اسم الكتاب / المقالة: مسائل في فقه الوقف
المؤلف: د.العيّاشـي الصادق فـدّاد
الموضوع: الفقه
الناشر: المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب البنك الإسلامي للتنمية – جــدة
المحتويات
- تمهيـــــــد
- القسم الأول مدخل عام لفقه الوقف
- المبحث الأول تعريف الوقف ومشروعيته وحكمته
- المبحث الثاني أركان الوقف وشروطه
- المبحث الثالث أنواع الوقف وإبداله واستبداله
- المبحث الرابع ذمة الوقف والولاية عليه
- المبحث الخامس اشتراطـات الواقفـين
- القسم الثاني مستجدات في فقه الوقف
- المسألة الأولى: استثمار الأصل الموقوف
- المسألة الثانية: استثمار ريع الوقف
- المسألة الثالثة: استثمار الفائض من غلة الوقف
- المسألة الرابعة: استثمار المخصصات والأموال المتجمعة من الريع
- المسألة الخامسة: ضوابط استثمار أموال الوقف وعوائده
- الخاتــمــــــة
تمهيـــــــد:
الحمد لله رب العملين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد....
فإن الوقف من المؤسسات التي اعتنى بها المسلمون عبر تاريخهم، امتثالا لتوجيهات النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم- وفعل الصحابة وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وكان لمؤسسة الوقف دور مهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية عبر التاريخ الإسلامي الزاهر. فقد تكفلت الأوقاف بتمويل العديد من الحاجات والخدمات الأساسية والعامة للمجتمع مما خفف العبء على الدول وموازناتها .
وكان الوقف ولا يزال مصدرا لتمويل دور العبادة والمساجد، وكذلك كل ما يتعلق بالنشاط التعليمي والبحث العلمي، وبناء المدارس، والمكتبات، وتشييد المعاهد والكليات، ورعاية المحاضر والكتاتيب، ورعاية المنتسبين إلى قطاع التعليم وتأمين الحاجات الضرورية لمنسوبيه كالسكن، والملبس، والغذاء، والرعاية الصحية. وكذلك اهتمت الأوقاف بالقطاع الصحي والرعاية الصحية من خلال إقامة المستشفيات وتجهيزها بكل ما يلزمها لأداء عملها من حيث مستلزمات التطبيب، والعلاج. وقد شملت الأوقاف كذلك رعاية الفقراء والمساكين وأبناء السبيل في المجتمع الإسلامي، وفي هذا الميدان؛ أي الرعاية الاجتماعية، تعدت منافع الوقف لتشمل أغراضا شتى كرعاية المكفوفين والمقعدين والمعتوهين، بل عرف الوقف في هذا المجال أنواعا خاصة مثل أوقاف افتكاك الأسرى، وأوقاف إطعام وكساء الفقراء والمحتاجين، ومساعدة المنقطعين والغرباء. بل إن الأوقاف تعدى تمويله الخدمات الاجتماعية إلى الإسهام في أمن المجتمع والدفاع عن حياض الأمة كتمويل الأوقاف لبناء الأسوار، وعمل الخنادق وغير ذلك .
وقد أدت كثير من العوامل وليس آخرها الاستعمار الذي اجتاح أغلب البلاد الإسلامية، إلى تراجع الاهتمام بالوقف ومؤسسته حتى بعد الاستقلال، ومن مظاهر ذلك تعطيل القوانين المنظمة لممتلكات الوقف مما أدى إلى مصادرتها بوضع اليد عليها، أو التصرف فيها، وطال العهد حتى كادت أن تضيع بذلك معالم الأوقاف من الذاكرة الجماعية للأمة. فتراجعت مؤسسة الوقف عن أداء دورها الرسالي، وأضحت بعد ذلك مجرد أصول وأعيان أغلبها دور وبساتين معطلة المنافع أو مستغلة بأبخس الأثمان تفتقر إلى أبسط الموارد المالية.
وفي ظل الصحوة التي انتظمت أرجاء العالم الإسلامي كانت الأوقاف من أول المؤسسات الإسلامية التي حظيت بالاهتمام لما لها من دور إيجابي في دعم جهود التقدم والرفاه الاجتماعي.
وقد تمثل هذا الاهتمام في توجه الكثير من الدول الإسلامية إلى إحياء هذا المرفق والعمل على دعمه وتطويره، وانشغال العديد من الباحثين والمفكرين ومؤسسات البحث العلمي بإعداد الأبحاث والدراسات التي تبرز ما كان لهذا المرفق من أثر بالغ على المجتمع الإسلامي في الماضي وما ينتظر أن يكون له من إسهام في مسيرة المجتمع الإسلامي المستقبلة.
وفي إطار السعي لاستعادة الوقف لمكانته وأداء دوره الفاعل في الدول والمجتمعات الإسلامية المعاصرة، يأتي انعقاد هذا الملتقى العلمي الهام في هذه الربوع من بلاد الإسلام بلاد شنقيط. وكما عودنا الموريتانيون بكرمهم العلمي فهاهو هذا الملتقى يعقد بفعاليتين معا هما الملتقى العلمي حول النصوص القانونية المنظمة لشؤون الوقف والزكاة ودور تدريبية حول دور الأوقاف والزكاة في مكافحة الفقر.
ويأتي هذا البحث المتواضع وهو جهد المقل ليسهم في تجلية بعض المسائل المتعلقة بالوقف وأحكامها الفقهية.
القسم الأول مدخل عام لفقه الوقف
المبحث الأول تعريف الوقف ومشروعيته وحكمته
تمهيــــــــد
نتناول في هذا المبحث مفهوم الوقف ومشروعيته، والذي يمثل المدخل الرئيس لفهم المعنى العام للوقف ومستنده الشرعي من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وإجماع أهل العلم وذلك قبل التفصيل والتفريع في مسائل الوقف وأحكامه.
مفهوم الوقف ومشروعيته
أولا: تعريف الوقف
الوقف لغة: الحبس يقال : وقفت الدار وقفًا بمعنى حبستها، وجمعه : أوقاف ، مثل ثوب وأثواب.والوقف ، والحبس ، بمعنى واحد وكذلك "التسبيل" ، يقال: ( سبّلت الثمرة بالتشديد جعلتها في سبل الخير وأنواع البر ) .
تعريف الوقف اصطلاحًا : اختلف أهل العلم في بيان معنى الوقف وذلك لاختلافهم في طبيعة العقد ذاته من حيث اللزوم وعدمه، وانتقال ملكية المال الموقوف، وهل الوقف عقد تعتبر فيه إرادة المتعاقدين أم أنه إسقاط ؟ فجاء كل تعريف ليعبر عن الوجهة التي اختارها صاحب التعريف محددا فيه هذه العناصر حسب الوجهة التي يراها مذهبه. وحيث إن عرض تلك التعريفات كلها يطول فإننا سنقتصر على التعريف المختار مع الإحالة إلى المصادر لطلب التفصيل.
والتعريف الذي نختاره هو تعريف الحنابلـة، حيث قالـوا بأن الوقف هو: (تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ) .
وقد جعل أبو زهرة - رحمه الله - هذا التعريف أجمع التعاريف فقال: ( أجمع تعريف لمعاني الوقف .. أنه : حبس العين وتسبيل ثمرتها، أو حبس عين للتصدق بمنفعتها) .
وقوام هذا التعريف هو : حبس العين ، التي لا يتصرف فيها بالبيع ، أو الرهن ، أو الهبة ، ولا تنتقل بالميراث. أما المنفعة أو الغلّة فإنها تصرف لجهات الوقف على مقتضى شروط الواقفين .
ومبررات اختيار هذا التعريف عما سواه يمكن تلخيصها فيما يلي :
1. أنه اقتباس من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لعمر ابن الخطاب كما سيأتي.
2. أنه لم توجه إليه اعتراضات قوية مثل بقية التعريفات الأخرى.
3. أنه ركز على حقيقة الوقف دون الدخول في التفصيلات.
ثانيا: مشروعية الوقف
الوقف قربة من القرب ، مندوب فعله دلت على مشروعيته نصوص عامة من القرآن الكريم ، وفصلته أحاديث من السنة النبوية المطهرة ، وعمل به الصحابة ، وأجمعوا على مشروعيته كما نقل ذلك أهل العلم وذهبوا إليه جميعا إلا ما نقل عن شريح القاضي وهو رواية عن أبي حنيفة.
أما النصوص العامة من القرآن الكريم ، فمنها :
1. قول الحق تبارك وتعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم }. آل عمران 92 . وقد جاء في صحيحي الإمامين البخاري ومسلم ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه أنه قال : كان أبوطلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نحْل ، وكان أحبَّ أمواله إليه بَيِرُحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال أنس : فلما أُنزلت هذه الآية : {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون..} قام أبوطلحة إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن الله تبارك وتعالى يقول : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ... } ، وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء ، وإنها صدقة لله، أرجو برّها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال : فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( بَخْ ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين). فقال أبوطلحة افعل يا رسول الله . فقسمها أبوطلحة في أقاربه وبني عمه. قال البخاري: تابعه روح ، وقال يحيى بن يحيى وإسماعيل عن مالك (رايح) .
2. الآيات الكثيرة التي تحث على الإنفاق وخاصة التطوعي منه ، وقد تكررت في القرآن الكريم آيات كثيرة في هذا المقام .
أما السنة : فمنها :
1. حديث وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد قال الحافظ ابن حجر في هذا الحديث : ( وحـديث عمـر هـذا أصل في مشـروعية الوقف) . والحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما فيما رواه الإمام البخاري وغيره : أن عَمْرًا أصاب أرضًا من أرض خيبر ، فقال يا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، أصبت مالاً بخيبر لم أصب قطُّ مالاً خيرًا منه ، فما تأمرني؟ فقال : ( إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ، غير أنه لا يباع أصلها ، ولا يبتاع ، ولا يوهب ، ولا يورث ) قال ابن عمر : فتصدق بها عمر على ألاّ تباع ، ولا توهب ، ولا تورث، في الفقراء ، وذي القربى ، والرقاب ، والضعيف ، وابن السبيل ، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ، ويطعم غير متمول .
2. جاء في نصب الراية للزيلعي : أن هناك لرجل من بني غفار عينا يقال لها : رومة ، وكان يبيع منها القربة بمد ، فقال له صلى الله عليه وسلم : (أتبعنيها بعين في الجنة ) ؟ فقال : يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، ليس لي ولا لعيالي غيرها. فبلغ ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فاشتراها منه بخمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : أتجعل لي ما جعلت له ؟ قال : نعم ، قال : قد جعلتها للمسلمين .
3. ما ورد عن النبي ، صلى الله عليه وسلم في الصدقة الجارية ، حيث قال : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علمٍ ينتفع به ، أو ولدٍ صالح يدعو له ) . والصدقة الجارية هي التي تتجدد منافعها عبر الزمن كسكنى الدار ، وركوب الدابة ، وماء البئر.
أما الإجماع:
فقد صرّح غير واحد من أهل العلم بأن إجماع الصحابة منعقد على صحة الوقف، فقد ذكر صاحب المغني ، أن جابرًا رضي الله عنه قال : ( لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف ، وهذا إجماع منهم ، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف ، واشتهر ذلك ولم ينكره أحد ، فكان إجماعًا ) .
وقال الحافظ ابن حجر نقلا عن الإمام الترمذي قوله: ( لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأراضين، وجاء عن شريح أنه أنكر الحبس) .
وقال صاحب الإسعاف بعد ذكره لأوقاف الصحابة : ( وهذا إجماع منهم على جواز الوقف ولزومه ، ولأن الحاجة ماسة إلى جوازه) .
هذا في الإجماع المنقول على صحة الوقف ، أما اللزوم وعدمه فقد وقع فيه الخلاف ، فأبو حنيفة يقول : صحيح غير لازم ، وأبو يوسف ومحمد وعامة الفقهاء يقولون بأنه صحيح لازم .
ثالثا: حكمة مشروعية الوقف
الوقف نوع من البر يقصد به التقرب إلى الله عز وجل والإحسان إلى المحتاجين والتعاون على البر والتقوى، وإذا كان الناس مسلطين على أموالهم فلا جناح في إنفاق تلك الأموال فيما يحقق أغراضا دينية أو اجتماعية أو اقتصادية من أغراض النفع العام. ويمكن أن نعرض أغراض الوقف فيما يلي للتذكير لا للبيان والاستقصاء.
أغراض الوقف: تتنوع أغراض الوقف بحسب تعدد أوجه البر، ويمكن ذكر أهمها، والتي تتمثل في:
1. نشر الدعوة الإسلامية : ومن أهم مظاهر هذا الغرض وقف المساجد التي كانت عبر التاريخ منارات لنشر الدعوة وتعليم الناس وتربيتهم وتهذيبهم، وما ألحق بها من أوقاف للإنفاق عليها وعلى القائمين على شؤونها كالدكاكين والضيعات والمساكن وغير ذلك. ولازال لهذا الغرض أهميته فإضافة إلى المساجد فهناك العديد من المراكز الدعوية التي تقوم على الأوقاف.
2. الرعاية الاجتماعية : من خلال صلة الرحم بالإنفاق على القرابة من الأبناء وبنيهم من خلال الوقف الأهلي أو الذري. وكذلك رعاية الأيتام وأبناء السبيل وذوي العاهات من خلال الأوقاف الخيرية التي يخصصها الواقفون لمثل هذه الأغراض. ويذكر أحد الدارسين لدور الأوقاف في الرعاية الاجتماعية بالمغرب ، أن الأوقاف فيها قامت بدور مهم في التآزر والتكافل الاجتماعيين ، فقد حبس الواقفون كثيرا من ممتلكاتهم على المعتوهين والمقعدين والمكفوفين ، وأن أوقاف أبي العباس السبتي في مراكش تعتبر أكبر شاهد على ذلك . وقد عرفت الأوقاف المغربية أنواعا آخر من الأوقاف يندرج في الغرض الاجتماعي هي أوقاف افتكاك الأسرى، وأوقاف الإطعام وأوقاف الكساء (الملابس) والأغطية لمن يحتاجونها، وأوقاف مساعدة المصابين والمنقطعين والغرباء. وقد انتشرت هذه الأوقاف في مناطق متعددة في المغرب مثل فاس ، وتطوان ، ومراكش وغيرها .
3. الرعاية الصحية : يعد هذا الغرض من أوسع المجالات التي وقف المحبسون أملاكهم عليها، وشملت أنواعا كثيرة مثل بناء البيمارستانات "المستشفيات والمصحات" ، والبحث العلمي المرتبط بالمجالات الطبية ، كالكيمياء والصيدلة .
4. التعليم: التعليم أشهر من أن نخصص له بعض الأسطر لبيانه، فيكفي المدارس الوقفية المنتشرة في سائر أنحاء العالم الإسلامي وعلى رأسها تلك المساجد والجوامع التي أضحت منارات للعلم وفي مقدمتها الحرمان الشريفان، والأزهر الشريف في مصر، والقرويين في المغرب والزيتونة في مصر، والأمويين في دمشق. ناهيك عن المكتبات والمعاهد التي لا يمكن عدها أو حصرها في هذه العجالة.
5. أغراض الأمن والدفاع : ربما كان مستند هذا الغرض ما فعله خالد بن الوليد حينما وقف أدراعه وأعتاده في سبيل الله. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرًا على الصدقة ، فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا ، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله وأما العباس فهو عليّ ومثله معه) . وقد سار على هذا النهج الصحابة الكرام والتابعون ومن تبعهم بإحسان من العلماء والحكام وذوي اليسار في الأمة فوقفوا الأموال على سد الثغور والحفاظ على حرمة ديار المسلمين .
6. الوقف على البنية الأساسية: كالوقف على إنشاء الطرق، والجسور ، وآبار الشرب وقد سبقت الإشارة إلى بئر رومة في المدينة المنورة التي وقفها عثمان رضي الله عنه.
المبحث الثاني أركان الوقف وشروطه
الوقف مثل سائر الالتزامات والعقود لا بد له من توافر أركان معينة لقيامه وهي:
1- الشخص الواقف ( المحبِس ).
2- المال الموقوف ( المحبَس ).
3- الشخص أو الجهة الموقوف عليها ( المحبَس له ).
4- الصيغة المعتبرة فهي هنا الإيجاب من الواقف.
شروط الواقف وتتمثل في :
1. أن يكون أهلاً للتبرع ، يتمتع بالأهلية الكاملة ، عاقلا ، بالغا، حرا، غير محجور عنه لسفه أو غفلة.
2. ألا يكون مريضًا مرض الموت إذ يأخذ الوقف حكم الوصية في هذه الحالة.
شروط المحل :
وهو المال الموقوف الذي يرد عليه الوقف. فيشترط فيه ما يلي :
1. أن يكون الموقوف مالاً متقومًا : إذ لا يتأتى وقف ما ليس من الأموال ، كالأتربة في مواقعها ، وما ليس بمتقوم كالخمر والخنزير.
2. أن يكون الوقف مملوكًا : فلا يصح وقف غير المملوك ، مثل : الأراضي الموات وشجر البوادي ، وحيوان الصيد قبل صيده.
3. أن يكون معلومًا حين الوقف : فلا يصح وقف الشيء المجهول، كقوله وقفت جزاءًا من مالي ، أو داري.
4. أن يكون مالاً ثابتًا : فيخرج به ما لا يبقى على حاله التي يتحقق بها الانتفاع ، كالثمار، والخضر وات ، والثلج.
شروط الموقوف عليه :
1. أن تكون الجهة الموقوف عليها قربة من القربات فلا يجوز الوقف على المعاصي والمنكرات وأهلها ، ولا على الحربيين ، والكنائس والشعائر الدينية غير الإسلامية. وقد حدد الحنفية اعتبار القربة بأمرين اثنين هما:
أ- أن يكون الموقوف عليه قربة في نظر الشريعة.
ب- أن يكون قربة في اعتقاد الواقف.
2. أن يكون الموقوف عليه موجودًا إذا كان الوقف لمعين وذلك عند إنشاء العقد. أما انقطاع الجهة الموقوف عليها فهو محل خلاف بين الفقهاء بين من يرى أن الأصل عدم صحة الوقف المنقطع انتهاء فقط أو ابتداء وانتهاء، وبين من يرى صحة الوقف المنقطع مطلقا
3. تأبيد الوقف : أن تكون الجهة الموقوف عليها دائمة الوجود عند من يشترط التأبيد.
شروط الصيغة:
1. أن تكون صيغة الوقف منجزة : أي لا تقترن بتعليق أو إضافة إلى مستقبل ، إذ لا بد أن تدل على إنشاء الوقف وقت صدوره، كقوله : وقفت أرضي على الفقراء والمساكين. والصيغ المقترنة بالتعليقات تبطل عقود التمليكات كالهبة والصدقة والعارية. كقوله : إذا اشتريت هذه الأرض فهي وقف للفقراء، والصيغة المضافة إلى زمن قادم ، كقوله : وقفت أرضي ابتداءً من السنة القادمة يصححها بعض الحنفية في صور معينة.
2. أن يكون العقد فيها جازمًا إذ لا ينعقد الوقف بوعد ، كقوله سأقف أرضي أو داري على الفقراء.
3. ألا تقترن الصيغة بشرط يناقض مقتضى الوقف ، كقوله وقفت أرضي بشرط أن لي بيعها متى أشاء.
4. أن تفيد الصيغة تأبيد الوقف لمن لا يقول بصحة تأقيته.
انعقاد الوقف بالفعل دون القول:
من المناسب في هذا المقام أن نذكّر بأقوال أهل العلم في هذه المسألة نظرا لوقوعها في الحياة العملية وخاصة فيما يتعلق بوقف أماكن العبادة بالمعاطاة دون الصيغة . ويمكن أن نصنف أقوال أهل العلم من حيث الإجمال إلى رأيين:
أولهما: لجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة الذين يقولون بالجواز.
وثانيهما: للشافعية الذين يقولون بعدم صحة هذا الوقف.
وتفصيل مذاهبهم كما يلي:
1. الحنفية: يجوزون وقف المسجد بالفعل لأن العرف يقتضي الإذن بالصلاة فيه، فيكون ذلك في حكم التعبير. أما الفقراء فإنه لم يجر العرف فيه عادة بالتخلية والاستغلال .
2. المالكية: الذي يبدو من عبارات المالكية أنهم يجيزون الوقف بالفعل وأنه يقوم مقام القول مسجدا كان أو غيره. ويشترطون في المسجد أن يخلي بينه وبين الناس وأن لا يخص قوما دون آخرين . يقول الدردير: (وناب عنها؛ أي عن الصيغة التخلية بين الناس بكالمسجد من رباط مدرسة ومكتب وإن لم يتلفظ بها) ، وعلق الصاوي بقوله: [(وإن لم يتلفظ بها) أي كما لو بنى مسجدا وخلى بينه وبين الناس ولم يخص قوما دون قوم لا فرضا دون نفل] .
3. الحنابلة: يرى الحنابلة أنه يصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجدا ويأذن للناس للصلاة فيه، أو مقبرة ويأذن لهم بالدفن فيها على ظاهر الرواية. وعن الإمام أحمد رواية أخرى بأنه لا يصح ولا ينعقد إلا بالقول الدال على الوقف .
4. أما الشافعية: فلا يصح الوقف عندهم إلا بصيغة دالة على الوقف، لأنه تمليك للعين والمنفعة فأشبه سائر التمليكات، كما أن العتق مع قوته لا يصح إلا باللفظ. إلا أن يبني مسجدا في موات وينويه مسجدا فإن يصح الوقف لأن الموات لم يدخل في ملك من أحياه، وإنما نحتاج للفظ لإخراج ما كان ملكه عنه .
ملكية الوقف:
1. بالنسبة لمنفعة الوقف (غلة الوقف): اتفق الفقهاء جميعًا على أن ملكيتها للموقوف عليهم.
2. أما العين الموقوفة (الأصل الموقوف): فهي محل خلاف بين الفقهاء ، ويمكن تصنيف أقوالهم في ذلك إلى ثلاثة آراء :
الرأي الأول : زوال ملكية الواقف للعين الموقوفة وانتقال ملكيتها للموقوف عليه. وهو قول الشافعية في المشهور من مذهبهم ، ومذهب الحنابلة إذا كان الوقف لآدمي معين كزيد وعمرو أو جمع محصور كأولاد فلان ، أو علان. وهو قول عند الإمامية.
الرأي الثاني : زوال ملكية الواقف للعين الموقوفة دون انتقال ملكيتها للموقوف عليه ، بل هي في حكم ملك الله تعالى. وهو رأي الصاحبين في المذهب الحنفي ( وهو المفتى به ) ، والأظهر في مذهب الشافعية ، وهو قول الحنابلة إذا كان الوقف على مسجد ونحوه كمدرسة ، ورباط ، وقنطرة ، وفقراء، وغزاة ، وما أشبه ذلك.
الرأي الثالث : عدم زوال ملكية الواقف للعين الموقوفة ، بل تظل ملكيتها له . وهو مذهب المالكية في غير المسجد ، يقول القرافي: (...أما أصل ملكه فهل يسقط أو هو باق على ملك الواقف ؟ وهو ظاهر المذهب لأن مالكاً –رحمه الله- أوجب الزكاة في الحائط الموقوف على غير المعين نحو الفقراء..) وهو رأي أبي حنيفة ، وقول للحنابلة ، والإمامية. ولكل رأي من هذه الآراء أدلته ليس هذا البحث محل بسطها.
وقف المنقول:
المنقول من الأموال هو: ما سوى العقار. وقد اختلف فيه النظر الفقهي إلى رأيين:
أولهما : لجمهور الفقهاء ( المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ) الذين قالوا بجواز وقف المنقول . مع توسع عند المالكية في عدم اشتراط بقاء المنقول بقاءً متصلاً كما يقول الشافعية والحنابلة.
ثانيهما : للحنفية وهو عدم صحة وقف المنقول من حيث الأصل. واستثنوا بعض المسائل منها:
1. إذا كان للأصل وليس وقفا مستقلا، وقد أخضعوها لقواعد فقهية حكاها ابن نجيم رحمه الله تعالى. ففي القاعدة: "التابع تابع"، أدخل فيها قواعد فرعية شتى منها:
• قاعدة (يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها).
• قاعدة (يغتفر في الشيء ضمنًا ما لا يغتفر قصدًا).
• قاعدة: (قد يثبت الشيء ضمنًا وحكمًا ولا يثبت قصدًا) .
وفي التطبيق على القواعد السابقة يدرج الحنفية مسألة وقف المنقول التابع للعقار، جاء في شرح القواعد: (مما يتفرع على هذه القاعدة... ومنه: ما لو وقف العقار ببقره وأَكَرَته يصح، ويغتفر دخول البقر والأكارين تبعًا، لأنهما من حوائج المتبوع ولوازمه، وعليه الفتوى).
2. إذا وقف المنقول مستقلاَّ وكان مما يجري فيه التعامل وتعارفه الناس وهو معتاد بينهم، كوقف السلاح والكُراع في سبيل الله، وكذلك وقف الكتب والمصاحف، وأدوات غسل الموتى.
وقف النقود وما في حكمها
يمكن للناظر في نصوص الفقهاء أن يحصر آراءهم في اتجاهين رئيسين:
الأول: يرى عدم جواز وقف النقود: وهو رأي غالب فقهاء الحنفية، ومذهب الشافعية، والصحيح من مذهب الحنابلة، والزيدية.
نصوص أهل العلم : جاء في فتح القدير: (وأما وقف ما لا ينتفع به إلا بالإتلاف كالذهب والفضة والمأكول والمشروب فغير جائز في قول عامة الفقهاء، والمراد بالذهب والفضة الدراهم والدنانير وما ليس بحلي) . وجاء في الفتاوى الهندية: (ولو وقف دراهم أو مكيلا أو ثيابا لم يجز) . وورد في حاشية عميرة على شرح المنهاج : (لا يَصِحُّ وَقْفُ آلَةِ لَهْوٍ ولا دَرَاهِمَ غَيْرِ مُعَرَّاةٍ ، وَكَوْنُهُ مَقْصُودًا فلا يَصِحُّ وَقْفُ دَرَاهِمَ مُعَرَّاةٍ لِلزِّينَةِ سَوَاءٌ نَقْشُهَا أَوْ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا بِنَحْوِ تِجَارَةٍ ؛ لأَنَّ الزِّينَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَغَيْرَهَا لا دَوَامَ لَهُ وَفَارَقَ صِحَّةَ إعَارَتِهَا لِلزِّينَةِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الدَّوَامِ فِيهَا، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا صِحَّةَ وَقْفِهَا لِتُصَاغَ حُلِيًّا ) . كما جاء في كشاف القناع قوله: [( ولا ) يَصِحُّ ( وَقْفُ مَا لا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ دَائِمًا كَالْأَثْمَانِ) كَحَلَقَةِ فِضَّةٍ تُجْعَلُ فِي بَابِ مَسْجِدٍ، وَكَوَقْفِ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ لِيُنْتَفَعَ بِاقْتِرَاضِهَا؛ لأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الأَصْلُ، وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَة، وَمَا لا يُنْتَفَعُ بِهِ إلا بِالإِتلافِ لا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِك، فَيُزَكِّي النَّقْدَ رَبُّهُ بِبَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ (إلا ) إذَا وَقَفَ الأَثْمَانَ ( تَبَعًا كَفَرَسٍ بِسَرْجٍ وَلِجَامٍ مُفَضَّضَيْنِ فَيُبَاعُ ذَلِكَ ) أَيْ : مَا فِي السَّرْجِ، وَاللِّجَامِ الْمُفَضَّضَيْنِ مِنْ الْفِضَّة؛ِلأنَّ الْفِضَّةَ فِيهِ لا يُنْتَفَعُ بِهَا (وَيُنْفِقُ ) مَا حَصَلَ مِنْ ثَمَنِهِ (عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى الْفَرَسِ الْحَبِيسِ; لأنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ] . وجاء في الإنصاف قوله: (ولا مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ دَائِمًا , كَالأَثْمَانِ ) . إذَا وَقَفَ الْأَثْمَانَ . فَلَا يَخْلُو : إمَّا أَنْ يَقِفَهَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . فَإِنْ وَقَفَهَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ , فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ : أَنَّهُ لا يَصِحُّ . وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الإمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله . وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي , وَالشَّرْحِ . قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَعَدَمُ الصِّحَّةِ أَصَحُّ. وَقِيلَ : يَصِحُّ . قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ . قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : إنْ وَقَفَهَا لِلزِّينَةِ بِهَا . فَقِيَاسُ قَوْلِنَا فِي الْإِجَارَةِ : إنَّهُ يَصِحُّ . فَعَلَى هَذَا : إنْ وَقَفَهَا وَأَطْلَقَ : بَطَلَ الْوَقْفُ . عَلَى الصَّحِيحِ . وَقِيلَ : يَصِحُّ , وَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا . وَإِنْ وَقَفَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ: لَمْ يَصِحَّ . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ . وَقَالَ فِي الْفَائِقِ وَعَنْهُ : يَصِحُّ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ . فَيُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ . اخْتَارَهُ شَيْخُنَا . يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رحمه الله . وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ : وَلَوْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ : لَمْ يَكُنْ جَوَازُ هَذَا بَعِيدًا) .
أما الزيدية فقد جاء في البحر الزخار ما نصه: (وَفِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَجْهَانِ ، يَصِحُّ كَتَأْجِيرِهَا لِلزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ والأصَحُّ الْمَنْعُ ، إذْ لَوْ غُصِبَتْ لَمْ تَلْزَمْ لَهَا أُجْرَةٌ) .
الثاني: يرى جواز وقف النقود: وهو مذهب المالكية، ورواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيميية، ورواية الأنصاري من أصحاب زفر من الحنفية وقول عند الزيدية.
من نصوص الفقهاء: جاء في شرح فتح القدير: (عن الأنصاري – وكان من أصحاب زفر – فيمن وقف الدراهم أو الطعام أو ما يكال أو يوزن أيجوز ذلك ؟ قال: يدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه) ، وجاء في تأصيل المسألة عند صاحب المجمع ما يلي: (حَكَى فِي الْمُجْتَبَى الْخِلافَ عَلَى خلافِ هَذَا الْمَنْقُولِ فَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا جَرَى التَّعَارُفُ بِهِ أَولا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنْ جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ وَلَمَّا جَرَى التَّعَامُلُ فِي وَقْفِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي زَمَان زُفَرَ بَعْدَ تَجْوِيزِ صِحَّةِ وَقْفِهِمَا فِي رِوَايَةٍ دَخَلَتْ تَحْتَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ فِي وَقْفِ كُلِّ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ كَمَا لا يَخْفَى فَلا يَحْتَاجُ عَلَى هَذَا إلَى تَخْصِيصِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ وَقْفِهِمَا لِمَذْهَبِ زُفَرَ مِنْ رِوَايَةِ الأَنْصَارِيِّ , وَقَدْ أَفْتَى صَاحِبُ الْبَحْرِ بِجَوَازِ وَقْفِهِمَا وَلَمْ يَحْكِ خِلافًا كَمَا فِي الْمِنَحِ وَعَنْ زُفَرَ رَجُلٌ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الطَّعَامَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ قَالَ يَجُوزُ قِيلَ لَهُ وَكَيْفَ يَكُونُ , قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُوزَنُ وَيُكَالُ يُبَاعُ فَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً كَالدَّرَاهِمِ قَالُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ) . أما المالكية فقد جاء في شرح ميارة بعد ذكره لجواز تحبيس الأصول كالدور والجات والحوانيت والأرض ونحو ذلك في مذهب مالك قال: (وأما وقف العين بقصد السلف فنقله في التوضيح من كتاب الزكاة ومن المدونة وإنه يجوز وقف الدنانير والدراهم لتسلف) .
وقف الودائع النقدية: وهي تأخذ حكم النقود، فإذا كانت حسابا جاريا فيصرف منه حسب شروط الواقف. إما للاقتراض منه ورد مثله بإذن من الواقف أو الناظر، أو للصرف على الجهات التي يحددها الواقف. أما إذا كانت ودائع استثمار فيكون في الغالب أصل الوديعة هو الموقوف وريعه من ربح سنوي هو الذي يتم توزيعه على المستفيدين حسب شروط الواقف. ونظرا لسهولة التعامل في القطاع المصرفي ومرونته فقد شاع هذا من الوقف في الفترة الأخيرة وبخاصة في مجال العلاقات الفردية والأسرية، حيث يكون الواقف في الغالب أو من ينوب عنه المشرف على مثل هذه الحسابات ومتابعة أداء الحقوق إلى أصحابها، ولا يحتاج هذا النوع من الوقف إلى كلفة في الإدارة والمراقبة، وغالبا ما تتخذ مثل هذه الصور شكل الوقف المؤقت بحيث تكون صيغة الوقف مؤقتة مرهونة باحتياج الواقف إلى استعمال أمواله.
توقيت الوقف بمدة محددة :
هذه المسألة وقع الخلاف فيها بين الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة وبين المالكية حسب التفصيل التالي:
1. الحنفية : وقع عندهم اشتراط التأبيد للوقف بالإجماع، إلا أن محمدًا اشترط النص عليه من قبل الواقف، فقال : لا يتعين التأبيد إلا بالتنصيص .
2. الشافعية : لا يجوز عندهم تأقيت الوقف إلى مدة ؛ لأن الوقف إخراج مال على وجه القربة فلا يتأتى معه التوقيت.
3. الحنابلة : جاء في الفروع : ( لا يصح ـ الوقف ـ معلقًا بشرط ، وفيه وجه وكذا مؤقتًا ... وقيل يلغو توقيته ) .
4. أما المالكية : فقالوا أن الوقف يقع مؤقتا، لكن إذا كانت الصيغة بلفظ التأبيد فيكون مؤبدًا على الوجه الذي جعل فيه ملكًا لمالكه، وينتقل إلى ورثته كسائر أملاكه .
المبحث الثالث أنواع الوقف وإبداله واستبداله
أولا: أنـواع الـوقف: يُستنبط مما ذكره الفقهاء من صور الوقف أنه يمكن أن يقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1. الوقف الخيري أو "الوقف العام": وهو الذي يقصد الواقف منه صرف ريع الوقف إلى جهات البر التي لا تنقطع ، سواء كانت أشخاصًا معينين كالفقراء والمساكين ، أم جهات بر عامة كالمساجد والمدارس والمستشفيات إلى غير ذلك.
2. الوقف الأهلي أو "الخاص": وهو ما يطلق عليه الوقف الذري ، ويسمى في المغرب الأحباس المعقبة وهو تخصيص ريع للواقف أولاً ثم لأولاده ثم إلى جهة برّ لا تنقطع.
3. الوقف المشترك : وهو ما خصصت منافعه إلى الذرية وجهة بر معًا. جاء في المغني : (وإن وقف داره على جهتين مختلفتين، مثل: أن يقفها على أولاده، وعلى المساكين : نصفين ، أو أثلاثًا ، أو كيفما شاء ، جاز ، وسواء جعل مآل الموقوف على أولاده وعلى المساكين أو على جهة أخرى سواهم) . وقال البهوتي: (وإن قال وقفته ؛ أي العبد ، أو الدار، أو الكتاب ونحوه على أولادي وعلى المساكين فهو بين الجهتين نصفان ، يصرف لأولاده النصف والمساكين النصف؛ لاقتضاء التسوية) ، وجاء في المادة (667) من مجلة الأحكام العدلية الحنبلية: (يصح وقف داره على جهتين مختلفتين كأولاده والمساكين) ، وهو ما يفهمه القارئ ضمنًا من كلام الفقهاء عن الوقف في أبواب البر ، والوقف على الذرية ، والعقب ، دون التصريح بالشراكة .
وقد نصت بعض القوانين المدنية المعاصرة المنظمة للأوقاف في بعض الدول الإسلامية، على الوقف المشترك مثل القانون المدني السوداني في مادته (907)، والقانون المدنـي الأردنـي في مادتـه (223) .
وقبل أن ننتقل للكلام عن الاستبدال يحسن بنا أن نقف وقفة ولو موجزة عند موضوع يكتسي أهمية بالغة في عالمنا المعاصر وبخاصة خلال الفترة الحالية التي بدأ الحديث يتزايد عن نظام الترست (Trust) في قطاع الأعمال الخير والجمعيات ذات النفع العام، والمطبق في الدول الغربية وأمريكا ومقارنته بالوقف، وبخاصة موضوع الوقف على النفس.
حكم الوقف على النفس والإرصاد وعلاقتهما بالترست:
اختلف الفقهاء في مسألة الوقف على النفس ثم العقب، ومذاهبهم فيها كما يلي :
1. مذهب الحنفية : الجواز على رواية أبي يوسف ، وأما محمد فعنه روايتان: إحداهما توافق قول أبي يوسف ، والأخرى تخالفه. فلذلك نقلت بعض كتب الحنفية الإجماع على الجواز أخذًا بالرواية الأولى لمحمد .
2. مذهب المالكية : لا يصح الوقف على النفس أو الذرية منفردا، ولو كان الوقف على نفسه بشريك ؛ بمعنى وقفه على نفسه وعلى ذريته أو الفقراء . وقال أبو إسحاق: (إن حبس على نفسه وغيره صح ودخل معهم، وإن أفرد نفسه بالوقف بطل)
3. مذهب الشافعية : لهم في المسألة وجهان ، حكاهما صاحب الوجيز فقال: (ولا يجوز الوقف على نفسه إذ لا يتجدد به ... وفيه وجه آخر أنه يجوز) .
4. مذهب الحنابلة : لهم روايتان ، إحداهما : لا يصح ، وهي رواية أبي طالب ، ونقل جماعة أن الوقف على النفس يصح ، اختاره ابن أبي موسى . قال ابن عقيل : وهي الرواية الأصح. وذكر في المغني : أنه قول ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأبو يوسف ، وابن سريج. أما الرواية الأولى "رواية أبي طالب" فهي مذهب الشافعي . وقد أجمل صاحب الإسعاف الخلاف السابق في قوله : (يجوز على قول أبي يوسف رحمه الله وهو قول أحمد ، وابن أبي ليلى وابن شبرمة والزهري وابن سريج من أصحاب الشافعي ، وبه أخذ مشايخ بلخ وذكر الصدر الشهيد أن الفتوى على قوله ترغيبًا للناس في الوقف ، ولا يجوز على قياس قول محمد وبه قال هلال وهو قول الشافعي ومالك « ا.هـ .
وعلق أبو زهرة ـ رحمه الله ـ على أقوال أهل العلم السابقة ، بتعليق يحسن إيراده في هذا المقام ، قال : (هذا الرأي الفقهي ، ولكن بعد إلغاء الوقف الأهلي أحجم الناس عن الوقف وصار من المصلحة الترغيب عن الوقف، ونرى أن الترغيب في الوقف الخيري يكون بإباحة الوقف على النفس ، وفي وزارة الأوقاف مشروع بإجازة الوقف على النفس لفتح باب الوقف الخيري وهكذا صار ما كان شرًا بعد تحول الحال خيرًا) .
أما الإرصاد والترست (Trust):
فالإرصاد: في اللغة الإعداد، يقال أرصد له الأمر أعده.
أما في الاصطلاح: فهو تخصيص الإمام غلة بعض أراض بيت المال لبعض مصارفه . مثل أن يجعل الحاكم غلة بعض الأصول العامة والمباني الحكومية أو المزارع التابعة لبيت المال على مصالح عامة كالمساجد، أو على من راتبه على الدولة كالأئمة أو المؤذنين .
ويرى بعض الحنفية: بأن الإرصاد تخصيص ريع الوقف لسداد ديونه لضرورة إعماره
هل الإرصاد وقف ؟ : هناك اتجاهان في الفقه :
الاتجاه الأول: يعتبر أن الإرصاد غير الوقف، وذلك لعدم توافر أهم شروط الوقف وهو أن يكون الموقوف مملوكًا فلا يصح وقف غير المملوك، والمرصِد لا يملك ما أرصده. يقول ابن عابدين: (والإرصاد من السلطان ليس بإيقاف البتة، لعدم ملك السلطان، بل هو تعيين شيء من بيت المال على بعض مستحقيه) .
الاتجاه الثاني: اعتبار الإرصاد وقفا، لعدم اختلال أي من شروط الوقف، فالإمام الذي يقف شيئا من بيت المال فهو وكيل عن المسلمين في التصرف، فهو مثل وكيل الوقف. قال الصاوي: (فإن قلت وقف السلاطين على الخيرات صحيح مع عدم ملكهم لما حبسوه... لأن السلطان وكيل عن المسلمين فهو كوكيل الواقف) . وقال الشربيني: (واستثنى من اعتبار الملك وقف الإمام شيئا من أرض بيت المال فإنه يصح... سواء كان على معين أم على جهة عامة)
وقد فصل القول في وقف السلاطين الشيخ محمد المبارك الأحسائي كما يلي :
إذا كانت أوقافهم راجعة إلى مصالحهم الخاصة كوقفهم على أقاربهم وأصدقائهم فالوقف لا يصح ولا ينفذ ويحرم على المحبس تناول غلتها.
وإذا كانت على وجوه البر والمصالح العامة كالمساجد والمساكين فإن نسبوا ذلك إلى أنفسهم على أن المال مالهم لم يصح الوقف كمن وقف مال غيره على أنه له، وإن اعتبروا أن المال لمسلمين وأيديهم في ذلك أيدي نيابة فإنه يصح وتعتبر شروطهم في ذلك إذا كانت وفق الأحكام الشرعية.
أما الترست في المصطلح الغربي (Trust): فهو يعني التزام من مالك أصل بنقل ذلك الأصل تحت إدارة شخص معين يسمى الأمين أو الوصي "Trustee"، والعائد الناشئ من استغلال الأصل وتنميته واستثماره يكون لصالح المستفيدين "Beneficiaries" فإن لم يوجد مستفيدون بأعيانهم كانت الغلة والمنفعة لأغراض يحددها القانون .
وينقسم الترست في التطبيقات الاقتصادية الغربية المعاصرة إلى ثلاث مجموعات:
1. الترست الاستثماري.
2. الترست الخيري.
3. الترست الاستثماري الخيري.
فهو بهذا المعنى قريب من الإرصاد لأن الإرصاد في بعض التطبيقات الفقهية قد يكون من غير الحاكم وفيه مرونة في التصرف وتغيير الجهة على ما تقتضيه المصلحة بخلاف الوقف الذي يلتزم الوصي فيه مراعاة شروط الواقف دون تبديل أو تغيير إلا إذا كانت مخالفة لقواعد الشرع، أو كانت هناك ضرورة أو مصلحة راجحة عند بعض الفقهاء. ثم إن الإرصاد بهذا المعنى يشبه الوقف على النفس الذي قال به المالكية، وكذلك رأيهم في جواز وقف المنفعة .
وأرى بأنه ليس هذا موطن التشابه الوحيد بين الترست والتبرعات أو الصدقات الجارية في الفقه الإسلامي، فهناك أحكام العمرى والرقبى فكثير من مسائلهما تجد صداها التطبيقي في الصور المعاصرة للترست .
ثانيا: الإبدال والاستبدال
يقصد بالإبدال : بيع عين من أعيان الوقف ببدل من النقود أو الأعيان.
أما الاستبدال : شراء عين للوقف بالبدل الذي بيعت به عين من أعيانه لتكون وقفًا محلها.
والبعض يفسر الإبدال بالمقايضة ، والاستبدال ببيع العين بالنقود ، وشراء عين أخرى بتلك النقود. ويسمي الفقهاء الإبدال بالمناقلة ، فقد عرفها الدردير في باب الشفعة بقوله : (المناقلة : بيع العقار بمثله) .
حكم الإبدال والاستبدال : اختلفت نظرة الفقهاء حول موضوع استبدال الوقف ، فمنهم من اتجه إلى التضييق ومنهم من جعل في الأمر سعة.
1. مذهب المالكية : قالوا لا يخلو محل الوقف من أحد أمرين: إما وقف منقول ( وهو ما سوى العقار ) ، أو وقف عقار. فأما المنقول : فقد أجاز المالكية استبداله بالبيع ، جاء في الشرح الصغير : (وبيع ما لا ينتفع به فيما حبس عليه ... كثوب وحيوان وعبد يهرم وكتب علم تبلى ، ولا ينتفع في تلك المدرسة ، وجعل ( الثمن ) في مثله كاملاً إن أمكن أو شقه ؛ أي في جزء من ذلك الشيء إن لم يمكن شراء كامل ... فإن لم يمكن تصدق بالثمن) . وقال في شأن بيع الحيوان : (من أوقف شيئًا من الأنعام لينتفع بألبانها وأصوافها وأوبارها ، فنسلها كأصلها في التحبيس ، فما فضل من ذكور نسلها عن النزو ، وما كبر من إناثها فإنه يباع ويعوض عنه إناث صغار لتمام النفع بها) . وأما العقار : فلا يجوز ولا يصح بيع عقار وإن خَرِب وصار لا ينتفع به سواء كان دارًا أو حوانيت أو غيرها ولو بغيره من جنسه كاستبداله بمثله غير خرب . وقد علق الصاوي في حاشيته "بلغة السالك" على كلام الدردير بقوله : [قوله : ( وإن خرب ) : أشار بذلك لقول مالك في المدونة ، ولا يباع العقار المحبَس ولو خرب ، وبقاء أحباس السلف دائرة دليل على منع ذلك. وردّ (بلو) على رواية أبي الفرج عن مالك: إن رأي الإمام بيع ذلك لمصلحة جاز ويجعل ثمنه في مثله وهو مذهب أبي حنيفة ] .
2. مذهب الشافعية : اختلف فقهاء الشافعية في بيع الأصل الموقوف إذا آل إلى عدم الانتفاع منه ، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه. أما إذا كانت العين الموقوفة مسجدًا فإنه لا يجوز بيعه ولو انهدمت أو خربت المحلة حوله وتفرق الناس عنها فتعطل المسجد .
3. مذهب الحنابلة : يقسمون الوقف بهذا الاعتبار إلى قسمين :
وقف قائم لم تتعطل منافعه : فهذا لا يجوز بيعه ، ولا المناقلة به مطلقًا ، نص عليه في رواية على بن سعيد ، قال : لا يستبدل به ولا يبيعه.
وقف تعطلت منافعه : يجوز إبداله واستبداله. قال أبو طالب : الوقف لا يغير عن حاله ، ولا يباع ، إلا أن لا ينتفع منه بشيء وعليه الأصحاب. وجوز الشيخ تقي الدين ذلك لمصلحة. وقال : هو قياس الهدي ، وفصّل صاحب المناقلة في النوع الأول، فرأى أنه إذا كان الوقف لم تتعطل منافعه والمصلحة للوقف أو أهله مرجوحة في إيقاع عقد الاستبدال ، فهذا العقد باطل غير مسوَّغ ، لعدم رجحان الحظ لجهة الوقف في ذلك. وكذلك لو كانت المصلحة في استبداله لا راجحة ولا مرجوحة. أما إذا كانت المصلحة راجحة للوقف وأهله في إيقاع عقد المناقلة والاستبدال فهذه سائغة في مذهب الإمام أحمد .
مذهب الحنفية : يعود حق الاستبدال والإبدال عند الحنفية إلى جهات أربع :
أن يكون الإبدال والاستبدال من حق الواقف وذلك إذا شرطه لنفسه.
أن يكون له ولغيره ، وذلك في حالة اشتراط الواقف أن يشرك غيره معه في هذا الحق. فقد نص ابن عابدين على جواز الإبدال والاستبدال في الصورتين السابقتين على الصحيح وقيل اتفاقًا.
أن يكون حق الإبدال والاستبدال للقاضي إذا لم يشترطه الواقف ، فالقاضي له الولاية العامة. فيجوز للقاضي في هذه الحالة إبدال واستبدال الوقف في حالة الضرورة بحيث صار لا ينتفع به بالكلية بأن لا يحصل منه شيء ولا يفي بمؤنته ، وليس للوقف مالاً لإصلاحه ، وهو قول أبي يوسف ومحمد. وكذلك إذا دعت المصلحة بحيث يمكن استبدال العقار بما هو أنفع منه. روي عن محمد قال : إذا ضعفت الأرض الموقوفة عن الاستغلال ، والقيم يعني الناظر يجد بثمنها أرضًا أخرى هي أنفع للفقراء ، وأكثر ريعًا ، كان له أن يبيع هذه الأرض ، ويشتري بثمنها أرضًا أخرى . وقال ابن عابدين عن هذه الصورة لا يجوز فيها الاستبدال على الأصح المختار.
يكون من حق الناظر في حالة غصب العين الموقوفة ورد الغاصب قيمتها ، فيشتري الناظر عينًا بدلاً منها.
المبحث الرابع ذمة الوقف والولاية عليه
أولا: ذمة الوقف وشخصيته الاعتبارية
تفسر الذمة في اللغة بالعهد وبالأمان وبالضمان ، ومن ذلك الذمي ؛ أي المعاهد.
أما في الاصطلاح الفقهي فهي: (صفة يصير الشخص بها أهلاً للإيجاب له وعليه) .
ويعبر عنها أهل القانون : بالشخصية الاعتبارية أو المعنوية ، والذمة بهذا المعنى مناط الحقوق والواجبات.
وتستند الشخصية الاعتبارية في الوقف إلى ما سبق الإشارة إليه في كلام أهل العلم حول ملكية الوقف ، وتحديدًا إلى القول القائل بخروج ملكية الوقف عن الواقف وعدم دخولها في ملكية الموقوف عليه. ومعنى هذا أن للوقف وجودًا مستقلاً عن ذمة الواقف والموقوف عليه ، ولهذا أجاز جمهور الفقهاء على سبيل المثال الاستدانة على الوقف. ورفض ذلك الحنفية وإن رجعوا إلى القول به بطريق المصلحة. فقد جاء في الدر المختار : لا تجوز الاستدانة على الوقف إلا إذا احتيج إليها لمصلحة الوقف ، كتعمير ، وشراء بذور ، فيجوز بشرطين : إذن القاضي ، وأن لا تتيسر إجارة العين والصرف من أجرتها .
وكذلك أجاز الفقهاء أخذًا في الاعتبار "الشخصية المعنوية للوقف" للناظر أن يستأجر له، ويشتري له بالأجل ، وكل هذه الالتزامات يكون محلها "ذمة الوقف" وليس ذمة الناظر .
ومع تصريح الحنفية بأن الوقف لا ذمة له ، كما ذكر ابن عابدين تعليقًا على كلام الحصكفي السابق الذكر، حيث قال: (أما الوقف فلا ذمة له ، والفقراء وإن كانت لهم ذمة لكن لكثرتهم لا تتصور مطالبتهم ، فلا يثبت إلا على القيم) . أقول ومع هذا فإننا نجد كثيرًا من فقهاء العصر ، يؤكدون على أن ظاهر نصوص الحنفية الكثيرة تؤكد على أن للوقف ذمة مستقلة عندهم ، مثل الشيخ علي الخفيف في كتابه "الحق والذمة" والشيخ مصطفى الزرقا في كتابه "نظرية الالتزام" وغيرهما من المعاصرين.
ثانيا: الولاية على الوقف
يقصد بولاية الوقف : الإدارة التي ترعى مصالح الوقف ، بحفظ أصوله ، واستغلاله ، وتثمير ممتلكاته ، وصرف الريع في مصارفه حسب شرط الواقف. ويسمى من له هذه الولاية بمتولي الوقف ، أو الناظر ، أو القيم عليه.
أما من تتثبت لهم ولاية الوقف فهم :
1. الواقف : وذلك في حالة حياته ، وتوافر الشروط الشرعية فيه للتولي ، حتى ولو لم يشترطها عند عامة الفقهاء ، ورواية أبي يوسف من الحنفية ، أما محمد فإنه لا يثبت له الولاية إلا بالشرط وهو مذهب الشافعية. ويمكن للواقف أن يدير الوقف بنفسه أو يعين وكيلاً عنه في التصرف.
2. وصي الواقف: أو من اختاره بالشرط بعد مماته.
3. القاضي نيابة عن الحاكم : وهو في حالة وفاته بدون تعيين أحد لتولي النظر في الوقف ، وكان على جهة عامة أو على غير محصورين ، أما إن كان على آدميين معينين محصورين ، عددًا، أو كان واحدًا فعند بعض الفقهاء يؤول النظر للموقوف عليه ؛ لأنه هو المختص بنفع الوقف ، أو كما قال صاحب المغني : (لأنه ملكه ونفعه له فكان نظره إليه كملكه المطلق) . وقد لخص ما سبق الحصكفي بقوله: (جعل الواقف الولاية لنفسه جائز بالإجماع ... ثم لوصية إن كان، وإلا فللحاكم) . وقد تحدث الفقهاء رحمهم الله تعالى عن شروط متولي الوقف أو الناظر ، وهي تلك الشروط العامة في الوصي من كونه بالغًا ، عاقلاً ، راشدًا ، أمينًا ، يتحرى في تصرفاته كلها تحقيق مصلحة الوقف ، والموقوف عليهم ، وتنفيذ الشروط الصحيحة للواقف .
أما عزل الناظر عن نظارته للوقف فإنه يتم ويقع إذا عين من قبل الواقف، أو القاضي، وأرادا ذلك لسبب من الأسباب .
المبحث الخامس اشتراطـات الواقفـين
أولا: ماهية اشتراطات الواقفين
يقصد بهذه الشروط تلك الشروط التي يشترطها الواقف عند إنشائه للوقف، ويدونها في وثيقة أو حجة الوقف. وهي في الغالب جارية مجرى الشروط في العقود التي فصل الكلام فيها أهل العلم في نظرية العقد والشروط وقد أخذت حظا وافرا من البحث والدراسة في الكتب الفقهية القديمة والمعاصرة :
وقد نظر الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى إلى هذه الشروط باعتبارها تصرفات المكلف وأفعاله وهي إما عبادات أو معاملات ، فذكر أن ما كان من العبادات لا يكتفى فيه بعدم منافاة الشرط لأصل أو مقتضى العقد ، دون أن تظهر الملاءمة ، لأن الأصل ألا يقدم عليها المكلف إلا بإذن ، لأن العبادة مبنية على التوقف. أما ما كان من العادات فيكتفى فيه بعدم المنافاة ، إذ الأصل فيها الإذن حتى يدل الدليل على خلافه . لهذا فمن نظر إلى الوقف على أنه قربة وعبادة منع الإطلاق في اشتراطات الواقفين، ومن هؤلاء الحنابلة الذين عُدّوا من الموسعين في قبول الشروط في العقود. ومن نظر إليه على أنه من المعاملات كالحنفية والمالكية طبق عليه شروط المعاملات .
والأصل في شروط الواقفين المعتبرة شرعًا أن تكون ملزمة للنظار ولمتولي الوقف ، وليس لهم مخالفتها. وقد قعّد لذلك الفقهاء قاعدتهم المشهورة في شروط الوقف حيث ينصون على أن : " شرط الواقف كنص الشارع " ، أي في وجوب العمل به ، وفي المفهوم والدلالة. ولكن لا ينبغي العمل وتنفيذ من الشروط إلا ما كان فيه طاعة لله ويحقق مصلحة للمكلف وأما ما كان بضد ذلك فلا اعتبار له . وهذه الشروط ليست في درجة واحدة ولا هي من نوع واحد لذلك نجد ابن القيم يقسمها إلى أربعة أقسام هي: شروط محرمة في الشرع، وشروط مكروهة، وشروط تتضمن ترك ما هو واجب، وشروط تتضمن ما هو واجب. فالأقسام الثلاثة الأول لا حرمة لها ولا اعتبار، والقسم الرابع هو الشرط المتبع الواجب الاعتبار . والفقهاء يردون في بعض الأحيان هذه الشروط ويبطلون بها الوقف ، وفي أحيان أخرى يصححون الوقف ويسقطون الشرط هو ما سنتبينه فيما يلي:
ثانيا: أقسام اشتراطات الواقفين
إن جملة ما ذكره الفقهاء في هذه الاشتراطات وخاصة الحنفية منهم يمكن تلخيصها فيما يلي .
1. اشتراطات باطلة ومبطلة للوقف: وهي ما نافى لزوم الوقف وتأبيده عند من يقول به ، كأن يشترط الواقف حق التصرف في الوقف بالبيع ، أو الهبة ، أو غير ذلك ، أو أن يعود الوقف إلى ورثته بعد موته ، أو تؤول ملكيته إليهم عند الحاجة والعوز.
2. اشتراطات باطلة وغير مبطلة للوقف: وهي اشتراطات ساقطة لا يعتد بها ، ويكون الوقف معها صحيحًا ، وغالبًا ما تكون منافية للمبادئ الشرعية للوقف ، أو لا تحقق مصلحة المستحقين ، كاشتراط الواقف لعائد يدفعه الموقوف عليه نظير ما يناله من غلة الوقف ، أو اشتراط عدم عزل الناظر ولو كان خائنًا ، أو اشتراط ألاّ يستبدل بعين الوقف غيرها ولو صارت خربة ، فعند بعض الفقهاء يكون الوقف صحيحًا ، والشرط باطلاً ولاغيًا.
3. اشتراطات معتبرة ومقبولة يجب العمل بها : وهي تلك الشروط التي لا تنافي مقتضى العقد ، كاشتراط أن تكون غلة الوقف لجهة معينة ، أو اشتراط الواقف أداء دين ورثته من غلة الوقف، أو اشتراط أن يكون لمتولي الوقف الحق في زيادة أو نقصان مرتبات المستحقين إلى غير ذلك من الاشتراطات المشابهة.
ثالثا: الشروط العشرة:
وهي جملة من الشروط المعروفة في كتب الفقه، وقيدها موثقو الأوقاف بهذا العنوان، وقد فصل الكلام عنها الفقهاء وبخاصة متأخري الحنفية، وهي :
1) الزيادة والنقصان : أن يشترط الواقف الزيادة أو النقصان في أحد أنصبة الموقوف عليهم.
2) الإدخال والإخراج : اشتراط الواقف حق جِعل من ليس مستحِقًا في الوقف من أهل الاستحقاق ، أو اشتراط العكس.
3) الإعطاء والحرمان : اشتراط الواقف بأن يُؤْثِر بعض المستحقين بالعطاء دائمًا ، أو مدة من الزمن ، أو حرمانهم كذلك.
4) الإبدال والاستبدال : وهو اشتراط حق إبدال واستبدال عين الوقف بعين أخرى في مكانها، أو بثمن.
5) التغيير والتبديل : وهو اشتراط حق التغيير في مصارف الوقف بحيث تصير مبالغ محددة بدل أن تكون حصصًا مثلاً ، أو على بعض الموقوف عليهم بدل أن تكون عامة.
---------------
توثيق:
انظر: في هذا الموضوع مقال د.أحمد، مجذوب أحمد، إيرادات الأوقاف الإسلامية ودورها في إشباع الحاجات العامة.
انظر : أبو ركبة، الوقف الإسلامي وأثره في الحياة الاجتماعية في المغرب، ص244. ؛ التجكاني، الإحسان الإلزامي في الإسلام وتطبيقاته في المغرب ، ص 556-558 . ؛ عبدالملك السيد ، الدور الاجتماعي للوقف ، ص 282-283.
انظر : الأزهري ، الزاهر ، ص 260.
الفيومي ، المصباح المنير ، ص 265.
ابن قدامة ، المغني ، ج8 ، ص 184 ؛ الزركشي ، شرح الزركشي على الخرقي ، ج4 ، ص 268 ؛ ابن عبدا لهادي ، الدر النقي ، ج9 ، ص 464. وعلق على هذا التعريف في المطلع بقوله : هذا التعريف لم يجمع شروط الوقف. وقد عرفه بعضهم بقوله : تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به ، مع بقاء عينه ، بقطع تصرف المالك ، وغيره في رقبته ، يصرف ريعه إلى جهة برِّ تقربًا إلى الله تعالى. انظر: البلعي ، المطلع ، ص 285 ؛ ابن عبد الهادي ، الدر النقي ، ج2 ، ص 464. وانظر تعريف الوقف ومناقشة التعاريف في بقية المذاهب الأخرى في المصادر التالية:
• الحنفية: السرخسي، المبسوط، ج12، ص27 ؛ ابن عابدين، الحاشية، ج3، ص 493 ؛ القونوي ، أنيس الفقهاء ، ص 197 ؛ المجددي البركتي ، التعريفات الفقهية ، ص 536.
• المالكية: الرصاع ، شرح الرصاع ، ج2 ، ص 411 ؛ الحطاب، مواهب الجليل، ج6، ص18 ؛ الخرشي، شرح الخرشي على خليل، ج7، ص78 ؛ البناني، حاشية البناني على الزرقاني، ج7، ص74 .
• الشافعية: النووي ، تحرير ألفاظ التنبيه ، ص 237 ؛ تقي الدين البلاطنسي ، تحرير المقال ، ص 173، الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، 2، ص376 ؛ الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، ج2، ص26 ؛ المناوي، تيسير الوقوف على غوامض أحكام الوقوف، ج1، ص16 ؛ الرملي، نهاية المحتاج، ج4، ص259 .
أبو زهرة ، محاضرات في الوقف ، ص44.
المرجع السابق ، ص 45.
الكبيسي، أحكام الوقف، ج1، ص88 .
بيرحاء على صيغة فعيل من البراح وهي الأرض الظاهرة. انظر: ابن منظور ، لسان العرب ، ج2 ، ص 412.
بَخ، كلمة إعجاب ورضا بالشيء ومدح به ، تخفف وتثقل، وإذا كررت فالاختيار أن ينون الأول ويسكن الثاني، وفيها أربع لغات: الجزم، والخفض، والتنوين، والتخفيف. انظر: الخطابي، غريب الحديث، ج1، ص61 . وتستعمل أحيانًا للإنكار وقد تكون معربة عن كلمة (بَهْ) الفارسية. انظر : أحمد رضا ، معجم متن اللغة ، ج1 ، ص 247.
انظر : البخاري ، صحيح البخاري ، ج2 ، ص 530 ، كتاب الزكاة ، باب الزكاة على الأقارب.
يمكن لمن أراد أن يرجع إلى بعض منها أن ينظر على سبيل المثال : سورة البقرة الآيات: 3،215،219،254،261،262،265،267،274 ؛ وسورة آل عمران ، الآيتان : 117،134 ؛ وسورة النساء ، الآيات : 34،38 ؛ وسورة الأنفال ، الآية : 3 ؛ وسورة التوبة، الآية : 53 ؛ وسورة الحج ، الآية 35 ؛ والقصص 54 ؛ والسجدة 16 ؛ والشورى 42 ؛ والفرقان 67 ؛ والحديد 10.
انظر: فتح الباري ، ج5 ، ص 402.
صحيح البخاري ، ج2 ، ص 70.
نصب الراية لأحاديث الهداية ، ج3 ، ص 477. وهذه العين ( عين رومة ) هي التي أشار إليها الإمام البخاري رضي الله عنه ، فيما رواه عن أبي عبدالرحمن ، أن عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث حوصر أشرف وقال : أنشدكم ولا أنشد إلا أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ألستم تعلمون أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( من حفر رومة فله الجنة ) فحفرتها. انظر: صحيح البخاري ، ج3 ، ص 198 ، كتاب الوصايا ، باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا.
رواه مسلم وأبو داود وغيرهما ، انظر : صحيح مسلم ، ج2 ، ص 1255 ، كتاب الوصية. ؛ سنن أبي داود ، ج3 ، ص 300.
ابن قدامة ، المغني ، ج8 ، ص 186.
فتح الباري ، ج5 ، ص 402. وخبر شريح أورده البيهقي في سننه الكبرى، ج6، ص163.
برهان الدين الطرابلسي ، الإسعاف في أحكام الأوقاف ، ص 13.
انظر : السنوسي ، الروض الزاهر ، ص 9 ؛ برهان الدين الطرابلسي ، الإسعاف ، ص7،8.
انظر : أبو ركبة، الوقف الإسلامي وأثره في الحياة الاجتماعية في المغرب، ص244.
راجع التجكاني، الإحسان الإلزامي في الإسلام وتطبيقاته في المغرب ، ص 556-558.
انظر : عبدالملك السيد ، الدور الاجتماعي للوقف ، ص 282-283.
رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم. انظر : البخاري، صحيح البخاري، ج2، ص534، كتاب الزكاة ، باب قوله تعالى : (وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله). مسلم ، صحيح مسلم ، ج1 ، كتاب الزكاة ، ص 676.
البلاطنسي ، تحرير المقال ، ص 102-103.
انظر : شوقي دنيا، أثر الوقف في إنجاز التنمية الشاملة ، ص 128.
انظر: ابن جزي، القوانين الفقهية، ص243 ؛ الدردير، الشرح الصغير، ج5 ، ص 378.
انظر: برهان الدين الطرابلسي، الإسعاف، ص14 ؛ أبو زهرة، محاضرات في الوقف، ص 127 ؛ الزرقاء ، أحكام الوقف ، ص 43.
انظر: السنوسي، الروض الزاهر، ص16 ؛ الزرقاء أحكام الوقف، ص 45-51.
انظر: السنوسي، الروض الزاهر، ص16 ؛ الزرقا، أحكام الوقف، ص 51-54.
انظر:ابن نجيم، البحر الرائق، ج5، ص204 .
انظر الموضوع تفصيلا : الحنفية: السرخسي، المبسوط، ج13، ص41 . ؛ ابن نجيم، البحر الرائق، ج5، ص213 . المالكية: الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج 4، ص85. الشافعية: الشيرازي، المهذب، ج1، ص441-442 . ؛ الخطيب الشربين، مغني المحتاج، ج2، ص384 . الحنابلة: ابن قدامة، الشرح الكبير مع المغني، ج6، ص215-217 .
انظر: السنوسي، الروض الزاهر، ص17،18، الزرقا، أحكام الوقف، ص34.
انظر: ابن نجيم، البحر الرائق، ج5، ص268 ؛ الطرابلسي، الإسعاف، ص59 .
انظر: الخرشي، شرح الخرشي، ج7، 88 .
الشرح الصغير، ج5، ص383 .
بلغة السالك، ج5، ص383 .
انظر: ابن قدامة، المقنع، ج2، ص308 ؛ مجد الدين أبو البركات، المحرر في الفقه، ج1، ص370 .
انظر: النووي، روضة الطالبين، ج5، ص322 ؛ الرملي، نهاية المحتاج، ج4، ص268.
انظر: السمرقندي، تحفة الفقهاء، ج3، ص375 ؛ الكمال ابن الهمام، فتح القدير، ج6، ص 206 ؛ الدردير، الشرح الصغير، ج5، ص423 ؛ النووي، تحرير ألفاظ التنبيه، ص 237 ؛ الشربيني، مغني المحتاج، ج2، ص389 ؛ ابن قدامة، المغني، ج8، ص186 ؛ الزركشي، شرح الزركشي على الخرقي، ج4 ، ص270 ؛ أبوزهرة، محاضرات في الوقف، ص 99.
الصاوي، بلغة السالك، ج5، ص423-424 .
الفروق، ج2، ص111 فرق (79).
انظر في ذلك: ابن الجلاب، التفريع، ص 309-311 ؛ ابن جزي، القوانين الفقهية ، ص243 ؛ السمرقندي، تحفة الفقهاء ، ج3، ص378 ؛ ابن عابدين، الحاشية، ج4، ص375.
انظر: ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص 120، 121؛ الزرقا، شرح القواعد، 229؛ البورنو، الوجيز في إيضاح القواعد، ص 206.
الزرقا، شرح القواعد، ص 229؛ وانظر: البورنو، الوجيز، ص207.
انظر: السمرقندي، تحفة الفقهاء، ج3، ص378؛ برهان الدين الطرابلسي، الإسعاف، ص14 . مع الإشارة إلى أن بعض الأمثلة المذكورة جرى الخلاف في صحة وقفها من عدمه مستقلة بين فقهاء الحنفية.
الكمال بن الهمام، فتح القدير، ج6، ص218 .
البلخي، نظام الدين، الفتاوى الهندية، ج2، ص362 .
عميرة، حاشية عميرة على شرح المنهاج، ج3، ص99 .
البهوتي، كشاف القناع، ج4، ص244 . ومثله في: شرح المنتهى، ج2، ص400 .
الماوردي، الإنصاف، ج7، ص11 .
ابن المرتضي، أحمد بن يحي، البحر الزخار، ج5، ص152 .
الكمال بن الهمام، شرح فتح القدير ، ج6، ص218 . واظر: منلا حسرو، درر الحكام شرح غرر الأحكام ج2، ص137 . ، البلخي، نظام الدين، الفتاوى الهندية، ج2، ص362 .
داما أفندي، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر، ج1، ص739 .
الفاسي، شرح ميارة، ج2، ص137 .
انظر: الموصلي، الاختيار، م2 ، ج3 ، ص 42.
انظر: الشيرازي، المهذب ، ج ، ص 441.
ابن مفلح، الفروع، ج4 ، ص588.
انظر: ابن شاس، عقد الجواهر الثمينة، ج3، ص37 ؛ ابن عبدالبر، الكافي، ج2 ، ص 309-310.
درويش عبد العزيز، تجربة الأوقاف في المملكة المغربية، ص11 .
ابن قدامة، المغني ، ج8 ، ص233.
كشاف القناع، ج4 ، ص258.
انظر: القاري، مجلة الأحكام العدلية، ص 279.
ينظر على سبيل المثال: برهان الدين الطرابلسي، الإسعاف ، ص139-140 وغيرهما.
علي النصري، دراسة حول أنظمة وقوانين الوقف، ص162 .
انظر: ابن عابدين، الحاشية، ج4 ، ص362ـ384 ؛ الطرابلسي ، الاسعاف ، ص 98.
انظر:القاضي عبدالوهاب، المعونة،ج3،ص1602 ؛ الدردير،الشرح الكبير،ج4، ص 80.
ابن شاس، عقد الجواهر الثمينة، ج3، ص35 .
الغزالي، الوجيز، ج1 ، ص 245.
انظر: ابن قدامة، المغني، ج8 ، ص 194.
برهان الدين الطرابلسي، الإسعاف في أحكام الأوقاف ، ص 98.
محاضرات في الوقف، ص 208.
انظر: حاشية الجمل على منهاج الطالبين، ج3، ص577 ؛ الرحيباني، مطالب أولي النهى، ج4، ص278 ؛ وزارة الأوقاف الكويتية، الموسوعة الفقهية، ج3، ص107 ؛ حماد، نزيه، معجم المصطلحات، ص50 .
انظر: نزيه، معجم المصطلحات، ص50 .
انظر: ابن عابدي، الحاشية، ج3، ص376 .
القرافي، الفروق، ج3، 6 ؛ الرملي، نهاية المحتاج، خ5، ص357 ؛ بلغة السالك، ج5، ص374 ؛ المبارك، محمد إبراهيم، التعليق الحاوي، ج6، ص488-530 . وانظر: الكبيسي، أحكام الوقف، ج1، ص363 ؛ وزارة الأوقاف الكويتية، الموسوعة، ج3، ص107.
الحاشية، ج3، 376 543 (266)
بلغة السالك، ج5، ص374 .
مغني المحتاج، ج2، ص377 .
المبارك، محمد إبراهيم، التعليق الحاوي، ج6، ص488-530 .
كامل، عمر، الإرصاد وتطبيقاته في ضوء الترست، ص2 .
انظر تفصيلا: أبو غدة، الإرصاد وتطبيقاته المعاصرة.
تعرف العمرى: عرفها الحنفية والحنابلة بأنها: تمليك مالك شيئاً لشخص عمر أحدهما.
وعرفها المالكية والشافعية: تمليك مالك شيئاً لشخص عمر هذا الشخص. وقد عرفها الدردير المالكي بما يفيد أنها تمليك منفعة كما هو رأي المالكية فقال: (تمليك منفعةِ شيءٍ مملوك حياة المعطى بغير عوض). حكمها: جائزة، وقد وردت فيها نصوص كثيرة منها عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تفسدوها، من أعمر عمرى فهي للذي أُعْمِرَها حيًّا وميتاً ولعقبه). انظر: الكاساني، بدائع الصنائع، ج6، ص116؛ الموصلي، الاختيار، م2، ج3، ص 53؛ البعلي، المطلع، ص 291؛ البهوتي، كشاف القناع، ج، ص 307 ؛ ابن جزي، القوانين الفقهية، ص 245، النووي، روضة الطالبين، ج5، ص 370. ؛
الدردير، الشرح الصغير ، ج5، ص 461. أما الحديث فقد أخرجه: مسلم، في صحيحه ، ج3، ص 1246، 1247، كتاب الهبات، باب العمري، حديث 26. وهو بهذا اللفظ عند الترمذي، في سننه ، ج3، ص 633، كتاب الأحكام، باب ما جاء في العمرى، حديث 1350 . 31.
أما الرقبى فقد عرفها الفقهاء بأنها: قول الرجل لآخر إن متُّ قبلك فداري لك، وإن متَّ قبلي فدارك لي. وحكمها: اختلف فيها على قولين: أحدهما: للشافعية والحنابلة وأبي يوسف من الحنفية، وهو الجواز.وتكون لمن أُرقِبها، ولا ترجع إلى المُرقِب، ويعتبر الشرط فيها فاسداً. وثانيهما: لأبي حنيفة ومحمد، وهو رأي المالكية. وهو عدم الجواز. انظر: ابن جزي، القوانين الفقهية، ص 245 ؛ الرملي، نهاية المحتاج، ج5، ص 410، ابن قدامة، المغني، ج8، ص ابن عابدين، الحاشية، ج4، ص 520، الزرقاني، شرح الزرقاني على خليل، ج7، ص 104 .
راجع: العياشي، ومهدي، الاتجاهات المعاصرة في الاستثمار الوقفي، 106-111 .
انظر: الدردير، الشرح الكبير ، ج3 ، ص 476.
انظر بتوسع: قراءة في رسالة الاستبدال، للباحث، مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة، ص
الدردير، الشرح الصغير،ج5، ص412؛ وانظر: السنوسي، الروض الزاهر، ص20-21.
الدردير، الشرح الصغير ، ج5 ، ص412 ؛ وانظر: السنوسي، الروض الزاهر، ص 21.
الدردير، الشرح الصغير، ج5 ، ص 414.
الدردير، الشرح الصغير ، ج5 ، ص 414.
انظر: النووي، روضة الطالبين ، ج5 ، ص 356-358.
انظر: المرداوي ، الإنصاف ، ج7 ، ص 101.
انظر: ابن قاضي الجبل ، المناقلة والاستبدال بالأوقاف ، ص 47-48.
فائدة : تناول العديد من متأخري الحنابلة هذا الموضوع بشيء من التفصيل، وأعملوا في اجتهادهم في –إلى جانب النصوص- قواعد التشريع العامة ومن أهمها المصلحة وهو ما أضاف في رأيي بعدا مهما لأداء الوقف رسالته الاجتماعية والاقتصادية وبخاصة في واقعنا المعاصر. فقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة في مسالة : جواز المناقلة والاستبدال للمصلحة ، أقام فيها الأدلة والبراهين على صحة رواية جواز الاستبدال عن الإمام أحمد ، وأنه قول في المذهب ، وهو الموافق للأصول ، والمنقول عن السلف. وهذه الرسالة مطبوعة ضمن مجموع الفتاوى ، ج31 ، ص 112-267 ، ثم أفرد ابن قاضي الجبل المسألة بمؤلف سماه "المناقلة والاستبدال" نقل فيه كلام شيخ الإسلام وأضاف نقولاً نقلية وعقلية كثيرة ، مع عنايته ببيان أن المسألة ليست من مفردات المذهب الحنبلي بل قال بها كثير من الفقهاء في المذاهب الأخرى. وقد اعترضه القاضي يوسف المرداوي برسالة سماها "الواضح الجلي في نقض حكم ابن قاضي الجبل الحنبلي" . وصنف الشيخ عز الدين حمزة ابن الشيخ السلامية مصنفًا سماه "دفع المثاقلة في منع المناقلة" ، وغالبه من مصنف ابن قاضي الجبل، ونقل فيه نصوصًا كثيرة عن شيخ الإسلام، ثم أُلفت رسالة في المذهب تبين ما جرى حول المناقلة بالأوقاف من الحكم بها أو إلغائها وفتاوى كثيرة متعلقة بالمسألة ، ولعلها لابن زريق الحنبلي. والرسائل الثلاث الأخيرة ما عدا رسالة الشيخ عز الدين ، طبعتها وزارة الأوقاف الكويتية في كتاب واحد سمته "مجموع في المناقلة والاستبدال بالأوقاف" ، ط1، 1409هـ.
ينظر : ابن عابدين ، الحاشية ، ج4 ، ص 384-385.
ينظر : ابن نجيم ، البحر الرائق ، ج5 ، ص 223.
المجددي البركتي ، التعريفات الفقهية ، ص 300 ؛ الجرجاني ، التعريفات ، ص 143.
الحصكفي ، الدر المختار ، ج4 ، ص 489 ؛ الطرابلسي ، الاسعاف ، ص 61.
انظر بالتفصيل: الخياط ، الشركات ، ج1 ، ص 217.
ابن عابدين ، الحاشية ، ج24 ، ص 439.
انظر:الحصكفي، الدر المختار، ج4 ، ص379 ؛ الحطاب، مواهب الجليل، ج6 ، ص37 ؛ الشيرازي،المهذب، ج1، ص445-446 ؛ الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، ج2، ص 393 ؛ ابن قدامة ، المغني ، ج8 ، ص 236-237 ؛ الطرابلسي ، الإسعاف ، ص 53.
ابن قدامة ، المغني ، ج8 ، ص 237.
الدر المختار ، ج4 ، ص 379.
انظر: الحطاب، مواهب الجليل، ج6 ، ص37 ؛ ابن عابدين، الحاشية، ج4 ، ص 380-381 ؛ الشربيني ، مغني المحتاج ، ج2 ، ص 393-394 ؛ ابن قدامة ، المغني ، ج8 ، ص 237-238.
انظر: ابن عابدين، الحاشية، ج4 ، ص427 ؛ الشربيني، مغني المحتاج، ج2، ص394 .
يمكن الرجوع بتوسع للموضوع في المصادر التالية : النووي، المجموع، ج9 ، ص262-279 ؛ ابن حزم، المحلى، ج8 ، ص412-420 ؛ ابن رشد، بداية المجتهد، ج2 ، ص202-209 ؛ ابن قدامة، المغني ، ج4 ، ص72-80 ؛ ابن تيمية، مجموع الفتاوي، ج29 ص126-180 ؛ أبوزهرة، ابن حنبل، ص384-396 ؛ الزرقا، المدخل الفقهي العام، ج1 ، ص 461.
انظر : الشاطبي ، الموافقات ، ج1 ، ص 196-198.
انظر : أبو زهرة ، محاضرات في الوقف ، ص 148.
ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص 195 ؛ ابن عابدين، الحاشيـة ، ج4 ، ص 400 – 432 ( مطلب في قولهم شرط الواقف كنص الشارع ).
انظر: ابن القيم، إعلام الموقعين، ج2، ص96 .
المرجع السابق.
انظر في الموضوع: الدردير، الشرح الصغير ، ج5 ، ص403 ؛ الصاوي، بلغة السالك ، ج5، ص 403 وما بعدها ؛ الطرابلسي، الإسعاف، ص 32-39 ؛ ابن نجيم، البحر الرائق ، ج5 ، ص 258 ؛ ابن عابدين، الحاشية، ج4 ، ص 343 ؛ ابن قدامة، المغني ، ج8 ، ص 191-193 ؛ الأنصاري ، أسنى المطالب، ج2 ، ص 468 ؛ أبو زهرة ، محاضرات في الوقف ، ص 151.
انظر: أبو زهرة ، محاضرات في الوقف ، ص 158-163.
----------------------
أنظر أيضا:
- إحياء سنة الوقف
- الوقف في الإسلام