الفهرس
االمقدمة الأولى في الكلام على التوسل
* التوسل في اللغة :
قال الجوهري في الصحاح مادة (( وسل )) ( 5 : 1841 ) :
(( الوسيلة : ما يتقرب به إلى الغير ، والجمع : الوسيلة والوسائل ، والتوسيل والتوسل واحد يقال : وسل فلان إلى ربه وسيلة وتوسل إليه بوسيلة أي تقرب إليه بعمل )) اهـ . وقال الإمام القرطبي فى تفسيره ( ص 2156 ، طبعة الشعب ) :
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة } .
الوسيلة : هى القربة عن أبي وائل ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وعطاء، والسُدِّي، وابن زيد، وعبد الله بن كثير، وهى فعلية من توسلت إليه أى تقربت. قال عنترة :
إنَّ الرجال لهم إليك وسيلة إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
والجمع الوسائل قال :
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائلُ ويقال : منه سلت أسأل ، أي طلبت ، وهما يتساولان ، أي يطلب كل
واحد من صاحبه ، فالأصل الطلب ، والوسيلة القربة التي ينبغي أن يطلب
بها . اهـ
وكون الوسيلة هي القربة لا خلاف بين المفسرين في ذلك كما صرح به ابن كثير في تفسيره ( 3 : 97 ) وقال : (( الوسيلة هي ما يتوصل بها إلى تحصيل المطلوب )) . اهـ .
فقول بعضهم :" إنَّ التوسل هو اتخاذ واسطة بين العبد وربه " خطأ وجهل ، فالتوسل ليس من هذا الباب قطعاً .
فالمتوسِّلُ لم يدع إلا الله وحده ، فالله وحده هو المعطي والمانع والنافع والضار ولكن المتوسّل اتخذ قربة رجاء قبول دعاءه ، والقربة في الدعاء مشروعة بالإتفاق .
وتَرِدُ الوسيلة بمعنى المنزلة كما في الحديث الصحيح المشهور : ( سلوا الله لي الوسيلة … ) الحديث .
والبحث هنا يدور مع المعنى الأول فقط ، وهى كونها ( القربة ) .
والتوسل على نوعين :
أحدهما : ما اتفق عليه ، وترْكُ الخوض فيه صوابٌ لأنه تكرار وتحصيل حاصل .
ثانيهما : ما اختلف فيه وهو السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات وما في معنى ذلك ، والخلاف فيه ضعيف ومبتدع .
وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته أو أنه بدعة ضلالة أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد كما نرى الآن .
ولم يقع هذا التشدد إلا فى القرن اللسابع وما بعده ، وقد نُقل عن السلف توسل من هذا القبيل .
قال ابن تيمية في (( التوسُّل والوسيلة )) ( ص 98 ) :
هذا الدعاء (( أي الذي فيه توسل بالنبي (ص) )) ونحوه قد روى أنه دعا به السلف ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي (ص) في الدعاء. اهـ، ونحوه في (ص155) من الكتاب المذكور .
وقال في ( ص 65 ) : (( والسؤال به ( أى بالمخلوق ) فهذا يجوزه طائفة من الناس ، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف وهو موجود في دعاء كثير من الناس )) . اهـ .
وذكر أثراً فيه التوسل بالنبي (ص) لفظه : (( اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليماً ، يا محمد إنى أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي )) .
قال ابن تيمية : هذا الدعاء ونحوه روى أنه دعا به السلف ، ونقل عن بن حنبل فى منسك المروزي التوسل بالنبي (ص) في الدعاء . اهـ .
وهذا هو نصُّ عبارة أحمد بن حنبل فقال في منسك المروزي بعد كلام ما نصُّه:(( وسل الله حاجتك متوسلاً إليه بنبيه(ص)تُقْضَ من الله عز وجل )). اهـ هكذا ذكره ابن تيمية في الرد على الأخنائي (ص 168) .
والتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم معتمد في المذاهب ، ومرغب فيه نصَّ على ذلك الأمة والأعلام، وكتب التفسير، والحديث، والخصائص ودلائل النبوة ، والفقه ، طافحةٌ بأدلة ذلك بدون تحريم وهى بكثرة .
*******************
وقد أكثر ابن تيمية من بحث النوع الثانى من التوسل في مصنفاته قائلاً بمنعه وقلَّدَهُ وردَّدَ صدَّى كلامه آخرون .
ويحسن ذكر كلام ابن تيمية مع بيان ما فيه ، واقتصاري على كلامه فقط هو الأولى ، لأن من تشبث بكلامه لا يزيد عن كونه متشبعاً من موائده دائراً فى فلكه، والله المستعان .
************************
كان ابن تيمية يرى منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين، وقال: التوسل حقيقة هو التوسل بالدعاء _ دعاء الحي فقط _ وذكر ذلك في مواضع من كتابه (( التوسل والوسيلة )) ( ص 169 ) .
وقال ابن تيمية ( ص 65 ) :(1)
(( السؤال به ( أي المخلوق ) فهذا يجوزه طائقة من الناس، لكن ما
(1) وهو الإعتراض الأول ، ومعه الجواب عليه .
روى عن النبي (ص)في ذلك كله ضعيف بل موضوع(1)وليس عنه حديث
(1) وهذا خطأ منه وتسرع، وخصومات ابن تيمية رحمه الله تعالى أوقعته في مثل هذه العبارات ، وقد كتبت جزءاً في الأحاديث التي ينكرها في فضائل آل البيت عليهم السلام
وهي ثابتة في رده على الرافضي، وقد بلغ بابن تيمية الشطط في فضائل آل البيت إلى أن ضعف حديث "الموالاة" وهو متواتر .
وقال عن حديث " أن ولي في كل مؤمن " كذب ( الرد على الرافضي (4/104 )
وهو على شرط مسلم ، وأخرجه إمامه أحمد ابن حنبل في مسنده ( 4 /437 ) ، والطيالسي (829) ، والترمذي (5/269) ، وصححه ابن حبان (6929) ، والحاكم
(3 /110)
وقال عن حديث ابن عمر " ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ( ص )
إلا ببغضهم علياً " قال (3/228) : هذا الحديث لا يستريب أهل المعرفة بالحديث
أنه موضوع مكذوب . اهـ .
وهو حديث صحيح ففي صحيح مسلم (78) وغيره : إنه لعهد النبي الأمي صلى الله
عليه وسلم ألا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق
وأخرج إمامه أحمد بن حنبل في الفضائل (979) بإسناد على شرط البخاري عن أبي
سعيد الخدري قال : إنما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم علياً .
وفي مسند البزار ( زوائده 3/ 169 ) بإسناد حسن عن جابر قال : ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلا ببغضهم لعلي .
وقال رجل لسلمان : ما أشد حبك لعلي ، قال : " سمعت نبي الله ( ص ) يقول : من أحبه فقد أحبني" ، قال ابن تيمية (3/9) : كذب .
قلت : بل صحيح لغيره فله طريق حسن في المستدرك (3 / 130) ، وآخر في المعجم الكبير للطبراني (23/ 308 /901) عن أم سلمة ، قال عنه الهيثمي في المجمع (9 / 132): وإسناده حسن . اهـ .
وحديث " يا علي حربي حربك ، وسلمي سلمك " قال ابن تيمية ( 2 /300 ): ……=
= هذا كذب موضوع على رسول الله ( ص ) وليس في شيء من كتب الحديث المعروفة ولا روي بإسناد معروف . اهـ .
قلت : هذه جرأة ، وأخرجه إمامه أحمد في فضائل الصحابة (1350) ، أخرجه الحاكم (3 / 149 ) من طريق الإمام أحمد وله شاهد حسن أخرجه الترمذي (5/699 ) والحاكم (3/149) ، والطبراني (3/149)
حديث " إن الله أوحى إلي أنه يحب أربعة من أصحابي وأمرني بحبهم ، فقيل له : من هم يا رسول الله ؟ قال علي سيدهم ، وسلمان ، والمقداد ، وأبو ذر .
قال ابن تيمية ( 3 / 173 ) : ضعيف بل موضوع ، وليس له إسناد يقوم به . اهـ .
قلت : أخرجه إمامه أحمد بن حنبل في المسند (5/351) ، والترمذي (3718) ، وابن ماجه ( 149 ) .
وحسنه الترمذي ، وله شاهد .
وأنكر في رده على الرافضي حديث الأبدال ، وصرح بأنه لم يرد ذكر الأبدال مرفوعاً أو موقوفاً مع أن حديث الأبدال صحيح وله طريق على شرط الشيخين في سنن أبي داود وقد أفردته في جزء، ثم عاد ابن تيمية يسرد بعض طرق حديث الأبدال في الصارم المسلول ، ولذلك أكثر بعض من تأخر عنه من الحفاظ من تعقبه وعدوه من المتشددين في الحكم على الأحاديث التي يحتج بها خصومه .
وانظر إذا شئت : مقدمة " هدية الصغراء بتصحيح حديث التوسعة يوم عاشوراء " ، للسيد أحمد بن الصديق الغماري .
و " القول الفصل فيما لبني هاشم وقريش والعرب من الفضل " للسيد علوي بن طاهر بن عبد الله الهدار الحداد العلوي الحسيني ، وهما مطبوعان ، ورحم الله الجميع .
وللشيخ محمد زاهد الكوثري "التعقب الحثيث لما ينفيه ابن تيمية من الحديث" لم يطبع ولعله فقد .
ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي (ص)وشفاعته،وهو طلب من النبي( ص)الدعاء، وقد أمره النبي(ص)أن يقول:((اللهمَّ شفِّعهُ فيَّ))، ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي(ص)، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي (ص)، ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي(ص) بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله )) . اهـ .
قلت: قوله: (( كله ضعيف بل موضوع وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة إلا ….. ))، وسيأتي إن شاء الله الرد على هذا الكلام في تخريج الأحاديث، ففي أحاديث التوسل الصحيح والحسن والضعيف عند أئمة هذا الشأن ووفق قواعد الفن .
أما قوله: (( إلا حديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي (ص)وشفاعته وهو طلب من النبي(ص)الدعاء ، وقد أمره النبي (ص) أن يقول: (( اللهمَّ شفعه فىَّ ))، ولهذا ردَّ الله عليه بصره لما دعا النبي (ص) وكان ذلك مما يعد من آيات النبي (ص) )). اهـ .
قلت: فنظر ابن تيمية إلأى أن التوسل من الأعمىكان بدعاء النبي (ص)
وكلامه فيه نظر ظاهر، لأن الناظر في حديث توسل الأعمى يجد فيه الآتي :
(1) جاء الأعمى للنبى ( ص ) فقال له : (( ادعُ لله أن يعافيني ))،
فالأعمى طلب الدعاء .
(2)فأجاب النبي (ص) قائلاً: (( إن شئت أخرتُ ذلك وهو خير، وإن شئت دعوت )) فخيره رسول الله (ص)، وبيَّن له أن الصبر أفضل .
(3) ولكن لشدة حاجة الأعمى التمس الدعاء من النبي ( ص ) .
(4) عند ذلك أمره النبي (ص ) أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين .
(5) وزاد على ذلك هذا الدعاء: (( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي فتقضي لي ) . فدعا النبي ( ص ) بهذا الدعاء كما طلب الأعمى في أول الحديث ، ودعا الأعمى بهذا الدعاء كما علمه النيى ( ص ) .
(6) فعلمه النبي (ص) دعاءً هو توسل به صلى الله عليه وسلم، وهو نصٌ في التوسل به صلى الله عليه وسلم لا يحتمل أي تأويل ، وكيف يحتمل غير التوسل به صلى الله عليه وسلم،وفيه (( أتوجه إليك بنبيك ))، (( إني توجهت بك )) ؟!!
ومن رأى غير ذلك فقد استعجم عليه الحديث .
وابتهج الألباني في توسله بكلام ابن تيمية فردده قائلاً (ص 72):
(( وعلى هذا فالحادثة كلها تدور حول الدعاء _ كما هو ظاهر _ وليس فيه شيئاً مما يزعمون )) . اهـ .
قلت : هذه مصادرة للنص وتعمية على القارئ كيف لا يكون ذلك والنبي (ص) علَّم الرجل دعاءً فيه السؤال بالنبي (ص) ؟؟!!!!!
نعم … الحادثة كلها تدور حول الدعاء ، ولكن السؤال هنا ما هو الدعاء الذى دعا به النبي ( ص ) ؟ ، زما هو الدعاء الذى علمه للرجل الأعمى ؟
لا يستطيع أيُّ منصفٍ إلا الإجابة بأن هذا الدعاء هو الذي فيه نص بالتوسل به صلى الله عليه وسلم. فالأعمى جاء يطلب مطلق الدعاء برد بصره. وعلمه صلى الله عليه وسلم وأمره بالتوسل به ليتحقق المطلوب.
(7) ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( اللهمَّ شفعه في وشفعني في نفسي ) أي تقبل شفاعته أي دعاءه في وتقبل دعائي في نفسي .
وهنا سؤال : أيُّ دعاء هنا الذى يطلب قبوله ؟ .
لا شك أن الإجابة عليه ترد بداهة في ذهن أي شخص إنه الدعاء المذكور فيه التوسّل به صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا يحتاج لإعمال فكر أو إطالة نظر وتأمل وهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار . ويمكن أن يقال : إنَّ سؤال قبول الشفاعة هو توسّل بدعائه صلى الله عليه وسلم مع التوسّل بذاته ، وهذا منتهى ما يفهم من النَّص والله أعلم .
(8) فيسبب ردِّ بصر الأعمى هو توسله بالنبيّ ( ص ) وهذا ما فهمه
الأئمة الحفاظ الذين أخرجوا الحديث في مصنفاتهم فذكروا الحديث على أنه من الأدعية التي تقال عند الحاجات. فقال البيهقي في ((دلائل النبوة )) (6 : 166) باب: (( ماجاء في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه حين لم يبصر وما ظهر في ذلك من آثار النبوة )) اهـ .
ولا يخفى أن تعليمه للضرير هو الدعاء الذي فيه التوسُّل بالذوات وعبارة البيهقي واضحة جداً . فالبيهقي حافظ فقيه .
وهكذا ذكره النسائي، وابن السُّني في عمل اليوم والليلة ، والترمذي في الدعوات، والطبراني في الدعاء ، والحاكم في المستدرك ، والمنذري في الترغيب والترهيب ، والهيثمي في مجمع الزوائد في صلاة الحاجة ودعائها ، والنووي في الأذكار ، وغيرهم على أنه من الأذكار التي تقال عند عروض الحاجات . وذكره ابن الجزري في ( العدة ) في باب صلاة الضرِّ والحاجة ( ص 161 ) .
وقال القاضي الشوكاني(1) فى تحفة الذاكرين (ص 162): (( وفي هذا الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله(ص) إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى، وأنه المعطى المانع ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن )) . اهـ .
واستقصاء الحفاظ وأئمة الدين الذين فهموا أن الحديث على
( 1 ) وانظر كلمة هامة للشوكاني ستأتي إن شاء الله تعالى (ص40 وما بعدها )
عمومه واستعمال الدعاء الوارد فيه التوسل به صلى الله عليه وسلم يطول .
(9) إن عثمان بن حنيف رضي الله عنه وهو راوي الحديث فهم من الحديث العموم ، فقد وجَّه رجلاً يريد أن يدخل على عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى التوجه بالدعاء المذكور في الحديث الذي فيه التوسل بالنبي(ص)واسناده صحيح سيأتى إن شاء الله تعالى. وفهم الصحابي الجليل عثمان بن حنيف رضي الله عنه هو ما لا يستقيم فهم الحديث إلا به .
( 10 ) إنَّ رواية ابن أبي خيثمة للحديث من طريق حماد بن سلمة الحافظ الثقة فيها (( فإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك )) ، وهي زيادة ثقة حافظ ، فهي صحيحة مقبولة كما هو معلوم ومقرر في علوم الحديث . وهذه الرواية تدل على العموم وطلب العمل بالحديث في الحياة وبعد الممات إلى قيام الساعة .
ثم قال ابن تيمية :
(( ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدعُ لهم النبي (ص) بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله )) . اهـ .
وقال ابن تيمية في موضع آخر: (( وكذلك لو كان أعمى توسّل به صلى الله عليه وسلم ولم يدعُ له الرسول (ص) بمنزلة ذلك الأعمى لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى، فعدولهم عن هذا
إلى هذا، دليل على أن المشروع ما سألوه دون ما تركوه )) . اهـ .
قلت : الجواب عليه سهل ميسور، وكنت أود ألا أورد هذا الإيراد، لكنني رأيت جماعة أخذوا هذا الإيرا ونسبوه لأنفسهم وكان الصواب ألا يذكر لفساده أو يذكر مع نسبته لقائله ، ومن الذين نسبوه لأنفسهم الألباني فإنه قال في توسله ( ص 76 ) :
(( لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي ( ص ) وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين لكان المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وسلم بل و يضمون إليه أحياناً جاه جميع الأنبياء المرسلين وكل الأولياء والشهداء والصالحين وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة والإنس والجن أجمعين ، ولم نعلم ولا نظن أحداً قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطويلة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى اليوم )) . اهـ .
وذكر نحو هذا الإيراد الشيخ نسيب الرفاعي رحمة الله تعالى عليه صاحب (( التوصل إلى حقيقة التوسل )) ( ص 243 ) ، وكذا المتعالم صاحب (( هذه مفاهيمنا )) ( ص 37 ) وجميعهم يرددون الصدى .
والجواب على هذا الإيراد بالآتي :
1- إجابة الدعاء ليست من شروط صحة الدعاء، وقد قال الله تعالى: {ادعوني أستجب لكم }، ونحن نرى بعض المسلمين يدعون فلا يستجاب لهم، وهذا الإيراد يأتي على الدعاء كله ، فانظر إلى هذا الإيراد
أين ذهب بصاحبه ؟
2- هذا الإيراد عليه احتمال أقوى منه وحاصله أن عدم توسل عميان الصحابة وغيرهم احتمال فقط لا يؤيده دليل ، وهم إما توسلوا فاستجيب لهم ، أو تركوا ربة في الآجر ، أو توسلوا وادُخِرَ ذلك أجراً لهم أو تعجلوا فاستجيب لهم .
وقد صحَّ أن رسول الله (ص) قال : يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي . رواه البخاري ، ومسلم ، وغيرهما .
وكم من داعٍ متوسلاً لله بأسماءه وصفاته ولم يُستجب له .. ! ويلزم هؤلاء إشكال وهو أننا نرى من يدعوا ويتوسل بأسماء الله وصفاته أو بعمله الصالح أو بدعاء رجل صالح ولم نر إجابة الدعاء . هذا من تمام الحجة عليهم ونقض إيرادهم ، فلا تلازم بين الدعاء والإجابة والله أعلم بالصواب .
على أنَّ قول الألباني : لا نعلم ولا نظن أحداً .. الخ، تهافت وشهادة على نفي لا ينخدع بها إلا مسلوب العقل .