يكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة اَ تَقُومُ السّاعةُ حَتّى يَتَبَاهَى النّاسُ في المَسَاجِد لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية، والورع تصنعا
اسم الكتاب: رسالة أهل السنة والجماعة في حديث الموتى وأشراط الساعة وبيان مفهوم أهل السنة والجماعة
تأليف العلامة الشيخ محمد هاشم أشعرى الرئيس الأكبر لجمعية نهضة العلماء
فصل في ذكر أمارات اقتراب الساعة
وهي كثيرة، منها عدم المساعد والمعاون على الدين، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {يَأَتِي عَلَى النّاسِ زَمَانٌ الصّابِرُ عَلَى دِينِهِ كالقَابِضِ عَلَى الْجَمْر}. رواه الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
ومنها: {يكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة}. رواه أبو نعيم في الحلية والحاكم في المستدرك عن أنس رضي الله عنه أيضا.
ومنها {ل }. رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن أنس رضي الله عنه.
ومنها {قطيعة الرحم، وتخوين الأمين وائتمان الخائن} رواه الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه أيضا.
ومنها {انتفاخ الأهلة، وأن يرى الهلال قبلا [بفتحتين أي سلعة ما يطلع] فيقال: لليلتين}. رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ومنها {يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر}. رواه الإمام أحمد والبخاري.
ومنها {لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية، والورع تصنعا}. رواه أبو نعيم في الحلية.
ومنها {أن يكون الولد غيظا والمطر قيظا وتفيض اللئام فيضا}. رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ومنها {لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها، وكان زعيم القوم أرذلهم، وساد القبيلة فاسقهم}. رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها {أن تزخرف المحاريب، وأن تخرب القلوب} رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ومنها {فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وفشو القلم، وظهور الشهادات بالزور}. رواه الإمام أحمد والبخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه . وفشو التجارة كناية عن كثرة الكتبة وقبة العلماء، يعني يكتفون بتعلم الخط ليخالطوا الحكام.
ومنها {أن يتخذ الأمانة مغنماً، والصدقة مغرماً، ويتعلم العلم لغير دين}. رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه
ومنها {إذَا أطاعَ الرجُلُ امْرَاَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ، وَأدْنَى صَديْقَهُ وَ أَقصى أَبَاهُ، وارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ في المسَاجِدِ} رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا.
ومنها {إذاَ ظَهَرَتْ القَيْنَاتُ وَالمَعَازِفُ، وَشُرِبَتِ الْخُمُور ُ، وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمّةِ أَوّلَهَا} رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا.
ومنها {إن أيام الدجال سنين خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة}. رواه الإما أحمد والبزار عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
ومنها {لا تقوم الساعة حتى تروا أمورا عظاما لم تحدثوا بها أنفسكم، يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتسألون هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا، وحتى تروا الجبال تزول عن أماكنها} رواه الإمام أحمد والطبراني عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.
ومنها {إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِروْ السَّاعَة}. رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها {لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ، فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ وَيَقُولَ: يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحبِ هذَا الْقَبْرِ} رواه مسلم عن أبي هريرة أيضا.
ومنها {لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس تسافد البهائم في الطرق} رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ومنها {لاَتفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ من يقول: لو واريناها وراء هذا الحائط} رواه أبو يعلى عن أبي هريرة.
ومنها {لا تقوم الساعة حتى توجد المرأة نهارا تنكح [أي تجامع] وسط الطريق، لا ينكر ذلك، فيكون أمثلهم يومئذ الذي يقول: لو نحيتها عن الطريق قليلا، فذلك فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم} رواه الحاكم أبو عبد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها ما روى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه {وحتى تمر المرأة على القوم، فيقوم أحدهم، فيرفع بذيلها كما يرفع ذنب النعجة، فيقول بعضهم: ألا واريتها وراء الحائط، فهو يومئذ فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم}.
ومنها {لا تقوم الساعة حتى تناكر القلوب، وتختلف الأقاويل، ويختلف الإخوان من الأب والأم في الدين} رواه الديلمي عن حذيفة رضي الله عنه
ومنها {لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد قناطر، فلا يسجد لله فيها ، وحتى يبعث الغلام الشيخ بريدا بين الأفقين، وحتى يبلغ التاجر بين الأفقين فلا يجد ربحا} رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه. وهو كناية عن عدم الرغبة في الصلاة، وعدم توقير الصغير الكبيرَ، وعدم البركة في التجارة لغلبة الكذب والغش على التجار.
ومنها {يأتي على الناس زمان همتهم بطونهم، وشرفهم متاعهم، وقبلتهم نساؤهم، ودينهم دارهمهم ودنانيرهم، أولئك شر الخليق لا خلاق لهم عند الله}.
ومنها {لا تذهب الأيام والليالي حتى يخلق القرآن في صدور أقوام من هذه الأمة كما يخلق الثياب، ويكون ما سواه أعجب لهم، ويكون أمرهم طمعا كله، لا يخالطه خوف، إن قصر في حق الله تعالى منته نفسه الأماني، وإن تجاوز إلى ما نهى الله عنه، قال: أرجو أن يتجاوز الله عني}.
ومنها {يَدْرُسُ الإِسْلاَمُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبَ. حَتَّى لاَيُدْرِي مَاصِيَامٌ وَلاَ صلاةٌ وَلاَ نُسُكٌ. وَلاَ صَدَقَةٌ. وَيَبْقَى طَوَائِف مِنَ النَّاسِ، الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ الكبيرة. وَ يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هذِهِ الْكَلِمَةِ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ. فَنَحْنُ نَقُولُهَا} رواه ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
ومنها {لاَ تَقُوْمُ السَاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِيْ الأَرْضِ لاَ إِلهَ إلا الله}
ومنها {لاَ تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، وتهلك الوعول، ويظهر التحوت. قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما التحوت؟ وما الوعول؟ قال: الوعول: وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس}. رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومنها {لاَ تقوم الساعة حتى تخرج سبعون كذابا، قلت: وما آيتهم؟ قال: يأتونكم بسنة لم تكونوا عليها، يغيرون بها سنتكم، فإذا رأيتموهم فاجتنبوهم}. رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها.
ومنها {إذا ظهر القول، وخزن العمل، وائتلفت الألسن، واختلفت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه، فعند ذلك “لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم” }. رواه الإمام أحمد وعبد بن حميد عن سلمان الفارسي رضي الله عنه.
ومنها {إذا الناس أظهروا العلم، وضيعوا العمل، وتحابوا بالألسن، وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا في الأرحام، لعنهم الله عند ذلك “فأصمهم وأعمى أبصارهم”}. رواه ابن أبي الدنيا عن الحسن رضي الله عنه
قال البيهقي وغيرهم رحمهم الله تعالى: الأمارات منها صغار، وقد مضى أكثرها. ومنها كبار ستأتي.
ولنختم الأحاديث المذكورات بما رواه مسلم في صحيحه عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: {اطّلَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ. فَقَالَ: “مَا تَذَاكَرُونَ؟”، قَالُوا: نَذْكُرُ السّاعَةَ. قَالَ: “إِنّهَا لَنْ تَقُومَ حَتّىَ تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ”. فَذَكَرَ الدّخَانَ، وَالدّجّالَ، وَالدّابّةَ، وَطُلُوعَ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَىَ ابْنِ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النّاسَ إِلَىَ مَحْشَرِهِمْ}.
أما الدخان فقد ذكر العلامة الخازن في تفسيره فقال: قال حذيفة رضي الله عنه يا رسول الله ما الخان؟ فتلا هذه الآية: { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}، يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوما وليلة. أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، وأما الكافر فهو كالسكران، يخرج من منخريه وأذنيه ودبره.
وأما الدجال ففي صحيح مسلم عن هشام بن عروة رضي الله عنه قال: {مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَىَ قِيَامِ السّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدّجّال}، أكبر فتنة. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال، فقال: {أَنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَىَ، كَأَنّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَة}. وفيهما عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَا مِنْ نَبِيّ إِلاّ وَقَدْ أَنْذَرَ أُمّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذّابَ. أَلاَ إِنّهُ أَعْوَرُ، وَإِنّ رَبّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ. مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنِيْهِ كافر}.
وروى البغوي رحمه الله تعالى بسنده عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها: {أن من أكبر فتنته أنه يأتى الأعرابي فيقول: أريت إن أحييت إبلك، ألست تعلم أني ربك؟، فيقول: بلى، فيتمثل له الشيطان نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعا وأعظمه أسنمة. ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول: أرأيت إن أحييت أخاك وأباك، ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيتمثل له الشيطان نحو أخيه و أبيه}.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: {مَا سَأَلَ أَحَدٌ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّجَّالِ مَا سَأَلْتُهُ، وَإِنَّهُ قَالَ لِي: مَا يَضُرُّكَ؟ قُلْتُ إنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ وَنَهَرَ مَاءٍ. قَالَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِك}. وروى الترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الدّجّالُ يخرُجُ بِأَرْضٍ المَشْرِقِ، يُقَالُ لهَا خُراسَانَ، يتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كأَنّ وُجُوهَهُمْ المَجَانّ المُطْرَقةَُ}. وعن أنس رضي الله عنه قال: قالَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: {يَتْبَعُ الدّجّالَ، مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلفاً، عَلَيْهِمُ الطّيَالِسَةُ}.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قال القاضي عياض: هذه الأحاديث التي وردت في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده فأقدره على أشياء من المقدورات من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى بن مريم عليه السلام، ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء، خلافاً لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة.
وأما الدابة فقد ذكر العلامة الخازن في تفسيره بإسناد الثعلبي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة، قلت يا رسول الله، من أين تخرج؟ {قال: من أعظم المساجد حرمة على الله، فبينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون، إذ تضطرب الأرض، وينشق الصفا مما يلي المسعى، وتخرج الدابة من الصفا، أول ما يخرج منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش، لم يدركها طالب، ولن يفوتها هارب، تسم الناس مؤمنا وكافرا، أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري، وتكتب بين عينيه مؤمن، وأما الكفار فتنكت بين عينيه نكتة سوداء، وتكتب بين عينيه كافر}. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: {تخرج الدابة من شعب جياد، فيمس رأسها السحاب، ورجلاها في الأرض}.
وأما طلوع الشمس من مغربها ففي كتاب بدء الخلق من صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قَالَ لي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ: {تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تِسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فتَسْتَأْذِنُ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوْ شِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ منها، وَتَسْتَأْذِنُ فَلاَ يُؤْذَنُ لَهَا، ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا. فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. قال في فتح الباري: يحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة، أو تسجد بصورة الحال، فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين. وقال النووي رحمه الله تعالى: وأما سجود الشمس فهو تمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها. والله أعلم.
وأما نزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج ففي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: {ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الدّجّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفّضَ فِيهِ وَرَفّعَ حَتّىَ ظَنَنّاهُ فِي طَائِفَةِ النّخْلِ. فَلَمّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ ذَكَرْتَ الدّجّالَ غَداةٍ، فَخَفّضْتَ فِيهِ وَرَفّعْتَ حَتّىَ ظَنَنّاهُ فِي طَائِفَةِ النّخْلِ، فَقَالَ: غَيْرُ الدّجّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ، وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنّ يَخْرُجْ، وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِه ِ، وَاللّهُ خَلِيفَتِي عَلَىَ كُلّ مُسْلِمٍ. إِنّهُ شَابّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ عنبة طَافِئَةٌ، كَأَنّي أُشَبّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزّىَ بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنّهُ خَارِجٌ خَلّةً بَيْنَ الشّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِيناً وَعَاثَ شِمَالاً. يَا عِبَادَ اللّهِ فَاثْبُتُوا، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْماً. يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ. وَسَائِرُ أَيّامِهِ كَأَيّامِكُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لاَ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرّيحُ، فَيَأْتِي عَلَىَ الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُراً، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعاً، وَأَمَدّهُ خَوَاصِرَ، ثُمّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ. فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النّحْلِ، ثُمّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئاً شَبَاباً، فَيَضْرِبُهُ بِالسّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزِلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلّلُ وَجْهُهُ ويَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيّ دِمَشْقَ. بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ. وَاضِعاً كَفّيْهِ عَلَىَ أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِن، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللّؤْلُؤِ، فَلاَ يَحِلّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاّ مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتّىَ يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدَ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إلى قَوْمٍ قَدْ عَصَمَهُمُ اللّهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَىَ اللّهُ إِلَىَ عِيسَىَ عليه السلام: إِنّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لِي، لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتالِهِمْ، فَحَرّزْ عِبَادِي إِلَىَ الطّورِ. وَيَبْعَثُ اللّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. فَيَمُرّ أَوَائِلُهُمْ عَلَىَ بُحَيْرَةِ طَبَرِيّةَ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَا مَرّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيّ اللّهِ عِيسَىَ عليه السلام وَأَصْحَابُهُ حَتّىَ يَكُونَ رَأْسُ الثّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْراً مِنْ مِائَةٍ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيّ اللّهِ عِيسَىَ وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللّهُ عَلَيْهِمُ النّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَىَ كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمّ يَهْبِطُ نَبِيّ اللّهِ عِيسَىَ عليه السلام وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ، فَلاَ يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيّ اللّهِ عِيسَىَ عليه السلام وَأَصْحَابُهُ إِلَىَ اللّهِ، فَيُرْسِلُ اللّهُ طَيْراً كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللّهُ، ثُمّ يُرْسِلُ اللّهُ مَطَراً لاَ يَكُنّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتّىَ يَتْرُكَهَا كَالزّلَفَةِ، ثُمّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرّمّانَةِ، وَيَسْتَظِلّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرّسْلِ، حَتّىَ أَنّ اللّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النّاسِ، وَاللّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النّاسِ وَاللّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللّهُ رِيحاً طَيّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلّ مُؤْمِنٍ وَكُلّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَىَ شِرَارُ النّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السّاعَةُ}.
وأما النار الخارجة من اليمن فهي الحاشرة للناس كما صرح به في الحديث. قال العلماء: وأنواع الحشر أربعة، اثنان في الدنيا، أحدهما إجلاؤه عليه الصلاة والسلام اليهود من المدينة إلى الشام، وثانيهما سوق النار قرب الساعة إلى المحشر الناس وغيرهم من كل حي قبل النفخة الأولى، وهؤلاء الناس أحياء الكفار. وأما المؤمن فيموتون قبل ذلك بريح لينة. واثنان في الآخرة، أحدهما جمعهم إلى الموقف بعد إحيائهم، والثاني صرفهم من الموقف إلى الجنة أو النار.