الفهرس
- المقدمة الثانية في الكلام على الزيارة
- كلام الأئمة الفقهاء في استحباب أو وجوب زيارة القبر الشريف
- نص براءة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط من تحريف كتاب الأذكار للإمام النووي
- العودة إلي كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة
المقدمة الثانية في الكلام على الزيارة
كلام الأئمة الفقهاء في استحباب أو وجوب زيارة القبر الشريف
قال الإمام - المجمع على علمه وفضله - أبو زكريا النووي رحمه الله تعالى :
(( واعلم أن زيرة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهم القربات، وأنجح المساعي، فإذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة استحب لهم استحباباً متأكداً أن يتوجهوا إلى المدينة لزيارته صلى الله عليه وسلم، وينوي الزائر من الزيارة التقرب وشد الرحل إليه والصلاة فيه)). اهـ ( المجموع : 8 / 204 ) .
وقال أيضاً في الإيضاح في مناسك الحج :
(( إذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة فليتوجهوا إلى مدينة رسول الله (ص) لزيارة تربته صلى الله عليه وسلم فإنها من أهم القربات وأنجح المساعي ، وقد روى البزَّار والدار قطني بإسنادهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله (ص) : (من زار قبري وجبت له شفاعتي ) )) اهـ ( ص214 ) .
وعلَّق الإمام الفقيه ابنُ حجر الهيثمي على الحديث، فقال في حاشية الإيضاح :
(( الحديث يشمل زيارته (ص) حياً وميتاً ، ويشمل الذكر والأنثى ، الآتي من قرب ومن بعد ، فيستدل به على فضيلة شد الرحال لذلك ، وندب السفر للزيارة إذ للوسائل حكم المقاصد )) . اهـ . ( ص 214 حاشية الإيضاح ) .
وقال الإمام المحقق الكمال ابن الهمام الحنفي في شرح فتح القدير :
المقصد الثالث في زيارة قبر النبي ( ص ) :
قال مشايخنا رحمهم الله تعالى : من أفضل المندوبات ، وفي مناسك الفارس وشرح المختار : إنها قريبة من الوجوب لمن له سعة .
ثم قال بعد كلام ما نصه: والأولى فيما يقع عند العبد الضعيف تجريد النية لزيارة قبر النبي (ص) ثم إذا حصل له إذا قدَّم زيارة المسجد أو يستفتح فضل الله سبحانه في مرة أخرى ينويهما فيه، لأن في ذلك زيادة تعظيمه (ص) وإجلاله . اهـ ( 3/ 179 _ 180 ) .
وعلَّق عليه العلامة محمد أنور شاه الكشميري فقال :
وهو الحق عندي ، فإن آلاف الألوف من السلف كانوا يشدون الرحال لزيارة النبي (ص) ويزعمونها من أعظم القربات، وتجريد نياتهم إنها كانت للمسجد دون الرضة المباركة باطل ،بل كانوا ينوون زيارة قبر النبي ( ص) قطعاً . اهـ ( فيض الباري : 2/433 ) .
قلت: كلامه صواب وجيد _ رحمه الله تعالى _ وكيف لا يكون كذلك وقد تركوا ثواب مائة ألف صلاة في مكة المكرمة وبذلوا النفس والنفيس وسافروا أترى لماذا . ؟
لماذا تركوا بلدة قال فيها رسول الله (ص): (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله )) .
هل تركوا ذلك من أجل زيارة المسجد كما يقولون ؟
كلا ولو استظهروا بالثقلين لخالفوهم ولقالوا : إنَّما شدوا الرحال لزيارة الحبيب المصطفى ( ص ) فقط .
وفي رد المختار على الدر المختار :
"قوله مندوبة": أي بإجماع المسلمين كما في اللباب، قوله: ((بل قيل واجبة )) ذكره في شرح اللباب ، وقال كما بينته في " الدرة النبوية في الزيارة المصطفوية " ، وذكره أيضاً الخير الرملي في حاشية المنح عن ابن حجر قال : وانتصر له ، نعم عبارة اللباب والفتح وشرح المختار إنها قريبة من الوجوب لمن له سعة ، وقد ذكر في الفتح ما ورد في فضل الزيارة وذكر كيفيتها وآدابها وأطال في ذلك وكذا شرح المختار واللباب . اهـ.
قوله: "ويبدأ …. إلخ". قال في شرح اللباب: وقد روي الحسن عن أبي حنيفة إنه إذا كان الحج فرضاً ، فالأحسن للحاج أن يبدأ بالحج ثم يثني بالزيارة وإن بدأ بالزيارة جاز . اهـ (رد المختار على الدر المختار : 2/257 ) .
وقال علي القارى :
وقد فرَّط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرّم السفر لزيارة النبي (ص) كما أفرط غيره حيث قال: كون الزيارة قربة معلومة من الدين بالضرورة وجاحدة محكوم عليها بالكفر، ولعلَّ الثاني أقرب للصواب لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً ، لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب. اهـ(2/514 من شرح الشفا بهامش نسيم الرياض).
وقال القاضي عياض في الشفا ( 2 / 74 ) :
فصل في حكم زيار المصطفى صلى الله عليه وسلم وفضيلة من زاره وسلَّم عليه، وكيف يسلم ويدعو وزيارة قبره ( ص ) سنَّة من سنن المسلمين مجمع عليها وفضيلةً مرغب فيها. اهـ .
وقال في موضع آخر ( 2 / 75 ) نقلاً عن ابن عبد البر :
الزيارة مباحة بين الناس ، وواجب شد المطي إلى قبره ( ص ) قال
عياض : يريد بالوجوب هنا وجوب ندب وترغيب وتأكيد لا وجوب فرض . اهـ .
وقال العلامة الدردير في الشرح :
وندب زيارة النبي ( ص ) وهي من أعظم القربات. اهـ (2 /381) .
وقال محقق مذهب الحنابلة أبو محمد بن قدامة المقدسي :
ويستحب زيارة قبر النبي (ص) لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص) : (من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي )). وفي رواية ((من زار قبري وجبت له شفاعتي)) رواه باللفظ الأول سعيد سنا حفص بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر، وقال أحمد في رواية عبد الله عن يزيد بن قُسَيْط عن أبي هريرة أن النبي (ص)قال:(ما من أحد يسلم علىَّ عند قبري إلا رد الله علىَّ روحي حتي أرد عليه السلام). وإذا حج الذي لم يحج قط يعني من غير طريق الشام لا يأخذ على طريق المدينة لأني أخاف أن يحدث به حدث فينبغي أن يقصد مكة من أقصر الطرق ولا يتشاغل بغيره ، ويروى عن تاعتبي قال : كنت جالساً عند قبر النبي(ص)فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً }، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :
يا خير من دُفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهنَّ القاع والأكم
نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فحملتني عيني فنمت فرأيت النبي (ص) في النوم، فقال: يا عتبى ألحَقْ الأعرابيَّ فبشره أنَّ الله غفر له. اهـ (المغني:3/588_ 589) .
وقال أبو الفرج ابن قدامة الحنبلي في الشرح الكبير :
(مسألة) : " إذا فرغ من الحج استحب زيارة قبر النبي ( ص ) وقبر صاحبيه رضي الله عنهما".تستحب زيارة قبر النبي (ص)لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص) : ( من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي )، وفي رواية: (من زار قبري وجبت له شفاعتي ) رواه باللفظ الأول سعيد .
وقال أحمد في رواية عبد الله عن يزيد بن قُسيط عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله(ص)قال: (ما من أحد يسلم على عند قبري إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام ) . اهـ .
ثم ذكر قصة العتبي التي تقدمت (الشرح الكبير: 3/494) .
وقال الشيخ منصور البهوتي في كشَّاف القناع :
( فصل ): وإذا فرغ من الحج استحب له زيارة النبي (ص) ، وقبر صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لحديث الدارقطني عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص) : (من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ). وفي رواية : (من زار قبري وجبت له شفاعتي ) رواه باللفظ الأول سعيد .
تنبيه: قال بن نصر الله : لازم استحباب زيارة قبر الرسول ( ص ) استحباب شد الرحال إليها لأنَّ زيارته للحاج بعد حجة لا تمكن بدون شد الرحال ، فهذا كالتصريح باستحباب شد الرحل لزيارته صلى الله عليه وسلم )) . اهـ ( 2/514 _ 515) ، وذكر قصة العتبي التي تقدم ذكرها .
وفي متن المقنع: إذا فرغ من الحج استحب له زيارة قبر النبي ( ص ) وزيارة قبر صاحبيه رضي الله عنهما ( 2 / 258 مع المبدع ).
وكذا في المبدع شرح المقنع لابن مفلح، وقرر عليه وزاد بذكر قصة العتبي ( 2 / 258 _ 260 ) .
وقال أبو الحسن المرداوي في الإنصاف (4/53 ) :
((" قوله إذا فرغ من الحج استحب له زيارة قبر النبي ( ص ) وقبر صاحبيه".هذا المذهب وعليه الأصحاب قاطبة ً متقدمهم ومتأخرهم )) . اهـ .
وفي زاد المستقنع مختصر المقنع :
((ويستحب زيارة قبر النبي (ص)، وقبر صاحبيه رضي الله عنهما)). اهـ ( الروض المربع ص 152 ) .
هذا حاصل ما للسادة فقهاء المذاهب الأربعة في مسألة الزيارة، وقد علمت مما سبق اتفاقهم على طلب الزيارة وجوباً وندباً، وتسابقوا في ذكر تأكيدهما وجريان عمل المسلمين على ذلك .
وفيما ذكر كفاية لمن كان من أهل العناية، وسلَّم لأولي الفقه وعرف قدره ووقف عنده .
أما من رغب في معرفة الدليل فإنهم استدلوا على مطلوبهم بالكتاب، والسُنَّة، والإجماع :
أولاً – الدليل من الكتاب :
قال الله تبارك وتعالى : { وَلَوْ أَنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءوك فاستغفَرُوا الله واسْتَغْفرَ لهُمُ الرسولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّاباً رَحِيماً }.
هذه الآية تشمل حالتيْ الحياة وبعد الإنتقال ، ومن أراد تخصيصها بحال الحياة ، فما أصاب لأن الفعل في سياق الشرط يفيد العموم ، وأعلى صيغ العموم ما وقع في سياق الشرط، كما في ارشاد الفحول (ص122) وغيره .
قال شيخنا العلاّمة المحقق السيد عبد الله بن الصديق الغُماري رحمه الله تعالى :فهذه الآية عامة تشمل حالة الحياة وحالة الوفاة وتخصيصها بأحدهما يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود هنا ، فإن قيل : من أين أتى العموم حتى يكون تخصيصها بحالة الحياة دعوى تحتاج إلى دليل ؟ قلنا : من وقوع الفعل في سياق الشرط، والقاعدة المقررة في الأصول أن الفعل إذا وقع في
سياق الشرط كان عاماً، لأن الفعل في معنى النكرة لتضمنه مصدراً منكراً ، والنكرة الواقعة في سياق النفي أو الشرط تكون للعموم وضعاً . انتهى من الردِّ المحكم المتين ( ص44 ) .
فالآية الشريفة طالبة للمجئ إليه (ص) في جميع الحالات لوقوع "جاءوك" فيها حيز الشرط الذي يدل على العموم .
وقد فهم المفسرون من الآية العموم ، ولذلك تراهم يذكرون معها
حكاية العتبي الذي جاء للقبر الشريف مستشفعاً بالنبي (ص ) ، فقال ابن كثير في تفسيره ( 2 / 306 ) :
وقد ذكر جماعةُ منهم الشيخ أبو النصر الصَّباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العُتْبي قال: كنت جالساً عند قبر النبي ( ص ) فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول : { وَلَوْ أَنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جَاءُوك فاسْتغفَرُوا الله واسْتَغْفرَ لهُمُ الرسول لَوَجَدُوا الله تَوَّاباً رَحِيماً }، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي (ص) في النوم فقال: يا عتبي إلحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له(1) .
(1 ) وقد ذكر قصة العتبي الإمام المجمع على فضله وعلمه يحيى بن شرف النوي الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه "الأذكار" .
ولكن بعض القائمين على نشر الكتاب فارق الأمانة فبادر بحذف قصة العتبي في الطبعة التي حققت لحساب دار الهدى بالرياض سنة ( 1409 ) .
ولم يكتفوا بهذا التحريف فله نظائر أخرى في نفس الكتاب منها :
أن الإمام النووي قال في الأذكار :
"فصل" في زيارة قبر رسول الله (ص) وأذكارها : اعلم أنه ينبغي لكل من حج أن يتوجه إلى زيارة رسول الله (ص ) سواء كان ذلك طريقه أو لم يكن فإن زيارته (ص ) من =
= أهم القربات وأربح المساعي وأفضل الطلبات …. إلخ . هذه عبارة الإمام النووي ، ولكنهم حرَّفوا عبارة النووي . وهذا نصُّ تحريفهم ( ص 295 ) :
"فصل" في زيارة مسجد رسول الله (ص) اعلم أنه يستحب من أراد زيارة مسجد رسول الله (ص ) أن يكثر من الصلاة عليه (ص ) …… إلخ .
فليتق الله هؤلاء المتلاعبون ، وانظر إلى نصرة الباطل بالباطل ، فهؤلاء أيدوا الباطل وكذبوا على النووي ، وعلى مذهب الشافعي وعلى المسلمين الين أجمعوا على استحباب السفر لزيارة القبر الشريف ، وصدق رسول الله ( ص ) القائل : (( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )) .
وظننت أن المحقق للطبع المحرفة الشيخ "عبد القادر الأرناؤوط" هو الذي حرف الكتاب ليروج عند بعضهم ، ثم التقيت بابنه "محمود" بدبي فنفى نفياً قاطعاً عن والده هذا التحريف ، فقلت له : إذا كان ذلك فلا بد من كتابة تمحو إلصاق هذا الفعل المشين به ، خاصة وأن هذا باب إذا فتح لم يغلق .
ثم وقفت على تبرئة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بخطه ، وقد عصَّب الجناية بطرف آخر ، ولا أظن أن هذا الطرف المسيء وقف عند حد تحريف كتاب "الأذكار فقط" بل لا بد وأن يكونوا جاوزوا هذا الحد إلى حدود أخرى أبعد وأعظم أثراً ، وقد ينتهون بهذا التحريف وبهذه الجرأة على تغيير وتشويه كتب الأئمة المتقدمين ، استهانة منهم بكل ما خالفهم .!
نص براءة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط من تحريف كتاب الأذكار للإمام النووي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن هذا الكتاب الي بين أيدينا ( الأذكار) للإمام النووي رحمه الله قد طبع بتحقيقي في مطبعة الملاح بدمشق سنة ( 1391 ) هـ ، الموافق (1971 ) م ، ثم قمت بتحقيقه مرة أخرى وقام بطبعه صاحب دار الهدى بالرياض الأستاذ أحمد النحاس ، وكان قد قدمه للإدارة العامة لشؤون المصاحف ومراقبة المطبوعات برئاسة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد في الرياض ، وسلم الكتاب إلى هيئة مراقبة المطبوعات ،وقرأه أحد الأساتذة فتصرف فيه في (فصل في =
= زيارة قبر رسول الله (ص) وجعله (( فصل في زيارة مسجد رسول الله (ص) )) مع تغيير بعض العبارات في هذا الفصل صفحة (295) ، وحذف من صفحة ( 297 ) قصة العتبي ، وهو محمد ابن عبد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي العتبي الشاعر ، الذي ذكر قصة الأعرابي الذي جاء قبر رسول الله ( ص ) وقال له : جئتك مستغفراً من ذنبي .
وأن العتبي رأى النبي ( ص ) في المنام وقال له : يا عتبي إلحق الأعرابي فبشره بأن الله قد غفر له وحذف التعليق الذي ذكرته حول القصة ، وقد ذكرت أنها غير حيحة ، ومع ذلك كله حذفها ، وحذف التعليق الذي علقته عليها .
وهذا التصرف الذي حصل في هذا الكتاب لم يكن مني أنا العبد الفقير إلى الله تعالى العلي القدير ( عبد القادر الأرناؤط ) وكذلك لم يكن من صاحب دار الهدى الأستاذ أحمد النحاس ، وإنما حصل من هيئة مراقبة المطبوعات ، وصاحب دار الهدى ومحقق الكتاب لا يحملان تبعة ذلك ، إنما الذي يحمل تبعة ذلك هيئة مراقبة المطبوعات ، ولا شك أن التصرف في عبارات المؤلفين لا يجوز ، وهي أمانة علمية ، وإنما على المحقق والمدقق أن يترك عبارة المؤلف كما هي ، وأن يعلق على ما يراه مخالفاً للشرع والسنة في نظره ، دون تغيير لعبارة المؤلف .
وكان الأخ في الله الأستاذ أحمد النحاس كلمني بالهاتف من الرياض إلى دمشق ، وذكر لي أن المدقق تصرف في الكتاب ، وأنه حصل تغيير وتبديل ، ولكن كل ظني أنه تصرف مع التعليق على ذلك المكان ، كما هي عادة المحققين والدققين .
وأخيراً طبع الكتاب وطرح إلى السوق في الرياض ، وبعد اطلاعنا على الكتاب ما كان من صاحب دار الهدى الأستاذ أحمد النحاس إلا أن قام بطباعته مرة أخرى ، ورد قصة العتبي المحذوفة إلى مكانها كما كانت سابقاً في جميع الطبعات ، مع التعليق عليها من قبلي وزدت عليه مبيناً أن هذه القصة غير صحيحة وفي هذه الطبعة الأخيرة رد كلام النووي كما كان أيضاً في جميع الطبعات مع التعليق عليه .
قال الله تبارك وتعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم نوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما )) ( الأحزاب : 70 – 71 ) ، كما نسأله تعالى أن يجعل قلوبنا طاهرة من الحقد والحسد ، وعامرة بذكر الله تعالى =
= والصلاة على رسول الله ( ص ) ، وأن يلهمنا القول بالحق في الرضى والغضب ، وأن يرزقنا التقوى في السر والعلانية (( هو أهل التقوى وأهل المغفرة )) (المدثر : 56 ) ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
دمشق : 1 ربيع الأول 1413 هـ .
29 آب 1992 م .
طالب العلم الشريف
العبد الفقير إلى الله تعالى العلي القدير
( عبد القادر الأرناؤوط )
انظر في ( ص 377 – 379 ) ورة لهذه التبرئة بخط يد الشيخ عبد القادر الأرناؤوط .
وهكذا انطفأ سراج الأمانة ، وعبث الصغار بكتب الكبار .
وذكرني هذا التحريف وهذا التعدي بسلف هذا المتعدي .
ففي طبقات الشافعية الكبرى للإمام عبد الوهاب بن علي السبكي ( 2 / 16 ، 17 ) :
"قد تزايد الحال بالخطابية ، وهم المجسمة في زماننا هذا ، فصاروا يرون الكذب على مخالفيهم في العقيدة ، لا سيما القائم عليهم بكل ما يسوءه في نفسه وماله وبلغني أني كبيرهم استفتى في شافعي ؛ أيشهد عليه بالكذب ؟ فقال : ألست تعتقد أن دمه حلال ، قال : نعم ، قال : فما دون ذلك دون دمه ! فاشهد وادفع فساده عن المسلمين ، فهذه عقيدتهم ، ويرون أنهم المسلمون ، وأنهم أهل السنة ولو عدوا عدداً لما بلغ علماؤهم – ولا عالم فيهم على الحقيقة – مبلغاً يعتبر ، ويكفرون غالب علماء الأمة ، ثم يعتزن إلى الإمام أحمد بن حنبل ضي الله عنه وهو منهم بريء ،ولكنه كما قال بعض العارفين ورأيته بخط الشيخ تقي الدين ابن الصلاح :
إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما وهما بريان منهم ؛ أحمد بن حنبل ابتلي بالمجسمة ، وجعفر الصادق ابتلي بالرافضة " اهـ .
ثم قال الإمام ابن السبكي ( 2/ 19 ) :
" وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلى كتب شرح " صحيح مسلم " للشيخ محيي الدين النووي وحذف من كلام النووي ما تكلم به على أحاديث الصفات فإن النووي أشعري العقيدة فلم تحمل قوى هذا الكاتب أن يكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه =
= مصنفه ، وهذا عندي من كبائر الذنوب ؛ فإن تحريفه للشريعة وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس وما في أيديهم من المصنفات فقبح الله فاعله وأخزاه وقد كان في غنية عن كتابه هذا الشرح ، وكان الشرح في غنية عنه " اهـ .
ومثل هذا التحريف تجده في كتب الإبانة لأبي الحسن الأشعري المطبوعة بواسطة أذناب الكرامية .
قال المام أبو الحسن الأشعري في كتابه "الإبانة " المحقق على أربع نسخ خطية والمطبوع في((دار الأنصار بتحقيق الدكتورة فوقية ص 21 )) ما نصه :
" وأن الله تعالى استوى على العرش على الوجه الذي قاله وبالمنعى الذي أراده ، استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال ، لا يحمله العرش ، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ، ومقهورون في قبضته ، وهو فوق العرش ، وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى ، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء ، بل هو رفيع الدرجات عن العرش ، كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى ، وهو مع ذلك قريب من كل موجود ، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد ، وهو على كل شيء شهيد " .
وهذا النص لا تجده في النسخ المحرفة .
وانظر ما كتبه فضيلة أستاذنا الشيخ " وهبي سليمان الألباني " عن التحريف في كتاب الإبانة .
وقال الشيخ " زاهد الكوثري " في تكملة الرد على نونية ابن القيم ( 85 ) :
" قال أبو حيان الأندلسي الحافظ في تفسير قوله تعالى (( وسع كرسيه السموات والأرض )) وقد قرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرناه ، وهو بخطه سماه كتاب العرش :
إن الله يجلس على الكرسي وقد أخلى فيه مكاناً يقعد معه فيه رسول الله (ص) ، تحيل عليه محمد بن على بن عبد الحق ، وكان من تحيله أنه أظهر أنه داعية له حتى أخذ منه الكتاب وقرأنا ذلك فيه " كما ترى ذلك في النسخ المخطوطة من تفسير أبي حيان ، وليست هذه الجملة بموجودة في تفسير البحر المطبوع ، وأخبرني مصحح طبعه بمطبعة السعادة أنه استفظعها جداً وأكبر أن ينسب مثلها لى مسلم ، فحذفها عند الطبع لئلا يستغلها أعداء الدين ورجاني أن أسجل ذلك هنا استدراكا لما كان منه ونيحة للمسلمين اهـ ………………………………… =
وهى حكاية غير صحيحة الإسناد لكنَّ الشاهد من ذكرها هو بيان أن العلماء ذكروها استئناساً لبيان أن الآية تفيد العموم .
وحديث عرض الأعمال يؤيد الاستدلال بهذه الآية وهو قوله ( ص ) : (( حياتى خير لكم ، ومماتي خير لكم تُحدثون ويُحدث لكم وتعرض علىَّ أعمالكم فما وجدت من خير حمدت الله وما وجدت من غير ذلك استغفرت لكم )) .
وهو حديث صحيح ، وسيأتي إن شاء الله تعالى .
= وقال العلامة الكوثري أيضاً في تكملة الرد على النونية ( ص 108 ) :
" وهو – أي الألوسي صاحب جلاء العينين _ ليس بأمين على طبع تفسير والده ولو قابله أحدهم بالنسخة المحفوظة اليوم بمكتبة راغب باشا باسطنبول _ وهي النسخة التي كان المؤلف أهداها إلى السلطان عبد الحميد خان _ لوجد ما يطمئن إليه (( أي في إثبات الحذف والتحرف )) نسأل الله السلامة " اهـ .
وقال شيخنا السيد عبد الله الصديق رحمه الله تعالى في كتابه " بدع التفاسير " ( ص 156 ) عند الكلام على تفسيرأي حيان الأندلسي :
" وقد تعرض لابن تيمية وذكر أنه اغتر به أول الأمر فمدحه ، ثم تبين له خلاف ذلك ، فذمه وحط عليه ، وذكر بعض عيوبه ، لكن القائمين على طبع التفسير حذفوا منه ذمّ ابن تيمية غيرة منه عليه " .
والقائمة طويلة ، وقد تعامى عنها بكر أبو زيد صاحب كتاب " تحريف النو " لحاجةٍ في نفسه ، والباء تجر على جميع المذاهب ، والله المستعان .
ومع عموم الآية المتقدمة الذي لا يررتاب فيه مرتابُ ، أغرب ابن عبد الهادي فقال: (( ولم يفهم منها أحد من السلف والخلف إلا المجئ إليه في حياته ليستغفر لهم )) . اهـ ( ص425 من الصارم المنكي ) .
قلت: عجبت ولا ينقضي عجبي من ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى، فهو يشهد شهادة نفي على السلف والخلف، فلم يكفه السلف بل تعدى إلى الخلف ، ونظرة إلى كتاب التفاسير والمناسك والفقه التي بين أيدينا تجدهم يذكرون هذه الآية عند الكلام على الزيارة ، ولو استحضر ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى كتب مذهبه واستدلال فقهاء السادة الحنابلة بالآية على استحباب الزيارة لما صرح بقوله المذكور ، ولكن حبك للشئ يعمي ويصم .
وما زال الحجاج على قرون عديدة يأتون للزيارة قبل أو بعد المناسك ، متشرفين بالوقوف بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم يسلمون عليه فيرد عليهم السلام ، ويدعون ويستفرون ، وهذا يكفي لردَّ
دعواه .
ثم الواجب على المسلم أن يعمل بالدليل الذي صحَّ ولا ينظر هل عُمل به أم لا ؟
وتوقفه عن العمل بسبب هذه الشائبة فيه افتئات على الشرع، وتوقف عن العمل بالدليل لعارض متوهَّم ، وقد قال الله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في
أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } .
ولم يتقرر بعد توقف العمل بالدليل إلا بعد حصر من عمل به ولم يعمل ، ولا تجد هذا إلا في مخيلة من يدفع بالصدر فقط .
والحاصل أن التخصيص لا يكون إلا بحجة، ولا حجة هنا في عرف الشرع .
وأجاد العلامة أبو بكر المراغي فقال رحمه الله تعالى في عموم هذه الآية : (( وينبغي لكل مسلم اعتقاد كون زيارته ( ص ) قربة للأحاديث الواردة في ذلك ولقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءوك فاستغفَرُوا الله واسْتَغْفرَ لهُمُ الرسولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّاباً رَحِيماً} .
لأن تعظيمه ( ص ) لا ينقطع بموته ولا يقال : إن استغفار الرسول (ص)إنما هو في حال حياته فقط، وليست الزيارة كذلك لما أجاب بعض العلماء المحققين أن الآية دلت على تعليق وجدان الله تواباً رحيماً بثلاثة أمور : المجئ واستغفارهم واستغفار الرسول لهم .
وقد حصل استغفار الرسول ( ص ) لجميع المؤمنين لأنه ( ص ) قد استغفر للجميع . قال الله تعالى : {{ واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات }} ( آية 19 سورة سيدنا محمد( ص )) فإذا وجد مجيئهم واستغفارهم تكملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله ورحمته ، وقد أجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور كما حكاه النووي ، وأوجبها الظاهرية .
فزيارته (ص) مطلوبة بالعموم والخصوص لما سبق. اهـ (ص102 _ 203 ) .
ذوأصل الكلام في " شفاء السِّقام في زيارة خير الأنام " للتقي السُّبكي