الفهرس
- الحديث الثامن
- الحديث التاسع
- الحديث العاشر
- الحديث الثاني عشر
- الحديث الثاني عشر
- الحديث الثالث عشر
- الحديث الرابع عشر
- الحدديث الخامس عشر
- الحديث السادس عشر
- الحديث السابع عشر
- الحديث الثامن عشر
- العودة إلي كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة
الحديث الثامن
(من حج حجة الإسلام وزار قبري ، وغزا غزوة ، وصلى في بيت المقدس لم يسأله الله عما افترض عليه ) .
أخرجه أبو الفتح الأزدي في فوائده قال :
ثنا النعمان بن هارون بن أبى الدلهات، ثنا أبو سهل بدر بن عبد الله المصيصى، ثنا الحسن بن عثمان الزيادي، ثنا عمار بن محمد، حدثني خالى سفيان عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً به .
كذا في شفاء السقام (ص34) .
ولكن وقع فيه ابن عمر، والصواب ابن مسعود كما في اللسان (2/4)، والقول البديع (ص135)، وتنزيه الشريعة (2/175) .
أبو الفتح الأزدي صاحب الجزء هو حافظ شهور ضعفه جماعة، وبالغ فيه بعضهم بسبب روايته حديثاً اتهم به .
قال الخطيب في التاريخ(2/244) : وسألت محمد بن جعفر بن علان عنه فذكره بالحفظ وحسن المعرفة بالحديث وأثنى عليه ، فحدثني أبو النجيب عبد الغفار ابن عبد الواحد الأرموي قال : رأيت أهل الموصل يوهنون أبا الفاتح الأزدي جداً ولا يعدونه شيئاً . قال : وحدثني محمد بن صدقة الموصلي أن أبا الفتح قدم بغداد على الأمير – يعني ابن بويه – فوضع له حديثاً: أن جبريل كان ينزل على النبي (ص) في صورته . اقل : فأجازه وأعطاه دراهم كثيرة . أ . هـ .
وقال ابن كثير في "البداية" : (11/303) :
ضعفه كثير من الحفاظ من أهل زمانه واتهمه بعضهم بوضع حديث رواه لابن بويه ، حين قدم عليه بغداد، فساقه بإسناد إلى النبي (ص) : "أن جبريل كان ينزل عليه في مثل صورة ذلك الأمير" ، فأجازه وأعطاه دراهم كثيرة . اهـ .
وفي إسناده أبو سهل بدر بن عبد الله المصيصي قال عنه الحافظ الذهبي: … عن الحسن بن عثمان الزيادي بخبر باطل وعنه النعمان بن هارون . (الميزان : 1/300) .
وقال الحافظ بن حجر في ترجمته في اللسان (2/4): والخبر المذكور أخرجه أبو الفتح الأزدي في الثامن من فوائده فذكره الحافظ بإسناده .
وأورده السيوطي في "ذيل اللآلئ " ، فذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة تبعاً له . (2/175) .
وقال الحافظ السخاوي في القول البديع (ص135) : في ثبوته نظر .اهـ .
فالصواب – والله أعلم – أن الحمل في هذا الحديث على أبي الفتح الأزدي لا على المصيصي ، وقد قال الإمام السبكي عن المصيصي: ما
علمت من حاله شيئاً (شفاء السقام ص 34 – 35 ) .
وهل صح السند إلى المصيصي حتى تعلق التهمة به ؟
والحاصل: أن الحديث لا يصح وبعضهم حكم عليه بالوضع وفي المتن نكارة .
الحديث التاسع
(( من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني )) .
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (7/2480)، وابن حبان في "المجروحين" (3/73) ، والدارقطني في "غرائب مالك" ( كما في شفاء السقام ص 28)، والسهمي في "تاريخ جرجان" (ص217) .
جميعهم من طريق محمد بن محمد بن النعمان بن شبل قال : حدثني جدي، قال : حدثنا الك ، عن نافع ، عن ابن عمر به مرفوعاً .
وقد حكم عليه ابن الجوزي بالوضع (الموضوعات : 2/217) فأصاب في حكمه، ووافقه في هذا الحكم جماعة من الحفاظ .
فمحمد بن محمد بن النعمان بن شبل طعن فيه الدارقطني واتهمه (الميزان: 4/26) .
وجده النعمان بن شبل قال عنه موسى بن هارون: كان متهماً (الكامل: 7/2480)، وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/73): يأتي عن الثقات بالطامات، وعن الأثبات بالمقلوبات . اهـ .
فإذا قيل : قد قال ابن عدي في "الكامل" (7/2480) : ثنا صالح بن أحمد بن أبى مقاتل، ثنا عمران بن موسى الدجاجي، ثنا النعمان بن شبل وكان ثقة . اهـ .
أجيب بأن هذا التوثيق إما أن يكون من صالح بن أحمد أو من عمران ابن موسى الدجاجي، فإن كان من أولهما ، فهو ليس أهلاً له . وإن كان من ثانيهم فالرواية لا تصح إليه، فإن صالح بن أحمد بن أبي مقاتل هو المعروف بالقيراطي البزار شديد الضعف حتى قال عنه الدارقطني : متروك كذاب دجال ، وقال عنه ابن عدي: كان يسرق الحديث .
وعلى كلٍ فالحمل في هذا الحديث على محمد بن محمد بن النعمان أولى من الحمل على جده النعمان بن شبل وهو ما صرح به الدارقطني ، فقال فيما نقله عنه ابن الجوزي في الموضوعات (2/217) حيث قال :
الطعن في هذا الحديث من محمد بن محمد بن النعمان . اهـ .
والنعمان بن شبل قد ارتضاه ابن عدي في "الكامل " (7/2480) .
ويورى هذا الحديث بإسناد ساقط جداً .
ولعل محمد بن محمد بن النعمان سرقه من جده وركب له إسناداً نظيفاً عن مالك، عن نافع ، عن ابن عمر ، فقد أخرج أبو الحسن يحيى بن الحسن بن جعفر في أخبار المدينة (كما في شفاء السقام 39) من حديث النعمان بن شبل ، ثنا محمد بن الفضل عن جابر عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ص) :
(( من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن لم يزرني فقد جفاني )) .
قلت : هذا تالف .
والنعمان بن شبل تقدم الكلام عليه .
ومحمد بن الفضل هو ابن عطية العبسي الكوفي كذبه غير واحد من النقاد .
وجبر هو ابن يزيد الجعفي، حاله معروف في الضعف .
الحديث العاشر
(( من زار قبري حلت له شفاعتي ))
أخرجه البزار في مسنده (كشف الأستر : 2/57) .
حدثنا قتيبة ، ثنا عبد الله بن إبراهيم ، ثنا عبد الرحمن بن زيد ، عن أبيه عن ابن عمر عن النبي (ص) : (( من زار قبري حلت له شفاعتي ))).
قال البزار :
عبد اللع بن إبراهيم لم يتابع على هذا وإنما يكتب ما يتفرد به . اهـ.
وقال الهيثمي في المجمع (4/2): رواه البزار ، وفيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري ، وهو ضعيف . اهـ .
قلت : عبد الله بن إبراهيم الغفاري حاله أشد في الضعف . فقد قال عنه الحافظ في التقريب ( ص295) : متروك، ونسبه ابن حبان إلى الوضع . اهـ .
وشيخه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف ، أو ضعيف جداً أيضاً.
وكان ابن عدي حسن الرأي فيه ، وتقدم الكلام عليه .
والحاصل : أن هذا الحديث ضعيف جداً بهذا الإسناد .
الحديث الثاني عشر
(( من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي )) .
قال الإمام تقي الدين السبكي : رواه أبو الفتوح سعيد بن محمد بن إسماعيل اليعقوبي في جزء له فيه فوائد مشتملة على بعض شمائل سيدنا رسول الله (ص) وآثاره وما ورد في فضل زيارته ودرجة زواره (شفاء السقم ص34- 35 ) .
وأخرجه اليعقوبي من طريق خالد بن يزيد ، ثنا عبد الله بن عمر العمري، قال: سمعت سعيد المقبري يقول: سمعت ب هريرة رضي الله عنه يقول فذكره مرفوعاً .
في هذا الإسناد خالد بن يزيد أبو الهيثم العمري المكي كذبه أبو حاتم ويحيى بن معين، وضعفه جداً العقيلي ، وابن عدي ، وابن حبان وغيرهم.
الحديث الثاني عشر
(( من زارني ميتاً فكأنما زارني حياً ، ومن زتر قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحد من أامتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر )) .
أخرجه ابن النجار في الدرة الثمينة في فضائل المدينة (ص144) .
من طريق محمد بن مقاتل عن جعفر بن هارون عن سمعان بن المهدي عن أنس مرفوعاً به .
وهذا بعض من نسخة سمعان بن المهدي المكذوبة .
قال الحافظ الذهبي في الميزان (2/234) عن سمعان هذا :
ألصقت به نسخة مكذوبة رأيته قبح الله من وضعها . اهـ.
وقال الحافظ في "اللسان" (3/114) في ترجمة سمعن المذكور : وهي من رواية محمد بن مقاتل الرازي ، عن جعفر بن هارون الواسطى ، عن سمعن ، فذكر النسخة وهي من أكثر من ثلاثمائة حديث أكثر متونها موضوعة . وهذا هو عين السند المذكور أعلاه ومحمد بن مقاتل الرازي قال عنه الذهبي (4/47) :
تكلم فيه ولم يترك . اهـ .
وجعفر بن هارون الوسطي قال عنه الذهبي. أتى بخبر موضوع. اهـ.
ونسخة سمعان بن مهدي عن أنس من النسخ المشهورة بالوضع .
الحديث الثالث عشر
( رحم الله من زارني ، وزمام ناقته بيده ) .
هذا الحديث وضعه العوام ولا إسناد له ، وقد صرح الحافظ بن حجر بأنه مما لا أصل له .
وأقره تلميذه الحافظ السخاوي في الحسنة .
الحديث الرابع عشر
(( من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة )) .
هذا حديث موضوع ولا إسناد له ، صرح بذلك الإمام النووي في المجموع (8/209) ، وابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (ص402) .
وممن يحكم ببطلانه الزركشي ، والسيوطي ، وابن عراق في جماعة آخرين .
الحدديث الخامس عشر
(( من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى علي نائياً أبلغته )).
أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في الثواب ( كما في اللآلئ: 1/283).
حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الأعرج ، حدثنا الحسن بن الصباح ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة به مرفوعاً.
قال الحافظ السخاوي في القول البديع (ص154) : وسنده جيد كما أفاده شيخنا ( أي الحافظ بن حجر ) . اهـ .
وقد أصاب الحافظ في حكه ، فإسناد الحديث رجاله رجال الصحيح ما خلا شيخ أبي الشيخ الأصبهاني ، وهو عبد الرحمن بن أحمد بن أبي يحيى الزهري أبو صالح الأعرج المتوفي سنة 300 ترجمة أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات المحدثين بأصبهان (3/541) ، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/113) ، ولم يذكرا فيه جرحاً أو تعديلاً .
وقد روى عنه جماعة من أبو اليخ ابن حيان الأصبهاني الحافظ، فغاية ما في الرجل إنه مستور، وهو على شرط ابن حبان لكن لم أجده في ثقاته .
ومثل هذا الصنف من الرواة يقبل الجمهور حديثه مالم يخالف كما صرح الذهبي بذلك في ترجمة مالك بن الخير الزيادي .
وقال الذهبي في ترجمة زياد بن مليك (2/93) : شيخ مستور ما وثق ولا ضعف ، فهو جائز الحديث . اهـ .
وقال في ترجمة الربيع بن زياد الهمداني (2/40) : ما رأيت لأحد فيه تضعيفاً ، فهو جائز الحديث . اهـ .
وتوسع الزركشي فقال في المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر (ص69) :
قال أهل هذا الشأن : إن جهالة لراوي لا توجب قدحاً إذا كان من روى عنه ثقة ، فإن روايته عنه تكون تعديلاً له . اهـ .
الحاصل أن روية من كان هذا شأنه مقبولة ملم يخالف و يأت بمتن منكر ، ولا تجد هنا مخالفة ، ومتن الحديث ليس فيه نكارة .
فالحديث بهذا الإسناد مقبول ، وقد قال الحافظ أحمد بن الصديق الغماري في المداوي لعلل المناوى (6/277/1) إسناده نظيف.اهـ.
وقد صرح بن تيمية في الرد على الأخنائي (ص 134) أن الحديث صحيح المعني ، ولكنه تكلم في إسناده من وجه آخر باعتبار ما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وللحديث طريق آخر عن الأعمش .
أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/137)، والبيهقي في حياة الأنبياء (ص15) ، وفي شعب الإيمان (2/218) / والخطيب في التاريخ (3/291، 292) ، وابن الجوزي في الموضوعات (1/303) ، وغيرهم .
من طريق محمد بن السدي ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة به مرفوعاً .
قلت : في إسناده محمد بن مروان السدي متروك الحديث وكذب .
وقال العقيلي في الضعفاء : لا أصل له من حديث الأعمش وليس بمحفوظ ولا يتابعه إلا من دونه . اهـ .
وقال ابن كثير في "التفسير" (6/466) : في إسناده نظر تفرد به محمد ابن مروان السدي الصغير وهو متروك .اهـ .
النظر الذي ذكره ابن كثير هو بالنسبة لهذا الإسناد فقط ، فقد حكم على هذا الحديث بالوضع ابن الجوزي بالنظر للإسناد الذي فيه السدي ومن تبعه ، والحفاظ يحكمون على أحاديث صحيحة بالوضع من جهة إسناد معين ، وهذا معروف ، ونبه عليه شيخنا العلامة المحدث السيد عبد العزيز الغماري في "التبصرة بنقد التذكرة " (1) .
أما بالنظر لما للطريق الذي أخرجه أبو الشيخ في الثواب ، فالحديث جيد الإسناد كماصرح بذلك الحافظ ابن حجر ، واختلف فيه قول ابن تيميمة ، فحكم عليه بالوضع في الفتاوي (27/241) ، لكن قال : إسناده لين في إحدى رسائله في الزيارة (ص17) وقال في الرد على الأخنائي (ص134) : وإن كان معناه صحيحاً فإسناده لا يحتج به.
(1)وهو كتاب نقد فيه تذكرة الموضوعات لأبي الفضل ابن طاهر المعروف بابن القيسراني .
أنت خبير أن حكمه بالوضع فبالنظر لإسناد السدي الصغير فقط .
وإن تعجب فاعجب من ابن عبد الهدي رحمه الله تعالى الذي ذهب إلى أقصى التشدد ، فقال في صارمه (ص284) : وقد روى بعضهم هذا الحديث من رواية أبي معاوية عن الأعمش ، وهو خطأ فاحش ، وإنما محمد بن مروان تفرد به ، وهو متروك الحديث متهم بالكذب . اهـ .
ووجه العجب أنه جعل رواية السدي المتروك المكذب هي المحفوظة وسواء كان قد وقف على رواية أبي الشييخ أو لم يقف عليها،فإنه لم يأت بدليل يقيم صلب دعواه ، وما كان كذلك فإنه ينهار من أساسه، ثم محمد ابن مروان السدي لم يتفرد به كما يير إليه كلام العقيلي وكما يعلم من رواية أبي الشيخ الأصبهاني المتقدمة وهي قاطعة للنزاع ، ولعل ابن عبد الهادي لم يرد أن يخالف شيخه ابن تيمية .
وحاصل ما ذكر أن الحديث جيد الإسناد، ومن حكم على هذا الحديث بالوضع فلعدم وقوفه على رواية أبي الشيخ. وهذا الحديث بمفرده يرد دعوى ابن تيمية ومن شايعه من معاصريه كابن عبد الهادي ، ومن معاصرينا كالألباني، أن أحاديث الزيارة موضوعة، فما بالك إذا ضم للأحاديث المتقدمة ومنها الحسن ، والمشبه به ، والضعيف المنجبر ، وفق قواعد الحديث ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
الحديث السادس عشر
(ما من أحد يسلم علي، إلا رد الله علىي روحي حتى أرد عليه ).
أخرجه أحمد (2/527) ، وأبو داود (2/293) ، والبيهقي في السنن الكبرى (5/245)، وفي حياة الأنبياء (ص11) ، وفي الشعب (2/217)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/353) .
جميعهم من طريق أبي صخر حميد بن زياد، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: (ما من حدٍ يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام )).
أبو صخر حميد بن زياد قال عنه أحمد وابن معين: لا بأس به ، ووثقه الدارقطني ، وابن حبان ، وقال البغوي : مدني صالح الحديث .
وقال ابن عدي : وهو عندي صالح الحديث ، ووثقه ابن شاهين .
وضعفه يحيى بن معين في رواية وكذا النسائي .
وذكره الذهبي في جزء "من تكلم فيه ، وهو موثق" (ص73) .
ثم وثقه من اتفق الأئمة على قبول توثيقه والعمل بمقتضاه، فقد أخرج له مسلم في صحيحه .
فالرجل حسن الحديث على الأقل ، فلا تلتفت لتشغيب ابن عبد الهادي، فإنه جعل الاختلاف في إسم وكنية الراوي سبباً لرد حديثه،
ولو كان الاختلاف في الاسم والكنية سبباً لتضعيف الراوي لفتح باب جديد لتضعيف الرواة ، وعند ذلك فللعقلاء أن يقولوا : رحمة الله على الحديث وعلومه، فكم من راوٍ حتلف في اسمه وكنيته، وهو ثقة، وكم من راوٍ اتفق على إسمه وكنيته وهو ضعيف .
والحاصل أن حميد بن زياد حسن الحديث .
أما يزيد بن عبد الله بن قسيط فقد احتج به الجماعة ، ووثقه النسائي وبن حبان ، وابن عبد البر ، وغيرهم، وقال ابن معين : لا بأس به .
فالحديث حسن بهذا الإسناد . والله أعلم .
الحديث السابع عشر .
أخرج الحاكم في المستدرك (2/595) من طريق محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عطاء مولى أم حبيبة قال:
سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله (ص) : (ليهبطن عيسى بن مريم حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً، وليسلكن فجاً حاجاً أو معتمراً أو بنيتيهما ، وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه )) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وسلمه الذهبي .
وللحديث أوجه أخر ، ورجح هذا الوجه أبو زرعة الرازي في العلل (رقم2747) وهو حديث حسن على الأقل ، ولا يضر هنا عدم تصريح محمد بن إسحاق بالسماع لأنه توبع .
فللحديث طرق متعددة، وعطاء مولى أم حبيبة ، تابعي روى عنه إمام ثقة حافظ هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، فإذا ضممت له ذكر ابن حبان له في الثقات (5/201) وتصحيح الحاكم له ، ورواية النسائي له (4/164) فهو كافٍ لقبول حديثه ، إذأنه لم يأت بم ينكر عليه .
وتذكر كلمة الذهبي في الموقظة (ص81) : ومن الثقات الذين لم يخرج لهم في الصحيحين خلق منهم : من صحح له الترمذي وابن خزيمة، ثم: من روى لهم النسائي … اهـ .
فدونك كلمة الذهبي الذهبية ، وهي مرهم لعلل كثير من المعاصرين.
وحكم الألباني على عطاء مولى أم حبيبة بالجهالة في ضعيفته (3/647) خطأ وحكمه يضاً على هذه الزيادة ( وليأتين قبري .. الحديث )) بالنكارة خطأ ، لأن حديث بي هريرة في نزول عيسى بن مريم صحيح ، وله عنه طرق صحيحة بألفاظ مختلفة ، استوعبها شيخنا العلامة المحدث السيد عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله تعلى ونور مرقده في كتابه "عقيدة أهل لإسلام في نزول عيسى عليه السلام (من23–34) .
فيصعب مع طرقه المتشعبة وألفاظه المختلفة ، الحكم على هذه الزيادة بالنكارة إلا من متعنت .
ثم أعل الألباني في ضعيفته (3/647) الإسناد بعلة أخرى وهي عدم تصريح بن إسحاق بالسماع، وغاب عنه أن ابن إسحاق تابعه الثقة الثبت أبو صخر .
قال أبو يعلى الموصلي في مسنده (حديث رقم 6584) : حدثنا أحمد بن عيسى، حدثنا ابن وهب، عن بي صخر ، أن سعيداً المقبري أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله(ص)يقول: والذي نفس أبي القاسم بيده لينزلن عيسى بن مريم ، إماماً مقسطًا، وحكماً عدلاً ، فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليصلحن ذات البين ، وليذهبن الشحناء، وليعرضن عليه المال فلا يقبله ، ثم لئن قام على قبري فقال : يا محمد
لأجبته .
قلت : رجله ثقات ، أبو صخر هو حميد بن زياد الخراط ، من رجال مسلم ، وعدم ذكر عطاء مولى أم حبيبة في إسناد أبي يعلى لا يضر ولك هنا احتمالان :
الأول : أن لسعيد بن أبي سعيد المقبري شيخين في هذا الحديث .
الثاني : أن حديث الحاكم من باب المزيد في متصل الأسانيد . فتدبر.
وقال الهيثمي في المجمع ؛8/211) : رجاله رجال الصحيح .
والحاصل أن الحديث حسن على الأقل . خاصة مع وجود الطريق الذي في مسند أبي يعلى الموصلي ، ولم يقف عليه الألباني فقصر كلامه على الحديث في ضعيفته على إسناد الحاكم فقط فأخطأ .
ثم شهد شاهد من أهلها ، فالألباني مع سعيه المستميت في إنكار أحاديث الزيارة ولو بالتحاكم إلى تشدد وشذوذ ابن عبد الهادي ، رأيته أخيراً تنقض فأورد لحديث من رواية أبي يعلى الموصلي في صحيحته (2733) وقال عنه : وهذا إسناد جيد … إلخ
ثم قال بعد كلام : والجملة الأخيرة لها طريق أخرى عنه بلفظ :
"… وليأتين قبري حتى يسلم علي، ولأردن عليه … أخرجه الحاكم وصححه الذهبي وغيرهما من المتأخرين ، وفيه علتان بينتهما في الضعيفة تحت الحديث (5540) ، لكن لعله يصلح شاهداً للطريق الأولى . "
وإذا كان كذلك فهذاا مصير منه إلى تقوية ما ضعفه ، فعليه أن يخرج هذا القوي من ضعيفته .
ولكن م ذكرته آنفً لعله الصواب وهو : أن للحديث طريقاً واحداً ، وهو حديث حسن أو صحيح ، والله أعلم بالصوب .
وهذا الحديث وحده كافٍ لرد دعوى ابن تيمية رحمه الله تعالى ومن شايعه كابن عبد الهادي في زعم وضع أحاديث الزيارة، حتى وإن سلمنا بضعفه – وهو بعيد جداً – فم بالك إذ ضم للأحاديث المتقدمة . (1)
(1) وهذا الحديث القوي لم يذكره ابن عبد الهادي في الصارم المنكي وهو نص في استحباب الزيارة ، وقد ذكره مع شرحه شيخنا المحقق العلامة سيدي عبد الله بن الصديق الغماري في كتابه المفيد :الأحاديث المنتقاه في فضائل رسول الله (ص) " حديث رقم (41) ، فقال نور الله مرقده في بيان معناه (ص136-138) .
قوله (وليسلكن فجاً) بفتح الفاء طريقاً واسعاً أو اسم موضوع في طريق مكة حاجاً أو معتمرً ( وليأتين قبري حتى يسلم علي ) تحقيقا لتبعيته لي واتباعه لشريعتي ولأردن عليه السلام، واللام في ليهبطن، وليسلكن ، وليأتين ولأردن تدل على قسم مقدر ، أي والله ليهبطن والله ليسلكن والله ليأتيت والله لأردن ، فهذه الأفعال مؤكدة بشيئين القسم في أولها ونو التوكيد المشددة في آخرها ، وذلك غاية م يطلب في التوكيد كما لا يخفى ، ويؤخذ من الحديث أمور :
((الأول)) : فضيلة النبي (ص) لكون عيسى عليه السلام وهو رسول كريم من أولي العزم ينزل تابعاً له وملتزماً لشريعته ، قل العلماء : والحكمة في تخصيص نزوله الرد على اليهود حيث زعموا أنهم قتلوه وصلبوه ، وكذبوا في زعمهم ذلك .
((الثاني)) : إثبات نزول عيسى عليه السلام .
((الثالث)) : استحباب إتيان قبر النبي (ص) لزيارته والسلام عليه وهذا مما لا خلاف فيه ، قال القاضي عياض : وزيارة قبره (ص) سنة من سنن المسلمين مجمع عليها . اهـ .
الحديث الثامن عشر
(( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا )) .
حديث صحيح بل متواتر له طرق متعددة عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي الجعد الضمري ، وواثلة بن الأسقع ، والمقدام بن معدي كرب ، أبي أمامة ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم .
أما حديث أبي سعيد الخدري ، فأخرجه البخاري (3/63) ، ومسلم (2/976) ، والترمذي (2/148) ، وقال حسن صحيح وابن ماجه (1/452) ، وأحمد (3/34 ، 45،51) وأبو يعلى (2/338) والحميدي (2/330) ، وابن أبي شيبة في المصنف (2/274) ، وابن حبان في صحيحه (3/71)، والطحاوي في مشكل الآثار (1/242) ، والبيهقي في السنن الكبرى (10/82) ، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (2/221) ، وأبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (1/85)، والطبراني في المعجم الأوط (3/103) ، والخطيب في تاريخ بغداد (11/195) ، والواسطي في فضائل بيت المقدس (ص6) والبغوي في شرح السنة (2/336)، وغيرهم
من طرق عن قزعة بن يحيى ، عن أبي سعيد الخدري به مرفوعاً .
ولفظ البخاري وغيره :
(( لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم ، ولا صوم في يومين: الفطر والأضحى ، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب ، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، مسجد الحرام ، مسجد الأقصى، ومسجدي هذا )).
وله طريق ثاني عن أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد في المسند (3/53) ، وابن الجوزي في فضائل القدس (ص96) من طريق مجالد بن سعيد ، عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري به مرفوعاً .
مجالد بن سعيد ، وأبو الوداك هو جبر بن نوف فيهما مقال ، وحديثهما يصلح للإستشهاد به على الأقل .
وطريق ثالث أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2/ل2/2) من حديث عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري .
وعطية العوفي سبق تفصيل الكلام عليه عند الكلام على حديث: (( اللهم إني أسألك بحق السائلين )) .
وطريق رابع أخرجه عبد بن حميد في المسند (المنتخب رقم 949،وص 180 ) ، وتمام في فوائده ( الروض البسام 1/300) .
من طريق أبي هارون عمارة بن جوين العبدي ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به .
وعمارة بن جوين شديد الضعف ، وقال عنه الحافظ في التقريب : متروك .
وأخرجه بعضه من هذا الطريق أبو يعلى الموصلي في مسنده (2/372) .
وطريق خامس أخرجه أحمد في المسند ( 3/71) عن عكرمة مولى زياد عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به .
وثم طريق سادس فيه أخذ ورد أخرجه أحمد (3/64، 93) ، وأبو يعلى في مسنده (2/489) ، وكلاهما من طريق ليث ، وعبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب قال: أقبلت أنا ورجال من عمرة فمررنا بأبي سعيد الخدري، فدخلنا عليه فقال: أين تريدون ؟ قلت: نريد الطور، قال: وما الطور ؟ سمعت رسول الله (ص) يقول : (( لا تشد رحال المطي إلى مسجد يذكر اللغه غفغيه إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، وبيت المقدس …) الحديث .
فزاد شهر بن حوشب زيادة هي : ( إلى مسجد يذكر الله فيه أو إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة ) .
ومثل هذه الزيادة محل أخذ ورد بين المحدثين ، ومحدثي الفقهاء، والفقهاء و الأصح قبولها .
وممن قال بقبولها الحافظ بن حجر ، فقال في الفتح (3/65) : ويؤيده
ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال : سمعت أبا سعيد وذكرت عنده الصلاة في الطور، فقال: قال رسول الله(ص): (لا ينبغي للمصلي أن يشد رحال إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي )) .
وشهر حسن الحديث وإن كان فيه بعض الضعف … اهـ.
فهذا قول شيخ الفن ، وعلمه المفرد ، فانظر أيها المتبصر في اعتماد رواية شهر بن حوشب في شرح المراد من الحديث .
فانفراد شهر بن حوشب بهذه اللفظة لا يعني سقوطها وردها ، فالرجل حسن الحديث، كما صرح الحافظ، وغيره من الحفاظ، ومال إلى هذا الحافظ ابن الصلاح في صيانة صحيح مسلم (ص122) ، وقال الحافظ الذهبي في سير النبلاء (4/378) : والاحتجاج به مترجع . اهـ .
وأودعه - الذهبي - أيضاً في جزء من تكلم فيه وهو موثق" (ص100).
فإن تشددت غاية التشدد ، فإن هذه اللفظة التي انفرد بها شهر بن حوشب هي من قبيل الرواية بالمعنى وتفسير للحديث من أحد كبار علماء التابعين .
تنبيه :
حاول الألباني أن يسقط اللفظة التي انفرد بها شهر بن حوشب
بالكلية، فقال في إروائه (3/230) :
قوله: ((إلى مسجد)) زيادة في الحديث لا أصل لها في شيء من طرق الحديث عن أبي سعيد، ولا عن غيره فهي منكرة بل باطلة ، والآفة إما من شهر ، فإنه سيء الحفظ ، وإما من عبد الحميد وهو ابن بهرام ، فإن فيه كلاماً، وهذا هو الأقرب عندي، فقد رواه ليث عن شهر بدون الزيادة. اهـ.
قلت : كلامه فيه نظر :
1- فإن ما انفرد به شهر أو زاده على غيره لا يصح أن يقول الألباني عليه: لا أصل له، ثم يطلق البطلان على زيادته ، ثم يقول : والآفة من شهر ، نعم لا يصح أن يقال ذلك أيضاً ، فإن شهراً ما خالف مالكاً وشعبة وسفيان وأمثالهم ، وما خالف أمراً معلوماً مقطوعاً به .
ثم حديث الرجل يدور بين الحسن إما احتجاجاً أو استشهاداً فلا يكون مثله آفة أبداً .
على أن هذه اللفظة التي انفرد بها شهر يقبلها جمع من الفقهاء ومحدثيهم .
2- قوله : وإما من عبد الحميد وهو ابن بهرام ، فإن فيه كلاماً اهـ .
قلت: نع عبد الحميد بن بهرام فيه كلام لكن حديثه عن شهر بن حوشب مقبول كما نص على ذلك عدد من الحفاظ .
قال أحمد : أحاديثه عن شهر مقاربة .
قال ابن أبي حاتم عن أبيه : هو في شهر كالليث في سعيد المقبري ، قلت: ما تقول فيه؟ قال: ليس به بأس أحاديثه عن شهر صحاح لا أعلم روى عن شهر احاديث أحسن منها .
وقال أحمد بن صالح المصري : عبد الحميد بن بهرام ثقة يعجبني حديثه أحاديثه عن شهر صحيحة .
وعلى ذلك فالناقد المتيقظ لا يضعف حديثاً عن شهر بن حوشب رواه عنه عبد الحميد بن بهرام .
ومن فعل ذلك فقد أوتي من قلة اطلاع أو تعصب .
3- قوله : فقد رواه ليث ع نشهر بدون الزيادة . اهـ .
قلت : بل رواه بالزيادة المذكورة ليث ، عن شهر بن حوشب بطريق صحيح في مسند أبي يعلى الموصلي (2/489) ، وكان الأولى بالألباني إبقاء الاحتمال والتعلق به بدلاً من القطع والخوض في أحوال الأوهام، فالقول في هذه الزيادة هو قول الحافظ فلله دره ، والله أعلم .
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري (الفتح 3/63) ، ومسلم (2/1014) ، وعبد الرازق في المصنف (5/132) ، والحميدي في سنده (2/421) ، وأحمد في مسنده (2/234، 238، 501) ، والدرامي
(1/272) ، وأبو داود (2/528) ، والنسائي (2/37) ، وابن ماجه (1/452) ، وأبو يعلى (9/283) ، والبيهقي في السنن الكبرى (5/244) ، والخطيب في التاريخ (9/222) ، والبغوي في شرح السنة (2/337) .
جميعه من طرق متعددة عن أبي هريرة :
وله رواية منكرة عن أبي هريرة أخرجها الطبراني في الأوسط (2/ل11/أ) من طريق خثيم بن مروان عن أبي هريرة قال: قال: قال رسول الله (ص) : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الخيف، ومسجد الحرام ، ومسجدي هذا " .
قال الطبراني : لم يذكر مسجد الخفيف في شد الرحال إلا في هذا الحديث . اهـ . قلت : فيه ضعف انقطاع .
قال البخاري في التاريخ الكبير ( 3/210) : لا يتابع في مسجد الخيف ولا يعرف لخيثم سماع من أبي هريرة . اهـ .
وخيثم بن مروان ذكره ابن الجارد في الضعفاء ، قال العقيلي : لا يتابع على حديثه ، ولا يعرف إلا به، ووثقه ابن حبان، والحاصل أن هذه اللفظة : "مسجد الخيف" منكرة تفرد بها خثيم ، وهو ضعيف ، لم يسمع من أبي هريرة .
وأما حد يث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فأخرجه أحمد
(3/350)، والنسائي في السنن الكبرى (تحفة 2/341) وعبد بن حميد في المنتخب من المسند (رقم 1097 ، ص 197) ، وأبو يعلى في مسنده (4/182_183) ، وابن حبان في صحيحه (4/495) ، والطبراني في الأوسط (1/415 ) ، والحضرمي في تاريخ علماء مصر (ص107) ، وقاسم بن قطلوبغا في عوالي الليث (رقم 35) .
جميعهم من طرق عن الليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر به مرفوعاً .
وقال الطبراني في المعجم الأوسط : لم يرو هذا الحديث عن الليث إلا العلاء ابن موسى . اهـ .
وفيه نظر .
فقد تابع العلاء بن موسى آخرون هم : يونس بن محمد المؤدب في المسند ، وقتيبة بن سعيد في السنن الكبرى ، وعيسى بن يونس في صحيح ابن حبان ، وأحمد بن يونس في المنتخب من مسند عبد بن حميد ، والحضرمي في تاريخ مصر ، وكامل الجحدري في مسند أبي يعلى .
فالإسناد صحيح سواء انفرد به العلاء بن موسى أو تابعه غيره .
ولم ينفرد به الليث بن سعد، عن أبي الزبير .
فقد رواه عن أبي الزبير – فيما علمت – اثنان :
أولهما : ابن لهيعة أخرج هذه المتابعة أحمد في المسند (3/336) قال
ثنا حسن ، ثنا ابن لهيعة ، ثنا أبو الزبير ، عن جابر قال : قال سمعت رسول الله (ص) يقول: "خير ما ركبت إليه الرواحل مسجد إبراهيم عليه السلام ومسجدي " .
حسن هو ابن موسى الأشيب ثقة احتج به الجماعة .
وعبد الله بن لهيعة مدلس ، كان قد اختلط بعد احتراق كتبه ، وقد صرح بالسماع .
وثانيهما : موسى بن عقبة ، فقد أخرج البزار (كشف الأستار: 2/4) ، والطحاوي في مشكل الآثار (1/241) كلاهما من طريق عبد العزيز بن عبد الله الأويسي المدني عن عبد الرجمن بن أبي الزناد ، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله (ص) قال:
( خير ما ركبت إليه الرواحل مسجد إبراهيم عليه السلام ومسجد محمد (ص) ) ، هذا الإسناد صحيح .
وعبد الرحمن بن أبي الزناد من تكلم فيه ففي حديث غير المدنيين عنه فقط ، والراوي عنه هنا مدني ثقة .
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فأخرجه ابن حبان في الثقات (8/459) ، والطبراني في مسند الاميين (رقم 1538) ، والعقيلي في الضعفاء (3/256)، والضياء المقدسي في فضائل بيت المقدس (رقم 5).
جميعهم من طرق متعددة عن علي بن يونس البلخي العابد، عن هشام بن الغاز ، عن نافع ، عن ابن عمر عن النبي (ص) قال :
" لا تشد المطايا إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " .
وعلى بن يونس البلخي ذكره العقيلي في الضعفاء (3/256) وقال :
لا يتابع على حديثه . اهـ . وسكت عنه ابن أبي حاتم ، ووثقه ابن حبان ، وروى عن جماعة .
واعتمد الهيثمي توثيق ابن حبان لعلي بن يونس فقال في المجمع (4/3): رجاله ثقات . اهـ .
وله طريق آخر ع نابن عمر مرفوعاً بلفظ :
"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام، ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس " .
وشيخ الطبراني فيه هو أحمد بن محمد بن رشدين، فقال فيه مقال مشهور ، وبالغ بعضهم فيه فكذبه .
لكن الحديث جاء موقوفاً عن الن عمر من طرق أنظف من الطريقين المكورين بكثير .
فقد أخرج البخاري في التاريخ الكبير (7/204) ، وعبد الرازق (5/135) ، وابن أبي شيبة (2/373) . وعمر بن شبه في أخبار المدينة (كما في الصار المنكي ص 342 ) .
من حديث سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار، عن طلق بن حبيب، عن قزعة قال: سألت ابن عمر: آتي الطور؟ قال: دع الطور ولا تأتها وقال : لا تشدوا الرحال إلا ثلاثة مساجد .
وهذا الإسناد صحيح لا علة فيه .
وقد تابع ورقاء بن عمر سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، أخرج هذه المتابعة البيهقي في شعب الإيمان (8/106) .
وتابعه أيضاً ابن جريج ، أخرج هذه المتابعة الفاكهي في أخبار مكة (2/94) ، وعبد الرازق في المصنف (5/131) .
وقد خالف أصحاب ابن عيينة وهو جمع من الثقات الحفاظ أحمد بن محمد الأزرقي ، فرواه عن ابن عمر مرفوعاً كما في أخبار مكة لحفيده (2/64 – 65 ) .
فرواية الأزرقي شاذة لمخالفتها لجمع من الثقات .
وعليه فتصحيح الألباني لهذه الرواية الشاذة في أحكام الجنائز (ص 287) خطأ ظاهر .
وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
فأخرجه ابن ماجه (1/452) ، والطحاوي في مشكل الآثار (1/242)، والطبراني في مسند الشاميين (2/309) ، والفاكهي في أخبار مكة (2/99) ، ويعقوب بن سفيان الفسوي (2/295) .
جميعهم من طريق يزيد بن أبي مريم ، عن قزعة بن يحيى ، عن عبد الله بن عمرو به مرفوعاً وهذا إسناد صحيح .
ووقع عند ابن ماجه ، والطحاوي ، والطبراني في مسند الشاميين عبد الله بن عمرو مقروناً بأبي سعيد الخدري .
وأما حديث علي بن أبي طالب عبيه السلام :
فأخرجه الطبراني في الأوسط (8/ل 210/2) ، والصغير (1/173) ، ومن طريقه الضياء المقدسي في فضائل بيت المقدس (رقم 6 ) .
قال الطبراني في المعجم الصغير : حدثنا سلمة بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي ، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده سلمة بن كهيل الحضرمي ، عن حجية بن عدي ، عن علي عليه السلام مرفوعاً .
قال الطبراني : لم يروه عن سلمة إلا ابنة يحيى تفرد به ولده عنه . وأشار لهذه الغرابة الضياء المقدسي .
وهذا الإسناد شديد الضعف ، فإبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة ضعيف ، وأبوه وجده متروكان .
واقتصر الهيثمي في المجمع (4/3 ، 4 ) على إعلاله بالأول فقط فقال:
رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى الكهيلي ، وهو ضعيف . اهـ .
ومتن الحديث معروف من حديث أبي سعيد الخدري كما تقدم .
وأما حديث أبي الجعد الضمري رضي الله عنه فأخرجه البزار (كشف الأستار 2/4) ، والطحاوي في مشكل الآثار (1/244) ، والطبراني في المعجم الكبير (22/366)، والضياء المقدسي في فضائل بيت المقدس (رقم 5 ) .
جميعهم عن سعيد بن عمرو ، ثنا عبثر ، عن محمد بن عمرو ، عن عبيدة بن سفيان ، عن أبي الجعد الضمري به مرفوعاً .
رجاله ثقات رجال الصحيح .
وقد قال الهيثمي في المجمع (4/4) : رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح ورواه البزار أيضاً . اهـ .
وأما حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه فأخرجه الضياء المقدسي في فضائل بيت المقدس (رقم 7 ) من طريق أيوب بن مدرك الحنفي عن مكحول عن واثلة بن الأسقع به .
وقال الضياء المقدسي : لا أعلم أني كتبته من حديث واثلة إلا من هذا الوجه من رواية أيوب بن مدرك ، وهو من المتكلمين فيه اهـ .
وأيوب بن مدرك قال عنه ابن معين : ليس بشيء .
وقال مرة : كذاب، وقال أبو حاتم، والنسائي : متروك .
ومع ضعف أيوب بن مدرك، ففي الإسناد انقطاع ، فإن أيوب بن مدرك عن مكحول مرسل ( التاريخ الكبير: 1/423) .
فهذا الإسناد من قسم الواهيات .
وأما حديث المقدام بن معدي كرب ، وأبي أمامة رضي الله عنهما فأخرجه أبو نعيم الأصبهاني في الحلية (9/308) .
حدثنا سليمان ، ثنا موسى ، ثنا محمد بن المبارك ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن زيد بن زرعة عن شريح بن عبيد ، عن المقدام بن معدي كرب ، وأبي أمامة به مرفوعاص .
في هذا الإسناد ضعف ، وانقطاع .
أما الضعف فبسبب موسى وهو ابن عيسى بن المنذر هكذا وقع في ترجمة محمد بن المبارك الحمصي في حلية الأولياء مراراً .
وموسى بن عيسى قال عنه الحافظ في اللسان (6/126 – 127 ) :
روى عنه الطبراني ، وهو من قدماء شيوخه سمع منه قبل الثمانين ومائتين ، وكتب النسائي عنه فقال : حمصي لا أحدث عنه شيئاً ليس هو شيئاً . اهـ .
قلت : وقع سماعه في المعجم الصغير (2/109) ، سنة ثمان وسبعين ومائتين .
وأما الانقطاع فإن شريحاً لم يدرك أبا أمامة ولا المقدام .
قال ابن أبي حاتم الرازي سمعت أبي يقول : شريح بن عبيد الحضرمي لم يدرك أبا أمامة ، ولا الحارث بن الحارث ولا المقدام .
اهـ . ( المراسيل ص 90) .
وأما حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخرجه البزار في سنده البحر الزخار (1/291-292) .
قال : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن قال : نا حبان بن هلال وأملاه علينا من كتابه عن همام ، عن قتادة ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس ، عن عمر أن النبي (ص) : قال
" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، ومسجد الأقصى " .
قال البزار : وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه من هذا الإسناد ، وهو خطأإ أإتى خطؤه من حبان لأن هذا الحديث إنما يرويه همام وغيره عن قتادة ، عن قزعة ، عن أبي سعيد . اهـ .
قال الهيثمي في المجمع (4/4) :
رواه البزار ورجاله رجال الصحيح إلا أن البزار قال : أخطأ فيه حبان ابن هلال . اهـ .
وحبان ابن هلال (بفتح الحاء) ثقة ثبت متفق عليه لكنه خالف
أصحاب همام فجعله من مسند عمر بن الخطاب ، والصواب أنه من مسند أبي سعيد الخدري كما تقدم .
وهكذا رواه أصحب قتادة من وجوه .
نجز الكتاب بحمد الله تعالى ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق ، والخاتم لما سبق ، ناصر الحق بالحق ، والهادي إلى صراطك المستقيم ، وعلى آله الأكرمين في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك ، ورضي الله عن أصحابه والتابعين
وكتب
محمود سعيد بن محمد ممدوح
عفا الله عنه