الفهرس
- المبحــث الثالث إثبات جريمة الزنا
- المبحــث الرابع عقوبة الزنا
- العودة إلي كتاب الزنا في التشريع الجنائي الإسلامي
المبحــث الثالث إثبات جريمة الزنا
نتناول في هذا المبحث أدله الثبوت في جريمة الزنا والعقوبة المقررة شرعا للزاني والزانية بعد أن يثبت الوطء المحرم في حقهما وذلك علي النحو التالي فنتناول في المطلب الأول الشهادة وفي المطلب الثاني الإقرار.
قال الفقيه ابن رشد "واجمع العلماء علي أن الزنا يثبت بالإقرار وبالشهادة واختلفوا في ثبوته بظهور الحمل في النساء الغير متزوجات وقال الكثاني "وأما بيان ما تظهر به الحدود عند القاضي فنقول وبالله التوفيق الحدود كلها تظهر بالبينة والإقرار لكن عند استجماع شرائطها .(18)
المطلب الأول البينة الشهادة
يثبت الزنا بشهادة الشهود علي أنهم رأوا وتحققوا من واقعه الوطء المحرم بأنفسهم ويشترط في الشهود الذين تثبت بشهادتهم جريمة الزنا ما يلزم توافره من شروط بوجه عام في الشهادة علي الحدود من حيث البلوغ والعقل والإسلام والعدالة والحفظ والحرية والذكورة والنطق والإبصار .(19)وذلك علي التفصيل التالي:
أولا البلوغ:يشترط في الشاهد ان يكون بالغا فإذا لم يكن كذلك فلا تقبل شهادته ولو كان في حاله تمكنه من ان يعي شهادته ويؤديها ولو كان من أهل العدالة
ثانيا: العقل: كما يشترط في الشاهد ان يكون عاقلا والعاقل هو من عرف الواجب عقلا والضروري وغيرة والمنتفع والممكن وما يضره وما ينفعه غاليا فلا تقبل شهادة مجنون
او معتوه ولكن تقبل الشهادة ممن يجدن أحيانا اذا أداها في حاله افاقتة فقد روي عن رسول الله صلي الله علية وسلم انه قال" رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتي يستيقظ وعن المجنون حتي يفيق كما ان شهادة المجنون لا تقبل للمعني المانع من قبول شهادة الصبي
ثالثا:الحفظ: ويشترط في الشاهد ان يكون قادرا علي حفظ الشهادة وفهم ما وقع بصرة علية مأمونا علي ما يقول فان كان مغفلا فلا تقبل شهادته ويلحق بالغفلة أيضا كثرة الغلط والنسيان ولكن تقبل شهادة من يقل منه الغلط لان أحدا لا ينفك عنه الغلط
رابعا: النطق: يشترط في الشاهد ان يكون قادرا علي الكلام فان كان اخرس فان الفقهاء لهم أقوال في تلك الحالة
فذهب الإمام مالك الي قبول شهادة الأخرس اذا فهمت اشارتة وفي مذهب الإمام احمد يرون عدم قبول شهادة الأخرس اذا كانت إشارته مفهومة الا اذا كان يستطيع الكتابة فادي الشهادة بالكتابة ففي هذه الحالة فتقبل شهادته إما الإمام ابوحنيفة فيري عدم مقبول شهادة الأخرس سواء أكانت بالإشارة او بالكتابة وفي مذهب الإمام الشافعي هناك خلاف منهم من يري قبول شهادة الأخرس لان إشارته كعبارة الناطق في النكاح والطلاق فكذلك في الشهادة ومنهم من يري أنها لا تقبل لان إشارته أقيمت في مقام العبارة في موضع الضرورة وقد أقيمت في موضع النكاح والطلاق لأنهما لا يستفيدان الا من جهته ولا ضرورة تدعوا الي قبول شهادته في الشهادة لأنها تصح من غيرة بالنطق
خامسا: الرؤية: ويشترط في الشاهد ان يري ما يشهد به فان كان الشاهد اعمي فقد اختلف الفقهاء في مدي قبول شهادته فالحنفيون لا يقبلون شهادة العامي لان أداء الشهادة يحتاج الي ان يشير الي المشهود له والمشهود علية ولان الاعمي لا يميز الا بالنغمة وفي التميز به شبهه وهم لا يقبلون شهادة الاعمي وقت الشهادة ولو كان بصيرا وقت تحملها بل أنهم يرون شهادة البصير الذي عمي بعد أداء الشهادة وقبل القضاء لأنهم يشترطون الأهلية في الشاهد وقت القضاء حتي تكون الشهادة حجة
إما المالكية فيقبلون شهادة الاعمي في الأقوال ول كان قد تحملها بعد ألعمي ما دام فطنا لا تشتبه علية الأصوات ويتيقن المشهود له والمشهود علية فان شك في شيء من ذلك ردت شهادته إما شهادة الاعمي في المرائيات فلا تقبل الا ان يكون تحملها بصيرا ثم عمي وهو يتيقن عين المشهود له او يعرفه باسمه اونسبة
إما الشافعية فيجيزون شهادة الاعمي فيما يثبت بالاستفاضة كالنسب والموت لا طريق العلم بهما السماع والاعمي كالبصير في السماع ولا يجيزون ان يكون شاهدا في الأفعال كالقتل والغصب لان طريق العلم بهما هو البصر ولا شاهدا في الأموال كالبيع والإقرار والنكاح والطلاق اذا كان المشهود علية خارجا عن يده لان شهادته تقوم علي العلم بالصوت فقط والصوت يشبه الصوت
وفي مذبة الإمام احمد يجيز شهادة الاعمي اذا تيقن الصوت أي أنهم يجيزون شهادته في الأقوال مطلقا إما في الأفعال فيجيزون شهادته في كل ما تحمله قبل العمى اذا عرف المشهود علية باسمة او نسبه
ومذهب الزيديون لا يكاد يختلف عن ما ذهب إليه الشافعية فالقاعدة عندهم ان شهادة الاعمي لا تصح فيما يفتقر الي الرؤية عند الأداء فإذا شهد بما يحتاج الي المعاينة عند أداء الشهادة لا تقبل شهادته الا ان يكون المشهود علية في يده من قبل ذهاب بصرة كثوب متنازع علية فإذا لم تكن المعاينة لازمه عند الأداء قبلت شهادة الاعمي فيما يثبت بطرق الاستفضاء
إما الظاهرية فم يقبلون شهادة الاعمي مطلقا سواء أكان في الأقوال أم في الأفعال
سادسا: العدالة: ولا خلاف بين الفقهاء في اشتراط العدالة في سائر الشهادات فيجب ان يكون الشاهد عادلا لقوله تعالي " واشهدوا ذوي عدل منكم" وقولة جل شانه " ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " وقد روي عن النبي صلي الله علية وسلم انه قال " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنه ولا ذي غمر علي أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت"
سابعا : الإسلام: ويشترط في الشاهد ان يكون مسلما فلا تقبل شهادة غير المسلم سواء أكانت الشهادة علي مسلم او علي غيرة وهذا هو الأصل الذي يسلم به جميع الفقهاء وهو مأخوذ من قول الله تعالي " واستشهدوا شاهدين من رجالكم "(19/2)
عدد الشهود
من المتفق عليه أن الزنا لا يثبت إلا بشهادة أربعه شهود وهذا إجماع لا خلاف فيه بين أهل العلم لقوله تعالي (والأتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعه منكم ) (20) وقوله تعالي (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين
جلده) (21) وقوله تعالي (لولا جاءوا عليهم بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) (22)
ولقد جاءت السنة مؤكده لنصوص القران ومن ذلك أن سعد ابن عباده قال للرسول (صلي الله عليه وسلم) أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهلها حتى أتي بأربعة شهداء فقال النبي (صلي الله عليه وسلم) نعم .
وروي عن الرسول (صلي الله عليه وسلم) انه قال لهلال ابن أميه لما قذف بامرأته شريك ابن شحماء "البينة وإلا حد في ظهرك (23)
فعدم إثبات الزنا إلا بأربعة شهداء له دلالته القاطعة علي عظم هذه الجريمة في نظر الشارع الإسلامي وما يلحق بفاعلها من خزي وعار يلحقهم إلي ابد الآبدين لذلك تشدد الشارع في وسائل الإثبات لئلا يصيب العقاب وما يتبعه من معاني الخزي والعار شخص بريء .
الحكم عند عدم اكتمال الشهود
إذا لم يبلغ عدد الشهود في الزنا أربعه فان الأمر لا يقف عند حد إقناع القاضي وجوبا عن توقيع حد الزنا علي المتهمين بل يذهب جمهور الفقهاء ( أبو حنيفة ومالك واحمد والراجح عند الشافعي )بان الشهود الذين لم يصل عددهم أربعه سواء بسبب اعدم اكتمال هذا العدد أو لسقوط شهادة بعضهم للفسق او لغيره فلم يبلغوا أربعه فأنهم يعتبروا قذفه ويقام عليهم حد القذف .
وسند الجمهور في ذلك ما روي عن عمر ابن الخطاب انه لما شهد عنده علي المغيرة ابن شعبه ثلاثة شهود ولما جاء الرابع (زياد) قال له عمر أري شابا حسنا وارجوا إلا يفضح الله علي لسانه رجل من أصحاب محمد (صلي الله عليه وسلم )فقال زياد يا أمير المؤمنين رأيت نفسا يعلوا ورأيت رجليها فوق عنقه وكأنهما أذنا حمار ولا ادري ما ـ
وراء ذلك فقال عمر الله اكبر وأقام حد القذف علي الشهود الثلاثة لان الرابع لم تنصب شهادته مباشره علي فعل الوطء ذاته .(24)
وبخصوص اتحاد المكان والزمان فقد اختلف الفقهاء في اشتراط أن تكون الشهادة من أربعه في مكان واحد وفي زمان واحد
والحنفية والمالكية قالوا يشترط أن تكون شهادة الأربعة في مجلس واحد وان يحضر الشهود الأربعة مجتمعين في زمان واحد كشرط لثبوت الحد
أما الشافعية قالوا لا يشترط اتحاد الشهود لا في الزمان ولا في المكان بل متي كان قد شهدوا بالزنا ولو كانوا متفرقين واحد بعد الواحد قبلت شهادتهم ويقام الحد عليهما لهذه
شهدوا بالزنا ولو كانوا متفرقين واحد بعد الواحد قبلت شهادتهم ويقام الحد عليهما لهذه
الشهادة .(25)
انتفاء موانع الشهادة
ويشترط في الشاهد أن لا يكون به مانع يمنع شرعا من قبول شهادته والموانع التي تمنع قبول الشهادة هي ( القرابة_ التهمه _ العداوة ) .
ويشترط الأمام أبو حنيفة لقبول الشهادة أن لا يكون حادث الزنا قد تقادم والأصل في مذهب أبو حنيفة إن شهادة الشهود بحد متقادم لأتقبل ألا في حد القذف خاصة ويحتج الحنفيون بفكره التقادم بان الشاهد طبقا لقواعد الشريعة مخير أذا شهد الحادث بين أداء الشهادة حسبه لله تعالي لقوله جل شاته (وأقيموا الشهادة لله ) (26) وبين ان يستتر علي الحادث لقول الرسول ( صلي الله عليه وسلم) من ستر علي أخيه المسلم ستر الله عليه في الآخرة .
المطلب الثاني الإقرار
يثبت الزنا أيضا بإقرار الزاني علي نفسه كما يثبت بشهادة الشهود علي النحو المتقدم . أي أن يعترف الشخص علي نفسه بإتيانه الوطء المحرم.
فقد روي عن رسول الله صلي الله علية وسلم انه قال فيما رواه أبو هريرة " أتي رجل إلي رسول الله صلي الله علية وسلم فقال يا رسول الله إني زنيت فاعرض عنه الرسول صلي الله علية وسلم حتى ردد علية أربع مرات فلما شهد علي نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلي الله علية وسلم ابك جنون قال لا فقال الرسول صلي الله علية وسلم فهل أحصنت فقال نعم فقال الرسول صلي الله علية وسلم اذهبوا به فارجموه"
وعن جابر ابن سمره قال " رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلي النبي صلي الله علية وسلم وهو رجل قصير أعضل ليس علية رداء فشهد علي نفسه أربع مرات انه زنا فرجمه رسول الله صلي الله علية وسلم"(27)
ولا يترتب علي إقرار الزاني أن نأخذ بذلك الإقرار علي انه عين الحقيقة أي انه حقيقة مسلمة بل يلزم علي ولي الأمر "القاضي" أن يتحقق من هذا الإقرار فيتحقق من صحة عقلة كما فعل رسول الله صلي الله علية وسلم مع ماعز قال ابك جنون ابك جنون ؟ وبعث لقومه يسألهم عن حاله . فإذا عرف القاضي أن الزاني سليم العقل سأله عن ماهية الزنا وكيفيته ومكانه وعن المزني بها وعن زمان الزنا فإذا بين ذلك كله علي وجه يجعله مسئولا جنائيا سأله أمحصن هو أم لا ؟ فان اعترف بالإحصان سأله عن ماهيته وسؤال المقر عن زمان الزن ليس المقصود منه التقادم وإنما احتمال أن يكون الزنا وقع قبل البلوغ والإقرار علي قوته وحجته قاصر علي المقر فقط ولا يتعداه إلي غيرة.
فمن اقر بأنه زني بامراه اخذ باعترافه أما المراه فان أنكرت فلا مسؤولية عليها وان
اعترفت اخذ باعترافها هي أيضا وليس باعتراف الرجل وعلي هذا جرت سنه رسول الله صلي الله علية وسلم فقد روي أبو داود عن سهل بن سعد ان رجلا جاء الرسول صلي الله علية وسلم فاقر عنده انه زنا بامراه سماها له فبعث رسول الله صلي الله علية وسلم إلي المراه فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت فجلدة الحد وتركها.(28)
ولا يشترط حضور شريك المقر في الزنا في مجلس الإقرار كما لا يشترط ذلك في الشهادة فلو اقر شخص انه زنا بامراه غائبة أقيم علية الحد ويصح الإقرار ولو جهل المقر شخص شركة في الزنا لأنه بني إقراره علي حقيقة الحال .
لان الإقرار حجة علي المقر وعدم ثبوت الزنا في حق غير المقر لا يورث شبهه ما في حق المقر ولكن أبو حنيفة يري انه لا يحد الرجل المقر لان الحد انتفي في حق المنكر بدليل موجب للنفي عنه فالورثة شبهه الانتفاء في حق المقر لان الزنا فعل واحد يتم بهما فان تمكنت فيه شبهه تعدت إلي طرفيه وهذا لأنه ما اقر بالزنا مطلقا إنما اقر بالزنا بفلانة وقد درأ الشرع عن فلانة وهو عين ما اقر به فيدرأ عنة ضرورة بلا خلاف ما لو أطلق فقال إني زنيت فيحتمل كذبة لكن لا موجب شرعي يدفعه وبخلاف ما لو كانت غائبة
لان الزنا لم ينتفي في حقها بدليل يوجب النفي ويتفق رأي أبو يوسف ومحمد مع رأي ألائمه الثلاثة.(29)
شروط الإقرار
يشترط في الإقرار الذي يوجب أقامه الحد علي المقر ما يلزم من الإقرار في الحدود بوجه أم ففضلا عن وجوب صدوره من البالغ العاقل فانه يلزم فيه.
أولا: إن يكون حرا صريحا منصبا علي واقعة الزنا نفسها بغير لبس أو غموض فيلزم أن ينصب الإقرار علي فعل الوطء المحرم فإذا انصب علي ما دونه من أفعال فلا حد وإنما تعزيز.
ثانيا: أن يكون الإقرار موافقا للحقيقة مطابقا للواقع فلو كذبه واقع الحال فلا يعتد به فلا يعتد بإقرار المجبوب حيث لا يتصور وقوع الزنا منه لعدم وجود اله الزنا عنده خلافا للعنين أو الخصي لوجود اله الفعل لدي كلا منهما.
ثالثا: أن يصد الإقرار عند من له ولاية إقامة الحدود أي في مجلس القضاء لان ماعز قد اقر علي نفسه بالزنا بين يدي رسول الله صلي الله علية وسلم.
رابعا: إلا يرجع المقر في إقراره حتى تنفيذ الحد علية لان الرجوع يورث شبهه فيسقط الحد وذلك ما لم يكن الحد ثابت أيضا بالشهادة فقد ذكر للرسول صلي الله علية وسلم محاولة ماعز الهروب من أقامه الحد علية فرد صلي الله علية وسلم قائلا هلا تركتموه يتوب فيتوب الله علية" مما يدلل علي أن الرجوع في الإقرار صراحة أو حكما يسقط إقامة الحد.(30)
مدي اشتراط تكرار الإقرار من عدمه
يري الإمام مالك والشافعي أن يكفي الإقرار مرة واحد فقط لان الإقرار إخبار والإخبار لا يزيد بالتكرار ولان الرسول صلي الله علية وسلم قال " وعديا يا انس إلي امرأة ذلك فان اعترفت فارجمها" فعلق الرجم علي مجرد الاعتراف والظاهر الاكتفاء بأقل ما يصدق علية
اللفظ وهو المرة الواحدة أما إعراض الرسول صلي الله علية وسلم عن ماعز حتى اقر علي نفسه أربع مرات فيرجع إلي إن الرسول صلي الله علية وسلم استنكر عقلة ولذ أرسل إلي قومه مرتين يسألهم عن عقلة حتى اخبروه بصحته فأمر برجمه.
أما الإمام أبو حنيفة ومن وافقه فيشترط أن يكون الإقرار أربع مرات فلا يثبت الزنا إلا بالإقرار أربع مرات مرة بعد مرة مع وجود العقل والبلوغ وذلك لضرورة التثبت قبل إقامة حدود الله (31)
المبحــث الرابع عقوبة الزنا
كانت عقوبة الزنا في صدر الإسلام هي الحبس في البيوت والإيذاء بالتعبير او الضرب والأصل في ذلك قول الله تعالي " والأتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتي يتوفاهم الموت او يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فأذوهما فان تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما ان الله كان توابا رحيما" (32).
وقد اختلف الفقهاء في تفسير هذين النصين فرأي البعض ان النص الأول جاء بحكم منفصل للنساء فقط دون الرجال وان النص الثاني عطف علي النص الأول عطفا متصلا بقول الله تعالي " واللذين يأتيانها منكم" فكان هذا حكما زائدا للرجال مضافا الي ما قبلة من حكم النساء .
ورأي البعض الأخر ان النص الأول مبين لعقوبة الثيب وان النص الثاني مبين لعقوبة البكر .
ومن المتفق علية ان حكم هذين النصين نسخا بقول الله تعالي " والزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم يهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ولشهد عذابهم طائفة من المؤمنين "(33) ويقول رسول الله صلي الله علية وسلم " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام, والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة" .
وقد استقر الحكم بعد ذلك علي جلد غير المحصن وتغريبه وعلي رجم غير المحصن .
عقوبة البكر الزاني:
اذا زنا البكر سواء كان رجلا او امرأة عوقب بعقوبتين أولهما الجلد والثانية هي التغريب
لقول الرسول صلي الله علية وسلم البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام.
ويلاحظ ان الشريعة تفرق بين عقوبة الاحرار وعقوبة الارقاء في الزنا فتخفف من عقوبة الرقيق وتشدد من عقوبة الحر مراعية في ذلك ظروف كلا منهما .
عقوبة الجلد
وعلي ذلك فانه اذا زنا البكر عوقب بالجلد مائة جلدة وهذه العقوبة هي عقوبة حدية أي مقدرة فليس للقاضي ان ينقص منها او يزيد عليها لأي سبب من الأسباب او ان يستبدلها بغيرها كما ان ولي الآمر لا يملك شيا في ذلك ولا يملك العفو عنها كلها او بعضها.(34)
عقوبة التغريب
يختلف الفقهاء في عقوبة التغريب وذلك علي النحو التالي
يري الإمام ابوحنيفة والصحابة والشيعة والزيدية ان عقوبة التغريب ليس واجبا ولكنهم يجيزون للإمام ان يجمع بينها وبين الجلد اذا دعت لذلك المصالحة او ان يقتصر علي عقوبة الجلد فعقوبة التغريب ليست عنهم حدا كالجلد إنما هي عقوبة تعزيزيه .
ويري الإمام مالك والشافعي واحمد وجوب الجمع بين الجلد والتغريب ويعتبرون التغريب حدا كالجلد وحجتهم في ذلك حديث رسول الله صلي الله علية وسلم " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام."
ويري الإمام مالك ان التغريب جعل للرجل دون المرأة لان المرأة تحتاج الي حفظ وصيانة ولان الأمر لا يخلو ان غربت ان تغرب ومعها محرم او ان تغرب دون محرم والأصل انه لا يجوز ان تغرب دون محرم لقول النبي صلي الله علية وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر ان تسافر مسيرة يوم وليله الا مع ذي محرم" ولان تغريبها بغير محرم إغراء لها بالفجور وتضيع لها ان غربت بمحرم افض الي التغريب من ليس بزاني ونفي
من لا ذنب له وان كلفت بحمل أجرته ففي ذلك زيادة علي عقوبتها بما لم يرد به شرع وبما لا يمكن ان يحدث مثله للرجل.
وقد اختلف الفقهاء في ماهية التغريب فقال مالك وابوحنيفه ان التغريب معناه السجن فيحبس المغرب في البلد المغرب لها لمدة سنه وهذا الرأي الزيديون .
ويري الشافعي واحمد ان التغريب معناه النفي من البلد الذي حدث فيه الزنا الي بلد أخر علي ان يراقب المغرب بحيث يحفظ بالمراقبة في البلد الذي غرب إلية ولا بحيث فيه(35).
عقوبة المحصن
فرقت الشريعة الإسلامية بين عقوبة الزاني المحصن عنه اذا كان بكرا فخففت عقوبة البكر وشددت عقوبة المحصن فجعلت عقوبة البكر هي الجلد أما المحصن فعقوبته هي الرجم والرجم هو القتل رميا بالحجرة او ما أشبة .
وعلة التخفيف علي البكر هي علة التشديد علي المحصن فالشريعة الإسلامية تقوم علي الفضيلة وتحرص علي الإخلاص والإعراض والانساب من التلوث والاختلاط وتوجب علي الإنسان ان يجاهد شهوته ولا يستجيب لها الا من طريق الحلال وهو الزواج كما يتوجب علية كما يتوجب علية اذا بلغ الباءة ان بتزوج حتي لا يعرض نفسه الي الفتنة او يحملها ما لا تطيق فإذا لم يتزوج وغلبته علي عقلة وعزيمتي فعقابه ان يجلد مائة جلدة ويغرب سنه وشفيعة في هذه العقوبة الخفيفة الزواج الذي أدي به الي الجريمة إما اذا تزوج فأحصن ثم أتي الجريمة فعقوبته الجلد والرجم لان الإحصان يسد الباب علي الجريمة ولان الشريعة لم تجعل له بعد الإحصان سبيلا الي الجريمة فلم تجعل الزواج أبديا حتي لا يقع في الخطيئة احد الزوجين اذا فسد ما بينهما وأباحت للزوجة ان تجعل للزوجة العصمة في يدها وقت الزواج كما أباحت لها ان تطلب الطلاق للغيبة والمرض والضرر والإعسار وأباحت للزوج الطلاق في كل وقت وأباحت له الزواج بأكثر من واحدة
علي ان يعدل بينهما وبهذا فتحت الشريعة للمحصن أبواب الحلال وأغلقت دونهما باب الحرام فكان عدلا وقد انقطعت الأسباب التي تدعوا للجريمة .
ويتبن من حديث رسول الله صلي الله علية وسلم ان عقوبة الزاني المحصن هي الجلد مائة جلدة والرجم بالحجارة الا ان جمهور الفقهاء ابوحنيفة ومالك والشافعي ورواية في مذهب احمد يكتفون برجم الزاني المحصن بغير جلد لان الني صلي الله علية وسلم لم يجلد ماعز او الغامدية قبل رجمهما وهكذا كان نهج عمر وعثمان والصحابة من بعدهم فعقوبة الجلد عندهم قد نسخت
وفي رواية لأحمد وعند الظاهرية والزيدية انه يلزم الجمع بين الجلد أولا ثم يعقبه الرجم اعملا بحديث الرسول صلي الله علية وسلم وسنته فقد روي عن علي رضي الله عنة انه جلد شارحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قائلا جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنه رسوله وعندنا .
وهناك رأي في الفقة يري ان الثيب اذا كان شيخا جلد ورجم وان كان شابا رجم ولم يجلد لما روي عن آبي ذر قال الشيخان يجلدان ويرجمان والثيبان يرجمان والبكران يجلدان وينفيان وعن أبي كعب ومسروق مثل هذا ولعل أساس هذا الرأي ان زنا الشيخ مكروه وان الرسول صلي الله علية وسلم قال " ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم شيخ زان وملك كذاب وعامل مستكبر "
معني الإحصان
يعرف بعض الفقهاء بان من جامع في نكاح صحيح ولو مرة ومؤدي هذا التعريف انه لا يكون محصننا ومن ثم غير مستحق للرجم اذا زنا:-
أولا/ من جامع في نكاح فاسد فجمهور الفقهاء يشترطون في النكاح الذي يتحقق به الإحصان ان يكون بعقد صحيح وان كان العقد فاسدا فان الوطء فيه يكون في غير ملك فلا يحصل به الإحصان كالوطء في ألشبهه.
ثانيا/ من لم يجامع ولو في عقد صحيح اذا كان عقد النكاح صحيحا ولكن لم يحصل فية جماع بين الزوجين فان أيهما لا يعد محصننا لان العلة في تشديد العقاب علي المحصن هي انه قادر علي قضاء شهوته بطريق مشروع فان هو عدل عنه الي ما حرمة الله كان خليقا بعقاب مشدد وهذه العلة لا يكون لها وجود اذا كان المتزوج لم يفرغ شهوته بالفعل ولا يتحقق الإحصان الا بالجماع أي بالوطء في القبل الذي تغيب فيه حشفة الذكر أم مثلها في فرج الزوجة إما ما دون ذلك من تقبيل او خلوة او إتيان الدبر او مفاخرة لو مع إنزال فلا يتحقق به معني الإحصان وكذلك الحال بالنسبة لمن تزوجت مجبوبا او صغيرا يستحيل علية الجماع.
فالمرأة لا تعتبر ثيبا في أي من هذه الحالات فتبقي علي بكارتها ولا تطبق بشأنها سوي عقوبة الزانية البكر الجلد مائة
وهناك رأي في الفقة يري ان الثيب اذا كان شيخا جلد ورجم وان كان شابا رجم ولم يجلد لما روي عن آبي ذر قال الشيخان يجلدان ويرجمان والثيبان يرجمان والبكران يجلدان وينفيان وعن أبي كعب ومسروق مثل هذا ولعل أساس هذا الرأي ان زنا الشيخ مكروه وان الرسول صلي الله علية وسلم قال " ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم شيخ زان وملك كذاب وعامل مستكبر "(36)
تعليق ختامي
(18)(19) راجع المرجع السابق للدكتور نجاتي السيد احمد ص 202
(19/2) راجع المرجع السابق للدكتور عبد القادر عوده ص 396 وما بعدها
(20) سوره النساء الايه 15
(21) سوره النور الايه 4
(22) سوره النور الايه 13
(23) راجع المرجع السابق للدكتور عبد القادر عوده ص 396
(24) راجع المرجع السابق للدكتور نجاتي السيد احمد ص 205
(25) راجع كتاب القفه علي المذاهب الاربعه لعبد الرحمن الجزيري كتاب الحدود ص 71
(26) سوره الطلاق الايه 2
(27)راجع المرجع السابق للدكتور نجاتي السيد احمد ص 206
(28) راجع المرجع السابق للدكتور عبد القادر عوده ص 435 و راجع كتاب القفه علي المذاهب الاربعه لعبد الرحمن الجزيري كتاب الحدود ص 85
(29)راجع المرجع السابق للدكتور نجاتي السيد احمد ص 206& 207
(30)راجع المرجع السابق للدكتور نجاتي السيد احمد ص 206& 207
(31) راجع المرجع السابق للدكتور عبد القادر عوده ص 433 و راجع كتاب القفه علي المذاهب الاربعه لعبد الرحمن الجزيري كتاب الحدود ص 83
(32)سورة النساء الاية 15&16
(33)سورة النور الاية 2
(34) راجع المرجع السابق للدكتور نجاتي السيد احمد ص 219
(35) راجع المرجع السابق للدكتور عبد القادر عوده ص 384
(36) راجع المرجع السابق للدكتور عبد القادر عوده ص 386