وقائد الجيش الوارد في النشرة ليس كما يتوهم أنه قائد الجيش الإسلامي، بل هو قائد في الجيش، لأن قائد الجيش كله هو الخليفة. فالخليفة هو الذي يعين هيئة الأركان، وهو الذي يعين قادة الجيوش، والكافر لا يجوز له أن يكون خليفة
اسم الكتاب: التبصرة
اسم المؤلف: يوسف سباتين
التصنيف: رأي حزب التحرير
الفهرست
رابعــــــــاً جواز أن يكون الكافر قائداً في الجيش
الجيش في الدولة الإسلامية يقوم بالجهاد في سبيل الله، ويحمي بلاد المسلمين من الخطر الخارجي، ويحفظ الأمن الداخلي. وجواز أن يكون الكفر قائداً في الجيش أو لا يجوز، فهذا يعود إلى موضوع جواز الاستعانة بالكافر في القتال أو عدم الجواز. والكفار يجوز أن يستعان بهم في القتال، ولكن بوصفهم أفراداً وبشرط أن يكونوا تحت الراية الإسلامية, أما الاستعانة بهم كطائفة معينة لها كيان مستقل عن الدولة الإسلامية فلا يجوز مطلقاً، ويحرم أن يستعان بهم كدولة مستقلة. والدليل على جواز الاستعانة بهم في القتال كأفراد لا ككيان مستقل ما يلي:
أولاً: خرج قزمان مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو مشرك، فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل المشرك).
ثانياً: خرجت قبيلة خزاعة مع النبي عام الفتح لمحاربة قريش وكانت خزاعة حينئذ على الشرك حتى قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم فقد كثر القتل إن نفع لقد قتلتم قتلاً لأديَنَّه). ولم يكن لخزاعة كيانها بل كانت تقاتل تحت إمرة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: وروى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم.
رابعاً: تعريف الإجارة بأنه عقد على المنفعة بعوض. يدل على أن الإجارة جائزة على كل منفعة يمكن للمستأجر استيفاؤها من الأجير، فيدخل فيها استئجار الشخص للجندية وللقتال مسلماً كان أو كافراً، غير أن المسلم مقيد في قتال غيره من العباد بحدود ما يسمح له الشرع وللغرض الذي من أجله شرع القتال.
هذه الأحاديث كلها صحيحة وتدل دلالة صريحة على جواز الاستعانة بالكفار أفراداً، أي على جواز أن يكون الكافر في جيش المسلمين، يقاتل العدو مع المسلمين إلا إنه لا يجبر على أن يكون في الجيش، ولا يجبر على القتال لأن الجهاد ليس فرضاً عليه، ولا يُعطى من الغنيمة ولكن يرضخ له. وقد ترد اعتراضات على جواز وجود الكافر في الجيش الإسلامي مثل:
أولاً: ورد عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان تُذكَر منه جرأة ونجدة، ففرح به أصحاب النبي حين رأوه، فلما أدركه قال جئت لأتبعك فأصيب معك. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك. قالت: ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل فقال كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة فقال: لا، قال فارجع فلن أستعين بمشرك، قالت فرجع فأدركه بالبيداء قال له كما قال أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. فقال له انطلق.
هذا الحديث لا يتعارض مع الثابت أنه صلى الله عليه وسلم استعان بمشركين، وذلك لأن هذا الرجل اشترط أن يحارب ويأخذ من الغنيمة، فإنه قال: (جئت لأتبعك وأصيب معك)، والغنيمة لا تُعطى لغير المسلمين، فيحمل رفض الرسول الاستعانة به على ذلك، كما يحمل على أن الاستعانة بالكفار أفراداً موكولة لأمر الخليفة إن شاء استعان وإن شاء رفض.
ثانياً: ورد عن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزواً أنا ورجل من قومي ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم، فقال: (أأسلمتما؟ ) فقلنا: لا، فقال: (إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) فأسلمنا وشهدنا معه.
هذا الحديث يحمل على أن الاستعانة بالكفار موكولة لرأي الخليفة، إن شاء استعان وإن شاء رفض. والرسول استعان بأحد، واستعان في فتح مكة، ورفض الاستعانة في بدر، ورفض الاستعانة بخبيب والرجل الذي معه حتى أسلما. فكون الرسول ثبت عنه أنه استعان بأفراد من الكفار في القتال وهم على كفرهم وثبت عنه أنه رفض الاستعانة بأفراد من الكفار في القتال على أن الاستعانة بأفراد الكفار في القتال جائزة وأنها موكولة لرأي الخليفة، إن شاء قبل الاستعانة وإن شاء رفضها. وذكر البيهقي عن نص الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم تفرّس الرغبة في الذين ردهم رجاء إسلامهم فصدق الله ظنه.
ثالثاً: روى أحمد والنسائي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستضيئوا بنار المشركين). وهذا الحديث يتعارض مع الحديث عن قزمان، لأن نار القوم كناية عن كيانهم في الحرب كقبيلة مستقلة أو دولة.
رابعاً: ما روي عن أبي حميد الساعدي أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خلف ثنية الوداع إذا كتيبة، قال: من هؤلاء؟ قالوا: ينو قينقاع، رهط عبد الله بن سلام، قال: أوتسلموا؟ قالوا: لا، فأمرهم أن يرجعوا، وقال: (إنا لا نستعين بالمشركين) فأسلموا.
أما ردهم فلأنهم طائفة مجتمعة في كتيبة كافرة وجاءت تحت رايتهم باعتبارهم من بني قينقاع التي بينها وبين الرسول معاهدات وكانت كدولة، بينما في خيبر قبل الاستعانة باليهود كأفراد، وتلاحظ أنه قبل الاستعانة بقزمان في أحد، ولم يقبل الاستعانة ببني قينقاع في نفس المعركة، وليس من سبب إلا لأنهم جاؤوا تحت رايتهم، أما قزمان فقاتل تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم.
خامساً: قائد الجيش محل أمانة وثقة، والله تعالى يقول: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم)[1] هذه الآية هي إخبار على لسان اليهود، فهي في حق اليهود ومن شرعهم، فهي ليست شرعاً لنا، ويجوز لنا أن نأمن الكافر كفرد، وكان له صلى الله عليه وسلم خادم يهودي وكان يأمنه.
سادساً: قد يتوهم أن القائد في الجيش بمنزلة الحاكم، والله تعالى يقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)، والحقيقة أن القائد في الجيش ليس حاكماً ولا أميراً، وإنما هو موظف، أي أجير يعمل بأجر.
سابعاً: قد يحصل من وجود الكافر قائداً في الجيش ضرر للدولة وللأمة، والجواب على ذلك هو أن الاستعانة بالكفار جاءت مطلقة، فالأمر متعلق بجواز وجود الكافر في الجيش وليس برتبته، فإذا كان في شخص معين أو في رتبة معينة في الجيش وينال الأمة منه ضرر؛ فإنه يحرم أن يوجد في الجيش أو في تلك الرتبة حتى ولو كان مسلماً، لأن الفرد من أفراد المباح إذا أوصل إلى ضرر فإنه يمنع، وقائد الجيش الوارد في النشرة ليس كما يتوهم أنه قائد الجيش الإسلامي، بل هو قائد في الجيش، لأن قائد الجيش كله هو الخليفة. فالخليفة هو الذي يعين هيئة الأركان، وهو الذي يعين قادة الجيوش، والكافر لا يجوز له أن يكون خليفة أي لا يجو أن يكون قائداً للجيش الإسلامي كله. حتى ولا يجوز أن يكون أميراً للجهاد، لأن أمير الجهاد لا يتأتى أن يكون كافراً، لأنه يشرف على دائرة الخارجية التي تتولى عقد المعاهدات المبنية على أحكام الشرع، ويشرف أيضاً على دائرة الحربية التي من ضمن اختصاصها وضع الثقافة الإسلامية للجيش، وهذه لا يتأتى للكافر أن يشرف عليها أو يقررها، ولكن يجوز للكافر أن يكون قائداً في الجيش لا قائد الجيش.