاسلام حكاماً مخلصين التزموا بتعاليمه، وساروا على هديه تغير مجرى التاريخ، وخرج العالم من ظلمة الجهل والظلم إلى نور العلم والعدل، وأعطى الإسلام بفضل القائمين عليه أصدق مثال، وأبلغ حجة على أن الدين هو المصدر الأول لخير الإنسانية وسعادتها، والعلاج الناجع لويلاتها وآلامها.
وبكلمة أن الإسلام ثورة على الجمود والانحطاط، والظلم والمحباة، والطمع والجشع، فإذا ما سادت الأوضاع الفاسدة في بقعة من الأرض، ورأى حكامها أنهم أولى الناس بالمال والجاه والسلطان تأكدنا أنه لا عين ولا أثر لمعنى الإسلام، حتى ولو تستر ساداتها ومترفوها بمظاهره وشعائره، تماماً كما هي الحال في المملكة العربية السعودية، حيث تتسرب الملايين إلى جيوب المسؤولين، والشعب غارق في جهله ومرضه وفقره، ولو كان الاسلام دين الدولة حقاً، ودستورها
الشريعة الإسلامية حقاً لكان هذا الدين وهذه الشريعة موضوع الرعاية والتطبيق على رجال الدولة قبل غيرهم. وإذا ربح السعوديون المال والسلطان فإنهم قد خسروا ثقة المسلمين بهم في شرق الأرض وغربها، ومكانتهم الأدبية بين الامم، والنتيجة الحتمية لهذه الخسارة هي نتيجة النازية والفاشية بالذات.
الوهابية والخوارج
كان الخوارج اكثر المسلمين عبادة ومحافظة على الصلاة، حتى عرفوا بأهل الجباه السود من كثرة السجود، ومع ذلك كانوا يتورعون عن سفك الدماء، ونهب الأموال، والاخلال بالامن.. سمع الصحابي عبادة بن قرط الأذان، فقصده يريد الصلاة، واذا هو بالخوارج. فقالوا: ما جاء بك يا عدو الله؟ قال: أنتم اخوتي قالوا: انت اخو الشيطان، لنقتلنك. قال: ألا ترضون مني بما رضي به رسول الله؟ قالوا: وأي شيء رضي به منك؟. قال: اتيته، وأنا كافر، فشهدت ان لا اله الا الله، وأنه رسول الله، فخلى عني. فأخذوه فقتلوه.
وقطع الخوارج الطريق على العالم المعروف واصل بن عطاء، ورفقة معه، ولما أرادوا قتلهم لا لشيء الا لأنهم مسلمون قال لهم واصل: نحن مشركون ممن قال الله فيهم: وان أحد من المشركين استجارك فأجره. فنجوا، ولكن بعد ان اعترفوا على انفسهم بالشرك، ولو قالوا للخوارج:
نحن مسلمون، واخوتكم في الدين لقتلوهم كما قتلوا الصحابي عبادة.
ولا يختلف الوهابية عن الخوارج في هذاالصعيد، أجل، ان الوهابية لا يكفرون بعض الصحابة ويستحلون دماءهم كما هي الحال عند الخوارج، ومهما يكن، فان الاسلام في مفهوم الوهابية ضيق جداً، بخاصة فيما يتعلق بالتوحيد، فانهم يفسرونه تفسيراً ضيقاً لا ينطبق الا عليهم وحدهم، حيث يربطون به هدم القبور، وما بني عليها من المساجد، حتى قبر النبي، وتحريم الصلاة والدعاء عندها، ويحرمون زيارة قبر النبي، والتبغ والتصوير الفوتغرافي، وما الى ذاك، اما وضع الستائر على الروضة الشريفة، وقول المسلم سيدنا محمد، وحق محمد، ويا محمد فبدعة وضلالة.. هذا هو الاسلام في مفهومهم، أما العلم وانتشار المعرفة، والقضاء على الفقر والجهل، اما عمارة الأرض، وصلاح المستضعفين فيها، والنضال في مرافق الحياة للتخلص من الضعف وآثاره، والتضامن والتعاون لايجاد وسائل العيش والهناء للجميع، أماتجنب اسباب العداء والبغضاء، وشعور الانسان اتجاه أخيه الانسان، أما هذه، وما اليها فأمر ثانوي، وشيء عرضي.
وليس من شك ان الاسلام لو وقف عند فهم الوهابية وتفكيرهم، لما تقدم خطوة الى الامام، ولما كان للمسلمين هذا التاريخ الخطير الشهير الذي ارغم الأجانب والا باعد على الاعتراف بأن رسالة محمد بن عبدالله هي ام الحضارة
الحديثة، لقد استيقظ العالم كله على مثل أعلى جديد، وثار على القيود والتقاليد، وآمن بأن الانسان لا يجوز ان يكون اداة لنجاح وسعادة انسان آخر إلا في السعودية حيث يعيش حكامها في قصور اسست على الشقاء والجهل والانحطاط.
الوهابية والحشوية
الحشوية هم فرق من المسلمين" لها منهج خاص، تخالف فيه المعتزلة والاشاعرة والامامية والمرجئة، وهذا المنهج هو حصر العلم والعرفة بظواهر الكتاب والسنة بنصهما الحرفي، حتى ولو خالفت العقل، ولم تتفق مع عظمة الله وجلاله، وتنزيهه وكماله، فالله سبحانه في عقيدة الحشوية له يدان ورجلان، وعينان واذنان، ويقف ويجلس ويمشي، ويضحك ويبكي، ويصافح ويعانق، وبكلمة ان الحشوية يرون العلم والمعرفة بالنقل والرواية، لا بالعقل والدراية، وهم اشد الناس تعصباً، فكل ما يرونه صواباً هو الصواب، ومن خالفهم رموه بالكفر والزندقة.. قال الشيخ سليمان ابن عبدالوهاب اخو محمد عبدالوهاب في كتاب الصواعق الإلهية ص27 طبعة 1306هـ: «والله ما لعباد الله من ذنب الا انهم لم يتبعوكم ـ الخطاب للوهابيين ـ على تكفير من شهدت النصوص الصحيحة باسلامه، واجمع المسلمون على اسلامه».
والوهابية هم الفرد الاكمل، والنموذج الامثل للفئة القائلة بأن الآيات والروايات تبقى على دلالتها الحرفية، وان خالفت العقل، وما تقتضيه أصول الدين.. قال الشيخ محمد عبده في كتاب «الاسلام والنصرانية» ص97 الطبعة الثامنة: «ان هذه الفئة أضيق عطناً، واحرج صدراً من المقلدين.. وانها ترى وجوب الأخذ بما يفهم من اللفظ الوارد والتقيد به بدون التفات الى ما تقتضيه الأصول التي قام عليها الدين». وعلق رشيد رضا على هذا الكلام بقوله: «يعني بهذه الفئة أهل الحديث، ومن يسمونهم بالوهابية».
وفي الفصل الآتي يجد القاريء عرضا مفصلاً لعقيدة الوهابية، كما هي في الكتب المعتبرة عندهم، ومنه يعلم جمودهم على الظاهر، وقد اعتبروا التأويل كفراً، لأنه يفضي الى تكذيب الله ورسوله،