اسم الكتاب: التبصرة
اسم المؤلف: يوسف سباتين
التصنيف: رأي حزب التحرير
الفهرست
- سادســـــــاً جواز قبول الهدية من دولة كافرة
- سابعاً جواز أن تكون المرأة عضوا في مجلس الشورى وكذلك غير المسلم
- العودة إلي كتاب التبصرة ليوسف البساتين
سادســـــــاً جواز قبول الهدية من دولة كافرة
قبول الهدية من دولة كافرة أو من فرد كافر جائز شرعاً، وهذا ليس رأياً اجتهادياً، ولا أظن أن أحداً على درجة من العلم بالأحكام الشرعية يخالف في ذلك لأن النص الوارد في هذا الحكم يدل بمنطوقه عليه، وليس من حاجة إلى الاجتهاد في فهم النص.
ورد عن علي رضي الله عنه قال: (أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه، وأهدى له قيصر فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منها).
وفي حديث عن بلال المؤذن قال: انطلقت حتى أتيته (يعني الرسول صلى الله عليه وسلم) وإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن، فاستأذنت فقال لي: (ألم تر الركائب المُناخات؟ فقلت: بلى، فقال: إن لك رقابهن وما عليهن، فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إليّ عظيم فدك، فاقبضهن واقض دينك ففعلت).
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة ابنة عبد العزى بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا ضباب وإقط وسمن وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين...) الآية. فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها.
إن قيصراً وكسرى وعظيم فدك أهدوا للنبي صلى الله عليه وسلم وقبل منهم هداياهم، وكل واحد منهم رئيس دولة، فهو حينما يتصرف إنما يتصرف باسم الدولة، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، فقبول الرسول الهدية من قيصر أو كسرى أو من عظيم فدك، هو قبول لها من دولة كافرة، وقبول أسماء الهدية من أمها قتيلة المشركة بأمر من الرسول هو قبول لها من فرد كافر، فالهدية أو الهبة التي يراد منها التعبير عن الصداقة والمودة أو حسن الجوار تقبل ولا شيء في قبولها، وكما يجوز قبولها يجوز رفضها.
أما الهدية أو الهبة من دولة كافرة تريد من الهدية أن تحقق أمراً من الأمور التي تضر بالمسلمين فتمنع عملاً بالقاعدة القائلة: (كل فرد من أفراد المباح إذا أوصل إلى ضرر يمنع)، كما هي الحال في المنح والهبات التي تقدمها أمريكا والدول الكبرى للدول المتخلفة.
سابعاً جواز أن تكون المرأة عضوا في مجلس الشورى وكذلك غير المسلم
الشورى حق لجميع المسلمين على الخليفة، فلهم عليه أن يرجع إليهم في أمورهم التي تجب فيها المشورة، قال تعالى:(وأمرهم شورى بينهم)[5]، وقال أيضاً: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله)[6]، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير المسلمين ويرجع إليهم في كثير من الأمور، وكان يختار سبعة من الأنصار وسبعة من المهاجرين على أساسين:
أولهما: أنهم نقباء عن جماعتهم بغض النظر عن كفايتهم ومقدرتهم.
وثانيهما: أنهم ممثلون عن المهاجرين والأنصار.
والغرض الذي وجد من أجله أهل الشورى هو التمثيل للناس، والتمثيل للأفراد وللجماعات وللناس غير المعروفين، وهذا لا يتحقق في المجتمعات الكبيرة إلا بالانتخاب، وعلى ذلك فإنه يستنبط من كون أعضاء مجلس الشورى وكلاء في الرأي، ومن كون العلة التي وجد من أجلها مجلس الشورى هو التمثيل للأفراد والجماعات هو الرأي، ومن عدم تحقق هذه العلة في الناس غير المعروفين إلا في الانتخاب العام، يستنبط من ذلك كله أن أعضاء مجلس الشورى ينتخبون انتخاباً، ولا يصح أن يعينوا تعييناً. ولما كان أعضاء مجلس الشورى وكلاء عن الناس في الرأي، لذلك يجوز لكل من تجوز وكالته أن يكون عضواً في مجلس الشورى، إذا وكله الناس في ذلك. ولما كان كل مسلم بالغ عاقل ذكراً كان أو أنثى يجوز له أن يكون وكيلاً جاز أ، يكون عضواً في مجلس الشورى، وتنطبق عليه أحكام الوكالة. وكما أن للمسلم حق الشورى، فإن لغير المسلم الحق في إبداء الرأي في تطبيق الإسلام عليه وفيما يلحقه من ظلم من الحاكم. والفرق بين المسلم وغير المسلم هو أن المسلم له حق الشورى على الخليفة، أي يجب على الخليفة أن يستشير المسلمين، أما غير المسلم فليس له حق الشورى، ولكن إذا رغب الخليفة في أن يستشير غير المسلمين فله ذلك لقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)[7]. ولكن لغير المسلمين الحق في أن يشتكوا من إساءة تطبيق الإسلام عليهم، أو مما يلحقهم من ظلم من الحاكم أو غيره، ولهم أن يوكلوا عنهم من يمثلهم في الرأي، ولكن تمثيله لهم يقتصر على إظهار الشكوى من ظلم الحاكم، أو من عدم تطبيق الإسلام عليهم تطبيقاً حسناً.
ولما كان غير المسلم يجوز له أن يكون وكيلاً عن المسلم وغير المسلم، وعضوية مجلس الشورى وكالة عن الناس في الرأي فيجوز أن ينتخب من المسلمين ومن غير المسلمين، وأن يبدي الرأي وكالة عنهم ولكن في الحد الذي ذكرناه.
وأما بالنسبة للمرأة فإنه علاوة على أن أحكام الوكالة تكفي للدلالة على أن لها أن تكون عضواً في مجلس الشورى إذا أحرزت شروط النجاح بنيلها أصوات المنتخبين، فإن هناك أدلة أخرى تجيز لها ذلك، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما التقى بأهل النصرة من أهل المدينة وبايعهم بيعة الحرب، كان معهم امرأتان بايعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بايعه الرجال، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا لي اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم كفلاء)، وهذا أمر منه للجميع بأن ينتخبوا من الجميع اثني عشر شخصاً، ولم يخصّ الرجال ولم يستثنِ النساء، لا في من يَنتخب، ولا في من يُنتخب. والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يرد دليل التقييد، والعام يجري على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص، وهنا جاء الكلام عاماً ومطلقاً، ولم يرد أي دليل للتخصيص أو التقييد، فدل على أن الرسول أمر المرأتين أن تنتخبا النقباء، وجعل للمرأتين حق انتخابهما من المسلمين نقيبتين.
وأما قول الرسول: (ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) فكان إشارة إلى تولية الفرس لابنة أحد ملوكهم. فالموضوع موضوع حكم، وأما مجلس الشورى فليس من الحكم وإنما هو من أجل إعطاء الرأي في المشاكل التي تعترض الخليفة أو تعترض المسلمين.