وأما لبس الباروكة أو البنطال أو الجلباب أو غير ذلك من الحياة العامة فإنها إذا لم تعطه لا تكون ناشزاً، لأن هذه الملابس تلبس خارج البيت وليست متعلقة بالحياة الخاصة. ولا يقال أنه إذا كان مخالفتها لأمره في عدم إغلاق النافذة يجعلها ناشزاً فإنه من باب أولى أن تكون ناشزاً حال مخالفتها لأمره بما هو أكبر كلبس الباروكة لا يقال ذلك
اسم الكتاب: التبصرة
اسم المؤلف: يوسف سباتين
التصنيف: رأي حزب التحرير
حادي عشــــر البـــاروكــــة
أورد الدكتور نصاً من نشرة جواب سؤال 2 محرم لسنة 1392هـ. والنص هو ما يلي:
(وأما لبس الباروكة أو البنطال أو الجلباب أو غير ذلك من الحياة العامة وليس متعلقاً بالحياة الخاصة فإنها إن لم تطعه المرأة لم تكن ناشزاً) انتهى. (وكذلك إذا أمرها إلا تحضر مهرجاناً أو مؤتمراً عاماً فإن لم تطعه فإنها لم تكن ناشزاً) انتهى النص.
تعليق الدكتور
يعلق الدكتور فيقول: بينما ورد في نفس النشرة: لو أمرها أن تغلق النافذة فرفضت فإنها تعتبر ناشزاً. وينبغي أن نشير هنا أن لبس الباروكة محرم في الإسلام، فقد لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة، كما ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواصلة هي التي توصل شعرها بشعر غيرها، أو توصل شعر غيرها بشعر آخر كالتي تضع الباروكة. وروى البخاري بإسناد عن عائشة رضي الله عنها أن جارية من الأنصار تزوجت، وأنها مرضت فتمعط شعرها، وأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة). وجاء في صحيح البخاري أن امرأة اسمها أم يعقوب جاءت إلى ابن مسعود بعد أن سمعته يقول: لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة فقالت له: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قالت: إني أرى أهلك يفعلونه، قال: اذهبي فانظري، فذهبت فنظرت، فلم تجد من حاجتها شيئاً، فقال: لو كانت كذلك لما جامعتها. ألا ترى أن ابن مسعود اعتبر زوجته ناشزاً بفعلها هذا تستحق عليه التأديب بالهجران لها في الفراش كما قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً).
انتهى التعليق.
تناول تعليق الدكتور موضوع الباروكة من وجهين:
1- قارن بين أمر الرجل زوجته بعدم حضور مهرجان أو مؤتمر عام أو لبس الباروكة، وأن عدم إطاعتها له لا يجعلها ناشزاً، وبين أمره لها بإغلاق النافذة وأنها تكون ناشزاً حال عدم طاعتها له، فلسان حال الدكتور يقول: إذا كان مخالفة الزوجة له في عدم إغلاق النافذة يجعلها ناشزاً فإنه من باب أولى أن تكون ناشزاً حال مخالفتها لأمره بعدم حضور مهرجان أو مؤتمر عام أو بلبس الباروكة.
2- أنه اعتبر لبس الباروكة حراماً اندراجاً تحت حكم الواصلة، وكون الزوجة خالفت أمر زوجها في ارتكاب الحرام فيلزم من ذلك أن تكون ناشزاً.
ولتوضيح ذلك نقول:
إن حضور مهرجان أو مؤتمر عام وإغلاق نافذة بيت أو فتحها من المباحات شرعاً ولكل من الرجال والنساء أن يباشر وها. وطلب الرجل من زوجته عدم حضور مؤتمر عام أو مهرجان هو طلب امتناع عن فعل مباح، وطلبه منها إغلاق نافذة البيت هو طلب فعل مباح. ولكن لماذا تكون المرأة ناشزاً إذا عصته في عدم إغلاق نافذة البيت، ولا تكون ناشزاً إذا عصته بحضور مؤتمر عام أو بخروجها لابسة الباروكة، مع أن حضور المؤتمر وإغلاق النافذة من المباحات؟
للمرآة حياة خاصة وحياة عامة، أما الحياة الخاصة ففي داخل بيتها وفي المكان الذي يحتاج دخوله إلى إذن لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها)، وهي في حياتها الخاصة يباح لها أن تكون متبذلة، فتظهر بعض عورتها، كانكشاف رأسها أو ظهور عنقها أو فتحة قميصها، وقد تلبس فستاناً قصيراً أو شفافاً ما لم يكن في البيت من هو أجنبيّ بالنسبة لها.
وأما الحياة العامة ففي خارج بيتها وفي الأماكن التي لا يحتاج دخولها إلى إذن، كالأسواق والمساجد والساحات العامة، والطرقات والحقول والمحلات التجارية والحدائق العامة وغير ذلك من الأماكن.
وفي الأماكن العامة يجب أن يكون لباسها لباساً شرعياً، ولا يجوز لها التبدل.
أما الحياة الخاصة وكل ما هو من شؤون الزوجية فهو حق الزوج على زوجته، وتجب طاعته في كل ذلك بينما الحياة العامة وما ليس من شؤون الزوجية فهو حق من حقوقها، فلها أن تعمل في التعليم وفي الزراعة، ولها أن تتاجر أو أن تعمل طبيبة أو غير ذلك في حدود فكرة (مجتمع النساء منفصل عن مجتمع الرجال) إلا لحاجة يقرها الشرع.
والنشوز هو عصيان الزوجة لزوجها، وليس هو مخالفة أوامر الله ونواهيه، فإذا أمر الزوج زوجته ولم تطعه كانت ناشزاً، وله في هذه الحال معاقبتها ولا تجب عليه حينئذ نفقتها، فإذا رجعت عن النشوز يصبح لا حق له أن يعاقبها، وتجب حينئذ لها النفقة.
قلنا إن النشوز هو مخالفة الزوجة أوامر زوجها ونواهيه، ولكن هل يطّرد ذلك في كل أوامره ونواهيه؟
الحق أنه لا يطرد، لأن النشوز هو مخالفة أوامر الله ونواهيه فيما يتعلق بالحياة الخاصة وفيما يتعلق بأمور الزوجية. لأنها من حقوق الزوج على زوجته، أما ما عدا ذلك فلا يعتبر نشوزاً. فما هو من الحياة العامة وما ليس من الشؤون الزوجية لا يدخل في النشوز، فإذا أمرها بإحضار الطعام له، أو بستر عورتها أمام الرجال الأجانب أو بأن تلبس لباساً أنيقاً، أو أن لا تفتح نافذة البيت، أو أن لا تخرج من بيته أو غيره مما يتعلق بالحياة الخاصة أو ما يتعلق بأمور الزوجية فإن الشرع أوجب عليها طاعته في ذلك وإلا كانت ناشزاً.
أما ما لا يتعلق بالحياة الخاصة أو شؤون الزوجية فليس له إلا أن يأمرها، فإن أطاعته كان بها، وإن لم تطعه لا تعتبر ناشزاً، وليس له حق في عقوبتها، فإذا أمرها بالحج أو أمرها بإخراج زكاة أموالها، أو نهاها عن صلة رحمها أو أمرها بالجهاد أو نهاها عن أن تذهب إلى الصلاة في المسجد مع الجماعة، أن من أن تحضر محاضرة فلم تطعه لا تكون ناشزاً.
ولما كان فتح نافذة من نوافذ البيت أو إغلاقها من الحياة الخاصة كانت طاعة أمر الزوج واجبة فإذا عصته الزوجة في ذلك كانت ناشزاً ,وأما لبس الباروكة أو البنطال أو الجلباب أو غير ذلك من الحياة العامة فإنها إذا لم تعطه لا تكون ناشزاً، لأن هذه الملابس تلبس خارج البيت وليست متعلقة بالحياة الخاصة.
ولا يقال أنه إذا كان مخالفتها لأمره في عدم إغلاق النافذة يجعلها ناشزاً فإنه من باب أولى أن تكون ناشزاً حال مخالفتها لأمره بما هو أكبر كلبس الباروكة لا يقال ذلك لأن هذا يقال لو عصته في كشف عورتها أمام الرجال الأجانب أو رفضت أن تلبس له لباساً أنيقاً أو رفضت أن تحضر له طعاماً، لأن هذه الأمور من جنس أخلاق النافذة أي من الأمور التي من حق الزوج على زوجته أن تطيعه فيها، لأنه أما من الحياة الخاصة أو من الشؤون الزوجية. أما لبس الباروكة أو البنطال أو الجلباب فليست من الحياة الخاصة أو الشؤون الزوجية، وإنما هي من الحياة العامة التي هي من حق الزوجة، فهي من جنس آخر.
هذا من حيث الوجه الأول، وأما الوجه الثاني فقد اعتبر الدكتور لبس الباروكة حراماً اندراجاً تحت حكم الواصلة، واعتبر المرأة ناشزاً ًلكونها خالفت أمر زوجها في عملها الحرام بلبسها الباروكة.
أما أنها ناشز لأنها قامت بفعل محرم فليس ذلك سبباً كافياً لأن تكون المرأة ناشزاً، ولا حكماً مطّرداً، فالنشور هو عصيان الزوجة لزوجها، وليس مخالفة أوامر الله ونواهيه، فلبس المرأة البنطال والخروج به إلى السوق حرام، وامتناعها عن دفع زكاة مالها وعدم ذهابها للحج مع قدرته عليه حرام كذلك، ولكنها لا تكون ناشزاً بسبب ذلك. والشرع لم يجعل للزوج حق عقوبة الزوجة على ترك الفروض أو المحرمات. وإنما جعل ذلك للدولة وحدها، وما جعله للزوج من حق العقوبة هو أن يعاقبها على نشوزها بعقوبات معينة بينها فقال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطنعكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) وقصر ذلك على الحياة الخاصة وما كان من الشؤون الزوجية.
أما أن لبس الباروكة حرام قياساً على الواصلة أو اندراجها تحت حكمها العام لتشابه الواقعين واقع توصيل الشعر , وواقع لبس الباروكة فرأى يحتاج نقاش.
أما أن لبس الباروكة حرام قياساً على الواصلة فهذا يحتاج إلى معرفة العلة في الأصل (أي نص الحديث)، ثم التأكد من [أن] نفس العلة موجودة في لبس الباروكة.
ذكر العلماء في شرحهم الحديث أن وصل الشعر لتزيين المرأة أو للزيادة في تزيينها حرام، وكذل وصل الشعر للتدليس، أي إيهام الرجال بجمال المرأة، فيكون وصل الشعر وصفاً مفهماً، أي يفهم منه أن وصل الشعر للتزيين، فتكون علة منع وصل هو كونه يزيد في جمال المرأة وفي تزيينها، ولكنها علة قاصرة، وليست مطّردة وإلا لكان كل من تجملت من النساء لزوجها بالرائحة الطيبة أو بأحمر الشفاه، أو بلبس الحلي أو بالاكتحال لكانت ملعونة. والعلة القاصرة لا يقاس عليها غيرها، ولذلك تبقى حرمة وصل الشعر مقصورة على ما ورد في الحديث.
وأما أن لبسها حرام اندراجاً تحت حكم الواصلة لتشابه الواقعين: واقع وصل الشعر وواقع لبس الباروكة، فهذا يحتاج إلى تحقيق المناط في الوصل وفي لبس الباروكة. أما وصل الشعر فيكون بربط الشعر المستعار بالشعر الأصلي، ويعمل منهما ضفائر للرأس يوهم بكثرة شعر المرأة. وأما الباروكة فهي مستقلة تماماً عن شعر الرأس، فهي كالقبعة، وتستعمل غطاء للرأس، سواء أكانت فوق شعر الرأس مباشرة أو فوق شيء يغطي شعر الرأس، فهي ليست مرتبطة بشعر الرأس، فواقعها غير واقع وصل الشعر، ولذلك لا تندرج تحت حكم الواصلة، فحرمة لبس الباروكة لا يكون بقياسها على الواصلة، ولا باندراجها تحت حكم الواصلة، ولكن المرأة المسلمة في الحياة العامة يجب أن تلبس جلبابها أو ملحفة غير شفافة تغطي جميع بدنها من منكبها إلى أطراف أصابع قدمها، وأن تلبس خماراً يغطي جميع رأسها وعنقها وفتحة قميصها، وأن لا يظهر عليها من زينتها غير الوجه والكفين، وأن لا تحاول أن تظهر ما يخفى من زينتها، وأن لا يكون لباسها هذا لافتاً للنظر، فإن خالفت شيئاً من ذلك كانت آثمة. والباروكة وإن كانت غير عورة –لأنها ليست من شعر المرأة- ولا تندرج تحت حكم الواصلة ولا تقاس عليها؛ ولكنها إظهار لزينة المرأة، فإذا كانت ملفتة للنظر فهي تبرج، لأن التبرج هو إظهار الزينة بشكل لافت للنظر، والتبرج حرام، أما وصل اشعر والذي قال فيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لو أن زوجته فعلته لما جامعها) فهو من الحياة الخاصة، وفي الحياة الخاصة إذا أمر الزوج زوجته بشيء وخالفته كانت ناشزاً، وله الحق أن يعاقبها بالعقوبات التي وردت في الآية، من العظة والهجر في الفراش والضرب، بخلاف الباروكة؛ فهي من الحياة العامة والمخالفة في ذلك تتولاها الدولة.
ولكن ليس معنى ذلك أن يبقى الزوج ساكتاً وإنما ينهاها عن ذلك، وإلا كان مشاركاً لها في الإثم، لكنها إن أبت، فليس له أن يعاقبها عقوبة النشوز.