أما الفكرة فقد أثمرت في أمر ونضجت، ولكنها أثمرت ولم تنضج في أمر آخر، فقد أوجدت لدى الأمة اتجاها عاماً نحو الإسلام ورأيا عاماً منبثقاً عن وعي عام وهو أنه لا خلاص لها إلا بالإسلام وإلا بقيام دولة الإسلام، وأوجدت عدداً من أهل النصرة في عدة أقطار قامت بمحاولات لإقامة دولة الخلافة خلال هذه العقود الثلاثة، ولكنها لم تنجح بسبب ما اتخذته الدول المحلية والأجنبية من احتياطات، وما سلكته من أساليب خبيثة لمنع الحزب من الوصول إلى غايته.
اسم الكتاب: التبصرة
اسم المؤلف: يوسف سباتين
التصنيف: رأي حزب التحرير
الفهرست
سادس عشــــر أقامة الدولة والعقود الثلاثة
ذكر الدكتور ثلاثة أمور لها علاقة وثيقة بالزمن وقال : بأن الحزب قد أخطأ في تصوره لها فقد مضت المدة ولم يتحقق شيء منها. وهذه الأمور الثلاثة هي :
1ـ قال الدكتور: يقول الحزب بأنه يأمل أن يصل إلى الحكم خلال ثلاثة عشر عاماً، وأنه يعتبر الحركات الإسلامية فاشلة لأنها لم تستطع أن تقيم الدولة الإسلامية خلال ثلاثة عشر عاماً. هذا القول من الدكتور هو مجرد افتراء على الحزب، وبالرجوع إلى كتاب التكتل وكتاب مفاهيم حزب التحرير تجد ما يقوله الحزب في أسباب فشل الحركات الإسلامية هو أنها أسباب فكرية من جهة وأسباب تكتلية من جهة أخرى وليس لها علاقة بالزمن.
2ـ قال الدكتور: يقول الحزب بأن التثقيف هذا سيؤدى إلى أن تكون تربة هذه الأمة منبتا طبيعيا لرجل الدولة، ويرى الحزب أن هذه لا يحتاج إلى عشرات السنين، بل لا بد أن ينتج حتماً على يد نفس الجيل الذي يقوم بهذا التثقيف. نعم فقد حصل هذا، وهناك من الشباب من يصلح لأن يكون رجل دولة لو أتيح له أن يمسك زمام الحكم.
3ـ قال الدكتور : يفترض حزب التحرير أن كل فكرة يجب أن تثمر خلال ثلاثة عقود. نعم هذا ورد في كتاب التفكير، ولكنه ليس حكماً شرعياً مستنبطاً من دليل شرعي، وإنما هو رأى مبني على دراسة واقع سياسي، يحتمل التغير فقد يصدق وقد لا يصدق.
أما الفكرة فقد أثمرت في أمر ونضجت، ولكنها أثمرت ولم تنضج في أمر آخر، فقد أوجدت لدى الأمة اتجاها عاماً نحو الإسلام ورأيا عاماً منبثقاً عن وعي عام وهو أنه لا خلاص لها إلا بالإسلام وإلا بقيام دولة الإسلام، وأوجدت عدداً من أهل النصرة في عدة أقطار قامت بمحاولات لإقامة دولة الخلافة خلال هذه العقود الثلاثة، ولكنها لم تنجح بسبب ما اتخذته الدول المحلية والأجنبية من احتياطات، وما سلكته من أساليب خبيثة لمنع الحزب من الوصول إلى غايته.
فقد قامت بعدة أساليب، منها: الدعاية المغرضة الكاذبة ضد الحزب، ومنها كتاب من يسمّى بالدكتور صادق أمين، ومنها تجويع أعضاء الحزب بطردهم من أعمالهم ومنعهم من العمل في دوائر هذه الدول وفي مؤسساتها، ومنها حظر نشاط الحزب في جميع البلاد الإسلامية، ومنها اعتقال أعضائه وزجهم في السجون والكتمان على اعتقالهم بحيث لا بعلم عنهم أهلهم شيئاً وخاصة في العراق وسوريا، وعدم السماح بزيارتهم. ومنها سحب جوازات سفرهم حتى لا يتمكنون من الخروج لطلب الرزق أو لطلب العلم، ومنها التعتيم على أخبار الحزب، فلا يذكرون عنه شيئاً، فقد أعدم من شبابه ثلاثة عشر شخصاً منهم أطباء ومعلمون على يد محرّف القرآن العميل القذافي، وأعدم واحد وعشرون ضابطاً من أهل النصرة على يد السفاح البعثي صدام حسين في العراق. ومات تحت التعذيب اثنان في سوريا، وحكم على خمسة عشر شاباً بالإعدام في الأردن، ولم ينفذ الحكم، فلم تذكر عن هؤلاء إذاعة محلية ولا أجنبية، ولم تجرؤ صحيفة ولا وكالة أنباء ولا مجلة أن تذكرهم. ومن الأساليب طرد الآلاف من السعودية والكويت والإمارات العربية والبحرين ودول أوربا الشرقية، ومنها سحب جوازات سفر المئات من الطلاب والموظفين في الخارج وعدم تجديدها لكي يطرد من هو في دولة أجنبية ليأتي إلى بلده لتصفّي المخابرات حسابها معه على نشاطه خارج بلده، ومنها إبقاء بعضهم في السجون لوقت غير محدد قد بلغ العشر سنوات ولمّا يحاكموا. ومنها اجتماعات وزراء الداخلية للدول العربية المتكررة لمقاومة نشاط الحزب الذي استعصى عليهم فلم يتمكنوا من احتوائه ليكون في أيديهم كما هي حال الدكتور وجماعته. هذه الملاحقات والمطاردات وما لحق الأمة من بطش وإرهاب كل ذلك أعاق الحزب عن الوصول إلى إقامة الدولة، ومع هذا فالحزب لا زال جاداً في سيره متحدياً الصعاب للوصول إلى هدفه، ولو كان المجال مفتوحاً لهم في الجامعات والمعاهد والمدارس والمساجد والكثير من المناسبات كجماعة الدكتور لما مضت العقود الثلاثة إلا وقد قامت دولة الخلافة.