أما الأعمال التي من شأنها إصلاح الفرد فهي التي تجعل من الفرد درويشاً ناسكاً همه الإكثار من الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن، ولكنه لا يهتم بما يدور حوله من تآمر على أمته، وتجعل منه إنساناً حيياً ينفذ ما يقوله رئيسه، ويتجه حيث يوجهه ويغلق سمعه عن كل ما يخالف ما تلقّاه عنه، حتى ولو أتيته بدليل قطعي من الكتاب أو السنة يعارض ما هو عليه فلا يأخذ به، فهو معطّل التفكير
اسم الكتاب: التبصرة
اسم المؤلف: يوسف سباتين
التصنيف: رأي حزب التحرير
الفهرست
- رابــــــع عشر مسألة تعريف الروح
- خامس عشر دفع الدولة الإسلامية الجزية لــدولــة كــافـــرة
- العودة إلي كتاب التبصرة ليوسف البساتين
رابــــــع عشر مسألة تعريف الروح
يعلق الدكتور على الحزب بأنه يعتمد الفكر في بناء الشخصية الإسلامية وفي إنهاض الأمة، ويعلق على تعريف الحزب لمعنى الروح المأخوذة من الروحانية والناحية الروحية ـ وليست الروح التي هي بمعنى سر الحياة ـ ويقلل من قيمة الفكر. و ينكر أن الروح هي إدراك الإنسان صلته بالله تعالى, ويعرفها تعريفاً خيالياً عاطفياً فيقول بأنها آلة تحقيق هذه الصلة بالله بتحويل الإيمان بالله إلى حقيقة ملموسة يشعر معها المرء برقابة الله في كل آن فيخافه ويتجه إليه, فهو يخلط بين التعريف للروح وبين تأثير هذه الروح. ونقول لمن أراد أن يطلع على تعريف الروح مفصلاً فليرجع على كتاب مفاهيم حزب التحرير.
مناقشة تعليق الدكتور
نقول للدكتور نعم إن الروح هي إدراك الإنسان صلته بالله تعالى, وإدراك الصلة هذا هو الذي يعين موقف الإنسان من العمل الذي تقتضيه هذه الصلة ولتفسير ذلك نقول:
إذا سألنا شخصاً عن قريب له, فقلنا له ما صلتك بفلان؟
فإنه يقول صلتي به صلة قرابة, وإذا سألته عن صلته بصاحب له فإنه يقول: صلة صداقة وحينما تواجه إنساناً وتتذكر صلتك به وأنها صلة رحم وقرابة، تجد نفسك تهشّ إليه وتحترمه وتكرمه وتحسن إليه، لماذا؟ لأن للرحم والقرابة حقهما في الإحسان والاحترام، ولكنك حينما تواجه إنساناً قريباً لك ومن رحمك، ولكنك لا تعرف صلته بك فإنك لا تهتم اهتمامك به لو كنت تعلم أنه قريبك ومن رحمك. فإدراك الصلة هو الذي يعين موقف الإنسان. وأما صلة الإنسان بالله تعالى فليست صلة قرابة ولا صلة رحم ولا صلة صداقة، وإنما هي صلة خَلْق، أي أن صلة الإنسان بالله هو أنه مخلوق لله الخالق. فالإنسان الذي يدرك هذه الصلة يقوم بما توجبه عليه هذه الصلة، فالمخلوق تجب عليه طاعة خالقه فيندفع لأدائها، أما الذي لا يدرك هذه الصلة، أي لا يعرف أنه مخلوق لله، فلا يندفع لأي عمال تجاه الخالق. ولهذا نفرق بين المؤمن والكافر فنقول بأن المؤمن فيه روح –أي يدرك أنه مخلوق لله، فيقوم بالأعمال التي يقتضيها الإيمان-. وأما الكافر فلا روح فيه– أي : لا يدرك أنه مخلوق لله ولذلك لا يقوم بالأعمال التي يطلبها الله منه-.
والروح بهذا المعنى ليست جزءاً من الإنسان وإلا لما كان هناك فرق بين المؤمن والكافر.
أما قول الدكتور بأن الروح هي آلة تحقيق هذه الصلة فيدل على عدم الدكتور، وعلى عدم تفكيره، وذلك لأمور:
أولاً: الدكتور ينكر أن الروح هي إدراك الصلة بالله، ويقول بأنها آلة تحقيق هذه الصلة، نقول للدكتور طالما أن صلة الإنسان بالله هي كون الإنسان مخلوق لله الخالق، فالصلة إذاً متحققة وحاصلة بالإدراك وغير الإدراك وبالآلة وبغير الآلة وفي المؤمن والكافر على السواء، لأن كلاً منهما مخلوق لله تعالى. ولكن المؤمن يختلف عن الكافر بأن المؤمن يدرك هذه الصلة والكافر غير مدرك لها.
ثانياً: اعتبر الدكتور تحقيق الصلة أمراً مؤثراً يحوّل الإيمان بالله إلى حقيقة ملموسة، ولو كان تحقّق الصلة أمراً مؤثراً يحوّل الإيمان إلى حقيقة ملموسة لحصل ذلك للكافر والمؤمن على حد سواء لأن صلة كل واحد منهما بالله حاصلة ومتحققة.
والذي يؤسف له أن الدكتور لم يفهم معنى الصلة الوارد في التعريف، وإنما فهم خطأ أن معنى الصلة هو الإيمان بالله مع أن إدراك الصلة هو الإيمان وليس تحقق الصلة، لأن تحقق الصلة حاصل في كل شيء، وصلة كل شيء بالله هو كون هذا الشيء مخلوقاً لله، سواء أكان هذا الشيء حياً كالإنسان والحيوان والنبات، أم كان جماداً كالتراب والحجارة وغيرها.
ثالثاً: أما آلة تحقيق ذلك فهي الدوافع التي تدفع الإنسان للعمل كالقيام بالصلاة والصيام وكالجهاد، وكالعمل لتغيير الواقع الفاسد أو العمل لإقامة دولة الخلافة، وهذه الدوافع هي أوامر الله ونواهيه، أي الأحكام الشرعية، والاستجابة تكون بحسب هذه الأحكام، فإن كان الحكم فرضاً وجب القيام بالفعل على وجه الفرضية، وإذا كان مندوباً وجب القيام به على وجه الندب، وإذا كان الحكم هو الإباحة خُيّر الإنسان بين الفعل والترك، وإذا كان الحكم هو الحظر أو الحرام لزم ترك الفعل وجوباً، وإذا كان الحكم هو الكراهة يترك الفعل على هذا الوجه.
أما زيادة الرغبة في القيام بأعمال دون غيرها فراجعٌ إلى الغاية التي يسعى لها الإنسان، فهي التي تجعله يوليها اهتمامه ويكثر منه، فالذي غايته إصلاح الفرد لكي يصلح المجتمع يكثر من الأعمال التي تحقق مقوّمات الفرد الصالح، كالصلاة والذكر وقراءة القرآن، والأخلاق الكريمة والمعاملة الحسنة. والذي غايته إصلاح المجتمع لإنهاض الأمة، يكثر من الأعمال التي تساعد على تحقيق المجتمع الصالح، كتحطيم العلاقات الفاسدة في المجتمع، والعمل على إزالة الأنظمة الفاسدة فيه، وذلك بوضع الأفكار التي تساهم في تحقيق النهضة.
أما الأعمال التي من شأنها إصلاح الفرد فهي التي تجعل من الفرد درويشاً ناسكاً همه الإكثار من الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن، ولكنه لا يهتم بما يدور حوله من تآمر على أمته، وتجعل منه إنساناً حيياً ينفذ ما يقوله رئيسه، ويتجه حيث يوجهه ويغلق سمعه عن كل ما يخالف ما تلقّاه عنه، حتى ولو أتيته بدليل قطعي من الكتاب أو السنة يعارض ما هو عليه فلا يأخذ به، فهو معطّل التفكير. هذه الأعمال البعيدة عن الصراع والكفاح تُورثه الجبن والخوف فلا يجرؤ على إنكار المنكر ولا على قول الحق إذا كان يترتب عليه أذى، أو كان يؤثر على وظيفته إن كان موظفاً أو على مركزه أو جاهه إن كان ذا مركز أو جاه.
أما الأعمال التي من شأنها إصلاح المجتمع فهي التي تجعل من الفرد إنساناً سياسياً مفكراً مدركاً لقضية أمته، مبصراً لطريقته في العمل، متحدياً يقارع الحكام الظلمة ويكشف مؤامراتهم ويسعى جاهداً لإزالة سلطانهم ليقيم النظام الذي تسعد به الأمة في حياتها. هذه الأعمال ثوابها أكثر من ثواب أعمال الدروشة وهي الأعمال التي يقوم بها شباب حزب التحرير. أما كون الدكتور يرى أن هذا العمل لا ثواب عليه ويريد من شباب الحزب أن يتركوها ويتواجدون في المساجد لقراءة القرآن والقيام بالنوافل من العبادات فهو نفس الطلب الذي تطلبه المخابرات منهم أثناء التحقيق معهم. وهو الالتحاق بجماعة الإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ والقيام بالصلاة والصيام وإعطاء الدروس في المساجد، ليتحول الشباب إلى دراويش، كأولئك الدراويش الذي حجر الدكتور على عقولهم فمنعهم من التفكير وسخرهم لخدمة أسياده، وأما شباب حزب التحرير فيصلون ويقرآ ون القرآن يحفظونه ويتدبرون معانيه ولكن في بيوتهم وليس في المساجد. والناس تعرف من هم شباب الحزب وتركن إلى رأيهم الفقهي والسياسي، فهي تعرف تماماً أنهم أوعى الناس في المجتمع على السياسة الدولية والمحلية وعلى الإسلام في عقائده وأحكامه ونظامه، وهم كذلك أوعى الناس على من يتخذ الإسلام وسيلة للكسب يشترون به ثمناً قليلاً كالدكتور فبئس ما يشترون.
خامس عشر دفع الدولة الإسلامية الجزية لــدولــة كــافـــرة
يعلق الدكتور على إفتاء الحزب بجواز دفع الدولة الإسلامية مالاً لدولة كافرة حال ضعفها لتتقي به شر تلك الدولة, ولا أظن أن الدكتور يجهل مثل هذا الحكم الذي هم الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله حينما أتفق مع زعيمي قبيلة غطفان في غزوة الخندق وهو أن يعطيها ثلث ثمار المدينة مقابل أن ينصرفا عن محاربته. ولكن الدكتور أراد أن يثير العواطف لدى السذج من جماعته ومن هو على شاكلتهم.
قال ابن إسحاق : فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهرى، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وإلى الحارث بن عوف أبن أبي حارثة المرى، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك، فلما أراد رسول الله أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما واستشارهما فيه، فقالا له : يا رسول الله أمرا تحبه فنضعه، أم شيئاً أمرك الله به، لا بد لنا من العمل به، أم شيئاً تضعه لنا؟ قال: بل شيء أضعه لكم والله ما أضع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعاً، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله مالنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنت وذاك.
لم يكن الرسول ليفعل فعلاً حراماً، وإنما يفعل الواجب والمندوب والمباح، ولا يفعل الحرام والمكروه وفعله دليل شرعي، أما كون الصلح لم يتم ولم يعطهم شيئاً فذلك أن المباح هو ما كان الإنسان مخيراً فيه بين الفعل والترك، ولقد هم بالفعل لولا ما لمس من معنوية الأنصار العالية.