الفهرس
- الألباني يُجَوِّز التوسَّل بالنبيِّ
- الاعتراض الثاني والجواب عليه
- الاعتراض الثالث والجواب عليه
- انفصل الباحث عبد الله نومسوك على نتائج من أهمها
- في نواقض التوحيد
- في النبوات
- العودة إلي كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة
تذنيب مفيد لكل لبيب
الألباني يُجَوِّز التوسَّل بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم
بعد أن تبين لك دلالة الحديث الواضحة على التوسّل بالنبيّ (ص) وأن المخالف متسنم بيتاً من بيوت العنكبوت ، تجد أن من هؤلاء المخالفين من لم يستطع تحت قوة الدليل إلا الإعتراف بجواز هذا التوسل وأنه لا غبار عليه فشكك في شبهاته وأسقط كلامه إنه الألباني الذي قال في توسُّله (ص 77 ):
(( على أنني أقول: لو صحَّ أن الأعمى إنما توسل بذاته صلى الله عليه وسلم فيكون حكماًخاصاً به صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين ، وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح ، لأنه صلى الله عليه وسلم سيدهم وأفضلهم جميعاً فيمكن أن يكون هذا مم خصه الله به عليهم ككثير مما يصح به الخبر ، وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات، فمن رأى أنَّ توسل الأعمى كان بذاته صلى الله عليه وسلم فعليه أن يقف عنده ولا يزيد عليهكما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالى ، هذا هو الذى يقتضيه البحث العلمي مع النصاف ، والله الموفق للصواب )) اهـ .
فقل لي بربك لماذا كان كل هذا المرء من أساسه وترك الدليل الصحيح إلى تقليد الشذوذ ؟
بيد أن عبارته فيها هنات لا تخفى ، فقصره التوسل على النبي (ص) فقط لا دليل عليه ، هو تخصيص بدون مخصص ، فالخصوصية لا تثبت إلا بدليل .
وإذا كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى يجوز التوسل بالنبي (ص) فلم ينقل عنه المنع من التوسل بغيره ؟! ومن نقل عنه ذلك يكون قد افتأت عليه ، والحنابلة وهم أعرف بإمامهم لم يذهبوا إلى القصر الذى ادعاه الألباني .
فيقوا ابن مفلح الحنبلي في الفروع (595 : 1): (( ويجوز التوسل بصالح وقيل : يستحب قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروزي : إنه يتوسل بالنبي (ص) في دعائه ، وجزم به في المستوعب وغيره )) اهـ .
الاعتراض الثاني والجواب عليه :
ثم قال ابن تيمية : (( ودعاءُ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الاستسقاء المشهور بين المهاجرين والأنصار وقوله : (( اللهمَّ إنَّا كنَّا إذا أجدبنا نتوسَّل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا )) يدل على أن التوسل المشروع عندهم هو التوسل بدعائه وشفاعته لا السؤال بذاته ، إذا لو كان هذا مشروعاً لم يعدل عمر والمهاجرون والأنصار عن السؤال بالرسول ( ص ) إلى السؤال بالعباس )) . اهـ . ( ص 66 ) .
وقال في موضع آخر :
(( وكذلك ثبت في الصحيح عن ابن عمر ، وأنس ، وغيرهما أنهم كانوا إذا أجدبوا، إنما يتوسلون بدعاء النبي ( ص ) واستسقائه،لم ينقل عن أحد منهم أنه كام في حياته صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى بمخلوق، لا به ولا بغيره ، لا في الإستسقاء ولا غيره ، وحديث الأعمى سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى ، فلو كان السؤال به معروفاً عند الصحابة لقالوا لعمر : إن السؤال والتوسل به أولى من السؤال بالعباس، فلم نعدل عن الأمر المشروع الذي كنا نفعله في حياته وهو التوسل بأفضل الخلق إلى ان نتوسل ببعض أقاربه ؟ .
وفي ذلك ترك السُّنة المشروعة وعدول عن الأفضل، وسؤال الله تعالى بأضعف السببين ، مع القدرة على أعلاهما ، ونحن مضطرون غاية الإضطرار في عام الرمادة الذي يضرب به المثل في الجدب ، والذي فعله عمر فعل مثله معاوية بحضرة من معه من الصحابة والتابعين ، فتوسلوا بيزيد بن الأسود الجرشي كما توسل عمر بالعباس )). اهـ (ص 67) .
قلت وبالله التوفيق :
الناظر في كلام ابن تيمية يجده ينفي التوسل بالذوات مطلقاً ، لأن الصحابة رضى الله عنهم تركوا التوسّل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لأنه مقصور على الدعاء فقط ، ودعاؤه بعد انتقاله غير ممكن في
رأيه ، ولو كان توسلهم بذاته ممكناً لما تركوه مع قيام المفتضي .
والجواب على هذا اليررا يظهر في النقاط التالية :
1- إنَّ غايتة ترك للتوسل به صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضي، و هو شدة الحاجة .
والترك بمفرده لا يدل على التحريم أوالكراهية ، وإنما يفيد الترك أن المتروك جائز تركه فقط ، أما التحريم أو الكراهية ، فهذا يحتاج لدليل آخر يفيد الحظر ، وينغبي ألا ينسب لساكت قول ، فتدبر .
وقد حرر مسألة الترك تحريراً ما عليه مزيد شيخنا العلامة المحقق سيدي عبد الله بن الصديق الغماري رحمة الله تعالى ونوَّر مرقده في رسالته المطبوعة باسم (( حُسْنُ التَّفَهُّمِ والدَّرك لمسألة التَّرك )) .
2-لو كان الترك يدل على التحريم ، فإن الصحابة قد تركوا التوسّل المتفق على جلالته وفضله، وهو التوسّل بأسماء الله وصفاته وهم مضطرون غاية الإضطرار لحال الشدة والقحط. كما يعلم من استسقاء عمر رضي الله عنه .
3- إن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( إنا نتوسل إليك بعم نبينا )) لا يخرج عن كونه توسلاً بالنبي (ص) فقد قال العباس في دعائه : (( وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك )) ، ولذلك قال عمر بن الخطاب : (( بعمِّ نبيك )) ، ولم يقل : (( بالعباس )) .
وكان الأحرى بعمر في شدة الضيق أن يتوسل بمن هو أفضل من العباس من الصحابة وهم متوافرون ولكنَّ عمر رضي الله عنه قال: (( واتخذوا وسيلةً إلى الله ))، فلم يعدل عن التوسل بالنبي (ص) .
فتوسل عمر بالعباس رضى الله عنهما فيه إرضاء للنبي (ص) والإقتداء به في إكرام عمِّه واتخاذه وسيلة لقربه ، ثم مع هذا رجاء دعائه لصلاحه .
قال الحافظ في الفتح (47 : 2) : (( ويستفاد من قصة العباس استحبابُ الاستشفاع بأهل الخير والصلاح ، وأهل بيت النبوة وفيه فضل العباس ، وفضل عمر ، لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه )) . اهـ .
أما قول الألباني في توسله (( ص 68 ) :
(( لو صحَّت هذه الرواية ، فهى إنما تدل على السبب الذي من أجله توسل عمر بالعباس دون غيره من الصحابة الحاضرين حينذاك ، وأما أن تدل على جواز الرغبة عن التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم – لو كان جائزاً عندهم – إلى التوسل بالعباس أى بذاته فكلاَّ
، ثم كلاَّ ، لأننا نعلم بالبداهة والضرورة – كما قال بعضهم – أنَّه لو أصاب جماعة من الناس قحط شديد، وأرادوا أن يتوسلوا بأحدهم لما أمكن أن يعدلوا عَمَّن دعاؤه أقرب إلى الإجابة وإلى رحمة الله سبحانه وتعالى ، ولو أنَّ إنساناً أصيب بمكروه فادح وكان أمامه نبي وآخر غير نبي وأراد أن يطلب الدعاء من أحدهما لما طلبه لا من النبي ، ولو طلبه من ير النبي وترك النبي لعُدَّ من الآثمين الجاهلين ، فكيف يُظن بعمر ومن معه من الصحابة أن يعدلوا عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بغيره ؟ )) اهـ .
قلت : هذه الرواية _ واتخذوه وسيلة إلى الله _ مقبولة الإسناد ، وتفصيل الكلام عليها سيأتي إن شاء الله تعالى .
وخذ الآتي :
قوله : (( فهي إنما تدل على السبب الذي من أجله توسل بالعباس دون غيره من الصحابة )) . اهـ .
قلت : هذا تسليم منه بالمطلوب ، فكان يكفيه الوقوف عند ذلك ولكن … أما التوسُّل بالأدنى مع وجود الأعلى ، والفاضل مع وجود المفضول ، فله نظائر كثيرة بين الصحابة معلومة في أماكنها ، وقد توسُّل عمر هنا بالعباس ، وترك علياً وهو أفضل من العباس عنهم .
قوله : (( ولو طلبه من غير النبي ( ص ) وترك النبي لعدَّ من الآثمين الجاهلين )) . اهـ .
قلت : هذا تهويل وتشويش وإيهام باطل ولم يقل أحد بمقولته هذه التي لا دليل عليها وغاية الأمر أنه ترْكٌ ، والترك يدل على جوازه فقط ، وتركهم ( إن سلم ذلك ) له احتمالات كثيررة ، ولا ينبغي أن ينسب لساكت قول ، والبناء على المجهول أُفُول .
4- قول ابن تيمية : وقوله : اللهمَّ إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا
فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا (( يدل على أنَّ التوسل المشروع عندهم هو التوسل بدعائه وشفاعته لا السؤال بذاته )) . اهـ .
قلت : قوله هذا يخالف فهم الصحابة رضي الله عنهم ، وهو أعرف وأفهم من غيرهم ، كيف لا وقد حضروا التوسل بالعباس ، وهم عرب لم تدخلهم عجمة ، فالفرق بين فهمهم وبين فهم مخالفهم كالفرق بين الأبيض والأسود فالقول قولهم ، والصواب حليفهم ، ولا يرضى العاقل بغير فهمهم لو أراد الإنصاف .
وممن فهم أن التوسل بالعباس هو توسلٌ به أى بذاته لا بدعائه حسان ابن ثابت الصحابى رضي الله عنه حيث قال :
سألَ الأنام وقد تتابع جدبنا فسقي الغمام بغرة العباس
عم النبي وصنو والده الذي ورث النبي بذاك دون الناس
أحيا الإله به البلاد فأصبحت مخضرة الأجناب بعد اليأس
وصحابي آخر وهو عباس بن عتبة بن أبي لهب فقال :
بعمي سقى الله الحجاز وأهله عشية يستسقى بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغباً إليه فما رامَ حتى أتى المطر
ومنَّا رسول الله فينا تراثه فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر
فالأبيات السابقة تصرح بأنَّ التوسل كان بالعباس رضي الله عنه أي
بذاته(1) لا بدعائه ، والباء حرف إلصاق فلماذا يلوون عنق النص ؟
ومن يحاول أن يصرف اللفظ هنا عن ظاهره ، يكون قد كذب على صاحبي الأبيات رضى الله عنهما ، واتبع هواه .
5- وعليه فإن قول بعضهم : إن الكلام ليس على ظاهره، ولا بد من تقدير مضاف محذوف في قول عمر ((وإنا نتوسل إليك بعم نبينا))، أي بدعاء عم نبينا، قولهم هذا فيه صرف للنص عن ظاهره ولا دليل معهم إلا شُبَهٍ متخيلة ، فالواجب والحالة هنا إبقاء النص على ظاهره .
ذلك أن الحذف يكون على خلاف الأصل ، والواجب العمل بالأصل ، وتجد المخالف يقول : أراد عمر بدعاء عم نبيك .
وهذا خطأ لأن الإرادة محلها القلب ، فتعيين الإرادة على خلاف الظاهر باطل ، وعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أجل من أن يُلَبِّس على الناس دينهم فيكون ظاهر كلامه مخالفاً لما يرده .
6- بقى بيان أنَّ الإسترسال السابق هوفي دفع شبهٍ فقط ، وإلا فالصحابةرضي الله عنهم توسلوا بالنبي(ص)بعد انتقاله، ثبت ذلك عن ابن عمر، وبلال بن الحارث المزني(2) وعائشة كما سيأتي إن شاء الله تعالى ،
(1) وفي العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن حنبل(1/163) قال : "قال ابن عيينة : رجلان صالحان يستسقى بهما ابن عجلان ، ويزيد بن يزيد بن جابر " وها توسل بذات الصالحين ، ومن فهم أنه توسل بدعائهم يكون قد أخطأ .
(2) وركب الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على فتح الباري الصعب فقال تعليقاً على أثر بلال بن الحارث المزني(2/495): ((هذا الأثر-على فرض صحته كما قال الشارح - ليس =
= بحجة على جواز الاستسقاء بالنبي(ص) بعد وفاته لأن السائل مجهول ولأن عمل الصحابة رضي الله عنهم على خلافه، وهوأعلم الناس بالشرع، ولم يأت أحد منهم إلى قبره يسأله السقيا ولا غيرها بل عدل عمرعنه لما وقع الجدب إلى الاستسقاء بالعباس ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة، فعلم أن ذلك هو الحق وأن ما فعله هذا الرجل منكر ووسيلة إلى الشرك بل قد جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك وأما تسمية السائل في رواية سيف المذكورة (( بلال بن الحارث )) ففي صحة ذلك نظر، ولم يذكرالشارح سند سيف في ذلك وعلى تقدير صحته عنه لا حجة فيه ، لأن عمل كبار الصحابة يخالفه، وهم أعلم بالرسول ( ص ) وشريعته من غيرهم ، والله أعلم )) . اهـ .
قلت : قوله (( لأن السائل مجهول )) هو معنى كلام الألباني في توسله (ص122) حيث قال: ((هب أن القص صحيحة فلا حجة فيها لأن مدارها على رجل لم يسم ، وتسميته بلالاً في رواية سيف لا يساوي شيئاً لأن سيفاً متفق على ضعفه )) . اهـ .
وقد أجبت بتوفيق الله تعالى عن هذا فقلت :
الجائي إلى القبر الشريف سواء كان صحابياً أو تابعياً فالحجة في إقرار عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لعلمه حيث لم ينهه عما فعل بل بكى عمر وقال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه . والله أعلم .
قوله : (( ولأن عمل الصحابة رضي الله عنهم على خلافه )) قلت : قد تقدم أن حكمه حكم الترك وإقرار عمر لهذا الجائي فيه لفت نظر للقارئ الكريم إلى أن فعل الصحابة ليس على خلافه، ومثله أثر عائشة رضي الله عنها في فتح الكوى ،وهما نصان في الباب .
قوله : (( ولأن ما فعله هذا الرجل منكر ، ووسيلة إلى الشرك ، بل جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك )) .
قلت : أخطأت ، وما أصبت فبعد تسليمك بصحة الأثر أترى أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه يقرُ الرجل على الشرك - في رأيك - حاشاه من هذا ؟
ثم للناظر أن يتعجب ويسأل : هل نتعلم من الصحابة رضوان الله عليهم ديننا ؟ أم ننظر في أعمالهم ونحكم عليها ووفق ما نراه من قواعد غير مسلمة؟ وهكا تكون الفوضى في التعليقات
سبيل أهل العلم هجر ما يخالف الآثار الصحيحة وعمل الصحابة رضي الله عنهم والمجئ إلى =
وتقدمت الأبيات الصرحة بالتوسل بالعباس رضى الله تعالى عنه .
ثم لا يخفى على اللبيب أنَّ المتوسّل لم يطلب من الميت أو الحي شيئاً، وإنما طلب من الله عز وجل فقط متوسلاً أى متقرباً إلى اله تعالى بكرامة هذا الميت أو الحي أو عمله الصالح أو نحو ذلك ، فهل في هذا ونحوه عبادة للميت أو تأليه له، تعوذ بالله من المجازفة والهجوم على أعراض المسلمين .
الاعتراض الثالث والجواب عليه :
قال البخاري في صحيحه (( الفتح 494 : 2 ) :
حدثنا عمرو بن على قال: حدثنا أبو قتيبة: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه، قال: سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب:
وأبيضَ يسْتَسقى الغمامُ بوجهِه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
= القبر الشريف ومخاطبة الرسول(ص) ليس بشرك واعتراف ابن تيمية بهذه الواقعة وغيرها انظره في اقتضاء الصراط المستقيم (373) ولا بد .
فهل ابن تيمية في نظرك يقر الشرك أم أن المعلق لم يعط البحث حقه أم ماذا ؟ نعوذ بالله من التخبط ، والتناقض ، ورض البدعة والشرك .
قوله : (( وعلى تقدير صحته عنه لا حجة فيه لأن عمل كبار الصحابة يخالفه وهو أعلم بشريعته صلى الله عليه وسلم من غيرهم )) . اهـ .
قلت : الحجة في قول عمر وإقراره رضي الله عنه ، ثم إن عمل كبار الحابة ليس بحجة مع مخالفة صغارهم لهم كما هو مقرر في علم الأصول. والكلام هنا يحتمل أكثر من ذلك، ولولا خشية الإطالة لوَفيت الكيل صاعاً بصاع ، والله المستعان .
وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم، عن أبيه (( ربما ذكرت قول الشاعر، وأنا انظر إلى وجه النبي () يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب :
وأبيضَ يسْتَسقى الغمامُ بوجهِه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وهو قول أبي طالب .
والشاهد فيه قوله : (( يستسقي الغمام بوجهه )) .
فتمثُّل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بقول أبي طالب وتذكره له مع النظر للنبي(ص)يدل على توسله بالنبي(ص)في الإستسقاء، وهو نصٌ لا بحتمل غيره .
وقد أجاب الشيخ بشير السهسواني على هذا النصِّ الصريح إجابة مندفعة فقال في صيانة الإنسان(1) ( 373 ) :
((فإن قلت: لفظ ((يستسقي الغمام بوجهه)) يدل على أن التوسّل بالذوات الفاضلة جائز قلت: المكروه(2) من التوسل هو أن يقال أسألك
(1) رد فيه الشيخ بشير السهسواني على شيخ مشايخنا مفتي الشافعية السيد أحمد بن زيني دحلان المتوفي سنة 1304 هـ ، والسهسواني جرت بينه وبين عريه العلامة عبد الحي الكوفي مساجلات وردود ، إذا أن السهسواني حج الببيت ، ولم يزر النبي ( ص ) وها من فرط تعصبه للمذهب الباطل ، فنقص عليه اللكنوي بثلاث رسائل وقفت عليها بدار الكتب المصرية .
( 2 ) انظر التناقض فيقولون : مكروه كما هنا ، ويشددون في موضع آخر فيقولون : بدعة ووسيلة إلى الشرك !!! .
بحق فلان أو بحرمة فلان ، وإما إحضار الصالحين في مقام الإستسقاء أو طلب الدعاء منهم فهو ليس من المكروه في شئ بل هو ثابت بالسُنَّة الصحيحة )) . اهـ .
وقال في موضع آخر (ص 274) : (( وإذا كان حضور الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والضعفاء سبباً للنصر والفتح فما ظنك بحضور سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم )) . اهـ .
ثم قال في(ص275): ((فالمراد بوجهه في قول أبي طالب:(( يستسقى بوجهه )) ببركة حضور ذاته أو بدعائه )) . اهـ .
قلت وبالله التوفيق: صرف السهسواني هذا التوسل إلى التبرك بالذات أو الدعاء فيه نظر ، أما الدعاء فظاهر أما كون المراد يستسقى بوجه ببركة حضوره فيمكن أن يكون كذلك إن كان التبرك والتوسّل عنده مترادفان ، وهو الصواب .
وهو ما صرح به العلامة البدر العيني فقال في عمدة القاري (30 : 7 ) :
((معنى قول أبي طالب هذا في الحقيقة توسل إلى الله عز وجل بنبيه لأنه حضر استقصاء عبد المطلب والنبي (ص) معه، فيكون استسقاء الناس الغمام في ذلك الوقت ببركة وجهه الكريم )) . اهـ .
وإن لم يكن فلفظة (( يستسقى الغمام بوجهه )) هو عين التوسل بالذات )) ، ولا بد من حمل النصِّ على ظاهره ولا يصرف إلا بدليلٍ
ولا صارف له هنا . والله أعلم .
وللعلامة محمد بن علي الشوكاني كلمة في جواز التوسل بالأنبياء وغيرهم من الصالحين ردَّ فيها على منعه وفنَّد إيراداته ، فقال رحمه الله تعالى في رسالته (( الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد )) (1)
(1) وقد تقدم النقل عن الشوكاني ص (25) من كتابه ( تحفة الذاكرين ) في جواز التوسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما كان كلام الشوكاني في تجويزه التوسل والرد على المانعين شجى في حلوق المخالفين،سعوا للتصرف فيه إما بادعاء أنه مدسوس عليه كما قال خالد عبد اللطيف العلمي نقلاً عن بعض من لا يعرف، انظر تعليقاته على الرسائل السلفية للشوكاني(ص 143) طبعة دار الكتاب العربي، وأكثر من هذا أن بعضهم طبع رسالة الشوكاني المذكورة وحذف منها ما يخالف هواه على عادتهم في التحريف، وهو ما صرح به المعلق المتقدم ذكره في (ص143)
وأحب ألا أخلي المقام من بيان حال القاضي الشوكاني – على التحقيق – عند مدعي السلفية .
ففي أطروحة للدكتوراه بعنوان (( منهج الإمام الشوكاني في العقيدة )) والتي نوقشت في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في يوم الثلاثاء 29 من ذي الحجة سنة 1412 ثم طبعت بمؤسسة الرسالة … !
انفصل الباحث عبد الله نومسوك على نتائج من أهمها :
1- أجاز الشوكاني التوسل بالذات والجاه وجعله كالتوسل بالعمل الالح .
2- ذهب إلى جواز تسمية الله عز وجل بما ثبت من صفاته سواء ورد التوفيق بها أو لم يرد .
3- في صفات الله تعالى يقول الباحث المتقدم ما نصُّه ( 2 / 856 – 857 ) :
في صفات الله تعالى :
1) أوَّل بعض الصفات الإلهية في تفسيره: فتح القدير. تأويلاً أشعرياً. والصفات التي أولها هي:=
ما نصه :
أما التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأحدٍ من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه ، فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : إنه لا يجوز
=الوجه ، والعين ، واليد ، والعلوّ ، والمجىء ، والإتيان ، والمحبة ، والغضب ، على التفيل الذي ذكرته في الرسالة . وهذا التأويل مناقض لمنهجه في رسالته ( التحف ) في إثبات الصفات على ظاهرها من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، وهو مذهب السلف رضوان الله عليهم .
2) نهج منهج أهل التفويض في صفة المعية في رسالته التحف ، فلم يفسرها بمعية العلم ، بل زعم أن هذا التفسير شعبة من شعب التأويل المخالف لمذهب السلف . وهذا مخالف لما ذهب إليه في تفسيره وفي كتابه ( تحفة الذاكرين ) من أنَّ هذه المعية معيّة العلم ، وفسرها هنا تفسير السلف .
3) ذهب مذهب الواقفية في مسألة خلق القرآن ، فلم يجزم برأي هل هو مخلوق أو غير مخلوق .
ففي نواقض التوحيد :
1) أجاز تحري الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين باعتبارها أماكن مباركة يستجاب الدعاء فيها .ومخالف لما قرره ودعا إليه في عدد من كتبه من سد الذرائع إلى الشرك في الأموات .
2) جعل الحلف بالقرآن كالحلف بمخلوق من مخلوقات الله .
في النبوات :
يرى في مسألة التفضيل بين الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام . إنتهى .
ولك أن تخلص مما تقدم أن الشوكاني – وهو المدعو إماماًَعندهم ، هو وفق قواعدهم ، وما قرروه بأنفسهم ، وكا ابتدعوه من قواعد باطلة ، حكموا بها على المسلمين أئمتهم بالكفر والضلال ، فيكون الشوكاني في نظرهم ، وشهد شاهد من أهلها – مبتدع ، ضال ، قبوري ، جهمي ، معطل للصفات ، متوقف في مسألة خلق القرآن ، مناقض للتوحيد … الخ . وإذا كان هذا حال الشوكاني ، وفق قواعدهم ، فقل لي بربك ، من هو السني ، وأين هم أهل السنة والجماعة في نظر مشايخ … ؟
وفي رسالتي "ابن تيمية و أصحابه" ما تنحل منه حبوتك، وتعرف مدى تطرف فكر الخوارج.
التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي ( ص ) إن صح الحديث فيه . ولعلَّه يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه،والترمذي وصححه،وابن ماجة ، وغيرهم أن أعمى أتى النبي ( ص )فذكر الحديث .
قال وللنَّاس في معنى هذا قولان :
أحداهما: أنَّ التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال : كنَّا إذا أجدبنا نتوسَّل بنبينا إليك فتسقينا، وإنا نتوسل بعم نبينا هو في صحيح البخاري وغيره ، فقدذكرعمر رضى الله عنه إنهم كانوا يتوسلون بالنبى (ص)في حياته بالاستسقاء، ثم توسل بعمه العباس بعد موته، وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى ، والنبي ( ص ) كان في مثل هذا شافعا وداعيا لهم .
والقول الثاني : إن التوسل به صلى الله عليه وسلم يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته وفي مغيبه، ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به صلى الله عليه وسلم في حياته وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعا سكوتيًا لعدم إنكار أحد منهم على رضي الله عنه في توسله بالعباس رضي الله عنه .
وعندي أنه لا وَجْهَ لتخصيص جواز التوسل بالنبي (ص) كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين: الأول: ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، والثاني : إن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضله إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله (1) ، فإذا قال القائل : اللهمَّ إنى أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم .
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما ، أن النبي ( ص ) حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أنَّ كلَّ واحد منهم توسَّل إلى الله بأعظم عملٍ عمله ، فارتفعت الصخرة . فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركاً كما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام(2)،ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة من الله لهم ولا
(1) فرجع الأمر إلى تصويب القول بالتوسل وأن المانع يمنع أمراً لا وجود له في الحقيقة .
(2) العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى لم يتشدد البتة، ولكن عذر الشوكاني أنه نقل كلام العز ابن عبد السلام بواسطة، كما وضحه شيخنا العلامة المحقق السيد عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى ونور مرقده في الرد المحكم المتين (ص55)، فإنه قال: هذا غلط في النقل عن ابن عبد السلام، لأن فتواه في الإقسام على الله بخلقه لا في سؤاله بجاه فلان ، ونحن ننقل كلامه في ذلك ليتضح المراد، فقد جاء في الفتاوي الموصلية ما نصه: أما مسألة الدعاء فقد جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله ( ص ) علَّم بعض الناس الدعاء فقال في أوله : ( قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة )وهذا الحديث إن صحَّ فينبغي أن يكون مقصوراً على رسول الله ( ص ) لأنه سيد ولد آدم ، وأن يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته وأن يكون هذا مما خص به نبينا على علو درجته ومرتبته . اهـ .
ثم قال السيد عبد الله بن الصديق رحمه الله تعالى ونور ضريحه : هذا كلام عز الدين بحروفه نقلناه من الفتاوي الموصلية ، وهكذا نقله أصحاب الخصائص كالحافظ السيوطي والقسطلاني وغيرهما مستدلين به على أن الإقسام على الله تعالى بالنبي ( ص ) من خصوصياته وهذا غير ما نحن فيه، وهو سؤال الله بجاه فلان من غير إقسام عليه . وبين المسألتين بونٌ كبير كما لا يخفى، فاشتبه الحال على ابن تيمية ودخلت عليه مسألة في أخرى والكمال لله تعالى )) . انتهى كلام =
سكت النبي ( ص ) عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم .
وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى : { مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ، ونحو قوله تعالى : { فلا تدعوا مع الله أحداً } ، ونحو قوله تعالى: { له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ } ليس بوارد بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه، فإن قولهم: ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) مصرح بأنهم عبدوهم لذلك والمتوسل بالعالم مثلاً لم يعبده بل علم أن له مزيةً عند الله بحمله العلم، فتوسل به لذلك .
وكذلك قوله :{ فلا تدعوا مع الله أحداً } فإنه نهى عن أن يدعو مع الله غيره كأن يقول يا الله ويا فلان، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدعُ إلا الله فإنما وقع منه التوسل ليه بعمل صالح عمله بعض عباده ، كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم ، وكذلك قوله {والذين يدعون من دونه } الآية ، فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم .
والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله ، ولم يدع غيره دونه ولا دعا غيره معه .
فإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من
=شيخنا رحمه الله تعالى ونور قبره . وانظر الرد المحكم المتين (54 ، 55 ) وحاشية (ص 222 ) منه .
الأدلة الخارجة عن محل النزاع، خروجاً زائداً على ما ذكرناه، كاستدلالهم بقوله تعالى { وما أدراك ما يوم الدين ، ثم ما أدراك ما يوم الدين ، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً ، والأمر يومئذٍ لله }، فإن هذه الآية الشريفة ليس فيها دلالة إلا أنه تعالى هو المنفرد بالأمر يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شئ ، والمتوسل بنبي من الأنبياء أ, عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر يوم الدين .
ومن اعتقد هذا لعبد من العباد سواء كان نبياًأو غير نبي فهو في ضلال مبين .
وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله تعالى: { ليس لك من الأمر شئ }، { قل لا أملك لنفسى نفعاً ولا ضراً }، فإن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول الله (ص)من أمر الله شئ، وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فكيف يملك لغيره ، وليس فيه منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء أو الأولياء أو العلماء، وقد جعل الله لرسول الله(ص) المقام المحمود مقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه ، وقال له: سلْ تُعطَّ واشفع تشفع ، وقيّد ذلك في كتابه العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى .
وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى:{ وأنذر عشيرتك الأقربين }: يا فلان ابن فلان لا أملك لك من الله شيئاً ، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئاً .
فإن هذا ليس فيه إلا التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لا يستطيع نفع ما أراد الله ضره ، ولا ضرَّ من أراد الله تعالى نفعه ، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلاً عن غيرهم شيئاً من الله ، وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى الله ، فإن ذلك هو طلب الأمر ممَّن له الأمر والنهي ، وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سبباً للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين )) . انتهى كلام الشوكاني رحمه الله تعالى .
وقال الآلوسي (1) مؤيداً التوسل بجاه النبي ( ص ) :
(( أنا لا أرى بأساً في التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي ( ص ) عند الله تعالى حياً وميتاً، ويراد بالجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته ، فيكون معنى قول القائل إلهي أتوسل بجاه نبيك صلى الله تعالى عليه وسلم أن تقضي لي حاجتي ، إلهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي ، ولا فرق بين هذا وقولك : إلهي أتوسل إليك برحمتك أن تفعل كذا ، إذ معناه أيضاً إلهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا )) . انتهى من جلاء العيني بمحاكمة الأحمدين ( ص 572 ) .
(1 ) وهو ممن يشايع ابن تيمية