الفهرس
الحديث السـادس (1)
حديث : (( من خرج من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمع وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك )) .
قال ابن ماجه في سننه ( 1 / 256 ) : حدثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم التستري، ثنا الفضل بن الموفق أبو الجهم، ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص):(من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعة وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك ) .
ورواه أحمد في المسند (3/21) عن يزيد بن هارون ، وابن خزيمة في التوحيد (17، 18) عن ابن فضيل بن غزوان وأبي خالد الأحمر .
(1) الكلا على هذا الحديث أفردته بجزء خاص مطبوع اسمه "مباحثة السائرين بحديث اللهم إني أسألك بحق السائلين ".
والطبراني في الدعاء (2/990 ) وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص40) كلاهما عن عبد الله بن صالح العجلي .
والبغوي في حديث علي بن الجعد (ل 262 نسختي) عن يحيى بن أبي كبير، ويزيد بن هارون، وأحمد بن منيع كما جاء في (مصباح الزجاجة) (1/99) عن يزيد بن هارون .
والبيهقي في (الدعوات الكبير) (ص47) عن يحيى بن أبي كبير .
كلهم عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه به مرفوعاً .
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (10/211-212) عن وكيع وأبى نعيم الفضل بن دكين كما في (أمالي الأذكار) (1/273) .
كلاهما عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري موقوفاً عليه، وهذا وجه مرجوح كما سيأتي بيانه عن شاء الله .
وإسناد هذا الحديث من شرط الحسن ، وقد حسنه جمع من الحفاظ منهم الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح (ص471_472) ، والحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ الحافظ المنذري كما في التريب والترهيب (3/273) .
والحافظ العراقي في تخريج أحاديث الحياء (1/291) .
والحافظ بن حجر العسقلاني في أمالي الأذكار (1/272) .
وقال الحافظ البوصيري في مصباح الزجاجة (1/99) : لكن رواه
ابن خزيمة في صحيحه، من طريق فضيل بن مرزوق، فهو صحيح عنده . اهـ .
فهؤلاء خمسة من الحفاظ ، رحمهم الله تعالى ، صححوا أو حسنوا الحديث وقولهم حقيق بالقبول، والوقوف عنده، والإذعان إليه، وسنبين للقارئ صواب مسلك الحفاظ المذكورين، ومن تبعهم، إن شاء الله تعالى، ولكن لا بد من ذكر ما أعل به الحديث، ثم الجواب عليه، بعون الله تعالى
فقد أعل الحديث بثلاث علل :
الأولى والثانية : بالكلام في فضيل بن مرزوق ، وعطية العوفي .
والثالثة : ترجيح الوقف على الرفع … كما زعموا .
فصـل
أما عن فضيل بن مرزوق فهو من رجال مسلم في صحيحه ، ووثقه جماعة من ا
لأئمة منهم :
العجلي في ثقاته (ص384) فقال : جائز الحديث ، ثقة .
ووثقه السفيانان : ابن عيينة ، والثوري .
وقال ابن عدي في الكامل (6/2045) : ولفضيل أحاديث حسان ، وأرجو أنه لا بأس به .
وقال أحمد بن حنبل كما في الجرح (7/75) : لا أعلم إلا خيراً .
وقال الحافظ الكبير الهيثم بن جميل : كان من أئمة الهدى زهداً وفضلاً . اهـ .
وهذا الثناء لا تجده إلا في الأفراد من الرجال .
ووثقه ابن شاهين بإدخله في الثقات (ص185) .
وكذا ابن حبان فذكره في الثقات ( 7 /316 ) .
ومع هؤلاء فقد وثقه من اتفق الناس على قبول توثيقه أعني الإمام مسلماً رحمه الله تعالى ، فأدخله في صحيحه ، واحتج به .
أما إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين فقد نقل عنه خمسة من أصحابه توثيقه لفضيل بن مرزوق فقال عثمان بن سعيد الدارمي عنه : لا بأس به .
وقال عباس الدوري عنه : ثقة .
وقال عبد الخالق بن منصور عنه : صالح الحديث .
وقال ابن محرز عنه : صويلح .
أما أحمد بن زهير بن أبي خيثمة فمرة قال : ثقة ، ومرة أخرى قال : ضعيف .
والتوثيق حقيق بالقبول لأنه موافق للروايات الأخرى عن ابن معين في الجملة لا سيما وهو موافق للآخرين .
فهؤلاء هم أئمة الجرح والتعديل قد عدلوه وقبلوا حديثه ، واحتج به مسلم في صحيحه في كلامهم هو المقبول .
فصـل
وأما من جرحه فقسمان :
الأول : قال الحاكم في (سؤالات مسعود السجزي) له : فضيل بن مرزوق ليس من شروط الصحيح فعيب على مسلم بإخرجه في الصحيح . اهـ .
قلت : هذا في نظر الحاكم وليس في نظر مسلم بن حجاج ، وقول مسلم مقدم على قول الحاكم في هذا الفن .
ثم إن كلام الحاكم لا يدل على الجرح في شيء ، وكم عاب الحاكم على الشيخين إخراجهما لحديث بعض الناس في صحيحهما ، فلم يلتفت إلى قوله كما تجد ذلك مبسوطاً في كتب المصطلح والرجال ، على أن الحاكم صحح لفضيل بن مرزوق في المستدرك (3/70) .
تنبيه :
قال الذهبي في سير النبلاء (7/342) : إنما يروي له مسلم في المتابعات . اهـ .
وتبعه المعلمي في تعليقاته على موضوعات الشوكاني (ص 353 )
تقليداً لا تنقيداً .
والثاني: قال أبو حاتم الرازي (7/75 الجرح): صدوق صالح الحديث يهم كثيراً يكتب حديثه ، قال ابن أبي حاتم : يحتج به ؟ قال: لا. اهـ.
قلت : لا يخفى تشدد أبي حاتم الرازي في الجرح حتى قال عنه الحافظ الذهبي – وهو من أهل الاسقراء التام في الرجال كما قال عنه الحافظ بن حجر –في سير أعلام النبلاء (13/81): ((يعجبني كثيراً كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل يبين عليه الورع والمخبرة : بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنه جراح . )) اهـ .
وقال الذهبي في السير أيضاً (13/260) : إذا وثق أبو حاتم رجلاً فتمسك بقوله فإنه لا يوثق إلا رجلاً صحيح الحديث، وإذا لين رجلاً أو قال: لا يحتج به فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم فإنه متعنت في الرجال قد قال في طائفة من رجال الصحاح : ليس بحجة ، ليس بقوي أو نحو ذلك . اهـ .
بل قال ابن تيمية في رسائله في الزيارة (ص88) : وأما قول أبي حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به فأبو حاتم يقول مثل هذا في كثير من رجال الصحيحين وذلك أن شرطه في التعديل صعب ، والحجة في اصطلاحه ليس هو الحجة في اصطلاح جمهور أهل العلم . اهـ .
وقال ابن الهادي في " التنقيح " :
((وقول أبي حاتم : لا يحتج به ، غير قادح أيضاً ، فإنه لم يذكر السبب ، وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح الثقات الأثبات من غير بيان السبب كخالد الحدذاء وغيره والله أعلم )) .
انتهى من نصب الراية (2/439 ) .
فإذا علم تشدد أبي حاتم في الجرح وهذا جواب عام ، فلقائل أن يقول: قد بين أبو حانم سبب جرحه لفضل بن مرزوق وهو قوله : ( يهم كثيراً) وابن حبان عندما ذكره في الثقات (7/316) أخذ كلمة أبي حاتم وقال : كان ممن يخطئ .
فمحله الجواب الخاص وهو : إن سلمنا لأبي حاتم قوله فإن الوهم الذي يقع في حديث الراوي الموثق لا يخرجه عن حد الثقة إلا إذا كثر الوهم في حديثه ولب عليه ، أما إذا كان الوهم قليلاً فلا يخرجه عن حد الثقة الذي يصحح حديثه ، ولكن لا يكون حديثه من الطبقة العليا من الحديث الصحيح بل من الطبقة الثانية لأنه كما هو مقرر فإن الحديث الصحيح ينقسم لأقسام ، ويعرف له درجات ومنهم من يدرج الحسن فيه كابن حبان ، وابن خزيمة وغيرهما .
فإن قيل هذا يسلم لك إن كان قليل الوهم وقد وصفه أبو حاتم الرازي بكثرة الوهم .
قلت : هذا من دلائل تعنته ، وتشدده ، وأوضح دليل على ذلك أن الأئمة الذين وثقوه وهم سفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل ، والهيثم بن جميل ، ومسلم بن الحجاج ، وابن عدي ، وابن شاهين ، لم يذكروا شيئاً عن أوهامه القليلة بله أوهامه الكثيرة .
فدل ذلك على وجود جهتين :
الأولى : سبعة من الحفاظ يقولون بتوثيق الرجل ولم يذكروا شيئاً عن أوهامه .
والثانية : حافظ خالفهم هو أبو حاتم الرازي يقول بوهمه الكثير .
فإعمالاً لجميع الأقوال في الرجل ، ولما عرف من تعنت أبي حاتم الرازي فلك أن تقول: إن الرجل ثقة، في حديثه بعض الوهم ، فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى أو صحيح ولكن ليس في الدرجة العليا من الصحة .
أما قول النسائي (ضعيف) فإنه من الجرح المبهم غير المفسر فيرد في مقبل التعديل الذي ورد في حق فضيل بن مرزوق عن عدد من الأئمة الحفاظ الذين تقدم ذكرهم .
على أن النسائي أخرج لفضيل بن مرزوق في سننه وهو المعروف بتشدده وتعنته في الرجال فتدبر .
وأما ابن حبان فإنه حامل راية التشدد والتعنت في الرجال ، فكم من ثقة أودعه كتابه (المجروحين) حاكماً عليه بالترك وعلى مروياته بالنكارة ،
وقد أتى بمالم يسبق إليه في الرجل فقال: (منكر الحديث جداً) وهو قولٌ شاذ لا يلتفت إليه ولا يعتمد عليه، بل ابن حبان نفسه خالف مقولته هذه فقال عقبها : كان ممن يخطئ على الثقات ويروى عن عطية الموضوعات وعن الثقات الأشياء المستقيمة فاشتبه أمره . اهـ .
قلت : هذا الكلام لا يفيد أن الرجل ثقة لا غير ، شأنه في الرواية كشأن سائر الثقات ، فالثقة إذا روى عن ثقة فحديثه مستقيم ، وإن روى من غير ثقة فحديثه غير ذلك فلا مدخل للثقة فيمن روى عنه ، وإذا كان الرجل يؤدي ما سمعه تماماً فهو من رسم الثقة، ثم قال ابن حبان: "والذي عندي أن كل ما يروى عن عطية من المناكير يلزق ذلك كله بعطية ويبرأ فضيل منها " .
قلت: إذا برئ الرجل من غلط غيره فلا بد من إخراجه من المجروحين وإدخاله في الثقات وهذا مالم يستطيع أن ينفك منه ابن حبان فأدخله في ثقاته (7/316) ، وهذا هو الأولى والصواب من قوليه لأنه الموافق لأقوال الجماعة وفيهم السفيانان ابن عيينة وابن معين ، وأحمد ، وأتبع ابن حبان توثيقه بقوله : ( كان ممن يخطئ ) ولم يأت بما يدل على خطئه لا في الثقات ولا في المجروحين كما سترى إن شاء الله تعالى .
ثم قال ابن حبان : ((وفيما وافق الثقات من الوايات عن الأثبات يكون محتجاً به ، وفيما انفرد على الثقات مالم يتابع عليه يتنكب عنها في الاحتجاج به )) اهـ .
قلت : حاصل هذا أن حديثه لا يقبل إلا بمتابع .
وهو معارض بقوله : (( هو يروى عن الثقات الأشياء المستقيمة )) فإن من يروي الأحاديث المستقيم عن الثقات ويكون هذا شأنه وديدنه وطريقته لا يحتاج للتوقف في أمره وأخذ ما وافق والتنكب عما انفرد به ، فإن من يتنكب عن حديثه إذا انفرد به هو الذي يغلط عن الثقات ، وإذا كان الرجل يأتي بالوجه الصحيح عن الثقات فمقتضى ذلك قبول حديثه لا التوقف فيما انفرد به والتنكب عنه ، وهذا التوقف والتنكب من دلائل تشدد وتعنت ابن حبان في الجرح رحمه الله تعالى .
ثم كأن ابن حبان يستدل على مقولته فقال : روى الفضيل بن مرزوق عن أبي سحاق عن زيد بن يثيع عن علي بن أبي طالب عن النبي (ص) قال: (إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة ، وإن تؤمروا عمر تجدوه قوياً )) .
قلت : لا شيء على فضيل بن مرزوق في هذا الحديث ، فالرجل لم ينفرد به من هذا الوجه ، بل تابعه إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي فيما أخرجه أحمد في المسند (1/109) وعبد الله بن أحمد في السنة ، وأبو نعيم في الحلية (1/64) ، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/251) وتابعه أيضاً إبراهيم بن هراسة و سفيان الثوري في الحلية (1/64) .
ومنه يعلم أن كلام ابن حبان في فضيل بن مرزوق غير مقبول ،
والحديث الذي تسرع وأتى به لا يساعده في دعواه بل يفيد إتقان الرجل وأنه لم ينفرد به بل وافقه غيره ، فتأمل .
والحاصل أن فضيل بن مرزوق إن لم يكن حديثه في أعلى درجات الصحة فإنه لا يقل عن درجة الحسن .
وكون الرجل حسن الحديث هو معنى قول ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (1/210) : هو ثقة وسط . اهـ .
وهو ما صرح به الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) (7/342) فقال : ما ذكره في الضعفاء البخاري ولا العقيلي ولا الدلابي وحديثه (( أي فضيل بن مرزوق )) في عداد الحسن . اهـ .
وأدخله الذهبي في كتابه ((من تكلم فيه وهو موثق )) (ص151) وهو يعني أن حديثه لا يقل عن رتبة الحسن ، بل أطلق الذهبي القول بتوثيقه في الكاشف (2/332) وليس هذا ببعيد عن رجل يوثقه الأئمة ويحتج به مسلم في صحيحه .
تتمة مهمة :
ضعف الألباني هذا الحديث بأمور منها تصريحه ، بضعف فضيل بن مرزوق، وقد دافع عن ذلك وتشدد فيه في ضعيفته (1/323)، ثم تناقض كعادته ، وحسن حديثه في صحيحته (3/128) فتأمل .
فصـل
أما عن العلة الثانية وهي الكلام في عطية بن سعد العوفي :
فمن تكلم على عطية فعلى قسمين :
الأول : قسم أبهم الجرح ، ولم يفسره .
الثاني : قسم آخر ذكر سبب جرحه ، وهؤلاء كلامهم في عطية العوفي يرجع إلى ثلاثة أسباب ، هي :
1- تدليسه .
2- وتشيعه .
3- وروايته شيئاً أنكر عليه .
أما الجرح المبهم فينبغي رده وعدم الالتفات إليه ولو بلغ مبلغاً كبيراً، لأنه تقرر في قواعد علوم الحديث أن الراوي الذي جاء فيه جرح وتعديل وهذا الجرح مبهم غير مفسر ينبغي رده وعدم العمل به وترك الالتفات إليه وبالتالي الأخذ بالتعديل الذي جاء في الراوي هو الصحيح، وقد استقر العمل عند المحدثين على هذا .
وأما من جرحه بسبب تدليسه ، وهم الأكثرون ، فاعتمادهم في ذلك على رواية تفرد بها تالف ، متهم بالكذب، هو محمد بن السائب الكلبي لا ينبي الاعتماد عليه ، وقد توارد كثرة على ذلك تقليداً لا تنقيداً .
ومن تكلموا فيه بسبب تشيعه فجرحهم في الحقيقة مردود لأن الجرح
بالبدعة لا يلتفت ليه بعد بيان صدق الراوي وعدالته خاصة إذا لم يكن داعياً لبدعته أو المروي يؤيد بدعته ، ولم يثبت أن عطية العوفي كان داعياً للتشيع ، والحديث المروي هنا الذي نحن بصدده لا علاقة له بالتشيع ، وعليه فكلام من تكلم في عطية العوفي بسبب تشيعه لا ينظر إليه ، خاصة إذا كان هذا المتكلم فيه متهم بالنصب وهو ضد التشيع .
وأما الكلام فيه بسبب روايته شيئاً أنكر عليه فلم أجد له فيما وقفت عليه من كتب الرجال شيئاً من ذلك إلا حديثاً واحداً فقط ذكره ابن عدي ، والقول فيه قول عطية ، والصواب هو حديثه كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، حتى وإن لط عطية العوفي في الحديث الذي ذكره له ابن عدي فهذا لا يفيد تضعيفه وإسقاط حديثه ، فليس معنى كون الراوي مقبول الحديث ان تكون مروياته كلها صواباً هذا بعيد جداً عن الواقع ، لأن الإنسان عامد للنسيان وتغلب عليه الطبيعة البشرية، ولذا لا تجد إماماً مهما علا قدره وقوي حفظه لا يهم في حديثه ، ولكن إذا كان صوابه أكثر من خطئه كان مقبولاً وإلا فلا .
والحاصل أن ثبوت بعض الأخطاء في حديثه عطية العوفي لا يضره في جنب ما روى ، خاصة أنه كان مكثراً والله تعالى أعلم بالصواب.
وهذا الكلام المجمل ينبغي بيانه في الفصول التالية :
فصـل
جرح الأكثرون عطية العوفي بسبب روايتهم تدليسه تدليس الشيوخ .
قال ابن حبان في المجروحين (2/176) :
سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه ، فإذا قال الكلبي : قال رسول الله كذا فيحفظه وكناه أبا سعيد ويروي عنه، فإذا قيل له من حدثك بهذا ؟ فيقول: حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري وإنما أراد الكلبي . اهـ .
وقد اعتمد من اتهم عطية العوفي بتدليس الشيوخ على الآتي :
قال عبد الله بن أحمد ، سمعت أببي ذكر عطية العوفي فقال: هو ضعيف الحديث، بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول : قال أبو سعيد : قال أبي : وكان هشيم يضعف حديث عطية .
وقال عبد الله بن أحمد : حدثنا أبي ، ثنا أبو أحمد الزبيري ، سمعت الثوري قال : سمعت الكلبي قال : كناني عطية بأبي سعيد .
وسمعت أبي يقول : كان سفيان الثوري يضعف حديث عطية العوفي . اهـ .
كذا في العلل ومعرفة الرجال (1/122) ، والجرح والتعديل (6/383 ) وضعفاء العقيلي (3/359) ، والكامل لابن عدي (5/2007) .
وفي المجروحين لابن حبان (2/177) : سمعت مكحولاً يقول : سمعت جعفر ابن أبان يقول : ابن نصير يقول قال لي أبو خالد الأحمر قال لي الكلبي : قال عطية كنيتك بأبي سعيد قال : فأنا أقول حدثنا أبو سعيد . اهـ .
فأنت أيها القارئ المنصف إذا نظرت بعين الناقد المتجرد تجد أن أحمد قد ضعف عطية العوفي ثم ذكر مستنده في تضعيفه وهي حكاية الكلبي وهي سبب كلام هشيم في عطية .
وحكى أحمد تضعيف الثوري لعطية بعد أن أسند البلاغ من طريق الثوري ، فحكاية الكلبي هي أصل مستند الثوري أيضاً في تضعيفه عطية العوفي .
وقد أدخله ابن حبان في المجروحين (2/176) اعتماداً على كلام الكلبي ولم يذكر شيئاً آخر يتكئ عليه إلا هذه الحكاية، ولم تفته المبالغة في الجرح كعادته رحمه الله تعالى .
وها الذي اعتمدوا عليه فيه نظر ولا يصح سنده ، لأن مداره على محمد بن السائب الكلبي وحاله معروف فهو تالف متهم بالكذب، فالسند الذي يكون فيه ذلك الرجل لا ينظر إليه ولا يعتمد عليه في شيء ، ومع ذلك فقد سارت الركبان بمقولته التالفة وتوارد البعض على حكايتها ، والكمال لله تعالى والمعصوم هو رسوله (ص) .
وإن تعجبت من اعتماد البعض على هذه الرواية الساقطة في رمي
عطية العوفي بتدليس الشيوخ فاعجب أكثر لتوارد الكثير على هذا الجرح المردود ، فصار هؤلاء خلف المعتمدين على هذه الرواية الساقطة تقليداً لا غير .
ومع كون قولهم جاء عارياً عن الدليل فإنهم لم يذكروا ما يؤيد دعواهم ويقيم صلب مستندهم ولو وجدوا شيئاً لذكروه خاصة المتأخرين منهم ، ولما لم نجد لك علم أن من تأخر قلد المتقدم وحصل التوارد على الخطأ ، وهذا له نظائر كثيرة في كتب الرجال ، فالحمد لله على توفيقه .
ولم أجد من تنبه لهذا الخطأ من أهل الحديث إلا اثنين .
أولهما : الحافظ البارع أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي حيث قال في شرح علل الترمذي (ص471) بعد نقله أصل الحكاية عن العلل للإمام أحمد ما نصه :
ولكن الكلبي لا يعتمد على ما يرويه . اهـ .
ثانيهما : الحافظ السيد أحمد بن الصديق الغماري ، فقال في الهداية في تخريج أحاديث البداية (6/172) في أثناء كلام له عن عطية العوفي :
وإنما نقلوا عنه التدليس في حكاية ما أراها تصح مع الكلبي . اهـ .
وقد تقعقع الألباني كعادته فشنع في توسله (ص94-98) على عطية العوفي بسبب هذه الرواية التالفة وشنع على من حسن الحديث ، وهو كلام لا يلتفت إليه ، ولا يشتغل برده لما علمت من حال هذه الرواية التي هي عمدة ورأس مال من اتهمه بالتدليس ، والله المستعان .
فصـل
قال صاحب الكشف والتبيين (ص50 ) تعقيباً على كلام ابن رجب الحنبلي :
أما أن الكلبي لا يعتمد على ما يرويه فهذا صحيح لكن … ليس له شأن هنا إذ أن العلماء الذين ذكروه بهذا النوع من التدليس القبيح لم يعتمدوا فقط على قول الكلبي عن عطية وتكنيته له وإنما اعتمدوا ذلك بناء على سبرهم مروياته وتنقيدهم لروايته . اهـ .
قلت : هذا كلام متناقض فإنه يسلم بعد الاعتماد على الكلبي ، ثم ينفي أن له شأناً هنا ثم يثبت عكس ذلك فيصرح بان العلماء الذين ذكروا عطية بالتدليس لم يعتمدوا على قول الكلبي فقط ولكن على سبرهم مروياته أيضاً فهذا يعني أنهم يعتمدون عبى قول الكلبي وغيره فهو ينفي أمراً ثم يثبته ويتناقض كعادة شيخه ، هذه واحدة .
والثانية : من ذكر تدليس الشيوخ عن عطية العوفي ، وتكنيته للكلبي بأبي سعيد اعتمد فقط على رواية الكلبي فهذه كتب الرجال بين أيدينا لم تذكر إلا الرواية التي فيها الكلبي المتهم بالكذب فقط، ولم تشر لأي شيء آخر من مرويات عطية العوفي، فكيف يقول هذا عن الكلبي: ليس له شأن هنا ؟!
الثالثة : إن هذه دعوى لا دليل عليها ولا مستند لها ، وكل ما كان
حاله كذلك فهو مردود لا ينظر إليه لأن الله عز وجل يقول: { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }.
فمن لم يأت ببرهان على دعواه فكلامه فيه نظر .
الرابعة : قوله : وإنما اعتمدوا ذلك بناء على سبرهم مروياته وتنقيدهم لرواياته . اهـ .
قلت : لما لم يصرح أحد بمقولته دل ذلك على أنه اعتمد على ظن مرجوح ، والظن لا يغني من الحق شيئاً ، ومن الأدلة على كونه ظناً أنه لو كان معه شيء يؤيد دعواه لأبرزه ليؤيد قوله وينصر رأيه ، فلما لم يفعل دل أن هذا من باب أكذب الحديث والله أعلم .
ولك أن تقول : إن كلامهم في تدليس عطية الكوفي لو كان معتمداً على سبر مروياته لأبرزوا ذلك ، وبينوه ، وتداولوه في كتب الرجال والتاريخ ، وكأنك لا تجد مثالاً واحدأ يسعف صاحب الدعوى ، فلما لم تصح الدعوى رجع ذلك إلى رواية الكلبي فقط .
الخامسة : تدليس الشيوخ لا يعرف إلا بنص ، فكون عطية العوفي كنى الكلبي بأبي سعيد حتى لا يتميز عن أبي سعيد الخدري هذا أمر يحتاج إلى توقيف ولا عبرة إلا به ، فسبر المرويات لا يفيد شيئاً في ذلك ما لم يكن معه نص في حكاية التكنية .
السادسة : هذه إحالة على مجهول ، ومحاولة ثبات التدليس القبيح
دفعاً بالصدر لا غير ، ولو صحت هذه الطريقة فرحمة الله عز وجل على الحجة والبرهان والدليل ، فمثله كمثل رجل اعتمد على حديث مكذوب في إثبات أمر ما، فلما حاجه غيره وبين له كذب ما اعتمدت عليه وافق هذا الرجل من حاجه، ولكنه يريد أن يثبت الأمرالذي في ذهنه فقال لمن حاجه: أسلم لك بكذب ما اعتمدت عليه لكن هناك أدلة أخرى وسكت ، ولو علمها لأبرزها .. !!!
وبهذه الطريقة يمكن إثبات كل باطلٍ ومنكرٍ والاعتماد على الموضوعات ، والله المستعان .
السابعة : قد تقرر أنه لا ينسب لساكت قول وقد سكتوا عما سوى رواية الكلبي ، فمن نسب للحفاظ غير حكاية الكلبي يكون قد نسب للساكت قولاً ، وقول الناس مالا يقولوه ، والله المستعان .
تنبيه :
قال الألباني في توسله (ص95) بعد ذكر تنكية عطية للكلبي وهو تالفة كما تقدم (( وهذا وحده عندي يسقط عدالة عطية هذا )) اهـ .
قلت : هذا خطأ لأمرين :
الأول : قال الحافظ السيوطي في تدريب الراوي (1/ 231) :
من أقسام التدليس .. إعطاء شخص اسم آخر مشهور تشبيهاً ، ذكره ابن السبكي في جمع الجوامع قال: كقولنا أخبرنا إبو عبد الله الحافظ
يعني الذهبي تشبيهاً بالبيهقي حيث يقول ذلك يعني به الحاكم .. وليس ذلك بجرح قطعاً لأن ذلك من المعاريض لا من الكذب ،قال الآمدي في الإحكام ، وابن دقيق العيد في الاقتراح . اهـ .
الثاني : ما ذكر من تكنية عطية العوفي للكلبي ، فعل نحوه جماعة من الأعيان العدول .
قال ابن حبان في المجروحين (2/253) : محمد بن السائب الكلبي ، كنيته أبو النضر، من أهل الكوفة ، وهو الذي يروي عنه الثوري ، ومحمد ابن إسحاق ويقولان : حدثنا أبو النضر حتى لا يعرف . اهـ .
قلت : ومن شيوخهما سالم بن أبي أمية المكني بأبي النضر ، وهو تابعي ثقة احتج به الجماعة كما في التهذيب (3/431) .
وكان هشيم بن بشير الواسطي الحافظ الثقة – وهو من المتكلمين في عطية العوفي – يفعل ذلك .
قال يحيى بن معين : لم يلق أبا إسحاق السبيعي ، وإنما كان يروي عن أبي إسحاق الكوفي ، وهو عبد الله بن ميسرة وكنيته أبو عبد الجليل فكناه هشيم كنية أخرى . اهـ . من التهذيب (11/63) .
قلت : عبد الله بن ميسرة ضعيف .
وقال ابن أبي خيثمة ، عن ابن معين : كان مروان يغير الأسماء يعمي الناس كان يحدثنا عن الحكم بن أبي خالد، وإنما هو حكم بن ظهير.اهـ.
قلت : ومروان هو ابن معاوية الفزاري الثقة الحافظ وفي التقريب (6575): ثقة حافظ ، وكان يدلس أسماء الشيوخ ، والحكم الذي يدلسه متروك متهم ، وابن معين مع ذلك يقول عن مروان : ثقة .
فهؤلاء أربعة ، من كبار أعيان الحفاظ ، يدلسون تدليس الشيوخ عن الضعفاء ، وأنت أيها المنصف تقول بعدالتهم ، ولا تستطيع أن تنفك عن هذا القول .
فإذا تكلمت بعد ذلك في عطية العوفي وقلت : بسقوط عدالته فقد تخبطت وبعدت عن الإنصاف .
فصـل
أما من تكلموا فيه لتشيعه كالجوزجاني فإنه قال في (أحوال الرجال ص65 ) : مائل . اهـ .
والجوزجاني كان معروفاً بالنصب مشهوراً به – وكتابه ماثل بين أيدينا – حتى قال عنه الحافظ في مقدمة اللسان ( 1/16 ) :
الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب،وذلك لشدة انحرافه في النصب ،وشهرة أهلها بالتشيع . اهـ .
على أن قول الجوزجاني هذا مع سخافته ، وسقوطه ، هو في حقيقته توثيق لعطية العوفي ، لأنه لما لم يجد شيئاً في حديث العوفي ، وكان الرجل كوفياً شيعياً ، لم يجد ما يذكره به إلا تشيعه فقال : (مائل) ، ولو وجد
الجوزجاني شيئاً لسارع بإظهاره لشدة عدواته لأهل الكوفة(1) .
والنواصب مجروحون بقوله (ص) لعلي عليه السلام: ( لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ) . ففض يديك من جرح النواصب تسلم ، وهم أولى بالجرح قطعاً .
تنبيه :
نقل العقيلي في الضعفاء (3/359) عن سالم المرادي أنه قال : كان عطية العوفي رجلاً متشيعاً .
وأورد الذهبي في الميزان (3/79) قول المرادي .
وهي كلمة لا تفيد جرحاً البتة .
فالمرادي هو ابن عبد الواحد الكوفي ، ليس هو من الحفاظ ، ولا من النقاد الذين يقف المرء عند قولهم في الجرح والتعديل ، وهو أيضاً شيعي كعطية العوفي ، بل عطية العوفي من مشايخه فهو بعيد جداً عن نقد عطية العوفي .
وقد أوردت هذا التنبيه تعقيباً على الشيخ حماد الأنصاري حيث عد سالماً المرادي من النقاد المضعفين لعطية العوفي في رسالته "تحفة القاري في الرد على الغماري" (ص64) .
(1)في ترجمة مصدع المعرقب في تهذيب التهذيب (10/157) قال الحافظ إنما قيل له المعرقب لأن الحجاج أو بشر بن مروان عررض عليه سب علي فأبى فقطع عرقوبه .اهـ . وهو من رجال مسلم ، والأربعة ، ووثقه العجلي ، ومع ذلك قال عنه الجوزجاني في أحوال الرجال (249) : "كان زائغاً حائداً عن الطريق" . فقل لي بربك من الأولى بالجرح هنا ؟
وكلامه خطأ من وجهين :
الأول: أن (سالماً المرادى) ليس من النقاد ، بل هو يحكي أمراً في عطية فقط .
الثاني: أن كلامه ليس من الجرح في شيء ، فكيف يعده الشيخ حماد الأنصاري من المجروحين لعطية العوفي، وكأن الشيخ حماداً الأنصاري يريد أن يحشد المجروحين لعطية بدون تأمل .
وكذا قول الساجي في عطية العوفي كما في التهذيب (7/226) ليس بحجة وكان يقدم علياً على الكل . اهـ .
فإن الساجي كان بصرياً ، والبصريون كثر فيهم النصب ، قال الحافظ في اللسان (4/439) : النصب معروف في كثير من أهل البصرة . اهـ .
وهم يفرطون فيمن يتشيع لأنهم عثمانيون ، وخاصة فيما كان بين أظهرهم كذا في التهذيب (7/413) .
والساجي رحمه الله تعالى كان شديداً متصلباً ، فجرحه للكوفيين ينبغي التدقيق فيه ، فإنه قد يجرح الرجل بسبب مذهبه كما حدث لعطية العوفي هنا فإنه قال عنه: ليس بحجة، ثم أبان عن سبب قوله فقال : وكان يقدم علياً على الكل (1) .
(1) وهذا مذهب عددٍ من الصحابة ، ذكرهم ابن عبد البر في الاستيعاب أثناء ترجمته لعلي عليه السلام ، وفاته جماعة منهم ( أبو جحيفة ) انظر ترجمته في أسد الغابة ، وإن شئت التحقيق فعليك "بالبرهان الجلي في تحقيق انتساب الصوفية إلى علي أو علي إمام العارفين" لحافظ العصر السيد أحمد بن الصديق الغماري ، رحمه الله تعالى ، وفيه تحقيقات ونكات وفوائد نادرة ، وهو مطبوع بمصر .
وإذا كان الرجل شيعياً يقدم علياً على الكل ، فلا بد أن يجرح عند المخالف لقوله ولا يكون حجة عنده .
على أن الجرح بالتشيع وغيره مردود لا يلتفت إليه ، فالعبرة بصدق الراوي لا بمذهبه، فكم من الرواة الشيعة والنواصب والخوارج وغيرهم قد أخرج حديثهم في الصحيحين وقد استقر الأمر على ذلك(1) .
ومما زاد في جرحهم لعطية أنه كان محباً لعلي بن أبي طالب عليه السلام(2) بحيث عرض النواصب عليه سبه فأبى ، وكان هذا ينبغي أن يحسب له ، ولكن للنواصب شدةً وصولةً .
قال ابن سعد في الطبقات (6/403) :
خرج عطية مع ابن الأشعث ، فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم أن يعرضه على سب علي فإن لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته ، فاستدعاه فأبى أن يسب ، فأمضى حكم الحجاج فيه . اهـ .
(1) انظر للكلام على قبول رواية المبتدع كتاب "فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي" للحافظ السيد أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى ، ففيه فوائد ومناقشات قد لا توجد في غيره .
(2) السلام على آل البيت دأب كثير من المتقدمين خاصة المحدثين وقد قال الله تعالى : (سلام على إل ياسين ) وآل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالسلام عليهم ، وقد ذكرت في جزء ( بشارة المؤمن بتصحيح حديث اتقوا فراسة المؤمن ) بعض النقول في ذلك ، وهي غيض من فيض ، فلا تلتفت لتشغيب النواصب ومن تأثر بهم .
فانظر إلى جلد الرجل وحبه لعلي كرم الله وجهه ، وقد صح أن رسول الله (ص) قال لعلي رضي الله تعالى عنه : ( لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ) .
نعوذ بالله من النواصب الذين وضعوا القواعد التي تخدم مذهبهم ، وقل لي بربك من الأولى بالجرح ، لا شك أن الناصبي المنافق هو المجروح والمخذول .
فصـل
أما من تكلم فيه بسبب روايته شيئاً أنكر عليه، فلم أجد من صرح بذلك عند ترجمته لعطية العوفي إلا أن ابن عدي أورد حديثاً واحداً في ترجمته من الكامل (5/2207) الذي جاء بدليل يؤيد دعواه التي أشار إليها ولم يصرح بها .
قال ابن عدي: حدثنا أبو العلاء محمد بن أحمد الكوفي بمصر، ثنا محمد بن الصباح الدولابي ، ثنا إبراهيم بن سليمان بن رزين وهو أبو إسماعيل المؤدب ، ثنا عطية العوفي في سنة عشر ومائة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (ص) :
(( إن أهل عليين ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري بالأفق ، وأن أبا بكر وعمر منهم ، وأنعما )) .
قلت : حديث أبي سعيد الخدري أصله في الصحيحين (الفتح : 6/230) ، ومسلم (4/2177) ولفظه :
( إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم)، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: (بلى والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ) .
وأخرجه أحمد في المسند (3/27،50،93) ، وفي فضائل الصحابة (1/49)، وأبو داود (4/48)، والترمذي (تحفة 10/141-142)، وابن ماجه (1/37) ، والحميدي (2/333) ، وعبد بن حميد في المنتخب (ص170) ، وأبو يعلي الموصلي (2/369،400 ) ، وابن أبي عاصم في السنة (2/616) ، وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي في جزء الفضائل (ص200) ، وانظر علي بن الجعد (ل259 وما بعدها نسختي) كلهم من طريق عطية ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بما رواه ابن عدي .
وكأن ابن عدي أنكر على عطية العوفي هذه ( وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ) فإن أصل الحديث في الصحيحين كما تقدم .
قلت : هذه الزيادة ثابتة ولم ينفرد بها عطية العوفي ، فقد أخرجه أحمد في المسند (3/26)، وفي فضائل الصحابة (1/69) ، وأبو يعلي في مسنده (2/416) من طريق مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري به
مرفوعاً .
مجالد فيه كلام لكن تابعه غير واحد من الثقات ، وأبو الوداك تابعي ثقة .
وبعد ثبوت الزيادة المذكورة تبين لك أن جرح عطية العوفي من هذا الباب دعوى تحتاج لدليل .
ثم حديث آخر ففي المطبوع باسم (التاريخ الصغير) للبخاري (ص124) ما نصه :
قال أحمد في حديث عبد الملك عن عطية عن أبي سعيد قال النبي (ص) (( تركت فيكم الثقلين ))(1) ،أحاديث الكوفيين هذه مناكير . اهـ .
قلت : النكارة لها معان :
أحدها : مرادفة الشاذ .
ثانيها : مخالف الضعيف لمن هو أوثق منه .
ثالثها : تفرد الضعيف الذي لا يحتمل تفرده ولا يوجد من يتابعه أو يشهد له .
رابعها : كون المتن غريباً ومخالفاً للأصول مع ركاكة الألفاظ .
خامسها : مطلق التفرد ولو بوجه من الوجوه .
أما عن الأول : وهو مرادفته للشاذ ، فلم يخالف عطية العوفي أحداً لا في متن ولا في إسناد .
(1) وهو حديث متواتر .
وعن الثاني : فمثله .
وعن الثالث : فالحديث ليس فرداً فلا ينطبق عليه .
وعن الرابع : فإنه منتف تماماً هنا فلا تعارض بينه وبين يره بل هو مفيد للعلم .
فلم يبق إلا الوجه الخامس : وهو مطلق التفرد من جهة عطية عن أبي سعيد الخدري وهذا الوجه يجب أن يحمل عليه قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى .
فصـل
قول أبي زرعة : كوفي لين ، وقول أبي حاتم الرازي : ضعيف يكتب حديثه .
هذا من الجرح المبهم غير المفسر ، فهو يرد كما تقرر في قواعد الحديث، وكما استقر العمل على ذلك، والأخذ في مقابل ذلك بالتعديل الوارد في عطية العوفي .
ولكن يجب ألا يخلى المقام من أمرين :
أولهما : أن الجرح المذكور أعلاه ليس من الجرح الشديد الذي ينزل بمفرده عند خلو الراوي من التعديل لى درجة التالف الذي لا يعتبر بحديثه، بل هو جرح خفيف لم يخل منه عدد من الرواة صحح لهم الحفاظ وخرج حديثهم في الصحيح .
ثانيهما : إن هذا الجرح ير المفسر في حقيقته يرجع إلى الأمرين اللذين ظلم بسببهما ، وهما التشيع والتدليس .
وقد قال الحافظ في نتائج الأفكار (1/271) : ضعف عطية إنما جاء من قبل التشيع ومن قبل التدليس .اهـ . وقد تقدم الكلام على التشيع والتدليس المنقولين عن عطية العوفي .
بقى أن تعلم أن أبا حاتم الرازي قد جاء عنه توثيق لعطية العوفي كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
فصـل
أما عن قو لابن عدي في الكامل (5/2007) : (وهو مع ضعفه يكتب حديثه) .
فإن ابن عدي اعتمد في ترجمة عطية العوفي على أمور هي :
1- رواية ابن أبي مريم عن يحيى بن معين قال عن عطية العوفي : ضعيف إلا أنه يكتب حديثه .
2- تضعيف أحمد والثوري وهشيم بسبب حكاية الكلبي تدليس عطية له .
3- قول الجوزجاني : مائل .
4- الحديث الذي ذكره له وقد تقدم الكلام عليه .
وظاهر أن ابن عدي لم يقنع بشئ من هذه الأمور الثلاثة الأخيرة
وارتضى قول يحيى بن معين في رواية ابن أبي مريم عنه حيث قال : ضعيف إلا أنه يكتب حديثه ، فتبع يحيى بن معين في مقولته ، بل ونقل عبارته فختم الترجمة بقوله : مع ضعفه يكتب حديثه .
وكون ابن عدي لم يقنع بالأمور الثلاثة هو الصواب ، فإن تضعيف أحمد ، والثوري، وهشيم راجع لحكاية التدليس التي لا تصح لانفراد محمد بن السائب الكلبي بها وحاله معرف في الضعف ، وقول الجزجاني قد فرغنا منه، والحديث المذكور لا يعد قدحاً في الرجل، ون تضعيفه بسبب هذا الحديث يعتبر تعنت مرفض ، فلم يبق لا اعتماده كلام يحيى بن معين فهو تابع أو قل مقلد إن شئت .
وإذا علم ذلك فإن هذه الرواية في عطية العوفي التي اعتمد عليها ابن عدي وهي رواية ابن أبي مريم مرجوحة أما الرووايات الأخرى عن ابن معين التي وثقت عطية العوفي .
وإذا كان ما اعتمد عليه ابن عدي مرجوحاً ، فقوله كذلك، فتدبر، والله أعلم بالصواب .
فصـل
وبعد أن تبين لك حقيقة الجرح الذي جاء في عطية العوفي، وأنه لا يضر الرجل ولا يوهن أمره لأنه عند المحاققة جرح لا يلتفت إليه ولا يعمل به، وجب بيان صدق الرجل، وعدالته، وعمل الأئمة بحديثه واحتجاجهم
به في الأحكام وتخريجهم له في الأبواب .
فالرجل قد وثقه وعدله وقبل حديثه جماعة والصواب معهم، فمن هؤلاء ابن سعد حيث قال في "الطبقات الكبرى" (6/304) : وكان ثقة إن شاء الله ، وله أحاديث صالحة ، ومن الناس من لا يحتج به . اهـ .
وقد حاول صاحب (الكشف والتبيين) رد هذا التوثيق ، فقال في رسالته المذكورة (ص39) ما نصه :
ومثل هذا التوثيق لا يعارض تضافر الأئمة على تضعيفه كما سبق تفصيله ، وبخاصة أن ابن سعد مادته من الواقدي في الغالب، والواقدي ليس بمعتمد كما قال الحافظ بن حجر في هدي الساري (ص417) ، وانظر (ص443،447) منه . اهـ .
قلت : لو قبل كل جرح صدر عن إمام أو غيره لانسد باب الرواية تماماً ، فلا تجد راوياً قد خلا من الجرح إلا النادر، ولكن الحاذق هو الذي يعرف ما ينبغي أن يعد جرحاً حقيقياً فيقبله وإلا فلا ، والذين جرحوا عطية جرحهم راجع إلى التدليس أو التشيع أو إنكار بعض ما روى ، وقد علمت أن الأولى لا تعتمد إلا على محمد بن السائب الكلبي التالف المتهم بالكذب، والتشيع لا يعد جرحاً، وما أنكر عليه تقدم أن الصواب مع عطية والقول قوله .
أما عن اعتماد ابن سعد على الواقدي غالباً فهو ما صرح به الحافظ، لكن هذا ليس على إطلاقه ، فإذا رأيت ابن سعد ترجم للرجل ترجمة
عارف بأحواله وبحديثه وبكلام الناس فيه فلا مدخل عند ذلك للواقدي،
هذه واحدة .
والثانية : إن كلام ابن سعد هو كلام مدني في عراقي وقد كان بينهما ما كان ، وهو ما علل به الحافظ في مقدمة الفتح (ص443) سبب عدم قبول كلام ابن سعد فقال :
ابن سعد يقلد الواقدي ، والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف على أهل العراق فاعلم ذلك ترشد إن شاء الله تعالى . اهـ .
وعليه فإذا وجدت لابن سعد جرحاً في عراقي فلا بد من الحذر والتأني في قبوله ، أما إذا وثق ابن سعد عراقياً كوفياً فلا بد من العض عليه بالنواجذ فإن شهادة الخصم هي من أقوى الشهادات .
ثم قول ابن سعد : كان ثقة إن شاء الله تعالى وله أحاديث صالحة ومن الناس من لا يحتج به . اهـ . يفيد أشياء :
1- توثيقه لعطية العوفي
2- إن عطية العوفي له أحاديث صالحة مقبولة .
3- إن مما يؤكد توثيقه وسبره لحاله أنه رأى بعضهم لم يحتج به فأعرض عنهم ورجح توثيقه مما يبين لك أنه لم يقنع بقولهم _ وهو المتحامل على أهل الكوفة – ولم يقف عنده لما ظهر له من أنه ليس جرحاً في الحقيقة ، ولو كان جرحاً لرد حديثه وصرح بعدم توثيقه .
والحاصل أن توثيق ابن سعد لعطية العوفي مقبول ولا بد ، والله أعلم .
فصـل
أما إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين ، فقد وثقه ونقل عنه ذلك عدة مرات، ففي سؤالات الدوري (2/407): قل ليحيى : كيف حديث عطية ؟ قال : صالح(1) .
وفيه سألت عن عطية وعن أبي نضرة فقال : أبو نضرة أحب إلي. اهـ .
(1) قال صاحب الكشف والتبيين (ص38) عن قول ابن معين في عطية العوفي ما نصه :
واما قوله في تاريخ الدوري (صالح) فهذا تمريض منه للقول فيه كما صرح بمثله الحافظ في الهدي (ص417) . اهـ .
قلت : قائل هذه العبارة هو ابن حبان ، وليس الحافظ ، وهذا ظاهر لمن نظر في هدي الساري (417) في ترجمة عبد الرحمن بن سليمان المعروف بابن الغسيل ، وأصرح من هذا أنك تجد هذا النص في المجروحين لابن حبان (2/57) هذه واحدة .
والثانية : تقرر في قواعد الحديث أن الناقد إذا سئل عن حال حديث الرجل فقال : صالح ، هذا يعتبر من باب التعديل ، فيكون الرجل موثقاً بهذا القول لأنه صالح الحديث ، لكن هذا لا يعني أنه في المرتبة العليا من التوثيق فمثله يحسن حديثه .
فإذا قلت : إنها عبارة تمريض فيمكن قبول هذا على أنه ليس من الجرح ولكنه تمريض بالنسبة للدرجة العليا من التوثيق ، فإنك قد مرضت هذا بالنسبة للآخر فهو كلام نسبي ، أما إذا اعتبرت أن هذا من الجرح فهذا من الجرح فهذا فهم سقيم لا يحسد عليه صاحبه .
والثالثة : فهم إمام من الأئمة الحذاق وهو الحافظ ابن القطان السجلماسي الفهم الصحيح لكلمة ابن معين فقال : (كما في نب الراية : 4/68) : عطية العوفي مضعف ، وقال ابن معين فيه : صالح . فالحديث به حسن . اهـ .
فانظر إلى تحسينه لحديث عطية العوفي اعتماداً على قول ابن معين : صالح .
وهذا حافظ آخر من المتأخرين هو الهيثمي إذا اعتمد توثيق ابن معين في مجمع الزوائد (7/314) ، كما حسن لعطية العوفي في المجمع في موضع آخر انظره في (10/371) .
وهذا النص توثيق منه لعطية ، لأن أبا نضرة ثقة عند يحيى بن معين كما في (التهذيب) فهو في حقيقته مقارنة بين ثقتين .
وقال ابن أبي خيثمة : قيل لابن معين : عطية مثل أبي الوداك ؟ قال : لا، قيل: فمثل أبي هارون قال: أبو الوداك ثقة ما له ولأبي هارون. اهـ .
كذا في التهذيب (2/60) .
فانظر إلى ارتضاء ابن معين لمقارنته بأبي الوداك الثقة ، فهو توثيق منه لعطية العوفي .
ونظائره كثيرة جداً في كتب الجرح والتعديل في المقارنة بين الثقات ، فيحيى بن معين يحب عطية العوفي ، وأبو نضرة أحب إليه ،فتدبر.
وقال يحيى بن معين في رواية أبي خالد الدقاق (ص27) :
عطية العوفي ليس به بأس . اهـ .
قلت : هذا توثيق من إمام الجرح والتعديل لعطية العوفي ، وقد صرح يحيى بن معين أن من قال فيه: لا بأس به فهو ثقة، وهذه حكاية عن نفسه ونص من عنده ولا اجتهاد مع وجود النص .
وتجد هذا النص عن ابن معين في كتب شتى منها ثقات ابن شاهين (ص270) ، ومقدمة ابن الصلاح ، وفي مقدمة اللسان (1/13) .
وقال ابن الجنيد عن ابن معين : هو وعمرو بن أبي قيس لا بأس بهما قلت: ثقتان، قال: ثقتان.اهـ. كذا في التهذيب (6/207) وهو ظاهر في ترادف اللفظين . فهو اصطلاح خاص بيحيى بن معين ولا مشاحة فيه .
************
فصـل
قال صاحب "الكشف والتبيين" (ص 38 ) :
قال ابن معين : "ليس به بأس" ، أو "لا بأس به" لا يفهم منه – مجرداً التوثيق أو التجريح إذ غالب من قال فيهم مثل ذلك هم ثقات، لكن الأمر ليس على إطلاقه، فقد وردت عنه قوله: (لا بأس به)، أو ليس به بأس، في أناس ضعفاء .
وانظر أمثلة على ذلك في ميزان الاعتدال (1/341،435 ) ، والجرح والتعديل (3/11) ، وتهذيب التهذيب(1/93) . اهـ .
قلت : هذا الكلام فيه نظر من وجوه :
الأول : إن ابن معين قد صرح كما تقدم بأن "لا بأس به" عنده معناه أن الرجل ثقة ، فلا ينبغي بعد ذلك تقويله ما لم يقله .
الثاني : إذا قال ابن معين في الرجل "لا بأس به " وكان ضعيفاً عند غيره فهذا لا يعني إهدار توثيق ابن معين .
فكم انفرد ابن معين بتوثيق رجال ضعفهم غيره ، وهذا ليس شأن يحيى بن معين فقط ، ولكنه شأن سائر أئمة الجرح والتعديل تجد في ترجمة الراوي المضعف توثيقاً لأحدهم وانفراداً منهم بهذا التوثيق .
وإذا كان تصريح الناقد بالتوثيق لا يعني معناه ، فمعنى ذلك أن علم
الجرح والتعديل قد سقط كلية وأصبحت نصوصه جوفاء لا تنطبق على أفرادها ، وأن الألفاظ لا تعتبر قوالب للمعاني !! .
الثالث : قوله : ( قد ورد عنه قوله لا بأس به أو ليس به بأس في أناس ضعفاء ) .
قلت : ضعفاء عند غيره ولكنهم ثقات عنده فكان ماذا ؟ ، ولآخر أن يعارضه بقوله : ورد عنه قوله ثقة في أناس ضعفاء وهذا كثير ، فكان ماذا أيضاً ؟ فكا ناقد مجتهد له نظره وقوله .
الرابع : ثم ذكر أربعة أمثلة لتأييد مقولته المردودة ، فهاك الكلام عليها :
المثال الأول : بكار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيرين السيريني (الميزان1/34) قال عنه يحيى بن معين: كتبت عنه، ليس به بأس ، وضعفه غيره .
قلت : وهذا المثال لا يفيد الدعوى شيئاً ولا يفيد تضعيف ابن معين للرجل، كيف وهو يقول متبت عنه، فهو من شيوخه، وكونه ضعيفاً عند غيره لا يلزم من أن يكون ضعيفاً عنده أو ضعيفاً في نفس الأمر فاللازم باطل ، والرجل أدرى بشيوخه .
المثال الثاني : الحارث بن عبد الله الأعور الشيعي الكوفي وهذا المثال يهدم الدعوى من أساسها ، فقد قال عنه يحيى بن معين في رواية الدوري: ليس به بأس .
وقال عثمان الدارمي : سألت يحيى بن معين عن الحارث الأعور فقال: ثقة .
فانظر إلى توافق هذا الإمام وإتقانه ، وقد نقل هذا التوثيق عن ابن معين غير واحد منهم ابن شاهين في الجزء المطبوع بنهاية تاريخ جرجان (ص655-656 ) .
فإن قيل : قال عثمان بن سعيد الدارمي بعد حكايته عن ابن معين ما نصه : ليس يتابع يحيى على هذا . اهـ .
قلت : هذا مبلغ علم الدارمي ، فقد وثقه أحمد بن صالح المصري، وقال ابن معين : ما زال المحدثون يقبلون حديثه ، وهذا من يحيى بن معين الإمام في هذا الشأن زيادة لقبول حديث الحارث وثقته كما قال ابن شاهين (ص 655-656) .
المثال الثالث : لم أجد راوياً يقول عنه ابن معين : "لا بأس به " في الموضع المشار إليه (الجرح والتعديل 3/11) .
المثال الرابع : أبان بن إسحاق الأسدي الكوفي ، هذا المثال أيضاً من أكبر الأدلة على وهن كلامه ، فإن أبان بن إسحاق فيه أربع أقوال في التهذيب: قول ابن معين ليس به بأس، وتوثيق العجلي، وابن حبان، وقول الأزدي متروك الحديث .
فالرجل ليس بضعيف فهو خارج عن موضوع الدعوى .
وقد اعتمد الحافظ قول ابن معين في "أبان بن إسحاق" على أنه توثيق للرجل فقال في التقريب (ص135) : ثقة تكلم فيه الأزدي بلا حجة . اهـ .
وقد قال الحافظ العراقي في ألفية الحديث :
وابن معين قال: من أقول لا بأس به فثقة …………………
والحاصل أن كلام صاحب "الكشف والتبيين" أبان عن محاولته رد توثيق ابن معين دفعاً بالصدر فيلوي عنق النص ، ثم هو يستخف بالقراء ، ويضحك عليهم بإيراد أمثلة لا طائل تحتها، بل لك أن تقول : إنها عليه لا له ، والله تعالى أعلم بالصواب .
وبعد أن تبين لك أن يحيى بن معين قد وثق عطية العوفي ، فإنك قد تقف على أقوال ليحيى بن معين ظاهرها قد يشير إلى غير ذلك .
كرواية موسى بن أبي الجارود ، فهي وجادة منقطعة .
ورواية ابن أبي مريم وهو مصري وأصحاب يحيى بن معين البغداديين ولا سيما عباس الدوري أكثر ملازمة والتصاقاً بيحيى بن معين، فروايتهم مقدمة على رواية غيرهم ، والله أعلم .
بقى الكلام على ما جاء في المطبوع باسم (التاريخ الصغير ) للبخاري (ص133) عن علي بن المديني عن يحيى بن معين : عطية ، وهارون العبدي ، وبشربن حرب عندي سواء .
فمعناه - والله أعلم – أنهم سواء في الطبقة والمذهب ، فهم من شيعة التابعين ، ويشتركون في الرواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وكيف يسوي يحيى بن معين بين أبي هارون العبدي ، وعطية العوفي وقد قال عن أولهما : غير ثقة وكان يكذب ، بينما وثق الثاني ورفع شأنه .
وقد تلقف الشيخ بشير السهسواني في "صيانة الإنسان" (ص100) هذه الكلمة عن يحيى بن معين فنسب لعطية العوفي الألفاظ الشديدة جداً التي قيلت في أبي هارون العبدي ثم تناقض فقال :
المختار عندي قول أبي حاتم :" ضعيف يكتب حديثه" فإنه أعدل الأقوال وأصوبها . اهـ .
وما درى السهسواني رحمه الله تعالى أن لأبي حاتم الرازي قولاً آخر يفيد توثيق عطية العوفي سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .
ومنهم ابن شاهين :
وقد أدخل عطية العوفي في الثقات (ص172)فهو من موثقيه فإن قيل : قد ذكره أيضاً في الضعفاء فقال : ضعفه أحمد ويحيى .
قلت : التوثيق هو الراجح لما قد علمت مم سبق من اعتماد أحمد على رواية محمد بن السائب الكلبي ، وهي رواية تالفة لا يعتمد عليها في جرح عطية العوفي ، وأن يحيى بن معين من موثقيه كما تقدم .
ومنهم أبو بكر البزار :
فإنه قال كما في "التهذيب" (7/226) : كان يعده في التشيع ، روى
عنه جلة الناس . اهـ، وهذه صيغة تعديل تعادل قولهم : صالح الحديث، مقارب الحديث ، ونحو ذلك كما يعلم من قواعد الحديث .
ورغم وضوح هذا القول من البزار وكونه موجوداً في كتاب متداول مشهور كالتهذيب ، فلم أجد أحداً ممن سعى في تضعيف هذا الحديث تعرض لذكر قول أبي بكر البزار المفيد تعديل عطية العوفي ، فالحمد لله تعالى على توفيقه .
ومنهم أبو حاتم الرازي :
فقد قال ابن أبي حاتم : سئل أبي عن أبي نضرة وعطية ، فقال : أبو نضرة أحب إلي .
وهذا في حقيقته مقارنة بين ثقتين ، فإن أبا نضرة المنذذر بن مالك العبدي : ثقة .
ومنهم يحيى بن سعيد القطان :
فقد قال عن جبر بن نوف أبي الوداك كما في " التهذيب " (2/60) هو أحب إلى من عطية . اهـ . قلت : هذا أيضاً مقارنة بين ثقتين .
ومنهم ابن خزيمة :
فإنه أخرج الحديث في صحيحه :
قال البوصيري في (مصباح الزجاجة ) (1/98) : رواه ابن خزيمة في صحيحه من طرق فضيل بن مرزوق فهو صحيح عنده . اهـ .
قلت : فمقتضى تصحيح الحديث توثيق رجاله ومنهم عطية العوفي .
وهذا لم يرق لصاحب "الكشف والتبيين" (ص64،65) فوجه سهامه لصحيح ابن خزيمة ، فنقل عن الحافظ بن حجر في النكت كلاماً (1/270) ، (1/290-291) حاصله في الآتي :
1- أن ابن خزيمة كان لا يفرق بين الصحيح والحسن ، فليس كل ما عنده صحيحاً ، بل فيه الحسن المدرج في الصحيح .
2- قال الحافظ : حكم الأحاديث التي في كتاب ابن خزيمة … صلاحية الاحتجاج بها لكونها دائرة بين الصحيح والحسن مالم يظهر في بعضها علة قادحة . اهـ .
قلت : يؤخذ من كلام الحافظ أن أحاديث بن خزيمة على قسمين :
1- صحيح أو حسن .
2- ما ظهر فيه علة قادحة وهو قليل جداً .
ولكن هذا في نظر غيره وليس في نظر إمام الأئمة ابن خزيمة الذي سمى كتابه (المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في السند ولا جرح في النقلة ) .
وإذا كانت الأنظار تتفاوت في الحكم على الرجال ، فالمقصود هو إثبات أن تصحيح ابن خزيمة لهذا الحديثهو توثيق لرجاله ، ومنهم عطية العوفي فهو ثقة عند ابن خزيمة ، والله أعلم .
ومنهم الأمام أبو عيسى الترمذي :
فإنه حسن له عدة أحاديث من أفراده ، بل حسن له عدة أحاديث انفرد بها فضيل بن مرزوق عن عطية الكوفي – كما في الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه – انظرها في "تحفة الأشراف" .
ومقتضى ذلك التحسين أن يكون صدوقاً عند الترمذي كما صرح بذلك الحافظ في (تعجيل المنفعة) (ص153) .
وعليه : فعطية العوفي "صدوق" عند الترمذي ، وهو شرط الحسن لذاته والتشغيب هنا برمي الترمذي بالتساهل خطأ جسيم، لأن الترمذي لم ينفرد بتعديل عطية العوفي فقد مر تعديله عن ابن سعد ، وابن معين ، والبزار ، وأبي حاتم الرازي ، وابن شاهين ، ويحيى بن سعيد القطان .
ثم الترمذي إمام حافظ ثقة كان يقول له إمام أهل الصناعة محمد بن إسماعيل البخاري : استفدنا منك أكثر مما استفدت منا .
وقول الترمذي معتمد عندهم في الجرح والتعديل وحكمه على الأحاديث كذلك، ون ظهر شيء انفرد به في قوله وحكمه ، فهو كغيره من الأئمة ولا يخدش ذلك في الأخذ بقوله وحكمه فليس هو بعصوم .
وكم حسن الترمذي أحاديث في الصحيحين ، فهل يعد متشدداً من هذه الجهة ؟
وقد تلقف هذا أو ذاك كلمة ابن دحيلة الكلبي(1) في الكلام على جامع الترمذي وبنى عليها أحكاماً وأوهاماً أو نظر في جامع الترمذي نظرة متأخر متبع لقواعد سقيمة متروكة فاستخلص منها تساهل الترمذي بسقيم فهمه .
والكلام يحتاج لبسط ليس هذا محله لكن ينبغي ألا يخلى المقام من المثال الذي ذكره صاحب "الكشف والتبيين"(ص45) ليستدل به على تساهل الترمذي قال :
ومن أقرب ما يذكر حديث سمرة "صلى بنا رسول الله (ص) في كسوف لا نسمع له صوتاً " فقد رواه الترمذي وصححه ونقل الحافظ بن حجر تصحيحه في "التلخيص الحبير" ، ولكن تعقبه بإعلال ابن حزم له بجهالة ثعلبة بن عباد وأن ابن المديني قال فيه : مجهول .اهـ.
قلت: هذا الكاتب إما أنه لا يفهم أو يضحك على القراء ، وأحلاهما مر .
فالصواب مع الترمذي والقول فيه قوله ، وهاك الآتي :
ثعلبة بن عباد لم ينفرد الترمذي بتصحيح حديثه ، بل وافقه على هذا التصحيح ابن خزيمة (1397) ، وابن حبان (2851،2852) ، والحاكم (1/330) وابن السكن ، والحافظ في الإصابة (11،47) .
(1) ابن دحية الكلبي الأندلسي رغم كونه حافظاً متفنناً إلا أنه كما قال الذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1421): كان معروفاً على كثرة علمه، وفضائله بالمجازفة، والدعاوي العريضة. اهـ . وترجمته تحوى غرائب، رحمه الله .
والحديث أيضاً أخرجه النسائي (3/140)، وأبو دود (1/700)، وابن ماجه(1/402) ، وأحمد في المسند (5/16) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/329) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/335) كلهم من طريق ثعلبة .
فمقتضى تصحيح الترمذي وابن خزيمة ، وابن السكن ، وابن حبان والحاكم للحديث أن رجاله ثقات عندهم . وقد ذكر ابن حبان ثعلبة بن عباد في ثقاته (4/98) ، فالرجل ثقة ولا بد .
وقوي حاله إخراج حديثه في السنن المذكورة .
فإن قيل قد جهله ابن المديني وابن القطان قلت : من علم حجة على من لم يعلم .
وقد أجاب الحافظ ابن الملقن في (البدر المنير) (3/213/1) عن دعوى الجهالة فقال : وتصحيح الأئمة الماضيين لحديثه يرفع الجهالة عنه . اهـ .
وقد شنع الإمام تقي الدين بن دقيق العيد على من يرد تصحيح الترمذي بدعوى الحكم بجهالة أحد الرواة ، فقال رحمه الله تعالى ( نصب الراية : 1/149) ما نصه :
ومن العجب كون ابن القطان لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تفرده بالحديث وهو قد نقل كلامه: هذا حديث حسن صحيح وأي فرق بين أن يقول: هو ثقة، أو يصحح له حديثاً انفرد به ؟ وإن كان توقف عن ذلك لكونه لم يرو عنه إلا أبو قلابة ، فليس هذا بمقتضى مذهبه، فإنه لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحالة، فذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راوٍ واحد عنه بعد وجود ما يقتضي تعديله وهو تصحيح الترمذي . اهـ .
وقال الحافظ الذهبي في "الموقظة" (ص81) : ومن الثقات من لم يخرج لهم في الصحيحين خلق منهم من صحح لهم الترمذي وابن خزيمة ثم من روى لهم النسائي وابن حبان . اهـ .
فانظر لى توثيقه لمن صحح لهم الترمذي ، ومن رروى له النسائي وابن حبان .
فلا بد إن أردت أن تسلك سبيل أهل الحديث وتتبع قواعدهم ، وتقف عند كلام أئمتهم أن تقول بقولهم وتحذو حذوهم ، فلا تنفك عند ذلك عن توثيق ثعلبة ابن عباد اتباعاً لتصحيح الترمذي له ، فضلاً عن تصحيح الحاكم وابن حبان وإخراج النسائي لحديثه .
فلله در الترمذي الإمام الحافظ العلم ، وبذا يكون الأنتقاد قد انقلب على صاحبه المنتقد بدون روية ، والمنازل بدون آلة ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
وإن وفق الله عز وجل ففي النية إشباع هذا البحث في جزء خاص به يسر الله ربي على ذلك وأعان .
فصــل
وخلاصة ما تقدم أن عطية العوفي قد عدله(1) يحيى بن سعيد القطان وابن سعد وابن معين والترمذي والبزار وابن شاهين وتبعهم بعض من تأخر عنهم فقال ابم القطان (كما في نصب الراية 4/68) : وعطية العوفي مضعف ، قال ابن معين فيه :صالح ،فالحديث حسن . اهـ .
والحاصل أن من تكلم فيه فلأجل ما رمي به من التدليس – وهو لم يصح البتة – أو التشيع ، أو روايته شيئاً تكلم فيه ، وقد تبين لك أن هذه الأمور الثلاثة التي تكلم فيها بسببها ليست قادحة .
فالصواب قبول حديثه واعتباره من الحسن لذاته .
وقد قال شيخ الفن ، وطبيب علله ، الحافظ بن حجر العسقلاني في أمالي(2) الأذكار (1/217) :
(1) فمن الخطأ البين والظلم لذا الرجل قول ابن الجوزي في الموضوعات : ضعفه الكل .
وقول الذهبي في الديوان : مجمع على ضعفه . وقوله في مختصر المستدرك (4/222) : واهٍ
وقول البوصيري في (مصباح الزجاجة ) : متفق على ضعفه .
وهذه أقوال مخالفة للواقع فلا يلتفت إليها فليس الرجل بواهٍ أو أجمعوا على ضعفه ، وكتب
الرجال إن لم ينظر الناظر فيها بعين الناقد البصير الصيرفي زل وضل ، والله المستعان .
(2) ولما كان كلام الحافظ قاطعاً وساداً لباب الكلام في عطية العوفي لم يرق ذلك لصاحب
الكشف والتبيين (ص42) فبدلاً من الاعتراف بقصوره والتسليم للحافظ رحمه الله تعالى أغمض عن هذا وأخذ يمز أمالي الحافظ على الأذكار ، وذلك كسعيهم دائماً لنقد الكتب عند المخالفة ، فإذا أرادوا رد تصحيح أو تحسين لحافظ اتهموه بالتساهل وبأن كتابه فيه كذا =
ضعف عطية إنما جاء من قبل التشيع ، ومن قبل التدليس وهو في نفسه صدوق . اهـ .
وإذا تبن لك أن دعوى التدليس ليست بصحيحة والتشيع لا دخل له في روايته ، فالرجل صدوق .
وقد أصر الحافظ على كون عطية العوفي صدوقاً ، فعندما سرد أسامي المدلسين في النكت على ابن الصلاح (2/644) ، وهم من وصفوا بالتدليس مع صدقهم فهو صدوق عنده .
فإذا وجدت بعد هذا البيان تضعيفاً لعطية العوفي ، فاعلم أنه مخالف للصواب .
وبعد فيمكن لك أن تسمي ما كتبته في الانتصار لعطية العوفي بـ (القول المستوفي في الانتصار لعطية العوفي ) والله تعالى أعلم .
= وكذا ، وإذا وقفوا على حديث صحيح لا يوافق شذوذهم تراهم يقولون : لم يخرجه أحمد وليس في الصحيحين ولا الموطأ ولا تجده في السنن الأربعة بل هو في الكتب التي تروي الضعاف كالدارقطني والبزار … إلخ ، وهو كلام ساقط بنفسه لا يحتاج لإسقاط . وها نحن نراهم اليوم يتكلمون ويغمزون أمالي الأذكار وهي جرأة قبيحة من منازل بغير آلة وتطاول على كتاب حاز القدح المعلى في بابه يحق أن يفاحر به كبار الحفاظ المتقدمين ، والله المستعان .
فصـل
أما عن العلة الثالثة :
فقد قال ابن أبي حاتم في "العلل" (2/184) : سألت أبي عن حديث رواه عبد الله بن صالح بن مسلم، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد عن النبي (ص) قال: "إذا خرج الرجل من بيته فقال : اللهم بحق السائلين عليك وبحق ممشاي" وذكر الحديث، رواه أبو نعيم، عن فضيل، عن عطية ، عن أبي سعيد موقوفاً قال أبي : موقوف أشبه . اهـ .
أيده الذهبي في "الميزان" .
قلت : لا تتسرع بإعلان الموافقة تقليداً كما فعل جماعة منهم .
بشير السهسواني في صيانة الأنسان ، والألباني في ضعيفته (1/37) ، وحماد الأنصاري في المفهوم الصحيح للتوسل ، وغغيرهم .
فإن الحديث قد اختلف فيه عن فضيل بن مرزوق فروى مرفوعاً وموقوفاً .
فممن رواه مرفوعاً :
1- يحيى بن أبي بكير ، أخرجه البغوي في حديث علي بن الجعد (ل 262 نسختي ) ، والبيهقي في الدعوات الكبير (ص47) .
2- محمد بن فضيل بن غزوان ، أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (ص17) .
3- سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر ، أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (ص18) .
4- عبد الله بن صالح العجلي، أخرجه الطبراني في الدعاء (2/990) ، وابن السني (ص40 ) .
5- الفضل بن الموفق ، أخرجه ابن ماجة (1/256) .
6- يزيد بن هارون، فقد روى أحمد في مسنده (3/21)، والبغوي في حديث علي بن الجعد (ل262 نسختي) ، وأحمد بن منيع كما في مصباح الزجاجة (1/99) من طريق يزيد ابن هارون أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري فقلت لفضيل: رفعه ؟ أحسب قد رفعه ثم ذكر الحديث مرفوعاً .
قلت : هذا ظن راجح تقوى (بقد) وهو حرف تحقيق هنا دخل على الماضي فقربه من الحال ، وعليه فراويه يزيد بن هارون من قسم المرفوع ولا بد ، وهو صنيع من تكلم على الحديث من تأخر من الحفاظ .
ورواه عن فضيل بن مرزوق موقوفاً اثنان :
1- أبو نعيم الفضل بن دكين، اخرجه في كتاب ( الصلاة)، كما في أمالي الأذكار (1/273) .
2- وكيع بن الجراح ، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (10/211212) .
وللمحدثين في ذلك مسلكان كلاهما يقوي الرفع :
فأولهما: عن الرفع زيادة ثقة وهي مقبولة ، إذ أن الحكم لمن أتى بالزيادة وهو مذهب الخطيب البغدادي وجماعة من أئمة الفقه والحديث والأصول .
وثانيهما : الترجيح باعتبار القرائن وهو ما يقوي الحكم بالرفع أيضاً ، فإن من رفع الحديث أكثر عدداً (وهم ستة )، ممن وقفه (وهم اثنان فقط)
نعم الفضل بين دكين ووكيع إمامان ثقتان لكن في مقابلهما يزيد ابن هارون، ويحيى بن ابي بكير وها كذلك ومعهما ابن غزوان ثقة احتج به الجماعة، وكذا سليمان بن حيان احتج به الجماعة، والعجلي ثقة من رجال البخاري ، فهؤلاء القول قولهم وهو الرفع ن والله تعالى أعلم .
فلا تتهيب بعد مخالفة القائل بالوقف والمرجح له ، فإن قواعد الحديث التي إليها المرجع في هذا الشأن ترجح الرفع ، وكم من حديث مرفوع حكم عليه أبو حاتم الرازي بالوقف ، وكم من موصل حكم بإرساله ، وكم من صحيح حكم بضعفه ، والمرجح عند الخلاف هو الاحتكام لقواعد الحديث ، والله أعلم .
ومن التلاعب البغيض نصب صاحب الكشف والتبيين (ص23) للخلاف بين وكيع بن الجراح وفضيل بن غزوان من جهة أنهما وقفا الحديث، وبين عبد الله بن صالح العجلي والفضل بن الموفق من جهة أنهما رفعا الحديث .
وهذا خطأ ومغالطة واضحة لأمور :
الأول : لا دخل لفضيل بن غزوان هنا .
الثاني : أخرج يحيى بن أبي بكير عند الترجيح وجعله في حاشية الكتاب ، فلم يضمه لزميليه في الرفع وهو عين التلاعب .
الثالث : لم يستوعب أسماء من رفعوا الحديث وهم ستة .
فلا أدري لماذا يسارع هؤلاء بالتصنيف ؟ للدعاوي الفارغة ، أم للتجارة البائرة ؟!! والله المستعان .
تنبيه :
أغرب الألباني فادعى في ضعيفته (1/37) اضطراباً من عطية أو ابن مرزوق لأنه جاء مرفوعاً وموقوفاً وهذا خطأ، لأن الاضطراب يكون عند تساوي الوجوه ، وحيث لا تساوي وأمكن الترجيح كما سبق فلا اضطراب ، ولم أجد من سبقه إلى هذه الدعوى عند الكلام على هذا الحديث ، والله أعلم .
فصـل
وللحديث شاهد لا يفرح به .
قال أبو بكر ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص39-40 ) : حدثنا ابن منيع ، ثنا الحسن بن عرفة ، ثنا على بن ثابت الجريري عن الوازع بن نافع العقيلي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله ، عن بلال مؤذن رسول الله (ص)قال: كان رسول الله(ص)إذا خرج إلى الصلاة قال :
(( بسم الله آمنت بالله ، توكلت على الله لا حول ولا قو إلا بالله، اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا ، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة ، خرجت ابتغاء مرضاتك ، واتقاء سخطك أسألك أن تعيذني من النار وتدخلني الجنة )) .
الوازع شديد الضعف ، لذلك قال الحافظ في نتائج الأفكار (1/271) : هذا الحديث واهٍ جداً أخرجه الدارقطني في الأفراد من هذا الوجه وقال : تفرد الوازع به . اهـ .
تنبيه :
قال العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى في مقالاته (ص394) عند الكلام على هذا الحديث : ولم ينفرد عطية عن الخدري بل تابعه أبو الصديق عنه في رواية عبد الحكم بن ذكوان، وهو ثقة عند ابن حبان وإن أعله به أبو الفرج في علله . اهـ .
فتعقبه الألباني في ضعيفته (1/37) بقوله :
لقد عاد الشيخ (( أي الكوثري )) إلى الاعتداد بتوثيق ابن حبان مع اعترافه بشذوذه في ذلك كما سبق النقل عنه ، هذا مع قول ابن معين في ابن ذكوان هذا : لا أعرفه ، فإذا لم يعرفه إمام الجرح والتعديل فأنى لابن حبان أن يعرفه ؟
فتبين أن لا قيمة لهذا المتابع لجهالة الراوي عنه ، فإعلال أبي الفرج للحديث به حق لا غبار عليه عند من ينصف . اهـ .
قلت : هذا الكلام مسلسل بالأوهام .
فأولاً: هذه ليست متابعة البتة . وعبد الحكم هو ابن عبد الله القسملي ، وليس ابن ذكوان فقد قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/410) :
أنبأنا علي بن عبيد الله قال : أنبأنا علي بن أحمد البندار ، قال : نا الحسن بن عثمان بن بكران قال : نا عبد الله بن عبد الرحمن العسكري ، قال: نا عبد الملك بن محمد، قال : نا سهل بن سعيد بن أبي تمام بن رافع، قال: نا عبد الحكم القسملي عن أبي الصديق عن أبي سعيد عن النبي (ص) قال:"بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة". اهـ .
وأخرجه من حديث عبد الحكم بن عبد الله القسملي به أبو يعلى في مسنده (2/361) .
وقال الهيثمي في مجمه الزوائد (2/30) رواه أبو يعلى وفيه عبد الحكم بن عبد الله وهو ضعيف . اهـ . والرجل ذكره ابن حبان في المجروحين (2/143) وقال : لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب . وضعفه غيره .
ثانياً: على أن الألباني الذي ترجح عنده عبد الحكم هو ابن ذكوان ينبغي أن يلزم بتحسين الحديث وبيانه: أن عبد الحكم بن ذكوان وثقه ابن
حبان وروى عنه أهل البصرة ومعهم ثلاثة من الحفاظ الثقات هم : أبو داود الطيالسي ، ومروان بن معاوية الفزاري ، وأبو عمر حفص بن عمر الحوضي أو الحرضي .
وقال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (6/36) في ترجمته :
سألته عنه فقال : بصري ،قلت : هو أحب إليك أم عبد الحكم القسملي صاحب أنس ؟ قال : هذا أستر . اهـ .
وحسن حديثه الحافظ البوصيري في زوائد ابن ماجه (4/175) .
فالرجل إن لم يحسن حديثه لذاته فهو حسن لغيره ولا بد ، على رأي أشد الناس تعنتاً ، والألباني ملزم لهذا بهذا ، والله أعلم .
ثالثاُ : قوله : إذا لم يعرفه إمام الجرح والتعديل فأنى لابن حبان أن يعرفه .
قلت: قد عرفه ، قبل ابن حبان حافظ كبير هو أبو حاتم الرازي ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، ولم يقل أحد بمقولة الألباني هه حتى ولا المبتدئ في هذا الفن .
رابعاً : قوله : لا قيمة لهذا المتابع لجهالة الراوي عنه .
قلت : هذا خطأ ومجازفة فبون كبير بين قولهم لا أعرفه والحكم على الراوي بالجهالة . قال الحافظ في اللسان (1/4322) في ترجمة إسماعيل الصفار :
((من عادة الأئمة أن يعبروا في مثل هذا بقولهم : لا نعرفه أولا نعرف حاله ، أما الحكم عليه بالجهالة بغير زائد لا يقع إلا من مطلع عليه أو مجازف)) اهـ .
وفي هذا القدر كفاية ، ونسأل الله تعالى السلامة والصون .
وحاصل ما تقدم أن ما علل به حديث : (( اللهم إني أسألك بحق السائلين ..) غير منتهض ، وأنه لا يقوى أما قواعد الحديث لإثبات علة واحدة بهذا الحديث .
وعليه فلك أن تقول : إن من حسن الحديث من الحفاظ كالدمياطي والمقدسي، والعراقي، والعسقلاني، وقبلهم إمام الأئمة ابن خزيمة الذي صححه ؛ والقول قولهم، والصواب حليفهم، وقواعد الحديث مؤيدة لهم، والله عز وجل أعلم بالصواب .