ومنهم فرقة يتبعون رأي محمد عبده ورشيد رضا، ويأخذون من بدعة محمد بن عبد الوهاب النجدي، وأحمد بن تيمية وتلميذيه ابن القيم وابن عبد الهادى، فحرموا ما أجمع المسلمون على ندبه، وهو السفر لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وهذا الفريق قد ابتلي المسلمون بكثير منهم سلفا وخلفا، فكانوا وصمة وثلمة في المسلمين وعضوا فاسدا يجب قطعه حتى لا يعدى الباقي، فهو كالمجذوم يجب الفرار منه، فإنهم فريق يلعبون بدينهم، يذمون العلماء سلفا وخلفا، ويقولون إنهم غير معصومين فلا ينبغي تقليدهم
اسم الكتاب: رسالة أهل السنة والجماعة في حديث الموتى وأشراط الساعة وبيان مفهوم أهل السنة والجماعة
تأليف العلامة الشيخ محمد هاشم أشعرى الرئيس الأكبر لجمعية نهضة العلماء
فصل في بيان تمسك أهل جاوى بمذهب أهل السنة والجماعة، وبيان ابتداء ظهور البدع وانتشارها في أرض جاوى، وبيان أنواع المبتدعين الموجودين في هذا الزمان
قد كان مسلموا الأقطار الجاوية في الأزمان السالفة الخالية متفقى الآراء والمذهب، متحدى المأخذ والمشرب، فكلهم في الفقه على المذهب النفيس مذهب الإمام محمد بن إدريس، وفي أصول الدين على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري، وفي التصوف على مذهب الإمام الغزالي والإمام أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهم أجمعين.
ثم إنه حدث في عام ألف وثلاثمائة وثلاثين أحزاب متنوعة، وآراء متدافعة، وأقوال متضاربة، ورجال متجاذبة. فمنهم سلفيون قائمون على ما عليه أسلافهم من التمذهب بالمذهب المعين والتمسك بالكتب المعتبرة المتداولة، ومحبة أهل البيت والأولياء والصالحين، والتبرك بهم أحياء وأمواتا، وزيارة القبور، وتلقين الميت، والصدقة عنه، واعتقاد الشفاعة ونفع الدعاء والتوسل وغير ذلك.
ومنهم فرقة يتبعون رأي محمد عبده ورشيد رضا، ويأخذون من بدعة محمد بن عبد الوهاب النجدي، وأحمد بن تيمية وتلميذيه ابن القيم وابن عبد الهادى، فحرموا ما أجمع المسلمون على ندبه، وهو السفر لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفوهم فيما ذكر وغيره. قال ابن تيمية في فتاويه: وإذا سافر لاعتقاده أنها أي زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم طاعة كان ذلك محرما بإجماع المسلمين فصار التحريم من الأمور المقطوع به. قال العلامة الشيخ محمد بخيت الحنفي المطيعي في رسالته المسماة “تطهير الفؤاد من دنس الإعتقاد”: وهذا الفريق قد ابتلي المسلمون بكثير منهم سلفا وخلفا، فكانوا وصمة وثلمة في المسلمين وعضوا فاسدا يجب قطعه حتى لا يعدى الباقي، فهو كالمجذوم يجب الفرار منه، فإنهم فريق يلعبون بدينهم، يذمون العلماء سلفا وخلفا، ويقولون إنهم غير معصومين فلا ينبغي تقليدهم، لا فرق في ذلك بين الأحياء والأموات، ويطعنون عليهم ويلقون الشبهات، ويذرونها في عيون بصائر الضعفاء لتعمى أبصارهم عن عيوب هؤلاء، يقصدون بذلك إلقاء العداوة والبغضاء بحلولهم الجو ويسعون في الأرض فسادا، يقولون على الله الكذب وهم يعلمون، يزعمون أنهم قائمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حاضون الناس على اتباع الشرع واجتناب البدع، والله يشهد أنهم لكاذبون. قلت: ولعل وجهه أنهم من أهل البدع والأهواء. قال القاضي عياض في الشفا: وكان معظم فسادهم على الدين وقد يدخل في أمور الدنيا بما يلقون بين المسلمين من العداوة الدينية التي تسرى لدنياهم. قال العلامة ملا على القارى في شرحه: وقد حرم الله تعالى الخمر والميسر لهذه العلة كما قال تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ }.
ومنهم رافضيون يسبون سيدنا أبا يكر وعمر رضي الله عنهما ويكرهون الصحابة رضي الله عنهم ويبالغون هوى سيدنا علي وأهل بيته رضوان الله عليهم. قال السيد محمد في شرح القاموس: وبعضهم يرتقي إلى الكفر والزندقة أعاذنا الله والمسلمين منها. قال القاضي عياض في الشفا: عن عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: {اللّهَ اللّهَ في أَصْحَابِي اللّهَ اللّهَ في أَصْحَابِي، لا تَتّخِذوهُمْ غَرَضاً بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبّهُمْ فَبِحُبّي أَحَبّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللّهَ، وَمَنْ آذَى اللّهَ يُوْشِكُ أَنْ يَأْخُذَه}، وقال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: {لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَاسِ أَجْمَعِيْنَ، لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفاً ولاَ عَدْلاً}، وقال صلى الله عليه وسلم: {لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فإنهُ يَجِىْءُ قَوْمٌ فِيْ آخِرِ الزَمَانِ يَسُبُّوْنَ أَصْحَابِيْ، فَلاَ تُصَلوّا عَلَيْهِمْ، وَلاَ تُصَلَوّا مَعَهُمْ، وَلاَ تناكِحُوْهُمْ، وَلاَ تُجَالِسُوْهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوْا فَلاَ تَعُوْدُوْهُم }، وعنه صلى الله عليه وسلم: {مَنْ سَبَّ أَصْحَابِيْ فَاضْرِبُوْه}، وقد أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن سبهم وأذاهم يؤذيه، وآذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام، فقال: {لاَ تُؤْذُوْني فِيْ أَصْحَابِيْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِيْ}، وقال: {لا تؤذوني في عائشة}، وقال في فاطمة رضي الله عنها: {بضعة مني، يؤذيني ما آذاها}.
ومنهم إباحيون يقولون: إن العبد إذا بلغ غاية لبمحبة وصفا قلبه من الغفلة، واختار الإيمان على الكفر والكفران سقط عنه الأمر والنهي، ولا يدخله الله النار بارتكاب الكبائر. وبعضهم يقول: إنه تسقط عنه العبادات الظاهرة وتكون عبادته التفكر وتحسين الأخلاق الباطنة. قال السيد محمد في شرح الإحياء: وهذا كفر وزندقة وضلالة، ولكن الإباحيون موجودون من قديم الزمان، جهال ضلال ليس لهم رأس يعلم العلم الشرعي كما ينبغي.
ومنهم من قال بتنلسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص تخرج من بدن الآخر من جنسه أو غيره. وزعم هؤلاء أن تعذيبها وتنعيمها فيها بحسب زكائها وخبثها. قال الشهاب الخفاجي في شرحه على الشفا: وقد كفرهم أهل الشرع لما فيه من تكذيب الله ورسوله وكتبه.
ومنهم من قال بالحلول والإتحاد، وهم جهلة المتصوفة، يقولون: إنه تعالى الوجود المطلق، وإن غيره لا يتصف بالوجود أصلا، حتى إذا قالوا: الإنسان موجود، فمعناه أن له تعلقا بالوجود المطلق، وهو الله تعالى. قال العلامة الأمير في حاشية عبد السلام: وهو كفر صريح، ولا حلول ولا اتحاد، فإن وقع من أكابر الأولياء ما يوهم ذلك أوّل بما يناسبه كما يقع منهم في وحدة الوجود، كقول بعضهم: “ما في الجبة إلا الله”، أراد أن ما في الجبة، بل والكون كله لا وجود له إلا بالله. وقال في لواقح الأنوار: من كمال العرفان شهود عبد و ربّ، وكل عارف نفى شهود العبد في وقت ما فليس هو بعارف، وإنما هو في ذلك الوقت صاحب حال، وصاحب الحال سكران لا تحقيق عنده، فظهر مما ذكر أن المراد بوحدة الوجود والإتحاد في مذهب القوم ليس على الظاهر المتوهم. وإذا كانت عبدة الأوثان يقولون: “ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زُلْفَى”، ولم يقولوا: “هم الله”، كيف يظن ذلك بالعارفين، وإنما المراد قول العارف:
وعلمك أن كل الأمر أمري >< هو المعنى المسمى باتحاد ولا بد عند كل مسلم من حظ في هذا المقام وإن تفاوتوا. وإنما أطلت الكلام على هذه الطائفة لأن ضررهم على المسلمين أكثر من ضرر جميع الكفرة والميتدعين، فإن كثيرا من الناس يعظمونهم ويسمعون كلامهم مع جهلهم بأساليب الكلام العربي. وقد روى الأصمعي عن الخليل عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: أكثر من تزندق بالعراق لجهلهم بالعربية، وهم باعتقادهم الحلول والإتحاد كفرة. قال القاضي العياض في الشفاء: إن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة غير الله أو مع الله فهي كفر، كمقالة الدهرية والنصارى والمجوسي والذين أشركوا بعبادة الأوثان أو الملائكة أو الشياطين أو الشمس أو النجوم أو النار أو أحدٍ غير الله. وكذلك أصحاب الحلول والتناسخ، وكذلك من اعترف بإلهية الله ووحدلنيته ولكنه اعتقد أنه غير حيّ أو غير قديم أو أنه محدث أو مصوّر أو ادعى له ولدا أو صاحبة أو أنه متولد من شيئ أو كائن عنه أو أن معه في الأزل شيئا قديما غيره أو أن ثَمَّ صانعا للعالَم سواه أو مدبرا غيره، فذلك كله كفر بإجماع المسلمين. وكذلك من ادعى مجالسة الله تعالى والعروج إليه ومكالمته أو حلوله في أحد الأشخاص، كقول بعض المتصوفة والباطنية والنصارى. وكذلك نقطع على كفر من قال بقدم العالم أو بقائه أو قال بتناسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص وتعذيبخا وتنعيمها بحسب زكائها وخبثها. وكذلك من اعترف بالإلهية والوحدانية ولكنه جحد النبوة من أصلها عموما أو نبوة نبينا خصوصا أو أحدا من الأنبياء الذين نص الله عليهم بعد علمه بذلك فهو كافر بلا ريب. وكذلك من قال: إن نبينا ليس الذي كان بمكة والحجاز. وكذلك من ادعى نبوة أحد مع نبينا صلى الله عليه وسلم أو بعده أو من ادعى النبوة لنفسه. وكذلك من ادعى من غلاة المتصوفة أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة. قال في الأنوار: ويقطع بتكفير كل قائل قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير الصحابة، وكل فاعل فعلا لا يصدر إلا من كافر كالسجود للصليب أو النار، أو المشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها. وكذا من أنكر مكة أو الكعبة أو المسجد الحرام إن كان ممن يظن به علم ذلك وممن خالط المسلمين..