الفهرس
تخريج أحاديث التوسل
الحديث الأول
قال إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه ( الفتح : 2/494 ) :
حدثنا عمرو بن علىّ، قال: حدثنا أبو قتيبة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه قال: سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال عصمة للأرامل
وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه "ربما ذكرت قول الشاعر، وأنا أنظر إلى وجه النبي (ص) يستسقي، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال عصمة للأرامل
وهو قول أبي طالب . اهـ .
قلت : طريق عمر بن حمزة العمري وصلها بسند صحيح أحمد (2/93)، وابن ماجة (1/405)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/142)، وفي السنن الكبرى (3/88) . كلهم من طريق أبي عقيل عبد الله بن عقيل ، وهو ثقة ، وهو نصٌ صريح في توسل ابن عمر رضي الله عنهما بذاته ( ص ) .
وأخرج البيهقي من غير وجه في دلائل النبوة (6/140_ 142) عن سعيد بن خثيم الهلالي ، عن مسلم الملائي عن أنس بن مالك قال :
جاء أعرابي إلى النبي (ص) فقال : يارسل الله لقد أتيناك وما لنا بعيرٌ
يئطُ ولا صبي يصيح وأنشده :
أتيناك والعذراء يدمى لبانها وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وألقى بكفيه الصبي استكانة من الجوع ضعفاً ما يمر ولا يخلى
ولا شئ مم يأكل الناس عندنا سوى الحنظل العامي والهلعز الفسل
وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام رسول الله (ص) حتى صعد المنبر ثم رفع يديه إلى السماء فقال:
(اللهم اسقنا غيثاً مريئاً مريعاً غدقاً، طبقاً عاجلاً غير رائث، نافعاً غير ضار تملأ به الضرع وتنبت به الزرع وتحيي به الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ) ، فوالله ما رد يديه إلى نحره حتى ألقت السماء بإبراقها وجاء أهل البطانة يعجون يا رسول الغرق الغرق ، فرفع يديه إلى السماء ، ثم قال : (( اللهم حوالينا ولا علينا )) فانجاب السماء عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل
، فضحك رسول الله (ص) حتى بدت نواجذه ثم قال : ( لله در أبي طالب لو كان حياً قرتا عيناه من ينشدنا قوله ) ؟ فقام علىّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله كأنك أردت :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله نبزى محمداً ولما نقتل دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ومسلم الملائي ضعيف ، وقال الحافظ في الفتح ( 2 / 495 ) : وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة . اهـ .
وقال ابن هشام في السيرة ( 1 / 281 ) : وحدثني من أثق به فذكره .
الحديث الثاني
قال البخاري في صحيحه ( الفتح : 2 / 494 ) :
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني أبي عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا )) . قال فيسقون .
أسنده البغوي في شرح السُنة ( 3 / 409 ) هكذا من طريق البخاري ورواه عن أنس أيضاً ابن خزيمة (رقم 1412)، وابن حبان (7/110) والبيهقي في دلائل النبوة (6/147)، وفي السنن الكبرى (3/352) وابن سعد في الطبقات .
وهو صريح في التوسل بالصالحين ، لا سيما إذا كانوا من أهل البيت النبوي عليهم السلام .
قال الحافظ في الفتح ( 2 / 497 ) :
(( ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه )) . اهـ .
وليس في هذا الأثر تحريم التوسل به (ص) بعد
انتقاله لعموم الأدلة ، ولأن غاية ما فيه هو جواز ترك التوسل به ، وفرق بين الجواز وغيره . على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد بالتوسل بالعباس رضي الله عنه الاقتداء بالنبي ( ص ) في تبجيل وإكرام العباس ، وقد كان في الصحابة من هم أفضل من العباس .
وقد أخرج الحاكم في المستدرك (3/334) من طريق داود بن عطاء المدني عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر أنه قال :
(( استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة باعباس بن عبد المطلب فقال : اللهم ها عم نبيك العباس نتوجه إليك به فاسقنا ، فما برحوا حتى سقاهم الله ، قال : فخطب عمر في الناس فقال : أيها الناس إنَّ رسول الله (ص) كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده يعظمه ويفخمه ويبر قسمه فاقتدوا أيها الناس برسول الله ( ص ) في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم )) .
وهكذا رواه الزبير بن بكار في الأنساب كما في الفتح ( 2 / 497 ) ، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق الزبير بن بكار به (8/932 ) .
قلت : فيه داود بن عطاء المدني ضعيف ، وقد ضعفه به الذهبي في تلخيص المستدرك ، وأما الحاكم فلم يتكلم عليه .
قال الحافظ في الفتح بعد سياقه لطريق داود بن عطاء الضعيف ما نصه:وأخرجه البلاذري من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، فقال
عن أبيه بدل ابن عمر : فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان . اهـ .
واحتمال الحافظ قوي وله نظائر .
والعجب أنَّ الألباني لم يذكر هذا الاحتمال القوي في توسله . !!
ولذلك وجه آخر : وهو أن هشام بن سعد من رجال مسلم فالقول قوله .
وأغرب الألباني – غفر الله لنا وله - فاشتغل في توسله (ص 67_68) بتضعيف داود بن عطاء المدني، ولما رأى متابعة هشام بن سعد قال: إن في السند اضطرابا . اهـ .
قلت : هذا قول مدفوع ينبغي ألا يلتفت إليه ، ولا أرى دعامة له إلا الهوى الذي أداه لمخالفة قواعد الحديث .
فإن من المعروف أن الحكم بالاضطراب على السند لا يكون إلا إذا تساوت الروايات وامتنع الجمع والترجيح ، عند ذلك يحكم بالاضطراب وهو هنا ممتنع جداً ، فإن هشام بن سعد من رجال مسلم فحديثه راجح ، وقد رأيت الألباني يحسن حديثه مرات . وداود بن عطاء ضعيف فكيف يغض الألباني طرفه عن هذا الحق الأبلج .
هب أنهما متساويان ، فالجمع واجب كما صرح به الحافظ وتقدم عنه رحمه الله تعالى .
فثبت ولله الحمد توسل عمر بالعباس من قول عمر نفسه وهو زيادة في التوسل بالنبي ( ص ) .
وفيه أيضاً أن التوسل كان بالعباس وليس بدعائه بدليل قول عمر : ((واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم)) ، فالضمير يعود على شخص العباس قولاً واحداً ، إلا عند أهل التحريف .
الحديث الثالث
قال الإمام أحمد في المسند (4 / 138 ) :
حدثنا عثمان بن عمر ، أخبرنا شعبة بن أبي جعفر ، عن عمارة بن خزيمة ابن ثابت عن عثمان بن حنيف: " أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي (ص ) فقال: ادع الله أن يعافيني قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقضى لِي اللهم فشفعه في "
قال الترمذي ( كما في التحفة ):هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي .
ورواه من هذا الوجه ابن خزيمة في صحيحه ، والترمذي (تحفة 10 / 132 ، 133)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 417) ، وابن ماجة في السنن ( 1 / 441 ) والبخاري في التاريخ الكبير ( 6 / 210 ) . والطبراني في المعجم الكبير ( 9 /19 ) ، وفي الدعاء أيضاً (2 / 1289 ) والحاكم في المستدرك ( 1 / 313 ، 519 ) وصححه وسلمه الذهبي والبيهقي في دلائل النبوة ( 6 / 166 ) ، وفي الدعوات الكبير .
وتابع حماد بن سلمة شعبة في روايته عن أبي جعفر .
أخرج هذه المتابعة النسائي في عمل اليوم والليلة ( ص 417 ) وأحمد في المسند ( 4/ 138)، والبخاري في تاريخه (6/209) . وقد اتفق شعبة وحماد بن سلمة على أن شيخ أبي جعفر هو عمارة بن خزيمة بن ثابت ، بينما خالفهما هشام الدستوائي وروح ابن القاسم .
قال النسائي في عمل اليوم والليلة ( 418 ) : (( خالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم ، فقالا عن أبي جعفر عمير بن يزيد بن خماشة عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن حنيف )) . اهـ .
قلت : حديث هشام الدستوائي أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص 418) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210) . والبيهقي في دلائل النبوة ( 6 /168 ) .
وأمت حديث روح بن القاسم فأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/210) ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص209)، والطبراني في المعجم الكبير (1/17)، وفي الصغير وصححه (1/183) وفي الدعاء (2/1288)، والحاكم في المستدرك (1/526)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/167 – 168) .
قلت: هذا إسناد صحيح ، وقد صححه غير واحد من الحفاظ - وقد تقدم - منهم : الترمي والطبراني وابن خزيمة والحاكم والذهبي .
وأبو جعفر: هو الخطمي عمير بن يزيد بن عمير بن خماشة المدني، كما نصَّ على ذلك النسائي في عمل اليوم والليلة ، وقد وقع التصريح بالخطمي عند أحمد ، وبالمديني عند أحمد أيضاً وابن ماجة والحاكم والبيهقي ، وبالخطمي المدني عند الطبراني وابن السني .
فلا تلتفت لتشغيب الشيخ بشير السهسواني رحمه الله تعالى في صيانة الإنسان ( ص 125 – 127 ) ، فإنه مما لا فائدة فيه .
وقد جاءت زيادة موقوفة عن المرفوع .
قال الطبراني في المعجم الصغير ( 1 / 184 ) :
حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المقري المصري التميمي ، حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثنا عبد الله بن وهب عن شعيب بن سعيد المكي، عن روح بن القاسم ، عن أبي جعفر الخطمي المدني ، عن أبي أمامة ابن سهل ابن حنيف ، عن عمه عثمان بن حنيف :
أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقى عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه ، فقال له عثمان بن حنيف اءت الميضاة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل :
اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبينا محمد (ص) نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك (ربي) جل وعز فيقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك. ورح إليّ حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قاله عثمان ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال : حاجتك ؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له : ما كرت حاجتك حتى كانت هه الساعة ، وقال : ما كانت لك من حاجة فأتنا ، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقى عثمان بن حنيف ، فقال له : جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلى حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله (ص) وأتاه ضرير فشكا إليه ذلك ذهاب بصره ، فقال له النبي
(ص): (أفتبصر ؟)، فقال: يا رسول الله إنه لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي ( ص ) ايت الميضأة فتوضأ ، ثم صل ركعتين ، ثم ادع بهذه الدعوات . قال عثمان ابن حنيف : (( فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط )) .
لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة، وهو الذي يحدث عنه أحمد (ابن أحمد) بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأبلي .
وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر لخطمي واسمه عمير ابن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة ، والحديث صحيح . اهـ .
وأخرجه من هذا الوجه الطبراني في الكبير ( 9/ 17 ) ، وفي الدعاء (2/1288) ، والبيهقي في دلائل النبوة ( 6 /167 – 168 ) .
قلت : لا كلام بعد تصحيح الطبراني للحديث مرفوعً وموقوفاً .
فإن قيل : قد صحح الطبراني الحديث المرفوع لكنه لم يصحح القصة الموقوفة .
أجيب: بأن الطبراني قد وثق ( شبيب بن سعيد الحبطي ) وهو راوي الموقوف، وتوثيق حديث الرجل هو تصحيح لحديثه ، فالأمر سهل ولا يحتاج لبيان ، ويؤيد هذا ويوضحه أن الهيثمي في مجمع الزوائد ( 2 / 179 ) لم يتكلم على الحديث كما عهد عنه ولكنه اقتصر على نقل تصحيح الطبرني فقط ، فتدبر أيها المستبصر .
ومع ذلك سعى الساعون لتضعيف هذه الزيادة الصحيحة الموقوفة فأتوا بعلل مزعومة هي :
1- شيخ الطبراني (طاهر بن عيسى ) ، مجهول في زعمهم .
2- ( شبيب بن سعيد الحبطي ) نفرد بالقصة ، وهو ضعيف الحفظ ، زعموا .
3- الإختلاف عليه فيها .
4- مخالفته للثقات الين لم يذكرروا القصة في الحديث .
والثلاثة الأخيرة ذكرها الألباني في توسله ( ص 88 ) ، والناظرفيها لا يراها أكثر من دفعة صدر من متعنت ، وسيرى أن السعي لتضعيف الأحاديث الصحيحة بهذه الحجج الواهية سعي لإقامة باطل بدعائم هي أوهى من بيوت العنكبوت، ولو فتح هذا المهيع الخطير لانسد باب الآثار، والله المستعان .
وإليك نقض هذه العلل المتوهمة :
أما عن العلة الأولى : وهي كون شيخ الطبراني طاهر بن عيسى
المصري من المجهولين فخذ الآتي :
1- من علل الحديث بجهالة شيخ الطبراني أبعد جداً عن معرفة الحديث وغاير قواعده، فإن القصة الموقوفة تفرد بها شبيب، ثم رواها عن شبيب ثلاثة، ورواه عن الثلاثة المذكورين ثلاثة آخرون وعنهم آخرون، فلم يتفرد أحد برواية القصة إلا شبيب ، فلا مدخل لشيخ الطبراني هنا فتأمل .
2- قد صحح الطبراني الحديث ، وتصحيحه يعني توثيق رجال إسناده ومنهم شيخه طاهر بن عيسى المصري وهو أعلم به من غيره .
فلا تغتر بعد بكلام الشيخ فهد الدوسري صاحب النهج السديد في تخريج أحاديث فتح المجيد عن شيخ الطبراني ( ص 93 ) .
أما عن العلة الثانية : وهي ضعف حفظ المتفرد بها وهو ( شبيب ابن سعيد الحبطي ) هكذا زعم الألباني في توسله ( ص88 ) ولم أجد من سبقه إلى هذه الدعوى .
فشبيب بن سعيد الحبطي قد وثقه علي بن المديني ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، والدار قطني ، والطبراني ، وابن حبان والحاكم .
وقال أبو زرعة ، وأبو حاتم والنسائي : لا بأس به .
وهذا غاية ما يطلب من التوثيق في الراوي ليصحح حديثه ويحتج به في الصحيحين .
فإن قيل ماذا تقول في قول ابن عدي في الكامل ( 4 / 1347 ) :
(( كان شبيب إذذا روي عنه ابنه أحمد بن شبيب نسخة يونس عن الزهري إذ هي أحاديث مستقيمة ، ليس هو شبيب بن سعيد الذي يحدث عنه ابن وهب بالمناكير التي يرويها عنه ، ولعل شعيباً بمصر في تجارته إليها كتب عنه من حفظه ، فيغلط ويهم وأرجو ألا يتعمد شبيب هذا الكذب)) . اهـ .
قلت وبالله استعنت : في هذا الكلام ثلاثة أمور :
الأول : ما رواهعبد الله بن شبيب عن أبيه ، أعني نسخة يونس عن الزهري فهي أحاديث مستقيمة .
الثاني : ما رواه عبد الله بن وهب عن شبيب بمصر ، فيه غلط ووهم .
الثالث : حديثه في غير النوعين السابقين ، صحيح ، لأنه قيد وهم شبيب بكونه من رواية ابن وهب بمصر
وصحة النوع الثالث هو ما يقتضيه النظر الصحيح ، وفي الذهاب لغير هذا المذهب فيه إهدار لتوثيق تسعة من الحفاظ لشبيب بن سعيد الحبطي .
فالرجل ثقة طرأ عليه طارئ أثناء تجارته بمصر شأنه شأن كثير من الرواة الثقات .
فإن قيل : قد قال على بن المديني : ثقة كان يختلف في تجارة إلى مصر ، وكتابه كتاب صحيح ، وقد كتبتها عن ابنه أحمد بن شبيب . اهـ .
قلت : كلام ابن المديني يدل على أن الرجل ثقة وكتابه صحيح ، وقد فهم من لا يفهم(1) إلا السب والشتم– سامحه الله – أن هذا القول من ابن المديني يثبت أن روايته من غير كتابه لا تصح .
قلت : الرجل وثقة ابن المديني ، فهو يعني أنه ضابط حفظاً وكتابةً ، ثم نصَّ على أحد أفراد العموم ، وهو صحة كتابه فلم يشترط ولم يصرح ولم يشر إلى شيء عن حفظه وكلامه لا مفهوم له ، وكنت أود أن يبين من أين أتى بهذا الفهم الذي لا يحسد عليه ؟
والتفاته إلى السب والشتم صرفه عن الفهم .
تنبيه :
من غريب التشويش والحذف في العبارات أن الألباني – غفر الله لنا وله – حاول أن يستدل بعبارة على بن المديني على ضعف حفظ شبيب بن سعيد فقال في توسله ( ص 86 ) :
قال ابن المديني : كان يختلف في تجارة إلى مصر … إلخ ، وحذف الألباني أهم كلمة من كلام ابن المديني التي صدر بها عبارته وهو قوله : (ثقة) كان يختلف … إلخ
وهكذا تكون الأمانة العلمية ، فالله المستعان .
وقد أبعد الألباني فسلك مسلكاً آخر غريباً لم يسبق إليه ، فأهمل كلام الأئمة الحفاظ الذين وثقوا شبيباً ، فنقله من طائفة الثقات الذين يُقْبَلُ
(1) هو صاحب كشف المتوارى (ص40) .
حديثهم إلا غرائب وقعت في رحلاتهم ، إلى طائفة الضعفاء ، الذين لا يقبل حديثهم إلا بشروط ، فشرط شرطين لقبول حديث شبيب بن سعيد الحبطي ، فقال في توسله ( ص 87 ) :
الأول : أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه .
والثاني : أن يكون من رواية شبيب عن يونس . اهـ .
قلت : الذي أوقع الألباني في مثل هذا القول الغريب هو عدم رجوعه للأصول (1) ، فقد نقل عبارة ابن عدي في شبيب من الميزان(2/262)، واعتمد عليه دون الرجوع للأصول ، والذي نقله الألباني عن ابن عدي هم ما نصه :
كان شبيب لعله يغلط ويهم إذا حدث من حفظه وأرجو أنه لا يتعمد، فإذا حدث عنه ابنه أحمد بأحاديث يونس فكأنه شبيب آخر يعني يجود .
ففرق بين ( كان شبيب لعله يغلط ويهم إذا حدث من حفظه ) كما في الميزان . وبين عبارة الكامل (4/1347 ) : (لعلَّ شيباً بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويهم ) .
(1) وقد تتبعت شيئاً كثيراً من كلامه على الرجال فوجدته لا يرجع للأصول، ويكتفي بالكتاب الواحد المختصر في الكلام على الرجال غالباً، وقد نبهت على لك في (وصول التهاني بإثبات سنية السبحة والرد على الألباني) الطبعة الجديدة، وفي مقدمة (النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح )للحافظ العلائي رحمه الله تعالى .
فالأولى تعني أن الغلط والوهم كانا ديدنه ، وصفةً لازمةً له .
وهي عبارة فيها نظر .
والثانية التي في الكامل : تعني أن الغلط والوهم طارئ عليه وهو ما حدث عنه ابن وهب بمصر .
فالأولى تعني ضعفه ، والثانية لا تعني ذلك ، والأمر واضح .
وقد صرح النقاد بوجوب حكاية الجرح والتعديل وعدم التصرف في عبارة المعدل أو المجرح .
وقد اهتبل الألباني تصرف الذهبي في عبارة ابن عدي ولم يرجع للأصل فحدث منه ما تراه .
والحاصل أن حديث شبيب بن سعيد صحيح ، من غير رواية عبد الله ابن وهب ، إذا أخنا كلام ابن عدي في الاعتبار فإنَّ كلامه فيه نظر .
ولذلك قال الذهبي في المني ( 1 / 195 ) : ثقة ، له غرائب
وقال في الديوان ( ص 141 ) : ثقة ، يأتي بغرائب .
وفي الكاشف ( 2 / 4 ) : صدوق .
فصـل
فإن قيل قد ذكره الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في رح علل الترمذي ( ص418 ) ضمن قومٍ ثقات، لهم كتاب صحيح ، وفي حفظهم بعض شيء .
فجوابه: أن هذا لا يعني ضعف حديثهم إذا حدثوا من حفظهم، وإنما يعني أن حديثهم من الكتب صحيح، وأدون منه حديثهم من حفظهم؛ لأنهم قوم ثقات قد وثقهم عدد من الأئمة بدليل قوله : (( وفي حفظهم بعض شيء )) ، فهذه العبارة لا تفيد أن الغلط كان ير منفك عنهم فهم ضعفاء الحفظ ، بال العكس هو الصواب .
وقد ذكر ابن رجب في هذا النوع طائفة من أعيان الثقات كعبد العزيز بن محمد الداروردي ، وهمام البصري ، وعبد الرزاق الصنعاني ، وأبي داود الطيالسي ، وإبراهيم بن سعد الزهري وغيرهم ، والعمل عند المحدثين قاطبة على قبول حديثهم حدثوا من كتاب أو من حفظهم . على أنَّ العبارات التي قيلت فيهم هي أشد من التي قيلت في شبيب بن سعيد الحبطي رغم الاتفاق عليهم وأنت إذا توقفت في حديث هؤلاء الأئمة الذين حدثوا به من حفظهم لاتهمت بالجنون ، فتدبر .
فصل
بقى الكلام على أمرين :
الأمر الأول :
قال الحافظ في التقريب ( ص 263 ) في ترجمة شبيب :
لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب. اهـ .
وما قاله الحافظ(1) يعني صحة القصة المذكورة، وهذا أيضاً لم يرتضه الألباني فعقب عليه بقوله في توسله (ص87 ) :
وليس كذلك بل هذا مقيد بأن يكون من روايته هو عن يونس .. ، ويؤيده أن الحافظ نفسه أشار لهذا القيد، فإنه أورد شبيباً هذا في (من طعن فيه من رجال البخاري) من مقدمة فتح الباري (ص133)، ثم دفع الطعن عنه بعد أن ذكر من وثقه وقول ابن عدي فيه بقوله : (( قلت : أخرج البخاري من رواية ابنه عن يونس أحاديث ، ولم يخرج من روايته عن غير يونس ، ولا من رواية ابن وهب عنه شيئاً )) ، فقد أشار رحمه الله بهذا الكلام إلى الطعن قائم في شبيب ، إذا كانت روايته عن ير يونس ، ولو من رواية ابنه أحمد عنه . اهـ .
قلت : الذي أشار له الحافظ هو أن البخاري أخرج له أصح حديثه، ذلك أن البخاري عندما أرد أن يخرج حديث الزهري في جامعه الصحيح أراده من طريق الطبقة الأولى من أصحاب الزهري كما فصله الحافظ
(1) وفيه تدد لقصره القبول على رواية ابنه أحمد فقط . فتدبر .
الحازمي في شروط الأئمة .
ولما كان يونس من هذه الطبقة وكان شبيب عنده نسخة يونس بن يزيد، عن الزهري، وسمعها منه أحمد بن شبيب فأصبحت النسخة من هذا الطريق غاية في الصحة فأخرجها البخاري في صحيحه .
فأحمد ، عن أبيه ، عن يونس ، عن الزهري من شرط البخاري .
فعدم إخراج البخاري لحديث شبيب من غير هذا الطريق لا تعني ضعف التي لم تخرج في الصحيح ، بل تعني أنه ليس على شرط البخاري فقط. لأن البخاري لم يستوعب الصحيح، وما ادعاه ، وصحح أحاديث خارج صحيحه .
ولا يلزم من كونه على غير شرطه أنه لا يصلح للاحتجاج به عند البخاري نفسه بل قد يكون صالحاً للاحتجاج به عنده وليس هو على شرط صحيحه الذي هو أعلى شروط الصحة ، كما صرح بذلك الحافظ في الفتح (2/205) ، وكثيراً ما يختم الحافظ الترجمة في مقدمة الفتح في بيان كيفية رواية البخاري لحديث الراوي المتكلم فيه ، ذلك أن حديث الرجل إذا جاء على خلاف ما ذكره الحافظ يكون فيه تفصيل هذا ما يجب التمسك به ، والذعان إليه وإلا نكون قد أهدرنا توسيق تسعة من أئمة الحفاظ لشبيب .
ولم أر من سبق الألباني في رد حديث بيب مع اشتراط هذين الشرطين.
ولم يزد ابن تيمية في كتابه ( قاعدة في التوسل ) ( 102) عن قوله :
(شبيب هذا صدوق ، روى له البخاري). وهو كلام جيد يرد على الألباني وعلى من شايعه ، لكنه اتبع سبيلاً آخر لتعليل هذا الحديث وهو:
الأمر الثاني :
وحاصله أن هذا الحديث يررويه شبيب ، عن روح بن القاسم ، وقد ذكر ابن عدي حديثين في كامله أنكرهما على شبيب من رواية شبيب، عن روح بن القاسم ، وإن كان شبيب قد غلط في ذينك الحديثين أمكن أن يكون غلط في هذا الحديث . انظر قاعدة في التوسل له (ص104_105) .
قلت وبالله التوفيق :
1- هذان الحديثان من رواية ابن وهب ، عن شبيب ، عن روح بن القاسم ، وقد تقدم أن شبيباً حدث أثناء تجارته بمصر ابن وهب ببعض ما أنكر عليه .
وقد أورد هذين الحديثين ابن عدي في كامله ليستدل بهما على صحة دعواه، فلا مدخل هنا لما يرويه شبيب عن روح بن القاسم، فالكلام على من حدثه شبيب (وهو ابن وهب)، لا من حدث عنه شبيب سواء كان روحاً أو غيره .
2- لا يسلم لابن عدي استشهاده بهذين الحديثين على صحة دعواه وهاك الحديثين .
الحديث الأول : ما رواه شبيب بن سعيد ، عن روح ابن القاسم، عن أبي عقيل، عن سابق بن ناجية، عن أبي سلام قال: مر بنا رجل فقالوا : إن هذا قد خدم النبي (ص)قال: فقمت إليه، فقلت: حدثني شيئاً سمعته من رسول الله (ص)لم يتداوله الرجال بينك وبينه قال: سمعته يقول: (من قال حين يصبح وحين يمسي رضيت بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً ، كان حقاً أن على الله أن يرضيه يوم القيامة )) .
وحاصل ما في هذا الحديث أن بعضهم جعله عن أبي عقيل ، عن سابق بن ناجية، عن أبي سلام، عن خادم رسول الله (ص) به مرفوعاً .
وهم شعبة وهشيم ، وروح بن القاسم .
فأبو سلام هنا روى عمن رفعه .
وخالفهم مسعر فجعله عن أبي عقيل ، عن سابق ، عن أبي سلام به مرفوعاً .
فأبو سلام هنا هو الذي رفعه .
والصواب قول شعبة والجماعة وهو ما صححه الحفاظ : المزي ، والعلائي في جامع التحصيل (ص385)، وابن حجر في الإصابة (3/93) ، والبوصيري في مصباح الزجاجة ( 4/150) .
ومن هنا يظهر خطأ ابن عدي رحمه الله تعالى ومن اعتمد عليه في إيراد هذا الحديث على أنه مما أنكر عليه شبيب .
وخطأ بن عدي من وجهين :
الأول : الاختلاف من طبقة شيوخ شبيب ، فلا مدخل لشبيب فيه .
الثاني : أن بيب بن سعيد سلك المسلك الصواب فيه كما ترى ، والله أعلم .
وأما الحديث الثاني : فهو ما رواه شبيب عن روح بن القاسم عن عبد الله بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسن أن رسول الله (ص) قال: (( إذا دخلت المسجد …)) الحديث .
ورواه عبد العزيز الداروردي ، وإسماعيل بن إبراهيم بن عُلية ، وقيس ابن الربيع ، وليث ابن أبي سليم ، عن عبد الله بن الحسن ، عن أمه فاطمة الكبرى عليها السلام .
وإذا كان شبيب قد انفرد عن روح وروى الحديث معضلاً ، فالقول قول الجماعة ، ولكن الخطب هنا سهل ومثله يحدث لكثير من كبار الحفاظ ولا يعني هذا ضعف شبيب في روح بن القاسم لأنه جود الحديث السابق ووافق الجماعة .
3- شبيب بن سعيد بصري كروح بن القاسم البصري، ورواية شبيب عن بلديه لها مزية وقوة، وأبو جعفر الخطمي مدني بصري كذلك، ومما يزيدها قوة أن حدث بها بصريين مثله هما: ابنيه أحمد وإسماعيل .
والحاصل مما سبق :
أن شبيب بن سعيد ثقة إلا ما حدث عن ابن وهب ، وليس كله من المنكرات بل تعرف وتنكر، فإذا توبع ابن وهب كما هنا وجب عليك أن
تعرف وتقبل، واللع أعلم بالصواب .
وبذلك تعلم أن إطلاق الضعف على شبيب من الألباني في توسله (ص118) فضلاً عن كونه تهافتاً فهو أمر مردود ولم يسبق إليه .
فصـل
أما عن الأمر الثاني الذي ضعف به الألباني الحديث فهو قوله :
والإختلاف عليه فيها . اهـ .
قلت : أعاد الضمير إلى شبيب .
ولكنه جعل الإختلاف في توسله ( ص87) على أحمد بن شبيب فقال : ثم ظهر لي علة أخرى وهي الاختلاف على أحمد فيها .
فبان من هذا اضطرابه ، فالأمر سهل والخطب غير جليل والأمثلة على تحديثه الراوي للحديث على وجهين كثيرة ، فإذا رجع الحديث لشبيب ابن سعيد فقد روى القصة عنه ثلاثة .
اثنان في بلدته البصرة وقت الراحة والبعد عن السفر والمشقة ، وهما : أحمد وإسماعيل ابنا شبيب كما في دلائل النبوة للبيهقي (6/167-168) .
أما الثالث : فهو عبد الله بن وهب .
فقد روى عنه القصة وقت السفر ، وكان السفر خاصاً بالتجارة حيث تبلبل البال وتشتت الأفكار ، ولكنه حدث على الجادة ولم يتلعثم ولم يخطئ، فجاء حديثه في قطعة العذاب موافقاً لحديثه في بلدته، والراوي إذا حدث في بلده كان أتقن مما يحدث به في حال سفره كام هو معروف ونص عليه الحافظ في الفتح ( 10/444) .
وإذا كان شبيب ففي هذا الحديث قد أجاد في السفر والحضر ، فإن هذا غاية ما يطلب في الرجل كما لا يخفى على أولي العناية والإنصاف .
وإذا قد انتهى الأمر إلى أن شبيباً قد جود الحديث بهذه الصورة فلا مدخل بعد صحة هذه القصة لمن يأتي من الرواة عن شبيب ويروي الحديث تارة بذكر القصة وتارة أخرى لا يذكرها .
ولكن الهوى والتعصب يدفعان إلى الإفتراء ، وهو ما تراه هنا بادعاء الألباني اختلافاً على أحمد بن شبيب .
وجواب هذا الاختلاف الذي ارتآه الألباني فقط : أن أحمد بن شبيب كان يحدث الحديث بطوله ، وفيه مجئ الرجل لعثمان بن عفان رضي الله عنه حدث بذلك الحافظ الثقة المتقن يعقوب بن سفيان الفسوي كما في دلائل النبوة للبيهقي (6/168 ) .
وكان أحمد أحياناً أخرى لا ينشط فيقتصر على أصل الحديث فقط ، أخرج ذلك ابن السني والحاكم ،فكان ماذا ؟ والرجل (أي أحمد) ثقة ، اللهم إلا التعنت والتعصب .
على أن بعضهم (1) قال : روى الحديث دون ذكر القصة عن ابن السني :
1) العباس بن فرج الرياشي .
2) والحسين بن يحيى الثوري .
ورواه الحاكم وعنه البيهقي من طريق :
3) محمد بن علي بن زيد الصائغ .
ثلاثتهم عن أحمد بن شبيب ، ولم يذكروا القصة .
ولم يروي القصة عن أحمد إلا يعقوب بن سفيان الفسوي ، فهو على ثقته لا يقابل بمن هو أكثر منه عدداً من الثقات . اهـ .
قلت : إن صح هذا الكلام فرحمه الله على العلم ، والعقل ، والبرهان ، وخذ الآتي :
1- هؤلاء الثلاثة الذين قال عنهم ثقات إذا أضيف إليهم مثلهم لم يرجحوا على الإمام الحافظ العلم يعقوب بن سفيان الفسوي ، فهو ثقة ، وفوق الثقة ، وقد قال أبو زرعة الدمشقي : قدم علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرجلهما "يعقوب بن سفيان" يعجز أهل العراق أن يروا مثله رجلاً .
ومن المعروف أن الشيوخ إذا خالفهم حافظ يرجح قول الحافظ على
(1 ) هو صاحب كشف المتوارى (ص44 ) .
الشيوخ فالقول قول الحافظ وإن اجتمع الشيوخ عليه ويعقوب الفسوي إمام حافظ ، وفوق الحافظ .
2- العباس بن فرج روى الوجهين فقد أسند القصة عن إسماعيل بن شبيب عن أبيه .
أخرجها البيهقي في دلائل النبوة (6/168) فوافق الحجة العلم يعقوب بن سفيان الفسوي .
فبقى اثنان من الثلاثة ، فهل ما زال يصر المعترض على مخالفتهما للفسوي ؟ اللهم غفرانك .
والاثنان الباقيان أحدهما : الحسين بن يحيى الثوري لم أجده بعد بحث ! فما أسرع انهيار صرح التعصب !
ثم إن تعجب فعجب من محاولة تقديم رواية عون الضعيف لأنه لم يرو القصة على من رواها كشبيب وابنه أحمد وعبد الله بن وهب ويعقوب بن سفيان الفسوي وغيرهم من الثقات ! .
3- رواية الحديث على أي من الوجهين لا تعل الأخرى فكلاهما صحيح ، وهذا مقرر ومعروف ، ذلك أن الاختلاف الذي يوجد الشك والريبة في الرواية هو الاضطراب الذي لا يمكن توجيهه أما هنا فلا اختلاف ولا اضطراب ونسأل الله السلامة ، والصون من التخبط ، والتعصب .
فصـل
أما الأمر الأخير الذي ضعف به الألباني الحديث فهو قوله في توسله (ص88 ) :
ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في الحديث . اهـ .
قلت : هذا تمحل !
فأنت ترى أن الزيادة هي أن يروي جماعة حديثاً واحداً بسنادٍ واحد ومتنٍ واحدٍ، فيزيد بعض الرواة فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة. كذا لابن رجب في شرح علل الترمذي (ص 310 ) .
وقال الحافظ في نكته على ابن الصلاح (2/692) : وإنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث في قبولها من غبر الحافظ حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه كمالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما إذا روى الحديث جماعة من الحفاظ الأثبات العارفين بحديث ذلك الشيخ وانفرد دونهم بعض رواته بزيادة ، فإنها لو كانت محفوظة لما غفل الجمهور من رواته عنها . اهـ .
إذا علمت هذا فإن شبيباً لم يخالف أحداً من الثقات في ذكره القصة الموقوفة وبيان ذلك في الوجهين الآتيين :
الأول : غاية ما في الأمر أن مخرج الحديث غير واحد فمرجعه إلى شيخين لأبي جعفر الخطمي .
فلشعبة ، وحماد طريق .
ولروح، وهشام طريق آخر .
وإذالم يتحد المخرج فدعوى المخالفة غير واردة .
فإن قيل : قد اتحد المخرج بين روح لبن القاسم ، وهشام الدستوائي ، وقد جاءت القصة الموقوفة من طريق روح بن القاسم .
أجيب : بأن شبيب بن سعيد روى عن روح بن القاسم أمراً موقوفاً عن صحابي بعد سنوات عديدة من رواية الحديث المرفوع .
فهذا مرفوع وذاك موقوف فأين هي المخالفة الواقعة في المتن ؟ لا تجدها إلا في التوهم .
وقد صرح الحدثون الذين صنفوا في قواعد الحديث بقبول زيادة الراوي إذا تعدد المجلس ولم يتحد ، فكيف وبين المرفوع والموقوف بون شاسع من السنين ، فأين المجلس الذي اتحد هنا ؟!
هب أن المخرج واحد فهو لا يضر أيضاً لما قد سبق بيانه .
وغير واحد من أئمة الحديث قال : بوجوب قبول زيادة الثقة مالم تكن منافية منهم : الخطيب البغدادي ومشى عليه النووي وانتصر له في كتبه .
الثاني : قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى : إذا كان في الحديث قصة دل على أن روايه حفظه. اهـ . نقله عنه الحافظ في مقدمة الفتح (363) . وهذا يدل على شفوف نظر الإمام أحمد . فتدبر .
فالحق الذي لا مرية فيه أن شبيباًَ ثقة يصحح حديثه كما فعل الأئمة ،
فإن تعنت غاية التعنت ، فالرجل ليس بأقل ممن يحسن حديثه الأئمة ، ولو وهم هذا الوهم وخالف هذه المخالفة فنقل قصةً وقعت في زمان عثمان ابن عفان رضي الله عنه لسقط إلى درجة الضعفاء والمتروكين الذين لا يحتج بهم أو الواضعين الذين لا ينظر في حديثهم ولا يظن أحد بشبيب أن يفعل ذلك أو يقاربه ولم يختلط أو يصل وهمه إلى هذه الدرجة الدنيا إن صح وهمُ عنه وما أراه يصح .
والاختلاط لا يضر إذا أمكن الجمع أو الترجيح بين الروايات على قواعد المحدثين، هذا إذا وجد الخلاف وتصور حدوثه ، أما هنا فلا خلاف إلا في مخيلة من يدفع بالصدر ، والله المستعان .
وحاصل ما تقدم أن هذه الزيادة الموقوفة التي فيها قصة مجئ الرجل إلى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه صحيحة ، ولذا فقد صححها الحفاظ أمثال الطبراني والحاكم والهيثمي ، والحمد لله رب العالمين .
قال ابن أبي خيثمة في تاريخه ( كما في قاعدة في التوسل لابن تيمية ص106 ) .
حدثنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا حما بن سلمة ، أنا أبو جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة ، عن عثمان بن حنيف رضي الله تعالى عنه أن رجلاً أعمى أتى النبي (ص) فقال : إني أصبت في بصري فادع الله لي قال : ((اذهب فتوضأ وصل ركعتين ، ثم قل : اللهم إني أسألك واتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة يا محمد إني أستشفع بك على ربي في رد بصري ، اللهم فشفعني في نفسي وشفع نبيي في رد بصري ، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك )) . اهـ .
قلت : هذا سند غاية في الصحة .
وحماد بن سلمة ، ثقة ، حافظ علم .
ومع ذلك فقد أعل بوجود زيادة في المتن وهي : (( وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك )) ، بتفرد حماد بن سلمة بها ، وهي زيادة تفرد بها عن شعبة فتكون شاذة . زعموا … !
والجواب عن هذا : إن زيادة الثقة مقبولة مالم تقع منافية أو فيها نوع مخالفة لرواية الأوثق ، وقوله: (وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك) لا تنافي أصل الحديث أو تخالفه بل توافقه تماماً ، لأن الأصل العموم واستعمال الحديث في أي وقت .
وكون حماد غلط ظنُ مجرد لا حجة فيه ، وغاية ما في الأمر أنها زيادة ثقة ليس فيها نوع منافاة فهي مقبولة بلا ريب .
ونقول تبكيتاً للمتشددين : وإن لم تصح هذه الزيادة فالأولى جعل زيادة الثقات من باب الحديث الشاذ ، وبالله التوفيق .
وهذا الإمام الحافظ أبو حاتم ابن حبان يقول على زيادة تفرد بها حماد بن سلمة في الثقات (8/1) ما نصه :
هذه اللفظة … تفرد بها حماد بن سلمة وهو ثقة مأمون ، وزياد الألفاظ
عندنا مقبولة عن الثقات، إذ جائز أن يحضر جماعة شيخاً في سماع شيء ثم يخفى على أحدهم بعض الشيء ويحفظه من هومثله أو دونه في الإتقان .اهـ.
وهو كلام رصين ينبغي تعقله .
تنبيه :
ثم لا ينبغي أيضاً هنا أن يخلى المقام من بيان أن الألباني الذي يسارع برد هذه الزيادة بدعوى مخالفة حماد بن سلمة لراوٍ واحد فقط هو شعبة ، تجده يقبل مخالفة حماد بن سلمة لجماعة في موضع آخر فيقول في صحيحته (1/203 ) ما نصه :
وخالف الجماعة(1) حماد بن سلمة … فيحتمل أن يكون قد حفظ مالم يحفظه الجماعة . اهـ . نعوذ بالله من الهوى .
وعليه فزيادة رواية حماد بن سلمة ثابتة حتى عند من صنف لإنكارها، وهو الألباني، والحمد لله رب العالمين .
(1) قوله: (وخالف الجماعة) خطأ، بل تابعه الفزاري الإمام الثقة في عشرة النساء (ص90)، ثم ذكر أم حماداً يتأيد برواية ذكرها عن علي بن زيد وهذا أيضاً خطأ، فعلي بن زيد كأنه أخطأ فرواه بوجهين: وجه كرواية حماد، وآخر مخالفله في المسند (6/182). وليس المقصود التنبيه على هذه الأخطاء، ولكن المقصود ذكر عبارة الألباني، وأن زيادة حماد بن سلمة أولى بالقبول في حديث الأعمى .